• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية (219)

تفسير سورة البقرة .. الآية (219)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/12/2013 ميلادي - 21/2/1435 هجري

الزيارات: 41611

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآية (219)


قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [219].


الخمر اسم لكل ما خامر العقل وأسكره من أي مشروب ونحوه، كما سنذكر النصوص في ذلك وهذه الآية الثانية التي نزلت في المسكر، فالأولى جاءت في الآية [67] في سورة النحل: ﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ﴾ نزلت في مكة هي وما قبلها وما بعدها، وكانوا يشربونها في مكة، وهذه الآيات ساقها الله في هذه السورة المكية للتعجيب ليس للإباحة ولا للاستدلال وإنما هي لبيان ما يجمعه الله من المتعارضات، وكيف يخرج الخبيث من الطيب والطيب من الخبيث الكريه المستقبح، فهي للتعجب، وفي قوله تعالى: ﴿ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ﴾ دليل على أن ما فيه السكر ليس برزق حسن.


أما الآية الثانية فهي هذه الآية المدنية: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾. والآية الثالثة في سورة النساء نزلت بعدما غلط بعض الصحابة في قراءة القرآن ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43].


أما الآية الرابعة ففي سورة المائدة نزلت بالقطع بالتحريم بعد قول عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا.


وقد ذهب بعض الأئمة إلى أن الخمر حرمت بهذه الآية التي نتكلم عليها من سورة البقرة وأن ما أتى بعدها من الآيات فهو من قبيل التوكيد، لأن لفظ الإثم يفيد الحرمة، كما قال تعالى في الآية [33] من سورة الأعراف: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ ولكن يرد قولهم نص آية سورة النساء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43].


فقد كانوا يتجنبون السكر في قرب أوقات الصلاة. والصحيح الذي لا مراء فيه أن تحريم الخمر جاء على التدريج، وفي ذلك من الحكمة الإلهية ما لا يحيط به علماء التربية ولا غيرهم، لأن القوم ألفوا شرب الخمر وأولع بها كثير منهم، وكانت لهم تجارة وفيها نفع مالي كبير، ويعتقد بعضهم منفعتها، فلو منعوا منها دفعة واحدة لشق عليهم ولم يكمل انقيادهم خصوصًا قبل رسوخ الإيمان في قلوب الجماهير كافة، فاستعمل الله معهم الرفق بهذا التدريج الذي يوافي نمو الإيمان وقوته.


ولفظ الخمر منقول من مصدر خمر الشيء إذا ستره وغطاه، وسمي ما يغطي الرأس والوجه خمارًا، ووجه النقل في هذا الشراب أنه يستر العقل ويغطيه، أو هو من المخامرة التي هي المخالطة، يقال: خامره الداء إذا خالطه، وقد صرح بذلك عمر في خطبته على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهذا صح إطلاق الخمر على كل مسكر كما هو منطق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي آتاه الله جوامع الكلم، فقد سألوه عن (البتع) وهو شراب يتخذ من العسل، فقال: ((كل مسكر خمر))[1].


ولا عبرة بقول من خصص الخمر بشراب العنب لمخالفة نص القرآن والسنة، وكل من خالف قوله نصوصهما وجب على المسلمين ضرب قوله بعرض الحائط كائنًا ما كان؛ إذ قول الله ورسوله أولى بالاتباع وأحق، بل يجب رفض ما خالفهما من أي شخص صدر، فالله يقول: ﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا ﴾ [النحل: 67].


وروى أبو داود في سننه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من العنب خمرًا، وإن من التمر خمرًا، وإن من العسل خمرًا، وإن من البر خمرًا، وإن من الشعير خمرًا))[2].


قال الخطابي رحمه الله:

تخصيص الخمر بهذه الأشياء الخمسة ليس لأجل أن الخمر لا يكون إلا من هذه الخمسة بأعيانها، وإنما جرى ذكرها خصوصًا لكونها معهودة في ذلك الزمان، فكل ما كان في معناها من ذرة أو سلت أو عصارة شجرة فحكمها حكم هذه الخمسة، كما أن تخصيص الأشياء الستة بالذكر في خبر الربا لا يمنع من ثبوت حكم الربا في غيرها.


ومما يرد على قول من حصر الخمر في الأعناب وينقضه ويظهر فساد رأيه ما رواه البخاري ومسلم عن أنس قال: ((إن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر))[3]. وما رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأبو داود عن النعمان بن بشير المتقدم ذكره. زاد الإمام أحمد في روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وأنا أنهى عن كل مسكر))[4]. وما رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد عن عبدالله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل مسكر خمر وكل مسكر حرام))[5]. وما رواه الإمام مسلم والدارقطني عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل مسكر خمر وكل خمر حرام))[6].


وعن عائشة قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن (البتع) وهو نبيذ العسل وكان أهل اليمن يشربونه، فقال: ((كل شراب أسكر فهو حرام))[7]. فأناط الحكم بعلته وهو السكر ولم يلتفت إلى اسمه، لأن الأسماء لا قيمة لها. وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم.


وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أفتنا في شرايين كنا نصنعهما باليمن (البتع) وهو من العسل ينبذ حتى يشتد، و(المزر) وهو من الذرة والشعير، ينبذ حتى يشتد.


قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطى جوامع الكلم بخواتيمه، فقال: ((كل مسكر حرام))[8]. رواه البخاري ومسلم.


وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن جابر أن رجلًا من جيشان - وجيشان باليمن - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: (المزر) فقال: ((أمسكر هو؟)) قالوا: نعم. فقال: ((كل مسكر خمر. إن على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)). قالوا: يا رسول الله، وما طينه الخبال؟ قال: ((عرق أهل النار - أو - عصارة أهل النار))[9].


وما رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل مسكر حرام)). وما رواه أبو داود عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل مخمر خمر وكل مسكر حرام)). وما رواه الإمام أبو داود والترمذي عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام))[10]. والفرق بفتح الفاء والراء إناء يسع ستة عشر رطلًا.


وروى الإمام أحمد وابن ماجه والدارقطني صححه عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام)). وكذلك لأبي داود وابن ماجه والترمذي مثله سواء من حديث جابر. وكذلك لأحمد والنسائي وابن ماجه مثله من طريق عمرو بن شعيب، وكذلك للدارقطني مثله من حديث علي بن أبي طالب، وروى النسائي والدارقطني عن سعد بن أبي وقاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قليل ما أسكر كثيره[11].


وكل هذه الأحاديث على الإطلاق من أي نوع كان المسكر، وروى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه قوم فقالوا: يا رسول الله، إنا ننبذ النبيذ فنشربه على غذائنا وعشائنا. فقال: ((اشربوا، وكل مسكر حرام)) قالوا: يا رسول الله، إنا نكسره بالماء. فقال: ((حرام قليله ما أسكر كثيره)). ومعنى ننبذ النبيذ: غرس المريس من تمر ونحوه أو يطحن الشعير ونحوه وينقع شيئًا يسيرًا لا يتخمر به.


وقد أعطى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - جوامع الكلم فأسس لأمته قاعدة متينة من كلمة قصيرة موجزة: ((كل مسكر خمر)). فينبني عليها كل طعام أو شراب أو نبات مستحدث ينظر فيه إلى صفته وعلته لا إلى اسمه.


وقد وردت أحاديث كثيرة صحيحه في المنع عن الانتباذ بأنواع من الأواني كالدباء والنقير والمزفت والحنتم، ونحوها لسرعة التخمر بها، ولكن لما كانت البلاد تختلف بحرارتها وبرودتها رخص لهم أن ينتبذوا بما شاءوا، ونهاهم عن كل مسكر مهما كان نوعه أو نوع الوعاء الذي انتبذ فيه.


وروى أبو داود عن شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل مسكر ومفتر. قال الخطابي: المفتر كل شراب يورث الفتور والخدر في الأعضاء. وهذا لا شك أنه متناول لجميع أنواع الأشربة. فهذه الأحاديث كلها دالة على أن كل مسكر فهو خمر وهو حرام.


وقد وردت أحاديث كثيرة في الخمر والوعيد عليه، ليس هذا موضع تفصيلها، وسأذكر ما يتيسر لي في موضعه من سورة المائدة إن شاء الله.


وأما الميسر فهو القمار، ولا يختص بأنواعه المعروفة وقت النزول، بل كل ما تجدد من أنواعه إلى يوم القيامة مما في معناه فهو حرام، واشتقاق الميسر من (يسر) إذ وجب، أو من اليسر بمعنى السهولة لأنه كسب بلا كد ولا مشقة، أو من اليسار وهو الغنى لأنه سبب للربح والإثراء العامل أحيانًا، أو من اليسر بمعنى التجزئة والاقتسام لأنهم كانوا يقامرون على بعير فيذبحونه ويجزئونه عشرة أجزاء إلى ثمانية وعشرين جزءًا أو كل شيء جزأته فقد يسرته، وللعرب عشرة أقداح معروفة بأسماء مشهورة، منها سبعة لها نصيب وثلاثة بلا نصيب.


والأقداح الرابحة عند العرب في الميسر سبعة:

(1) الفذ.

(2) التوأم.

(3) الرقيب.

(4) الحلس: بفتح الحاء وكسر اللام أو كسرها وسكون اللام.

(5) النافس.

(6) المسبل.

(7) المعلى، وهو أعلاها، فللفذ سهم، وللتوأم سهمان، وللرقيب ثلاثة، وللحلس أربعة، وللنافس خمسة، وللمسبل ستة، وللمعلى سبعة، وهو الذي يضرب به المثل لمن كان أكبر حظًا أو نجاحًا من غيره في كل شيء مفيد، فيقال له: صاحب القدح المعلى، وكانوا يجعلون هذه الأزلام في الخريطة ويضعونها على يد عدل يجلجلها ويدخل يده فيخرج منها واحدًا باسم رجل ثم واحدًا باسم آخر إلى نهايتها، فمن خرج له قدح لا نصيب له كالوغد الثامن أو المنيح التاسع أو السفيح العاشر لم يأخذ شيئًا وغرم ثمن الناقة كلها، ومن خرج له من ذوات الأنصباء أخذ النصيب المرسوم بذلك القدح، وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها، ويفتخرون بذلك، ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه (البرم) بالتحريك، وهو في الأصل ثمر العضاة لا ينتفع به، ولذا قال متمم بن نويرة في ندبه لأخيه مالك بقصيدته المشهورة:

ولا برما تهدي النساء لعرسه
إذ القشع من ريح الشتاء تقعقعا

 

وما يفعلونه من جلجلة الخريطة في تلك الجاهلية يفعل الآن في الجاهلية الحالية واختلفوا هل الميسر هذا نوع من القمار بعينه أم يطلق على كل مقامرة؟ والصحيح أن كل قمار محرم بلا خلاف إلا ما أباحه الشرع من الرهان في السباق والرماية تشجيعًا على الجهاد والمفاضلة في أجله، فأما سباق الخيل المستعمل في هذا الزمان فهو شر أنواع القمار ويدخل في حكم أكل أموال الناس بالباطل، وهو من مؤسسات المنظمات الاستعمارية.


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ قرأ حمزة والكسائي (إثم كثير) بالثاء المثلثة من الكثير، وقراءة الباقين المشهورة ﴿ إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ والإثم: هو كل ما فيه ضرر وتبعات سيئة على فاعله في أقواله وأفعاله، والمعنى: قل يا محمد: إن في تعاطي الخمر والميسر إثمًا كبيرًا كثير المفاسد كبير الضرر، وفي تقرير ذلك بيان لقاعدة عظيمة أصيلة في الأصول وهي أن ما قابل نفعه ضرر وجب تغليب جانب الضرر على جانب المنفعة.


قد ذكر علماء الشريعة، وعلماء الطب وعلماء الاجتماع مجموعة كبيرة من أضرار الخمر والميسر نرى ذكرها لزامًا علينا، فمنها:

أولًا: أنها لا تروي الظمأ بل تلهب العطش.


ثانيًا: أنها تفسد المعدة إفسادًا محسوسًا.


ثالثًا: أنها تحدث الإقهاء وهو فقد شهوة الطعام.


رابعًا: أنها تعطل الأعمال ولا تفيد شيئًا في قضائها كما يزعمه المغرضون الدساسون.


خامسًا: أنها تغير الخلق، فالسكران تسرع إليه النشوة فتتخبط عيناه ويسوء خلقه ويكثر هذره.


سادسًا: تضخم البطن حتى تنفجر.


سابعًا: انهدال عينيه كأنه شيخ كبير.


ثامنًا: تلتئم شفتا السكران المدمن بحيث يتغير صوته.


تاسعًا: أن الخمر يوقف النمو العقلي والجسدي، وقد قرر الطب الحديث ضرره على الجنين إذا تعاطته المرأة.


عاشرًا: أنها تضعف قوة الإرادة وذلك لزوال العقل الرادع، وفقد التفكير، وبهذا يحصل ارتكاب الجرائم.


الحادي عشر: أنها تجر صاحبها إلى الفقر والشقاء.


الثاني عشر: أنها تعرض صاحبها للأمراض المعدية والسارية.


الثالث عشر: تخدير صاحبها وتسكينه، إذ هي من المسكنات كالبنج والإثير.


الرابع عشر: إحداث الشلل والرعدة في الجسم للمدمنين.


الخامس عشر: أن السكير ولو كان ابن الأربعين فإنه يكون نسيج جسمه كنسيج ابن الستين فصاعدًا ويكون كالهرم جسمًا وعقلًا كما قرره خبراء الأطباء.


السادس عشر: إحداث مرض الكبد والكلى.


السابع عشر: تخريقها للقلب بحيث تقضي على الحياة.


الثامن عشر: إحداث داء التدرن والسل الفاتك بشاربيها كما أثبتت التقارير الصحية أن نصف الوفيات في (أوروبا) من ذلك مع شدة عنايتهم بصحة أبدانهم، ولكن لا يمكن حصول الوقاية من ضرر الخمور إلا بتركها.


التاسع عشر: تخريقها للرئة وإضرارها بها حتى تقضي على الحياة.


العشرون: إضرارها بأصحاب الحمى التيفوسية أكثر مما تنفع بزعمهم.


الحادي والعشرون: تقريبها النهاية في الأمراض التي تنتهي بالموت وتطويلها مدة الشفاء في الأمراض الغير خطيرة.


الثاني والعشرون: أنها تسرع بعلة ضربة الشمس والرعن في أيام الصيف الحارة وقبلها.


الثالث العشرون: أنها تغير مادة القلب والأوعية الدموية.


الرابع والعشرون: إسراعها بإنفاق الحرارة في أيام الشتاء والبرد.


الخامس والعشرون: أنها تسرع بحويصلات الجسم إلى الخراب والتحطيم.


السادس والعشرون: أنها كثيرًا ما تسبب التهاب الأعصاب والآلام المنهكة للجسم والقوي.


السابع والعشرون: أنها كلما ازداد أصحابها منها زادت أمراضهم وعظم شقاؤهم.


الثامن والعشرون: إضعافه لمرونة الحنجرة مما يضر بجهاز التنفس.


التاسع والعشرون: تهييج شعب التنفس بالتهاب شتى.


الثلاثون: إحداث بحة الصوت والسعال.


الحادي والثلاثون: تعطيلها لوظائف الأعضاء أو إضعافها بحيث تخرج عن وضعها الطبيعي المعتدل، سبب ذلك أن المسكر لا يتحول إلى دم كما تتحول سائر الأغذية بعد الهضم بل يبقى حاله فيزاحم الدم في مجاريه فتسرع حركة الدم وتختل موازنة الجسم فيحصل ما ذكرناه كما قرره كبار الأطباء.


الثاني والثلاثون: سوء تأثيره في اللسان بإضعاف حاسة الذوق الذي يفقد صاحبه بسببها كثيرًا من اللذة بسبب فساد التذوق عنده.


الثالث والثلاثون: إحداث الالتهاب في الحلق.


الرابع والثلاثون: أنها تحدث في المعدة ترشيح العصارة الفاعلة في الهضم حتى يغلظ نسيجها وتضعف حركتها.


الخامس والثلاثون: أنها قد تحدث في المعدة احتقانًا والتهابًا.


السادس والثلاثون: أنها تحدث في الأمعاء التقرح.


السابع والثلاثون: أنها تحدث في الكبد تمديدًا وتوليد الشحم الذي يضعف عملها.


الثامن والثلاثون: أن المسكر يمازج الدم وبممازجته للدم يعوق دورته، وقد يوقفها أحيانًا فيموت السكير فجأة.


التاسع والثلاثون: أنه يضعف مرونة الشرايين فتتمدد وتغلظ حتى تنسد أحيانًا فيفسد الدم ولو في بعض الأعضاء فيكون فيها ما يشبه السرطان مما يقضي لقطع العضو الذي يظهر فيه لئلا يسري الفساد إلى الجسد كله فيكون هالكًا وتصاب الشرايين بما يسرع الشيخوخة والهرم.


الأربعون: تأثيره السيئ في المجموع العصبي، بحيث يولد الجنون، فيفقد صاحبه أشرف ميزة شرف الله بها الإنسان.


الحادي والأربعون: إهلاكه للنسل أو إضعافه، فولد السكران لا يكون نجيبًا وولد ولده يكون شرًا من ولده وأضعف بدنًا وعقلًا، وقد يؤدي تسلسل هذا الضعف إلى انقطاع النسل بتاتًا، خصوصًا إذا سلك الأبناء على طريق آبائهم كما هو الغالب.


الثاني والأربعون: وقوع النزاع والخصام بين السكارى، ومن يعاشرهم بحيث تفضي إلى العداوة والبغضاء، كما جعل الله ذلك من بعض العلل لتحريمها في الآية [90] من سورة المائدة.


الثالث والأربعون: ما يجري من السكارى من الحالة البهيمية بحيث ينزو بعضهم على بعض، وبعضهم يستمتع بزوجة الآخر.


الرابع والأربعون: ما يجري بسببها من إفشاء السر، وهذا ضرر فظيع يتولد منه أضرار شنيعة خصوصًا ما يتعلق بالحكم والسياسة ومصالح الدولة وأسرارها العسكرية، وقد كانت جواسيس الأعداء تعتمد على الخمر في كسب المعلومات الخطيرة.


الخامس والأربعون: ما يجري على صاحبها من الخسة والمهانة في أعين الناس، لأن السكران يكون في هيئته وحركاته وكلامه مضحكة بحيث يستخف به كل من رآه حتى الصبيان، لأنه يكون أقل منهم عقلًا، حيث يهبط به الخمر إلى أخس حالة، ويفقده توازنه في كل شيء، وفي كتب الأدب والفكاهات والمحاضرة شيء كثير من نوادر السكارى مما يرتدع بقراءته صاحب العقل والشرف عن مقاربتها، ومن نوادر ما يحكى عن المجانين في الخمر أن بعض المتعاطين للخمر عرض شربها على مجنون، فقال له: أنت تشربها لتكون مثلي، فأنا أشربها لأكون مثل من؟ وحكي ابن أبي الدنيا عن بعض المحدثين أنه رأى سكرانًا يبول في يده ويغسل وجهه كالمتوضئ ويقول: الحمد لله الذي جعل الماء طهورًا.


السادس والأربعون: أنها تغري صاحبها على جميع الجرائم من الزنا والقتل، فلهذا سميت (أم الخبائث) وكم من سكران قتل أمه أو عياله، وكم من سكران وقع على أمه أو ذوات محارمه، وأكثر من يتعاطون الجرائم الشنيعة والمستقذرة هم من السكارى والعياذ بالله.


السابع والأربعون: وقوع الحوادث والجنايات الأخرى على نفسه وعلى غيره خصوصًا في وسائل النقل من ذوات المحركات النارية، فأكثر حوادث اصطدام السيارات ببعضها وبالحيطان وبالأعمدة والأرصفة والحوانيت من أسباب السكر كما هو مفهوم في جميع التقارير العالمية.


الثامن والأربعون: ما يحصل فيها من الأضرار المالية التي تستنزف ثروة الشعوب ويبتزها أراذل القوم من كل جنس وبلد، ففيه يحصل ضياع أكبر طاقة من طاقات الحياة.


التاسع والأربعون: ما تحدثه في صاحبها من الغم وحرقة القلب والحزن وضيق الصدر، مما تجعل شاربها يزيد في شربها لتغطية عقله مما يحس وإبراد كبده من حرّها، كما قال أبو نواس شاعر الفسوق:

وكأس شربت على لذة
وأخرى تداويت منها بها

 

الخمسون: تعويقها لصاحبها عن طاعة الله، وحرمانها لحظوظه منها، وخصوصًا الصلاة التي هي عماد الدين، وهي المعارج الروحية لصاحبها إلى الله، وهذا ضرر عليه في الدين لا يمكنه تعويضه.


الحادي والخمسون: أنها تصد صاحبها عن ذكر الله بجميع أنواعه، وهذا أيضًا حرمان عظيم وضرر في الدين، وكل من هذين الضررين أشار الله إليهما في سورة المائدة بقوله: ﴿ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ﴾ [المائدة: 91].


وبالجملة فمضار الخمر كثيرة جدًا وشاملة لجميع نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعقلية. فلا يوجد ضرر عام شمولي يتعدى إلى هذه النواحي ويعمها سوى ضرر الخمور، وفيها من المضار المعنوية ما لا يحصى. وقد اقتصرت على القليل من مضارها كإشارة، ولي عودة إلى ذكرها عند الكلام على آية النساء وآية المائدة إن شاء الله.


وقد ضج العالم الغربي الذي يزعم التمدن من مضار الخمر والذي عمل على ترويجه في جميع البلاد التي استعمرها، بل عمل على إباحته وحماية موزعيه وتخفيف عقوبة الجريمة من أجله أو إسقاطها لإغراء الناس على شربه.


أقول: إن الغربيين الذين ابتلينا بدائهم في الخمور أصبحوا ينصحون من شرورها، فقد تدهورت أخلاقهم وكثرت جرائمهم بأبشع الألوان، وكثر انتحارهم، وازداد بؤسهم، وتفاقمت شرورهم كما فعلوا في بلاد غيرهم أذاقهم الله أصناف الويلات في تعاطي الخمر، وخذ بعض الحقائق عن بلد يعتبر من أحسن بلادهم عملًا وتقدمية. هي (إنكلترا) فقد أعلنت التقارير الرسمية عن عدد المنتحرين أنهم منذ عشر سنوات بلغوا ثمانية آلاف وأنهم الآن ازدادوا إلى خمسة عشر ألف منتحر سنويًا بسبب الخمر والقمار وأن البوليس يسعى لإخفاء بعض تلك الجرائم.


وعواقب الخمر عواقب وخيمة في النواحي الاجتماعية والاقتصادية بحيث لو استعمل الناس عقولهم لحرموها قانونيًا لفداحة أضرارها في هاتين الناحيتين، ولكن أنى ينتفع الإنسان بعقله وقد نبذ دين الله ظهريًا؟ إن من نبذ الدين يحرمه الله من الانتفاع بعقله انتفاعًا صحيحًا، ولهذا فهم في أمر مريج في جميع نواحي الحياة كما سنذكر طرفًا من ذلك قريبًا.


وكم من أغنياء ضحوا بجميع ما لديهم حتى وصلوا إلى بيع أثاث منازلهم ليتمتعوا بشرب الخمر، فذهبوا فريسة الذل والقنوط وذل بذلهم أهلوهم ومسهم الضر والبلاء.


وكم من سكران هجر بيته ليألف النساء المستهترات في حوانيت الخمر وزهد بزوجته وأعرض عن أولاده فجرّ إلى بيته الخراب والدمار. وكم من أرواح بريئة ذهبت في حوادث السيارات نتيجة سكر السائقين.


ثم إن الولوع بالخمور سبب للولوع في القمار ومضاره التي لا تحصى، والأمر المخيف جدًا في الخمر، والذي ينبغي أن يرعى غاية الاهتمام ولا يغفل عنه لحظة واحدة هو أن الخمر مصيدة من أكبر مصائد الطامعين والمغرضين والمستعمرين. فالطامع أيًّا كان مطمعه يعمل على تحصيله من جهة الخمر.


أما قوله سبحانه: ﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ فالمنافع من أهمها التجارة، إذ أنها كانت من أهم موارد التجارة، وأكثرها ربحًا، لأن العرب كانت تسخو في شرب الخمر ما لا تسخو في غيره، حتى كانوا يعدون ترك المساومة في شرائها مكرمة.


وقد يكون لها بعض الفوائد الأخرى، ولكن مضارها الكثيرة تقضي على منافعها النادرة.


ومن هنا فقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة، كما صحّ الحديث عنه بقوله: ((لعن الله الخمر، وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها، وشاربها ومستقيها، وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها))[12].


وقوله سبحانه: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾. سؤال الصحابة رضي الله عنهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإنفاق على سبيل الإطلاق، يريدون منه بيان ما أمرهم الله به من الإنفاق في سبيله، وما جعله من صفات المؤمنين الخاصة في قوله سبحانه: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3] وفي قوله: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 195].


وقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 254].


وقوله: ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾ [إبراهيم: 31].


وغير ذلك مما أجمل بيانه على الإطلاق ولم يقيده بشيء محدود كالزكاة.


وقد اقتضت حكمة الله إطلاق ذلك بادئ الأمر لينشط أهل العقيدة في المواساة والإيثار ليكونوا في تعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد، فتنقلب قلتهم كثرة، وينقلب ضعفهم إلى قوة أمام كثرة أعدائهم وقوتهم، وذلك ببركة توجيه الله لهم إلى التساند ببذلهم وإيثارهم حتى إذا سألوا الله على سبيل التحرج من التقصير جاءهم التخفيف من حيث يتطلعون إلى الشدة لقوة إيمانهم وحسن ثباتهم، فيرحمهم عالم السر والنجوى على ثباتهم على الإنفاق والإحسان، ويقرر ما يكفي لحفظ دينهم بعد رسوخ قوته وارتباط آصرتهم على الحب والبذل، فيأتي الجواب منه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾.


والعفو هو اليسر والسهولة، يعني ينفقون ما تيسر لهم وسهل عليهم مما يكون فاضلًا عن حاجتهم وحاجة من يعولونه من أسرتهم، وهذا كقوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾ [الأعراف: 199] يعني تقبل الميسور من أخلاق الناس فإنهم ليسوا على طبيعة واحدة.


ومن فسر ﴿ الْعَفْوَ ﴾ بالزيادة كما في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى عَفَوْا ﴾ [الأعراف: 95] أي زادوا، قال ينفقون الفضل والزيادة عن الحاجة، فالمعنى واحد يلتقي على كلا التفسيرين بلا تعارض، ثم إن الزيادة عن الحاجة فيها إجمال يحتمل الزيادة عن حاجة اليوم أو الشهر أو السنة، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أوضح هذا الإجمال بقوله وفعله، فقد كان يدخر لأهله قوت سنة.


وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب فقال: يا رسول الله خذها صدقة فوالله لا أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم أتاه من يديه فقال: ((هاتها)) مغضبًا، فأخذها منه ثم حذفه بها بحيث لو أصابته لأوجعته.


ثم قال: ((يأتيني أحدكم بماله لا يملك غيره ثم يجلس ويتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى، خذها فلا حاجة لنا فيها))[13].


وروى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول))[14].


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾. معناه أن الله سبحانه على هذه الطريقة من البيان ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ ﴾ العلامات الواضحات لفهم معالم دينه وأحكام شريعته مما يضمن مصالحكم ومنافعكم، وذلك بتوجيه عقولكم إلى ما فيه الأضرار والمنافع في صحتكم واقتصادياتكم وشؤونكم السياسية والاجتماعية والثقافية ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ في حكمه التشريع فيتضح لكم ما يضركم على وجه العموم أو يكون ضرره راجحًا فتجتنبوه على بصيرة من أمركم واقتناع بسوء عاقبته، كما يتضح لكم منافع المأمور أو المرخص به فتكتفون به عن الحرام، اقتناعًا منكم بمصلحته وإيقانًا برحمة الله لكم، وأنه لا يريد إعناتكم وإنما يريد مصلحتكم والتيسير عليكم، فمعرفتكم بأسرار الأحكام توقفكم على الحقائق النافعة إذا استعملتم عقولكم استعمالًا صحيحًا.


وقوله: ﴿ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ إخبار منه سبحانه أن هدايته ليست مقصورة على مصالح الدنيا، وما يفيدكم فيها، بل هي شاملة لخيري الدنيا والآخرة. وقد قال الحسن إن في هذه الآية تقديمًا وتأخيرًا معناه (يبين لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون).


ولكن هذا التقدير لا يجوز، لأنه عدول بالآية عن ظاهرها بلا دليل. فالآية على نسق صحيح وهو أن تبيينه لآياته لكم لتعلموا حكم الأحكام وأسرارها وأنه هداكم إلى استعمال عقولكم فيها لترتقوا بهدايته عقليًا وروحيًا لا لينتفع بكم، فهو الغني بنفسه عما سواه، ولكن لتنتفعوا أنتم بتفكركم، ولتعلموا أن مصلحتكم من التشريع الإلهي ليست خاصة في الدنيا، بل هي عامة بمصالحكم في الدنيا والآخرة. فعليكم أن تتفكروا بهما جميعًا فتجتمع لكم مصالح الجسد والروح فتكونوا أمة وسطًا خيارًا كاملين، لستم كالذين حسبوا أن الآخرة لا تنال إلا بترك الدنيا وإهمالها بالكلية فخسروها وخسروا الآخرة معها، لأنه لابد للمؤمن من العمل للدارين، ولا كالذين انصرفوا للدنيا وقصروا همتهم على لذاتها كالبهائم فأظلمت أرواحهم وفسدت تصوراتهم وأخلاقهم وكانوا بلاء على أنفسهم وعلى غيرهم فخسروا الدارين جميعًا بل يرشدكم الله إلى التفكر في أمور الدنيا والآخرة لتأخذوا بحظكم من الجميع، فهذا شبيه بقوله: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]. كما تقدم توضيحها. ففي مثل هذه الآيات إعلام من الله أن دينه الإسلام هاد بهدى أهله ويرشدهم إلى توسيع دائرة الفكر واستعماله في مصالح الدارين، هذا وأن تقديمه للدنيا في الذكر ليس إلا لكونها متقدمة في الوجود بالفعل لا لسبب خاص، وليعلم أن كل ما أمرنا الله به وهدانا إليه فهو من ديننا تجب علينا إقامته، ولهذا قال المحققون من علمائنا: إن جميع الفنون والصناعات التي يحتاج إليها المسلمون في حياتهم فهي من الفروض الدينية، لكنها من فروض الكفاية، إذا أهملت الأمة شيئًا منها فلم يقم بها أحد كانت كلها عاصية آثمة، إلا العاجز عن دفع ضرر ووجب على ولي الأمر إجبار من يقدر على القيام بها.


على هذه القاعدة قام صرح مجد المسلمين عدة قرون حيث كان المسلمون يقومون بالأعمال الدنيوية التي يحتاجون إليها في دينهم للقيام بوظيفة الدعوة والجهاد، وكل منهم يسد ثغرًا من الأعمال حتى لا يستغله عدوهم حتى كانوا أعلى الأمم حضارة وعمرانًا.


والآن قد انعكس الأمر بحيث يوجد من يشجع تارك الصنعة والحرفة من بناء ونجار وفلاح على تركها ليكون موظفًا حقيرًا في دائرة يسمى (فراشًا) تضيع رجولته وشهامته بهذه الوظيفة، وينكب قومه بتركه لصنعته، تفضيلًا للراحة واللقمة الباردة التي لا خير فيها، فالواجب على المسلمين التفكر في أمور الدنيا والآخرة، والعمل للدنيا والآخرة، وألا يرفضوا العلوم الدنيوية لجفافها من الدين، بل يعملون على إصلاحها وتكييفها بروح الدين وإشباعها بسنن الله الكونية المقوية للعقيدة، زيادة على ما يقومون به من حسن التربية الدينية لأولادهم، واختيار المعلمين الذي فيهم خير وروحانية، والعمل على إبعاد من هو بعكس ذلك، فإن المدارس قد أنشئت لأولادهم لا لأولاد الجن، فعليهم أن يعرفوا قيمتهم وواجبهم في ذلك وأن يتعاونوا مع دولتهم المسلمة على البر والتقوى، ومن ابتلى بدولة لا تتعاون معه ولا تعير لدينه اهتمامًا وجب عليه البذل في سبيل الله لإنشاء مدارس تجمع بين الدين والدنيا حتى لا يتورطوا في التربية المادية الصرفة، لأنه يحرم عليهم الاعتماد على التربية الماسونية اليهودية التي تتولاها مؤسسة (اليونسكو) ضلع الماسونية، بل يصنعون أولادهم على أعينهم بما يقيمونه من المدارس التي تجمع بين الدين والدنيا ليحصنوا أولادهم بتركيز العقيدة في كل مادة، ولا يحرمونهم من العلوم الدنيوية، فإنها لا تضر بصاحب العقيدة الذي يعرف حق الله عليه في حياته، وإنما تضر بمن هو صفر اليدين من الهداية والعقيدة كما يريده لنا زعماء التربية الماسونية في مخططهم للغزو الثقافي الذي هو أشد ضررًا ونكاية من كل غزو عسكري ولا يعذر المسلمون أبدًا على موقفهم المتخاذل.



[1] أخرجه مسلم: [2003] من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما.

[2] أخرجه أبو داود [3676].

[3] أخرجه البخاري، كتاب: الأشربة، باب نزل تحريم الخمر وهي من البسر والتمر، [5584]، ومسلم: [1980].

[4] أخرجه الإمام أحمد: [4/273].

[5] أخرجه مسلم: [2003]، وغيره.

[6] انظر ما قبله.

[7] أخرجه البخاري، كتاب: الأشربة، بابا: الخمر من العسل، [5585]، ومسلم: [2001].

[8] أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب: بعث أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما إلى اليمن، [4343]، ومسلم: [1733].

[9] أخرجه مسلم: [2002].

[10] أخرجه أبو داود: [3678]، والترمذي: [1866]، وقال: حديث حسن.

وقال ابن عدي: وهذا لا أعلم يرويه عن أبي عثمان الأنصاري غير ثلاثة أنفس الربيع بن صبيح، ومهدي بن ميمون، وليث بن أبي سليم وأخرجه في الكامل: [3/133].

وقال الزيلعي: وأما حديث عائشة فأخرجه أب داود، والترمذي عن أبي عثمان عمرة بن سالم الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنهما... الحديث.

وأخرجه الدار قطني بطرق كلها ضعيفة. هـ بتصرف الراية: [4/304].

[11] أخرجه الدار قطني: [4/257، 258] [60، 61].

[12] أخرجه أبو داود: [3674]، والترمذي: [1295]، وابن ماجه: [3380، 3381].

وفيه عبدالرحمن الغافقي.

قال عنه ابن معين: لا أعرفه، وذكره ابن يونس في تاريخه، انظر نصب الراية: [4/263] بتصرف.

[13] أخرجه الدارمي: [1659]، وابن خزيمة: [2441]، وابن حبان: [3372]، وأبو يعلى: [2084]، وعبد بن حميد: [112]، والبيهقي: [4/181].

[14] أخرجه البخاري، كتاب: الزكاة، باب، لا صدقة إلا عن ظهر غنى، [1426]، وأما حديث مسلم فليس عن أبي هريرة رضي الله عنه كما أشار المصنف رحمه الله، فقد أخرجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهم: [1033]، ومن حديث موسى بن طلحة رضي الله عنه [1034]، ومن حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه =[1035].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآية (215)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (216)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (217)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (218)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (220)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (221)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (222)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (223)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (224)
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات ( 225 - 227 )

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب