• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البعثة والهجرة (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    أسباب نشر الأدعية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    كليات الأحكام
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    بين الحاج والمقيم كلاهما على أجر عظيم.. (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    لا حرج على من اتبع السنة في الحج (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تخريج حديث: إنه لينهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم".. فوائد وتأملات ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    الحج: غاياته وإعجازاته
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشهيد، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة (2)
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (13)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحج ويوم عرفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

الحب الإلهي

الحب الإلهي
الشيخ طه محمد الساكت

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/12/2013 ميلادي - 7/2/1435 هجري

الزيارات: 26394

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحب الإلهي[1]


عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أحبَّ الله عبدًا، نادى جبريل: إنَّ الله يُحبُّ فُلانًا فأحبَّه، فيُحبُّه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبُّوه، فيُحبه أهل السماء، ثم يوضَعُ له القبول في الأرض))؛ رواه الشيخان[2].

••••


منزلة المحبَّة:

محبة الله لعبدِه وما يَتبعها من ولاية الله ونصرِه له ودفاعه عنه، ومُعاداته لمَن عاداه، ومُسالمته لمَن سالَمَه، وإكرامه لمن أكرمه، ومن إعزاز السماء والأرض له، حتى لتَفرحان به في حياته، وتَبكيانِ عليه عند موتِه؛ هذه المحبَّة التي لا محبة فوقها، وكل محبة دونها، منزلةٌ ما أجمَلَها! حقيقة بأن يتنافَس فيها المُتنافِسونَ، ويَتسابق إليها المتسابِقون، مِن العباد المُخلِصين، والأبرار المُقرَّبين؛ إذ كانت هي الغاية القُصوى مِن المَقامات، والذِّروة العليا من الدرجات، ولا جرَم أنها حرامٌ على أرباب الكلام، وأصحاب الأمانيِّ والأحلام، حلال لأولي العِلم والنهى، والعمل والخشية، من الذين جاهَدوا في الله حق جهاده، وتولَّوا الله حق ولايته، فاجتَباهم ربهم، واصطَفاهم لمحبَّتِه، واختصَّهم برحمته: ﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105].

 

أسباب محبة الله للعبد:

غير أنه - سبحانه - وإن اختَصَّ برحمته مَن يشاءُ من عباده، علَّمَنا في كتابه المُبين، وفيما أوحى إلى رسوله الصادق الأمين، أن لهذه الدرجة الرفيعة - درجة محبته وولايته - أسبابًا تدلُّ عليها، ووسائلَ تَهدي إليها، وأمَاراتٍ تُرشِد إلى أهلها، على تفاوتِ ما بينَهم فيها.


وقد أمَرَنا اللهُ أن نعمَلَ ونَكدح، آخِذينَ بالوسائلِ والأسبابِ لما قَضى - وله الحُجَّةُ البالغةُ - من الربط الإلهي الوثيق بين الأسباب ومسبِّباتها، والوسائل وغاياتها، فمن طمع في محبة الله له ورضوانه عليه، دون أن يأخذ بأسباب هذه المحبَّة ويَسلُكَ سبُلَها، فهو إما مَخدوعٌ جاهل، أو مُبطِلٌ عنيدٌ، يريد أن يلغي عقله، ويفسد فطرته، ويبدِّل سنَّةَ اللهِ في خلقه وشرعه ﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 62].

••••


وأساس حبِّ الله لعبدِه وولايته له، هو حبُّ العبد لربه وإخلاصه له، وعلى قدر حبِّ العبدِ وإخلاصه، يكون حبُّ اللهِ ومعونته، وتوفيقه وهدايته، ولا يزال العبدُ يتدرَّج في الإخلاص والمحبة؛ حتى يكون عالمًا ربانيًّا: لا يَنامُ ولا يقومُ، ولا يحب ولا يبغض، ولا يفعل ولا يترك، ولا يتحرَّكُ ولا يَسكُن، إلا باللهِ وللهِ، يتَّقيه حق تُقاته، ويبلغ الجهد في مرضاته، ويتوكَّل عليه حق توكله، فلا يخشى أحدًا غيره، ولا يرجو أحدًا سواه، وما أجدرَه حينئذٍ بمحبَّة الله له، وقربه منه! حتى يكون أقرب إليه من سمعه وبصره، ويده ورجله، وما ظنُّكَ بعبدٍ أحبَّهُ مولاهُ، فكَفاه وتولاه، ورضيَ عنه وأرضاه؟


أليس مِصداقُ ذلك ما رواه البخاريُّ في الحديث القُدسي عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ اللهَ تعالى قال: مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّبَ إليَّ عَبدي بشيء أحبَّ إليَّ ممَّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصَرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يَبطِشُ بها، ورجله التي يَمشي بها، وإن سأَلني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه))[3].


طريقة مَحبَّة العبد لربه سُبحانه:

بيَّن هذا الحديث الربانيُّ - أيَّ بيان - طريقة محبة العبد لربه، ووسيلتَه إلى قُربه، وأجملها في امتثال أوامره، واجتِناب محارمِه، والوقوفِ عند حدودِه، مع تقديم الأصول على الفروع، والفرائض على النوافل، وقديمًا قال العلماء الربانيُّون: مَن شغَله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور، ومَثَل من يتقرَّب إلى الله بالنوافل مع تهاونه في الفرائض، من جهلة المتصوفة وأمثالهم، كمَثَل البستاني يَأتمنُه سيده على بستانه، فيعمد إلى أشجاره فيَسرقها، ثم يختلس منها بعض ثمارها، فيُقدِّمها هدية إلى سيده، لا جرم أنه جدير برفض هديته، علاوةً على غضب مولاه ومقته!

 

أدعياء المحبة:

أما الذين يزعمون أن محبة الله أثر للعلاقة القلبية والصِّلة الروحية بين العبد وربِّه، ولا دخل للعمل فيها، من الزنادقة الملاحِدة ومَن جاراهم - من أرباب الفلسفة النظرية والشقشقة اللسانية - فلا خِطاب لنا معهم؛ إذ لا أمل لنا فيهم؛ لأنهم قوم رَكبوا رُؤوسَهم، وأغلَقُوا قلوبهم، واتَّبعوا أهواءَهم، فعَمُوا وصمُّوا وضلُّوا وأضلُّوا ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ﴾ [الجاثية: 23].


وقد ادَّعى محبةَ اللهِ أقوامٌ أقل من هؤلاء تمرُّدًا وعِنادًا، فشهر الله فضيحتهم وإفلاسَهُم، وأعلنَ في كتابه العزيزِ تَكذيبهم وبراءته منهم؛ فقال - وقوله الحق -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31، 32].


وقال في إبطال دعوى أهلِ الكتاب وإفحامِهم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾ [المائدة: 18].


ثم قال - جلَّ شأنُه - في علاماتِ أوليائه الصادقين، الذين أحبَّهم كما أحبُّوه، ورضي عنهم كما رضوا عنه، والذين يُباهي بهم ملائكته، ويُعزُّ بهم دينَه، ويَجعل منهم العوض - خير العوض - ممَّن ارتدَّ عنه وجحده: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54].

 

من صفات المحبين الصادقين:

هذه أربعُ علامات تَضمَّنتْها الآيتان الكريمتان، ميَّز اللهُ بهما هؤلاء المُحبِّينَ المُخلصينَ:

الأولى: ذلتهم للمُؤمنينَ، وخفضُ الجناحِ لهم، وإشفاقهم عليهم، كإشفاقِ الوالد على ولدِه، أو الأخ على أخيه، أو الطبيب على مريضه، فليستِ الذلَّةُ هنا ذلةَ ضعةٍ وضعفٍ، ولكنَّها ذلة تواضُعٍ وعطفٍ، وقد أمَر الله الأبناء أن يُحسنوا إلى الآباء، ويَخفضوا لهم جناح الذلِّ من الرحمة، ووصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكمَلةَ مِن أمَّتهِ، بأنهم في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسد الواحد، إذا اشتَكى منه عضو، تَداعى له سائر الجَسدِ بالسهرِ والحُمَّى[4].


الثانية: عزتهم على الكافِرين وعدم الخضوع لهم، فلا يتوَلَّونهم ولا يُمالئونهم، ولا يتَّخذونَ منهم بطانةً وأنصارًا، ولا يتشبَّهونَ بهم في شأنٍ مِن شؤونهم، مما يُهين كرامتَهم ويُضعِفُ عزتهم وسلطانهم ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]، ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].


وفي معنى هاتينِ العلامتينِ ما وصَف الله تعالى أصحاب نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

 

الثالثة: جهادُهم بأنواع الجهاد كافَّةً؛ بأنفسهم وأموالهم، وأيديهم وألسنتهم، لا يألون جهدًا، ولا يدَّخرون وسعًا.


وعلى ضروب الجهاد قام الإسلام، وبُني هذا الدين الحنيف، وعمَّ نورُ الله في الأرض، وبالجهاد سبق السابقون ممَّن لا يَبلغ المُجتهِدون منا مُدَّ أحدِهم ولا نصيفه[5].

 

الرابعة: صلابتهم في الحق ومُضيُّهم فيه، لا يَخافون لومَ اللائمين، وإن بلَغوا من السلطان والجاهِ أمدًا بعيدًا؛ لأنَّهم لا يعملون رغبة في جزاء من الناس أو ثناء، أو رهبة مِن مَكروه أو بلاء، وإنما يخشون الله وحده، فيُحقُّون الحق ويُبطِلون الباطل، ويأمُرون بالمعروف وينهَون عن المُنكَرِ، رضيَ الناسُ أم كانوا ساخِطين.

 

مقتضى محبة الله سُبحانه:

وتَقتضي محبَّة الله سُبحانه أن يحبَّ العبدُ ما يحبه ربُّه، ويبغض ما يبغضه، من الأعمال والعباد جميعًا، وتلكَ هي العلامة الجامعة للعلامات السابقة وما إليها، مما هو مَبثوث في كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وممَّا أَلِفَتْه العُقول، وجرَت عليه الفِطَرُ: أن المحبَّ يؤثِرُ حبيبَه على نفسه، ثم يتحسَّس من كل ما يحب الحبيب فيُحبه، ومن كل ما يبغض فيبغضه، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

 

أولى الناس بالمحبة بعد الله - عز وجل -:

وأَولى الناس بالمحبَّة هو خاتم النبيين - صلوات الله وسلامه عليه وعليهم - إذ أخرَجَنا من الظلمات إلى النور بإذن ربه، وأحْيانا حياةً أبدية رُوحيَّةً فوق حياتِنا العابرة الجسمية؛ ولذلك كان حبُّه - صلى الله عليه وسلم - فوق حبِّ الوالدَينِ، بل كان ركنًا مِن أركان الإيمان، ودعامةً من دعائمه، وكان شُكره باتِّباعه، واستِجابة ندائه، والصلاة والسلام عليهِ، فوق شُكرِ الوالدَين اللذَين أمر الله بشُكرهما مقرونًا بشُكرِه.


وتلي محبتَه - صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه النبيِّين والمُرسَلين - محبةُ أصحابه والتابعين لهم بإحسان.

 

ومِن آثار محبَّتِهم إجلالُهم وإحسانُ الظنِّ بهم؛ لحبِّ الله ورسوله إياهُم، وثنائه عليهم، ومغفرته لهم، وحسْبُنا من دواعي الحب والإجلال، أنهم شَهِدوا من النُّور ما لم نشهَد، ثم حدَّثونا، وعَلِموا من الكتاب والسنَّة ما لم نكن نعلم لولا أن عَلَّمونا، وكان فضل الله عليهم بالسبق ثم علينا بالاتباع عَظيمًا[6].

 

ثمرة الحبِّ الإلهي:

إذا بلَغ العبدُ المرتبةَ العليا في محبة الله له، على ما بينَّا لكَ آنفًا، من مُجمَل القول ومُفصَّلِه، فبشِّرْه بما بشَّرَ اللهُ به أولياءه؛ من حب الملائكة والناس لهم، ورِضا الخلق بعد رضا الخالق عنهم؛ إلى ما يُمتِّعُهم به سبحانه مِن غِنى النفس، وقرَّةِ العَينِ، وطيبِ الحياةِ، بلذَّةِ الحبِّ وحلاوة المُناجاة، ممَّا لو علمه ملوكُ الدنيا، لاشترَوه بمُلكِهم ولقاتَلُوا المُحبِّين عليه.


ولا ينقص من محبَّة الوليِّ وهيبته ورضا الله والناس عنه - ما يغص به حاقد أو حاسد أو فاسق أو منافق؛ فإنه لا وزنَ لهؤلاء في حبٍّ ولا بغضٍ، وما نجا من بلائهم أولياءُ الرحمن في زمان أو مكان: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آل عمران: 179]، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾ [الأنعام: 112].


تلكَ عاجلة بُشرى العبادِ الصالِحين في الدنيا، وأمَّا في الآخرة، فقد أعدَّ اللهُ لهم ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعَت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17][7].

 

لمحات ولطائف:

ولا ندعُ القلمَ قبل أن يُنبِّه إجمالاً - كعادته - على بعض ما انطوى عليه الحديث من لمَحات ولطائف:

• فمنها: فضلُ الروحِ الأمين، والرسول الكريم، جبريل - عليه السلام - على سائر الملائكة.


• ومنها: إثباتُ حبِّ اللهِ وبغضه، ودعائه وثنائه، وهي من صفاته الثابتة له - جلَّ شأنه - على الوجه اللائق بجلاله وجماله، نؤمِن بها، دون أن نبحثَ عن كيفيتها وكُنهِها، كما آمَن الرسولُ - صلوات الله وسلامه عليه - وكما آمنَ صحابته والراسِخونَ في العلم.

 

• ومنها: أن محبة الناس وقَبولهم - ولا سيما الصالِحين منهم - من علامات محبة الله - عز وجل - وكذلك بغضهم ونُفورهم، من علامات بغضه وسخطه، نعوذ بالله منه.

 

• ومنها (وهو ألطفها وأوفاها وأدقُّها): أنه ليس الشأن أن تحبَّ الله، بل الشأن أن يُحبَّكَ الله، ولن تظفَر بمحبَّتِه إلا إذا اتَّبعت حبيبه ظاهرًا وباطنًا، واستقمتَ على طريقته غائبًا وشاهِدًا، لا ترضى منها بدلاً، ولا تَبغي عنها حِوَلاً.

 

المصدر: من ذخائر السنة النبوية؛ جمعها ورتبها وعلق عليها الأستاذ مجد بن أحمد مكي



[1] مجلة الأزهر، العدد الثالث، المجلد الرابع والعشرون (1372 = 1952).

[2] رواه البخاري في ثلاثة مواضع: في بدء الخلق (3209)، وفي كتاب الأدب (6040)، وفي التوحيد (7485)، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة 4: 2030 (157)، غير أن مُسلمًا انفرد بذكر الشطر المقابل، وهو: ((وإذا أبغض عبدًا، دعا جبريل فيقول: إني أُبغِض فلانًا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، ثم توضَع له البغضاء في الأرض))، واقتصر البخاري على الجملة الأولى منه فقط التي فيها المحبة.

[3] رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع 11: 340 (6502).

[4] اقتباس من حديث رواه البخاري (6011)، ومسلم (2586)، ولفظه عند البخاري من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ترى المؤمنين في تراحُمِهم وتوادِّهم وتعاطُفِهم، كمَثَل الجسد؛ إذا اشتكى عضو، تداعى له سائر جسده بالسهر والحُمى)).

[5] المُدُّ في الأصل: رُبع الصَّاع، وإنما قدَّره به، لأنه أقل ما كانوا يتصدَّقون به في العادة، ويُروى بفتح الميم، وهو الغاية؛ كما في "النهاية" 4: 307، والنصيف هو: النصف؛ كما في "النهاية" أيضًا 5: 65.

[6] بسَطنا القول في فضل الصحابة - رضوان الله عليهم - في الجزأينِ الأول والثاني من المجلد السابع عشر، ثمَّ في كتابنا "درجات الناس" (ص: 35 - 39) (طه).

[7] وهو اقتباس من الحديث القدسي: ((أعددتُ لعبادي الصالِحينَ ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذن سمعت ...))؛ رواه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة (3244)، ومسلم أول كتاب الجنة 4: 2174 (2824).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ما هو الحب؟
  • علامة الحب في الله
  • الحب في الله .. فضله وأسبابه
  • الحب موهبة وفن!
  • إلهي
  • حين يولد الحب يحتاج لحضانة وتربية
  • هو إلهي وخالقي ومعبودي (خطبة)
  • الحب المزيف، ومصائب اليوم

مختارات من الشبكة

  • كلمات الحب في حياة الحبيب عليه الصلاة والسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحب الشرعي وعيد الحب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما الحب في عيد الحب(مقالة - ملفات خاصة)
  • أردتُ معرفة الحب، فحرمني أبي من الحب(استشارة - الاستشارات)
  • بالحب في الله نتجاوز الأزمات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ويوم ينتهي الحب تطلق النحلة الزهرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • زوجي الحبيب رحيلك يسعدني !(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مفهوم الحب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعلق المرضي ليس حبا، فكيف لنا أن نفرق بين الحب، والتعلق؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • "حب بحب" حب الأمة لحاكمها المسلم "مسؤوليات الأمة تجاه الحاكم"(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب