وصول الأماني بذكر تعقبات العسقلاني على العلامة الكرماني في شرحه لصحيح البخاري (8)

وصول الأماني

بذكر تعقُّبات الحافظ ابن حجر العسقلاني

على العلامة الكِرماني في شرحه لصحيح البخاري (8)

• كان الحافظ ابن حجر - رحمه الله - يقول: ((لو التقط من "الفتح" بيان ما وقع للكرماني في شرحه، وللزركشي في تنقيحه؛ لكان شرحًا حسنًا. يسر الله ذلك)). "الجواهر والدرر" (2/708).

• وكان حريصًا على الالتقاط المذكور، وإفراده بالتصنيف، فما لبَّى أحد من تلامذته دعوته. "الجواهر" (2/698).

• طريقتي في هذا الكتاب أديرها على ذكر الحديث محل البحث بديئًا من "الجامع الصحيح" برواية أبي ذَرٍّ الهَرَوِي عن مشايخه: المُسْتَمْلِي، وابن حَمُّوَيْه السَّرَخْسِي، والكُشْمِيْهَنِي، ثلاثتهم عن الفِرَبْرِي، عن البخاري. ثم إنني أثني بذكر كلام الكِرماني. ثم أختم بذكر تعقب ابن حجر العسقلاني. وربما ذكرت في الحواشي بعضَ فوائدَ مما له تعلق بالسياق.

بسم الله الرحمن الرحيم

عَوْنَك يا لطيف

• قال الإمام البخاريُّ - عليه رحمة ربي - في كتاب الإيمان:

باب: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ﴾ [التوبة: 5].

(25) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ[1]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الحَرَمِيُّ[2] بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: نَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ[3]، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ". انتهى.

• قال العلامة الكرمانيُّ:

((قوله: "أَبُو رَوْحٍ": بفتح الراء وبالحاء المهملة، كُنيته، واسمه ثابت.

و"الحَرَمِيُّ": بالحاء المهملة المفتوحة، والراء المفتوحة، والياء المشددة، نِسبته)). انتهى[4].

• قال الحافظ ابن حجر[5]:

((كذا قال، وهو خطأ من وجهين:

• أحدهما في جعله اسمه نسبته.

• والثاني في جعله اسم جده اسمه.

وذلك أنه حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، واسم أبي حفصة نابت، وكأنه رأى في كلام بعضهم: (واسمه نابت) فظن أن الضمير يعود على حرمي؛ لأنه المتحدث عنه، وليس كذلك، بل الضمير يعود على أبي حفصة؛ لأنه الأقرب، وأكد ذلك عنده وروده في هذا السند: (الحرمي) بالألف واللام، وليس هو منسوبًا إلى الحرم بحال؛ لأنه بصري الأصل والمولد والمنشأ والمسكن والوفاة.

ولم يضبط نابتًا كعادته، وكأنه ظنه بالمثلثة كالجادة، والصحيح أن أوله نون )).

••••

• وقال الإمام البخاريُّ:

بَابُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ العَمَلُ...

(26) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالاَ: نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: نَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ[6]: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ". انتهى.

• قال العلامة الكرمانيُّ[7]:

((إن قلتَ: لِمَ عرَّف الجهاد ونكر الإيمان والحج؟ قلتُ: لا فرق بين مؤدى المعرفة بالتعريف الجنسي ومؤدى النكرة، ولقرب المسافة بين أن يعرف الاسم بهذا التعريف وبين أن يترك غير معرف به يعامل معرفه معاملة غير المعرف به، قال:

• ولقد أَمُرُّ على اللئيم يَسُبُّني[8]

والمعنى: ولقد أمر على لئيمٍ يسبني، ولذلك يقدر يسبني وصفًا لا حالاً. هذا من جهة النحو.

وأما من جهة المعاني فهو أن الإيمان والحج لا يتكرر وجوبه بخلاف الجهاد، فإنه قد يتكرر؛ فالتنوين للإفراد الشخصي، والتعريف للكمال؛ إذ الجهاد لو أتي به مرة مع الاحتياج إلى التَّكرار لما كان أفضل. والله أعلم )). انتهى.

• قال الحافظ ابن حجر([9]):

((تُعُقِّب عليه بأن التنكير من جملة وجوهه التعظيم، وهو يعطي الكمال، وبأن التعريف من جملة وجوهه العهد، وهو يعطي الإفراد الشخصي؛ فلا يُسَلَّم الفرق.

وقد وقع في "مسند الحارث بن أبي أسامة" عن إبراهيم بن سعد:  "ثُمَّ جِهَادٌ"، فواخى بين الثلاثة في التنكير بخلاف ما عند البخاري[10].

فظهر من هذه الرواية أن التنكير والتعريف فيه من تصرف الرواة؛ لأن مخرجه واحد، فالإطالة في طلب الفرق في مثل هذا غير طائلة. والله الموفق)).

---

[1] هو الْمُسْنَدِيُّ - بضم الميم وفتح النون - كما في رواية ابن عساكر.

[2] في رواية الأصيلي: حَرَمي ، قال الحافظ: هو اسم بلفظ النسب، تثبت فيه الألف واللام وتحذف، مثل مكي بن إبراهيم .

[3] يعني: ابن زيد بن عبد الله بن عمر. كذا في رواية الأصيلي، ذكره اليونيني، والعسقلاني.

[4] "الكواكب الدراري" ج1/ص121.

[5] "فتح الباري" ج1/ص75.

[6] كذا في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت. وعند غيرهم: فَقَالَ .

[7] "الكواكب الدراري" ج1/ص127.

[8] هذا صدر بيت لشمر بن عمرو الحنفي، وقيل: لرجل من بني سلول. وهاك عجُزَه مع البيت بعده:

ولقد أَمُرُّ على اللئيم يسبني فمضيْتُ، ثُمَّتَ قلتُ: لا يَعْنِيني غضبانَ ممتلِئًا عليَّ إهابُهُ إني وربِّك سُخْطُهُ يُرْضِيني

وانظر تخريجه من كلام العلامة محمود محمد شاكر في تعليقته على "دلائل الإعجاز" للإمام عبد القاهر الجرجاني، حاشية رقم 2 ص206.

[9] "فتح الباري" ج1/ص78 بتصرف. وانظر "انتقاض الاعتراض" ج1/ص56-57.

[10] ويضارع روايةَ الحارث رواية البخاري في "خلق أفعال العباد" ص40/رقم 111 ط/ مكتبة التراث الإسلامي، بالإسناد عينه الذي في الصحيح. بل إنني وقفت على تنكير الجهاد في "صحيح البخاري" من طريق إبراهيم بن سعد أيضًا، وذلك في كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور، حديث رقم 1519/عبدالباقي = 1486/هروي.