• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

مرحلة المجابهة في عقيدة اليهود (1)

مرحلة المجابهة في عقيدة اليهود
أ. د. مصطفى مسلم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/12/2013 ميلادي - 5/2/1435 هجري

الزيارات: 14051

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مرحلة المجابهة في عقيدة اليهود

معالم قرآنية في الصراع مع اليهود


إننا لا نستطيع أن نحدد تحديداً زمنياً بدء هذه المرحلة ولا نهايتها فإن الكشف عن معتقدات اليهود التي أدخلوها في كتبهم، نسبوها إلى الله زوراً وبهتاناً، ومعتقداتهم في الأنبياء ومواقفهم من رسالتهم كل ذلك جاء في المرحلة المكية، ولكن من شأن القرآن الكريم أن يربط بين الحدث وبين ما يناسبه من العظات والعبر، وما يشابهه من تاريخ الأمم في العصور الغابرة، وبيان سنن الله في ذلك كله.


لذا فإن ربطنا لقضايا فكرية معروفة عن اليهود، وكذلك التعقيب على الحدث بما يناسب التوجيه القرآني قد يكون له شبه بمواقف سابقة أو لاحقة، ولكن الربط والبيان الجديد يرد بمناسبة الواقعة الجديدة في المرحلة، وكشف عن جانب في الشخصية اليهودية متأصل فيهم متوارث من الأجيال السابقة.


فليس موقفاً قرآنياً جديداً من اليهود وإنما هو إيراد جديد لمجيء المناسبة التربوية أو التوجيهية نتيجة حدوث ما يستدعي الاستشهاد بها.

 

المجابهة الفكرية مع اليهود:

أخذت الدعوة الإسلامية مسار المهادنة مع الطوائف الموجودة في المدينة - كما تقدم - وذلك بغية إتاحة المجال للتفكير والمناقشة الهادئة، وقد اكتسبت بذلك أرضاً جديدة وميادين فسيحة وإقبالاً على الدخول في دين الله.


ولكن ذلك لم يكن ليريح اليهود الذين أسقط في أيديهم، وبدأ القرآن في هذه المرحلة يدعوهم إلى الإيمان والدخول في دين الله ويزيح الحجب عن أعينهم ويقيم البراهين على أن هذا النبي هو النبي الذي أخبرت به كتبهم وأنهم يعرفون أوصافه، وبدأ بعض أحبارهم يدخل الإسلام لما تحقق من مطابقة الصفات التي قرأوها في كتبهم عنه[1].


1- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوانى عن دعوتهم ومناشدتهم الرجوع إلى الحق كما كان لاحتكاك الصحابة بهم ومناقشتهم ودعوتهم إلى الإسلام آثار تدفعهم لإثارة الشكوك تجاه ما يقوله الصحابة رضوان الله عليهم.


فلما كانت دولة الإسلام تحتاج إلى النفقات المالية لإيواء المهاجرين وللإنفاق على السرايا والبعثات الجهادية، ونزلت آيات الإنفاق في سبيل الله تحث المسلمين للإنفاق تربية وتهذيباً لنفوسهم ووقاية لشح النفوس من جهة ولسد الخلة في المجتمع الإسلامي وإيجاد لحمة التآزر وآصرة المودة بين أفراده من جهة أخرى من مثل الآيات الكريمة ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245].


﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد: 11].


﴿ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد: 18].


﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 17].


قالت يهود: لقد افتقر رب محمد يستقرضنا المال. فنزلت الآيات تبين هذه المقولة الملحدة ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران: 181 - 182].


﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾[2] [المائدة: 64].


2- ولما كان الصحابة رضوان الله عليهم يعرضون عليهم دعوة الحق كانت يهود تتحجج بأنهم لا يؤمنون برسول حتى يأتيهم بالآيات البينة التي تدل على صدقه، فكشف القرآن الكريم ادعاءاتهم وحقيقة كتمانهم الأمور وعنادهم تجاه الأنبياء جميعاً على الرغم من أخذ العهود والمواثيق منهم أن لا يكتموا شيئاً من الحق، يقول تعالى في ذلك ﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [آل عمران: 183 - 184].


﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 186 - 187].


3- ليس هذا فحسب، بل كانوا يختلقون الأحداث ثم يأتون إلى رسول الله ويسألونه عنها، فعندما يخبرهم بالحق في الحادثة، قالوا لكنا نجد في التوراة خلاف ذلك فيبرزون الشيء المحرّف ويكتمون الحق وعندما ينصرفون يثني بعضهم على حصافة بعض وحنكته ومهارته ويطلب بعضهم من الآخرين الثناء على هذا التصرف الماكر، ففضحهم القرآن الكريم على هذه الأساليب الملتوية وأوعدهم على هذا المواقف المنحرفة يقول تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 188 - 189].


4- يلبس اليهود لكل حالة لبوسها، فعندما أعيتهم الحيلة للإفساد بين الأوس والخزرج حيث نبه الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفتن وأمرهم بتوحيد الصف كما جاء في سورة آل عمران في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 100 - 101].


حاولوا تشكيك المسلمين في دينهم وإبعاد المترددين الراغبين في الإسلام عن التفكير في الدخول فيه فتظاهروا بالدخول في الإسلام في أول النهار ثم ارتدوا وأعلنوا ردتهم آخر النهار وأشاعوا في الناس إنهم لم يجدوا خيراً في هذا الدين الجديد. لكي يوهموا العرب الأميين بأن أهل الكتاب أدرى منهم في صحة الأديان وصوابها، فلو كان هذا الدين الجديد خيراً لما فارقوه وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [آل عمران: 72 - 74].


ولما انكشفت حيلتهم وأظهر الوحي الإلهي حقيقة صنيعهم لجأوا إلى حيلة أخرى هي التودد للمسلمين بصلة القرابة والنسب فقالوا نحن من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وأنتم من ولد إسماعيل بن إبراهيم فنحن أبناء عم، ونحن إياكم تربطنا صلة الرحم والجوار منذ القدم فهلا كان بيننا وبينكم تعاون وتشاور في كل الأمور، فحذر الله جل جلاله المسلمين من الاطمئنان لهم والركون إليهم واتخاذهم بطانة لأن قلوبهم مملوءة حقداً وحسداً على المسلمين قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 118 - 120].


5- لقد عرف اليهود بالمخاتلة والمخادعة، وإذا أرادوا التملص من عهد أو قضية تلزمهم بعبء مالي أو مشقة بدنية أو غيرها أوجدوا لها مبررات فإن ضاقت بهم السبل ألصقوها بكتابهم وديانتهم شأنهم في ذلك شأن المفترين في كل عصر: ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ [الأعراف: 28 - 29].


وإذا حدثت حادثة استثقلوا حكم التوراة فيها حاولوا اختلاق حكم من عند أنفسهم، أو إلصاقه بأي جهة كانت:

روى أحمد ومسلم وأبو داود عن البراء بن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم[3] مجلود، فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجعل شيئاً نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، وأمر به فرجم، فأنزل الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 41 - 42].


6- جاء عبدالله بن صوريا الأعور الفطيوني ومعه مجموعة من بني جلدته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجادلته ومحاولة افتتانه عن دينه فقالوا: ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا تهتد، وكانت النصارى من وفد نجران قالوا من قبل مثل تلك المقولة فرد الله عليهم في ذلك فنزل قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ * قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ * أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 135 - 140].


لقد كانت هذه صورة المجادلة وبيان الحق لليهود عندما كانوا يثيرون القضايا التاريخية وهم يزعمون أنهم أهل الكتاب الأول وأنهم على حق.


7- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن كعب بن أسد، وابن صلوبا، وعبدالله بن صوريا وشاس بن قيس قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا: يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل فيهم: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 48 - 49][4].


إن هذه المحاولات التي كان اليهود يحاولون التأثير بها على مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتخذوها حجة لحرب الإسلام وأهله والتشكيك في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها أساليب اليهود منذ القدم في تحريف أحكام شرائع الله، وصد الناس عنها بأي وسيلة كانت ليتحكموا في الأنظمة التي يلزمون الناس بها حيث يطبقونها ويعطلونها متى شاءوا حسب أهوائهم والمصالح اليهودية التي يرونها. أما أن تكون شريعة ثابتة لا تخضع للأهواء والمؤثرات فلن تحقق لهم ما يريدون. لقد نجح اليهود قديماً في تحريف الديانات ومنها الدين النصراني حيث أدخلوا فيه من الوثنيات ما شاؤوا أن يدخلوه وتحكموا في الديانات الوضعية ولبسوها على أصحابها، فأصبحوا ألعوبة بيد اليهود، ولكن شريعة الإسلام استعصت عليهم فلم تجد محاولاتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مع الصحابة من بعده.


8- ولعل أخطر دور كان يلعبه اليهود هو تآمرهم مع المنافقين على تخريب المجتمع الإسلامي من داخله.


لقد رأى اليهود في تلك الفئة من الناس ضالتهم، حيث وجدوا زعماء للمنافقين كعبد الله بن أبي يأكل الحقد قلبه لفوات الملك والزعامة من بين يديه بعد أن كان قاب قوسين منه. ووجدوا في أتباعه، رعاعاً لا يستخدمون عقولهم وإنما تحركهم العصبية الجاهلية، وتجمعهم المصالح الآنية العاجلة، ويدفعهم الحرص عليها على التظاهر بالإسلام والاختلاط بالمسلمين وحضور جمعهم وجماعاتهم والخروج معهم إلى الجهاد أحياناً بغية الحصول على الغنائم ولدرء خطر التوجه إليهم. وكان اليهود يتصلون بهم سراً لتوجيههم وأخذ المعلومات منهم للتعرف على الثغرات التي ينفذون منها إلى الصف الإسلامي لإثارة الفتن ونشر الإشاعات ومحاولة صرف الناس عن دينهم.


ولعل أدق تعبير جاء عن دور اليهود في هذا التوجيه والفتنة ما عبر عنه القرآن الكريم بالشياطين، فكما يوسوس شياطين الجن في قلوب الناس كلما وجدوا غفلة عن ذكر الله ومجالاً لبث نفثاتها، كذلك شياطين الإنس كانوا يوجهون في الخفاء أتباعهم من المنافقين وينفثون سمومهم وفتنهم في المجتمع، فكان المنافقون يتصلون بالمؤمنين ويتظاهرون بالإيمان ولكن عند اجتماعهم بشياطين الإنس جددوا لهم العهد أنهم على ما عهدوا فيهم من الولاء والتبعية لهم.

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ[5] قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 14 - 15].


ولقد حذّر الله سبحانه وتعالى المنافقين على فعلتهم السيئة ووبخهم على موالاتهم اليهود من دون المؤمنين، وأن ذلك لن يغني عنهم شيئاً في الدنيا والآخرة، وأمرهم بعدم غشيان مجالس أولئك الكفرة الذين يستهزئون بكتب الله ورسله، وبين لهم أن هذا التذبذب في المواقف سيجرهم إلى أوخم العواقب وأسوئها: يقول عز من قائل: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا * الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 138 - 146].


إنه كشف فاضح للمظاهر والممارسات التي كان المنافقون يؤدونها وبيان لأمارات شخصية ومقولات سيئة كانوا يتفوهون بها وخداعاً وتمويهاً، ولكن أحوالهم لا تخفى على ذي بصيرة إيمانية. ومع كل ما قاموا به وما تفوهوا به تجاه المسلمين وتجاه دعوة الله، فإن الله سبحانه وتعالى الرحيم بعباده فتح لهم باب التوبة وأطمعهم فيها بشرط أن يقلعوا عن تلك الصلات مع اليهود وأن يصلحوا نفوسهم بالالتزام بأحكام الشرع وتطبيقها نصاً وروحاً ويتوجهوا بقلوبهم إلى الله ويتركوا هذه الخصلة البغيضة، فعندئذ سيدخلون في زمرة المؤمنين الصادقين ليكون لهم الأجر العظيم في الدارين.


لقد كانت العهود والمواثيق السرية الخاصة بين المنافقين واليهود على الولاء والتناصر تلعب دوراً في إثارة المشكلات في المجتمع المدني.


وما توسط ابن أبي بن سلول وإلحاحه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لترك قتل يهود بني قينقاع والاكتفاء بإجلائهم إلا لون من ألوان تنفيذ العهود السرية، وكذلك الصلات السيرة مع يهود بني النضير، هذه الصلات التي فضحها الله سبحانه وتعالى وبيّن أن المنافقين ورّطوا حلفاءهم اليهود ثم تخلوا عنهم كما يفعل الشيطان بأتباعه ﴿ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ * لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ * كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحشر: 11 - 16].


وحتى في هذا السياق وفي التعقيب على هذا التآمر ثم التخاذل يعقب القرآن الكريم على موقف المنافقين ويفتح لهم باب الأمل وأن لا يكونوا مثل هؤلاء اليهود الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، فلا هم لهم إلا الفساد والإفساد في الأرض، فضلوا وأضلوا.


لعلها إثارة لبقايا ما كان المنافقون يتظاهرون به من الإسلام وتوجيه الخطاب بصفة الإيمان فتح باب الأمل لهم وإطماعهم، وخير علاج لأمراض قلوبهم هو هذا القرآن الذي لو أنزل على جبل لخشع وتصدع رهبة وخشية من الذين كان هذا كلامه.


وتختم الآيات بذكر بعض أسماء الله الحسنى الدالة على أن فتح باب الأمل للناس رحمة بهم والله الملك القدوس المهيمن العزيز الجبار، لا ينقص ضلال هؤلاء وغيرهم من ملكه شيئاً كما لا يزيد إيمانهم شيئاً في ملكه ولكن من رحمته بعباده أن لا يرضى لهم الكفر.


وسورة المجادلة تكشف لنا جانباً من هذه العلاقة بين المنافقين واليهود، وهذا الولاء القوي الذين لا يفسره إلا جمعهم على عداوة المسلمين يقول جل شأنه: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [المجادلة: 14 - 18].

 

إن تكرار هذه التحذيرات في القرآن الكريم حول موالاة الكفار، والنكير على من لا يرتدع ولا يكف عن الاتصال بأعداء الله المغضوب عليهم من اليهود لدليل على أن مكر اليهود لم ينته، وأنه كان ذا أثر كبير على المجتمع الإسلامي وكانت صيانة المجتمع الإسلامي تتطلب مثل هذا التكرار والتنبيه والتحذير من العواقب.



[1] انظر قصة إسلام مخيريق وكان من أحبار يهود أسلم يوم أحد واستشهد يومئذٍ السيرة النبوية لابن هشام 2/257... وقصة إسلام ميمون بن يامين في الإصابة 3/371 وكذلك قصة إسلام عبدالله بن سلام، فقد أورد الإمام أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن أنس قال: سمع عبدالله بن سلام بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف - فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني جبريل بهن آنفاً، قال: جبريل؟ قال نعم، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [سورة البقرة: 97] قال: أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكل أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما ما ينزع الولد إلى أبيه وأمه، فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

انظر مسند الإمام أحمد والجامع الصحيح للبخاري كتاب تفسير القرآن: 5/148.

[2] تفيد روايات أسباب النزول أن آيات سورة آل عمران نزلت عندما عرض عليهم أبو بكر رضي الله عنه الإسلام فتباهو بغناهم وأن لا حاجة لهم لرب محمد، أما آيات سورة المائدة فنزلت عندما طالبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمساهمة في الإنفاق حسب العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين، فقالوا يد الله مغلولة عنا ولا نملك مالاً لننفقه.

انظر في ظلال السيرة النبوية للدكتور: محمد عبدالقادر أبو فارس 1/51. وسيرة الرسول لدروزة 2/149.

[3] التحميم: تسويد الوجه انظر النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 1/444 وكانوا يحملون الزانيين على حمارين بالمقلوب ويطوفون بهما الأحياء تشهيراً، وهو الحد الذي اتفقوا عليه بدل الرجم.

[4] انظر السيرة النبوية لابن هشام مع حاشيته الروض الأنف 2/282، وانظر تفسير ابن كثير 2/67.

[5] انظر زاد المسير لابن الجوزي في تفسير كلمة الشياطين 1/35.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل .. المرحلة المكية (1)
  • المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل .. المرحلة المكية (2)
  • المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل .. المرحلة المكية (3)
  • الثمرات الإيمانية للدعوة إلى الله في المرحلة الثانوية (1)
  • المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل .. المرحلة المكية (4)
  • المنهج القرآني في عرض قضايا بني إسرائيل .. المرحلة المدنية
  • مرحلة المجابهة في عقيدة اليهود (2)
  • مرحلة المجابهة في عقيدة اليهود (3)
  • الفرق بين أخلاق اليهود وأهل الإيمان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • طالبة المرحلة الثانوية وحاجات المرحلة العمرية وخصائصها(مقالة - ملفات خاصة)
  • مكانة كبار السن في الإسلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراحل النقد (مرحلة الالتفات والإحيائية)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مراحل النقد (مرحلة الانبهار)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • المرحلة الثالثة من مراحل الخطاب المكي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرحلة الأولى من مراحل الخطاب المكي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرحلة الثانية من مراحل الخطاب المكي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرحلة الجامعية من أخطر مراحل العمر .. فانتبهوا(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المرحلة الثالثة من مراحل الرمزية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مراحل دعوة السيد البدوي(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب