• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

أفلا يتدبرون القرآن

إيهاب كمال أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/6/2009 ميلادي - 16/6/1430 هجري

الزيارات: 144382

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أفلا يتدبرون القرآن
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)

الحمد لله المبتدئ بحمد نفسه قبل أن يحمده الحامدون، وأشهد أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، ذو الجلال والإكرام والمواهب العظام، والمتكلم بالقرآن والخالق للإنسان، والمنعم عليه بالإيمان، والمُرسل رسوله بكتابه المبين الفارق بين الشَّك واليقين، الذي أعجزت الفُصحاءَ معارضته، وأعيت الألِبَّاء مُناقضته، وأخرست البلغاء مشاكلته، فلا يأتون بسورة من مثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيًرا، وقد جعل أمثاله عبرًا لمن تدبَّرها، وأوامره هدى لمن استبصرها، وحياة لمن في قلبه حياة، وخص هذه الأُمَّة باستعمالها في شرف نشره، وجعل صدورها أوعية لحفظه.

ولذلك كان الواجب على مَن خَصَّه الله بحفظ كتابه، واصطفاه لشرف نشره، واختاره لفضل علمه وتعلُّمه - أن يتلُوَه حق تلاوته، ويتدبر حقائقَ عبارتِه، ويتفهم عجائبه، ويتبيَّن غرائبه.

قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وأولو الألباب هم أصحاب العُقُول السليمة، فالألباب جمع لبّ، وهو العقل الخالص من الشوائب[1].

قال النسفي في معنى "ليدَّبَّروا": "ومعناه: ليتفكروا فيها، فيقفوا على ما فيه ويعملوا به"[2].

وقال الثعالبي: "أي: أنزلناه ليتفكروا في آياتِه التي من جُملتها هذه الآيات المعربة عن أسرار التكوين والتشريع، فيعرفوا ما يدبر ويتبع ظاهرها من المعاني الفائقة والتأويلات اللائقة"[3].

وقد أمر الله - عزَّ وجلَّ - بتدبُّر القرآن وآياته في كثير من آيات القرآن، ومن ذلك:
قوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ أفلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [الروم: 24].

وقوله - سبحانه -: ﴿ أفلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

وقوله - جل وعلا -: ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [المؤمنون: 68].

قال الطاهر بن عاشور: "والتدبر: التفكر والتأمُّل الذي يبلغ به صاحبه معرفة المراد من المعاني، وإنَّما يكون ذلك في كلام قليل اللفظ كثير المعاني التي أودعت فيه، بحيثُ كُلَّما ازداد المتدبر تدبرًا، انكشف له معانٍ لم تكن بادية له بادئ النظر"[4]. 

وقال عبدالرحمن الميداني: "التَّدبر عند أهل اللغة هو التفكُّر، لكن مادَّة الكلمة تدور حول أواخر الأُمُور وعواقبها وأدبارها، فالتدبُّر هو النظر في عواقب الأمور وما تؤول إليه، ومن هذا نستطيعُ أن نفهم أن التدبُّر هو التفكر الشَّامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة"[5]. 

وتدبر القرآن يشمل نوعين: الأوَّل وهو التفكر في آيات القرآن؛ ليوصل إلى مراد الله منها، والثاني: التفكر في المعاني التي اشتمل عليها القرآن؛ مما دعانا الله للتفكر فيها.

قال ابن القيم: "والتفكر في القرآن نوعان: تفكر فيه ليقع على مراد الرب - تعالى - منه، وتفكر في معاني ما دعا عباده إلى التفكر فيه"[6].

فالتدبر إذًا ليس مجرد تحسين الصوت بالتلاوة والتغني بالقراءة، والمسابقة في حفظ الألفاظ والحروف وحيازة الإجازات في مُختلف القراءات، وإن كان في كل ذلك فضل عظيم، وإنَّما التدبر هو التأمُّل في المعاني، والتفكر في المواعظ، والنظر في العواقب، والعلم بتأويل كلامه ومراميه، والتزامه ظاهرًا وباطنًا بالائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه.

ولذلك قال الحسن البصري: "والله، ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتَّى إنَّ أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله، وما يرى له القرآن في خلق ولا عمل"[7].

وقال: "قد قرأ هذا القرآن عبيدٌ وصبيان لا علمَ لهم بتأويله، حفظوا حروفه وضيعوا حدوده"[8].

فعند قراءته لا بُدَّ من الاستماع والإنصات الذي يُورث صلاحًا في القلب، وزكاة في النفس، وزيادة في الإيمان، وخشوعًا وخضوعًا للجوارح والجنان.

فالسَّماع الذى شرعه الله - تعالى - لعباده، وكان سلف الأُمَّة من الصَّحابة والتَّابعين وتابعيهم يَجتمعون عليه؛ لصلاح قلوبِهم وزكاة نفوسهم هو: سماع آيات الله - تعالى - وهو سماع النبيِّين والمؤمنين وأهل العلم وأهل المعرفة.

قال الله - تعالى - لما ذكر من ذكره من الأنبياء فى قوله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم: 58].

وقال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107-109].

وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة: 83].

وبهذا السماع أمر الله - تعالى - فقال: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].

وعلى أهله أثنى فقال: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18].

وقال فى الآية الأخرى: ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [المؤمنون: 68].

فالقول الذى أُمروا بتدبره هو القَوْل الذى أمروا باستماعه، وكما أثنى على هذا السَّماع بتلك الكيفية وهذه الآثار وذاك التدبُّر، فقد ذم المعرضين عنه[9].

ومن المعلوم أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد بين لأصحابه - رضوان الله عليهم - معاني القرآن، كما بيَّن لهم ألفاظه؛ فقوله - تعالى -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44] يتناول هذا وهذا.

وقد قال أبو عبدالرحمن السلمي: "حدثنا الذين كانوا يُقرِئوننا القرآن - كعثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما - أنَّهم كانوا إذا تعلموا من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عشر آياتٍ لم يُجاوزوها حتَّى يتعلموا ما فيها من العِلْم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلمَ والعملَ جميعًا؛ ولهذا كانوا يبقون مُدَّة في حفظ السُّورة".

وقال أنس: "كان الرَّجل إذا قرأ البقرة وآل عمران، جَلَّ في أعيننا، وأقام ابن عمر على حفظ البقرة سنين، قيل: إنَّها ثماني سنين".

قال ابن تيمية تعليقًا على هذه الآثار: "وذلك أن الله - تعالى - قال: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وقال: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [النساء: 82] [محمد: 24]، وقال: ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾ [المؤمنون: 68]، وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يُمكن كذلك؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، وعقل الكلام متضمن لفهمه، ومن المعلوم أنَّ كلَّ كلام المقصودُ منه فهم معانيه دون مُجرد ألفاظه، فالقُرآن أَوْلَى بذلك، وأيضًا فالعادةُ تَمنع أن يقرأ قوم كتابًا في فن من العلم؛ كالطب والحساب، ولا يستشرحونه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم، وقيام دينهم ودنياهم؟!"[10].

وقال ابن القيم: "فقراءة آية بتفكر وتفهُّم خير من قراءة ختمة بغير تدبُّر وتفهم وأنفعُ للقلب، وأَدْعَى إلى حصول الإيمان وذَوْقِ حلاوة القُرآن، وهذه كانت عادة السَّلف، يردِّد أحدُهم الآية إلى الصباح، وقد ثبت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قام بآية يرددها حتَّى الصباح[11]، وهي قوله: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]"[12].

وقراءة القرآن بتدبُّر وتفكر هي إحدى طريقتين يُمكن من خلالهما التعرُّف على الله - سبحانه وتعالى - وبيان ذلك أن "الرب - تعالى - يدعو عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين: أحدهما: النَّظر في مفعولاته، والثاني: التفكر في آياته وتدبرها، فتلك آياته المشهودة، وهذه آياته المسموعة المعقولة"[13].

فإنْ فَعَل المؤمن ذلك، حصل من الخير ما لا يعلمه إلا الله، فلا شيءَ أنفع للقلب من قراءة القُرآن بالتدبر والتفكر، فإنَّه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يُورث المحبة والشوق، والخوف والرَّجاء، والإنابة والتوكُّل، والرِّضا والتفويض، والشُّكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة، والتي بها فساد القلب وهلاكه.

فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبُّر والتفكُّر، لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه العبدُ بتفكر حتَّى مرَّ بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه، كرَّرها ولو مائة مرة.[14]

فما الذي يصد البعضُ عن هذا التدبر؟ وما الأقفالُ التي تكون على القلوب، فتحولُ بينهم وبين ذاك التفكر؟ وما العوائق التي تمنع كثيرًا من الناس من بلوغ هذا الخير العظيم؟

هذا ما سيدور الحديث عنه في النِّقاط التالية:
1- ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]:
إنَّ للمعاصي شؤمًا عظيمًا، فهي تورث ظلمة في الظاهر وسوادًا في الباطن، وتكسو القلب بطبقة من الرَّان تصدُّه عن قبول الخير، وتغلفه بأكنَّة تمنعه من الفقه والتدبر؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ العبدَ إذا أخطأ خطيئة، نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب، سقل قلبُه، وإن عاد زيد فيها حتَّى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله؛ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] [15].

ولذلك كان لزامًا على كل مُؤمن أن يتقيَ الفتن، ويسرع إلى التوبة من كل ذنب.

كما يَجب عليه أن يخشى على قلبه أن تعصف به رياحُ الفتن، فترديه كالكوز المقلوب الذي لا يُمسك من نور الحق شيئًا.

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تُعرض الفتن على القلوب عرض الحصير، فأيُّ قلبٍ أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، وأيُّ قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، حتَّى يصير القلبُ على قلبين: أبيض مثل الصَّفا لا يضره فتنة ما دامت السَّموات والأرض، والآخر أسودُ مُرْبَدٌّ كالكوز مُجَخِّيًا - وأمال كفَّه - لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلاَّ ما أشرب من هواه))[16].

2 - ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [لقمان: 6]:
فمن أشد المعاصي فتكًا بالقلب، وصدًّا له على التمتُّع بنور الوحي، وتدبر آياته: لَهْوُ الْحَديث، ومعنى قوله - تعالى -: ﴿ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ﴾ [لقمان: 6]؛ أي: يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن، كما قال أبو الصباء البكري: سألت ابنَ مسعود عن هذه الآية، فقال: هو الغناء، والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.[17].

قال ابن تيمية: "فإنَّ السكر بالأصوات المطربة قد يصير من جنس السكر بالأشربة المطربة، فيصدهم عن ذكر الله وعن الصَّلاة، ويَمنع قلوبهم حلاوة القرآن وفهم معانيه، واتِّباعه فيصيرون مُضارعين للذين يشترون لَهْو الحديث؛ ليضلوا عن سبيل الله"[18].

وقال ابن القيم: ومن مكايد عدو الله "الشيطان" ومصايده التي كاد بها مَن قلَّ نصيبه من العلم والعقل والدِّين، وصاد بها قلوبَ الجاهلين والمبطلين: سماع المُكَاء والتصديَّة والغِنَاء بالآلات المحرمة الذي يصدُّ القلوبَ عن القرآن، ويَجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآنُ الشَّيطان والحجاب الكثيف عن الرَّحمن، كاد به الشيطان النُّفوسَ المبطلة، وحسنه لها مكرًا منه وغرورًا، وأوحى إليها الشبه الباطلةَ على حسنه، فقبلت وحْيَه واتَّخذت لأجله القرآن مهجورًا.

فيا شماتة أعداء الإسلام بالذين يزعمون أنَّهم خواصُّ الإسلام، قضوا حياتهم لذة وطربًا، واتَّخذوا دينهم لهوًا ولعبًا، مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن، لو سمع أحدهم القرآن من أَوَّلِه إلى آخره، لَمَا حرك له ساكنًا ولا أزعج له قاطنًا، ولا أثار فيه وجدًا، ولا قدح فيه من لواعج الشوق إلى النَّار زندًا، حتَّى إذا تُلِيَ عليه قرآن الشيطان، وولج مزموره سَمعه، تفجرت ينابيعُ الوجد من قلبه على عينيه فجَرَتْ، وعلى أقدامه فرَقَصَت، وعلى يديه فصفقت وعلى سائر أعضائه فاهْتَزَّت وطربت، وعلى أنفاسِه فتصاعَدَتْ، وعلى زفراته فتزايدت، وعلى نيران أشواقه فاشتعلت.

فيا أيها الفاتن المفتون، والبائع حظَّه من الله بنصيبه من الشيطان صفقة خاسر مغبون، هلاَّ كانت هذه الأشجان عند سماع القرآن، وهذه الأذواق والمواجيد عند قراءة القرآن المجيد، وهذه الأحوال السنيَّات عند تلاوة السور والآيات؛ ولكن كل امرئ يصبو إلى ما يُناسبه ويَميل إلى ما يُشاكله"[19].

وللأسف الشَّديد، كم استشرى الآن هذا الدَّاء اللعين في الأُمَّة! لا سيما الفتيات والفتيان، فأبعدهم مزمار الشَّيطان عن تدبر قرآن الرحمن، فإنَّهما في قلب واحد لا يجتمعان؛ ورغم أنه داخل في جملة المعاصي إلا أنه لعظيم خطره أفردناه هنا بالذكر والبيان.

3 - ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ ﴾ [البقرة: 78]:
وهنا نشير إلى ظاهرة سيئة وانحراف في منهج التعامُل مع كتاب الله، ونعني بذلك: عدم تعلم الكتاب إلاَّ أمانِيَّ فقط، والأماني جمع أمنية وهي التلاوة[20].

ولا شك أنَّ تلاوةَ القرآن فضلٌ عظيم؛ لكن التركيز على الألفاظ دون المعاني، والتفنن في إتقان المخارج دون التأمُّل فيما وراء المباني - هو نوع هجرة لكتاب الله.

فالله - عزَّ وجلَّ -: "ذَمَّ من لم يكن حظه من السماع إلا سماع الصوت، دون فهم المعنى واتباعه؛ فقال - تعالى -: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 171]، وقال - تعالى -: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ [الفرقان: 44]، وقال - تعالى -: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 16][21].

قال الغزالي في "الإحياء": "والقرآن من أوَّله إلى آخره تحذير وتخويف، لا يتفكر فيه متفكر إلا ويطول حزنه، ويعظم خوفه إن كان مؤمنًا بما فيه، وترى الناس يهذُّونه هذًّا[22]، يَخرجون الحروفَ من مَخارجها، ويتناظرون على خفضها، ورفعها، ونصبها، كأنَّهم يقرؤون شعرًا من أشعار العرب، لا يهمهم الالتفات إلى معانيه والعمل بما فيه، وهل في العالم غرور يزيد على هذا؟!"[23].

وقال ابن القيم: "وأمَّا التأمل في القرآن، فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبُّره وتعقله، وهو المقصود بإنزاله لا مُجرد تلاوته بلا فهم، ولا تدبر"[24].

"فقراءة القرآن بالتفكُّر هي أصل صلاح القلب؛ ولهذا قال ابن مسعود: لاتهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نَثْرَ الدَّقَلِ، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، لا يكن همُّ أحدكم آخر السورة، وروى أبو أيوب عن أبي جمرة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، إني أقرأ القرآن في ثلاث، قال: لأَنْ أقرأَ سورة من القرآن في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كما تقرأ"[25].

فهذا هو منهج السَّلف في التعامُل مع القرآن الكريم؛ ولذا انتفعوا به، واجتنوا من وراء ذلك ثَمَرات عظيمة، فأسسوا حياتَهم وفق منهجه، وأقاموا معيشتهم بأحكام شرعته.

ولكن حال الخلف اختلف، فالنَّظر إلى حال الكثير منهم يُصيب بالحزن والحسرة؛ حيثُ وقعوا في ذاك الانحراف الخطير، فصاروا يُقبلون على سماع القرآن، لا يلفت نظرهم فيه إلاَّ جمال صوت القارئ وحسن تنغيمه، وصار إقبالهم على تعلُّم تلاوة القرآن، وتعليمه أولادهم أضعاف أضعاف اهتمامهم بتدبُّر القرآن، وفهمه ومعرفة تأويله والاتِّعاظ بمواعظه، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، وكأن القرآن ما أنزل إلا لحفظه ألفاظه دون معانيه، أو لتلاوته دون تدبره والتفكر فيه، وهؤلاء لم يعرفوا القرآن حقَّ معرفته ولا تلوه حق تلاوته.

4 - ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]:
لقد اختار الله - عزَّ وجلَّ - اللغة العربية؛ لتكونَ لغة القرآن المعبرة عن وحي الرحمن، وهذا فوق أنَّ فيه تشريفًا لتِلْك اللغة الكريمة، فهو مُشتمل على حكم جليلة وفوائد عظيمة.

قال الطاهر بن عاشور: "وقد اختار الله - تعالى - أنْ يكونَ اللسان العربي مظهرًا لوحيه ومستودعًا لمراده، وأن يكونَ العرب هم المتلقين أولاً لشرعه، وإبلاغ مراده؛ لحكمة علمها، منها: كون لسانهم أفصحَ الألسن، وأسهلها انتشارًا، وأكثرها تحملاً للمعاني، مع إيجاز لفظه، ولتكون الأُمَّة المتلقية للتشريع والنَّاشرة له أمة قد سلمت من أَفْنِ الرَّأْيِ عند المجادلة، ولم تقعد بها عن النُّهوض أغلال التكالب على الرَّفاهية..."[26]. 

ولا غَرْوَ أن من أهم عوائق تدبُّر القرآن الابتعاد عن تعلُّم وفهم لُغته العربية، وإدراك أساليب العرب وتفنُّنهم في كلامهم، وتذوُّق أسرار البلاغة والفصاحة، فبدون معرفة اللغة العربيَّة لا يُمكن فهم القرآن ولا تدبر معانيه؛ "لأنَّه محال أن يُقالَ لمن لا يفهم ما يُقال ولا يعقل تأويلَه: اعتبر بما لا فَهْمَ لك به ولا معرفة من القيل والبيان والكلام، إلاَّ على معنى الأمر بأنْ يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به، فأمَّا قبل ذلك فمستحيل أمره بتدبره، وهو بمعناه جاهل.

كما محالٌ أنْ يقالَ لبعض أصناف الأمم الذين لا يعقلون كلامَ العرب، ولا يفهمونه: لو أنشد قصيدة شعرٍ من أشعار بعض العرب ذات أمثال ومواعظ وحكم، اعتبر بما فيها من الأمثال، وادكر بما فيها من المواعظ، إلاَّ بمعنى الأمر لها بفهم كلام العرب ومعرفته، ثم الاعتبار بما نبهها عليه ما فيها من الحكم، فأمَّا وهي جاهلة بمعاني ما فيها من الكلام والمنطق، فمحال أمرُها بما دلَّت عليه معاني ما حوته من الأمثال والعِبَر؛ بل سواء أمرها بذلك وأمر بعض البهائم به، إلا بعد العلم بمعاني المنطق والبيان الذي فيها، فكذلك ما في آي كتاب الله من العبر والحكم والأمثال والمواعظ لا يجوز أن يقال: اعتبر بها إلاَّ لمن كان بمعاني بيانه عالمًا وبكلام العرب عارفًا، وإلاَّ بمعنى الأمر لمن كان بذلك منه جاهلاً أن يعلم معاني كلام العرب، ثم يتدبره بعدُ، ويتعظ بحكمه وصنوف عبره"[27].

وقال الشاطبي: "القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنَّما يكون من هذا الطريق خاصة؛ لأن الله - تعالى - يقول: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [يوسف: 2] ، وقال: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195].

وقال: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103].

وقال: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ [فصلت: 44]، إلى غير ذلك مما يدل على أنَّه عربي وبلسان العرب، لا أنَّه أعجمي ولا بلسان العجم، فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهم، ولا سبيلَ إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة"[28].

فكم أتعسَ هذه الأمة فنونُ التغريب التي حرص أعداء الدِّين على إغراق أبنائنا فيها؛ ليقطعوا وصلهم بكتاب الله وسنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وليطمسوا هويتهم، فيسهل عليهم غَزْوهم في فكرهم وثقافتهم، ومن العجب أن ترى الآباء يُسارعون في تعليم أبنائهم لُغة الأعاجم في عمر مبكر جدًّا، حريصين كل الحرص على إتقانهم تلك اللغات، غير عابئين بتعلمهم لغة قرآنهم، وإتقانهم فنونها وأساليبها، وغير مكترثين بما قد يسببه تعلق أبنائهم بتلك اللغات من هجرهم لتعلم اللغة، ومن ثم الدين، ولا يدرون أنَّهم بذلك ينفذون مخطط أعدائهم بحذافيره، فيسدون لهم خدمة مجانية جليلة.

لقد حرص أعداء الدين - حين بثُّوا فينا تعظيم لُغاتِهم وإهمال لغة قرآننا - على بناء جدار عالٍ يحجزنا عن تدبر القرآن، ويعزلنا عن التفكر في كلام الرحمن، ولا ريب أنَّهم نجحوا في ذلك إلى مدى بعيد، حتى صِرْتَ ترى من العرب من لا يحسن من العربية شيئًا، لا فهمًا ولا استيعابًا، ولا كتابة ولا قراءة، ولا إدراكًا للمعاني الظاهرة، فضلاً عن التدبر والتأمُّل في مرامي الألفاظ وأعماق المعاني، وإنَّا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

5 - ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43]:
﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا ﴾؛ أي: يفهمها ويتعقل الأمر الذي ضربناها لأجله، ﴿ إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ بالله، الراسخون في العلم، المتدبرون المتفكرون لما يتلى عليهم وما يشاهدونه[29].

والعقل هنا بمعنى الفهم؛ أي: لا يفهم مغزاها إلا الذين كملت عقولهم، فكانوا علماء غير سفهاء الأحلام، وفي هذا تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بها جهلاء العقول[30].

فالعالم يقف على المقصود بالموعظة، ويعقل ما يرمي إليه المثل من فوائد وعبر، "وأمَّا الجاهلُ، فلا يجاوز قدره ظاهر المثال لجهله بالتفسير"[31].

ولذلك قال بعضُ السلف: إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه، بكيت على نفسي؛ لأنَّ الله قال: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾.[32]

من هنا نعلم أنَّ الجهل عائق خطير من عوائق تدبر القرآن الكريم، فمن العسير - ربَّما لدرجة المحال - على من لم يحصِّل قدرًا كافيًا من علوم الشرع والتفسير أن يتدبر القرآن ويتفكر في آياته.

أمَّا الراسخون في العلم، فهم أسعد الناس حظًّا في تدبر القرآن والتفكر فيه؛ لأنَّهم الأعلم بتأويله، والأفهم لتفسيره، والأقدر على إدراك معانيه والاتِّعاظ بمواعظه وأمثاله.

قال الله - تعالى -: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 54].

﴿ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾؛ أي: "فتخضع للقرآن قلوبهم وتذعن بالتصديق به والإقرار بما فيه"[33].

فالذين أوتوا العلم هم أَوْلَى الناس بفهم القرآن وتدبُّره، ومن ثَمَّ الخضوع له واتباع ما فيه، وأما الجهال فهم الذين حرموا أنفسهم من الاقتباس من نور علوم الوحي، فحدث لهم من الحرمان بحسب ما عندهم من جهل.

ولذلك كان أفضلُ المؤمنين وخيرهم مَن تعلَّم القرآن وعلمه؛ فقد رَوَى عثمان بن عفان عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه))[34]، وفي لفظ: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).

ولذلك كان من الواجبات على كلِّ مُؤمن أن يطلبَ من علم الوحي ما يرفع عنه وصف الجهالة المذموم، وينقله من طبقة الجُهَّال، كما يجب على من حاز شيئًا من علم الكتاب أن يعلمه للناس وينشره بينهم؛ كما قال ابن كثير: "فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه وتعلم ذلك وتعليمه"[35].

6 - ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]:
إنَّ المقصود هنا ضرورة معايشة المؤمنين للأجواء القُرآنية، بحيث ترتبط حياتُهم به، ويشعرون بمدى احتياجهم له، فيصير حالهم كحال المريض الحائر الباحث عن شفاء دائه المستعصي بكل شغف.

قال ابن القيم: "فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القَلْبيَّة والبدنيَّة، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يُؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدًا"[36].

وإنَّ من أهم أسباب تأثُّر الصحابة بهذا القُرآن العظيم، وتدبرهم له: أنَّهم بنوا حياتهم على منهج هذا الدين، وتعلقوا بعيش الآخرة، ومن ثَمَّ كان ارتباطهم بالوحي عظيم، وتعايشهم مع الآيات جليل، فهم يربطونها بواقعهم، ويستمدون قُوَّتهم منها، ويجعلونها المصدر الذي يتزودون منه ما يَحتاجونه في دينهم ودُنياهم، فإذا قرؤوا القُرآن أو استمعوا له، كان شُعُورهم الدائم أن الله يُخاطبهم ويكلمهم به، فكانت قلوبهم تتشوق لنزول الوحي، ونُفُوسهم تهفو لاستماع كل ما أنزل منه، فإذا أنزلت آية مسَّت شغاف قلوبهم، وحرَّكت مكنونات مشاعرهم، وروت غليل نفوسهم وظمأ ألبابهم ووجدانهم، وهكذا حال المحب مع كلام محبوبه.

لكن أنَّى لمن شغلت الدُّنيا قلبه، فجعلها أكبر همِّه ومبلغ علمه، فما حمل للإسلام همًّا، ولا أشغل بقضاياه فكرًا، ولا حدَّث بالجهاد نفسًا، ولا شغل بالدعوة وجدانًا، ولا عايش من أجواء القرآن شيئًا، أنى له أن يتدبر القرآن، ويقفو معاني آيات الرحمن؟! هيهات هيهات!

نسأل الله أنْ يجعلنا ممن يرعى كتابه حقَّ رعايته، ويتدبره حق تدبره، ويقوم بقسطه، ويُوفي بشرطه، ولا يلتمس الهدى في غيره، وأن يهدينا لأعلامه الظاهرة، وأحكامه القاطعة الباهرة، وأن يجمعَ لنا به خير الدنيا والآخرة، فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحابته، والمهتدين بهديه إلى يوم الدين.

 


[1] "مفردات ألفاظ القرآن"، ص733.
[2] "تفسير النسفي"، (4/38).
[3] "تفسير الثعالبي"، (4/37). 
[4] "تفسير التحرير والتنوير"، (11/252).
[5] "قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله - عزَّ وجلَّ"، ص10. 
[6] "مفتاح دار السعادة"، (1/187).
[7] "تفسير ابن كثير"، (4/43).
[8] "تفسير النسفي"، (4/38).
[9] انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"، (11/559).
[10] "مقدمة في التفسير"، ص45.
[11] أخرجه النسائي (1000)، وابن ماجه (1340)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (1205).
[12] "مفتاح دار السعادة"، (1/187).
[13] "الفوائد"، ص21.
[14] "مفتاح دار السعادة"، (1/187).
[15] أخرجه أحمد (7611)، والترمذي (3257) وقال: "حسن صحيح"، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (3/127).
[16] أخرجه أحمد (22193)، ومسلم (207).
[17] "تفسير البغوي"، ص283.
[18] "مجموع الفتاوى"، (11/643).
[19] "إغاثة اللهفان"، (1/224-225) باختصار وتصرف يسير.
[20] "تفسير القرطبي"، (2/8)، "تفسير ابن كثير"، (1/65).
[21] "مجموع فتاوى ابن تيمية"، (5/158).
[22] يهذُّونه هذًّا؛ أي: يقرؤونه بسرعة، انظر: "لسان العرب"، لابن منظور (3/517).
[23] "إحياء علوم الدين"، (3/387).
[24] "مدارج السالكين"، (1/451).
[25] "مفتاح دار السعادة"، (1/187).
[26] "تفسير التحرير والتنوير"، (1/18).
[27] "تفسير الطبري"، (1/60).
[28] "الموافقات"، (2/64).
[29] "تفسير فتح القدير"، (4/291).
[30] "تفسير التحرير والتنوير"، (10/256).
[31] "إحياء علوم الدين"، (4/23).
[32] "تفسير ابن كثير"، (1/97).
[33] "تفسير الطبري"، (9/179).
[34] أخرجه البخاري (4640).
[35] "تفسير ابن كثير"، (1/3).
[36] "زاد المعاد"، (4/322).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • السعادة في القرآن الكريم
  • في كم يتلى القرآن؟
  • القرآن الكريم روضة المربِّين والدَّارسين
  • واجبنا نحو القرآن الكريم
  • أصل التدبر ودلالاته
  • سلسلة: (مفاتيح تدبر القرآن)
  • سلسلة: (مفاتيح تدبر القرآن والنجاح في الحياة)
  • أفلا يتدبرون القرآن
  • نظرات في قصة شعيب عليه السلام
  • القول المؤثر في بيان أنواع التدبر
  • كيف نحب القرآن ونتدبره؟
  • أثر تدبر القرآن
  • أهل القرآن
  • واجب الأمة نحو تعليم القرآن والمشتغلين بحفظه
  • وقفات مع القرآن وشموليته
  • القرآن كتابي: هكذا يكون التلقي
  • لماذا ندم شيخ الإسلام في آخر حياته؟
  • العقيدة وتدبر القرآن
  • الردود على شبهة إنكار المعوذتين المنسوبة إلى ابن مسعود
  • وما تدبر آياته إلا اتباعه
  • ليدبروا آياته
  • القرآن
  • ربنا ما خلقت هذا باطلا ( تدبر وتفكر )
  • تدبر القرآن الكريم
  • أفلا يتدبرون القرآن (خطبة)
  • أفلا يتدبرون القرآن؟
  • صفة المسلم التقي (1): { أفلا يتدبرون القرآن }
  • كيف نتدبر القرآن العظيم؟

مختارات من الشبكة

  • تأمل في قوله تعالى "أفلا تسمعون"، "أفلا تبصرون" في آخر الآيتين 71، 72 من سورة القصص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة أفلا يتدبرون القرآن(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • نظرات قرآنية في إصلاح النفس البشرية "أفلا يتدبرون القرآن"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • {أفلا يتدبرون القرآن }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (بطاقة)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • أفلا يتدبرون القرآن (بطاقة)(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير آية: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أفلا يتدبرون القرآن (الجزء الأول) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أفلا يتدبرون القرآن (بطاقة)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
15- لكلّ صارم نَبوة، ولكلّ جَواد كَبوة، ولكل عالم هَفوة
خالد الرفاعي - مصر 28-09-2010 04:13 PM

الأخ الكريم مهتم - الجزائر
لا يخفى على أحدا من عباد الله أن بيئة الغناء هي بيئة المنكرات والفضائح، التي فاحت روائحها المُنْتِنَة في سائر سائل الإعلام، ولا يرضى مسلم يعظم الله أن يستمع لأمثال هؤلاء الفساق، أو يُعجَب بهم وبغنائهم، ولو وضِعَت كلماتُ الأغاني في ميزان الشَّريعة، لوجدناها تشتمل على الشِّرك والكفر، والفسوق والعُهْر، هذا مع ما يصاحبها من موسيقى محرَّمة، وطريقة أداءٍ فيها تكسر ومُيوعَة وانحلال، أو تخنث وتشبه بالنساء لو كان المطرب ذكرًا. نسأل الله العافية لنا ولجميع المسلمين.
أما ذكر الأخ الكريم لكلام أبي محمد بن حزم – رحمه الله – فهو ماش مع أصوله في عدم حجية قول الصحابي، ولتضعيفه الأحاديث الدالة حرمة الغناء والمعازف، وقد رد عليه كل من جاء بعده وبينوا خطأ كلامه.
وقد احتج الأئمة الأربعة وعامة أهل العلم على حرمة الغناء بأدلة كثيرة غير الآية الكريمة، منها: حديث أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ليكوننّ من أمتي قوم يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف))؛ رواه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة الجزم، وهو إمام الدنيا، فما دام جزم بسماعه فلابد أن يكون سمعه؛ وهو نصٌّ في تحريم المعازف وإعلال أبي محمد بن حزم له بأنه منقطع، ولم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد راوي الحديث ، غير صحيح؛ لأن أبا محمد، إن كان حافظاً للحديث، إلا أنه لم تكن عنده مَلَكَةُ المحدثين والحفاظ في النقد، فضلاً عن أنه كان متشدِّداً جداً في التضعيف وتجهيل الرواة كما بينه الحافظ الذهبي وابن حجر وأبو الأشبال أحمد شاكر في تعليقاته على المحلى، حتى أنه جهل الإمام الترمذي صاحب السنن.
قال ابن الصلاح - رحمه الله - في مقدمته في علم الحديث: "ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ، في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر، وأبي مالك الأشعري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... من جهة أن البخاري أورده قائلا؛ قال هشام بن عمار، وساقه بإسناده. فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجَعَلَهُ جَوَاباً عن الاحتجاج به على تحريم المعازف، وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف بالاتصال بشرط الصحيح". اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وأما كونه سمعه من هشام بلا واسطة وبواسطة فلا أثر له؛ لأنه لا يجزم إلا بما يصح للقبول، ولا سيما حيث يسوقه مساق الاحتجاج". ثم بين الحافظ أن الحديث جاء موصولاً إلى هشام بن عمار عند الإسماعيلي في مستخرجه، والطبراني في مسند الشاميين.
وكذلك بين العلامة الألباني، أن الحديث جاء موصولاً كذلك في صحيح ابن حبان، ومعجم الطبراني الكبير، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتابه - رحمه الله - "تحريم آلات الطرب" فقد كفى وشفى.
قال الحافظ العراقي في ألفيته في الحديث:
وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الاسْنَادِ حُذِفْ = مَعْ صِيغَةِ الجَزْم فَتَعليْقَاً عُرِفْ
وَلَوْ إلى آخِرِهِ ، أمَّا الَّذِي = لِشَيْخِهِ عَزَا بـ ( قالَ ) فَكَذِي
عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ = لا تُصْغِ ( لاِبْنِ حَزْمٍ ) المُخَالِفِ
الحاصل أن الحديث صحيح لا مطعن في إسناده.
ومنها: ما رواه الحاكم والبيهقي والترمذي مختصراً، وحَسَّنَهُ، عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إني لم أُنه عن البكاء، ولكن نُهِيتُ عن صوتين أحمقين فاجِرَينِ؛ صوت عند نعمةٍ لَهْو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مُصِيبِةٍ لَطْم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان))؛ والحديث حسنه الألباني رحمه الله.
وهذا الحديث – كما ترى - خرجه جماعة من الأئمة، وله طرق ومع هذا يقول ابن حزم: "لا ندري له طرقًا". ولهذا قال الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله - عن ابن حزم: "وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه، وعلى أحوال الرواة".
ومنها: ما رواه البَزَّارُ في "مسنده" والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة))؛ قال المنذري في "الترغيب والترهيب": "رواته ثقات". والحديث صححه الألباني في "تحريم آلات الطرب".
ومنها: ما رواه أبو داود وأحمد وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله حرم عليَّ أو حرم الخمر والميسر وَالْكُوبَةَ، وكل مسكر حرام))، وفي رواية: ((إن الله حرم عليكم)). قال سفيان - أحد رواة الحديث -: "قلت لعلي بن بذيمة: ما الكوبة؟ قال: الطبل". والحديث صححه أبو الأشبال أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"، والألباني في "السلسلة الصحيحة". وشعيب الأرناؤوط في "تحقيق المسند".

ومنها: أنه قد روى ابن ماجه وابن حبان عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، وتضرب على رؤوسهم المعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير)). والحديث صححه الألباني في "غاية المرام"، وغيره.
هذا؛ وقد وقع الاتفاق على تحريم استماع الغناء والمعازف، وممن حكى الإجماع على ذلك القرطبي، وأبو الطيب الطبري، وابن الصلاح، وابن القيم، وابن رجب الحنبلي، وابن حجر الهيتمي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في "منهاج السنة النبوية" - رداً على ابن مطهر الشيعي في نسبته إلى أهل السنة إباحة الملاهي - قال: "هذا من الكذب على الأئمة الأربعة، فإنهم مُتَّفِقُون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو، كالعود ونحوه، ولو أَتْلَفَهَا مُتْلِفٌ عندهم لم يَضْمَن صورة التالف، بل يحرم عندهم اتخاذها". اهـ
وقال ابن الصلاح في "الفتاوى": "وأما إباحة هذا السماع وتحليله، فليُعْلَم أنَّ الدُّف والشبابة والغِنَاء إذا اجتمعت، فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يُعْتَدُّ بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع. إلى أن قال: فإذا هذا السماع غير مُبَاحٍ بإجماع أهل الحل والعقد من المسلمين". اهـ
وقال ابن القيِّم - رحمه الله – عند قول السلف: "الغناء بريد الزِّنا":
"وذلك لما يجلبه على النفس من التعلُّق بغير ذِكْر الله، والصَّدِّ عن القرآن، والإعراض عن سماعه؛ لأنَّه لا يجد فيه لذَّةً ولا متعةً، بخلاف حاله مع مزمار الشيطان، فكم وجدنا من أناسٍ يردِّدون الأغاني ويخشعون لها أعظم من تردادهم لذِكْر الله أو خشوعهم بسماع القرآن، فيضعف إيمانهم؛ لأنه لا يجتمع في قلب إنسانٍ مزمار الشَّيطان وكلام الرَّحمن، فلابدَّ أن يطرد أحدهما الآخَر".
وقال في "إغاثة اللَّهفان": "إنك لا تجد أحدًا عُنيَ بالغناء وسماع آلاته - إلاَّ وفيه ضلالٌ عن طريق الهُدى علمًا وعملاً، وفيه رغبةٌ عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث إذا عَرَضَ له سماع الغناء وسماع القرآن عَدَلَ عن هذا إلى ذاك، وثَقُلَ عليه سماع القرآن، وربما حمله الحال على أن يُسْكِت القارئ ويستطيل قراءته، ويستزيد المغنِّي ويستقصر نَوْبَتَه، وأقلّ ما في هذا: أنْ يناله نصيبٌ وافرٌ من هذا الذمِّ - إن لم يَحْظَ به جميعه - والكلام في هذا مع مَنْ في قلبه بعض حياةٍ يحسُّ بها فأمَّا مَنْ مات قلبه وعَظُمَتْ فتنته؛ فقد سَدَّ على نفسه طريق النَّصيحة: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [ المائدة: 41]". انتهى.
وقال فيه: "اعلم: أن للغناء خواصَّ لها تأثيرٌ في صَبْغ القلب بالنِّفاق، ونَباتَه فيه كنَبات الزَّرع بالماء. فمن خواصِّه: أنه يُلهي القلب، ويصدَّه عن فَهْم القرآن وتدبُّره، والعمل بما فيه، فإنَّ الغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبدًا لما بينهما من التَّضادِّ، فإنَّ القرآن ينهى عن اتِّباع الهوى، ويأمر بالعفَّة، ومُجانَبة شهوات النُّفوس، وأسباب الغيِّ، وينهى عن اتِّباع خطوات الشَّيطان، والغناء يأمر بضدِّ ذلك كلِّه، ويحسِّنه، ويهيِّج النفوس إلى شهوات الغيِّ؛ فيثير كامِنها، ويزعج قاطنها، ويحرِّكها إلى كلِّ قبيح، ويسوقها إلى وصْل كلِّ مليحةٍ ومليح، فهو والخمر رضيعا لَبانٍ، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رِهانٍ". اهـ. وانظر تمام البحث في: "إغاثة اللَّهفان من مصايد الشيطان" لابن القيِّم.
وننصح الأخ الكريم بمراجعة كتاب "الاستقامة" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب "تلبيس إبليس" لابن الجوزي، و"إغاثة اللهفان" لابن القيم، و"تحريم آلات الطرب" للألباني.

14- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}
مهتم - الجزائر 27-09-2010 05:30 AM

استدل المحرمون للغناء بما روي عن ابن مسعود وابن عباس وبعض التابعين: أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالي: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين). (لقمان: 6) وفسروا لهو الحديث بالغناء.
قال ابن حزم: ولا حجة في هذا لوجوه:
أحدها: أنه لا حجة لأحد دون رسول الله -صلي الله عليه وسلم-.
والثاني: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين.
والثالث: أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها؛ لأن الآية فيها: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا) وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، إذ اتخذ سبيل الله هزوًا.

ولو أن امرأ اشتري مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذه هزوا لكان كافرًا ! فهذا هو الذي ذم الله تعالي، وما ذم قط عز وجل من اشتري لهو الحديث ليتلهي به ويروح نفسه لا ليضل عن سبيل الله تعالي. فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا وكذلك من اشتغل عامدًا عن الصلاة بقراءة القرآن أو بقراءة السنن، أو بحديث يتحدث به، أو بنظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك، فهو فاسق عاص لله تعالي، ومن لم يضيع شيئًا من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن. (المحلي لابن حزم (9/60) ط المنيرية). أ هـ.


اقتباس من : حكم الغناء : بين المانعين والمجيزين
موقع إسلام أون لاين

13- وذكّر بالقرآن من يخاف وعيد
سمير عبد الخالق - فلسطين 26-01-2010 07:41 AM
لا يسعنا في هذا المقام ونحن نتحدث عن القرآن الكريم إلا أن نقول جزى الله خيرا كاتب هذا البحث, وكم نحن وفي هذا العصر الذي تحيطنا الفتن فيه من كل جانب في حاجة إلى أن نعود الى كتاب الله الكريم نتدبّر معانيه بعين البصر والبصيرة, فجزاك الله عنا خيرا وجعل الله هذا العمل برجمته ومنته وكرمه في ميزان العمل يوم القيامة, يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم.
12- يستحق الفوز ...
أم روان - السعودية 28-07-2009 07:57 PM

'موضوع مهم ، جزاه الله خير الشيخ لأن هذا الموضوع هو ما غفل عنه كثير من الناس
، فغفل الناس عنه وانكبوا على التجويد ، مع أن التجويد مطلوب بقدر تحسين التلاوة فقط أما الزيادة عليه والانشغال بالتجويد عن المطلب الأساسي لنزول القرآن وهو التدبر صار التجويد تكلفا ، وقد ذكر ابن مسعود في الحديث المرفوع : أنكم في زمان كثير فقهاؤه قليل حفاظه يضيعون حروفه ويقيمون حدوده ، يقصرون الخطبة ويطيلون الصلاة ، وسيأتي على الناس زمان ، كثير حفاظه ، قليل فقهاؤه ، يطيلون الخطبة ويقصرون الصلاة ، يقيمون حروفه ويضيعون حدوده. (الحديث مذكور في كتاب اتحاف الجماعة في الفتن والملاحم للشيخ حمود التويجري رحمه الله )
والموضوع الذي ذكره الشيخ تفصيل رائع أسأل الله أن ينفعنا به .
ويستحق الموضوع ان يفوز في المسابقة .

11- مفيد ومهم
انتصار حميد - ليبيا 18-06-2009 11:14 AM

جزى الله الشيخ كاتب المقال خيرا فهو مقال مفيد ومهم وضروري لكل إنسان مسلم

10- الحرص على تدبر القرآن
خالد بحراوي - مصر 17-06-2009 12:03 AM

تزداد أهمية طرح هذا الموضوع في زماننا الذي قل فيه الذين يحرصون على تدبر القرآن وفهمه ويجب أن يحرص الشيوخ والعلماء على توجيه المسلمين إلى عدم الاكتفاء بمجرد تعلم قراءة القرآن بل لا بد من الحرص على تدبره

9- يجب ان نلبي هذه الدعوة
أم مريم - الكويت 13-06-2009 06:21 PM

هذه دعوى لنا جميعا للاهتمام بتدبر كتاب الله
فمن منا سيلبي هذه الدعوة؟؟

8- القرآن معجزة الله
سمير المصري - مصر 13-06-2009 03:26 PM

القرآن هو معجزة الله القائمة الى يوم الدين وتدبره واجب على كل المسلمين
شكرا للكاتب على هذا الموضوع المهم

7- نعم الموعظة
خادم القرآن - السودان 13-06-2009 01:54 PM

هذا المقال فعلا مهم جدا وموضوع تدبر القرآن من أهم أسس الدين وللأسف غفلنا عنه
جزى الله خيرا الكاتب المحترم أخي إيهاب على هذه التذكرة والموعظة البليغة

6- كل مقال أجمل من سابقه
أنوار - فلسطين 12-06-2009 11:56 PM

ليس لي أن أنقد بالسلب و لا بالإيجاب محتوى هذه التحفةِ الأدبيةِ ,
فما احتوت إلا على آيات كريمات و أقوالٍ لكبار أئمة السلف , لكن
سأسمح لنفسي أن أعبر عن مدى إعجابي بأسلوب الكاتب الذي
عودنا على التألق و التميز و الإبداع في شتى أنواع المقالات .
إن أكثر ما يعجبني بمقالات الكاتب إيهاب كمال -علاوة على الفصاحة
و البلاغة و البيان- هو الحجة القوية و الدليل القاطع الدامغ الذي لا يدعُ
مجالاً لمشكك أن يُشككَ ولا لمتشكك أن يشكَّ , و تراه يحلل المشكلة
و يشرحها شرحًا وسطـًا بين الوجير المخل و البسيط الممل , فزاده الله من فضله !
وأعجبني- من جملة ما أعجبني- أن الكاتب لم يجعله مقالاً نظريًا بحتـًا , نقرؤه
و نعجب بما فيه وانتهى الأمر , بل ختمه ببيان أسباب هذا الداء
فإنك إن طلبت علاجًا دون دراية بالأسباب ستدركه حتمًا إذا شاب الغراب !
فبذلك نرى بعد التأمل أن الكاتب قد قدم لنا بعبقريته المعهودة مقالاً أدبيًا و تحليلاً علميًا
و علاجًا عمَـليا لهذه المشكلة ; فبيان أسبابها هو ذاته علاجها; لأنك عالجتها إذ قد تجنبت أسبابها.
أسأل الله أن يوفق الكاتب لكل خير و أن يجعله جنديًا من جنوده الذين يدافعون
عن دينه بما آتاهم الله من فضله , وننتظر المزيد من مقالاته على صفحات هذا الموقع المبارك .

1 2 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب