طلاق الموسوس

طلاق الموسوس

طلاق الموسوس ضمن ما كتبته في أحكام الطلاق فرغبت بنشره مشاركة لإخوتي المشايخ وطلاب العلم الذين كتبوا في أحكام الوسوسة فالحاجة ماسة إليه.

أحوال الموسوس:

الحال الأولى: أن يكون زائل العقل:

حين تشتد الوسوسة بالموسوس يكون في أقواله وأفعاله كالمجنون فلا يقع طلاقه سواء تلفظ بالطلاق أو طلق في نفسه.

فالموسوس المغلوب على عقله مجنون ولا يقع طلاق المجنون بالإجماع.

الحال الثانية: أن لا يكون زائل العقل: فلا يخلو طلاقه من حالين:

الأولى: أن يكون الطلاق بسبب غير الوسوسة: كشخص وسوسته في غير الطلاق كالطهارة ثم طلق امرأته رغبة عنها فيقع طلاقه لأنَّه شخص مكلف طلق مختاراً [1].

الثانية: أن يكون الطلاق بسبب الوسوسة:

ولا يخلو الطلاق من حالين:

الأولى: أن يطلق في نفسه: فإذا طلق في نفسه ولم يتلفظ بالطلاق لا يقع طلاقه فعن أبي هريرة - رضى الله عنه -  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ " [2].

وفي رواية: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ" [3].

وجه الاستدلال: بوب عليه أبو داود باب الوسوسة في الطلاق [4] وطلاق الموسوس حديث النفس ولا مؤاخذة بحديث النفس [5].

وطلاق غير الموسوس في النفس لا يقع - على الصحيح - فلا يقع طلاق الموسوس من باب أولى و بقية الأدلة في موضع آخر.

الثانية: أن يتلفظ بالطلاق: فلا يقع طلاقه: قال عطاء بن أبي رباح: يطلق ولي الموسوس، ولينتظر عسى أن يفيق" [6] وقال العيني: لا يجوز طلاق الموسوس [7] وقال الإمام الشافعي: المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوباً على عقله فإذا ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو أتى حداً أقيم عليه ولزمته الفرائض وكذلك المجنون يجن ويفيق فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه وإذا طلق في حال إفاقته لزمه[8] وقال القليوبي: المجنون والمبرسم والمعتوه، والنائم والموسوس كغير المميز[9].

وقال الشريف محمد بن أحمد الهاشمي طلاق... الموسوس لايقع قولاً واحداً [10] و قال ابن القيم: الموسوس لا يقع طلاقه... وما ذاك إلا عدم صحة العقل والإرادة منه [11].

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: الموسوس الذي حداه [ألجأه] على الطلاق وسوسته لا يقع طلاقه وذلك أنَّه يجد في نفسه أنَّ بقاء الزوجة معه غير حلال وهو يود امرأته فهو نظير المكره بل أبلغ من ناحية فإن فيه مُكْرٍه من قبله لا يزال معه راكباً وماشياً ومضطجعاً.[12].

وقال شيخنا الشيخ محمد العثيمين: بعضهم [الموسوسون] إذا رأى الضيق العظيم قال: سأطلق وأستريح، ثم يطلق فهذا لا يقع طلاقه؛ لأنَّه بلا شك مغلق عليه، وهذا من أعظم ما يكون من الإغلاق [13].

أدلة عدم وقوع طلاق الموسوس إذا تلفظ بالطلاق:

الدليل الأول: عن عمرو بن شعيب قال وجدنا في كتاب عبد الله بن عمرو عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنهم - «إِذَا تَجَنَّبَ الْمُوَسْوَسُ بِامْرَأَتِهِ طَلَّقَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». قال سفيان [الثوري]: «وَلَا نَأْخُذُ بِذَلِكَ، نَرَى أَنَّهَا بَلِيَّةٌ وَقَعَتْ، فَإِنْ كَانَ يَخْشَى عَلَيْهَا عُزِلَتْ وَأُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ»[14].

وجه الاستدلال: يطلق ولي الموسوس وهذا يدل على عدم اعتبار طلاقه.

الرد: هذا وجادة وجاء من طريق آخر المجنون بدل الموسوس.

الجواب: مناقشة ذلك في موضع آخر.

الدليل الثاني: قال عقبة بن عامر - رضى الله عنه -: «لاَ يَجُوزُ طَلاَقُ المُوَسْوِسِ» [15].

الرد: الحديث ذكره البخاري معلقاً من غير إسناد لينظر هل هو صحيح أم لا؟

الجواب: ذكره جازماً به وهذا يدل على صحته عنده قال الحافظ ابن حجر: الموقوفات فإنَّه يجزم بما صح منها عنده ولو لم يبلغ شرطه ويمرض ما كان فيه ضعف وانقطاع[16].

الدليل الثالث: الإجماع: قال محمد بن رشد: الموسوس لا يلزمه طلاق، وهو مما لا اختلاف فيه، لأنَّ ذلك إنَّما هو من الشيطان.[17].

الرد: يحتمل أنَّه أراد اتفاق المالكية فالخلاف معروف ذكر رجلٌ لسعيد بن جبير ابنة عم له، وأنَّ الشيطان يوسوس إليه بطلاقها؛ فقال له سعيد بن جبير: ليس عليك من ذلك بأس حتى تكلم به أو تشهد عليه.[18].

الجواب: فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم ينصون على عدم صحة طلاق الموسوس وفتوى سعيد بن جبير قضية عين لا نعلم حال السائل.

الدليل الرابع: الموسوس معتوه بالوسوسة والمعتوه لا يقع طلاقه.

الدليل الخامس: الموسوس مُكْرَهٌ على الطلاق و المكره لا يقع طلاقه.

الرد: المسألة من مسائل الخلاف.

الجواب: الصحيح عدم وقوع طلاقه وهو رأي الجمهور.

الدليل السادس: دلت النصوص الشرعية أنَّ الخلل الظاهر في العقل يمنع نفوذ التصرف وإن كان معه بعض إدراك.

تنبيه:

حين الحكم على طلاق الموسوس الذي لم تغلب الوسوسة على عقله لا نغفل عن:

1- أنَّ الوسوسة غالباً تكون خاصة فمثلاً البعض وسوسته في الطهارة والبعض في الصلاة والبعض في الطلاق والبعض في الزكاة والبعض في العقود.

2- الموسوس الذي وسوسته خاصة كسائر الناس يتعامل مع الناس فلا يظهر عليه أثر الوسوسة فهو كغيره من الناس.

3- الوسوسة مرض مع العلاج تخف أو تزول وتعاود الموسوس من فترة لأخرى لعدة أسباب.

4- الموسوس في جانب وسوسته الخاصة يصل أحياناً إلى حال أسوء من حال المجنون فيستفتي عن المسألة مراراً ويكتب الجواب ثم يسأل المفتي هل هذا المكتوب من كلامك وهو مع ذلك يذهب مع الناس ويتعامل معهم بالبيع وغيره لايشعر أحد بأنَّه مصاب بالوسوسة فله مع الطبيب و المفتي حال ومع غيرهم حال أخرى.

فعلى هذا من لم تغلب الوسوسة على عقله لايعطى حكماً عاماً فيقال لايقع طلاق الموسوس فلا بد أن ينظر في أمره وفي نوع الوسوسة التي يعاني منها ويستطيع أن يحدد ذلك الطبيب ومن يتعامل معه.