آداب السفر (5)

آداب السفر (5)

(17) اختيار وسيلة السَّفر:

على المسافرِ أن يختارَ وسيلةَ المواصلات المناسبة التي يسافرُ عليها بأن تكونَ مريحة، لا تشقُّ عليه، ولا على رفقائه؛ لأنَّ القاعدةَ الشرعية: "لا ضررَ ولا ضِرار".

وهذا من حسنِ التدبير، وعدم إلقاء النَّفسِ إلى التهلكة، وكذلك يختارُ الطرقَ المريحة في سفرِه.

ومما يُلاحظ في ذلك أن يسيرَ بالسرعةِ المسموحة إذا كان سيرُه بسيارة مثلاً، ولا يتجاوز السرعة؛ لأنه قد يعرِّضُ نفسَه للتهلكة، وقد قال -تعالى-: ﴿ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، وقال -تعالى-: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].

تنبيه: كانت وسائلُ المواصلات هي الدَّوابَ؛ كالإبلِ والخيل ونحوهما، وقد يسَّر الله - عز وجل - في زماننا وسائلَ أخرى مريحة، وهذا يستوجبُ علينا حمد الله - عز وجل - لهذه النعمِ الجليلة التي منَّ الله بها علينا.

فيجوز السَّفر برًّا وبحرًا وجوًّا مستخدمًا هذه الوسائل من السيارات، والحافلات، والسُّفن، والطائرات، وأمَّا ما ورد من المنعِ من ركوبِ البحر إلا لحاجٍّ أو غازٍ، فلا يصح[1].

وإنَّ من معجزةِ القرآن التنبؤ بهذه المخترعات؛ فمن ذلك قوله -تعالى-: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 8]، فقوله: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ إشارة إلى أنَّ هذه المركوباتِ المذكورة ليست هي فحسب التي يستمرُّ النَّاس على ركوبِها، بل إنَّ الله يمنحهم مركوباتٍ أخرى كما هو الحال الآن.

(18) صلاة ركعتين قبل الخروج:

يستحبُّ أن يصلِّي ركعتين قبل خروجِه من المنزل؛ لِما ثبت في الحديثِ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا خرجتَ من منزلٍ فصلِّ ركعتين يمنعانك من مخرجِ السوء، وإذا دخلت منزلَك فصلِّ ركعتين يمنعانك من مدخلِ السوء))[2].

(19) توديع الأهل والأصحاب وغيرهم:

يستحبُّ أن يودِّعَ أهلَه وجيرانه وأصحابه وسائر أحبابه، وأن يودِّعوه؛ فيقول لهم: أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه.

ويقولون له: استودعِ الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.

ويدعون له بقولهم: زوَّدك الله التقوى، وغفرَ ذنبَك، ويسَّر لك الخيرَ حيثما كنت.

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أراد أن يسافرَ فليقل لمن يخلِّف: أستودعُكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه))[3].

وعن سالم بن عبدالله بن عمر، أنَّ عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول للرجلِ إذا أراد سفرًا: "ادنُ مني أودِّعك كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يودعنا، فيقول: ((استودعِ الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك))[4].

قال الخطابي - رحمه الله -: "وإنما ذكرَ الدِّين مع الوداع؛ لأنَّ السَّفر موضعُ خوف وخطر، وقد يصيبه من المشقةِ والتعب، فيكون سببًا لإهمالِ بعض الأمور المتعلِّقة بالدين، فدعا له بالمعونةِ والتَّوفيق فيها.

وقيل: الأمانة ها هنا: أهله ومن يخلِّفُه منهم، وماله الذي أودعه ويستحفظه أمينه ووكيله ومن في معناه"[5].

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إني أريدُ سفرًا، فزوِّدني، فقال: ((زوَّدك اللهُ التقوى))، قال: زدني، قال: ((وغفر ذنبَك))، قال: زدني، قال: ((ويسَّر لك الخيرَ حيثما كنت))[6].

(20) طلب الوصية من أهلِ الخير:

يستحبُّ للمسافرِ طلبُ الوصية من أهلِ الخير، وعلى الأهل والأصحاب أن يوصوه بتقوى الله، ويدْعوا له بالخير؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله، إني أريدُ سفرًا فأوصني، قال: ((عليك بتقوى الله، والتكبيرِ على كلِّ شَرَفٍ))، فلمَّا ولى الرجلُ، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم اطوِ له البُعد، وهوِّن عليه السَّفر))[7].

و((الشَّرف)): هو المكانُ العالي المرتفع.

نرى في هذا الحديثِ أنَّ الرَّجلَ طلب الوصية، وأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصاه، ثم دعا له.

بعض وصايا السلف:

• قال مطرِّف بن عبدالله بن الشِّخير - رضي الله عنه - لابنِه: "الحسنةُ بين السيئتين، وخيرُ الأمور أوسطها، وشرُّ السيرِ الحَقْحَقَة"[8].

ومعنى "الحقحقة": السير بسرعةٍ فائقة.

• جاء رجلٌ إلى هشامٍ أخي ذي الرُّمَّة، فقال له: إني أريدُ السَّفرَ، فأوصني، قال: "صلِّ الصلاةَ لوقتها، فإنك مصليها لا محالة، فصلِّها وهي تنفعُك، وإياك أن تكون كلبَ رفقتك، فإن لكلِّ رفقةٍ كلبًا ينبح دونهم، فإن كان خيرًا شرِكوه فيه، وإن كان عارًا تقلَّده دونهم"[9].

ومعنى "ينبح دونهم"؛ أي: إنَّ بعضَ الناس من بين تلك الرفقة دائمًا هو الذي يكثرُ الكلامَ والاعتراض والانتقاد والخلاف.

(21) وليكتب وصيته:

فقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- عمومًا لكتابةِ الوصية؛ سواء في الحضرِ، أو السَّفر، ولا شك أنَّ حالَ السَّفر مظنةُ مشقةٍ وتعرضٍ للأخطار والأهوال؛ لذلك كان الحرصُ على كتابتها وقت السَّفر أولى.

عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيتُ ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبة عنده))[10].

(22) ويحرُم على المرأةِ أن تسافرَ بغير محرم:

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ بالله واليوم الآخر تسافر مسيرةَ يومٍ وليلة، إلا مع ذي محرم منها))[11].

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، فقال رجل: يا رسول الله، إنَّ امرأتي خرجت حاجَّة، وإني اكتُتبتُ في غزوةِ كذا وكذا، فقال: ((انطلق فحُجَّ مع امرأتِك))[12].

وعلى هذا، فلا يجوزُ للمرأةِ السَّفرُ إلا ومعها ذو محرم؛ سواء كان السَّفرُ لحجٍّ، أو غيرِه، وهذا هو الرَّاجحُ من أقوالِ أهل العلم.

والمَحْرم: كلُّ من حُرِّمَ عليه نكاحُها على التأبيدِ بسببٍ مباح، فقولنا: "على التأبيد" خرج منه ما كان مَحْرمًا مؤقتًا، وعلى هذا فزوجُ الأخت، وأخو الزوج، وابن العم، وابن الخال، لا يعتبرون من المحارم[13].

وقولنا: "بسبب مباح": يعني كالنَّسبِ والمصاهرة والرَّضاع.

(23) فإن كان له أكثر من زوجة أقرع بينهن:

هذا إذا أراد أن يصطحبَ زوجةً معه؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يخرجَ أقرعَ بين نسائه، فأيتهنَّ خرج سهمُها، خرج بها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم"[14].

وهذا إغلاقٌ لبابِ الخلاف والغيرة بين الزَّوجاتِ؛ لأنَّ القرعةَ لا دخل لإرادةِ الزوج فيها.