• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

الموت يفرق الأحباب

عبدالستار المرسومي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/8/2013 ميلادي - 14/10/1434 هجري

الزيارات: 13519

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الموت يفرق الأحباب


كان شوقُ الأصحاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته شوقًا لا يمكن أن يوصَف بكلماتٍ، فلقد كانوا يشتاقون إليه وهو بين ظهرانِيهم، ولا تُطفِئ شرارةَ وحرارة الشوق إليه إطالةُ النظر إليه أو طولُ المكوث عنده، فيقول عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنتُ أُطِيق أن أملأَ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئِلت أن أصفه ما أطقتُ[1]، فكيف بهم وقد وجدوا أنفسَهم فارقوه وفقدوه؟ لا شك أنهم في موقفٍ عصيب لا يُحسَدون عليه.

 

إن الوعي الفكري الناشط والفهمَ العميق الناضج عند الصحابة - رضي الله عنهم - كان الدافعَ لحبِّهم وتمسُّكِم - رضي الله عنهم - بحبيبِهم - صلى الله عليه وسلم - ومعرفتهم لقيمتِه، فلقد كانت أمُّ أيمن - رضي الله عنها - حاضنةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - تبكي حين توفَّاه الله - سبحانه وتعالى - فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال أبو بكر - رضي الله عنه - بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "انطلِق بنا إلى أمِّ أيمن نزورُها، كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلمَّا انتهينا إليها بَكَت، فقالا لها: ما يُبْكِيك؟ ما عند الله خيرٌ لرسولِه - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خيرٌ لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيَّجَتْهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها"[2].

 

فنحن اليومَ بحاجة ماسَّة لمثل هذا الوعي، يكون لنا نورًا وبرهانًا نلتمس فيه الطريق الذي أظلمَتْه ذنوبُ الناس بشتى مشاربهم.

 

لهذا كان وقع خبر وفاته - صلى الله عليه وسلم - عليهم عظيمًا، لقد فقد كبارُ الصحابة السيطرةَ على أنفسهم عندما سمِعوا خبر وفاته - صلى الله عليه وسلم - ولعلَّ منهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلمَّا سمِع عمر الخبر قام - رضي الله عنه - في الناس خطيبًا، فقال: لا أسمعنَّ أحدًا يقول: إنَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد مات، إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لم يَمُتْ، ولكن أرسَل إليه ربُّه كما أرسل إلى موسى، فلبث عن قومه أربعين ليلة، ثم قال في خطبته نفسها - رضي الله عنه -: إني لأرجو أن يقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيديَ رجالٍ وأَرْجُلَهم يزعمون أنه مات[3].

 

سبحان الله! أَمِثْلُ عمرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه - يقول هذا الكلام؟!

 

عمر العبقري والمُلْهَم والمُحَدَّث ورابط الجأش في أشد المحن، لكنه لا يُلام أبدًا، لقد أفقدَتْه الصدمةُ الكبيرة وعيَه وتركيزه.

 

أما بُنَيَّتُه - صلى الله عليه وسلم - وفِلْذَة كَبِده وحبيبةُ قلبه، فاطمة بنت محمد - رضي الله عنها - التي أنكرت قلبَها تلك الساعة الذي تلوَّى ألمًا على فراق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن أنس - رضي الله عنه - قال: لما ثَقُل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشَّاه، فقالت فاطمةُ - عليها السلام -: واكربَ أبتاه، فقال لها: ((ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم))، فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه، مَن جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دُفِن قالت فاطمة - عليها السلام -: يا أنسُ، أطابت أنفسُكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب[4].

 

وهنا تفيض مشاعرها - رضي الله عنها - وتجود قريحتُها بأبيات تعبِّر عن شدة هذا المصاب والكرب، تقول - رضي الله عنها -:

قُل للمُغَيَّبِ تَحتَ أَطباقِ الثَّرى
إن كنتَ تسمعُ صَرخَتي وَندائِيَا
صُبَّت عَليَّ مَصائبٌ لو أنَّها
صُبَّت عَلى الأيَّام صِرْنَ لياليَا
فَإِذا بَكَت قُمريَّةٌ في ليلِها
شَجنًا على غصنٍ بكَيْتُ صَباحِيَا
فَلأجعلنَّ الحُزنَ بَعدكَ مُؤنِسي
ولأجعلنَّ الدمعَ فيك وِشَاحِيَا
ماذا عَلى مَن شَمَّ تُربةَ أحمدٍ
أَن لا يَشَمَّ مدى الزمان غَواليَا

 

أما صديقه وحبيب قلبه وصاحب مسيرتِه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فقد كان بعيدًا في أطراف المدينة، فلما سمِع الخبر جاء مسرعًا حتى وصل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجده قد فارق الحياة، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أقبل أبو بكر - رضي الله عنه - على فرسِه من مسكنِه بالسُّنْح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلِّم الناسَ حتى دخل على عائشة - رضي الله عنها - فتيمَّم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو مُسَجًّى ببُرْدِ حِبَرَةٍ، فكشف عن وجهه ثم أكبَّ عليه، فقبَّله ثم بكى، فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، طِبْتَ حيًّا وميتًا، لا يجمعُ الله عليك موتَتينِ، أما الموتةُ التي كُتِبت عليك، فقد مُتَّها[5].

 

ثم خرج أبو بكرٍ - رضي الله عنه - للناس برباطةِ جأشٍ جعلَتْه رجلَ الموقف، فعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - أن أبا بكرٍ - رضي الله عنه - خرج وعمرُ - رضي الله عنه - يكلِّم الناس - وذكرنا ما قال قريبًا - فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: "أيها الحالف، على رِسْلِك، اجلِس، فأبى، فقال: اجلِس، فأبى، فتشهَّد أبو بكر - رضي الله عنه - فمال إليه الناس وتركوا عمر، فقال: أما بعد، فمَن كان منكم يعبد محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فإن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد مات، ومَن كان يعبدُ الله، فإن الله حيٌّ لا يموت، قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، فنَشج الناس يبكون، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: واللهِ، لكأنَّ الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر - رضي الله عنه - فتلقَّاها منه الناس، فما يُسَمعُ بشرٌ إلا يتلوها[6]، قال عمر: والله ما هو إلا أن سمِعْتُ أبا بكر تلاها فَعَقِرْتُ حتى ما تُقِلُّني رجلاي وحتى أهويتُ إلى الأرض، حين سمعته تلاها علمتُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات[7].

 

هكذا ظهرت قيادةُ أبي بكر - رضي الله عنه - الراشدةُ منذ اللحظة الأولى، ومن أول وأعظم محنةٍ يمرُّ بها المسلمون دون وجودِ نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم - وهذا مصداقُ قولِ عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضِه:

((ادعي لي أبا بكر، أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابًا؛ فإني أخافُ أن يتمنَّى متمنٍّ ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر))[8].

 

ويُدفَن رسول الله - عليه أفضل الصلاة والسلام - وينصرفُ الناس، ويخيِّم على مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ظلاماتٌ من نوع خاص، أنكر الناس فيها قلوبَهم، فلا يُسمَع إلا النشيج في أزقَّة المدينة.

 

عن أنس - رضي الله عنه - قال: لمَّا كان اليوم الذي دخَل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ، أضاء منها كلُّ شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه، أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأيدي حتى أنكرنا قلوبَنا[9].

 

ويترجِم حسان بن ثابت - رضي الله عنه - ما قاله أنس - رضي الله عنه - بأبياتٍ رائعة تمازج الروح وتلائم الفهم وتعبِّر عن المشاعر، فالعين تدمع، والقلب يحزن، والمقام دونك يا رسول الله صعب، يقول:

ما بالُ عَيني لا تَنامُ كَأَنَّما
كُحِلَتْ مَآقيها بِكُحلِ الأَرْمَدِ
جَزَعًا عَلى المَهدِيِّ أَصبَحَ ثاوِيًا
يا خَيرَ مَن وَطِئَ الحَصى لا تَبعُدِ
جَنبي يَقيكَ التُرْبَ لَهفي لَيْتَني
غُيِّبْتُ قَبلَكَ في بَقيعِ الغَرْقَدِ
أَأُقيمُ بَعدَكَ بِالمَدينَةِ بَينَهُم
يا لَهفَ نَفسي لَيْتَني لَم أُولَدِ
بِأَبي وَأُمِّي مَن شَهِدْتُ وَفاتَهُ
في يَومِ الاثنَينِ النَبِيُّ المُهتَدي
فَظَلِلْتُ بَعدَ وَفاتِهِ مُتَلَدِّدًا
يا لَيْتَني أُسقِيتُ سمَّ الأَسوَدِ
أَوْ حَلَّ أَمرُ اللهِ فينا عاجِلاً
في رَوحَةٍ مِن يَومِنا أَو من غَدِ
فَتَقومُ ساعَتُنا فنَلقى طَيِّبًا
مَحضًا ضَرائِبُهُ كَريمَ المَحْتِدِ
يا بِكرَ آمِنَةَ المُبارَكَ ذِكرُهُ
وَلَدَتْكَ مُحصَنَةٌ بِسَعدِ الأَسعَدِ
نورًا أَضاءَ عَلى البَرِيَّةِ كُلِّها
مَن يُهْدَ لِلنورِ المُبارَكِ يَهتَدِ
يا رَبِّ فَاجمَعْنا مَعًا وَنَبِيَّنا
في جَنَّةٍ تُنبي عُيونَ الحُسَّدِ
في جَنَّةِ الفِردَوسِ واكتُبْها لَنا
يا ذا الجَلالِ وَذا العُلا وَالسُؤْدَدِ

 

فالصحابة - رضي الله عنهم - يمنُّون أنفسهم ويؤنسون وحشة قلوبهم لفراقِه بأملِ اللقاء به على الحوض في الجنة كما وعدهم - صلى الله عليه وسلم - لهذا كانوا - رضي الله عنهم - يفرحون ويستبشِرون عندما يظهر ما يشير إلى أنهم سينتقلون إلى المرحلة التي يعودون فيها بقرب حبيبِهم - صلى الله عليه وسلم.

 

فعن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوفٍ قال: سمعتُ عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - بصفِّين في اليوم الذي قُتِل فيه، وهو ينادي: إني لقيتُ الجبَّار، وأُزلِفت الجنة، وزوِّجت الحور العِين، اليوم نلقى الأحبة محمدًا وحزبَه، عهد إلي: ((إنَّ آخر زادك من الدنيا ضَيْحٌ من لبن))[10].

 

أي حبٍّ هذا يداعب شَغاف قلب سيدنا عمار؟! إنه يفرح لأنه سيموت!

 

أي عاطفةٍ هذه التي لم تستكنَّ حتى في سكراتِ الموت العصيبة؟

 

أي نقاءٍ روحي وفكري ينقلانِ الإنسان من عالَمٍ مادي فقير ضيِّق، إلى عالم روحي غني وواسع؟

 

وأما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي كان يحب أن يقضي حتى حياة البرزخ قربَ حبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد قال لابنه - رضي الله عنه -: "يا عبدالله بن عمر، اذهَبْ إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فقل: يقرأ عمر بن الخطاب عليكِ السلامَ، ثم سَلْها أن أُدفَن مع صاحبيَّ، قالت: كنتُ أريده لنفسي فلأوثرنَّه اليوم على نفسي، فلما أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أَذِنت لك يا أمير المؤمنين، قال: ما كان شيءٌ أهمَّ إليَّ من ذلك المضجع، فإذا قُبِضْت فاحملوني، ثم سَلِّموا، ثم قل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أَذِنَت لي، فادفنوني، وإلا فردُّوني إلى مقابرِ المسلمين"[11].

 

ولا غرابة من هذه المواقف؛ فإن مَن علَّم عمر وعمارًا - رضي الله عنهما - هو المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم.

 

ولمَّا مرِض رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - مرضَه الذي مات فيه، لم يَنْسَ الرِّجالَ الذين جاءهم مهاجرًا مع أصحابه، الرجال الذين أسكنوه قلوبَهم قبل ديارهم، وهم الأنصار - رضي الله عنهم - فيقول أنس بن مالك - رضي الله عنه -: مرَّ أبو بكر والعبَّاس - رضي الله عنهما - بمجلسٍ من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - منَّا، فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عصب على رأسه حاشيةَ بُرْدٍ، قال: فصعِد المنبر، ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كَرِشِي وعَيْبَتي، وقد قَضَوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم والناس سيكثُرون، و - أي الأنصار - يقلُّون، فاقبَلوا من مُحسنِهم، وتجاوَزوا عن مُسيئِهم))[12].

 

وقبلَ وفاتِه - صلى الله عليه وسلم - كان قد أمر - صلوات ربي وسلامه عليه - بسدِّ كافة الأبواب النافذة إلى مسجده إلا بابَ أبي بكر - رضي الله عنه - وسبب ذلك ما جاء عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ أمنَّ الناس عليَّ في صحبتِه ومالِه أبو بكر، ولو كنتُ متخذًا خليلاً من أمتي لاتخذتُ أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودَّته، لا يبقينَّ في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب أبي بكر))[13].

 

ولم يكن الصحابةُ الأخيار - رضي الله عنهم - وحدَهم مَنْ تأثَّر بموت رسول الله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأحسُّوا بالخسارة لفقدِه والمعاناة من بُعْدِه، لقد بكتْه الدنيا بأكملها، بكاه الحجر والشجر، والوَبَر والمَدَر، فعن جابرِ بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: "كان المسجد مسقوفًا على جذوع من نخلٍ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب يقوم إلى جذعٍ منها، فلمَّا صُنِع له المنبر وكان عليه، فسمِعنا لذلك الجذعِ صوتًا كصوت العشار، حتى جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده عليها فسكنت"[14].

 

فإذا كان بُعْدُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المنبر وهو حيٌّ جعل المنبر يبكي وينوح، فما بالك بصنيعه إذ مات - صلى الله عليه وسلم -؟ فموتُه - صلى الله عليه وسلم - من أعظم المصائب التي مُنِيت بها هذه الأمة، بل هي أعظمها، فكل مصيبة جلل بعد موته - صلوات ربي وسلامه عليه - فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فتح رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بابًا بينه وبين الناس - أو كشف سترًا - فإذا الناس يصلُّون وراء أبي بكر، فحمِد الله على ما رأى من حسن حالهم، ورجا أن يَخْلُفه الله فيهم بالذي رآهم، فقال: ((يا أيها الناس، أيُّما أحدٍ من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة، فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإنَّ أحدًا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي))[15].

 

وقد أحسن أبو العتاهية عندما أخذ هذا المعنى وضمَّنه في شعره فقال (من الكامل):

اصبِر لِكُلِّ مُصيبَةٍ وَتَجَلَّدِ
وَاعلَم بِأَنَّ المَرءَ غَيرُ مُخَلَّدِ
أَوَمَا تَرى أَنَّ المَصائِبَ جَمَّةٌ
وَتَرى المَنِيَّةَ لِلعِبادِ بِمَرصَدِ
مَن لَم يُصب مِمَّن تَرى بمُصيبَةٍ
هَذا سَبيلٌ لَستَ فيهِ بِأَوحَدِ
وَإِذا ذَكَرتَ مُحَمَّدًا وَمُصابَهُ
فَاذكُرْ مُصابَكَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ


[1] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان (192).

[2] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم - (103).

[3] أخرجه ابن حبان في صحيحه (14/587/6620).

[4] أخرجه البخاري في صحيحه (4462).

[5] أخرجه البخاري في صحيحه (1241، 3667، 4453).

[6] أخرجه البخاري في صحيحه (1242، 4454).

[7] أخرجه البخاري في صحيحه (4454).

[8] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم - (11).

[9] أخرجه ابن ماجه في سننه (1631)، و الترمذي في سننه (3618).

[10] أخرجه الحاكم في مستدركه (3/477/5735)، والطبراني في الأوسط (6/301/6471).

[11] انظر: صحيح البخاري (1392، 3700، 7328).

[12] أخرجه البخاري في صحيحه (3799، 3801).

[13] أخرجه البخاري في صحيحه (466، 3654، 3904)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم (2).

[14] أخرجه البخاري في صحيحه (918، 2095، 3584، 3585).

[15] حديثٌ حسنٌ لغيره: أخرجه ابن ماجه في سننه (1599).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم
  • وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
  • وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم
  • فما نفعتهم قصورهم في قبورهم؟
  • حوار بين الموت والمؤمن
  • أحباب الله
  • الإسعاد والتحديث بمحاسن الأحباب والأصحاب

مختارات من الشبكة

  • كلمات موجعة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تبريد حرارة المصيبة عند موت الأحباب في ضوء الكتاب والسنة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تبريد حرارة المصيبة عند موت الأحباب في ضوء الكتاب والسنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ذكر الموت وتمنيه(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • الموت أهون عليَّ مِن ترك حبيبي(استشارة - الاستشارات)
  • تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الموت في ديوان "تسألني ليلى" للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الموت بوصلة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قلق الموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خلع المريض مرض الموت(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب