• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

رسالة لطيفة في حكم الوقف المتعطل المنفعة

محمود بن أحمد أبو مسلّم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/8/2013 ميلادي - 8/10/1434 هجري

الزيارات: 78147

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رسالة لطيفة

في حكم الوقف المتعطل المنفعة


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -..

 

أخرج الأئمة الستة وغيرهم في كتبهم من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن ابراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنما الأعمال بالنية، وإنما لملرء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".

 

وبعد...

فهذه رسالة لطيفة في حكم "بيع الوقف".. نبتغي بها وجه الله تعالى الذي أسأله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم وأن نلقاه بعمل مقبول يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. آمين.

 

فصل

معنى الوقف وحكمه

الوقف لغة: وقوف خلاف الجلوس، وهومصدر يجمع على وقف ووقوف، ووقف الشيء أي حبسه، ولا يقال أوقف الشيء إذ هي لغة رديئة وشاذة[1].

 

وأما في الشرع: حبس مالك ماله المنتفع به مع بقاء عينه عن التصرفات برقبته، وتسبيل منفعته على شيء من أنواع القرب، ابتغاء وجه الله [2].

 

وأما حكم الوقف: فهو مأخوذ من أدلة من القرآن والسنة..

 

أما القرآن: فقوله تعالى ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ.... ﴾ [3] وقوله تعالى ﴿... وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾[4]

 

ومن السنة.. كحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضه بخيبر[5].

 

وكحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوله" [6] وغيرهما من الأحاديث فهو جائز بل مستحب إن كان المرء كثير المال، لما فيه من منفعة للمساكين والفقراء، وعظيم الثواب لصاحبه خاصة بعد مماته، لأنه من أنفع الصدقات الجارية.

 

قال أبوعيسى الترمذي رحمه الله صاحب السنن بعد أن ساق حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافا في اجازة وقف الأرضين وغير ذلك"[7].

 

فصل

حكم بيع الوقف أواشتراط بيعه

الأصل في الوقف أنه لا يجوز بيعه.. والعمدة في ذلك حديث عمر بن الخطاب الذي أخرجاه[8] من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضا[9] فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: "إن شئت حبّست أصلها وتصدقت بها" فتصدق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب ولا يورث، في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا غير متمول فيه.

 

وفي رواية للبخاري[10] من طريق صخر بن جويرية عن نافع بلفظ "فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره" فهذا مرفوع، حتى لا يتوهم أحد أن الرواية السابقة موقوفة على عمر رضي الله عنه.

 

ولا يعلم خلافا بين الفقهاء في عدم جواز بيع الوقف، إلا شيئا يذكر عن أبي حنيفة وخالفه فيه جميع أصحابه إلا زفر بن الهذيل فحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان قال: كان أبو يوسف يجيز بيع الوقف، فبلغه حديث عمر هذا فقال: من سمع هذا من ابن عون؟ فحدثه به ابن علية، فقال: هذا لا يسع أحدا خلافه، ولو بلغ أبا حنيفة لقال به فرجع عن بيع الوقف حتى صار كأنه لا خلاف فيه بين أحد.ا.هـ. ومع حكاية الطحاوي هذه، فقد انتصر كعادته فقال: قوله في قصة عمر "حبّس الأصل وسبل الثمرة" لا يستلزم التأبيد، بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره لذلك. ا.هـ. ولا يخفى ضعف هذا التأويل، ولا يفهم من قوله "وقفت وحبست" إلا التأبيد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه، وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها "حبيس ما دامت السماوات والأرض" قال القرطبي: رد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه، وأحسن ما يعتذر به عمن رده ما قاله أبو يوسف فإنه أعلم بأبي حنيفة من غيره.[11]

 

ولا يجوز للواقف أن يشترط أن يباع الوقف أوأن يهبه..

 

ونمهد لذلك بكلام مفيد لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ذكره في مجموع الفتاوى[12]، تحت عنوان.. قاعدة: الأعمال المشروطة في الوقف على الأمور الدينية مثل الوقف على الأئمة والمؤذنين، والمشتغلين بالعلم من القرآن، والحديث، والفقه، ونحو ذلك، أو بالعبادات أو بالجهاد في سبيل الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: عمل يتقرب به إلى الله، تعالى، وهو الواجبات والمستحبات التي رغب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، وحض على تحصيلها، فمثل هذا الشرط يجب الوفاء به، ويقف استحقاق الوقف على حصوله في الجملة.

 

والثاني: عمل نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه نهي تحريم أو تنزيه، فاشتراط مثل هذا العمل باطل باتفاق العلماء، لما قد استفاض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب على منبره فقال: "ما بال اقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق"[13]. وهذا الحديث وإن خرج بسبب شرط الولاء لغير المعتق، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (عند عامة العلماء) وهو مجمع عليه في هذا الحديث.

 

وكذا ما كان من الشروط مستلزما وجود ما نهي عنه الشارع، فهو بمنزلة ما نهي عنه، وما علم أنه نهي عنه ببعض الأدلة الشرعية، فهو بمنزلة ما علم أنه صرح بالنهي عنه، لكن قد يختلف اجتهاد العلماء في بعض الأعمال: هل هو من باب المنهي عنه؟ فيختلف اجتهادهم في ذلك الشرط، بناء على هذا. وهذا أمر لابد منه في الأمة.

 

ومن هذا الباب أن يكون العمل المشترط ليس بمحرم في نفسه لكنه مناف لحصول المقصود المأمور به، ومثال هذه الشروط أن يشترط على أهل الرباط ملازمته، وهذا مكروه في الشريعة مما أحدثه الناس، أو يشترط على الفقهاء اعتقاد بعض البدع المخالفة للكتاب والسنة، أو بعض الأقوال المحرمة، أو يشترط على الإمام أوالمؤذن ترك بعض سنن الصلاة، والأذان، أو فعل بعض بدعها، مثل أن يشترط على الإمام أن يقرأ في الفجر بقصار المفصل.... الخ كلامه رحمه الله. ثم قال..

 

القسم الثالث: عمل ليس بمكروه في الشرع ولا مستحب، بل هومباح مستوي الطرفين، فهذا قال بعض العلماء بوجوب الوفاء به، والجمهور من العلماء من أهل المذاهب المشهورة وغيرهم، على أن شرطه باطل، فلا يصح عندهم أن يشرط إلا ما كان قربة إلى الله عز وجل، وذلك لأن الإنسان ليس له أن يبذل ماله إلا لما له فيه منفعة في الدين أوالدنيا، فما دام الإنسان حيا فله أن يبذل ماله في تحصيل الأغراض المباحة، لأنه ينتفع بذلك، فأما الميت فما بقي بعد الموت، ينتفع من أعمال الأحياء، إلا بعمل صالح قد أمر به، أو أعان عليه أو أهدى إليه.. فأما الأعمال التي ليست طاعة لله ورسوله، فلا ينتفع بها الميت بحال، فإذا اشترط الموصي أو الواقف عملا أو صفة لا ثواب فيها، كان السعي فيها سعيا لا ينتفع به في دنياه ولا آخرته، ومثل هذا لا يجوز، وهذا إنما مقصوده بالوقف والتقرب. والله أعلم. ا.هـ. كلامه رحمه الله.

 

قلت: (محمود) وإذا تأملت في هذا القسم الثالث، ثم فيمن وقف شيئا ثم اشترط أن يباع أو أن يوهب، لوجدت أن هذا ينافي مقصود الوقف ولا شك، في تحصيل الشخص مصلحته في آخرته، إذ انقطع ثوابه هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى يكون أيضا قد خالف نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوقف "تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره" [14].. فليت شعري، كيف يصح مثل هذا؟

 

لذلك قال في المغني "وإن شرط أن يبيعه متى شاء أويهبه، أويرجع فيه، لم يصح الشرط، ولا الوقف، لا نعلم فيه خلافا، لأنه ينافي مقتضى الوقف، ويحتمل أن يفسد الشرط، ويصح الوقف، بناء على الشروط الفاسدة في البيع" ا.هـ.[15]

 

قوله: "ويحتمل أن يفسد الشرط ويصحّ الوقف بناء على الشروط الفاسدة في البيع" فهذا كلام ما قبله أولى منه، إذ أن هذا الشرط باطل ليس بفاسد لأن منهي عنه ابتداء وهذا صريح كما ورد في حديث عمر رضي الله عنه السابق، فيكون اشتراطه أشد في النهي ولا شك، فالصحيح الأول، أنه إن شرط البيع للوقف فلا يصح الشرط ولا الوقف.. والله الموفق.

 

فصل

تعطل منفعة الوقف

أحيانا قد يتعرض الوقف إلى ما قد يعطل منفعته المرجوة منه ولا يصلح حينئذ لما وقف له.. كأن يقف مثلا رجل مسجدا، فيهجره أهل البلد فلا يصلى فيه، أو يوقف أحدهم مبرّدة مياه فيحدث لها عطل ما، أو سيارة اسعاف فتتعطل لسبب أو لآخر.. فيحدث أن يقع البعض في إشكال، وهو، هل يجوز في هذه الحالة أن يباع هذا الوقف مثلا ويشترى بدله لينتفع به في مكان آخر، أو في نفس المكان، أم أن هذا لا يجوز؟

 

وقبل الجواب عن هذا السؤال نود أن ننوه على بعض الملاحظات الآتية:

أولا: نحن قد قدّمنا في الفصول السابقة.. أن بيع الوقف لا يجوز باتفاق أهل العلم إلا قول لأبي حنيفة رحمه الله، ولم يتابع عليه، وينبغي ألا يكون في مثل هذه المسائل التي جاءت بنص صريح واضح، قولان.

 

ثانيا: لقد أنزل الله عزّ وجل شرائعه وأوضحها أوضح البيان، وجعل لهذه الشرائع قواعد عامة لا يستغني عنها أي مؤمن، ومن هذه القواعد الجليلة قاعدة رفع الحرج عن العباد، كما هومقرر في غير موضع من كتاب الله عز وجل، وسنة النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم.. ورفع الحرج من الأمور التي تحتاج إلى فقه واسع وخبرة عالية بالواقع، وتحقق الحرج يحتاج إلى شروط، كما هومقرر ذلك في موضعه[16].

 

ثالثا: إن المستجدات الفقهية، وفقه الواقع، في حاجة إلى إلمام جيد بالأدلة، ودقة وحذر في استعمالها والاستشهاد بها.. كيلا ننزل بعض المسائل إلى أرض لا سكنى لها فيها، أونجعل الأدلة تبدووكأنها لا حاجة لنا بها وننحرف إلى استنباط أحكام عقلية محضة لا صلة لها بالشرع بتاتا.. لذا يجب على الفقيه أن يتقي الله في علمه وفي فتاواه تلك التي تستجد عليه أويفرضها عليه الواقع، فلا ينحرف عن الشرع ولا يتشدد في الحكم على الأمور بعقله، والموفق من وفقه الله.

 

أما عن المسألة.. فيمكن أن نقسمها إلى قسمين:

الأول: تعطل جزئي لمنافع الوقف.

الثاني: تعطل كلي لمنافع الوقف.

 

أولا: التعطل الجزئي لمنافع الوقف

وهذا مثله.. كمثل سيارة وقفها أحد الأشخاص في سبيل الله كسيارة إسعاف أو غير ذلك، فتعطل شيء بها.. أو تعرضت لحادث مروري.. فأضرّ بها بعض الأضرار.. أو أن بيتا وقفه شخص على الفقراء ثم تعرض لتصدع ما، أو أن مكتبة وقفها شخص على طلبة علم فتعرضت لسرقة بعض كتبها.. كل ذلك، لا يجيز للشخص الواقف أو لمن وكّل على الوقف أن يتصرف فيه ببيعه.. طالما أن الأضرار التي به لم تصل إلى درجة التلف التام أوالتعطل التام.. وطالما أنه يمكن صيانة هذه الأضرار وتلافيها.

 

صيانة الوقف:

إذ لابد من أي وقف أن تكون له صيانة دورية من الجهة الواقفة أو من ولي الأمر، الذي يعرف الآن بوزارة الأوقاف.. إذ ليس شيئا في الدنيا يستعمله الإنسان إلا ويحتاج إلى رعاية وعناية، أخذا بالأسباب كما هو معلوم.. بل إن ترك الوقف بلا رعاية وعيانة وصيانة يعتبر تفريط وتضييع ولا ريب ولابد أن يؤخذ على أيدي من يهمل في ذلك وإلا ضاعت الأوقاف لأتفه الأضرار.. فبمجرد حصول الضرر لا يعني وقوع الحرج المؤدي إلى بيع الوقف أو التصرف فيه.. وإلا لفتحنا الباب لضياع الكثير من الأوقاف التي هي في سبيل الله عزّ وجل لأتفه الأسباب والأضرار.

 

ومعلوم أن الضرورات والأضرار تتفاوت، وهي مراتب عدة.. وكل يقدر بقدره.. لذلك لا يجوز في حالة، التعطل الجزئي لمنافع الوقف، أن يباع الوقف فيه.. ما لم تصل درجة التعطل إلى حالة التعطل الكلي، أو إلى حالة يصعب على الوقف معها الاستمرار فيم وقف له، وهذا متفق عليه.[17]

 

هذا.. وقد نقل شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى أحوال تعطل الوقف، عن أبوعبد الله بن تيمية من كلامه في ترغيب المقاصد في " ترغيب المقاصد"، قال: إذا تعطل الوقف فله أحوال:

أحدها: أن ينعدم بالكلية، كالفرس إذا مات، فقد انتهت الوقفية.

 

الثانية: أن يبقى منه بقية متمولة، كالشجرة إذا عطبت، والفرس إذا أعجف، والمسجد إذا خرب، فإن ذلك يباع ويصرف في تحصيل مثله، أو في شقيص من مثله.

 

الثالثة: حصر المسجد إذا بليت، وجذوعه إذا تكسرت وتحطمت، فإنه يباع ويصرف في مصالح المسجد، وكذلك إذا أشرفت جذوعه على التكسير أو داره على الانهدام وعلم أنه لو أخر لخرج عن أن ينتفع به، فإنه يباع.. قال أحمد رحمه الله في رواية أبي داود: إذا كان في المسجد خشبات لها قيمة، وقد تشعثت جاز بيعها وصرف ثمنها عليه.

 

الرابعة: إذا خرب المسجد، وآلته تصلح لمسجد آخر يحتاج إلى مثلها، فإنها تحول اليه، وأما الأرض فتباع، هذا إن لم يكن عمارته بثمن بعض آلته، وإلا بيع ذلك وعمّر به.. نص عليه.

 

الخامسة: إذا ضاق المسجد بأهله، أو تفرق الناس عنه، لخراب المحلة، فإنه يباع، ويصرف ثمنه في انشاء مسجد آخر، أو في شقص مسجد آخر. ا.هـ.[18]

 

ثانيا: حالة التعطل الكلي للوقف

ملخص أقوال أهل العلم في هذه المسألة ثلاثة [19]:

1- قال الإمامان مالك والشافعي: في الوقف إذا خرب وتعطلت منافعه، لا يجوز بيع شيء من ذلك.[20]

2- وقال محمد بن الحسن: إذا خرب المسجد أو الوقف، عاد إلى ملك واقفه.

3- وقال أحمد: بجواز نقل الوقف وبيعه للمصلحة.. وهو قول شيخ الإسلام بن تيمية رحمهم الله أجمعين.

 

وأما عن أدلة كل فريق والكلام عليها فكالتالي:

أولا: من قال بالمنع، وهما الإمامان، مالك والشافعي رحمهما الله.. استدلا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يباع أصلها، ولا تبتاع ولا توهب، ولا تورث"، ولأن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه، لا يجوز بيعه مع تعطلها، كالمعتق، والمسجد أشبه الأشياء بالمعتق.

 

ثانيا: من قال يعود إلى ملك واقفه قال: لأن الوقف إنما هو تسبيل المنفعة، فإذا زالت منفعته زال حق الموقوف عليه منه، فزال ملكه عنه.

 

ثالثا: ومن قال بالجواز من أصرح ما استدلوا به أثر أخرجه الطبراني في معجمه الكبير[21] فقال: حدثنا علي بن عبد العزيز[22] ثنا أبونعيم[23] ثنا المسعودي[24] عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود[25] قال: قدم عبدالله وفد بنى سعد القصر، واتخذ مسجدا في أصحاب التمر، فكان يخرج إليه في الصلوات، فلما ولي عبدالله بيت المال، نقب بيت المال فأخذ الرجل، فكتب عبد الله إلى عمر، فكتب عمر ألا تقطعه، وانقل المسجد، واجعل بيت المال مما يلي القبلة، فإنه لا يزال في المسجد من يصلي، فنقل عبد الله وخط هذه الخطة وكان القصر الذي بنى سعد شاذر وإن كان الإمام يقوم عليه، فأمر به عبد الله فنقض حتى استوى مقام الإمام مع الناس.

 

وهذا الأثر موقوف، إسناده متصل جيد إلى القاسم، إلا أنه منقطع، لم يدرك القاسم جده عبد الله بن مسعود، وهو من رواية الحفيد عن جده وهو ثقة.. ولا يبعد أن تكون القصة مشتهرة في أفراد عائلته.. فلا بأس بالاستئناس بها، خاصة أنها ليست في مجال العقائد ولا من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

وهو يوضح أن عمر نقل المسجد إلى مكان آخر، للمصلحة الراجحة، وليس لتعطل المنافع بالكلية، فلا يزال يصلى فيه كما ذكر.

 

وكذلك من حجة من قال بهذا القول، ما أخرجه أبوداود [26] من طريق محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عمارة بن عمرو بن حزم عن أبي بن كعب قال "بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مصدقا، فمررت برجل فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه الا ابنة مخاض[27]،.... ثم ذكر قصة، وفيها أن رسول الله قبل منه ناقة عظيمة فتية بدل من ابنة المخاض، ودعا له في ماله بالبركة.[28]

 

الحديث رجاله ثقات، غير محمد بن إسحاق وهو صدوق، وقد صرّح بالتحديث، والحديث أخرجه ابن خزيمة رقم 2277 وأحمد في زوائد المسند 5/142.

 

وكذلك استدلوا بما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث نافع عن ابراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن امرأة اشتكت شكوى فقالت: إن شفاني الله لأخرجنّ فلأصلينّ في بيت المقدس. فبرأت ثم تجهزت تريد الخروج فجاءت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، تسلّم عليها فأخبرتها ذلك، فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت وصلي في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة" [29].. وكذلك قصة الرجل الذي نذر إن فتح الله عز وجل مكة على نبيه أن يصلي في بيت المقدس فأمره رسول الله أن يصلي في المسجد الحرام.[30]

 

قال بن تيمية رحمه الله: فعلى هذا، فلو نذر أن يقف شيئا فوقف خيرا منه كان أفضل، فلو نذر أن يبني لله مسجدا وصفه، أو يقف وقفا وصفه، فبنى مسجدا خيرا منه، ووقف وقفا خيرا منه كان أفضل. ولو عينه فقال: لله علي أن أبني هذه الدار مسجدا أو أوقفها على الفقراء والمساكين فبنى خيرا منها، كان أفضل، كالذي نذر الصلاة بالمسجد الأقصى، وصلى في المسجد الحرام، أو كان عليه بنت مخاض فأدى خيرا منها. ا.هـ. [31].

 

وكذلك استدلوا بحديث عائشة في الصحيحين، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها "لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس ابراهيم فإن قريشا حين بنت البيت استقصرت ولجعلت لها خلفا" [32]..

 

قال ابن تيمية: ومعلوم أن الكعبة أفضل وقف على وجه الأرض، ولو كان تغييرها، وإبدالها بما وصفه - صلى الله عليه وسلم - واجبا لم يتركه، فعلم أنه كان جائزا، وأنه كان أصلح لولا ما ذكره من حدثان عهد قريش بالإسلام. وهذا فيه تبديل بنائها ببناء آخر، فعلم أن هذا جائز في الجملة. وتبديل التأليف بتأليف آخر هو أحد أنواع الابدال، وأيضا فقد ثبت أن عمر وعثمان غيرا بناء المسجد النبوي، أما عمر فبناه بنظير بنائه الأول باللبن والجذوع، وأما عثمان فبناه بمادة أعلى من تلك كالساج. وبكل حال فاللبن والجذوع التي كانت وقفا أبدلها الخلفاء الراشدون بغيرها. وهذا من أعظم ما يشتهر من القضايا ولم ينكره منكر، ولا فرق بين إبدال بناء ببناء وإبدال عرصة بعرصة إذا اقتضت المصلحة ذلك... الخ. ا.هـ.[33]

 

مناقشة الأقوال الثلاثة:

أما من قال بالمنع، وهما الامامان مالك والشافعي، فهما أسعد الناس حظا بظاهر الدليل، يعني حديث عمر رضي الله تعالى عنه، واستفادوا منه أن الوقف إذا خرب أو تعطل بالكلية فإن ثواب هذا الشخص الذي وقف قد تم، ولا حاجة لأن نعيد عليه الوقف في مكان آخر، فيبدو، والله أعلم، أنهم نظروا للأجر المتحقق من الوقف بغض النظر عن الوقف ذاته، فطالما تحقق الأجر الثابت بالنص في وقف معين، وقد خرب هذا الوقف أو تعطلت منافعه بالكلية، فلا يباع لنص الحديث، فربما تحقق له نفع في وقت لاحق.

 

وأما القول الثاني، وهو من قال يعود إلى ملك واقفه، لزوال المنفعة، فهو نظر إلى مصلحة الواقف فقط دون الموقوف، وليس هذا في ظني بسديد، إذ هو قد جعل الوقف وكأنه هبة المؤقتة، ثم عادت إلى واهبها، أي لما تعطل نفعها، وهو خلاف النص، لأن الواقف لا يرجع إليه وقفه أبدا، ولم أقف على شيء من النصوص عن السلف يفيد هذا المعنى.

 

قال في المغني بعد أن ساق الأقوال الثلاثة "ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد، لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة، أن انقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصلّ، وكان هذا في مشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه، فكان إجماعا. ولأن فيما ذكرناه استبقاء الوقف بمعناه عند تعذر إبقائه بصورته، فوجب ذلك، كما لو استولد الجارية الموقوفة، أو قبلها غيره.. قال ابن عقيل: الوقف مؤبدّ، فإن لم يكن تأبيده على وجه، يخصصه استبقاء الغرض، وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى، وإيصال الأبدال جرى مجرى الأعيان وجودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض، ويقرب من هذا الهدي إذا عطب في السفر، فإنه يذبح في الحال، وإن كان يختص بموضع، فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية، استوفى منه ما أمكن، وترك مراعاة المحلّ الخاص عند تعذره، لأن مراعاته مع تعذره تفضي إلى فوات الانتفاع بالكلية، وهكذا الوقف المتعطل المنافع.. قال ابن قدامة: ولنا على محمد بن الحسن، أنه إزالة ملك على وجه القربة، فلا يعود إلى مالكه باختلاله، وذهاب منافعه كالعتق. ا.هـ." [34]

 

وأما من قال بالجواز، ففهم من النص أن الغرض من الوقف مصلحة الواقف والموقوف، فإذا تعطلت إحدى المصلحتين لزم النظر في تجديد المصلحتين أو إحداهما وفهم أن مقام البيع في حالة تعطل الوقف إنما هو مجرد بيع صوري ليس صورته كالبيع المعروف وهو الربح من وراء البيع، وما يحدث للأوقاف من خلل وتعطل منفعة ليس له مخرج إلا هذا الفهم، خاصة وأنه تعضضه الأصول والنصوص كما سلف بيانه.

 

ومن هنا نرى أن من قال بالجواز في بيع الوقف المتعطل النفع أو استبداله بغيره قوله هوالأقرب للصواب، ولا ننكر على من قال بالمنع، ولكن هناك إشكالات ترد عليه، خاصة في الوقت الراهن:

وهي أن الوقف ان تعطلت منفعته؟ فله حالان لا ثالث لهما، وهذا إن لم يكن حيوانا [35]، فإما أن يترك، أو يباع.

 

فإن بيع، فإما أن يرد المال إلى الواقف أوورثته وهنا نكون قد خالفنا حكم الوقف أنه لا يورث، أو ننتفع به في وقف آخر سواء كان وقفا جديدا أو إدخال المال في وقف قديم آخر، فلزمه القول بما ذهبنا اليه.

 

وإن ترك، فهو مال لا ينتفع به، وهذا مخالف لحكمة الوقف فضلا عن كونه مال يعتبر في حكم التالف وقد نهينا عن إتلاف الأموال وإضاعتها بيننا كبشر، فما بالك بما وقف لله تعالى؟!

 

فصل

أحوال الوقف إذا بيع

قال في المغني "وظاهر كلام الخرقي أن الوقف إذا بيع، فأي شيء اشترى بثمنه مما يردّ على أهل الوقف جاز، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه، لأن المقصود المنفعة، لا الجنس، لكن تكون المنفعة مصروفة إلى المصلحة التي كانت الأولى تصرف فيها، لأنه لا يجوز تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه، كما لا يجوز تغيير الوقف بالبيع مع إمكان المحافظة عليه " ا.هـ.

 

قلت: (محمود) والأولى ولا شك أن الوقف إذا بيع، أن يعوض أهل الوقف عنه إن أمكن، فالواقف إن وقف الشيء لأهل بلده مثلا، كان أولى أن يعوض أهل البلد عن هذا الوقف بوقف آخر، وهل يكون نفس الوقف أويكون وقف غيره؟

 

ففي كلام الخرقي السابق حلّ لهذا الإشكال، أن الوقف يردّ على أهله، هذا هو الأولى ولا شك، سواء كان نفس جنس الوقف أوغيره. فإن قيل: وكيف يبدل غير جنسه؟

 

تغيير جنس الوقف:

فالجواب، أنه أحيانا يكون الوقف المتعطل المنفعة يوجد أمثاله الكثير الذي يستغنى به عنه، ويكون أهل البلد الذي فيه الوقف يحتاجون إلى غيره، فيكون أولى، وذلك بالنظر إلى المصلحة العامة، وهذا لا يشك فيه لبيب.

 

نقل الوقف إلى بلد آخر مسجد كان أوغيره:

لكن لو كان الوقف قد تعطل، ويوجد من جنسه الكثير في بلد الوقف، وتعذر إقامة غير جنسه، فهل يباع الوقف ويبني في بلد غيره مثله؟


فالظاهر، والله تعالى أعلم، أن ذلك جائز خاصة لوكان الواقف لم يشترط أن الوقف يكون لأهل بلد بعينهم، وطالما قلنا بجواز بيع وإبدال الوقف المتعطل المنفعة، وذلك بالنظر أيضا إلى قواعد رفع الحرج، وإلى أحوال الواقع، الذي أصبحت فيه أسعار العقارات الآن مرتفعة جدا، وتختلف اختلافا بيّنا من مكان إلى مكان، فقد يكون إعادة بناء الوقف في بلد مكلف جدا، بعكس بلد آخر فتكون التكلفة منخفضة كثيرا، فلو فرضنا مثلا، أن مسجدا موقوف متعطل المنفعة في بلدة ما، وقررنا أن نبدل الوقف بإبدال المسجد بمساكن للفقراء أو بمستشفى، فنجد أن تكاليف الهدم والبناء باهظة جدا، ستحتاج إلى تمويل كثير، قد لا نستطيع تحصيله، أوقد يأخذ مدة طويلة جدا. وعلى الجانب الآخر، هناك بلدة أخرى مجاورة إذا بنينا فيها مسجدا، بعد بيع الأول، أو مستشفى أو مسكن للمحتاجين، لوجدنا أن ثمن البيع سيغطي تكاليف الأرض والبناء مثلا، فيكون، والله أعلم، ذلك جائزا ولا بأس به، بشرط أن يكون الوقف غير مخصص على أهل بلد بعينهم، فإذا خصص على أهل بلد بعينهم، فيبدل الوقف بوقف غيره، من جنسه أو من غير جنسه، على حسب المصلحة، ولا ينقل.

 

وإلى ما ذكرت أشار شيخ الإسلام بن تيمية كما في مجموع الفتاوى المصرية قال [36]: وإذا تعطل نفع الوقف، فإنه يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه في مذهب أحمد وغيره، وهل يجوز مع كونه مغلاًّ أن يبدل بخير منه؟ فيه قولان في مذهبه، والجواز مذهب أبي ثور وغيره.


•• والمقصود: أنه حيث جاز البدل، هل يشترط أن يكون في الدرب أوالبلد الذي فيه الوقف الأول، أم يجوز أن يكون بغيره إذا كان ذلك أصلح لأهل الوقف، مثل أن يكون ببلد غير بلد الوقف، إذا اشترى فيه البدل كان أنفع له؛ لكثرة الريع وتيسر التناول، وما علمت أحداً اشترط أن يكون البدل في بلد الوقف الأول، بل النصوص عند أحمد وأصوله وعموم كلامه وكلام أصحابه وإطلاقه يقتضي أن يفعل في ذلك ما فيه مصلحة أهل الوقف، فإن أصله في هذا الباب مراعاة مصلحة الوقف، بل أصله في عامة العقود اعتبار مصلحة الناس؛ فإن الله أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، وبعث رسله بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها.


وقد جوز أحمد إبدال مسجد بآخر للمصلحة، كما جوز تغييره للمصلحة، واحتج بأن عمر أبدل مسجد الكوفة القديم بمسجد آخر، وجوز أحمد إذا خرِب المكان أن ينقل المسجد إلى قرية أخرى، بل ويجوز - في أظهر الروايتين عن أحمد - أن يباع ذلك المسجد ويعمر بثمنه مسجد آخر في قرية أخرى، إذا لم يحتج إليه في القرية الأولى؛ فاعتبر المصلحة بجنس المسجد، وإن كان في قرية غير القرية الأولى، إذا كان جنس المساجد مشتركة بين المسلمين.

 

قال: والوقف على قوم بعينهم أحق بجواز نقله إلى مدينتهم من المسجد، فإن الوقف على معينين حق لهم لا يشركهم فيه غيرهم... إلى أن قال: فإذا كان الوقف ببلدهم أصلح لهم؛ كان شراء البدل ببلدهم هو الذي ينبغي فعله لمتولي ذلك، وصار هذا كالفرس الحبيس الذي يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، إذا كان محبوساً على أناس في بعض الثغور، ثم انتقلوا إلى ثغر آخر، فشراء البدل بالثغر الذي هم فيه يقيمون أولى من شرائه بثغر آخر...، ثم قال: ومما يبين هذا أن الوقف لوكان منقولاً كالسلاح وكتب العلم، وهو وقف على ذرية رجل بعينه جاز أن يكون مقر الوقف حيث كانوا، بل كان هذا هو المتعين. فليس في تخصيص مكان العقار الأول مقصود شرعي، ولا مصلحة لأهل الوقف. وما لم يأمر به الشارع ولا مصلحة فيه للإنسان فليس بواجب ولا مستحب، فعُلِم أن تعيين المكان الأول ليس بواجب ولا مستحب لمن يشتري بالعوض ما يقوم مقامه، بل العدول عن ذلك جائز، وقد يكون مستحبّاً، وقد يكون واجباً، إذا تعينت المصلحة فيه. انتهى ملخصاً. والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.[37]

 

تمويل الوقف الجديد:

قلت (محمود) وعلى ذلك نقول أيضا أنه يجوز تمويل الوقف إذا بيع ولم يكف ثمنه في إبدال وقف آخر أو إعادة بناءه، وهذا ظاهر مما سبق، فالمقصود هو استبقاء منفعة الوقف الممكن استبقاؤها ولا سبيل إلى ذلك إلا بهذه الطريق[38].

 

ويخطر الحاكم أو من ينوب عنه (وزارة الأوقاف):

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح الزاد [39]"فيجوز أن ينقل أويباع الوقف إلى ما هو أنفع، وما اختاره شيخ الاسلام هو الصواب، ولكن في هذه الحال يجب أن يمنع من بيعه أو إبداله إلا بإذن الحاكم، لأنه قد يتعجل الموقوف عليه، ويقول أأبيعه لأنقله إلى ما هو أفضل، ويكون الأمر على خلاف ظنه، فلابد من الرجوع إلى الحاكم أو القاضي في هذه الحال لئلا يتلاعب الناس بالأوقاف ا.هـ".

 

الحيوان الموقوف ان تعطلت منفعته:

وهو كأن يوقف شخصا ماشية أو خيل مثلا على الفقراء تدرّ عليهم ألبان وتساعدهم في الزرع والحرث، فهذ مثله مثل الوقف الآخر، إلا أنه قد يموت هذا الحيوان أويمرض، فهل إن مات أومرض يبدّل غيره أولا؟

 

والظاهر، أنه إن تعطلت منفعته، بمرضه أو موته أو كبره، جاز أن يبدّل بغيره.

 

قال في المغني[40] "وبالقول الأول أقول، لإجماعهم على جواز بيع الفرس الحبيس يعني الموقوفة على الغزو إذا كبرت، فلم تصلح للغزو، وأمكن الانتفاع بها في شيء آخر، مثل أن تدور في الرحى أو أن يحمل عليها تراب، أو تكون الغربة في نتاجها، أو حصانا يتخذ للطراق، فإنه يجوز بيعها، ويشترى بثمنها ما يصلح للغزو. نص عليه أحمد".

 

هذا.. والله تعالى أعلى وأعلم وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



[1]لسان العرب 9/378.

[2]توضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام 5/73.

[3]البقرة، الآية 245.

[4] البقرة، الآية 110.

[5]سيأتي تخريجه ان شاء الله.

[6]رواه مسلم 1631.

[7]سنن الترمذي 4/284.

[8]البخاري 2313 و2764 و2737 و2772 و2773 و2777.. ومسلم 1632 /15 مكرر.

[9]اسمها ثمغ بفتح المثلثة، وكانت نخلا.. كما جاء مصرحا في رواية صخر ابن جويرية عن نافع في البخاري.

[10]حديث 2764.

[11]نقلت هذه الفقرة من كلام ابن حجر في الفتح 5/566. ولا مزيد للكلام عليه.

[12]31/28-31.

[13]متفق عليه البخاري حديث 456 / باب ذكر البيع و الشراء على المنبر وفي غير موضع، مسلم 1504/ 5.14، كتاب العتق باب الولاء لمن أعتق.

[14]تقدم تخريجه.

[15]1/1315 ط.بيت الأفكار الدولية.

[16]هذا.. ويرى شيخ الإسلام بن تيمية أن مسألة إبدال الوقف، ليست من مسائل رفع الحرج، كما ذكر في مجموع فتاواه.. إذ هو يرى أن إبدال الوقف جائز إن كان سيحقق نفع أكبر بغض الطرف عما إذا كان سيسبب حرجا أو لا، ج 31 / 128.

[17]انظر المغني 1/1326 ط.دار الأفكار الدولية.

[18]مجموع الفتاوى 31/131.

[19] المغني 1/1325.

[20] المجموع للنووي مع المطيعي 16/330- 331.

[21] ج9/193.

[22] علي بن عبد العزيز ابن المرزبان بن سابور، قال أبو حاتم صدوق، ووثقه الدارقطني، وقال الذهبي عنه في السير حسن الحديث.

[23] الفضل بن دكين الكوفي، ثقة ثبت، من كبار شيوخ البخاري مات سنة 218هـ.

[24] هو عبد الرحمن بن عبد الله، صدوق اختلط بآخره: ومن روى عنه ببغداد فبعد الاختلاط، وأبو نعيم روى عنه قبل الاختلاط.

[25] أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة عابد من الرابعة، لم يسمع من جده عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[26] كتب الزكاة، باب زكاة السائمة، حديث 1580.

[27] أي أتى عليها حول ودخلت في السنة الثانية.

[28] الحديث رجاله كلهم ثقات، غير محمد بن اسحاق وهو صدوق، وقد صرّح بالتحديث، والحديث أخرجه ابن خزيمة رقم 2277 و أحمد في زوائد المسند 5/142.

[29] مسلم 1396 كتاب الحج - باب فضل الصلاة بمسجدي مكة و المدينة..

[30] أخرجها أبوداود حديث 3305، وإسناده فيه حبيب المعلم و هو صدوق.

[31] مجموع الفتاوى 31/145.

[32] البخاري - كتاب الحج - باب فضل مكة و بنيانها - رقم: 1585، مسلم 1333 - كتاب الحج - باب نقض الكعبة وبنائها.

[33] مجموع الفتاوى 31/142.

[34] المغني 1/1326 ط. بيت الأفكار الدولية.

[35] كما سيأتي بعد قليل.

[36] وانظر فقه السنة للسيد سابق رحمه الله 3/264- 266.

[37] الفتاوى المصري لابن تيمية 5/229-231.

[38] انظر المغني 1/1326.

[39] الشرح الممتع 4/582 ط. دار الامام مالك.

[40] المغني 1/1325.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حكم التصرف في الوقف
  • الوقف
  • الوقف: شِرْعة ومفخرة
  • الصدقة الوقفية
  • الوقف صدقة جارية وتنمية اجتماعية
  • الوقف.. وبركته على الفرد والجماعة
  • الوقف الإسلامي من روائع حضارتنا
  • المنفعة في الإسلام: حيث وجد شرع الله ودينه فثمة المنفعة

مختارات من الشبكة

  • بيع أو استبدال الوقف غير المنقول إذا تعطلت منافعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسالة إلى أختي المسلمة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كلمة (رسالة أو الرسالة) - تأملات(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أهمية الوقف ومنافعه ومصارفه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تعجيل المنفعة بجمع صحيح السنن الأربعة - كتاب الطهارة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المنفعة العامة .. كأحد المذاهب الأخلاقية في الفلسفة الحديثة(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • بين الإفراط في العاطفة والتمحور حول المنفعة غابت المودة والرحمة(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب