تحقيق تخريج مسألة ( لا إسلام لمن لم يصل )

تحقيق تخريج مسألة ( لا إسلام لمن لم يصل )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبي عن حديث رواه شريك، عن عبدالملك بن عمير، عن أبي المُليح الهُذلي، قال: سمعت عمر يقول:((لا إسلام لمن لم يُصلِ)).

سمعت أبي يقول: لم يدرك أبو المليح عمر. يُروى عن عبدالملك بن عمير، (عن قبيصة بن جابر، قال: سمعت عمر)[1]، هذا الكلام.

لم يذكر في الإسناد أبو المليح.

رجال الإسناد:

• شَريك النخعي: صدوق له أوهام، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 521.

• عبد الملك بن عمير: صدوق ربما دلس، ساء حفظه آخر عمره، تقدم في المسألة 552.

• أبو المليح بن أسامة الهذلي، قيل اسمه عامر، أو زيد، أو زياد (ت 98 تقريباً).

ثقة، متفق على توثيقه.

انظر تهذيب الكمال 34/316، التهذيب 12/246، التقريب (8390).

• عمر بن الخطاب، صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 503.

• قبيصة بن جابر بن وهب الأسدي، أبو العلاء الكوفي (ت 69).

ثقة، متفق على توثيقه. قال يعقوب بن شيبة: يعد في الطبقة الأول من فقهاء أهل الكوفة بعد الصحابة، وهو أخو معاوية بن أبي سفيان من الرضاعة.

انظر تهذيب الكمال 23/472، التهذيب 8/344، التقريب (5510).

تخريج الحديث:

روى عبدالملك بن عمير هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه شريك، عن عبدالملك بن عمير، عن أبي المليح، قال: سمعت عمر.

2- ورواه عبيدالله بن عمرو الرقي، عن عبدالملك، عن أبي المليح، قال: قال عمر.

3- ورواه قرة بن خالد، عن عبدالملك، عن جابر بن سمرة، عن المسور بن مخرمة، عن عمر.

4- وروي عن عبدالملك، عن قبيصة بن جابر، قال: سمعت عمر.

الوجه الأول:

أخرجه ابن سعد في الطبقات 6/157.

ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة 2/897، رقم 930، عن محمد بن يحيى.

كلاهما عن أبي نعيم: الفضل بن دكين، حدثنا شريك، عن عبدالملك بن عمير، عن أبي المليح، قال: سمعت عمر - رضي الله عنه - مثله.

وذكره الدار قطني في العلل 2/211، من رواية شريك به، إلا أنه قال: عن أبي المليح الهذلي، عن عمر.

الوجه الثاني:

أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة 2/897، رقم 931، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبدالله بن جعفر الرقي، حدثنا عبيدالله - يعني ابن عمرو الرقي -، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي المليح، قال: قال عمر - رضي الله عنه - مثله.

قلت: وعبيدالله الرقي ثقة، وعبدالله بن جعفر: ثقة لكنه تغير بأخرة فلم يفحش اختلاطه ومحمد بن يحيى، هو الذهلي: ثقة حافظ (التقريب 4327، 3253، 6387).

الوجه الثالث:

أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة 2/896، رقم 928، عن حجاج بن يوسف، عباس العنبري.

والآجري في الشريعة 1/293، رقم 295، من طريق نصر بن علي الجهضمي.

وابن الأعرابي في معجمه 1/227، رقم 407 - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 44/441 -، عن محمد بن عبدالملك الدقيقي.

كلهم عن وهب بن جرير، عن قرة بن خالد، به، نحوه.

وذكر الدارقطني في العلل 2/211، رواية شريك في الوجه الأول، ورواية قرة على هذا الوجه، وقال: وقول قرة أشبه بالصواب.

قلت: ووهب بن جرير: ثقة. وقرة بن خالد: ثقة ضابط (التقريب 7472، 5540).

الوجه الرابع:

وروي عن عبدالملك، عن قبيصة بن جابر، قال: سمعت عمر: ذكره أبو حاتم في هذه المسألة، ولم أقف على من أخرجه.

النظر في المسألة:

من خلال ما تقدم يتضح أن عبدالملك بن عمير روى هذا الأثر، واختلف عليه:

1- فرواه شريك، عن عبدالملك بن عمير، عن أبي المليح، قال: سمعت عمر.

2- ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبدالملك، عن أبي المليح، قال: قال عمر.

3- ورواه قرة بن خالد، عن عبدالملك، عن جابر بن سمرة، عن المسور بن مخرمة، عن عمر.

4- وروي عن عبدالملك، عن قبيصة بن جابر، قال: سمعت عمر.

ولعل الوجه الثاني أرجح هذه الأوجه؛ فعبيد الله الرقي ثقة، كما تقدم، وتابعه على ذكر أبي المليح شريك، وهو صدوق له أوهام، كما تقدم في ترجمته.

وأما الوجه الثالث فمن رواية ثقة واحد.

وأما الوجه الرابع، فلم أقف على من أخرجه، وعليه فلا أستطيع الحكم عليه.

إلا أنه يمكن القول بأن الوجه الثالث محفوظ أيضاً، وأن الحمل في هذا الاختلاف على عبدالملك، وهو كما تقدم صدوق ساء حفظه في آخر عمره، وذلك لأن الراوي عنه في الوجه الثالث ثقة، وحمل الخطأ على الأدنى أولى، والله أعلم.

ويرى أبو حاتم أن الوجه الرابع أرجح، ويعني به من ذكر قبيصة بدلاً من أبي المليح، وذلك في مقابل رواية شريك التي سأله عنها ابنه.

وفي هذا نظر؛ إذ لم ينفرد شريك بذلك، بل تابعه عبيدالله بن عمرو على ذكر أبي المليح وهو ثقة، ولكنه خالفه في تصريحه بسماع أبي المليح من عمر.

وكان من الأولى أن يعل رواية شريك برواية عبيدالله بن عمرو، حيث لم يذكر التصريح بالسماع، ولعل رواية عبيدالله لم تقع له، والله أعلم.

كما رجح الدار قطني الوجه الثالث على رواية شريك في الوجه الأول، كما تقدم.

وعليه فلعل الوجهين الثاني والثالث محفوظان، وإن ثبت الوجه الرابع، فيكون عبدالملك يحدث بها كلها، والحمل عليه في هذا الاختلاف، كما تقدم، والله أعلم.

والأثر من أحد وجهيه الراجحين، وهو الثاني إسناده حسن؛ لحال عبدالملك بن عمير.

وقد روي عن عمر من طرق أخرى، أنه قال عند موته:((لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة)).

كما إن له عدة شواهد صحيحة مرفوعة عن عدد من الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بين العبد والكفر ترك الصلاة)).

انظر لذلك كله تعظيم قدر الصلاة لابن نصر 1/873 - 905، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 4/896 - 910، وغيرها.