• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

نحو رؤية أصولية للواقع الدعوي المعاصر (1)

د. فارس العزاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/5/2009 ميلادي - 20/5/1430 هجري

الزيارات: 23278

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نحو رؤية أصولية للواقع الدعوي المعاصر (1)

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه بشيراً، ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحابته الداعين إلى هديه وسنته، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم لقائه.


من المعلوم لدى الخاصة والعامة أن قوام الشريعة نصوص وألفاظ بحكم كونها مستندة على خطاب الوحيين - الكتاب والسنة، وهذا الخطاب بألفاظه ومعانيه بحاجة إلى تنزيل، كما هو مقتضى هذه الألفاظ، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾[1].


ومن المعلوم أيضاً أن نصوص الوحيين من حيث دلالاتها دائرة بين كونها قطعية وظنية الدلالة، وهذا بطبيعة الحال يقابله اختلاف في الأفهام، وتباين في العقول، وتقابل في المدارك، وتغاير في الطرق المتبعة للاستفادة من النصوص ودلالاتها، ولو ترك الباب مفتوحاً لأخذ الأحكام دون ضوابط أو قواعد أو معايير لحصل الاختلاط، واللبس، والفوضى الفكرية بل والمادية إن اشتط الأمر وتجاوز حده، وهذا الذي حذرنا منه ربنا سبحانه، فقال: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾[2].


والآية وإن كان غالب المفسرين على أنها متعلقة بالمنافقين الذين يحاولون الإرجاف بالمجتمع المسلم بغية زعزعته وإضعافه، إلا أنها تشير من جانب آخر خلال سياقها النصي إلى طائفة من المسلمين الذين يجهلون الأحكام الشرعية في النوازل المستحدثة ويخوضون فيها بغير علم مما يؤول ويفضي إلى انتشار الشائعات في داخل المجتمع الإسلامي، ويثير البلبلة بين أفراده، فجاء التحذير في الآية من جهة نشر الشائعات التي تكون سبيلاً لاتباع الشيطان وسلوك خطواته.


ولذلك قال ابن عاشور: "وعلى القول بأن الضمير راجع إلى المؤمنين فالآية عتاب للمؤمنين في هذا التسرع بالإذاعة، وأمرهم بإنهاء الأخبار إلى الرسول وقادة الصحابة ليضعوه مواضعه، ويعلموهم محامله"[3]، وينطلق هذا أيضاً من حيث المرجعية على العلماء الذين أُمر المؤمنون بالرجوع إليهم في كل ما ينزل بهم من نوازل، قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾[4]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [5].


وهذا التنزيل لا بد له من قواعد يُستند عليها، ولتحقيق هذه المقصد وضع علم أصول الفقه، فهذا العلم كما يحده الأصوليون: علم يبحث في أدلة الأحكام وقواعد الاستنباط وكيفية الوصول إلى الحكم الشرعي في النوازل والمستجدات.


ولا شك أن أجَّلَ مهمة يؤديها هذا العلم هو ضبط طرق الاستنباط، وتجليته للدليل الصحيح المناسب للوصول إلى الحكم الصحيح بعيداً عن الخرص والظن واتباع الهوى، ولو نظرنا إلى حقيقة الدعوة إلى الله، لوجدنا أنها من جنس أحكام الشريعة، وجملة تصرفات الدعاة والعاملين في هذا المجال لا تخرج عن تصرفات المكلفين.


والملاحظ أن هناك نوعاً من عدم الانضباط في واقع الدعوة، إذ الناظر فيه يدرك أن في كثير من منطلقاته نوعاً من الارتجال، مرجعه أقوال وأفهام لأصحاب الدعوات، مع العلم أن مقاصد الدعاة هي إرجاع الناس إلى شرع الله، هذا الارتجال في الدعوة أفضى إلى التنازع والتباين في مواقف الاتفاق، والاجتماع والتوحد في مواقف الاختلاف.


من هنا كانت الحاجة إلى ربط الواقع الدعوي بالمناهج الأصولية.


وهذا يَضْمَنُ أربعة أمور:

• الثقة بالمنهج، ووضوح الطريق، وتقليل الأخطاء.
• التقارب بين الدعاة والعاملين في الحقل.
• القدرة على تحقيق مقاصد الدعوة وأهدافها.
• الابتعاد عن التنازع، وتجنب كل ما يفضي إلى تعطيل الدعوة ومقاصدها.


ولعل في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾[6] إشارة صريحة بأن التنازع يفضي إلى ذهاب قوة المجتمع المسلم وعافيته، والنص وإن كان جاء في سياق الثبات في الحرب والقتال ضد أعداء الله، إلا أنه يدل بعمومه على جميع أحوال المجتمع المسلم، ولذلك قال السيد محمد رشيد رضا في مناره: " هذا النهي مساق للأمر بالثبات وكثرة الذكر وبطاعة الله والرسول، ومتمم للغرض منه؛ فإن الاختلاف والتنازع مدعاة للفشل وهو الخيبة والنكول عن إمضاء الأمر"[7].


والحقيقة أن اتباع المنهج الأصولي في التقريب بين الدعاة والعاملين في حقل الدعوة إلى الله يساهم إلى حد بعيد في وضع الخطوط العريضة التي تعتبر محل اتفاق بين الجميع بحيث يمكن أن تستند عليها الجماعات الدعوية، وقد جاء عن الإمام أحمد قوله: " ما زلنا نلعن أصحاب الرأي ويلعنونا، حتى جاء الشافعي فمزج بيننا "[8].


وانطلاقاً مما سبق فقد تعنى للباحث الخوض في تلكم العلاقة بين علم الدعوة وعلم أصول   الفقه؛ لما لكليهما من مكانة بلغت الغاية في الأهمية؛ لكونهما قوام المجتمع الإنساني، فالأول يشكل وسيلة لتبليغ شرع الله إلى الناس كافة مستنداً في ذلك على قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾[9]، والثاني يمثل السبيل الذي به تستخرج الأحكام، وتعرف الفروع الفقهية، وتميز المواقف الشرعية في الحوادث والنوازل.

وقد تم تقسيم البحث إلى المباحث الآتية:
المبحث الأول: بين الدعوة والاجتهاد.

المبحث الثاني: ارتباط الدعوة بالمصلحة الشرعية.

المبحث الثالث: فقه مآلات الأفعال وأثره في مسيرة الدعوة الإسلامية المعاصرة.

المبحث الأول
بين الدعوة والاجتهاد

تمثل قضية الدعوة من القضايا ذات القيمة العليا في ميزان الشريعة وشارعها؛ كونها مرتبطة بمقصد من المقاصد العليا في القرآن، وهو مقصد التوحيد، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾[10]، والآية دالة على مقام الدعوة، وهي ظاهرة المعنى في أنه لا أحد أحسن مقالاً ممن دعا الناس إلى عبادته تعالى، وكان من الصالحين المؤتمرين، والمسلمين وجوههم إليه تعالى في التوحيد، وإنما قدم الدعوة إلى الحق والتكميل؛ لكونه أشرف المراتب، ولاستلزامه الكمال العلمي والعملي، وإلا لما صحت الدعوة[11].


ولا شك أن قضية الدعوة إلى الله تعالى ليست شأناً خاصاً لفئة محدودة من الناس، ولكنها من القضايا المركزية لهذه الأمة؛ فنحن أمة رسالتها الأساسية في هذه الحياة هداية الخلق ونشر أعلام الحق والعدل والخير وتعبيد الناس لرب العالمين، كما أن إصلاح المجتمعات الإسلامية وتخليصها من حالة الوهن والغثائية، من الهموم العامة لمعظم أبناء الأمة على اختلاف أوضاعهم[12].


والحق أن قضية الدعوة تزداد خطورة في هذه الأزمنة؛ كون الأمة تمر بظروف خاصة، ربما لم تمر بها من قبل بهذه الدرجة، حيث الضعف والخور الذي ساد جماهير الأمة، والبعد عن الشرعية الذي اتسمت به النخب السياسية والفكرية، ولذلك فإن مهمة الدعوة اليوم أخطر بكثير من مهمتها في الظروف السابقة، فلم تعد مجرد تذكير، بل أوشكت أن تكون إعادة البناء، الذي تهاوت أسسه وأوشكت أن تنهار، في الوقت الذي تداعت فيه الأمم على الأمة الإسلامية من كل جانب[13].


وهو الذي حذرنا منه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها.قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن.قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت"[14].


مفهوم الدعوة: لفظ الدعوة من الألفاظ المشتركة التي تطلق على الإسلام أو الرسالة، وعلى عملية نشره وتبليغه وبيانه للناس، وسياق إيراده هو الذي يحدد المعنى المراد.


وبناء على ذلك فإن مفهوم الدعوة يراد به معنيان[15]:

الأول: النشر والبلاغ والبيان: وهي بهذا الاعتبار تعني: تبليغ الإسلام للناس، وتعليمه إياهم، وتطبيقه في واقع الحياة.


الثاني: الدين أو الرسالة: وتعني: الخضوع لله، والانقياد لتعاليمه، وهو النظام العام، والمنهج الشامل لأمور الحياة والسلوك الإنساني الذي جاءت به الشريعة.


ولفظ الدعوة إذا أطلق فإنه ألصق بالمعنى الأول منه بالثاني، أي أنها تعنى الدعوة إلى الإسلام من خلال نشره وتبليغه، وهو المعنى الذي تواردت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.


الدعوة محل للاجتهاد:

وبحكم تقريرنا أن الدعوة إلى الله من جنس أحكام الشريعة، وأن أفعال الدعاة من جنس تصرفات المكلفين، لذلك فإن الدعوة تكون محلاً للاجتهاد.لكن من له حق الاجتهاد الدعوي؟ والذي يلزم في هذا السياق الوقوف على حقيقة الاجتهاد في إطاره الشرعي لنكون على بينة عند بحثنا في المفاهيم الشرعية، إذ تحرير المفاهيم يسهم في التأسيس والتأصيل المنهجي الصحيح.


والاجتهاد: لغة افتعال من الجهد وهو المشقة، ومعناه الطاقة، ويلزم من ذلك أن يختص هذا الاسم بما فيه مشقة؛ لتخرج عنه الأمور الضرورية التي تدرك ضرورة من الشرع، إذ لا مشقة في تحصيلها، ولا شك أن ذلك من الأحكام الشرعية.وفي الاصطلاح: بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط[16] سواء أكان سبيله قطعياً أو ظنياً.


شروط الاجتهاد:

يُظهرُ التتبعُ لأقوال الأصوليين مدى التباين والاختلاف في تحديد شروط الاجتهاد، ويمكن الإشارة إلى بعضها، فالغزالي في المستصفى جعل للاجتهاد شرطين[17]:

الأول: الإحاطة بمدارك الشرع، والتمكن من استثارة الظن بالنظر فيها، وتقديم ما يجب   تقديمه، وتأخير ما يجب تأخيره.

الثاني: عدالة المجتهد، واجتنابه المعاصي القادحة في العدالة؛ لقبول فتواه من قبل الغير.



وأما الآمدي فاشترط للاجتهاد شرطين كذلك، وهما[18]:

الأول: العلم بالله ووجوده، وما يجب له من الصفات، وما يستحقه من الكمالات، والتصديق بالرسول، وما جاء به من الشرع المنقول.


الثاني: العلم بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها، وطرق إثباتها، ووجوه دلالاتها على مدلولاتها، واختلاف مراتبها، والشروط المعتبرة فيها، والعلم بجهات ترجيحها عند تعارضها، وكيفية استثمار الأحكام الشرعية منها، والقدرة على تحريرها وتقريرها، والانفصال عن الاعتراضات الواردة عليها.


وجعل الشاطبي للاجتهاد شرطين كذلك لكنه جعلهما مغايرين في ظاهر اللفظ[19]:

الأول: فهم مقاصد الشريعة على كمالها.

الثاني: التمكن من الاستنباط بناء على الفهم فيها.


وقد جعل الأصوليون جملة من الشروط التي يجب توافرها لتحقق خاصية الاجتهاد في المجتهد، وهي على سبيل الإجمال: معرفة الكتاب والسنة بالإشراف على نصوصهما ومعرفة ما يحتاج إليه من الآيات والسنن المتعلقة بالأحكام، ومواضع الإجماع وليست شرطاً على سبيل الحصر وإنما غرضهم ألا يقول قولاً يعارض إجماعاً عند العلماء، والعقل ويقصد به مستند النص الأصلي للأحكام وهو البراءة الأصلية، العلم بلسان العرب وموضوع خطابهم وهذا يتحقق بمعرفة اللغة والنحو والتصريف، ومعرفة القياس بشروطه وأركانه، ومعرفة علم أصول الفقه وما يتعلق به من معرفة الحدود والبراهين وكيفية تركيب المقدمات مما يمكن الاستفادة منه من المباحث المنطقية دون غيرها مما لا فائدة فيه، ومعرفة مقاصد الشريعة من تشريع الأحكام[20].


مراتب المجتهدين:

تعرض العلماء لبيان أقسام المجتهدين والمفتين ممن يكون له حق الاجتهاد والفتيا لتمييزهم عن غيرهم ممن يغلب عليهم التقليد، وكان الدافع لهذا فيما يظهر ذلكم النزاع الذي حدث بعد المائة الرابعة للهجرة حول دعوى إغلاق باب الاجتهاد، وفي هذا يقول السيوطي في معرض حديثه عن المجتهد المطلق: " وهذا شيء فقد من دهر، بل لو أراده الإنسان اليوم لامتنع عليه "[21].


وهي من المسائل التي كان لها آثارها السلبية على جميع الأصعدة، حيث فتح الباب لكل من أراد الطعن في الشريعة والفقه من قبل أعداء الإسلام الذين حاولوا إلصاق الأوصاف الدالة على عجز الشريعة والفقه في مجاراة مصالح العباد وحاجاتهم المتجددة، ويتهمونها بعدم صلاحيتها لتنظيم شؤون الحياة؛ لأن القول بالإغلاق أدى إلى تقاصر الفقه الإسلامي عما جد للناس من قضايا وحاجات في غيبة الاجتهاد.


وعلى الرغم من أن الداعين إلى إغلاق باب الاجتهاد كانت لهم أسبابهم الموضوعية: كتدوين المذاهب الإسلامية، والتعصب المذهبي، وسعي الحكام المستبدين لغلق باب الاجتهاد، وانتشار الفوضى في التشريع والاجتهاد وغيرها، إلا أن ذلك لم يكن بحجم الأثر الذي أحدثته الدعوة إلى الإغلاق؛ لكونه لم يحقق الغرض، فلا هو منع الدخلاء، ولا هو حافظ على الاجتهاد وسلامته[22]، وكان حرياً بالعلماء أن يحيطوا الاجتهاد بجملة من الشروط والقيود التي تحرم على غير أهله الخوض الفقه أو الدخول في حدوده.


وقد جعل العلماء المجتهدين على خمس مراتب[23]:

الأولى: المجتهد المطلق: وهو الذي استقل بقواعده لنفسه، يبنى عليها الفقه خارجاً عن قواعد المذهب المقررة، وهو الذي تنطبق عليه شروط الاجتهاد المتقدمة، بحيث يستقل باجتهاده في الأصول، والفروع، والاستنباط من الأدلة، ويضع الأسس العامة لاجتهاده، ويمهد القواعد، ويوجه الأدلة، لا ينتسب إلى أحد، ولا يقلد أحداً، وهذه المرتبة تنطبق على أئمة المذاهب الأربعة المدونة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأمثالهم من أئمة المذاهب المندرسة: كالأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان الثوري.


الثانية: المجتهد المنتسب: وهو الذي وجدت فيه شروط الاجتهاد التي اتصف بها المجتهد المطلق المستقل، لكنه لم يبتكر لنفسه قواعد، بل سلك طريقة إمام من أئمة المذاهب في الاجتهاد فهو منتسب، ومن هؤلاء: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وزفر بن الهذيل من الحنفية، وعبد الرحمن بن قاسم المصري، وأشهب بت عبد العزيز العامري من المالكية، وأبو بكر بن المنذر، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن جرير الطبري، ومحمد بن خزيمة من الشافعية، وعمر بن الحسين الخرقي، وأبو بكر أحمد بن محمد هارون المعروف بالخلال من الحنابلة.


الثالثة: المجتهد المقيد أو مجتهد المذهب أو مجتهد التخريج أو أصحاب الوجوه: وهو أن يكون مقيداً في مذهب إمامه، مستقلاً بتقرير أصوله بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده، حيث يتمكن من فيه المستنبط من معرفة الأحكام في الوقائع التي لم يرد فيها نص عن إمام المذهب بطريق التخريج على النصوص أو القواعد المنقولة عن إمام المذهب.ويحدث التخريج أيضاً فيما إذا أفتى المجتهد في مسألتين متشابهتين بحكمين مختلفين في وقتين، فيجوز نقل الحكم وتخريجه من كل واحدة منهما إلى الأخرى، ومن هؤلاء: الطحاوي من الحنفية، وابن أبي زيد من المالكية، والأنماطي، والاصطخري، وابن أبي هريرة، والقفال، والشاشي، وأبو العباس ابن سريج، وغيرهم من الشافعية.


الرابعة: مجتهد الترجيح: قال عنه النووي: " ألا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه، لكنه فقيه النفس[24]، حافظ مذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريرها، يصور، ويحرر، ويقرر، ويمهد، ويزيف، ويرجح.لكنه قصر عن أولئك لقصوره عنهم في حفظ المذهب، أو الارتياض في الاستنباط، أو معرفة الأصول ونحوها من أدواتهم، وهذه صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الرابعة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه، وصنفوا فيه تصانيف فيها معظم اشتغال الناس اليوم "[25]، ومن هؤلاء: الماوردي، وأبو الطيب الطبري، وإمام الحرمين، والشيرازي، والروياني.


الخامسة: مجتهد الفتيا: وهو الذي يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات  والمشكلات، ولكن عنده ضعف في تقرير أدلته وتحرير أقيسته، فهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من مسطورات مذهبه، من نصوص إمامه، وتفريع المجتهدين في مذهبه، وما لا يجده منقولاً إن وجد في المنقول معناه، بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق بينهما جاز عند ذلك إلحاقه به والفتوى به، وكذا ما يعلم اندراجه تحت ضابط ممهد في المذهب، وما ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى به[26]، وهذه المرتبة مثَّل لها العلماء بالرافعي والنووي.


الاجتهاد الجزئي بين الحظر والإباحة:

يقصد بالاجتهاد الجزئي أن المجتهد يجتهد في استنباط بعض الأحكام دون بعض، بمعنى أنه يستطيع الاجتهاد في مسألة معينة دون مسألة أخرى في نفس الباب، فهل يجوز ذلك أم لا؟[27].


اختلف العلماء والأصوليون في جوازه، قال الفتوحي: " الاجتهاد يتجزأ عند أصحابنا والأكثر، إذ لو لم يتجزأ لزم أن يكون المجتهد عالماً بجميع الجزئيات، وهو محال، إذ جميعها لا يحيط به بشر، ولا يلزم من العلم بجميع المآخذ العلم بجميع الأحكام؛ لأن بعض الأحكام قد يجهل بتعارض الأدلة فيه، أو بالعجز عن المبالغة في النظر إما لمانع من تشويش فكر أو غيره، وقيل: لا يتجزأ "[28].


والذي يظهر من أقوال أهل العلم جوازه، قال ابن القيم: " الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهداً في نوع من العلم مقلداً في غيره، أو في باب من أبوابه.


كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد أو الحج أو غير ذلك.فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره.


وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟

فيه ثلاثة أوجه: أصحها الجواز، بل هو الصواب المقطوع به، والثاني: المنع، والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها.


فحجة الجواز: أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع.


وحجة المنع: تعلق أبواب الشرع وأحكامه بعضها ببعض، فالجهل ببعضها مظنة للتقصير في الباب والنوع الذي قد عرفه، ولا يخفى الارتباط بين كتاب النكاح والطلاق والعدة وكتاب الفرائض، وكذلك الارتباط بين كتاب الجهاد وما يتعلق به وكتاب الحدود والأقضية والأحكام، وكذلك عامة أبواب الفقه..


فإن قيل: فما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين، هل له أن يفتي بهما؟

قيل: نعم، يجوز في أصح القولين، وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد، وهل هذا إلا من التبليغ عن الله وعن رسوله، وجزى الله من أعان الإسلام ولو بشطر كلمةٍ خيراً، ومنع هذا من الإفتاء بما علم خطأ محض، وبالله التوفيق "[29].


بين مراتب الاجتهاد والدعوة:

بالنظر إلى الدعاة العاملين في حقل الدعوة إلى الله، فإنه يتقرر لنا أن الداعية من حيث نوعه لا يخرج من إحدى الصور الآتية:
الأولى: صورة المجتهد في إحدى مراتب الاجتهاد المتقدمة، وبناء على ذلك وجب أن تتحقق فيه الشروط والقيود والأوصاف التي وضعها العلماء لكل مرتبة من مراتب الاجتهاد.


الثانية: صورة طالب العلم الذي يتمتع بمكنة البحث والنظر في المسائل والاطلاع على الأدلة وترجيح الصحيح من الضعيف مع إدراكه لوجوه الاستنباط بشكل عام.وهذا يحق له الاجتهاد في المسألة الدعوية إذا استفرغ فيها الوسع.وهذا النوع يدخل في إطار الاجتهاد الجزئي، وقد أقره جمهور العلماء كما سبق بيانه.


الثالثة: أن يكون الداعية من غير طلبة العلم المتمكنين، ولكنه يمتلك معرفة عامة بالأحكام الشرعية، واطلاع على نصوص الشرع وأدلته مع ثقافة متنوعة حول معاني الإسلام المختلفة، فهؤلاء لهم أن يجتهدوا في تحقيق المناط العام أو الخاص.


مجال الاجتهاد بناء على الصور الثلاثة:

أما بالنسبة للمجتهد المطلق فقد حدد ابن القيم مجاله فقال: " ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:

أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علماً.


والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجراً.


فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله، كما توصل شاهد يوسف بشق القميص من دُبُرٍ إلى معرفة براءته وصدقه وكما توصل سليمان - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((ائتوني بالسكين حتى أشق الولد بينكما)) إلى معرفة عين الأم.


وكما توصل أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله للمرأة التي حملت كتاب حاطب لما أنكرته: "لتخرجن الكتاب أو لنجردنك" إلى استخراج الكتاب منها، وكما توصل الزبير بن العوام بتعذيب أحد ابني أبي الحقيق بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى دلهم على كنز حيي لما ظهر له كذبه في دعوى ذهابه بالإنفاق بقوله: ((المال كثير، والعهد أقرب من ذلك))، وكما توصل النعمان بن بشير بضرب المتهمين بالسرقة إلى ظهور المال المسروق عندهم، فإن ظهر وإلا ضرب من اتهمهم كما ضربهم، وأخبر أن هذا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم.


ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم، ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها ورسوله "[30].


وأما الصورة الثانية: المتعلقة بطلبة العلم المتمكنين ذوي الاجتهاد الجزئي فيقول فيهم الدكتور يوسف القرضاوي حيث يوضح بعض المجالات والوسائل المعاصرة التي تحقق هذا النوع من الاجتهاد، فيقول: "والمجال الثالث للاجتهاد هو: مجال البحث والدراسة، وهو يشمل ما يؤلف من كتب علمية أصيلة لذوي الاختصاص والمقدرة من العلماء، وما يقدم من بحوث ودراسات جادة في المؤتمرات العلمية المتخصصة، وما يقدم من رسائل وأطروحات في أقسام الدراسات العليا بالجامعات للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، وما يقدمه أساتذة الجامعات من إنتاج علمي للترقي في سلم الدرجات العلمية، وما ينشر من بحوث مخدومة في المجلات العلمية الرصينة.


وهذه كلها مظنة الاجتهاد إذا توافر لها من أوتي الملكة، واستوفى الشروط العلمية وبخاصة ما كان من قبيل الاجتهاد الجزئي الذي لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الاجتهاد المطلق من النظر في كل أبواب الفقه ومسائله"[31].


وهذا معناه: أن لهم النظر في بعض أبواب العلم والفقه دون البعض بما أوتوا من ملكات ومؤهلات تخصصية تجعلهم قادرين على الغوص في باب دون غيره، هذا بالإضافة إلى قدرتهم على الاجتهاد الذي يضطلع من دونهم من الدعاة ويتناسب مع قدراتهم وملكاتهم العلمية؛ لأن هذا من باب أولى.


وأما الصورة الثالثة: وهم الدعاة من غير طلبة العلم المتمكنين، فهؤلاء كما قدمنا لهم أن يجتهدوا في تحقيق المناط الخاص أو العام، بمعنى أنهم: أولاً: يجتهدون في تنزيل أحكام الشرع على واقعهم، وثانياً: يجتهدون في مدى مناسبة تقديم الأولى منها بحسب ظروف الزمان والمكان وتغير أحوال الناس والعوائد، وثالثاً: قد يكون لهم اجتهاد في مسائل الأمر والنهي عن المنكر، ومدى مناسبة تغيير هذه المنكرات وبأي الوسائل يحصل التغيير، ورابعاً: يجتهدون في اختيار أي من وسائل الدعوة أجدى وأنفع في تبيين أحكام الإسلام لمختلف أصناف المدعوين من الناس.


لكن ما هو المقصود بتحقيق المناط؟

وللجواب على هذا التساؤل يلزمنا أن نقف على أقسام الاجتهاد من حيث علة الحكم وتعلقه به بحكم كون تحقيق المناط من أقسامه.


والاجتهاد من هذه الحيثية ثلاثة أقسام:

الأول: تخريج المناط:

يقصد بتخريج المناط استخراج وصف مناسب يحكم عليه بأنه علة ذلك الحكم[32]، قال الطوفي في شرح مختصر الروضة: " التخريج: هو الاستخراج والاستنباط، وهو إضافة حكم لم يتعرض الشرع لعلته إلى وصف مناسب في نظر المجتهد بالسبر والتقسيم.. نحو: حرمت الخمر لإسكارها؛ لأنه الوصف المناسب لتحريمها، فالنبيذ حرام؛ لوجود الإسكار فيه، وحرم الربا في البر؛ لأنه مكيل جنس أو مطعوم جنس، فالأرز مثله، ويسمى تخريج المناط؛ لما ذكرناه من أنه استخراج علة الحكم بالاجتهاد..


وتحرير الكلام هاهنا أنا إذا رأينا الشارع قد نص على حكم ولم يتعرض لعلته، قلنا: هذا حكم حادث لا بد له بحق الأصل من سبب حادث، فيجتهد المجتهد في استخراج ذلك السبب من محل الحكم، فإذا ظفر بوصف مناسب له، واجتهد ولم يجد غيره، غلب على ظنه أن ذلك الوصف هو سبب ذلك الحكم "[33].


الثاني: تنقيح المناط:

يراد بتنقيح المناط عند الأصوليين تهذيب علة الحكم، وقد ذهب الأصوليون في بيانه تعريفات متعددة، وهي وإن اختلفت في ألفاظها إلا أن مؤداها واحد، فالبيضاوي يرى أن تنقيح المناط عبارة عن إلغاء الفارق، والإسنوي يرى أن تنقيح مناط العلة أن يبين المستدل إلغاء الفارق بين الأصل والفرع، وحينئذ يلزم اشتراكهما في الحكم، وهذا المسلك ذهب إليه كثير من  الأصوليين.


وأما المسلك الآخر فقد ذهب الآمدي إلى أن تنقيح المناط هو النظر والاجتهاد في تعيين ما دل النص على كونه علة من غير تعيين بحذف ما لا مدخل له في الاعتبار مما اقترن به من الأوصاف كل واحد بطريقة، وهذا يعني أن حاصل تنقيح المناط بمسلكيه المذكورين يرجع إلى الاجتهاد في حذف بعض الأوصاف وعدم اعتبارها، وتعيين البعض الآخر المستفاد ممن نص على الحذف في تعريفه لتنقيح المناط[34].


ومثاله الذي اعتاد الأصوليون التمثيل به ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قوله: بينما نحن جلوس عند - صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه أعرابي فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: ((ما لك)). قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هل تجد رقبة تعتقها؟)). قال: لا. قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟)). قال: لا. فقال: ((فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟)). قال: لا. قال: فمكث النبي - صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر، والعرق المكتل، قال: ((أين السائل؟)). فقال: أنا. قال: ((خذ هذا فتصدق به)). فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها، يريد الحرتين، أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه ثم قال: ((أطعمه أهلك))[35].


والطريقة التي يسلكها الأصوليون في هذا المثال هي أن المجتهد قد عرف من خلال علمه بالشريعة أن مناط الحكم - أي علة وجوب الكفارة على ذلك الأعرابي - هو وقاع مكلف في نهار رمضان، وعرف أن الحكم مضاف إلى هذه العلة - أي سبب وجوب الكفارة، واقترن بذلك بعض الأوصاف، وقد عرف المجتهد باجتهاده أنها لا مدخل لها في العلية؛ لعدم صلاحيتها للتعليل، وهي:

أولاً: كون الآتي موصوفاً بأنها أعرابي.


ثانياً: كونه قد وطأ في رمضان من الرمضانات التي عاشها النبي - صلى الله عليه وسلم -.ثالثاً: كونه قد وطأ امرأته.وبناء على أن مناط الحكم هو وقاع مكلف في نهار رمضان، ظهر للمجتهد أن هذه الأوصاف لا أثر لها في الحكم؛ لعدم مناسبتها للتعليل بها[36].


الثالث: تحقيق المناط:

يعرف تحقيق المناط تعريفين، الأول: أن تكون القاعدة الكلية متفقاً عليها أو منصوصاً عليها، ويجتهد في تحقيقها في الفرع، وهذا لا خلاف فيه، والثاني: ما عرف علة الحكم فيه بنص أو إجماع، فيبين المجتهد وجودها في الفرع باجتهاده وهذا يتعلق بباب القياس، أما الأول فلا دخل له بباب القياس؛ لأنه متفق عليه، وهذا من ضرورة كل شريعة، وأما القياس فإنه مختلف فيه[37].


ويزيد الشاطبي هذا الأمر وضوحاً فيقول: "الاجتهاد على ضربين: أحدهما: لا يمكن أن ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف، وذلك عند قيام الساعة.والثاني: يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا.فأما الأول: فهو الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط، وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله، ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي، لكن يبقى النظر في تعيين محله، وذلك أن الشارع إذا قال: ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [38].


وثبت عندنا معنى العدالة شرعاً افتقرنا إلى تعيين من حصلت فيه هذه الصفة، وليس الناس في وصف العدالة على حد سواء، بل ذلك يختلف اختلافاً متبايناً، فإنا إذا تأملنا العدول وجدنا لاتصافهم بها طرفين وواسطة: طرف أعلى من العدالة لا إشكال فيه، كأبي بكر الصديق.وطرف آخر: وهو أول درجة في الخروج عن مقتضى الوصف، كالمجاوز لمرتبة الكفر إلى الحكم بمجرد الإسلام، فضلاً عن مرتكبي الكبائر المحدودين فيها، وبينهما مراتب لا تنحصر، وهذا الوسط غامض، لا بد فيه من بلوغ حد الوسع، وهو الاجتهاد "[39].


وتحقيق المناط بهذا المعنى عند النظر المحقق إليه يظهر لنا أنه لا يخص العلماء المجتهدين بل يشارك فيه غير المجتهد من بقية الأصناف كطالب العلم والداعية بل نص الشاطبي على أن العامي له اجتهاده في هذا النوع، والمثال الذي ضربه يظهر لنا حقيقة ذلك، ووجهه أن العدالة بعد أن قررت النصوص الشرعية أوصافها احتيج إلى تنزيلها على الواقع بين المعينين، وهذا التنزيل لا يحتاج إلى نظر شرعي واجتهاد وقياس، بل يكفي التحقق من وجود هذه الأوصاف في المعين، ألا ترى أن المرء يسأل عن غيره ممن يعرفه في شأن ما فإنه يستطيع توصيفه بما يثبت عدالته أو نفيها دون أن تكون لدية الملكة الفقهية أو الشرعية، ولذلك يقول الشاطبي في هذا السياق بعد أن بين حاجة كل ناظر وحاكم ومفت إلى هذا النوع من الاجتهاد: "بل بالنسبة إلى كل مكلف في نفسه، فإن العامي إذا سمع في الفقه أن الزيادة الفعلية في الصلاة سهواً من غير جنس أفعال الصلاة أو من جنسها إن كانت يسيرة فمغتفرة، وإن كانت كثيرة فلا، فوقعت له في صلاته زيادة، فلا بد له من النظر فيها حتى يردها إلى أحد القسمين، ولا يكون ذلك إلا باجتهاد ونظر، فإذا تعين له قسمها تحقق له مناط الحكم فأجراه عليه.وكذلك سائر تكليفاته..وقد يكون ذلك سهلاً وقد لا يكون، وكله اجتهاد"[40].


فثبت أن هذا الاجتهاد يشترك فيه المجتهد وغيره بحسب حاله من جهة العلم وبحسب الواقعة المجتهد فيها، ولعل من الأمثلة التي تدل على تحقيق المناط بهذا المعنى بالإضافة إلى ما تقدم الحديث عنه حول عدالة الشهود: الاجتهاد في استقبال القبلة بالدلائل فهذا ليس محصوراً بمراتب المجتهدين ممن تقدمت أوصافهم بل يشاركهم في ذلك أيضاً من هو دونهم في مرتبة العلم والدعوة، فيستطيع التحقق من القبلة وإن كان يوصف بكونه مقلداً، ومثل ذلك الوصية للفقراء، فالوصية بعد معرفة عوارضها الشرعية وأحكامها التكليفية ينظر في الواقع لتحقق وصف الفقر في المعينين، وهذا شأن من يعرف التمييز بين الغني والفقير، ويعتبر العرف حاكماً في هذه القضية، فينظر المجتهد أياً كان وصفه في تحقيق مناطه.


ومن أجل الاقتراب أكثر من موضوع بحثنا فإن الاجتهاد في هذا الإطار يظهر جلياً في وسائل الدعوة إلى الله وأساليبها، حيث يسع المجتهدين وغيرهم الاجتهاد في الابتكار والاختراع لكل وسيلة وسبيل يصب في مصلحة الدعوة؛ ذلك أن وسائل الدعوة على الراجح توفيقية اجتهادية وليست توقيفية، طالما أنها كانت منضبطة بالضوابط الشرعية التي وضعها العلماء[41].


وهي داخلة من حيث الجملة في قاعدة: الوسائل لها أحكام المقاصد، والحق أن فتح المجال أمام الاجتهاد الدعوي يفضي إلى تحقيق مصالح عظيمة، إذ يمثل هذا الاجتهاد الطريق لتجديد الفقه، والسبيل لعلاج المستجدات الدعوية، من خلال النظر في القواعد الفقهية والأصولية مثل: قاعدة لا ضرر ولا ضرار، والمشقة تجلب التيسير، وقاعدة سد الذرائع، واعتبار المآلات، وغيرها، لكن يبقى النظر فيما قلنا سابقاً إن أرباب الصورة الثالثة لهم أن يجتهدوا في تحقيق المناط العام أو الخاص، وهو تقرير مشكل لدى قارئه أو المطلع عليه، ولنا أن نقف في هذا السياق على ما قرره الشاطبي في موافقاته إذ يقول: " تحقيق المناط على قسمين: تحقيق عام، وهو ما ذكر، وتحقيق خاص من ذلك العام.


وذلك أن الأول نظر في تعيين المناط من حيث هو لمكلف ما، فإذا نظر المجتهد في العدالة مثلاً ووجد هذا الشخص متصفاً بها على حسب ما ظهر له، أوقع عليه ما يقتضيه النص من التكاليف المنوطة بالعدول، من الشهادات والانتصاب للولايات العامة أو الخاصة، وهكذا إذا نظر في الأوامر والنواهي الندبية، والأمور الإباحية، ووجد المكلفين والمخاطبين على الجملة، أوقع عليهم أحكام تلك النصوص، كما يوقع عليهم نصوص الواجبات والمحرمات من غير التفات إلى شيء، غير القبول المشروط بالتهيئة الظاهرة، فالمكلفون كلهم في أحكام تلك النصوص على سواء في هذا النظر.أما الثاني: وهو النظر الخاص فأعلى من هذا وأدق، وهو في الحقيقة ناشئ عن نتيجة التقوى..


وعلى الجملة: فتحقيق المناط الخاص نظر في كل مكلف بالنسبة إلى ما وقع عليه من الدلائل التكليفية، بحيث يتعرف منه مداخل الشيطان ومداخل الهوى والحظوظ العاجلة، حتى يلقيها هذا المجتهد على ذلك المكلف مقيدة بقيود التحرز من تلك المداخل..."[42].

 


[1] ص، آية 29.
[2] النساء، آية 83.
[3] تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، ج5ص140.
[4] الأنبياء، آية 7.
[5] التوبة، آية 122.
[6] الأنفال، آية 46.
[7] تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ج10ص28.
[8] ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة مذهب مالك، القاضي عياض، ج1ص95.
[9] يوسف، آية 108.
[10] فصلت، آية 33.
[11] تفسير القاسمي، محمد جمال الدين القاسمي، ج8ص338.
[12] مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي، د.عبد الكريم بكار، ص7.
[13] كيف ندعو الناس؟، محمد قطب، ص5.
[14] أخرجه أبو داود، أول كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على أهل الإسلام، رقم 4297.
[15] أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، حمد بن ناصر العمار، ص7.
[16] البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، ج6ص197.
[17] المستصفى من علم الأصول، أبو حامد الغزالي، ج4ص5.
[18] الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي، ج4ص198.وقريب منها في كتابه: منتهى السول في علم الأصول، ص246.
[19] الموافقات، أبو إسحاق الشاطبي، ص734.
[20] المستصفى، مرجع سابق، ج4ص6، المحصول في علم أصول الفقه، فخر الدين الرازي، ج6ص24، البحر المحيط في أصول الفقه، مرجع سابق، ج6ص199، روضة الناظر وجنة المناظر، ابن قدامة المقدسي، ص352، الجامع لمسائل أصول الفقه، د.عبد الكريم بن علي النملة، ص399.
[21] أصول الفقه الإسلامي، د.وهبة الزحيلي، ص1079.
[22] الفتوى: نشأتها وتطورها ـ أصولها وتطبيقاتها، د.حسين محمد الملاح، ج1ص340-342.
[23] أصول الفقه الإسلامي، د.وهبة الزحيلي، مرجع سابق، ص1079 فما بعدها، الاجتهاد وأنواع المجتهدين، د.محمد حسن هيتو، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، العدد الرابع، 1406هـ/1985م.وانظر تقسيماً لمراتب المجتهدين كذلك في المجموع للنووي ج1ص642، وإعلام الموقعين لابن القيم ج4ص212، وقد جعلها مراتب للمفتين.
[24] فقه النفس هو أن يبلغ الإنسان مرحلة من الفهم للنصوص، ودفة الاستنباط منها، وحضور البديهة فيها، والقدرة على التمييز بين المتشابه من الفروع، بإبداء الفروق والموانع، والجمع بينها بالعلل والأشباه والنظائر، بحيث تصبح هذه الأمور ملكة قائمة في نفسه، لا يحتاج معها إلى جهد في الوصول إليها.
انظر: الاجتهاد وأنواع المجتهدين، مرجع سابق، ص229.
[25] المجموع شرح المهذب، محي الدين النووي، ج1ص646.
[26] المرجع السابق، ج1ص647.
[27] إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر، د.عبد الكريم بن علي النملة، ج8ص30.
[28] شرح الكوكب المنير، ابن النجار الفتوحي، ج4ص473.
[29] إعلام الموقعين عن رب العالمين، مرجع سابق، ج4ص216.
[30] إعلام الموقعين عن رب العالمين، مرجع سابق، ج1ص87-88.
[31] الاجتهاد في الشريعة الإسلامية مع نظرات تحليلية في الاجتهاد المعاصر، د.يوسف القرضاوي، ص137.
[32] شرح الكوكب المنير، مرجع سابق، ج4ص202.
[33] شرح مختصر الروضة، نجم الدين الطوفي، ج3ص242.
[34] مباحث العلة في القياس عند الأصوليين، د.عبد الحكيم عبد الرحمن السعدي، ص508.
[35] أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، رقم 1834.
[36] إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر، مرجع سابق، ج7ص53.
[37] روضة الناظر، مرجع سابق، ص277.
[38] الطلاق، آية 2.
[39] الموافقات، مرجع سابق، ص725.
[40] المرجع السابق، ص726.
[41] الوسائل وأحكامها في الشريعة الإسلامية، د.عبد الله التهامي، مجلة البيان، العدد 106، 1417هـ/1996م، ص8.
[42] الموافقات، مرجع سابق، ص727.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نحو رؤية أصولية للواقع الدعوي المعاصر (2)
  • نحو رؤية أصولية للواقع الدعوي المعاصر (3)
  • مؤهلات الإبداع الدعوي ومقوماته
  • أين المفكِّر الإستراتيجي المسلم؟
  • بين خنوع الدعاة واعتزاز الأدعياء
  • أمتنا بين الواقع المعاصر وطريق العودة
  • والقصد القصد تبلغوا
  • الفقه في دين الله فضله وبم يكون؟
  • أطروحات لتقويم الخطاب الدعوي المعاصر والارتقاء به
  • تنقيح المناط عند الأصوليين وتطبيقاته الفقهية

مختارات من الشبكة

  • من آثار النحو العربي في النحو العبري في الأندلس (PDF)(كتاب - حضارة الكلمة)
  • نحو النحو: مدخل علمي للمبتدئين بالخرائط والجداول (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تيسير النحو عند عباس حسن في كتابه النحو الوافي- دراسة وتقويم(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الإجماع في النحو: دراسة في أصول النحو لدخيل العواد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • النحو الصغير: الموطأ في النحو (عرض تقديمي)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • النحو والدلالة: مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • سيمياء النحو: دراسة العلامات في النظام النحوي(مادة مرئية - موقع الدكتور بهاء الدين عبدالرحمن)
  • بيان ما يجب نحو إخوتنا المحاصرين والمضطهدين في حلب وإدلب وأنحاء سوريا(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الافتراض النحوي (الافتراض في النحو)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أثر إستراتيجية إعراب الفقرات إعرابا كاملا في اكتساب طالب اللغة العربية مهارات النحو وتحسين اتجاهاته نحوه(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب