تحقيق تخريج مسألة ( مقاربة النبي بين الخطى إلى المسجد )

تحقيق تخريج مسألة ( مقاربة النبي بين الخطى إلى المسجد )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبي عن حديث رواه أبو داود الطيالسي، عن محمد بن ثابت، عن أبيه، عن أنس، عن زيد بن ثابت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقارب بين[1] الخطا إلى المسجد، وقال:((إنما فعلته لتكثر[2] خطاي إلى المسجد)).

فسمعت أبي يقول: روى هذا الحديث جماعة عن ثابت البناني، فلم يوصله أحد إلا الضحاك بن نبراس، والضحاك لين الحديث، وهو ذا يتابعه محمد بن ثابت، ومحمد أيضاً ليس بقوي، والصحيح موقوف.

رجال الإسناد:

• أبو داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود البصري (ت 204).

ثقة حافظ، متفق على توثيقه، قال ابن المديني: ما رأيت أحفظ منه.

وقد تكلم فيه بعضهم بسبب غلطه في بعض الأحاديث، ولكن الثقة قد يخطيء أحياناً؛ قال ابن عدي عنه: وليس بعجب من يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطيء في أحاديث منها، يرفع أحاديث يوقفها غيره، ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنما أتي ذلك من حفظه، وما أبوداود عندي وعند غيري إلا متيقظ ثبت.

تهذيب الكمال 11/401، السير 9/378، التهذيب 4/182، التقريب (2550).

• محمد بن ثابت بن أسلم البناني البصري، من السابعة.

ضعيف، متفق على تضعيفه.

انظر تهذيب الكمال 24/547، التهذيب 9/82، التقريب (5767).

• ثابت بن أسلم البناني، أبو محمد البصري (ت 127 تقريباً).

ثقة، متفق على توثيقه. قال أبو حاتم: أثبت أصحاب أنس: الزهري، ثم ثابت.

انظر تهذيب الكمال 4/342، السير 5/220، التهذيب 2/2، التقريب (810).

• أنس بن مالك الأنصاري، صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 502.

• زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري، الخزرجي، صحابي مشهور، كان من كتاب الوحي. وهو الذي جمع القرآن في عهد أبي بكر. وكان عمر يستخلفه إذا سافر. قال مسروق: كان من الراسخين في العلم. توفي سنة ثمان وأربعين تقريباً.انظر الاستيعاب 4/41، السير2/426، الإصابة4/41.

• الضحاك بن نَبَراس، بفتح النون والموحدة، الأزدي الجهضمي، من السابعة.

ضعيف، متفق على ضعفه. قال ابن حجر: لين الحديث.

انظر تهذيب الكمال 13/299، التهذيب 4/455، التقريب (2980).

تخريج الحديث:

روى ثابت البناني هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه ابنه محمد، والضحاك بن نبراس، عنه، عن أنس، عن زيد، مرفوعاً.

2- ورواه عدد من الثقات، عن ثابت، عن أنس، عن زيد بن ثابت، موقوفاً.

الوجه الأول:

أخرجه الطبراني في الكبير 5/118، رقم 4800، والبيهقي في شعب الإيمان[3] 3/60، رقم 2868، من طريق أبي داود الطيالسي، عن محمد بن ثابت، به مرفوعاً.

وتوبع محمد بن ثابت؛ تابعه الضحاك بن نبراس:

أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده 1/107، رقم 133[4] - وعنه أبو يعلى، كما في المطالب العالية 1/241، رقم 581 (وعن أبي يعلى ابن عدي في الكامل 4/1416) -، ورواه من طريق ابن أبي شيبة أيضاً الطبراني في الكبير 5/117، رقم 4798 -، ورواه عبد بن حميد (المنتخب رقم 256)، والطبراني في الكبير 5/117، رقم 4798، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال، رقم 52، كلهم من طريق عبيد الله بن موسى.

والبخاري في الأدب المفرد (162) رقم 458، عن موسى بن إسماعيل.

والطبراني في الكبير 5/117، رقم 4797، والعقيلي في الضعفاء 2/219، من طريق مسلم بن إبراهيم.

والطبراني في الكبير 5/118، رقم 4799، من طريق حرمي بن عمارة.

كلهم عن الضحاك بن نبراس، عن ثابت، عن أنس، عن زيد، مرفوعاً.

الوجه الثاني:

أخرجه الطبراني في الكبير 5/117، رقم 4796، من طريق السري بن يحيى.

وابن أبي شيبة في المصنف 2/359، من طريق جعفر بن حيان، وحميد الطويل.

وعبد الرزاق 2/289، رقم 3408 - ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط 4/146، رقم 1926 -، عن جعفر بن سليمان.

والعقيلي في الضعفاء 2/219، من طريق حماد بن سلمة.

كلهم عن ثابت، عن أنس، عن زيد، موقوفاً عليه.

وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان 3/60، رقم 2869، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، من فعله، وقال أنس: هكذا فُعل بي ليكون أكثر لخطانا.

قلت: والأول أرجح حيث رواه أكثر من ثقة، كما تابعهم حماد أيضاً، ولكن قد تبين أن الذي فعل به ذلك هو زيد بن ثابت، حيث ورد ذلك صريحاً في رواية حميد الطويل، وجعفر بن سليمان، وغيرهما.

وعليه فإن الراجح روايته عن أنس، عن زيد، كما صرح به في أكثر الروايات، وكان أنس يذكر زيداً في الأغلب، وأحياناً لا يذكره، والله أعلم.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أن ثابتاً البناني روى هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه ابنه محمد، والضحاك بن نبراس، عنه، عن أنس، عن زيد، مرفوعاً.

2- ورواه جماعة من الثقات، عن ثابت، عن أنس، عن زيد بن ثابت، موقوفاً عليه.

وتقدم أن محمد بن ثابت، والضحاك ضعيفان، وقد خالفهما عدد من الثقات، فوقفوه على زيد بن ثابت، وعليه فالوجه الثاني أرجح.

ومنه يتبين صحة ما ذهب إليه أبو حاتم من تصحيحه لرواية الوقف.

وقد وافقه على ذلك غير واحد من الأئمة:

قال العقيلي: حديث حماد أولى - يعني من حديث الضحاك بن نبراس -.

وقال ابن حجر في المطالب: المحفوظ في هذا موقوف على زيد بن ثابت.

والأثر من وجهه الراجح إسناده صحيح إلى زيد.

وفي الأمر بكثرة الخطا إلى المساجد أحاديث كثيرة مرفوعة، وبعضها في الصحيحين.

انظر لذلك الترغيب والترهيب للمنذري 1/206.