• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام القذف - دراسة فقهية - (WORD)
    شهد بنت علي بن صالح الذييب
  •  
    إلهام الله لعباده بألفاظ الدعاء والتوبة
    خالد محمد شيت الحيالي
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    تخريج حديث: جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الإيمان بالقدر خيره وشره
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    الأمثال الكامنة في القرآن
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (6)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: السميع
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    سفيه لم يجد مسافها
    محمد تبركان
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

الفتوحات الإسلامية (2)

الفتوحات الإسلامية (2)
أ. د. عمر بن عبدالعزيز قريشي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/6/2013 ميلادي - 2/8/1434 هجري

الزيارات: 32524

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفتوحات الإسلامية (2)


لا ريب أن الفتح الإسلامي نسيجُ وحدِه في تاريخ البشر؛ فقد خرج المسلمون يعلنون كلمة الله - تبارك وتعالى - وينشرون دينه، ويقدمون في سبيل الله دماءهم وأرواحهم، ويفارقون من أجل ذلك ديارهم وأولادهم، لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا، وقد قال ابن تيمية - رحمه الله -: إن المسلمين الأُوَل لم ينقلوا الإسلام إلى الأمم، ولكنهم نقلوا الأمم إلى الإسلام، لقد خرج المسلمون إلى بلاد الفرس والشام يبلغون رسالة الله - تبارك وتعالى - وتلقفت أسماع الشعوب المقهورة والمحجوزة خلف أسوار الظلم هذا الصوت مرة أخرى، وهو ينذر الظالمين، فإن أبيتم فخلوا بيننا وبينهم نبلغهم دعوة الله.

 

لقد كانت هذه الشعوب تقاسي الظلم والاستبداد في أسوأ صوره، فلما جاء الإسلام وجدوا فيه محرِّرًا لهم، وقد كان الإسلام كريمًا، فبعد أن حرَّرهم من الظالمين أقام فيهم العدل، وحمى بِيَعهم وكنائسهم، وأطلق لهم حرية دينهم، ولم يفرض عليهم الإسلام، ولكنهم عندما استمعوا إليه رغبوا فيه، وقبلوه بعد أن قبلوا عدل أهله والقائمين عليه، ولم يعرف الإسلام الحرب إلا حين وقفتِ القوى المبطلة في وجه دعوته، وحين حاولت أن توقف حركته، وأن تردَّه عن طريقه، فلم يكن القتال إلا لحماية الدعوة وفتح الطريق أمامها.

 

ولم تخطِّط الفتوحات الإسلامية يومًا للاستيلاء على كنوز الأكاسرة أو الأباطرة، وإنما كان هدفُها تزكية النفوس وتحريرها من ظلمات الزيغ والانحراف، ولم تكن الدعوة إلى فتح العراق والشام إلا حاجة روحية لنشر النور الإسلامي في كل الآفاق، وتبليغ رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تلك البلاد الغارقة في ظلام المجوسية والوثنية، بعد أن تطهرت الجزيرة العربية من المرتدين[1].

 

ولقد كَذَب المستشرقون حين ظنوا أن الحاجة المادية هي التي دفعت المسلمين إلى الفتوحات تحت تهديد السيف، ولقد كانت هناك فتوحات إسلامية لم تُرَقْ فيها قطرةُ دم واحدة، وفتحُ القدسِ خيرُ مثالٍ على ذلك، وسيبقى مثلاً رائعًا في سجل التاريخ الإسلامي، وعيبُ المستشرقين والباحثين الغربيين أنهم ينظرون إلى الفتوحات الإسلامية كما ينظرون إلى حروب (نابليون)، التي أغرقتْ أوروبا في بحرٍ من الثأر والدماء، وجلبت على شعوبها الخراب والبوار؛ ذلك أن الفتوحات الإسلامية كانت تحمل رسالة الإسلام الإنسانية في تحرير الرقاب والعباد في الشام ومصر من الاستعباد الروماني الذي جثم على صدرها مئات السنين، ثم تجاوز الشام إلى فتح العراق وبلاد فارس تأمينًا لطريق الدعوة الإسلامية، وتحريرًا لتلك الشعوب من رجس الوثنية والمجوسية، وآية ذلك أنه بعد أن أمَّن المسلمون وجودهم في هذه المنطقة، لم يرفعوا السيف ولم يخرجوا إلى حرب إلا دفاعًا عن النفس، أو دفعًا لعدو غادرٍ يريد أن يعصف بهم، وأن يعود بالإنسانية إلى رجس الوثنية وسحق الإنسان للإنسان.

 

وقد أوغل المسلمون ورجال الصوفية إلى بحار الهند، والصين، وكانتون، وشانغهاي، وجزر المحيط الهادي، وإلى جاوة، وسومطرة، والملايو، وجزر الفلبين، وقد فتح الإسلام للرقيق حق الاندماج في أسرة مولاه، الذي هو ملك يمينه؛ فانفجرت أمامه مسالك الحرية[2]، وعلينا أن نسدَّ الباب دائمًا أمام إفرازات النعرة القومية والتعالي بها، لقد خرجت جيوش الفتح الإسلامي لتعيد تخطيط حياة الشعوب على أسس إسلامية خالصة[3].

 

عدالة الفتح الإسلامي:

من أعظم الصيحات المدوية التي أيقظت الفكر الغربي، وحولت تياره نحو الاعتراف بفضل الحضارة الإسلامية، بعد فترة طويلة من العقوق: ما كتبه "توماس كارليل" في كتابه: "الأبطال" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في باب "البطولة في صورة النبوة"، ثم جاء كتاب "حضارة العرب" "لجوستاف لوبون"، فأنصف المسلمين والإسلام، وإن كان في صميم رأيه في الدين ليس على ما يحب المسلمون، بل إنه هو نفسه لم يكن مؤمنًا بالمسيحية، وتلك خلَّة نجدها في كثير من الباحثين الغربيين وفي المستشرقين، ولعل مما يؤخذ على "جوستاف لوبون" نسبته هذه الحضارة إلى العرب، وتسميتها باسمهم، مع أنها حضارة إسلامية، ويرجع هذا إلى غلبة فكرة العنصرية التي طافت ريحُها بأوروبا، ثم تأثر بها الشرق من بعدُ.

 

يقول جوستاف لوبون:

"للإسلام وحدَه الفخار بأنه أول دين قال بالتوحيد الخالص، وبأنه أول دين نشَرَ أتباعُه ذلك التوحيدَ في أنحاء العالم، وتشتقُّ سهولة الإسلام من التوحيد المحض، وفي التوحيد سرُّ قوة الإسلام، وسهولة إدراكه ووضوحه، بخلاف غيره من الأديان الأخرى التي يشوبها الغموض، ويأباها الذوق السليم، وقد ساعد وضوح الإسلام وما أمر به من العدل والإحسان على انتشاره في أنحاء العالم، وبذلك تفسر سر انتحال كثير من الشعوب للإسلام، ومِن الذين كانوا تابعين لحكم القياصرة فأصبحوا مسلمين حين عَرَفوا أصول الإسلام، كما نفسر به السبب في عدم تحول أية أمة بعد أن رضيت بالإسلام دينًا".

 

ويقول جوستاف لوبون - في موقف الإسلام من الأديان الأخرى -:

"والإسلام من أكثر الديانات ملائمة لمناخ العالم واكتشافاته، ومن أعظمها تهذيبًا للنفوس ودعوة إلى العدل والإحسان والتسامح.

 

وتأثير دين محمد - صلى الله عليه وسلم - في النفوس أعظم تأثير من أي دين آخر، ولقد دخلتْ دولة العرب في التاريخ، ولكن الدين الذي كان سببًا في قيامها لا يزال ينتشر، والسهولة التي انتشرت بها شريعة الإسلام في العالم شاملة للنظر، والمسلم حيث يمرُّ يترك دينه وخلقه، وقد بلغ عددُ أتباع النبي الملايينَ الكثيرة في البلاد التي دخلها تجار العرب، بقصد التجارة لا بقصد الفتح، كبعض أجزاء الصين، وإفريقيا، وآسيا الوسطى، وروسيا، وقد اعتنقت هذه الملايين الإسلام طوعًا لا كرهًا، ولم نسمع أنه أرسل جيشًا مع أولئك التجار المبشرين لمساعدتهم.

 

وفي الهند لم يوفَّق مبشِّرو البروتستانت على الرغم من مظاهرة حكومتها لهم، وفي الصين حيث اعترف المبشِّرون بفشلهم؛ يكتب للإسلام أتم الفوز، ومع ما أصاب حضارة العرب لم يمسَّ الزمنُ دينَ محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي له الآن من النفوذ ما كان له في الماضي، ولا يزال ذا سلطانٍ كبير على النفوس! وهو في ذلك خلاف الأديان الأخرى التي تخسر كل يوم شيئًا من قولها".

 

وتحدَّث "جوستاف لوبون" عن عدل الفتح الإسلامي، فقال:

"إن العرب - وهم أعقل من الكثيرين من أقطاب السياسة في الزمن الحديث - كانوا يعلمون جيدًا أن النظم الواحدة لا تلائم شعوب الأرض قاطبة، وكان مِن سياستهم أن يتركوا الأمم حرَّة في المحافظة على قوانينها وعاداتها ومعتقداتها.

 

كان يمكن أن يعمي فتوح العرب الأول أبصارهم فيقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتحون عادة، وليسيئوا معاملة المغلوبين، ويكرهوهم على اعتناق دينهم ونشره في أنحاء العالم، ولكن الخلفاء السابقين الذين كان عندهم من العبقرية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الأخرى، أدركوا أن النظم والأديان ليست مما يفرض قسرًا، فعاملوا الكثير من الشعوب ومن كل قطر استولوا عليه بلطفٍ عظيم، تاركين لهم قوانينهم ونظمهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم سوى جِزْية زهيدة في مقابل حمايتهم لهم وحفظ الأمن بينهم، فالحق أن الأمم لم تعرفْ فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ورحمة العرب الفاتحين وتسامحهم كانا من أسباب اتساع فتوحهم واعتناق كثير من الأمم لدينهم ونظمهم ولغتهم التي رسخت وقاومت جميع الغارات، وبقيت قائمة.

 

شهادة غير المسلمين:

وأشار "جوستاف لوبون" إلى معاملة "أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - لأهل حمص؛ فقد ردَّ عليهم ما جباه منهم باسم الجِزْية عندما بلغتْه حشود الروم في اليرموك؛ قائلاً: "سكتنا عن نصرتكم والدفع عنكم، فأنتم على أمركم".

 

وغادر مدينتهم منسحبًا بجيشه، مما دعا أهل حمص للقول: لولايتُكم وعدلُكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والضيم، ولندفع جند هرقل عن المدينة - حمص - مع عاملكم.

 

وقارن "جوستاف لوبون" بين تصرف المسلمين هذا في عدلِهم ورحمتهم وسماحتهم، وبين تصرف بريطانيا واستعمارها، قال: "إن (اللورد مليورن) رئيس وزراء بريطانيا في عهد الملكة "فكتوريا" القريب من عصرنا هذا، سنة (1840م)، لقد خاض هذا الرئيس السياسي مع الصين "حرب الأفيون" المشهورة، فأدار عليهم المدافع من سفنه الحربية، ومن النقاط التي ارتكز عليها في السواحل، فصب عليهم شواظًا من النيران بلا رحمة ولا هوادة، فأحرقت المدن والمنازل والسكان بما فيها من الشيوخ والنساء والأطفال، حتى أكرههم على قبول هذه التجارة المحرَّمة في بلادهم كل سنة من هذا السم القاتل، ومن تلك الضحايا البريئة 150 مليونًا من الجنيهات، وقد بلغ ضحايا المدخِّنين لهذا السم كل سنة أكثر من نصف مليون شخص (أي 600 ألف ضحية).

 

وقال جوستاف لوبون: "الحق أن الأمم لم تعرفْ فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب".

 

إن الإسلام هو الذي أعطى المسلمين هذه الرحمة وهذا التسامح، ونحن رأينا صورًا مختلفة مثل حرب الأفيون، وأقسى منها حروبًا الاستعمار الحديث، وأشد منها ظلمًا الصهيونية وقسوتها وحبها للدماء والعدوان والإبادة"[4].

 

ويقول "سير توماس أرنولد" عن الإسلام:

"إنه الدين الذي يسمو فيه نشر الحق، وهداية الكفار إلى واجب مقدس، على يد مؤسس الدين أو خلفائه من بعده... إنها روح الحق في قلوب المؤمنين التي تستقر حتى تتجلى في التفكر والقول والعمل، ولا تقنع حتى تؤدي رسالتها إلى كل نفس إنسانية، وتعترف أفراد الجماعة الإنسانية بما تعتقد أنه الحق.

 

وإن الذي دفع المسلمين إلى أن يحملوا رسالة الإسلام معهم إلى شعوب البلاد التي دخلوها، وجعلهم ينشدون لدينهم بحق مكانًا بين الأديان لهو سماحة من ذلك النوع، من أجل صدق عقيدتهم[5].

 

وكان ظهور مبادئ هذه العقيدة لأهالي بلاد العرب في القرن السابع الميلادي، على يد النبي العربي، الذي انضوى تحت لوائه شتى القبائل العربية، فأصبحت لذلك أمة وأحدة، فلما امتلؤوا من آثار هذه الحياة وتلك العقيدة، تدفقوا في أنحاء ثلاثة، يفتحون البلاد، ويخضعون العباد، وكان أسبق البلاد إلى الإسلام الشام، ومصر، وشمال إفريقية، وفارس، وبعد انقضاء مائة عام على وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصل أتباعه إلى إسبانيا غربًا، وعبروا نهر السند شرقًا، فما لبثوا أن وجدوا أنفسهم سادة على إمبراطورية أعظم من إمبراطورية روما في أوج قوتها.

 

ومع أن هذه الإمبراطورية العظمى قد تصدَّعت أركانُها فيما بعدُ، وتضعضعت قوة الإسلام السياسية، ظلَّت غزواته الروحية مستمرَّة دون انقطاع، وعندما خربت جموع المغول بغداد عام (1258م)، وأغرقوا في الدماء مجدَ الدولة العباسية الذاوي، وطرد "فرديناند" - ملك ليون وقشتالة - المسلمين من قرطبة عام (1236م)، ودفعت غرناطة - آخر معاقل الإسلام في إسبانيا - الجزية للملك المسيحي، كان الإسلام قد استقرَّت دعائمُه، وتوطدت أركانه في جزيرة سومطرة، وكان على أهبة أن يحرز تقدمًا ناجحًا في الجزائر الواقعة في بلاد الملايو، وفي هذه اللحظات التي تطرق فيها الضعف السياسي إلى قوة الإسلام، ترى أنه قد حقَّق بعض غزواته الروحية الرائعة!

 

فهنالك حالتانِ تاريخيتانِ كبريان، وطئ فيها الكفار من المتبربرين بأقدامِهم أعناق المسلمين، أولئك هم الأتراك السلاجقة في القرن الحادي عشر، والمغول في القرن الثالث عشر، وفي كلتا هاتين الحالتين نرى الفاتحين يعتنقون ديانة المغلوبين!

 

وقد حمل دعاةُ المسلمين - الذين كانوا خلوا كذلك من أي مظهر من مظاهر السلطان الزمني - عقيدتَهم إلى إفريقية الوسطى، والصين، وجزائر الهند الشرقية، وتمتد العقيدة الإسلامية اليوم من مراكش إلى زنجبار، ومن سيراليون إلى سيبيريا والصين، ومن البوسنة إلى غينيا الجديدة، وفي خارج البلاد الإسلامية الصميمة، والمناطق التي تضمُّ عددًا كبيرًا من السكان المسلمين - كالصين وروسيا - طوائف صغيرة قليلة العدد من أتباع النبي، يؤيدون الدين الإسلامي بين صفوف قوم من الكفار.

 

ومن أمثال هؤلاء طائفة من المسلمين الذين يتكلَّمون البولندية، وينحدرون من أصل تتري في لتوانيا، ويقطنون مقاطعة كفنو، وفلنو، وجردنو، وطائفة أخرى من المسلمين الهولنديين في مستعمرة الكاب، وثالثة من الرعاة الهنود نقلوا معهم عقيدةَ الإسلام إلى جزائر الهند الغربية، وإلى غينيا البريطانية والهولندية، ثم أصبح للإسلام أيضًا في السنين الأخيرة أشياعٌ في إنجلترا، وأمريكا الشمالية، وأستراليا، واليابان[6].

 

ويرجع انتشار هذا الدين في تلك الرقعة الفسيحة من الأرض، إلى أسباب شتى اجتماعية وسياسية ودينية، على أن هنالك عاملين من أقوى العوامل الفعَّالة التي أدَّت إلى هذه النتيجة العظيمة، تلك هي الأعمال المطردة التي قام بها دعاة من المسلمين، وقفوا حياتَهم على الدعوة إلى الإسلام، متخذين من هَدْي الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثلاً أعلى وقدوة صالحة.

 

ولم تجئْ مهمَّة تبليغ الرسالة في تاريخ الإسلام بعد تريُّث وتفكير، ولكنها كانت ملقاة على عاتق المؤمنين منذ البداية، وقد نرى ذلك واضحًا في هذه الآيات القرآنية، التي ننقلها هنا مرتَّبة حسب تاريخ نزولها:

• ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

 

• ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [الشورى: 14، 15].

 

وفي الآيات المدنية أيضًا نجدُ مثل هذه التعاليم، وقد نزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أصبح على رأس جيشه الكبير، وفي ذروة سلطانه:

• ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 20].

 

• ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 103، 104].

 

• ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ * وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحج: 67، 68].

 

• ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 6].

 

وهكذا كان الإسلام منذ بَدْء ظهوره دينَ دعوة من الناحية النظرية أو الناحية التطبيقية، وقد كانت حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - تمثِّل هذه التعاليم ذاتها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه يقوم على رأس طبقات متعاقبة في الدعاة المسلمين، الذين وقفوا إلى إيجاد سبيل إلى قلوب الكفار، على أنه ينبغي ألاَّ نلتمسَ الأدلة على روح الدعوة الإسلامية في قسوة المضطهد، أو عسف المتعصب، ولا حتى في مآثر المحارب المسلم، ذلك البطل الأسطوري الذي حمل السيف في إحدى يديه، وحمل القرآن في اليد الأخرى، وإنما نلتمسها في تلك الأعمال الوديعة الهادئة التي قام بها الدعاة وأصحاب المهن، الذين حملوا عقيدتهم إلى كل صقع من الأرض[7].

 

وفي ظل فتوحات الإسلام وسماع الناس به، لم يكن غريبًا أن نجد كثيرًا من البدو، والمسيحيين، وغيرهم، ينجرفون في التيار الدافع لهذه الحركة الضحمة، وأن نجد كثيرًا من القبائل العربية التي دانتْ بالمسيحية قرونًا نبذتْها في ذلك الوقت لتدين بالإسلام، ويمكنُنا أن نحكم من الصلات الودية التي قامت بين المسيحيين والمسلمين من العرب بأن القوة لم تكن عاملاً حاسمًا في تحويل الناس إلى الإسلام؛ فمحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - قد عقد حلفًا مع بعض القبائل المسيحية، وأخذ على عاتقِه حمايتَهم، ومنحهم الحرية في إقامة شعائرهم الدينية، كما أتاح لرجال الكنيسة أن ينعموا بحقوقهم ونفوذهم القديم في أمن وطمأنينة، وقد وجد حلفٌ كهذا بين أتباع النبي وبين مواطنيهم الذين كانوا يدينون بالوثنية دينَهم القديم، والذين تقدَّم كثير منهم عن طواعية لمؤازرة المسلمين في حملاتهم الحربية، وأظهروا للحكومة الجديدة نفسَ روح الولاء التي جعلتهم يقفون بمنأى عن الردة، التي رفعت لواء العصيان في كافة أرجاء بلاد العرب على إثر وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم.

 

وقد زعم بعض الباحثين أن العرب المسيحيين الذين كانوا يخفرون حدود الإمبراطورية البيزنطية الواقعة على أطراف الصحراء، ألقوا بجموعهم مع جيش الفتح الإسلامي حين رفض هرقل دفع الجِزْية التي تعوَّد إعطاءهم إياها مقابل خدماتهم الحربية التي كانوا يؤدونها باعتبارهم حراسًا للحدود[8].

 

وبالنسبة للسواد الأعظم من المسيحيين، فإنهم انتهوا إلى الامتزاج بالمجتمع الإسلامي الذي كان يُحِيط بهم عن طريق ما يسمونه "الاندماج السلمي" الذي تم بطريقة لم يحسَّها أحدٌ منهم، ولو أن المسلمين حاولوا إدخالَهم في الإسلام بالقوة عندما انضووا بادئ الأمر تحت لواء الحكم الإسلامي، لَمَا كان من الممكن أن يعيش المسيحيون بين ظهرانيهم حتى عصر الخلفاء العباسيين[9]!

 

ومن هذه الأمثلة التي قدَّمناها آنفًا عن ذلك التسامح الذي بسطه المسلمون الظافرون إلى العرب المسيحيين في القرن الأول من الهجرة، واستمر في الأجيال المتعاقبة - نستطيع أن نستخلص بحق أن هذه القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما فعلتْ ذلك عن اختيار وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة، لشاهدٌ على هذا التسامح[10].

 

"وإذا نظرنا إلى التسامح الذي امتدَّ على هذا النحو إلى رعايا المسلمين من المسيحيين في صدر الحكم الإسلامي، ظَهَر أن الفكرةَ التي عاشتْ بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدةُ التصديق، ومن ثَمَّ لم يكن بدٌّ من أن نتلمسَ بواعث أخرى غير ذلك الباعث الذي أوحى بالاضطهاد[11]، "وإنما الذي كان يدفع الناسَ إلى الإسلام بقوة وتجذبهم إليه، إنما هي تلك العقيدة"[12].

 

وكذلك بمقدار ما كان يشتدُّ العبء على كاهل الشعوب المغلوبة على أمرها، كانت تشتدُّ رغبتُهم في تخليص أنفسهم من الشقاء، فيقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله[13].

 

"وقد نجدُ عوامل أخرى ساعدتْ على تناقص الشعب المسيحي في هذه الحقبة... ولكننا لم نسمعْ عن أيَّة محاولةٍ مدبَّرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قُصِد منه استئصالُ الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاءُ تنفيذَ إحدى الخطَّتين لاكتَسَحُوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها "فرديناند، وإيزابيلا" دينَ الإسلام من إسبانيا، أو التي جعل لها "لويس الرابع عشر" المذهب البروتستانتي مذهبًا يعاقَب عليه متَّبِعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مُبْعَدين عن إنجلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة، وكانت الكنائس الشرقية في آسيا قد انعزلت انعزالاً تامًّا عن سائر العالم المسيحي الذي لم يوجد في جميع أنحائه أحدٌ يقف في جانبهم، باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين، ولهذا فإن مجرَّد بقاء هذه الكنائس حتى الآن، ليحملُ في طياته الدليل القوي على ما قامت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم[14].

 

هذا، ولقد آثرتُ أن أنقلَ هذه النصوص من هذا الكتاب، وقد عمدتُ إلى ذلك، وإن كان الكتاب كلُّه قد أشار إلى هذه المعاني وذلك المضمون، وهو كتاب لرجلٍ ليس مسلمًا، يشهد للإسلام في تسامحه وعظمته، ويجلي الكثير من الحقائق بمنطق الإنصاف بعيدًا عن التعصب، وقد صدق الله ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [يوسف: 26]، ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: 32]؛ اهـ[15].



[1] الإسلام وتاريخ العرب، أنور الجندي (ص 115 - 116) بتصرف.

[2] الإسلام تاريخ وحضارة (116).

[3] نفس المصدر ص 119.

[4] حضارة العرب، لجوستاف لوبون! ص125، 129 بتصرف.

[5] الدعوة إلى الإسلام، بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية، تأليف سيرت، وأرنولد ص 17 بتصرف، ترجمه إلى العربية حسن إبراهيم حسن، وعبدالمجيد عابدين، وإسماعيل النحراوي، ط/ مكتبة النهضة المصرية الثالثة سنة 1947م.

[6] الدعوة إلى الإسلام، سيرت، وأرنولد ص 17، 8 1 بتصرف.

[7] الدعوة إلى الإسلام، سيرت وأرنولد (ص 18 - 20) بتصرف.

[8] المصدر السابق (ص 47 - 48) بتصرف.

[9] نفس المصدر (ص50) بتصرف.

[10] نفس المصدر السابق أيضًا (ص 51) بتصرف.

[11] الدعوة إلى الإسلام، (ص65).

[12] نفس المرجع السابق (ص70).

[13] المصدر السابق نفسه ص 73.

[14] المصدر السابق، (ص 73 - 74) بتصرف.

[15] راجع بتوسع: الدعوة إلى الإسلام؛ سير توماس أرنولد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الفتوحات الإسلامية (1)

مختارات من الشبكة

  • آراء الغرب في الفتوحات الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا إكراه في الدين .. ولماذا الفتوحات الإسلامية ؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من قادة الفتوحات الإسلامية: القعقاع بن عمرو التميمي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من قادة الفتوحات الإسلامية (القعقاع بن عمرو التميمي)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفتوحات الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفتوحات الوهبية بشرح المنظومة البيقونية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الفتوحات الوهبية بشرح الأربعين النووية (النسخة 8)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين بالدقائق الخفية (ج4)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين بالدقائق الخفية (ج3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- تاريخ الفتوحات الإسلامية
أسامة - مصر 19-12-2013 03:44 PM

لقد قرأت هذا المقال الرائع عن الفتوحات الإسلامية ولقد قرأت أيضاً ذلك فى كتاب (كيف غيَّر انتشار الإسلام العالم الذى نعيش فيه) والذى يمكنك إيجادة فى اللينك التالى http://bit.ly/19A6QCg و كنت أريد نشر العديد من هذة المقالات الثرية التى توضح أهمية حضارتنا الأسلامية

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب