• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

مواقف مؤثرة بين ملكة سبأ وسليمان

عبدالعزيز كحيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/5/2013 ميلادي - 2/7/1434 هجري

الزيارات: 40691

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مواقف مؤثرة بين ملكة سبأ وسليمان


مهمة النبي - أيُّ نبي - الأولى هي الدعوة إلى الله وتوحيده وعبادته، ولئن كان سليمان بن داود ملكًا يسوس مملكتَه كحاكم من الحكُّام، فهو قبل ذلك نبي كريم يدعو إلى الله، ويُحارِب الشرك ويمكِّن للتوحيد، ودليل ذلك في قصته مع ملكة سبأ التي ذكرها القرآن الكريم في سورة "النمل"، وقد حوت من العِبَر المؤثِّرة ما يُثلِج صدر المؤمن ويُنير عقله.


وسبأ بلد باليمن كما هو معلوم، أما سليمان - عليه السلام - فموطنه بفلسطين، شاء الله أن يطَّلِع سليمان على أخبار ذلك البلد، وتفشّي الشرك فيه عن طريق أحد جنوده، وهو الهدهد، فقد لاحظ القائد غياب هذا الجندي الصغير الحجم عن موقعه بين الطيور، فتوعَّده بالعقاب الشديد إذا لم يُبرِّر غيابَه بمبرِّر قوي جليّ لا مكان فيه للتلاعب، فأخبره الهدهد بعد ظهوره أنه استكشف أرضًا بعيدة - هي سبأ - وقد لفت نظرَه هناك أمران كبيران، الأوّل هو وجود امرأة على رأس الدولة، تتمتَّع بمُلك عظيم (يَقصِد الحضارة القائمة هناك)، والتي ذكرها القرآن الكريم في موضع آخر: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ﴾ [سبأ: 15]، والثاني: هو عبادة السكُّان ومَلِكتهم للكواكب: ﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [النمل: 22، 24].


وإذا كان هذا المظهر الشركي قد هال العصفور بحكم عيشه مع سليمان في بيئة مؤمنة، رُغم أنه غير مكلَّف، فقال: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ ﴾ [النمل: 24، 25]، فكيف بالنبيّ الحامل لرسالة التوحيد؟ كلَّف - سليمان عليه السلام - الهدهدَ بحمل رسالة إلى أهل سبأ عبر ملكتهم؛ ليتأكَّد أولاً من صِدْق الهدهد في مُبرِّر غيابه، وليطَّلِع على حقيقة أمر تلك المملكة: ﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النمل: 27].


وقام الهدهد بالمهمة فألقى الرسالة، ولم يُسلِّمها؛ لأن هذا مُتعذِّر على الطائر، ألقى الهدهد الرسالة من الأعلى، وبقي يراقب رَدَّ فِعْل المَلِكة وحاشيتها، كما أمره سليمان، وهنا نستطيع تلمُّس جملة من خصائص هذه المرأة تدلّ على استقامتها كحاكمة وعلى ذكائها ورَجاحة عقلها، وهي صفات حميدة ستقودها في النهاية إلى الهداية؛ فهي لم تعمِد إلى ردِّ فِعْل مُتسرِّع تَغلِب عليها العاطفة الفائرة، ولم تَنفرِد باتخاذ موقف من رسالة سليمان؛ بل جمعت أهل الحَلّ والعَقْد، سواء في مجلس الوزراء أو البرلمان أو المجلس الاستشاري، وعرضت عليهم الأمر المستجد، ويُبيِّن السياق أن دأبها الرجوع إليهم قبل اتخاذ القرارات المصيرية: ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ [النمل: 29 - 32]، يدلُّ هذا على أنها تسوس بلدها بمبادئ الشورى بعيدًا عن أنواع الاستبداد والانفراد بالرأي والقرار.


ولا بدَّ من التنويه إلى أن مضمون خطاب سليمان لا يَقتصِر على ما ذكرتُه الملكة، فكأنها أخبرتهم بالمقدمة والخاتمة، أما الموضوع فلا شكّ أنه اشتمل على تعريفها بالإسلام ودعوتها وقومها إليه، إذ لو اقتصرت الرسالة على التهديد: ﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾، لَمَا استقام وصْفُها للخطاب بأنه كريم، والله تعالى يقول: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، ومهمة الرسول - أي رسول - البيان والتعريف والتبشير قبل الوعيد والتهديد، فلا ريب أن رسالة سليمان تضمَّنت ما تَقتضيه الدعوة من تعريف بالإيمان وعناصره وكشف لمفاسد الشرك، واختُتِمتْ بالحزم والصرامة؛ لأن النبي عرف من الأخبار التي حملها إليه الهدهد اعتزاز مجلس شورى المَلِكة بقوَّتهم وتلويحهم باستعمالها، فضمَّن خطابَه ما يشير إلى عدم خوفه منهم، واستبق ميلَهم إلى الخيار العسكري بخطاب قوي يدلُّ على امتلاكه قوّة أكبر وأفتك من قوَّتهم؛ حتى لا يُفكِّروا في حمْل السلاح في وجهه، وتلك هي الحكمة بعينها في مِثل هذه المواقف.


ردَّ أصحاب الشورى بقولهم:

﴿ نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾ [النمل: 33]، ركنوا إلى أسباب القوة والعدد والعتاد العسكري التي يَملِكونها، وأكَّدوا استعدادهم للحرب، وتركوا كلمة الفصل لملكتهم؛ مما يؤكِّد اطمئنانهم إلى حُنْكتها وحكمتها.


استمعت الملكة الحكيمة إلى مداخلات قادة الرأي والسياسة والجيش، وأبدت تريُّثًا في اتخاذ أيّ قرار حاسم، ونطقت بكلمة من ذهب، هي سنَّة يُقرِّرها عِلم الاجتماع السياسي: ﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 34]، وهذا مؤشِّر على معرفتها بتاريخ الأمم والممالك وبقوانين الحروب الظالمة؛ فالملوك - أي: الحكّام - إذا غزوا مجتمعًا ساقوا معهم الفساد المادي والمعنوي، وهو ديدن الاستعمار الغاشم دائمًا، تمتدُّ يدُه القوية بالتخريب فلا تَذَر عمرانًا ولا زراعة ولا بِنية تحتية، وتمتدُّ يده في نفس الوقت إلى الأخلاق فتعكِّرها، ويَطول فسادُه كبراء البلد المُحتلّ وعلماءه ووجهاءه الأُصلاء وزعماء الجهاد، فيعمل على إذلالهم بشتى الوسائل حتى ترتبِك الأمة المغلوبة وتنهار نفسيًّا، فتَفقِد القدرة على مواجهة تحدِّي الاعتداء، ويدلّ السياق على أن عبارة ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾، ليست من كلام المرأة، ولكنها تعقيب من الله تعالى عليه، فيه إقرار له، والله أعلم.

 

ما الإجراء الذي تُقدم عليه الملكة، وهي ليست على يقين من أمر سليمان، أهو نبيّ كما يدَّعي أم حاكم يتذرَّع لغزو بلدها؟ انتبهت إلى حيلة تدلّ على ذكائها ونظرها الثاقب؛ فهي تعلم الفَرق بين أصحاب المبادئ وأصحاب المصالح، وبين أبناء الدنيا وأبناء الآخرة، قرّرت أن تمتحِن سليمان بالمال؛ لعِلمها أنه فيصل التفرِقة بين الأنبياء والدُّعاة المخلصين، وبين البُغاة الذين يَستهدِفون الثروات، ويجمعون الكنوز ويستولون على موارد الأمم المُنهزِمة، كما هو حال الاستعمار في كل زمان: ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل: 35]، والمعادلة بسيطة، فإمّا أن سليمان مُدَّعٍ للنبوُّة، عينُه على الأموال، فسوف يَقبَل الهدية - وهي من غير شكّ مما يُناسِب الملوك من الجواهر الثمينة والأحجار الكريمة ونحوها - وسوف يَسكتُ عمّا يزعُم من رسالة سماوية، وإمّا أنه نبيّ فعلاً، فلن يَلتفِت لهذا الإغراء، وسيبقى ثابتًا على دعوته، وهذا لعمري عين الامتحان الذي يُخفِق فيه أصحاب الشعارات والأغراض المغلَّفة بالدين والقيم، فضلاً عن عبيد الدنيا المجاهرين بلهْثهم خلف الشهوات والملذّات.


وأدرك سليمان أبعاد مكيدة الملكة، فكان رده حازمًا كما هو متوقَّع من مِثله: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ [النمل: 36]، سمِع موفدُ الملكة هذا التصريح الذي من شأنه قطع الشكّ باليقين بالنسبة لحقيقة سليمان وأهدافه، فهو في غنى عن الهدايا - من الناحية المادية - وصاحب إيمان واعتراف بالأفضال الإلهيَّة عليه، فلييئس مَن رام إغراءه وزحزحته عن ساحة المبادئ إلى ركن المصالح، ثم وجَّه هذا الخطاب الحازم المباشر لرئيس الوفد: ﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [النمل: 37]، يعرف سليمان امتلاك أهل سبأ لأسباب القوَّة وتلويح قادتهم باستعمالها ضدَّه، فجاء موقفه غاية في الصلابة حتى لا تُحدِّثهم أنفسهم بالميل إلى الخيار العسكري، وقد تأكَّدوا أنه ليس مَلِكًا مُتعطِّشًا لجمع الأموال، بل هو صاحب رسالة التوحيد يُبلِّغها للناس كافّة لإخراجهم من ظلمات الشرك وإنقاذهم من براثن الكفر، وهذا ما يشير إليه قولُه السابق: ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: 31]، فغايتُه نشر الإسلام، وليس توسيعَ مُلكه.


ولمّا قفَل الوفد راجعًا تأكَّد سليمان أن الملكة مُقبِلة إليه أو أوحى الله إليه، فأراد أن يُحدِث لها مفاجأة تُزلزِلها وتؤكِّد لها عِيانًا أنّ لدى سليمان من عناصر القوَّة ما يفوق قدرات مملكتها المتمكِّنة المتينة: ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 38]، فعرض عفريت أن يأتيه به في ساعات قليلة، وتَطوَّع صاحب العلم أن يقوم بالمهمة ويُحضِر الكرسيّ في طرفة عين، وهذا أمر مُدهِش؛ لأنّ المسافة بين اليمن وفلسطين بعيدة تُقطَع آنذاك في شهور من السير الحثيث، فكيف يكون اندهاش الملكة حين تجد عرشها وقد وصَل قبلها إلى سليمان؟ لا شكَّ أنها ستُسلِّم بتفوق حضارة فلسطين على حضارة سبأ، وقوَّة سليمان المادية على قوّتها، وهذا يفُتُّ في عضدها؛ لأن الناس - في غياب المقاييس الإيمانيَّة - يَحتكِمون إلى الموازين الأرضية والمادية - والغَلَبة هنا لنبي الله سليمان - وأسباب التمكين الدنيوي، اللافت للنظر إذا صاحبت الدعوة إلى الله آزرتها ويَسَّرت قَبُولها لدى كثير من الناس، وذاك ما حدث للملكة كما يدلّ السياق وتنطق القصّة: ﴿ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 41]، امتحنته المرأة بالمال فردَّ بالمِثْل، ولكنه أجرى لها اختبارًا ذهنيًّا عويصًا؛ فقد أدخلوا على كرسيِّها شيئًا من التعديلات الطفيفة غير الجوهرية؛ لتكون في حَيرة من أمرها، فالعرش ليس شيئًا اشترته من السوق؛ وإنما صُنِع لها خصيصى، وعليه لمستُها الشخصيَّة، فيمكن أن تعرفه بسهولة، لكن كيف وصل قبلها وقد تركته خلفها؟ ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾ [النمل: 42]، فماذا عساها أن تقول؟ عرفته لكنَّها إن ردَّت بالإيجاب، واجهها سؤال وصوله قبلها، وإن اختارت النفي بدت غبيَّة؛ لأنّ عرشها مُتفرِّد لا يتوفَّر مِثله في الأسواق، فاهتدت إلى إجابة كلّها ذكاء وفطنة: ﴿ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ [النمل: 42]، فخرجت بذلك من المأزق؛ لأنها لم تَجزِم لا بالإيجاب ولا بالنفي، ولا شكّ أن الدهشة قد امتلكتها من هذا الأمر العجيب، الذي يؤكِّد امتلاك سليمان لقدرات خارقة، فأراد أن يستغلَّ حالة الإثارة التي اعترتها ليُسدِّد لها ضربة ذهنية أخرى قاضية: ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ [النمل: 44]، للملكة حضارة مزدهرة، لكنّها هنا أمام إنجاز عمراني لا عهد لها به، فمدخل قصر سليمان به مجرى مائي يتعيَّن اجتيازه للدخول، فرفعت ثيابها المتدنية حتى لا تبتلَّ، فكشفوا له عن مفاجأة من العيار الثقيل، هي أن المجرى المائي مُغطّى بالزجاج السميك الناعم، المصنوع بطريقة هندسية دقيقة وبديعة تخدع البصر، فلم تجد بدًّا من التسليم لأمارات النبوَّة وقوة المُلك؛ ﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44].


لقد دعا سليمان الملكة بما يُناسبها وحالَها من وسائل وأساليب، فنجح في إدخالها إلى الإسلام، وبما أن الناس على دين ملوكهم - كما تقول القاعدة الاجتماعية - ونظرًا لثقة قادة سبأ في ملكتهم لحُنْكتها، فمن المفروض أن يكون دين التوحيد قد اجتاح اليمن بعد عودتها، ويكون الله تعالى قد جعل منها مفتاح خيرٍ ومغلاق شرٍّ، أنقذها من الشرك وأنقذ عَبْرها بلدًا بأكمله.


ماذا بقي أن نضيف سوى أن امتلاك أصحاب الدِّين والقيم والأخلاق لناصية التمدُّن والقوّة حريّ أن يَخدُم الدعوة، ويَبسُط نفوذها بكيفية أيسر وأسرع، وآية الإعداد تشمل هذا المعنى، كما أنّ امرأة عاقلة أريبة قد يتحقَّق على يديها خيرٌ كثير، وهي على كلّ حال أفضل من الذكور الذين يُراوِحون مكانهم في دائرة السلبية والصفرية؟





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيف يقرأ القراء العشرة هذه الآيات من سورة سبأ؟
  • قصة قوم سبأ آيات وعبر
  • من قصص القرآن الكريم: قصة إسلام ملكة سبأ
  • التدبر في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ
  • بلقيس .. ملكة سبأ
  • سحرة فرعون وملكة سبأ: لحظة إيمان وعروج

مختارات من الشبكة

  • بريطانيا: مواقف سلبية تجاه المسلمين باستبيان المواقف الاجتماعية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مواقف بين النبي وأصحابه (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مواقف بين النبي وأصحابه (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مواقف بين النبي وأصحابه (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مواقف بين الوعاظ والخلفاء (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مواقف بين الوعاظ والخلفاء (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ربط الترتيب الزمني بين موقف الحشر والشفاعة لأهل الموقف(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • مواقف مؤثرة من سيرة الإمام الشافعي رحمه الله(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • مواقف مؤثرة من سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • مواقف مؤثرة من سيرة الإمام أحمد بن حنبل(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 


تعليقات الزوار
3- مشكور
عواش - سلطنة عمان 29-06-2015 09:11 AM

مشكور على المقال الأكثر من رائع

2- مواقف مؤثرة بين ملكة سبا و سليمان
anya - alger 03-03-2015 07:44 PM

اللهم أعز الإسلام والمسلمين يا رب

1- مواقف مؤثرة بين ملكة سبأوسليمان
fezani el hadi - Algerie 15-05-2013 05:46 PM

السلام عليك ياأستاذنا الفاضل حقيقة مقال شيق و له بعد كبير في الأفق اللهم تقبل عليك و نسأل الله لك الجنة والسلام عليك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب