• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

عقوبات الموظفين ( نظرة إسلامية )

عقوبات الموظفين ( نظرة إسلامية )
عبدالستار المرسومي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/3/2013 ميلادي - 26/4/1434 هجري

الزيارات: 7608

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عقوبات الموظفين

نظرة إسلامية


يَعتقِد الكثير من الناس أن العقوباتِ هي انتقامُ المؤسَّسة من الأفراد؛ لارتكابهم أخطاء معيَّنةً أثناء العمل، وحتى إن اعتقدت المؤسَّسة ذلك، فإنها تقع في خطأ كبير؛ لأن العقوبات ما هي إلا وسيلة لتصحيح المسار، يقول الشاعر:

 

الجَوزُ تَكسِرُه وتأكلُ قلبَه
والعودُ تَحرِقُه فينفعُ طيبُهُ
في الناسِ مَن لا يُرتَجى نفعٌ له
إلا بضرٍّ مِن يدَيك يُصيبُهُ

 

وتكون العقوبات مجديةً، وتتحقَّق منها العبرة، ويُصحَّح المسار، حين تمر بالمراحل الآتية:

• العقوبات الشفوية: وتكون بكلمة تعنيف أو عتاب، ولا تترتَّب عليها أي تبعات مالية أو وظيفية؛ حيث تنتهي بنهاية الحدث، ويمكن أن تكون توجيهًا قاسيًا نوعًا ما.

 

ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يستخدم هذه الطريقة، ومِن تلك الكلمات: ((ثكلتْك أمك)) أو ((ويحك)) أو ((ويلك))؛ فعن أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يَسوق بدنة، فقال له: ((اركبها))، فقال: يا رسول الله، إنها بدنة، قال في الثالثة أو في الرابعة: ((اركبها ويلك، أو ويحك))[1].

 

ومدح رجلٌ رجلاً، عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فقال: ((ويحك قطعتَ عُنقَ صاحبِك، قطعتَ عنُق صاحبك - مرارًا - إذا كان أحدكم مادحًا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسب فلانًا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدًا، أحسبه - إن كان يعلم ذاك - كذا وكذا))[2].

 

وعن زياد بن لبيد - رضي الله عنه - قال: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قال: ((وذاك عند أوان ذهاب العلم))، قال: قلنا: يا رسول الله، يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونُقرئه أبناءنا، ويُقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟! قال: ((ثكلتك أمك يا بن أم لبيد، إنْ كنتُ لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوَليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل، فلا ينتفعون مما فيهما بشيء؟))[3].

 

• عقوبات معنوية: تترتَّب عليها خسارة في رصيد المكانة أو القيمة الشخصية؛ كما حصل لوحشي[4]، وهو مَن قتَل الصحابي الكريم حمزة بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - فيُحدِّث وحشي بنفسه عن قضيته فيقول: فخرجت معهم - أهل الطائف - حتى قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآني قال: ((أنت وحشي؟))، قلت: نعم، قال: ((أنت قتلتَ حمزة؟))، قلتُ: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: ((فهل تستطيع أن تغيِّب وجهك عني؟))[5]، فخسر وحشي فرصة وجوده قرب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكنه لم يخسَر إسلامه وحقوقه الأخرى كمسلم، وهي ولا شك عقوبة وخسارة أكبر مِن كل الماديات أن يُحرَم النظر لوجه رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم.

 

وكذلك ما حصل مع سعد بن عبادة - رضي الله عنه - يوم فتح مكة؛ فقد دخل حاملاً راية الأنصار، ولكن حين قال: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة"، لم يرضَ النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذا الكلام، وأخذ منه الراية ودفعها إلى رجل آخَر.

 

• عقوبات مادية: وفيها يُحرم الفرد مِن جانب مالي أو مادي كعقوبة له على تقصير منه أدى إلى حدوث خسائرَ للمؤسَّسة أو أحد أفرادها، أو ربما تجاوز أنظمة العمل وضوابطها مما استوجب العقوبة، كما هو معروف في الوقت الحاضر مِن عقوبة قطع الراتب لأيام محددة أو الحرمان من الحوافز؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أُهديَ لي لحم فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهدي منه لزينب، فأهديتُ لها فردَّتْه، فقال: ((زيديها)) فزدتُها فردَّتْه، فقال: ((أقسمتُ عليك إلا زدتِيها))، فزدتُها فردَّته، فدخلتني غيرة، فقلتُ: لقد أهانتْكَ، فقال: ((أنتِ وهي أهون على الله مِن أن يُهينني منكنَّ أحد، أُقسم لا أدخل عليكن شهرًا))[6].

 

• عقوبات مزدوجة مادية ومعنوية: ولنا في قصة الصحابي كعب بن مالك - رضي الله عنه - مثالٌ حقيقيٌّ في ذلك، لقد عوقب كعب - رضي الله عنه - بمجموعة من العقوبات؛ منها مادية، ومنها معنوية، ومنها اجتماعية، وبالتعاقب، ولقد كانت مناسِبة لحَجمِ الفعل الذي قام به، وليكون عبرة في هذا الموضوع، يُحدِّث كعب بن مالك - رضي الله عنه - بنفسه فيقول: "فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه، ولم أقضِ من جهازي شيئًا، فقلتُ: أتجهز بعده بيوم أو يومين، ثم ألحقهم، فغدوتُ بعد أن فصلوا لأتجهز، فرجعتُ ولم أقضِ شيئًا، ثم غدوتُ، ثم رجعتُ ولم أقضِ شيئًا، فلم يزل بي حتى أسرَعوا وتفارَط الغزو، وهممتُ أن أَرتحِل فأُدركهم، وليتَني فعلتُ، فلم يُقدَّر لي ذلك، فكنت إذا خرجتُ في الناس بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطفتُ فيهم، أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصًا عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرْني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك"، ثم تنتهي الغزوة ويعود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه الجيش، يقول كعب - رضي الله عنه -: "فجئتُه فلما سلمتُ عليه تبسَّمَ تبسُّمَ المُغضَب، ثم قال: ((تعالَ))، فجئتُ أمشي حتى جلستُ بين يدَيه، فقال لي: ((ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟))، فقلتُ: بلى، إني والله لو جلستُ عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيتُ أن سأخرج مِن سخطه بعذر؛ ولقد أُعطيتُ جدلاً، ولكني والله، لقد علمتُ لئن حدَّثتُك اليوم حديثَ كذبٍ ترضى به عنِّي، ليوشكنَّ الله أن يُسخِطك عليَّ، ولئن حدَّثتك حديث صدق، تجدُ عليَّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله، ما كان لي مِن عذر، والله ما كنتُ قطُّ أقوى، ولا أيسَر مني حين تخلفتُ عنك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما هذا، فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك)).

 

ثم تبدأ مرحلة العقوبات، فيقول كعب - رضي الله عنه -: ونهى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامنا - أيها الثلاثة - من بين مَن تخلَّف عنه، فاجتنبَنا الناس، وتغيَّروا لنا؛ حتى تنكَّرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثْنا على ذلك خمسين ليلة، ثم يكمل كعب - رضي الله عنه -: فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأُسلِّم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرَّك شفتيه بردِّ السلام عليَّ أم لا؟ ثم أصلي قريبًا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليَّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرض عني، حتى إذا طال عليَّ ذلك مِن جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحبُّ الناسِ إليَّ، فسلمتُ عليه، فوالله ما ردَّ عليَّ السلام، فقلتُ: يا أبا قتادة، أَنشُدك بالله هل تعلمني أحب اللهَ ورسوله؟ فسكتَ، فعدتُ له فنشدته فسكتَ، فعدتُ له فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضَت عيناي، وتوليتُ حتى تسورت الجدار، قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي مِن أنباط أهل الشام، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة؛ يقول: مَن يدلُّ على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يُشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابًا من ملك غسان، فإذا فيه:

"أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يَجعلْك الله بدار هوان، ولا مضيَعة، فالْحَقْ بِنا نُواسِك"، فقلتُ لما قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء، فتيمَّمتُ بها التنور فسجرتُه بها، حتى إذا مضَت أربعون ليلة مِن الخمسين، إذا رسولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يأتيني، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تَعتزِل امرأتك، فقلت: أُطلِّقها؟ أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزِلْها ولا تقرَبْها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الْحَقي بأهلك، فتكوني عندهم، حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: ((لا، ولكن لا يقربك))، قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، فقال لي بعض أهلي: لو استأذنتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأتك كما أَذِن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يدريني ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابٌّ؟ فلبثتُ بعد ذلك عشر ليالٍ، حتى كملتْ لنا خمسون ليلةً مِن حين نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا، فلما صليتُ صلاة الفجر صبحَ خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت مِن بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذَكَرَ الله؛ قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ، أوفَى على جبل سَلْع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر، قال: فخررتُ ساجدًا، وعرفتُ أن قد جاء فرج، وأَذِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يُبشِّروننا، وذهب قِبَل صاحبي مُبشِّرون، وركض إلي رجل فرسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلم، فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع مِن الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يُبشِّرني، نزعتُ له ثوبَيَّ، فكسوته إياهما؛ ببُشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرتُ ثوبَين فلبستُهما، وانطلقتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيَتلقاني الناس فوجًا فوجًا، يُهنوني بالتوبة، يقولون: لتهنِك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلتُ المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس حوله الناس، فقام إليَّ طلحة بن عُبيدالله يُهروِل حتى صافحَني وهناني، والله ما قام إلي رجل مِن المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يَبرق وجهه مِن السرور: ((أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك))، قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: ((لا، بل من عند الله))، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلستُ بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمسك عليك بعض مالك؛ فهو خير لك)).

قلتُ: فإني أُمسِك سهمي الذي بخيبر، فقلتُ: يا رسول الله، إن الله إنما نجَّاني بالصدق، وإن مِن توبتي ألاَّ أحدث إلا صدقًا ما بقيتُ، فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا كذبًا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت"[7].

 

ومن قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه - الرائعة نستنبط مجموعة من الأمور، منها:

1- أن العقوبة لا تكون إلا بعد استبيان الأمر جيدًا، والاستماع للمُعاقَب، ومنحه الفرصة المناسبة للردِّ على التُّهم والاستماع لوجهة نظره، حين ذلك ستكون العقوبة مُعبِّرًا حقيقيًّا عن رصانة قوانين العمل وكفاءة المؤسَّسة؛ يقول دعبل الخزاعي[8]:

مسدَّدُ الرأيِ إن تلحَظْ مكايدَه
مكايدُ الدهرِ لم تَثبُت لها قدَمُ
لا يَعرف العفوَ إلا بعد مَقدِرةٍ
ولا يُعاقِبُ حتى تنجلي التُّهَم

 

2- في حالة وجود أكثر مِن عقوبة، فإنها تُطبَّق بالتدرج وليس دفعة واحدة؛ كما حصل مع كعب بن مالك - رضي الله عنه - فكانت العقوبة الأولى أنه تُرك، ثم أن يعتزل الناس، ثم بعد أربعين يومًا أُمر أن يعتزل زوجته.

 

3- أن الهدف من العقوبة تقويميٌّ وتصحيحي وليس انتقاصيًّا تشهيريًّا: فإذا تحقَّق المراد فسيكون مِن الأفضل إزالة آثارها بالكامل، لقد أنزل الله - تعالى - قرآنًا بحق كعب بن مالك - رضي الله عنه - وأصحابه؛ لإزالة كافة الآثار والتبعات التي حصَلت مِن جراء العقوبات التي عوقب بها؛ قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118].

 

4- إعادة الفرد المعنيِّ بالعقوبة إلى مكانته السابقة وبالقيمة والتقدير نفسه: فعن مسروق، قال: دخلنا على عائشة - رضي الله عنها - وعندها حسان بن ثابت - رضي الله عنه - يُنشِدها شِعرًا، يشبِّب بأبيات له، وقال:

 

حَصانٌ رَزانٌ[9] ما تُزَنُّ بريبةٍ
وتُصبِح غَرثى[10] مِن لحومِ الغوافلِ[11]

 


فقالت له السيدة عائشة - رضي الله عنها -: لكنك لست كذلك، قال مسروق: فقلتُ لها: لم تأذنين له أن يدخل عليك، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11]؟ فقالت: "وأي عذاب أشد مِن العمى؟ قالت له: إنه كان ينافحُ، أو يُهاجي عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم"[12].

 

وإن قضية طليحة الأسدي نموذج مناسب لهذا الموضوع؛ فطليحة الأسدي كان قد ادَّعى النبوة وتبعه قومه وقويَ أمره، فقاتله خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في معارك الردَّة فهرب إلى الشام، ثم أسلم وخرج نحو مكة مُعتمرًا في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - وحسُن إسلامُه وعاد إلى الصف وجاهد في سبيل الله، وقاتل في الفتوحات، فقُتل يوم وقعة نهاوند في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.

 

5- المصداقية في تطبيق العقوبات: وأن تطبَّق على الجميع من غير استثناء، فإذا رأى الأفراد التهاون في العقوبات المُعلَنة، تهاونوا في الانضباط بقوانين وأنظمة العمل؛ لما يرونه من ضعف أو عدم مصداقية ذلك الوعيد،وحين ذاك لن تؤدي العقوبات دورها الفعال المطلوب.


لقد أكد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الحقيقة في المنهج الذي ثبَّته للناس كافة، فعن عائشة - رضي الله عنها - أن قريشًا أهمَّهم شأن المرأة المخزومية التي سَرقَتْ، فقالوا: ومَن يُكلِّم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومَن يَجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حِبُّ رسول الله؟ فكلَّمه أسامة، فقال رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((أتشفَع في حدٍّ مِن حدود الله؟!))، ثم قام فاختطب، ثم قال: ((إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرَق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقَت، لقطعتُ يدها))[13].



[1] أخرجه البخاري برقم (1689)، ومسلم برقم (3271).

[2] أخرجه البخاري من حديث أبي بكرة برقم (2662)، ومسلم برقم (7693) وغيرهما.

[3] حديث صحيح؛ أخرجه الحاكم برقم (339)، وأحمد برقم (17473) واللفظ له وغيرهما .

[4] وحشي بن حرب الحبشي أبو دسمة أو أبو حرب مولى جبير بن مطعم بن عدي، وقيل: كان عبدًا لابنة الحارث بن نوفل بن عبدمناف بن قُصيِّ، قال الذهبي - رحمه الله -: "قاتل حمزة - رضي الله عنه - ومُسيلمة".

[5] أخرجه البخاري برقم (3844).

[6] حديث صحيح؛ أخرجه الحاكم برقم (7831) وغيره.

[7] أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب غزوة تبوك (6: 3)، (4418).

[8] هو دعبل بن علي بن رزين الخزاعي، شاعر من العصر العباسي، ولد في الكوفة وأقام في بغداد، اشتهر بالهجاء، وعرف بجودة شعره، وهو صديق البحتري الشاعر المعروف.

[9] الرزان: ذات ثبات ووقار وسكون.

[10] غرثى: جوعى.

[11] الغوافل: الغافلات عن السوء وما قُذفنَ به.

[12] أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب حديث الإفك (5: 155)، برقم (4146).

[13] أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي (5: 193) برقم (3475).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نصف رواتب الموظفين أنفقت في شراء احتياجات رمضان
  • أخي الموظف تدرب وتعلم لتكسب أكثر!!
  • ما الصلة بين سعادة الموظف وخدمة العملاء ؟
  • وصايا مهمة للموظفين
  • الأسباب التي تزول بها عقوبات الذنوب

مختارات من الشبكة

  • الفروق بين الحدود والقصاص والتعازير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعزير بالجلد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرياض تقرر عقوبات صارمة ضد المتاجرة بـالعمالة الوافدة(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • الليلة الثانية عشرة: (عقوبات المعاصي)(مقالة - ملفات خاصة)
  • عقوبات الذنوب والمعاصي: مختصرة من كتاب الجواب الكافي لابن قيم الجوزية(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عقوبات الذنوب والمعاصي: مختصرة من كتاب الجواب الكافي لابن القيم(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الدرس الحادي والعشرون: عقوبات أكل الميراث(مقالة - ملفات خاصة)
  • الكوارث.. ظواهر طبيعية أم عقوبات إلهية(مقالة - ملفات خاصة)
  • عقوبات الربا (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • عقوبات اعوجاج اللسان الدنيوية والأخروية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب