• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الديات (1)

د. محمود عبدالقادر سليم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/2/2013 ميلادي - 10/4/1434 هجري

الزيارات: 29737

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الديات (1)


الكتاب والكتابة في اللغة: جمع الحروف.

 

وشرعًا: طائفة من المسائل الفقهية، اعتُبرت مستقلة، شملت أنواعًا أو لم تشمل.

 

والديات: جمع دِيَة؛ وهي في اللغة تعني: حق القتيل.

 

وكلمة "دِيَة" مصدر للفعل ودى، تقول: وَدَيْتُهُ وَدْيًا، أو تقول: وَدَيْتُ القتيل أدِيهِ دِيَة؛ إذا أعطيت دِيَته، فالهاء عِوَض عن الواو، كما في قولهم: شِيَةٌ من الوَشْي.

 

كما تقول: اتَّديت؛ أي: أخذت ديته، وإذا أمرتَ من "ودى"، قلتَ: دِ فلانًا، وللاثنين تقول: دِيَا، وللجماعة تقول: دُوا فلانًا.

 

وفي هذا المعنى ما جاء في حديث القسامة: ((فوَدَاه من إبل الصدقة))؛ أي: أعطى دِيَته.

 

ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أحبوا قادوا، وإن أحبوا وَادَوا))؛ أي: إن شاؤوا اقتصوا، وإن شاؤوا أخذوا الدِّيَة.

 

والدية في اصطلاح الفقهاء - أي شرعًا -: هي اسم للمال، الذي هو بدل النفس.

 

ومعنى كتاب الديات؛ أي: هذا كتاب في بيان أحكام الدية.

 

قال المصنف: "وفي شبه العمد دِيَة مغلظة على العاقلة، وكفَّارة على القاتل، وقد بيَّناه في أول الجنايات".

 

شرح النص:

العمد لغة: القصد.

 

وأما في القتل وسائر الجنايات، فيقصد به ما كان ضد الخطأ.

 

والعمد عند الحنفية معناه: ما تعمد فيه القاتلُ ضرب المقتول بسلاح، أو ما أجري مجرى السلاح في تفريق الأجزاء، كالمحدَّد من الخشب، والحجَر، والنار.

 

ويلاحظ أن المراد بالسلاح هنا: هو ما له نصل من الحديد، أو المعادن؛ كالسيف، والسكين الكبير التي تقطع الجلد، وكل ما يزهق الرُّوح.

 

وهذا هو مراد الفقهاء من كلمة السلاح.

 

وأما ما جرى مجرى السلاح، فيدخل فيه العصا الغليظة، وما كان محددًا من الخشب والحجر أو النار, وما يسمى الآن بـ"البندقية والطبنجة"؛ لأن السلاح اسم جامع لآلة الحرب.

 

وقد قرر الفقهاء أن القتل الواقع بهذه الآلات، إنما هو قتل عمد؛ نظرًا لأن العمد يعني القصد، والقصد من الأمور الباطنة أو الخفية، ولا يوقف عليه إلا بدليله الخارجي، وهو هنا الآلة المستعملة؛ أي: التي وقع بها القتل، فأقيم الاستعمال فيها - "الدليل الخارجى" - مقام القصد - "الأمر الباطني" - كما أقيم السفر مقام الشقة، في إباحة استعمال الرخص الشرعية.

 

وموجب القتل العمد:

الإثم[2]، والقَوَد[3] إلا أن يعفو الأولياء، ولا كفارة فيه.

 

أي يترتب على ارتكاب القتلِ ارتكابُ الذنب، واقتراف الكبيرة، كما يستوجب القِصاص من القاتل، إلا إذا عفا أولياء المقتول عنه، ونظرًا لِما لهذا النوع من القتل من جُرم؛ فإن الحنفية يرون عدم وجوب الكفارة فيه؛ لأنه كبيرة محضة، وفي الكفارة معنى العبادة، فلا يناط بمثلها، كما أن الكفارة من المقادير، وتعيُّنها في الشرع لدفع الأدنى، لا يعينها لدفع الأعلى.

 

ومن موجبات القتل العمد أيضًا: الحرمان من الميراث.

 

وأما شبه العمد:

فقد عرَّفه أبو حنيفة - رحمه الله - بقوله: "أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح، ولا ما أجري مجرى السلاح؛ أي: بما لا يقتل غالبًا".

 

أما الصاحبان، فقد عرَّفوه بأنه: ما تُعمِّد الضرب فيه بما لا يقتل غالبًا؛ كالسوط، والعصا الصغيرة؛ لأن معنى العَمْدية قاصر فيهما، لِما أنه لا يُقتل بهما أو بمثلهما عادة، وقد يقصد بذلك غير القتل كالتأديب ونحوه؛ فكان شبه عمد.

 

وذهب الصاحبان إلى أن القتل إذا وقع بالضرب بحجر كبير، أو خشبة كبيرة، أو عصا كبيرة؛ فهو عمد، وإلى هذا ذهب الشافعي - رحمه الله.

 

وموجب شبه العمد:

الإثم لأنه قتل وهو قاصد في الضرب، والكفارة؛ لأن شِبه العمد يشبه الخطأ، أو هو خطأ؛ نظرًا إلى الآلة، فدخل تحت قوله -تعالى-: ﴿ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ... ﴾ إلخ الآية [النساء: 92].

 

ومن موجبات شِبه العمد أيضًا:

الدية المغلظة على العاقلة، وكذا الحرمان من الميراث؛ وذلك لأن الحرمان من الميراث جزاء القتل، والشبهة في هذا النوع من القتل - أو الشبهة عمومًا - تؤثر في سقوط القِصاص، لكنها لا تؤثر في الحرمان من الميراث.

 

وتغليظ الدية في شبه العمد جعلها من الإبل خاصة، وجعلها أسن من إبل الخطأ وأكبر قيمة، وتقسيمها أرباعًا على النحو التالي:

1- خمس وعشرون بنت مَخَاض[4].

2- وخمس وعشرون بنت لَبُون[5].

3- وخمس وعشرون حِقَّة[6].

4- وخمس وعشرون جَذَعة[7].

 

وسيأتي الكلام تفصيلاً عن تغليظ الدية، وآراء الفقهاء فيه، قريبًا في موضعه من هذا النص.

 

والعاقلة: هم قرابة القاتل من جهة أبيه، ويذكر أن الدية وجبت على العاقلة، وليست في مال القاتل خاصة؛ تخفيفًا على القاتل لأنه لم يكن قاصدًا للقتل، فيكون معذورًا، إلا أن عذره لا يعدم حرمة النفس، وإن كان يسقط عنه القِصاص، فأوجب الشارع الدية؛ صيانة للنفس عن الإهدار، وفي إيجاب كل الدية على القاتل إجحاف به.

 

قال الفقهاء:

وتغريم غير الجاني خارج عن القياس، لكن في الجاهلية كانوا يمنعون من جنى منهم من أولياء القتيل أن يدنوا منه، ويأخذون بثأرهم؛ أي: يحمونه، فجعل الشارع بذل المال بدل تلك النصرة.

 

كما يذكر أن العاقلة كان مفهومها يقتصر في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قَرابة الميت من جهة أبيه أو عشيرته، فلما جاء عمر - رضي الله عنه - وأنشأ الدواوين؛ ضم إلى مفهوم العاقلة السابق أهلَ ديوان الجاني، فأهل ديوان القاتل هم عاقلته، وأرجع ذلك إلى أن نظام العاقلة يقوم على معنى التناصر، وقد كان العرب يتناصرون بأسباب؛ منها: القرابة، والولاء، والحِلف، وغير ذلك، وبقُوا على ذلك إلى زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم، فلما جاء عمر - رضي الله عنه - ودوَّن الدواوين صار التناصر بالدواوين، فأهل كل ديوان ينصر بعضهم بعضًا حتى لو كانوا من قبائل متفرقة.

 

وقد فعل عمر - رضي الله عنه - ذلك بمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم - فكان إجماعًا منهم، وما فعله - رضي الله عنه - على وفاقِ ما قضى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حيث المعنى؛ فإن الصحابة - رضي الله عنهم - علموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى بالعاقلة بالدية على العشيرة، باعتبار النصرة، وفي عهد عمر قد صارت بالديوان، فجعل عمرُ الديةَ على أهل ديوان القاتل؛ لوحدة المعنى بين ما كان في عهده -صلى الله عليه وسلم- وما حدث في عهد عمر.

 

وتقريرًا لما قضى به عمر - رضي الله عنه - ذكر أنه لو كان اليوم قوم تناصُرهم بالحِرَف، فإن عاقلتهم تكون على أهل الحرفة.

 

قاعدة:

يذكر الفقهاء قاعدة في وجوب الدية، فيقولون: كل دِيَة وجبت بالقتل ابتداءً، لا بمعنى يحدث من بعد، فهي على العاقلة؛ اعتبارًا بالخطأ.

 

واحترزوا بقولهم: "لا بمعنى يحدُثُ من بعدُ"، عن الدية التي تتقرر، أو تجب في مال القاتل وحده، وهي الدية الحاصلة بسبب الصلح عن القِصاص في القتل العمد إلى الدية.

 

فمعروف أن الواجب ابتداءً في القتل العمد هو القصاص، وللقاتل أن يصالح أولياء على الدية؛ فالدية في هذه الحالة لم تجب بالقتل ابتداءً كما في شِبه العمد؛ بل وجبت بمعنى حادث بعد القتل، أو بمعنى زائد على فعل القتل، وهذا المعنى هو التصالح الذي تم بين الجاني وأولياء المقتول، والذي نتج عنه تحول العقوبة من القصاص إلى الدية.

 

كما يقصد أيضًا: "بالمعنى الذي يحدث من بعد"؛ عفو البعض عن القصاص، فهنا يتعين الواجب في دفع الدية؛ لأن القصاص لا يتجزأ، وقد أسقط بعضهم حقهم في القصاص بعفوهم عن الجاني؛ فسقط القصاص في حقهم جميعًا، وتعيَّنت العقوبة في الدية؛ لأن القاعدة أن إسقاط البعض فيما لا يتجزأ، كإسقاط الكل.

 

فهذه الدية تجب في مال الجاني؛ لأنها وجبت بمعنى آخر غير القتل، وكذلك الحال في الدية التي تجب بسبب تعذر استيفاء القِصاص لشبهةٍ كقتل الأب ابنه؛ فإن القِصاص لا يجوز على الأب؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يُقاد والدٌ بولده))، ففي كل هذه الأحوال نجد أن الدية لم تجب بالقتل ابتداءً، بل وجبت بمعنى حدث من بعد، وهذا النوع من الدية يجب في مال القاتل في ثلاث سنين.

 

ومعنى قولهم: "اعتبارًا بالخطأ"؛ أي: قياسًا على القتل الخطأ، فوجوب الدية على العاقلة في شبه العمد جاء قياسًا على وجوبها على العاقلة في القتل الخطأ.

 

وقد أخذ البعض من هذا المعنى أن وجوب الدية على العاقلة في شبه العمد ثبت قياسًا على وجوبها على العاقلة في القتل الخطأ، وذلك بجامع أن الدية وجبت في كل منهما بالقتل ابتداءً، لا بمعنى يحدث من بعد.

 

ولم يقتنع بعض الفقهاء بهذا القياس كدليلٍ لوجوب الدية على العاقلة في شبه العمد؛ فقد قال "قاضي زاده" - في تكملة فتح القدير في شرح كتاب الجنايات ما يلى -:

"قوله[8]: والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداءً لا بمعنى يحدث من بعد، فهي على العاقلة اعتبارًا بالخطأ".

 

أقول: مدلول قوله: "اعتبارًا بالخطأ"، أن يكون الأصل في وجوب الدية على العاقلة هو الخطأ، وأن يكون وجوبها عليهم في شبه العمد ثابتًا بالقياس على الخطأ، وليس ذلك بواضح؛ إذ المصنف[9] قال في أوائل كتاب المعاقل[10]: "والأصل في وجوبها على العاقلة قوله - عليه السلام - في حديث حَمَل بن مالك - رضي الله عنه - للأولياء: ((قوموا فَدُوه))[11]؛ انتهى[12].

 

وقد كانت الجناية في حديث حَمَل بن مالك شبه عمد لا خطأ، فإن تفصيلَه على ما ذكره الشرَّاح قاطبة في فصل الجنين من كتاب الديات: أنه روي عن حَمَل بن مالك قال: "كنت بين ضرَّتين فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط[13]، أو بمِسطح خيمة فألقت جنينًا ميتًا، فاختصم أولياؤها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال - عليه السلام - لأولياء الضاربة: ((دُوه))، فقال أخوها: أتدِي من لا صاح ولا استهل، ولا شَرِب ولا أكل، ومثل ذلك يُطَلُّ؛ فقال - عليه السلام -: ((أسجعٌ كسجع الكهَّان)) - وفي رواية -: ((دعني وأراجيزَ العرب، قوموا فَدُوه))، وهكذا ذكر في المبسوط أيضًا.

 

ولا ريب أن قضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالدية على العاقلة على ما ذكروا في تفصيل ذلك في الحديث، إنما كان بجناية شبه العمد دون الخطأ، فكان وجوب الدية على العاقلة في شبه العمد ثابتًا بالنص دون القياس، وكان الأصل في هذا الحكم هو شبه العمد، لا الخطأ؛ فتأمَّل".

 

"فقاضي زاده" يذهب بهذا التحليل الفقهي إلى أن وجوب الدية على العاقلة، إنما هو ثابت نصًّا لا قياسًا.

 

أما صاحب الهداية، فمدلول قوله: "إنها ثابتة بالقياس"، ولا مانع لدينا من أن يكون وجوب الدية على العاقلة ثابتًا بالنص والقياس؛ فكلا الدليلين يقوِّي بعضه بعضًا.

 

وكل ما ذكرناه من أول النص هو شرح لقول المصنف السابق، لا سيما ما عزا بيانه إلى كتاب الجنايات، بقوله: "وقد بيَّناه في أول الجنايات".

 

كفارة شبه العمد:

قال المصنف: "وكفارته عتق رقبة مؤمنة"؛ لقوله -تعالى-: ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾ [النساء: 92]، الآية"؛ ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ﴾ [النساء: 92] بهذا النص، "ولا يُجزئ فيه الإطعامُ"؛ لأنه لم يَرِد به نص، والمقادير تعرف بالتوقيف؛ ولأنه جعل المذكور كل الواجب بحرف الفاء، أو لكونه كل المذكور على ما عُرِف، "ويجزئه رضيعٌ أحدُ أبويه مسلِم"؛ لأنه مسلِمٌ به، والظاهر بسلامة أطرافه، "ولا يجزئ ما في البطن"؛ لأنه لا تعرف حياته ولا سلامته، قال: "وهو الكفارة في الخطأ"، لما تلوناه".

"ش"

يشير المصنف في هذا النص إلى الكلام عن الكفارة، كأحد موجبات القتل شبه العمد عند الحنفية، فيبيِّن أن هذه الكفارة إنما تتحقَّق بعتق رقبة مؤمنة، وعند عدم وجود هذه الرقبة، فعليه صيام شهرين متتابعين، ولا يجزئ في هذه الكفارة الإطعام على الرغم من إجزائه في كفارات الصوم والظِّهار واليمين.

 

ويلاحظ أن الكفارة هنا على الترتيب لا على التخيير، بمعنى أنه لا ينتقل من العتق إلى الصيام إلا عند عدم وجود من يعتقه، فإذا وجد من يعتقه ولم يعتق ولكنه صام؛ فإن هذا الصوم لا يجزئه، ولا تسقط عنه الكفارة، كما يلاحظ أنه يشترط في صوم هذه الكفارة التتابع، وقد استدل به الحنفية على هذه الكفارة بقوله -تعالى-: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا... ﴾ [النساء: 92] إلى قوله -تعالى-: ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 92].

 

فالحنفية يستدلون بهذه الآية على كفارة شبه العمد، كأحد موجبات هذا القتل، والآية وإن كانت واردة في كفارة القتل الخطأ، إلا أن الحنفية قرَّروا هذه الكفارة في القتل شبه العمد أيضًا؛ وذلك نظرًا لما في هذا النوع من القتل من معنى الخطأ؛ حيث إن الجاني فيه وإن تعمد الضرب إلا أنه لم يقصد القتل، فهو عمد من جهة الفعل، إلا أنه خطأ من حيث النتيجة أو الأثر، وبالتالي كان فيه معنى الخطأ.

 

ومعلوم أن موجبات القتل شبه العمد: الدية المغلظة على العاقلة، وعتق رقبة على القاتل، وعند عدم وجود الرقبة يتعين عليه صيام شهرين متتابعين.

 

وقد بدأ المصنف كلامه عن الكفَّارة الواجبة على القاتل، كأحد موجبات القتل شبه العمد، فيبيِّن أن هذه الكفارة تتحدد فقط في أمرين، هما: عتق الرقبة، وصيام شهرين متتابعين في حالة عدم وجود الرقبة.

 

وأما الإطعام فلا يجزئ هنا، واستدلوا على ذلك كله بالآية السابقة.

 

ووجه استدلالهم من الآية، يتحدد في عدة وجوه:

الأول: أن الآية قد نصَّت على ما يجزئ في كفارة شبه العمد، فذكرت العتق والصوم عند انعدام الرقبة، ولم تذكر الإطعام؛ وبذلك فالإطعام لم يَرِد به نص، وبالتالي فلا يتقرَّر الإطعام كأحد أوجه الكفارة هنا؛ لأنه من المقادير، وهي تعرف بالنص والسماع، ولا مجال للرأي فيها.

 

الثاني: وهو بالنظر إلى فاء الجزاء الواردة في قوله -تعالى-: ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾؛ فالشراح يرون أن الواقع بعد فاء الجزاء، يجب أن يكون كل الجزاء؛ لأنه لو لم يكن كذلك لالتبس الأمر، فلا يعلم هل هو كل الجزاء أو بقي شيء، ومثل ذلك مخلٌّ، ألا ترى أنه لو قال لامرأته: إن دخلتِ الدار فأنت طالق، وفي نيته أن يقول: وعبدي حر لكنه لم يقل - أي: وعبدي حر - فلا يكون الجزاء إلا المذكور لئلا يختلَّ الفهم.

 

أما الوجه الثالث، فهو بالنظر إلى ما ذكر في الآية الكريمة، بمعنى أنه لو كان غير ما ذكر في الآية مرادًا لذكرته الآية، فلما لم تذكرْه لم يكن مرادًا؛ لأنها سكتت عنه، ولأنه موضع بيان، والسكوت في موضع الحاجة إلى البيان بيانٌ، كما هو معروف في أصول الفقه، وهذا معنى قوله: "... أو لكونه كل المذكور على ما عرف"؛ أي: ما عرف في أصول الفقه، وهو ما ذكرته حالاً.

 

ثم أشار المصنف في ذات النص إلى ما يشترط في الرقبة المعتقة، فذكر أنه يجزئ فيها رضيع، لكن يشترط أن يكون أحدُ أبويه مسلِمًا على الأقل، وسلامة الأطراف، فشرطُ هذا الإعتاق الإسلامُ، وهو يحصل بأن يكون أحد الأبوين مسلمًا؛ لأن القاعدة أن المولود يتبع خيرَ الأبوين دينًا، ويتبع الأم في الرق والحرية، وأن يكون هذا المعتَق سليمَ الأطراف، وسلامة الأطراف تعرف بالظهور؛ إذ الظاهر سلامة أطرافه، ومن هنا فلا يجزئ في الإعتاق الجنينُ أو ما في البطن؛ لأنه لا تعرف حياته، ولا سلامته.

 

وأما قوله في النص: "وهو الكفارة في الخطأ لما تلونا"؛ أي: ما ذكر من الإعتاق والصوم على أنهما كفارة في القتل شبه العمد، هو الكفارة في القتل الخطأ أيضًا؛ حيث لا يجزئ في كفارة القتل الخطأ سوى الإعتاق، والصوم عند انعدام وجود الرقبة؛ وذلك لِما تلونا من الآية الكريمة السابق ذكرها.

 

"ص" قال المصنف: "ودِيَته عند أبي حنيفة وأبي يوسف مائة من الإبل أرباعًا: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لَبُون، وخمس وعشرون حِقَّة، وخمس وعشرون جَذَعة".

 

وقال محمد والشافعي أثلاثًا: ثلاثون جَذَعة، وثلاثون حِقَّة، وأربعون ثَنيَّة، كلها خلِفات في بطونها أولادها؛ لقوله - عليه السلام -: ((ألا إن قتيل خطأ العمد، قتيل السوط والعصا، وفيه مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها، وعن عمر ثلاثون حِقَّة، وثلاثون جَذَعة؛ ولأن دية شبه العمد أغلظ، وذلك فيما قلنا، ولهما قوله - عليه السلام -: ((في نفس المؤمن مائة من الإبل)).

 

وما روياه غير ثابت؛ لاختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - في صفة التغليظ، وابن مسعود - رضي الله عنه - قال بالتغليظ أرباعًا، كما ذكرنا، وهو كالمرفوع، فيعارضه به".

 

"س" بعد أن تكلم المصنف عن الكفارة كأحد موجبات القتل شبه العمد، أخذ في الكلام عن الدية، ويلاحظ من النص المذكور أن هناك اتفاقًا بين الفقهاء على تغليظ الدية في القتل شبه العمد؛ أي: إن الدية في شبه العمد هي دية مغلظة بالاتفاق، بخلاف الدية في القتل الخطأ؛ حيث إنها في الأخير مخفَّفة؛ وذلك لأن الخطأ أخف، فناسبه التخفيف، وصفة التخفيف سنبيِّنها عند الكلام عن الدية في القتل الخطأ.

 

وعلى الرغم من أن تغليظ الدية في شبه العمد أمرٌ متفق عليه، إلا أن الفقهاء اختلفوا في صفة التغليظ؛ فالبعض يرى أن التغليظ يتحقَّق بتقسيم الدية إلى أرباع، بينما البعض الآخر يرى أن التغليظ لا يتحقق إلا بتقسيمها أثلاثًا، والقائل بالتقسيم الرباعي هو أبو حنيفة وأبو يوسف، بينما ذهب إلى القول بالتقسيم الثُّلاثي محمد والشافعي - رحمهم الله جميعًا - كما هو مشار إليه في النص، وها نحن نستعرض - بشيء من التفصيل - آراء الفقهاء في صفة التغليظ وأدلتَهم.



[2] لقوله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

[3] لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى... ﴾ [البقرة: 178].

[4] بنت المخاض: هي التي أتى عليها حول، ودخلت في الثاني، وحملت أمها.

والماخض الحامل، أو من دخل وقت حملها، وإن لم تحمل.

[5] بنت اللَّبُون: هي التي دخلت في ثالث سنة، فصارت أمها لبونًا بوضع الحمل.

[6] الحِقَّة: هي أنثى الإبل، التي أتت عليها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة.

[7] الجَذَعة: هي أنثى الإبل، التي أتت عليها أربع سنوات ودخلت في الخامسة، وقد سميت بذلك؛ لأنها أجذعت مقدم أسنانها؛ أي: أسقطته.

[8] المراد به: صاحب الهداية الإمام المرغيناني.

[9] المقصود به: الإمام المرغيناني أيضًا.

[10] المعاقل: جمع مَعقُلة - بفتح الميم وضم القاف - ومعناها: العقل؛ أي: الدية، وقد سميت الدية عقلاً؛ لأنها تعقِل الدماء من أن تسفك، ولأن الدية إذا أخذت من الإبل كلِّف القاتل بسوقها إلى فناء ورثة المقتول، فيعقِلها بالعقل، ويسلمها إلى أوليائه، والفقهاء في كتاب المعاقل يبحثون معرفة من يتحمل الدية من العاقلة.

[11] أي: قوموا فأعطوا ديته.

[12] راجع كتاب المعاقل من الهداية للمرغيناني.

[13] المقصود بكلمة فسطاط هنا: بيت من الشَّعر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القرآن لا يقول إلا حقًّا
  • لا تحقرن من المعروف شيئا
  • الديات (2)
  • الديات (3)
  • الديات (4)
  • ( الجنايات والديات ) من بلوغ المرام
  • مقادير ديات النفس
  • دية الأعضاء ومنافعها
  • الشجاج وكسر العظام
  • العاقلة وما تحمله

مختارات من الشبكة

  • الديات في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المغالاة في الديات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التطبيقات الفقهية لقاعدة "اليسير مغتفر" في الديات والحدود والأطعمة والأيمان والقضاء(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الديات(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • العتيق (ج2) كتاب الحدود، الديات، الأيمان والنذور، القسامة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • دية المرأة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحكام الدية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين (بطاقة)(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • قول ابن عباس في آية فدية العاجز عن الصوم: ليست بمنسوخة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب