• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

النقد الفني لمشروع ترتيب القرآن حسب نزوله (2)

محمد عبدالله دراز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/2/2013 ميلادي - 9/4/1434 هجري

الزيارات: 10439

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النقد الفني لمشروع ترتيب القرآن الكريم حسب نزوله (2)

نقلا عن مجلة الأزهر

تقرير - مرفوع إلى إدارة الأزهر الشريف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن هذا المنهج القرآني في تلوين البيان وتنويع العلوم من أهم المقاصد البلاغية؛ تشويقًا إلى الحديث، وتَطْرِية للنشاط، وترويحًا للنفس من عَناء العلائق البشرية، وصعودًا بها بين الفَينة والفينة إلى الملأ الأعلى وإلى الحياة الباقية، بل هو كذلك من أحكم وسائل التربية العملية؛ لأن رد الفروع إلى أصولها، وبناء القواعد العملية على دعائمها الأولى العقلية والوجدانية - من شأنه أن يمكن العقول والقلوب من هضم القوانين وتمثُّلها، وأن يحول النفوس إلى قوى محركة تمد الإرادات بأقوى بواعثها.

 

وليس الانتقال من أحد النوعين إلى الآخر كما ظن المؤلف، انتقالاً إلى مقصد جديد أو إلى جو غريب، فإِن مقاصد القرآن وأهدافه في السور المكية والمدنية واحدة، وهي إصلاح العقائد، وتنظيم مناهج السلوك للأفراد والجماعات، وإنما يفترق المكي عن المدني بالاجمال والتفصيل، وكما لا غنى للقواعد الكلية عن رسم طرقها العملية، كذلك لا غنى عن الاستناد إلى قواعدها الكلية، والاستمداد من ينابيعها النفسية العميقة؛ ولذلك بُني نظم القرآن في آياته وفي سوره على وجه من التداخل والتعانق بين الاعتقاديات والعمليات والبواعث والزواجر؛ بحيث يظاهر بعضها بعضًا على تقرير كل واحدة منها، وتثبيتها في النفوس، ومن هنا كان القرآن أحسن الحديث؛ كما وصفه الله: ﴿ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23].

 

(2)

أما قول المؤلف: إن الوضع الحالي للسور مخل بحكمة التدرج في التشريع، فهو انتقال نظر يدل على غفلة عظيمة، وخلط بين مقامين مختلفين: مقام التنزيل والتعليم، ومقام التدوين والترتيل، وهما مقامان قد وضعا من أول يوم لتحقيق غرضين متفاوتين، فكان أولهما يعتمد حاجات التشريع، وثانيهما يرتبط بحاجات الوضع البياني.

 

وإن مراعاة إحدى الحاجتين في موضع الأخرى، ليس من الحكمة في شيء، بل هو وضع للأمور في غير موضعها.

 

ولما كان حضرته يميل إلى الأسلوب التصويري، ويحب ضرب الأمثال، وقد ضرب لنا مثلاً بالأبجدية والنحو والبلاغة، حق علينا أن نضرب له المثل الحق الذي هو أحسن تفسيرًا في هذه القضية:

رجل يريد أن يبتني بيتًا لسكناه، فجعل يجتلب تباعًا كل ما هو بسبيل من تحقيق غايته، غير مبال بأن يشتري أجزاء العرش والسقف قبل الأسس والجدران، أو يستورد أدوات الارتفاق قبل مواد البناء، متتبعًا في كل ذلك فرصة توفر الثمن لديه، ووجود المواد في السوق، وسهولة وسائل النقل، إلى غير ذلك من ظروف احتياجه، وضروب إمكانه، فهل من الحكمة أن يضع البناء هذه الأجزاء في البنيان على حسب تاريخ ورودها؟ أو الواجب أن يضع كل جزء منها في مكانه اللائق به، وفقًا لرسم هندسي معلوم، مهما خالف ترتيبه الزماني؟

 

كذلك كان نزول القرآن منجمًا على حسب حاجات النفوس من الإِصلاح والتعليم، ورُوعيت في ذلك حكمة التدرُّج والترقي في التشريع على أحسن الوجوه وأكملها، ولكن هذه النجوم في الوقت نفسه لم تترك مبعثرة منعزلاً بعضها عن بعض، بل أريد لها أن تكون فصولاً من أبواب اسمها السور، وأن تكون هذه الأبواب أجزاءً من ديوان اسمه القرآن، فكان لا بد أن يراعى في مواقعها من هذا البنيان معنًى آخر غير ترتيبها الزماني، بحيث يأتلف من كل مجموعة منها باب، ويأتلف من جملة الأبواب كتاب، ولا يكون ذلك إلا إذا ألفت على وجه هندسي منطقي بليغ، تبرز به وحدتها البيانية في مظهر لا يقل جمالاً وإحكامًا عنها في وضعها الإفرادي التعليمي.

 

وكانت الآية الكبرى في أمر هذا التأليف القرآني، أنه كان يتم في كل نجم فور نزوله، فكان يوضع هذا النجم توًّا في سورة ما، وفي مكان ما من تلك السورة، وكذلك كان يفعل بسائر النجوم، فتفرق فور نزولها على السور؛ مما يدل قطعًا على أنه كانت هناك خطة مرسومة، ونظام سابق محدود، لا لكل سورة وحدها، بل لمجموعة السور كلها، وهذا وحده - لو تأملناه - من أعظم الأدلة البرهانية على أن القرآن ليس من صُنع هذا البشر الذي لا يدري ما يكون في الغد، فضلاً عن أن يعلم ما ستأتي به الحوادث في مجرى حياته كلها، فضلاً عن أن يعرف النظام الذي سيجيء عليه البيان في شأن هذه الحوادث ليهيِّئ له مكانه قبل مجيئه، فضلاً عن أن يعلم أنه سيعيش حتى تأخذ كل صورة وضعها الكامل، ويأخذ القرآن نظامه الشامل، وحتى يكون انتقاله إلى الرفيق الأعلى عقب إعلانه بأن مهمته قد انتهت، هكذا يدل كل شيء على أن عناية الله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، كانت هي التي تُهيمن على تنزيل هذه النجوم القرآنية، وعلى ترتيبها حتى بلغت تمامها، وأن هذا الترتيب المكاني المستقل عن ترتيبها الزماني، قد كان مقصودًا لحكمة البتَّة، عرف هذه الحكمة من عرفها، وجهلها من جهلها.

 

ولقد اعترف المؤلف بأنه من أهل القسم الثاني؛ حيث قال في صدر رسالته: "ما الحكمة من ترتيب السور على هذا النحو؟"، ثم أجاب بقوله: "لست أدري"، فكان ذلك منه إنصافًا محمودًا، وكان الوضع السليم الذي يقضي به منطق هذا الاعتراف أن يسلك إحدى خطتين: فإما أن يتوقف عن البحث في حكمة هذا الترتيب، ويقول كما يقول الراسخون في العلم: "آمنَّا به كل من عند ربنا"، وإما أن يلتمس من أهل الذكر بيانًا يكشف عنه بعض الغُمة، ولكنه لم يصنع هذا ولا ذاك، بل أسرع فاستنبط من الجهل علمًا، ومن الشك يقينًا، ودعا إلى التغيير قبل أن يتثبت من صواب قصده، فكان كالذين قال الله فيهم: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ [يونس: 39].

 

(3)

وهنا لا يسعنا إلا أن نوجه لحضرته نصيحة رشيدة، نمهد لها بمقدمة صغيرة.

 

أما المقدمة، فهي أن التفقُّه في القرآن ينبغي أن يكون على ثلاث مراحل متصاعدة، لا تستقدم واحدة منها عن موضعها ولا تستأخر، (المرحلة الأولى): فهم مسائل القرآن مسألة مسألة، والتفقه في أمرها ونهْيها، وحلالها وحرامها، ومواعظها وعِبَرها، ثم التحلي بآدابها، والوقوف عند حدودها، (المرحلة الثانية): النظر في جملة مسائل السورة على أنها أجزاء من وحدة مستقلة يرتبط بعضها ببعض في نظام واحد، ويأخذ كل منها في الوحدة وضعًا معينًا يناسبه.

 

(المرحلة الثالثة) النظر في مجموع سور القرآن على أنها أبواب من ديوان واحد قد قصد إلى ترتيبها فيه على هذا النحو.

 

مثل ذلك مثل الناظر في علم التشريح: لا يبحث في العلاقة بين جهاز وجهاز، حتى يعرف أعضاء كل جهاز على حِدته، ولا يبحث في الأربطة والوشائج التي بين هذه الأعضاء قبل أن يدرس تركيب العضو، ويستبين أنسجته وخلاياه.

 

فكما أن الذي يسأل عن حكمة وضع العينين في مقدم الوجه، ووضع الأذنين في جانبيه، قبل أن يعرف تشريح العين والأذن يعد مشتغلاً بنوع من الترف العقلي، قبل أن يحصل على جواهر العلم ولبابة، كذلك الذي يسأل عن حكمة تقديم سورة وتأخير أخرى، يقال له: اذهب فأتْقِن فهَم الآية والسورة أولاً، ثم تعالَ فانظر في حكمة ترتيب السور، فهذا من زينة العلم وحليته، وذاك من مبادئه وأولياته، وإن مخالفة المنهج في هذه الدراسة يُعد من عكس الوضع السليم، كالجائع الذي لا يجد كِسرة يسد بها رَمقه، يشيع وقته في البحث عن الأزهار والرياحين، أو كالمدين المستغرق الذي ينفق ماله على الفقراء قبل أن يؤدي حق الغرماء.

 

إذا تمهد هذا فلينظر صاحب هذه الدعوة الجديدة في أي مرحلة هو من هذه المراحل، وليضع نفسه حيث يحق له من مراتب أهل البحث والدرس.

 

فإن كان لا يزال بعد في إحدى المرحلتين الأوليين، وجب عليه أن يتريث في السير إلى المرحلة الأخيرة، وأن يكتفي بها مؤقتًا بأن يعلم إجمالاً أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه كان يرتِّل القرآن في الصلوات، وفي العرض في رمضان وغيره على هذا الترتيب، وأنه جعل: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] أول القرآن، وسماها فاتحة الكتاب في الأحاديث الصحيحة الثابتة، مع أنها ليست أول ما أنزل، وأنه كان يبين لأصحابه موضع السورة من الكتاب، كما كان يبين لأصحابه موضع الآية من السورة، فهو إذا وضع مقصود لمغزى يعلمه واضعه، ولا يضر أحدًا الجهل به. ومن بدا له أن يجوز تبديل هذا الوضع؛ لأنه لا يعرف حكمته - كان كمن لم يفهم حكمة وضع العينين في مقدم الرأس، فظن أنه كان الأنسب أن توضع إحداهما في الوجه والأخرى في القفا ليرى الإِنسان بهما من أمامه ومن خلفه على السواء، فإن هو حاول تحقيق هذه الفكرة عمليًّا عاكس الطباع، وأفسد الأوضاع؛ ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنون: 71].

 

ألا وإن الشأن في التنزيل كالشأن في التكوين، كلاهما من صنع الحكيم الخبير الذي أحاط بكل شيء علمًا، فكما أنه لا تبديل لخلق الله؛ كذلك لا تبديل لكلماته؛ ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115].

 

أما إن كان قد حذق مسائل القرآن مسألةً مسألة، ووقف على سر نظم الآيات في سورها آية آية، واشتهى بعد ذلك أن يعرف الوجه في ترتيب السور، فليعلم أن للناس في ذلك مسالكَ من النظر بعضها أعمق وأدق من بعض.

 

ولعل أدنى هذه المسالك وأيسرها قول بعض المستشرقين: إنه رُوعِي في هذا الترتيب في الجملة البدء بأطول السور، ثم بأوسطها، ثم بأقصرها، فهذا وجه من النظر لا يخلو من الصواب؛ لأن شأن المبتدئ في التلاوة أن يكون أجمَّ نشاطًا، وأوفر رغبة، وأتم استعدادًا لقراءة المقالات الضافية، ثم تأخذ قوته في التناقص تدريجيًّا، بسبب ما يعتري الطبع الإِنساني من الفتور والتراخي، فقدرت السور على حسب الطاقة والنشاط؛ من المئين، إلى العشرات، إلى الآحاد.

 

ولكن هذا التوجيه - كما ترى - سطحي يقيس السور بعدد كلماتها وجملها، لا بالقرابة بين معانيها وأساليبها.

 

ولو أننا جاوزنا هذه القشرة السطحية ونفذنا منها إلى المعاني والأساليب، لوجدنا ضروبًا أخرى من التسلسل التعليمي والبياني، تلتحم فيه السورة مع ما قبلها وما بعدها في أحسن وضع وأحكمه.

 

ولقد رأينا آنفًا كيف أن سورتي الأحقاف ومحمد قد تجاوبت مطالعهما، وتطابقت مقاطعهما، مع أنهما من فصيلتين مختلفتين في تواريخ النزول.

 

هذا ضرب من الاقتران على وجه التوازي والمحاذاة، وضرب آخر من الانسجام يصِح أن نسميه نظام السلاليم، أو أسلوب الحال المرتحل، وهو أن يكون المعنى الذي انتهت إليه سورة من السور هو نفسه المعنى الذي يفتتح السورة التي تَليها؛ انظر مثلاً إلى سورة الواقعة المكية، كيف ختمت بقوله تعالى: ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة: 74]، وكيف حسن مجيء سورة الحديد المدنية بعدها؛ حيث تفتح بقوله: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 1]، وهكذا كان قوله: ﴿ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾ [الطور: 49] جسرًا إلى قوله: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ [النجم: 1]، وقوله: ﴿ أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ ﴾ [النجم: 57] سُلَّمًا إلى قوله: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: 1]، وقوله: ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 55] سببًا ممدودًا إلى قوله: ﴿ الرَّحْمَنُ... ﴾، وهناك وجوه أُخر من التسلسل أعمق وأدقُّ يهتدي إليها من جعَل همَّه تدبُّر آيات الله.

 

وبحسبنا في هذه العجالة أن نعالج الشبهة التي علَّقت بصدر المؤلف، حين لم يفهم الحكمة في وضع الفاتحة في أول القرآن، ووضْع بعض السور القِصار في آخره، وأن نلفت نظره إلى أن كلاًّ من البدء والختام قد وقع موقعه الرصين، ووضع في قراره المكين، وأن المؤلفين حتى يومنا هذا ما زالوا يترسمون في مطالع كتبهم ومقاطعها في هذا المنهج المثالي القرآني.

 

فموقع سورة الفاتحة من القرآن كله موقع الفهرس الذي يعرض بإِيجاز محتويات الكتاب قبل الدخول في تفصيله، فكل شيء في القرآن من الإلهيات، والنبوات، والمعاد، والأعمال، والأخلاق، وعبر التاريخ، قد وضعت مفاتيحه في هذه الكلمات القليلة بأسلوب لا يبدو عليه طابع العد والسرد، وإنما هو ماء الحياة ينساب في جداوله غذاءً للعقول والأرواح، فلا يمل ولا يخلق على كثرة الترداد.

 

ثم إن لهذه السورة - وراء موقعها من جملة القرآن - موقعًا خاصًّا من السورة التي بعدها، هو موقع الديباجة التي تبيِّن وجه الحاجة إلى التعليم الذي يليها؛ وذلك أنها صورة المؤمنين باسطي أيديهم ملتمسين الهداية من واهبها: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، فكان حقًّا على المسؤول القريب الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، أن يتلقى هذا الدعاء بالقبول، وهكذا جاءت سورة البقرة معلنة في بدايتها أنها ستسد هذه الحاجة وستحقق هذا الملتمس: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2].

 

أرأيت لو أننا وضعنا الفاتحة على ترتيب نزولها كما يريد المؤلف بين سورتي المدثر وأبي لهب؛ كيف كان ينبو بها موضعها، وتنقطع صلتها بما قبلها وما بعدها، وكيف كانت تفوت هذه المجاوبة الروحية بين الداعي والمدعو، وكيف كان يصبح القرآن كتابًا بغير فهرس، بل جسمًا بلا رأس؟

 

أما السور السبع القصار، فإِنها كلها تحمل طابع الختم والإنهاء، وإن النفس الذي يجري فيها لينادي بأنها كلها أشبه شيء بوصية المودع، فانظر إلى سورة (الكوثر) حين قضى الوحي مفصلاً كيف التفتت إليه في نظرة جامعة؛ لتعرف الرسول بمقدار ما انطوى عليه القرآن من النعمة الكبرى والخير العميم: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [الكوثر: 1]، فكان ذلك أحسن فذلكة يختم بها كتاب، وينوِّه بشأنه، ولما كان تعريف الرسول بنفاسة ما وصل إلى يديه ليس امتنانًا عليه فحسب، بل هو تحريض خفي له على الحرص على تلك الهدية، لا جرَم جاءت السورة التي تليها مقفية على هذا التقريظ بالأمر المؤكد بالاستمساك بهذا الدين، وعدم التحول عنه مهما لَجَّ المعاندون: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ... ﴾ [الكافرون: 1، 2]، وكان طبيعيًّا بعد هذا الأمر والنهي، وبعد تقسيم الناس هكذا إلى معسكرين منفصلين في شأن الدين - أن تقرر عاقبة كل منهما، فأشارت إحدى السورتين التاليتين إلى عاقبة المتقين المستمسكين بما جاءهم: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]، وأشارت الأخرى إلى عاقبة أعدائهم وشانئيهم: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1]، ولم يكن هذا الأخير إلا تطبيقًا لقاعدة كلية مهدت له آنفًا في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3].


ثم كان مسك الختام أن بورك هذا الكتاب وحصن التحصين السماوي المنيع، وذلك بطلب الالتجاء إلى الإِله الأحد الصمد في أن يحفظ للعالم هذه الهداية العظمى برغم حسد الحاسدين، ووسوسة الموسوسين، الذين يلقون الشبهات في صدور الناس ليصدوهم عن سبيل الله.


هذا نموذج من نسق السور كما رتبها الله: طاب بدءًا وختامًا، وحَسُن مرتحلاً ومقامًا، ولا غَرْوَ فهو تنزيل الحكيم الحميد، ومن أحسن من الله حديثًا.

 

ونعود الآن فنعترض جدلاً أن ترتيب السور لم يكن بتوقيف النهي، ولا بتوقيف نبوي، وأنه كان من عمل الصحابة باجتهاد منهم، ألا يكفينا في حرمته وقداسته أنه استقر عليه إجماع المسلمين من بعدهم؟

 

إن اليهود والنصارى - وقد أصاب كتبهم ما أصابها من تعدد النسخ واختلافها - يحسدون المسلمين على أن لهم كتابًا موحدًا لا يختلف فيه حرف واحد عند سني ولا شيعي منذ أربعة عشر قرنًا، ولا يختلف فيه وضع سورة في نسخة عن وضعها في أخرى، بل إن علماءهم يغبطوننا على وجود بعض ألفات أو لامات زائدة في رسم المصحف، وعلى انفصال بعض كلمات شأنها أن توصل، واتصال كلمات شأنها أن تفصل، ونحو ذلك من الرسوم القرآنية المخالفة للرسم الإملائي المقرر في كتب النحو والصرف، ويستدلون ببقاء هذا كله في المصاحف الإسلامية - برغم اختلاف العصور وتطور العلوم - على مبلغ القدسية التي أحاط المسلمون بها كتابهم من أول يوم، وعلى أن النص الذي تلقوه من نبيهم بقي كما هو لم تنَله يد قط بأدنى تغيير أو تبديل، مع وجود الحاجة إلى بعض هذه التعديلات؛ تسهيلاً على المبتدئين، أفنجيء نحن اليوم - بغير ضرورة ولا فائدة، بل إفساد واتباع للهوى - فنُضيع بأيدينا هذه الحجة القائمة، وتفتح مجال الشبهة أمام العصور المقبلة، فيقول قائل منهم: "إنه لم تبق لنا ثقة بأن هذا الكتاب بقي في كل العصور بعيدًا عن كل تبديل؛ لأنه في العصر الفلاني قد غيرت أوضاع السور فيه، فلعله قد أصابته قبل ذلك تعديلات أخرى لم تصل إلينا أنباؤها؟".

 

وجملة القول أن الدعوة إلى تغيير ترتيب السور دعوة لا يقرها عقل ولا نقل؛ لأنها قبل كل شيء دعوة إلى بدعة خارقة لإِجماع المسلمين، يُحرف بها الكلم عن مواضعه التي وضعه الله فيها، ولأنها محاولة لن يكون من ورائها إلا إفساد النسق وتشويه جماله، ونقض بنيانه المحكم الوثيق، ثم لأنها فتح باب للشهية في حفظ الذكر الذي ضمن الله حفظه، فهي إذًا دعوة لا يستجاب لها، ولا يجوز أن يمكن أحد من تحقيقها.

 

بقي أن نقول رأينا فيما ينبغي أن يتبع في شأن المؤلف وتأليفه.

 

إننا لسنا من أنصار سياسة الكبت وتكميم الأفواه والأقلام، والتسرع بمصادرة الكتب والآراء المنحرفة في الدين؛ لأنها سياسة قد أثبتت التجارب فشلها، ولأنها بدلاً من أن تطفئ نار الفتنة تشعل أُوارها، وتغري أهل الفضول بتلمس هذه المؤلفات كما تتلمس المهربات، ولأن ضعيف الحجة هو الذي يحاول إسكات خَصمه بالقوة والعنف، وليس الضعف من صفات الحقائق الإسلامية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وأخيرًا لأن هذه السياسة ليست سياسة قرآنية: فإِن الله تعالى أمرنا أن ندعوَ إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نجادل المخالفين بالتي هي أحسن، ثم إنه - سبحانه - لم يترك شبهة ولا فكرة زائغة لأعداء الإسلام إلا سجلها وخلدها في كتابه، وقفَّى عليها بما يدحض باطلها، فكذلك ينبغي فيما ترى أن نقرع كتب المبطلين بالحق الذي يدمغها، ليَهلك من هلك عن بيِّنة ويحيا من حيَّا عن بينة.

 

ونرى في موضوعنا بوجه خاص أن ترسل صورة من هذا البيان إلى المؤلف، وأن نترك له الفرصة الكافية لقراءته وتدبر ما فيه.

 

فأما إن كان من طلاب الإِصلاح بنصفة وحسن نية، فسيكون هو أول من يرجع إلى الحق متى تبين له، وأن من يحافظ على ترتيب القرآن كما رتبه الله، وإن بقيت في نفسه بعض شبهة، فسيسعى إلى حلها باستفتاء أهل الذكر فيها.

 

وأما إن أصر على رأيه لحاجة وهوى في نفسه، فلنترك دعوته تموت بعدم الإِصغاء إليها، فإِن نشط لنشرها وترويجها، وتضليل السذج بمغالطاتها، بعثنا عليه جنودًا من حجج الحق نتعقب بها فلول باطله، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة.

 

ونحن على كل حال واقفون بالمرصاد لكل من أراد تبديل شيء في كتاب الله، والله غالب على أمره، والسلام على من اتبع الهدى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النقد الفني لمشروع ترتيب القرآن حسب نزوله (1)
  • النقد الفني لمشروع ترتيب القرآن حسب نزوله (3)

مختارات من الشبكة

  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضايا البناء الفني في النقد الأدبي خلال القرن الثامن الهجري (WORD)(كتاب - الإصدارات والمسابقات)
  • تساؤلات حول النقد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ما الفرق بين أسس وسمات ومقاييس النقد؟(استشارة - الاستشارات)
  • في النقد الأدبي: ما الأدب؟ ما النقد؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النقد من أجل النقد(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مظاهر النقد الأدبي وخصائصه في العصر الجاهلي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • النقد الانتقامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • النقد الهزيل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • "أجمل الأيام" للرابع الابتدائي: بين النقد التعليمي والنقد اللغوي(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
3- نقد رصين
سمر 20-02-2016 01:38 PM

موضوع مهمّ جدا وردّ رصين, جزى الله كل من اهتمّ به خير الجزاء.

2- إنها معجزة
حسان العنزي - المملكة العربية السعودية 11-03-2015 12:17 PM

السلام عليكم 
إن نزول القرآن منجما حسب الحوادث ثم جعله مرتبا حسب المعاني
هو أكبر آية أن القرآن منزل من الله تعالى
وكيف ذلك؟
نعم لقد كان بنو إسرائيل وهم أهل كتاب يتربصون الأخطاء حسدا من عند أنفسهم كما أن مجرمي العرب أيضا ينتظرون الزلل بهذا ولكن هيهات
ألا ترون معي أنك لوأردت أن تؤلف كتابا كيف تحتاج إلى ترتيب أقكارك وترتيب مواضيعك وجعل مقدمة ونهاية لكي يظهر هذا الكتاب بدون أخطاء وتسلسل أفكار
نعم وإنك ستبذل كل جهدك في التنسيق وإلا كنت محل استهزاء القوم ونقدهم اللاذع
فكيف بكتاب ينزل رتلا رتلا ثم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم النبي الأمي كتبة الوحي أن يحعلوا هذا الرتل في مكان كذا من السورة كذاوكأنه يقرأ من كتاب آخر من نفس النسخة
ولكن هيهات كيف يأخذ من الكتاب النسخة ويجعله ينزل حسب الحوادث
فإن استطاع تأليف النسخة فهل يؤلف الحوادث وأسباب والنزول الخارجة تصرفه صلى الله عليه وسلم
وإن استطاع التصرف في الحوادث فكيف يؤلف كتابا من الحوادث يكون متناسقا تمام التناسق
إنه معجزة من معجزات الرسول ومعجزات القرآن ولا تنسوا أنه كان هناك من يتربص الأخطاء من أهل المنطق والتزوير
نعم نود معرفة الترتيب النزولي لمجرد القدرة على التفريق بين الأرتال كمعاني وهو والله مهم لتدبر القرآن الكريم والتعمق في أجوائه الطاهرة

1- شكرا أستاذ
ابو عمر - الأردن 22-05-2013 10:04 PM

لك كل الشكر أستاذي على هذا الرد العلمي
المقنع والمتسلسل

فكل ما قلته صحيح
ولو فتح الباب لإعادة ترتيب السور سيأتي من يرتب الآيات من بعدها ليختلط الحابل بالنابل
أما لو كان من باب الفهرسة على غرار المعجم المفهرس لألفاظ القرآن والتي قد تعين الباحثين والدارسين ، خاصة وأنني أبحث حاليا في مجموعات آيات سورة البقرة التي نزلت معا. وأسباب نزولها وقد يكون في مثل هكذا تأليف فائدة وعون.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب