• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

الاعتراف بالعواطف الإنسانية

الاعتراف بالعواطف الإنسانية
الشيخ أبو الوفاء محمد درويش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/1/2013 ميلادي - 25/2/1434 هجري

الزيارات: 9482

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاعتراف بالعواطف الإنسانية


لله هذه الشريعة، ما أطهرها! وما أيسرها! شرعها العليم الخبير لتهدي الإنسان إلى سبل السعادة في الدنيا والآخرة، فكلها سماحة ويسر، وخير وبر، وهدى ورحمة.


تأمرنا هذه الشريعة بالرفق في أمرنا كله، ولم تجشمنا عنت المنبت، ولم تكلفنا فوق ما نطيق: قال عليه الصلاة والسلام "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق؛ إن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى"[1].


فما أجمل هذا التشريع وما أعدله!


من الشرائع الأولى ما كان عقوبة للأمم بسيئات تورطوا فيها؛ وآثام أسرفوا في اجتراحها، قال تعالى: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 160 - 161].


وقال تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [الأنعام: 146].


بيَّن تعالى أنه شدد عليهم في التشريع؛ وحرم عليهم طيبات كانت لهم حلالًا طلقًا، وأنـزل لهم شريعة تشعرهم بالحرمان من مشتهياتهم وما يحبون ليسلس قيادهم، ويلين جماحهم، وتخضع أعناقهم الصلبة؛ ويثوبوا إلى الحق؛ ويذعنوا له، ويقلعوا عما أمعنوا فيه من ظلم وبغي وعدوان، وشره يغريهم بأكل الربا الذي حرم عليهم؛ وجشع يدفع إلى التهام أموال الناس بالباطل، وإسراف في الصد عن سبيل الله، والبعد عن الحق والخير.


لقد بلغ من غلوهم في الإعراض عن الحق أنهم لم تكد أقدامهم تجف من ماء البحر يوم فلق الله لهم البحر، وأنقذهم من ظلم فرعون وعسفه وبطشه، حتى قالوا لموسى: اجعل لنا إلهًا نعبده.


لم يُرضهم أن يعبدوا إلهًا حيًا، قادرًا، عليمًا؛ سميعًا؛ بصيرًا؛ لا تدركه الأبصار، ولا تحيط بعظمته العقول، فطلبوا أن يصنع لهم نبيهم وثنًا يعبدونه، وصنمًا تعنوا له وجوههم.


قال تعالى: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [الأعراف: 138 - 141].


هذا الشعب الذي فضله الله على العالمين، ورزقه من الطيبات وأنـزل عليه المن والسلوى، جدير أن يعاقبه الله هذه العقوبة؛ ويحرم عليه الطيبات التي أحلها له، لكفره بنعمة الله، وتماديه في المعصية والعدوان: ﴿ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [المائدة: 80].


أما المطهرة البيضاء؛ خاتمة الشرائع؛ وتاج الدين كله، فقد جاءت تدعو إلى سماحتها ويسرها شعوب الأرض كافة، تبيح لهم الطيبات جميعًا؛ ولا تحرم عليهم إلا الخبائث؛ وتضع عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم، لا تكلفهم إلا وسعهم، لهم ما كسبوا من الخير والبر، وعليهم ما اكتسبوا من الإثم، لا تؤاخذهم إن نسوا أو أخطئوا؛ ولا تحملهم من الأمر ما لا يطيقون.


علم الله تعالى أن النفوس قد أحضرت الشح، وأنه إن يسأل الناس أموالهم فيحفهم يبخلوا ويخرج أضغانهم، وعلم تبارك اسمه أنهم إن لم يمدوا الدولة بالمال، تعرضت لألوان من الشر والفساد، وضعفت عن مقاومة العدو، وثار الفقراء، وأولو الخصاصة بالأغنياء وأولي الطول، وأيقظوا الفتنة النائمة، فهبت صاخبة صارخة، منذرة بالويل والثبور وسوء المصير؛ فدعا الناس إلى البذل؛ دفاعًا عن أنفسهم ودولتهم حتى لا يتعرضوا للهلاك.


قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].


ولكنه لم يطالبهم إلا بنصيب يسير، لا يرزؤهم، ولا يرهقهم من أمرهم عسرًا، هو ربع العشر من المال الذي حال عليه الحول، يصد به عنهم شر الفقراء، ويكف عنهم أذاهم.


وهذا أقل قدر يمكن أن تفرضه حكومة عادلة مصلحة تقدر شعور رعاياها، وترعى عواطفهم؛ لتنفق منه في سبيل الله؛ وسبيل الجماعة، وتعود بفضله على العجزة والمساكين والذين لا يجدون ما ينفقون.


علم أن العاطفة الجنسية قد تطغى على الإنسان فتعرضه لألوان من العنت والفتون، فدعا الشباب إلى الزواج ليحوطوا أنفسهم بسياج من العفة يحفظ عليهم نصف دينهم، ثم وضع علاجًا ناجعًا لغير أولي الطول الذين لا يستطيعون سبيلًا إلى النفقة على الأزواج؛ وهو الصوم الذي يدعو إلى مراقبة الله تعالى وخشيته، ويهذب النفوس، ويسمو بها فوق الشهوات الدنيا؛ فيفثأ حدتها ويخمد جمرتها، ويخفت صوتها، وينقل الشباب من التفكير فيها إلى التفكير في أمور أخرى تدفع إلى المغامرة في ميادين السمو والطموح إلى المجد، قال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر الشباب؛ من استطاع منك الباءة فليتزوج، فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر؛ ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"[2].


وعلم تعالى شأنه أن من النفوس نفوسًا ضعيفة لا تقاوم سلطان هذه العاطفة، ولا يمكنها وجدها من زواج المحصنات المؤمنات، فأباح لهم زواج الإماء إن خشوا العنت. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النساء: 25].


لم يبح الرهبانية لعلمه أن فيها محاربة للفطرة التي فطر الناس عليها، وكبتًا لعاطفة إذا استجيب لندائها في الحدود الشرعية، كانت عونًا على بقاء النوع، ومن يكبتها تعرضه إلى داء عضال، ما لم يسم بها؛ ويوجهها إلى فن من الفنون الرفيعة، أو يرصدها لطاعة الله تعالى.


بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يصوم النهار ويقوم الليل؛ فنهاه عن ذلك لأن الفطرة لا تطيقه بل تهجم له العين، وتنقه له النفس.


فاستمع إلى البخاري يحدثنا عن عبدالله قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبدالله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل، فقلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل. صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشرة أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله. فشددت فشدد علي. قلت: يا رسول الله إني أجد قوة. قال: فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه، قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: نصف الدهر. وكان عبدالله يقول بعد ما كبر: ليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"[3].


أفبعد هذا اعتراف بحق العاطفة الإنسانية؛ ونزول على العدل من حكمها؟

أباحت الشريعة الغراء لمن يريد أن يتزوج من امرأة أن ينظر إلى وجهها وكفيها، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما. لأن الوجه مرآة الضمير، ولأن الكفين عنوان البدن، فبالنظر إليهما يستطيع أن يدرك خفي عواطفها، وأن يتبين كل ما يهمه من أمرها؛ وأن يعرف هل تروقه، وتنال رضاه، وتقع من قلبه؟ وهل يسره أن يتخذها شريكة له في بناء الأسرة، واحتمال أعباء الحياة وتكاليفها؟


الزواج عهد يستبيح به كلا الزوجين المتاع بصاحبه، ويلتزم إحسان عشرته، والوفاء بحقه، فإذا تزوج الرجل من امرأة قبل أن يراها، ثم رأى نفسه أمام زوج لا ترضي عاطفته، ولا تحل من نفسه مكان الرضا؛ ولا يراها موضع أنسه وينبوع مسرته، فلا يلبث أن يقوض صرح الأسرة، ويهدم كيانها، ولست أحدثك عن مصير الأطفال وما ينتظرهم من الشقاء الحتم، ولكن الإسلام كان أبر بالإنسانية من أن يجمع في عقدة النكاح بين زوجين تتنافر قلوبهما، وتتباعد عواطفهما ولا تأتلف أرواحهما ليشقى كل منهما بصاحبه، ويشقى بشقائهما الأطفال الأبرياء.


كذلك لم تبح الشريعة لأب ولا لولي أن يزوج فتاته من زوج لا ترضاه. سواء عليها أكانت بكرًا أم ثيبًا. فإذا زوجها كارهة فزواجها مردود.


وهذه الخنساء بنت حزام الأنصارية، زوجها أبوها وهي ثيب، ولم تكن راضية عن هذا الزواج ولا مغتبطة به، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه أمرها، وترجو الخلاص من زوج لا تألفه ولا ترضاه، فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك النكاح[4]، ونعمَّا صنع!


وكيف ترغم المرأة على عشرة رجل تبغضه، وكيف تتم بينهما المودة والرحمة والتعاون على إنشاء الأسرة وحفظ النوع وأداء رسالة الحياة، وهي أهم بواعث الزواج؟


ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر؛ ولا تنكح البكر حتى تستأذن". قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت"[5].


فما أجمل ذلك الشرع الحكيم، وما ألصقه بقلوب الحكماء، وعقول العقلاء؛ علم الله أن من العواطف ما لا قبل للإنسان بكبح جماحه؛ أو رد شماسه، فجعل ذلك عفوًا لا إثم فيه؛ ولم يكلف الإنسان من معاناته ما ليس في وسعه.


يتزوج الإنسان امرأتين فيعدل بينهما في القسم والنفقة ولكنه لا يستطيع أن يعدل بينهما في الحب والميل النفسي، فلو كلفه الله ذلك لكلفه شططًا؛ والله أرحم بالإنسان من أن يكلفه ما لا يطيق؛ وعاطفة الحب والبغض يعتاص على الإنسان قيادها ويستعصي عليه امتلاك ناصيتها، فلا جناح عليه إن لم يجعلهما في الحب سواء.


ولهذا قال عليه الصلاة والسلام وهو الكامل المعصوم: "اللَّهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك"[6].


وعسى أن توازن بين هذا التشريع الذي يقر حكم العاطفة، ويعترف بها؛ والتشريع الذي يقول لأتباعه "أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم" وهيهات هيهات لما يطاع.


البكاء انفعال يبعثه الألم، أو تثيره الذكرى، وفيه راحة للنفس، وتخفيف من أوقارها، والدموع تطفئ لواعج الحزن، وتخمد جمرته، وإذا اندفعت العاطفة إلى البكاء فاستجيب لها، كان في هذه الاستجابة علاج لجراح القلب وكلومه. وأما إذا كبتت فإنها تفتك بالمجموعة العصبية، ويمس الإنسان من جراء ذلك الكبت داء عضال، وتستحوذ عليه الكآبة، ويستبد به الحزن، وكفى به باعثًا إلى بغض الحياة والتبرم بالأحياء، حاملًا على اليأس والقنوط، واليأس طريق الخيبة والفشل.


قدر الإسلام هذه العاطفة الإنسانية حق قدرها فلم يحرم البكاء تبعثه عاطفة الرحمة والحنان، أو يثيره الألم والذكرى، ولكنه حرم النياحة عنوان السخط على الأقدار، ودليل عدم الرضا بحكم الله.


وأما البكاء بغير نياحة فهو من الرحمة التي قذفها الله في قلوب عباده المؤمنين، وليس عليهم من سبيل إن هم فعلوا.


حدث الإمام البخاري قال: "أرسلت ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه أن ابنًا لي قد قبض فأتنا، فأرسل يقرأ السلام ويقول: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى؛ وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله الصبي ونفسه تتقعقع قال: "حسبته أنه قال: كأنها شن" ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده؛ وإنما يرحم الله من عباده الرحماء"[7].


وروى أيضًا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله على أبي سيف القين وكان ظئرًا لإبراهيم عليه السلام؛ فأخذ رسول الله إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان. فقال له عبدالرحمن ابن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف إنها رحمة. ثم أتبعها بأخرى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"[8].


فنعم الدين دين لا يصادم العاطفة الصادقة النبيلة ولا يعترض سبيلها.


الاعتداء أليم لا يحتمله الحر الكريم، ولا يصطبر عليه، فإذا اعتدى عليه ثارت نفسه تطلب الانتقام؛ وهذه عاطفة فطرية لا سبيل إلى دفعها، أو الخروج عليها. وفي الاستخذاء للعدوان مذلة وهوان، لا تحتملهما نفس الكريم الأبي.


اعترف الإسلام بهذه العاطفة، وأذن للإنسان أن يستجيب لها في حدود العدالة فقال تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].


وقال تعالى: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43].


أجل أتاح الله للموتور أن يثأر، وينتقم بمثل ما مسه لا يزيد عليه، ولا يطيع عاطفة الانتقام؛ فتدفعه إلى الإمعان في الأذى، والخروج عن حدود العدالة.


ثم دعا الإنسان إلى فضيلة من الفضائل الإنسانية لم يفرضها عليه فرضًا؛ ولم يحتمها عليه تحتيمًا، ولم يرتفع بها إلى درجة الوجوب، بل جعلها نافلة من نوافل الخير. إن أخذ بها أثيب، وإن لم يأخذ بها فلا إثم عليه: تلك الفضيلة النبيلة هي العفو عن المسيء مع القدرة عليه.


علم الله أن في هذا العفو تضحية بعاطفة قوية دافعة دافقة لا يقاومها إلا القوي العزوم، ولا يقوم لها إلا الصبور ذو الأيد. وإذا كانت هذه التضحية لله وفي سبيله فلا جرم أنه تعالى يثيب من يفعلها، ويعظم له الأجر على أن يكون العفو مقرونًا إلى الإصلاح، وأخصه إصلاح نفس المعتدي وإشعاره بأن هذا العفو لم يكن عجزًا عن الانتقام، ولا مذلة ولا مهانة ولا رضا بالخسف، ولا إقرارًا بالضيم، ولكن ابتغاء مرضاة الله، ورغبة في حسن مثوبته، فإذا صلحت نفس المعتدي لم يعاود العدوان، فاستقامت الأمور؛ وانتظمت الأحوال.


فالله تعالى لا يدعو إلى العفو المجرد، يذهب فيه الموتور ضحية واتره؛ ويتمرد معه الأئمة الأشرار المعتدون. إنه لا يحب الظالمين، ولا ييسر لهم سبل الظلم بدعوة الناس إلى العفو المطلق لأن ذلك يطيل أرسان بغيهم، ويمد في حبال عدوانهم.


وقال تعالى: ﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الشورى: 41 - 42].


وقد أخذ الله بهذا الأدب الأمم كما أخذ الأفراد قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194].


وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126].


وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ ﴾ [الحج: 60].


فأين من هذا التشريع العادل الذي لا يصادم عواطف الإنسان، ولا يعترض ميلها الطبيعي من تشريع يقول: (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر).


لعل ذلك التشريع كان موائمًا للأمة[9] التي شرع لها، لأنه شرع لأمة كانت مغلوبة على أمرها، يحكمها عدو عنيد، لا قبل لها بمقاومته؛ كان يسومها الخسف، ويديثها بالصغار. فماذا عسى أن يكون الفرد من هذه الأمة المغلوبة لو لطمه أحد أفراد الأمة الغالبة، فقاومه، وناضل عن نفسه؟ ألم يكن جزاؤه القتل الذريع، وإهدار الدم.


لذلك لم يكن بد أن يعلمهم الله وسيلة ينجون بها من شر أولئك المتجبرين المتغطرسين، ولا أحس من الاستسلام بين يدي من لا تقدر عليه، ولا تستطيع إلى مقاومته سبيلًا.


ولكن الإسلام شريعة الأمة الحرة الأبية التي تأبى الضيم وتأنف الذلة والمهانة، ولا ترضى بالاستعباد وقد ولدت حرة كريمة. انبثق فيها نوره، وعم الخافقين ضياؤه، ونبتت فيها شجرته الفرعاء الوارفة الظلال، فتفيأ في ظلالها أهل المشرق والمغرب، وجنى ثمارها كل قاص ودان.


فبالله ما أجمل هذه الشريعة وما أعذب مواردها، وما أصفى مناهلها، وما أقربها إلى العقل والقلب جميعًا.


جعلنا الله من المستنيرين بنورها، الواقفين على أسرارها، العاملين بها، الداعين إلى الاعتصام بحبلها آمين.



[1] رواه أحمد (3/ 198).

[2] البخاري (4778)، ومسلم (1400).

[3] البخاري (1874)، (4903)، ومسلم (1159).

[4] رواه البخاري (6546).

[5] كان ذلك يوم كان يضرب المثل بخفر العذراء وحياتها؛ أما اليوم فقد ذهب الحياء، ومضى الخجل إلى مكان سحيق بل إلى حيث لا يعرف له مقر، أصبحنا في عصر قل فيه الحياء لقلة الإيمان؛ وتسرب الخجل من وجوه الفتيات قطرة قطرة وصارت البكر أجسر على القبول والرفض؛ والحديث في شأن الزواج؛ والمفاضلة بين الشبان: من الثّيب، بل من الشباب بل من الكهل المزوج. والحياء والعفة متلازمان إذا ذهب أحدهما ذهب الآخر بذهابه. فسلام على الحياء وسلام على العفاف (المؤلف).

والحديث رواه البخاري رقم (6547).

[6] رواه أبو داود (2134).

[7] البخاري (1224)، ومسلم (923).

[8] البخاري (1241).

[9] شرع ذلك للأمة الإسرائيلية يوم كانت خاضعة لحكم الرومان في سورية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التوازن الحميد بين العاطفة والعقل الرشيد
  • بين الإفراط في العاطفة والتمحور حول المنفعة غابت المودة والرحمة
  • اعتراف ( قصة )
  • صوت الإنسانية الغائب
  • سلامة التعامل مع عواطفنا ومشاعرنا

مختارات من الشبكة

  • من خصائص الإسلام : الاعتراف بالعواطف الإنسانية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من ثمار الاعتراف عند الأشراف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف والمناجاة لمن أراد النجاة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الاعتراف يهدم الاقتراف (خطبة) باللغة البنغالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف بظلم النفس: أهميته وثمراته (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف يهدم الاقتراف (خطبة) (باللغة النيبالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف بالفضل لأهل الخير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف يهدم الاقتراف (باللغة الهندية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتراف والمناجاة لمن أراد النجاة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القول الجميل في الاعتراف بالفضل والجميل(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب