• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / نوازل فقهية
علامة باركود

التدابير الاحترازية والتشريع العقابي الإسلامي

تامر عبدالفتاح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/2/2009 ميلادي - 6/2/1430 هجري

الزيارات: 40382

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التدابير الاحترازية

والتشريع العقابي الإسلامي

 

على الرغم من أنَّ اصطلاح "التدابير الاحترازيَّة Mesures de surete" يعتبر اصطلاحًا حديثًا جدًّا، يرتبِط في نشأتِه بنشأةِ الأفْكار الجديدة عن الوظيفة الإصلاحيَّة والتقويميَّة للعقوبة، ممَّا قد يبرِّر دهشةَ البعْض من الرَّبط بين هذه التَّدابير والتَّشريع العقابي الإسلامي، إلاَّ أنَّ الحقيقة الثَّابتة فيما تركه لنا السَّلف من تراث تؤكِّد أنَّهم عرفوا إلى جانب العقوبات التقليديَّة - كالرَّجم والقَطع والجَلْد والحبس - نوعًا آخَر من الإجراءات، ذات طبيعة ذاتيَّة تميِّزها عن العقوبات، وشروط التطبيق لها تختلف كلَّ الاختلاف عن الشروط العادية التي يتحتَّم توفُّرها لتوقيع الجزاءات الجنائيَّة، يمكن أن نطلِق عليْها وصف التَّدابير الوقائيَّة أو الاحترازيَّة، باعتِبار أنَّ وظيفَتَها الوقاية من جُرْم يوشِكُ أن يقع، والتحرُّز ضدَّ انحِراف يكاد يكتَمِل، دون أن يقترِن ذلك بغرَض آخَر كالرَّدْع أو الزَّجْر أو الانتقام، أو حتَّى الإصلاح أو التقويم.

 

 

لذلك تختلِف التَّدابير الاحترازيَّة في مفهوم الفقْه الإسلامي عنها في مفهوم الفقْه الغربي، ومَن يُشايعه من الشرَّاح المسلمين، فهي عند الآخرين تشمَل إلى جانب الغرَض الوقائي أو الاحتِرازي غرضًا آخَر هو الغرض الإصلاحي؛ ممَّا جعل البعضَ يُطْلِق عليْها أحيانًا وصْفَ التَّدابير الإصلاحية، دون أن يفطِنوا إلى أنَّ الإصلاح ليس هو الغايةَ الوحيدة لهذه التدابير، بل وليس الغاية الأساسيَّة، وحتَّى مع افتِراض ازدِواج الوظيفة التي تقوم بها التَّدابير، وتعدُّد الأغراض المستهدفة منها، فإنَّ تَخصيصَها بإحدى الوظيفتين – أي: الإصلاح دون الوظيفة الأخرى، وهي الوقاية أو الاحتِراز - ينفي عن الأوصاف كلَّ أهميَّة، فيستوي أن توصف بأنَّها إصلاحية أو وقائية أو احترازية، بينما العكس هو الصحيح، فالواقع أنَّ التطابق بين الوصف والوظيفة على جانبٍ كبير من الأهميَّة، فضلاً عن أنَّه من البدهيَّات التي لا يختلف بشأنها اثنان؛ لأنَّ الوصف يجب حتَّى يحقِّق غرضه ويبلغ غايته أن يكون جامعًا لكلِّ ما في الموصوف من خصائص، مانعًا من دخول غيرِه فيه، ووصْف التدابير بأنَّها إصلاحيَّة، إذا تجاوزْنا واعتبرناه شاملاً لكلِّ خصائصِها أو جامعًا لكلِّ شروطِها، فإنَّه لا يعتبر مانعًا من دخول غيْرِها فيه؛ كبعض العقوبات مثلاً، فالحبس لا يخلو من صفة التَّقويم، بالرَّغم من أنَّه ليس مما ينطبِق عليه وصف التدابير.

 

كذلك تخرُج بعض التدابير التي يعتبرها علماء العقاب الغربيِّين من نطاق هذا الوصف – أي: الإصلاح - لأنَّ طبيعتها تقصر عن تحقيقه؛ مثال ذلك: مراقبة الشرطة التي اعتبرها البعض تدبيرًا وليستْ عقوبة، وهي - كما هو معروف - لا تتضمَّن أيَّ معنى للإصلاح أو التقويم، وإنَّما مجرَّد إجراء يُراد به جعْل الجاني تحت أعين الشرطة للحيلولة بينه وبين ارتكاب الجرائم، ودون أن يقترِن ذلك بأيِّ نشاط يهدف إلى اصطِلاح عام، يشمل إلى جانب التدابير Mesures بعض العقوبات Peines، التي تكون ذات طبيعة تمكِّن من إصلاح الجناة، كعقوبة الحبس وبعض العقوبات الأخرى، ومعظم التدابير كالإيداع في مستشفى أو في مصح علاجي، أو في مستعمرة زراعيَّة، أو مؤسَّسة للعمل، أو في إصلاحية؛ بل إنَّ الفقيه الإيطالي "انريكو فيري" ذهب، حين عُهِد إليه بوضْع مشروع قانون العقوبات الإيطالي 1921 إلى اعتِبار كل العقوبات من قبيل التَّدابير الوقائيَّة؛ مفسِّرًا الوقاية على أنَّها لا تقتصِر على ما قد يوحي به سلوكُ الشَّخص، أو تنمُّ عنه ظروفُه من احتِمال انحرافِه وارتكابه الجريمةَ لأوَّل مرَّة، وإنَّما تشمل أيضًا الوقاية من عوْد الشَّخص الذي أجْرم من قبلُ إلى ارتِكاب جريمةٍ أُخْرى، وهو كما نرى خلطٌ بين إجراءَيْن مختلِفين تمامًا، سواء من حيثُ طبيعتُهما الذَّاتيَّة أم من حيث شروطُ تطبيقِهما، فالوقاية يقصد بها: توقِّي وقوع الجرم أو التحرُّز منه؛ أي: إنها سابقةٌ على الجريمة، في حين أنَّ العقوبة لاحقةٌ عليها؛ لذلك تخرج العقوبات من نطاق التَّدابير حتَّى ولو كانت تحقِّق الإصلاح، وتبقى التفرقة بينهما قائمة حتَّى ولو كانت وظيفتُهما في الظَّاهر واحدة، وهي الإصلاح، فإنَّهما في الواقع مختلِفان، فبيْنما تهدف التَّدابير إلى إصلاح شخص لم يُصْبِح مجرمًا بعد، فإنَّ العقوبات تهدِف إلى إصلاح شخص أَجْرَم فعلاً، ومن هنا كان الاهتمام بما يسمى "الحالة الخطرة" كمعيار يستعان به لمعرفة مدى ملاءمة تطبيق التَّدابير الاحتِرازية أو الوقائيَّة على شخصٍ ما.

 

ولقد أدركتِ الشَّريعة الإسلاميَّة هذه الحقيقة منذ ما يقرُب من أربعةَ عشرَ قرنًا، ففرَّقت بين وضْعين، أحدهما: هو الوضْع الذي يقدِم فيه الشخص على ارتِكاب الجريمة، فيخرج على القانون غيرَ عابئ بما يسبِّبُه خروجُه من أخطار، أو ما يُلْحِقه من أضْرار بالحقوق التي كفلتْها الشريعة، وثانيهما: هو الوضْع الذي يكون فيه سلوك الفرْد أو ظروفه منطويًا على احتمالات انحرافِه عن الطريق القويم، وخروجه على أحكام الشريعة، وفرَّقت بالتَّالي بين ردِّ الفِعْل الاجتِماعي في الحالتَيْن، فجعلتْه عقوبة محدَّدة، سواء كانت حدًّا أو تعزيرًا في الحالة الأولى، في حين جعلتْه تدبيرًا ليستْ له طبيعة الجزاء في الحالة الثانية؛ لأنَّها لا تواجه إجرامًا حقيقيًّا وإنَّما تُواجِه مظاهر إجراميَّة مبكِّرة، تهدف إلى الحيلولة دون نموِّها واكتمالها لتصبح إجرامًا كاملاً.

 

وهو تطوُّر في السياسة العقابيَّة أمْلته الشَّريعة الإسلاميَّة التي تتضمَّن مبدأً أساسيًّا، وهو الأمْر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والمقْصود المنكر بكافَّة صُوَرِه وكل درجاتِه، حتَّى تسود الطُّمأنينة وينتشِر الأمن ويتفشَّى الحبُّ والإخاء والمودَّة بين الناس.

 

ولم يكن يفوت الشَّريعة وهي تميِّز بين الجرائم سواء بِحسب شدَّة الضرر المترتِّب عليْها، أو درجة الخطَر التي تتضمَّنها، أو بحسب القصْد المتوفر لدى مُرْتَكبها، أو بحسب الحقوق التي وقعَتْ اعتداء عليْها...إلخ - أن تميِّز بين حالتي الإجرام الكامل والإجرام النَّاقص الذي تكشف عنه أحوال الشخص أو ظروفه، فتقرِّر للحالة الأولى عقابًا يتفاوت شدَّة وضعفًا بِحسب نوع الجُرْم ودرجته، وتقرِّر للحالة الثانية تدبيرًا يتلاءم مع ما تُوحي به حالة الشَّخص من خطرٍ أو ما يسمَّى في الاصطِلاح الحديث: "الحالة الخطرة".

 

ولقد تميَّزت التَّدابير في التَّشريع الجنائي الإسلامي عن العقوبات، سواءٌ من حيث طبيعتُها الذاتية، أو من حيث شروطُ تطبيقها، فبيْنما تهدف العقوبة إلى تَكْفير المجرم عن جرْمه وإصلاحه، فضلاً عن هدف الرَّدع بنوعيْه العام والخاص، فإنَّ التدابير تهدف إلى الحيلولة دون ارتِكاب الشَّخص للجريمة أو تشجيعه، أمَّا من حيث اختلاف شروط تطبيق التَّدابير عن شروط تطبيق العقوبات، فإنَّها تبدو في اشتراط وقوع جريمةٍ كاملة الأركان حتى تطبَّق العقوبة على المسؤول عنها، بينما يكفي قيام حالة الخطورة حتى يطبق على الشَّخص تدبير من التدابير التي تكفل الوقاية من إجرامه.

 

لذلك أمر الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - بِكَسْر دِنان الخمر وشقِّ ظروفِها؛ حتى يحول دون ارتكاب المسلمين لجريمة شرب الخمر، وأمر عمرُ بن الخطاب وعلي بن أبي طالب بِحرق المكان الذي يُباع فيه الخمر لنفس السبب، والإجراءان من التَّدابير الوقائيَّة ذات الطَّبيعة الماليَّة التي تقوم على إتْلاف مالٍ للحيْلولة دون وقوع جرائم، وهو شبيهٌ بالتَّدبير الوقائي الذي يتمُّ بِغلق المحل أو سحْب الترخيص، وإن كان أشد منه أثرًا وفاعلية؛ لأنَّه يقضي على المال مصدر الخطورة بشكْل تام.

 

ومن التدابير الوقائيَّة التي استحدثها الإسلام: الإبْعاد والمنع من الإقامة، فقد أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنفْي بعض المخنَّثين من المدينة، كذلك نفى عمر بن الخطَّاب شابَّين بعد أن عرف أنَّ حُسْنَهما من شأنِه أن يُعَرِّضهما ويعرِّض النساء للوقوع في المحظور – أي: الجريمة - فقد رُوي أنَّه بينما كان عمر يقوم بجوْلَتِه الليليَّة، إذا به يسمعُ امرأةً تنشِد:

هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ♦♦♦ أَوْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ؟

 

فلمَّا أصبح، سأل عن المدعو نصر بن حجَّاج، فعرف أنَّه من بني سليم، فأرسل في طلبه، فجاء، فإذا شَعرُ رأسِه من أحسن ما رأى عمر، ووجهُه من أصبَح ما شاهد، فأمره أن يقصَّ شعرَه، ففعل، فخرجتْ جبهتُه، فإذا به يزدادُ حسْنًا، فأمره عمر أن يعتمَّ، ففعل فازدادَ حُسنًا، فقال عمر: "لا، والذي نفسي بيده، لا تجامعني بأرض أنا بِها"، وأمر له بِما يصلحه ونفاه إلى البصرة.

 

وقد قال الفتى لعمر: وما ذَنْبي يا أميرَ المؤمنين؟ فقال له: "لا ذنب لك، وإنَّما الذنب لي حيث لا أطهر دار الهجرة منك".

 

وهكذا ترى أنَّ عمر بن الخطَّاب لم يعتبِر الفتى مذنبًا، وإنَّما اعتبره مصدرَ خطورةٍ على النساء وعلى نفسِه؛ لأنَّه بحسنه سوف يفسدهنَّ، وبإعجابهنَّ به سوف يفسدْنَه، فرأى أن يتَّخذ حياله تدبيرًا وقائيًّا أو احترازيًّا، يحول دون استفحال ضررِه وزيادة خطره.

 

وقد اتَّخذ عمر تدبيرًا مماثلاً ضدَّ ابنِ عمِّ نصرٍ هذا، ويدعى "أبو ذئب" فنفاه إلى البصرة أيضًا.

 

وممَّا يدل على أنَّ الفقهاء المسلمين أدْركوا طبيعة هذا التدبير وغيره، التي تَختلف بشكل واضح عن طبيعة العقوبة، سواء كانت حدًّا أم تعزيرًا - ما قاله السرخسي في "مبسوطه" (الجزء التاسع صفحة 45): أنَّ عمر فعل ذلك بطريقةِ المصلحة، لا بطريق الحدِّ أو العقاب، فالجمال لا يوجب النفْي، ولكن فعل ذلك للمصلحة.

 

وهو نفس الأساس الذي يقوم عليه نظام التَّدابير الاحترازية في العصر الحديث، الذي يهدف إلى مصلحة الجماعة بوقايتِها من جرم محتمل وخطر متوقَّع، ومصلحة الفرد بالحيلولة دون صيرورته مجرمًا، وقد فعل عمر ما فعله ليحميَ المجتمع، وليحمي الشابَّين في آنٍ واحد.

 

كذلك فإنَّ ما فعله الشابَّان لا يُعَدُّ جريمة ولا يتضمَّن سلوكًا يعد جريمة، وإلاَّ لأوْقع عمرُ عليْهِما عقوبةً تتلاءم مع جُرْمِهما، كما فعل مع المدعو "جعدة" وهو من بني سليم أيضًا، واشتهر مثل قريبيْه بالحُسْن المفرِط، حين بلغه أنه ينتهز فرصةَ وجود الرِّجال في ميادين القتال، ويدخُل على النسوة اللائي غاب عنهنَّ أزواجُهُنَّ، فلمَّا جيء له به جلَده مائة جلدةٍ وهو مربوط، ونَهاه أن يدخل على امرأةٍ غاب عنها زوجُها، فكان عقابه في هذه الحالة على سبيل التعزير لا على سبيل التدبير؛ لأنَّه فعل ما يعد معصية، بعكس قريبيه اللَّذين سلف الحديث عنهما.

 

كذلك إذا عرف عن شخص أنَّه فاسق يأوي إليه أهل الفِسْق والخمر، دون أن يكون قد أتى جرمًا يعاقب عليه، فإنَّه يُمنع من الإقامة في بيتِه كتدبير وقائي، له هدف مزدوج، فهو من ناحية يَحول دون مضيِّ الشخص في غيِّه، واستمراره في خطئه، ممَّا قد يؤدِّي به إلى أن يصبح مجرمًا، ومن ناحية أخرى يَحول دون محاكاة جيرانِه له، وتقليدهم لما يفعل، سواء دون أن يتَّصلوا به أو باتِّصالهم به، بعد أن لم يَجدوا لما يفعله من فسق ردَّ فعل لدى ولاة الأمور، الذين لم يَرَوْا في سلوكِه جرمًا ممَّا تعاقب عليه الشَّريعة، سواء بحدٍّ أم بتعزير، فقد سُئِل مالك عن فاسق يأوي إليه أهلُ الفسق والخمر، ما يصنع به؟ قال: "يخرج من منزلِه وتكرى عليه الدار والبيوت، فلا تُباع لعلَّه يتوب فيرجع إلى منزله"، وقال ابن القاسم: "إنَّه ينصح مرَّة أو مرَّتين أو ثلاثًا، فإن لم ينتهِ أُخْرِج من الدار وأكريت عليه".

 

ومن التَّدابير الوقائيَّة أو الاحترازيَّة التي قال بها الفقهاء المسلمون: إفساد ثياب المرأة بحبرٍ ونحوه إذا كانت لا تستُر جسدها، كأن تكون قصيرة أو شفَّافة لا تخفي ما تحتَها؛ وذلك منعًا لها من إفساد الرجال من ناحية، ووقاية لها من أن تتعرَّض للغَواية بسبب سلوكها غير الصائب.

 

ومن التَّدابير الاحترازية الأخرى التي استحدثَها المسلمون: الوضْع تحت المراقبة، والتَّشهير بالشخص في بعض الأحوال التي يوحي فيها مسلكه باحتِمال إجرامه، إذا كان التَّشهير لا يسيءُ إليه؛ وذلك كما فعل الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - حين شكا له أحدُ صحابتِه ممَّا يلقاه من عدْوان جارِه عليه بِما يَخرج عمَّا أمرت به الشريعة، من التَّرابُط والتَّوادِّ والتَّراحم، فنصحه الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - أن يُحاول إصلاحَ ما اعوجَّ من جارِه، وأن يُعالج نفس هذا الجار بالكلِمة الطيِّبة والموعظة الحسنة، ولكنَّ الجار الشرير مضى في غيِّه واستمرأَ عدوانَه، فعاد الصحابي يشكوه للرَّسول الذي أمره أن يعمِد إلى متاعِه، فيُخْرِجه من بيته ويضعه في الطَّريق العام، ونفَّذ الشاكي ما أشار به الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - فلمَّا مرَّ النَّاس به وكانوا يعلمون عنْه كلَّ ما هو طيب وسار، سألوه عمَّا حلَّ به وجعله يترك بيتَه على هذه الصورة، أخبرهم بأمْرِ جاره السيئ واعتدائِه المستمرِّ عليه، فأخذوا يلعنونه، فلمَّا تناهت لعناتُهم إلى سمعه، خشي نبذَهم له وغضبَهم منه وضيقَهم به، فبادر إلى جارِه الطيِّب يسترْضيه ويرجوه أن يعود إلى دارِه، واعدًا إيَّاه ومتعهِّدًا له بألا يعود إلى سلوكه السيئ.

 

وهناك غير ذلك الكثير من التَّدابير الوقائية أو الاحترازيَّة التي استحدثتْها الشريعة الإسلامية، مما لا يتَّسع المقام لسرْدِه في هذه العجالة، التي قصدنا بها الرَّدَّ على قِصار النظر، وأدْعياء العلم، والمستشرقين وأتباعِهم من المستغربين المسلمين، الذين زعموا: أنَّ الشريعة الإسلامية لم تتضمَّن من النظام العقابي سوى بضْعِ عقوبات بدنيَّة قاسية، تطبَّق على مَن يرتكبون إحدى الجرائم المسمَّاة حدودًا، وأنَّ النظام العقابيَّ كما نعرفه الآن هو من ابتِكار الغرب وإبداعه، فإذا كان ذلك صحيحًا، وهو قطعًا ليس كذلك، فبماذا يفسِّرون هذه التَّفرقة الفريدة بين حالتي الإجْرام النَّاقص أو الإجْرام في طوْر النمو وبين الإجرام الكامل؟!

 

لا أعتقد أنَّ لديهم إجابةً؛ اللهُمَّ إلا إذا كان الصَّمت العاجز هو الإجابة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الوقاية من الجريمة في التشريع الجنائي الإسلامي
  • السنة ومكانتها في الإسلام وفي أصول التشريع
  • القواعد التشريعية
  • الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم
  • التشريع القرآني في رأي المستشرقين
  • لمحات من روائع تشريعاتنا (1)
  • التشريع والاجتهاد في التصور الإسلامي

مختارات من الشبكة

  • فضل العلم وأهمية التحصيل العلمي مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم مخالفة الإجراءات الاحترازية(استشارة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • الفرص الاستثمارية في الإجازة الاحترازية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مجهول النسب بين رحمة التشريع الإسلامي والتشريع الوضعي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أحكام الزنا في الشريعة الإسلامية: تعريفه - خطورته - الآثار المترتبة عليه - التدابير الواقية من الوقوع فيه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التدابير الإلهية لحفظ أموال اليتامى من الضياع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التدابير الشرعية الوقائية لحفظ العقل(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • التدابير الإصلاحية قبل التحكيم لحل المنازعات الأسرية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التدابير الواقية للحد من ظاهرة الطلاق في المملكة العربية السعودية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التدابير الواقية من التشبه بالكفار (WORD)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- المصادر والمراجع
محمد الطاهر الجزائري - الجزائر 09-01-2013 04:40 PM

فيما يخص بالمقال الدي نشره الأخ بخصوص التدابير الاحترازية ونشأتها هناك نقطة دائما ننبه عنها جميع الإخوة في المنتديات وهو دكر المصادر والمراجع المنتقاة التي كتب بها الموضوع أو المقال وجزاكم الله خيرا .

1- سد الذرائع أولى
محمد عبدالقادر جلبيب - تونس 08-02-2009 10:39 PM
لماذا أصر الأخ ثامر عبدالفتاح على القول " بالتدابير الوقائية " و أغفل إغفالا تاما و متعمدا بابا كاملا في التشريع الإسلامي هو باب " سد الذرائع " و إذا كان في تصوره كبير فرق بينهما فأرجوا التوضيح من خلال أمثلة دقيقة . علما و أني لا أرى حاجة إلى استبدال " باب سد الذرائع " بتسمية أخرى ليست قادرة على استيعاب ما جاء في هذا الباب . كما لا أظن أن الأخ كاتب المقال لم يطلع على ما جاء في كتب الأصول بخصوص هذا الباب و خاصة ما أورده ابن القيم رحمه الله في " اعلام الموقعين " .
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/11/1446هـ - الساعة: 13:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب