• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة

من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة
ابتهاج حجازي بدوي سالم غبور

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/12/2012 ميلادي - 10/2/1434 هجري

الزيارات: 21272

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من هو الذبيح؟ الحكم بعد المداولة


مِن بين العقائد الإسلامية لأهل السنة هي أن الذبيح هو إسماعيل - عليه السلام - بينما يدَّعي اليهود كذبًا وافتراء بأنه هو إسحاق - عليه السلام - مع أن المُتتبِّع لنصوص التوراة في هذا الشأن، وذلك الخصوص، يجد أنها تنطِق بأعلى صوتها قائلة: "الذبيح هو إسماعيل".

 

وكلنا يعلم أن اليهود عبَثوا مِرارًا وتَكرارًا بالنصوص التوراتية المنزَّلة من عند رب العرش العظيم، فجعلوا يُغيِّرون ويبدلون، ويمحون ويكتمون؛ حتى انطمَستْ بفعل فِعالهم هذه كثيرٌ من الحقائق، وتَجلَّت كثير من الأباطيل، يقول الحق - تبارك وتعالى - في مُحكَم آياته عن تحريفهم التوراة: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [النساء: 46]، وقال أيضًا: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 41].

 

إلا أنهم بالرغم من تلاعُبهم فيها، لم يستطيعوا أن يُغيِّبوا أو يُخفوا بعضًا من الحقائق، وإن كانت النصوص التي تُخبر بها قد صارت دميمة اللغة، وقبيحة الألفاظ؛ بسبب ذلك التلاعب، وعلى سبيل المثال لا الحصر دعواهم الكاذبة بأن الذبيح هو إسحاق لا إسماعيل، رغم أن نصوصًا توراتية عدة تؤكِّد أنه إسماعيل - عليه السلام - وهذا إنما يؤكِّد قولَ الحق - تبارك وتعالى - فيهم: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة: 5].

 

فهم قد عبَثوا بنصوص التوراة؛ ليَصرِفوا أمْر الذبح إلى إسحاق افتراء، ولكنهم بغبائهم لم يتمكَّنوا من طمْس أدلة عديدة تؤكِّد أنه إسماعيل وليس إسحاق.

 

والنص التوراتي الذي يَسرُد خبر الذبيح هو النص التالي:

" (1) وحدَث بعد هذه الأمور أن الله امتحَن إبراهيم، فقال له: "يا إبراهيم!"، فقال: "هأنذا"، (2) فقال: "خذ ابنك وحيدك، الذي تُحبه؛ إسحاق، واذهب إلى أرض المريا، وأصعِده هناك محرَقةً على أحد الجبال الذي أقول لك"، (3) فبكَّر إبراهيم صباحًا وشدَّ على حماره، وأخذ اثنين من غِلمانه معه، وإسحاق ابنه، وشقَّق حطبًا لمحرَقة، وقام وذهب إلى الموضِع الذي قال له الله، (4) وفي اليوم الثالث رفَع إبراهيم عينَيه وأبصَر الموضع من بعيد، (5) فقال إبراهيم لغلاميه: "اجلِسا أنتما ههنا مع الحمار، وأما أنا والغلام، فنذهب إلى هناك ونسجد، ثم نرجع إليكما"، (6) فأخذ إبراهيم حطَب المحرَقة ووضَعه على إسحاق ابنه، وأخذ بيده النار والسكين، فذهبا كلاهما معًا، (7) وكلَّم إسحاق إبراهيم أباه، وقال: "يا أبي!"، فقال: "هأنذا يا ابني"، فقال: "هو ذا النار والحطب، ولكن أين الخروف للمحرقة؟" (8) فقال إبراهيم: "الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني" فذهبا كلاهما معًا.

 

(9) فلما أتيا إلى الموضِع الذي قال له الله، بنى هناك إبراهيم المذبح ورتَّب الحطب وربَط إسحاق ابنه ووضَعه على المذبح فوق الحطب، (10) ثم مدَّ إبراهيم يدَه وأخذ السكين ليَذبح ابنه، (11) فناداه ملاك الرب من السماء، وقال: "إبراهيم! إبراهيم!"، فقال: "هأنذا" (12) فقال: "لا تَمُد يدك إلى الغلام، ولا تفعل به شيئًا؛ لأني الآن علِمت أنك خائف الله، فلم تُمسِك ابنك وحيدك عني" (13) فرفَع إبراهيم عينَيه ونظَر وإذا كبش وراءه مُمسكًا في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعَده محرَقةً عِوضًا عن ابنه[1].

 

ويلاحَظ في ذلك النص عدة أمور يمكن الاستِناد إليها في التأكيد على أن القول بأن الذبيح هو إسحاق إنما هو كذِب بحت وافتراء مَحض.

 

ومن بين تلك الأمور ما يلي:

يقول النص التوراتي: "خذ ابنك وحيدك، الذي تُحبه؛ إسحاق" هذا النص التوراتي وصَف إسحاق - عليه السلام - بأنه ابن سيدنا إبراهيم البِكر والوحيد، وهذا طبقًا لنصوص التوراة نفسها يُعدُّ كَذبًا وافتراء؛ لأن النصوص التوراتية التالية تُخبِر بأن إسماعيل - عليه السلام - ولِد لأبيه إبراهيم حينما كان إبراهيم ابن ست وثمانين سنة، بينما ولِد إسحاق لأبيه إبراهيم حينما كان ابن مائة سنة.

 

وتقول النصوص التوراتية في هذا الشأن:

"(15) فولَدت هاجر لأبرام ابنًا، ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولَدته هاجر: "إسماعيل"، (16) كان أبرام ابن ست وثمانين سنة لمَّا ولَدت هاجر إسماعيل لأبرام"[2].

 

" (5) وكان إبراهيم ابن مائة سنة حين ولِد له إسحاق ابنه"[3].

 

أي: إن إسماعيل - عليه السلام - كان قد بلَغ الرابعة عشرة من عمره حينما ولِد أخوه إسحاق - عليه السلام - وهذا يعني أن ولَدَ سيدنا إبراهيم البكر هو سيدنا إسماعيل - عليه السلام - وليس كما يدَّعي اليهود كذبًا وافتراء، كما يعني أن إسحاق - عليه السلام - لم يكن البِكر؛ وإنما إسماعيل - عليه السلام.

 

إذا ادَّعى اليهود أن إسماعيل - عليه السلام - لا يُعَد ابنًا لسيدنا إبراهيم - عليه السلام - لكونه ابن جارية.

 

فسيكون الرد على ادِّعائهم الكاذب بالنص التوراتي التالي الذي يؤكِّد أن سيدنا إبراهيم كان قد اتَّخذ السيدة هاجر زوجة له:

"(1) وأما ساراي امرأة أَبْرام، فلم تلِد له، وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر، (2) فقالت ساراي لأبرام: "هو ذا الرب قد أمسَكَني عن الولادة، ادخل على جاريتي؛ لعلي أُرزَق منها بنين"، فسمع أَبْرام لقول ساراي، (3) فأخذت ساراي امرأة أبرام هاجر المصرية جاريتها، من بعد عشر سنين لإقامة أبرام في أرض كنعان، وأعطتْها لأبرام رجلها زوجةً له، (4)فدخل على هاجر فحَبَلت"[4].

 

وهو كما هو مبيَّن من طيَّات نصِّه يقول: إن السيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل - عليه السلام - كانت زوجة لسيدنا إبراهيم - عليه السلام.

 

النص التوراتي التالي يُعَدُّ واضحًا وضوح الشمس في كونه يَنسب صفة إسماعيل - عليه السلام - ابنًا لسيدنا إبراهيم:

"(15) فولَدت هاجر لأبرام ابنًا، ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولَدته هاجر: إسماعيل، (16) كان أبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولَدت هاجر إسماعيل لأبرام"[5].

 

وكذلك النص التالي:

"(7) وهذه أيام سِنِي حياة إبراهيم التي عاشها: مائة وخمس وسبعون سنةً، (8) وأسلَم إبراهيم رُوحه ومات بشيبةٍ صالحة، شيخًا وشبعان أيامًا، وانضمَّ إلى قومه، (9) ودفَنه إسحاق وإسماعيل ابناه في مغارة المكفيلة في حقل عفرون بن صوحر الحثي الذي أمام ممرا، (10) الحقل الذي اشتراه إبراهيم من بني حِثٍّ، هناك دفِن إبراهيم وسارة امرأته، (11) وكان بعد موت إبراهيم أنْ الله بارَك إسحاق ابنه، وسكَن إسحاق عند بئر لحي رَئِي" [6].

 

وإذا ادَّعى اليهود كذِبًا أن إسماعيل لا يُعدُّ ولدًا بكرًا لسيدنا إبراهيم؛ لكونه ابن امرأة كانت مكروهة، فيمكن تكذيب ذلك الادِّعاء بالنص التوراتي التالي:

"إذا كان لرجل امرأتان: إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة، فولَدَتا له بنين، المحبوبة والمكروهة، فإن كان الابن البكر للمكروهة، (16) فيوم يَقسِم لبنيه ما كان له، لا يَحِل له أن يُقدِّم ابن المحبوبة بكرًا على ابن المكروهة البكر، (17) بل يعرف ابن المكروهة بكرًا ليُعطيه نصيب اثنين من كل ما يوجد عنده؛ لأنه هو أول قدرته، له حق البكورية "[7].

 

وهكذا يتجلَّى لنا من النصوص التوراتية المتعددة أن الذبيح هو إسماعيل - عليه السلام - وليس إسحاق كما يدَّعي اليهود كذبًا وافتراء.

 

أقوال بعض فقهاء المسلمين والأئمة في كون أن الذبيح هو إسماعيل:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في (مجموع الفتاوى 4/331) لما سئل عن الذبيح مِن وَلَد خليل الله إبراهيم - عليه السلام -: هل هو (إسماعيل) أو (إسحاق)؟

فأجاب:

"الحمد لله رب العالمين، هذه المسألة فيها مذهبان مشهوران للعلماء، وكلٌّ منهما مذكور عن طائفة من السلف، وذكَر أبو يعلى في ذلك روايتين عن أحمد، ونصر - أي القاضي - أنه إسحاق اتِّباعًا لأبي بكر عبدالعزيز، وأبو بكر اتَّبع محمد بن جرير؛ ولهذا يذكُر أبو الفرج بن الجوزي أن أصحاب أحمد يَنصرون أنه إسحاق، وإنما ينصره هذان ومَن اتَّبعهما، ويُحكى ذلك عن مالك نفسه لكن خالَفه طائفة من أصحابه.

 

وذكَر الشريف أبو علي بن أبي يوسف أن الصحيح في مذهب أحمد أنه إسماعيل، وهذا هو الذي رواه عبدالله بن أحمد عن أبيه؛ قال: مذهب أبي أنه إسماعيل.

 

وفي الجملة فالنزاع فيها مشهور، لكن الذي يجب القطع به أنه إسماعيل، وهذا الذي عليه الكتاب والسنة والدلائل المشهورة، وهو الذي تدُلُّ عليه التوراة التي بأيدي أهل الكتاب.

 

وأيضًا فإن فيها أنه قال لإبراهيم: اذبَح ابنك وحيدك، وفي ترجمة أخرى: بِكرك.

 

وإسماعيل هو الذي كان وحيده وبِكره باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، لكن أهل الكتاب حرَّفوا فزادوا إسحاق؛ فتلقَّى ذلك عنهم مَن تلقَّاه، وشاع عند بعض المسلمين أنه إسحاق، وأصله من تحريف أهل الكتاب.

 

ومما يَدل على أنه إسماعيل قصة الذبيح المذكورة في سورة الصافات؛ قال تعالى: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101].

 

وقد انطوتِ البِِشارة على ثلاث: على أن الولد غلام ذكَر، وأنه يبلُغ الحُلُم، وأنه يكون حليمًا، وأي حِلم أعظم من حِلمه حين عرَض عليه أبوه الذبح فقال: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].

 

وقيل: لم يَنعَت الله الأنبياء بأقلَّ من الحِلم؛ وذلك لعزَّة وجوده، ولقد نعت إبراهيم به في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 114]، ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ [هود: 75]؛ لأن الحادثة شهِدت بحِلمهما، ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102] إلى قوله: ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِين ﴾ [الصافات: 107 - 113].

 

فهذه القصة تدل على أنه إسماعيل من وجوه:

أحدها: أنه بشَّره بالذبيح وذكَر قصته أولاً، فلما استوفَى ذلك قال: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ﴾ [الصافات: 112- 113]، فبيَّن أنهما بِشارتان؛ بِشارة بالذبيح، وبشارة ثانية بإسحاق، وهذا بيِّن.

 

الثاني: أنه لم يذكُر قصة الذبيح في القرآن إلا في هذا الموضع، وفي سائر المواضع يذكُر البِشارة بإسحاق خاصة، كما في سورة هود من قوله تعالى: ﴿ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71]، فلو كان الذبيح إسحاق لكان خُلْفًا للوعد في يعقوب، وقال تعالى: ﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﴾ [الذاريات: 28 - 29]، وقال تعالى في سورة الحجر: ﴿قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِين ﴾ [الحجر: 53 - 55]، ولم يذكُر أنه الذبيح.

 

ثم لما ذكَر البِشارتين جميعًا؛ البِشارة بالذبيح والبشارة بإسحاق بعده، كان هذا من الأدلة على أن إسحاق ليس هو الذبيح.

 

ويؤيِّد ذلك أنه ذكَر هِبته وهبة يعقوب لإبراهيم في قوله تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 72]، وقوله: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [العنكبوت: 27]، ولم يذكُر الله الذبيحَ.

 

الوجه الثالث: أنه ذكَر في الذبيح أنه غلام حليم، ولما ذكَر البِشارة بإسحاق ذكَر البشارة بغلام عليم في غير هذا الموضِع، والتخصيص لا بد له من حكمة، وهذا مما يقوِّي اقتران الوصفين؛ الحِلْم هو مناسب للصبر الذي هو خُلُق الذبيح.

 

وإسماعيل وصِف بالصبر في قوله تعالى: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 85]، وهذا أيضًا وجه ثالث؛ فإنه قال في الذبيح: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]، وقد وصَف الله إسماعيل أنه من الصابرين، ووصَف الله تعالى إسماعيل أيضًا بصدق الوعد في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾  [مريم: 54]؛ لأنه وعَد أباه من نفْسه الصبر على الذبح فوفَّى به.

 

الوجه الرابع: أن البِشارة بإسحاق كانت معجزة؛ لأن العجوز عَقيم؛ ولهذا قال الخليل - عليه السلام -:  ﴿ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ﴾ [الحجر: 54]، وقالت امرأته: ﴿ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ﴾ [هود: 72]، وقد سبَق أن البِشارة بإسحاق في حال الكِبَر، وكانت البِشارة مشترَكة بين إبراهيم وامرأته.

 

وأما البشارة بالذبيح، فكانت لإبراهيم - عليه السلام - وامتُحِن بذبحه دون الأم المبشرة به، وهذا مما يوافِق ما نقِل عن النبي وأصحابه في الصحيح وغيره من أن إسماعيل لما ولَدته هاجر غارت سارة فذهب إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة، وهناك أمِر بالذبح، وهذا مما يؤيِّد أن هذا الذبيح دون ذلك.

 

ومما يدل على أن الذبيح ليس هو إسحاق: أن الله تعالى قال: ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71]؛ فكيف يأمُر بعد ذلك بذبحه، والبِِشارة بيعقوب تقتضي أن إسحاق يعيش ويولَد له يعقوب؟! ولا خلاف بين الناس أن قصة الذبيح كانت قبل ولادة يعقوب، بل يعقوب إنما ولِد بعد موت إبراهيم - عليه السلام - وقصة الذبيح كانت في حياة إبراهيم بلا ريب.

 

ومما يدل على ذلك: أن قصة الذبيح كانت بمكة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة كان قرْنَا الكبش في الكعبة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للسَّادِن: "إني آمِرك أن تخمِّر قرني الكبش؛ فإنه لا ينبغي أن يكون في القِبلة ما يُلهي المصلِّي"، ولهذا جُعلت منى محلاًّ للنُّسك من عهد إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وهما اللذان بَنيا البيت بنص القرآن، ولم يَنقُل أحد أن إسحاق ذهب إلى مكة لا من أهل الكتاب ولا غيرهم، لكن بعض المؤمنين من أهل الكتاب يزعمون أن قصة الذبح كانت بالشام، فهذا افتراء؛ فإن هذا لو كان ببعض جبال الشام لعرف ذلك الجبل، وربما جعِل مَنسكًا، كما جعِل المسجد الذي بناه إبراهيم وما حوله من المشاعر.

 

وفي المسألة دلائل أخرى على ما ذكَرناه، وأسئلة أورَدها طائفة كابن جرير والقاضي أبي يعلى والسهيلي، ولكن لا يتَّسِع هذا الموضِع لذِكرها والجواب عنها، والله - عز وجل - أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا".

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في مِنهاج السنة النبوية (الجزء الخامس، صفحة 353):

"ولهذا امتحَن الله إبراهيم بذبح ابنه، والذبيح على القول الصحيح ابنه الكبير (إسماعيل) كما دلَّت على ذلك سورة الصافات وغير ذلك، فإنه قد كان سأل ربه أن يهَب له من الصالحين، فبشَّره بالغلام الحليم إسماعيل، فلما بلَغ معه السعي أمرَه أن يذبَحه؛ لئلا يبقى في قلبه محبة مخلوق تُزاحِم محبة الخالق، إذ كان قد طلَبه وهو بِكره، وكذلك في التوراة يقول: اذبَح ابنك وحيدك، وفي ترجمة أخرى: بِكرك، ولكن ألْحَق المُبدِّلون لفظ (إسحاق)، وهو باطل، فإن إسحاق هو الثاني من أولاده باتِّفاق المسلمين وأهل الكتاب، فليس هو وحيده ولا بِكره؛ وإنما وحيده وبكره إسماعيل؛ ولهذا لما ذكَر الله قصة الذبيح في القرآن قال بعد هذا: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 112]، وقال في الآية الأخرى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71]، فكيف يُبشِّره بولَد ثم يأمُره بذبحه؟!".

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في الرد على المَنطقيِّين (صفحة 517):

"ولهذا أمِر إبراهيم الخليل بذبح ابنه؛ فإنه كان قد سأل الله أن يَهَبه إياه ولم يكن له ابن غيره، فإن الذبيح هو إسماعيل على أصحِّ القولين للعلماء وقول أكثرهم، كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، فقال الخليل: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]، قال الله: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101]، والغلام الحليم إسماعيل، وأما إسحاق فقال فيه: ﴿ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾ [الحجر: 53].

 

وإسحاق بشرت به سارة أيضًا لما غارت من هاجر، والله ذكَر قصته بعد قصة الذبيح، فإنه لما ذكَر قصة الذبيح قال بعدها: ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِين ﴾ [الصافات: 112].

 

والمقصود هنا أن الله أمَر الخليل بذبح ابنه بِكره؛ امتحانًا له وابتلاء؛ ليخرج من قلبه محبة ما سوى الله؛ ليتم كونه خليلاً بذلك، فهذا هو الكمال".

 

وقال العلامة ابن القيم الجوزية في زاد المعاد (الجزء الأول، صفحة 71):

"وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، وأما القول بأنه إسحاق، فباطل بأكثر من عشرين وجهًا، وسمِعت شيخ الإسلام ابن تيميَّة - قدَّس الله رُوحه - يقول: هذا القول إنما هو مُتلقى عن أهل الكتاب مع أنه باطل بنص كتابهم؛ فإن فيه: أن الله أمَر إبراهيم أن يذبح ابنه بِكره، وفي لفظ: وحيده، ولا يشكُّ أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بِكر أولاده".



[1] سفر التكوين: الإصحاح الثاني والعشرون.

[2] سفر التكوين: الإصحاح السادس عشر.

[3] سفر التكوين: الإصحاح الحادي والعشرون.

[4] سفر التكوين: الإصحاح السادس عشر.

[5] سفر التكوين: الإصحاح السادس عشر.

[6] سفر التكوين: الإصحاح الخامس بعد العشرين.

[7] سفر التثنية: الإصحاح الحادي والعشرون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وذُبح إسماعيل مرتين..! (قصة قصيرة)
  • حقيقة الذبيح ابن إبراهيم في الأسفار القديمة
  • من هو سفيان بن عوف الأسلمي الغامدي؟
  • نظرات في قصة الذبيح
  • قصة الذبيح دروس وعبر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الحكم التكليفي والحكم الوضعي والفرق بينهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحكم الوضعي والفرق بينه وبين الحكم التكليفي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة رسالة في الحكم بالموجب والحكم بالصحة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • معنى الحكم وأقسامه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الحكم المستطاب بحكم القراءة في صلاة الجنازة بأم الكتاب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • نسخ الحكم الشرعي إلى بدل مساوٍ أو أخف أو أثقل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيفية إدراك العلة الشرعية التي هي مناط الحكم(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حكم من توفي صغيرا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحكم التكليفي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السحر: حكمه وحكم الساحر وآثاره وأسباب الوقاية منه والعلاج منه(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب