• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (1)

نفحات قرآنية (1)
بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/7/2012 ميلادي - 27/8/1433 هجري

الزيارات: 8712

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية (1)


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 51 - 57].

 

استروَحْنا - في بستانِ نفحاتٍ قرآنيَّة سابقة - من شَميم هذه الآيات، ووعَدْنا يومئذٍ بعودٍ قريب إليها، لا لِنَستفرغ شحنَتَها؛ فذلك أمْرٌ علينا عسير، ولكن لِنَخطف الْخَطْفة، ونريح الرُّوح، ونقنع منها بالقبَس، يكشف جنبات الطَّريق الْمُظْلِم لأُمَّة تتخبَّط بين لابتَيْه، وتضرب في التِّيه.

 

والقرآن - كما نَعْلم - منحة السَّماء للأرض، يقيم الله به الكيان، ويَجْلو الوجدان، ويضع الآصار، ويحطم الأغلال، ويسوس النَّاس، ويرشد علاقات الْخَلق بالْخالق، والناس بالنَّاس.

 

وعملية الترشيد هذه تقتضي سياحةً بين الأُمَم مع القرآن، ورصدًا لِخُطى السَّابلة، قربًا أو بعدًا عن الصِّراط، وتقتضي وقوفًا متأنِّيًا أمام صُوَر المواجهة بين الحقِّ والباطل، وأمام مظاهر العدوان على الأديان.

 

وفي هَدْيِ هذا الترشيد يستطيع الْمُسلم أن يُقَوِّم مَن حوله، وما حوله، ثُمَّ ينهج - مع نفْسِه ومع الآخرين - نَهْجَ الله الذي ارتضاه، بلا إفراطٍ ولا تفْريط، ولا تحريف ولا تبديل، يَمْتح[1] من مَعِين الله بقوَّة، ويَفْرِي[2] فرْيَه في عبقريَّة، بلا وهنٍ ولا هوان، ودون أن يَخْشى في الله لومة لائم، أو تَمْنعه رهبةُ الناس أن يقول بِحَق إذا عَلِم؛ مصداق ما روي عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

والمسلم من هذا المقام المرموق، الزَّاخر بالْهدايات، يَرى أعداءه قِمَاءً[3]، ويُبْصرهم - وقد انْحَسر عنهم غطاءُ الْحَقِّ - عرايا مُجرَّدين، فيُكَيِّف نفْسَه طبقًا لِما تيَسَّر مِن رؤيةٍ عميقةٍ واضحة، ويتعامل بفِطْنة ومُرونة واعية مع كلِّ الجبهات التي تتنكَّر الحق، وتكيد وتَمْكُر.

 

من سورة المائدة:

وآياتنا الْمَدنيَّة هذه تشهد بقوَّة الْمُسلمين، واكتمال مقوِّمات الاستِقْلال، والاكتفاء الذاتِيِّ فيهم، وتشهد بقدرتِهم على نبْذِ التَّبَعية والدَّوران في فلَكِ أهل الكتاب.

 

وهي آيات من "سورة المائدة" تتضافر آياتُها؛ كي تستنفِرَ قُوَى الْمُسلم، وتقيمه مقامَ رِفْق وعِلم، ووعْيٍ وثبات، حتَّى يتعامل مع الكون والكائنات بقوَّة عاقلة، وعلى هُدى وبصيرة.

 

و"المائدة" - فيما يُروَى - من آخر سُوَر القرآن عهدًا بالسَّماء؛ وفاقًا لِما ذَكَر الإمام أَحْمد والنَّسائيُّ، ورواه الحاكم عن جُبَير بن نُفَيْر قال: "حجَجْتُ، فدخلَتْ عليَّ عائشةُ - رضي الله عنها - فقالت لي: يا جبير، تقرأ المائدة؟ فقلت: نعَم، فقالَت: أمَا إنَّها آخِرُ سورة نزلَتْ، فما وجدْتُم فيها من حلالٍ فاستَحِلُّوه، وما وجدْتُم فيها من حرامٍ فحَرِّموه".

 

ومعنى هذا أن السورة نزلَتْ بعد شكم الأعداء، واندحار قُوَى الكفر، وتقهقرهم.

 

والتَّقهقُر لا يعنِي الْمَوت، بل قد يكون تَحفُّزًا لوثوبٍ وشيكٍ، فلا بُدَّ أن يكون في الْحُسبان احتمالُ استجماعِهم لِقُواهم، ومُواجهَتهم الْمُسلمين من جديد بكلِّ ما جُبِلوا عليه من شراسة وغَيْظ.

 

فلا عجب إذًا إذا حرَصَ القرآن على رسْم صورةٍ واضحةِ الْمَعالِم لأهل الكتاب، ولسائر الأعداء؛ حتَّى تظلَّ ذخيرةً للأجيال، مُنْذِرة، مذكِّرة على مرِّ الدُّهور، وحتَّى يظل المسلمون آخِذِين وضع الاستعداد، في رباطٍ إلى يوم القيامة.

 

هذا على القول بأنَّ "المائدة" نزلَتْ بِرُمَّتِها دفعة واحدة؛ وفقًا لِما أخرجه الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد قالت: "إنِّي لآخِذَةٌ بزمام العَضْباء - ناقة رسول الله - إذْ نزلَتْ عليه المائدة كلُّها، فكادت من ثقلها تدقُّ عَضُدَ النَّاقة".

 

وظنِّي أنَّ هذا لا يَمْنع من استثناء آياتٍ نزلَتْ من قبْلِ ذلك تغطيةً لِمَواقف معيَّنة، أو رصْدًا لغليان العداوة، وذبذبات النِّفاق.

 

وآياتنا التي نشتَمُّ منها رائحة الشَّمخة والتسلُّط، والتأثير الذي كان لأهل الكِتَاب على العرب لا يبعد أن تكون نزلَتْ منفردة، ثُمَّ نُظِمَت في عِقْد السُّورة مع باقي الآيات التي نزل بِها الرُّوح الأمينُ؛ لِتُتلى مرَّة ثانيةً في نظام السُّورة كُلِّها.

 

من أسرار النُّزول:

والآيات - على أيِّ حالٍ - تُثِير مواقِفَ ارتبطَتْ بِها، وغدَتْ من أسباب نزولِها.

 

ولكن آيات القرآن لا تتقوقَعُ حول خصوص السَّبب، بل يعمُّ نورُها القضايا الْمُناظرة، والمواقف المشابِهَة المتجدِّدة إلى يوم القيامة، وهي في ذلك كالْمِصباح توقِدُه لحاجة في نفْسِك معيَّنة، ولكن نوره يكشف لك ما تُريد، وما لَم تُرِد.

 

ومن المواقف التي تُواكب الآيات:

1- صورة يهود، وهم يستقبلون في قلَقٍ أنباء انتصار المسلمين بِبَدر، ويُحاولون بأكثرَ مِن أسلوبٍ النَّيلَ من روح المسلمين المعنويَّة، مُخْفِين ما اعتراهم من هَمٍّ خلْفَ ادِّعاءات، ودعايات مكثَّفة، قالوا فيما قالوا: "غرَّكم معْشَرَ المسلمين أنْ أصبْتُم رهطًا من قريش لا عِلْم لَهم بقِتال؟! أمَا لو أمرَرْنا العزيمة أن نستجمع عليكم لَم تكن لكم طاقةٌ بِنا"، ويلمس عُبادَةُ بن الصَّامت - رضي الله عنه - وكان وَلِيَّهم - في قالَتِهم تلك شرَرَ الحقد والغيظ، فيُسارع ويَخْلع ولاءهم، ويَبْرأ من حِلْفِهم، مُسْتغنيًا بالله ورسوله والمؤمنين.

 

2- وصورة حليفهم ووَلِيِّهم رأْسِ الْمُنافقين ابنُ أُبَيٍّ متشبِّثًا بِهم، قائمًا دونَهم، ثائرًا من أجْلِهم يوم نقَضَ بنو قَيْنقاع عهْدَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأخْفَروا ذِمَّة المسلمين.

 

يومئذٍ يقف ابنُ أُبَيٍّ منتفضًا، ويصيح مُنْزعجًا: "يا محمَّد، أحسِنْ في موالِيَّ؛ أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع منَعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في ليلةٍ واحدة؟ إنِّي امْرُؤٌ أخشى الدَّوائر".

 

3- وتُطالعك صورةُ رجلَيْن كانا يَعْبدان الله على حَرْف، فانقلبا يوم فتنة أحُد، وعزم أحَدُهما على أن يطلب الْمَنَعة في كنَفِ يهوديٍّ، ولاذ الآخر بِنَصراني يبتغي عنده العِزَّة[4].

 

4- وقد يَثِب إلى ذهنك وأنت تتدبَّر الآياتِ موقِفَ أبي لبابة - رضي الله عنه - وهو يُحَذِّر بني قُرَيظة من موتٍ مُحقَّق إنْ هم نزلوا على حُكْم سعْدٍ فيهم، مشيرًا إلى حَلْقِه أَنِ احذروا النَّزع[5].

 

بيئة الآيات:

وآياتنا تَنْبض في بيئةٍ قرآنيَّة تعكس حقيقة أهل الكتاب، وتُحْصي من مواقف البَغْي والغدر والتَّحريف، ونقض المواثيق ما يُبَصِّر المسلمين، ويوقِفُهم على مواضع الدَّاء، ومكامن الْخَطر فيمن حولَهم من القُوَى الْمضادَّة التي كانت تَمِيل بشِقٍّ، وتخيل[6] عليهم بشق.

 

وهذه المعاني تنبسط في بيئةٍ تترامى بَيْن قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 41].

 

وبَيْن قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [المائدة: 86].

 

والمتمعِّن يلمس مرونةَ هذه البيئة، فهي في أوَّلِها تتَّسِع، وتَمْتدُّ إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 12].

 

والذي يجوس خلالَ هذه البيئة القرآنيَّة يروعه التَّركيزُ الشَّديد على أهل الكتاب، في تصويرٍ بليغ يَمْسح السُّطوح، ويكشف الأعماق، ويستقصي الْخَواطر، ويُجسِّم المعاني، حتَّى يروا عرايا مكشوفين، معزولين عن الهالة التي حاكها أهْلُ الكتاب حول أنفُسِهم، وكثَّفَتْها أُمِّية العرَب، وعُقْدة النَّقص، ونظرة التقدير الَّتِي كانوا ينظرون بِها إلى أصحاب الدِّيانات القديمة.

 

في رحاب البيئة:

وأنت ترى خلال هذه البيئة يدَ الله الْمَبسوطةَ بالنِّعَم تُقابَل بالكُفْران، والافتراء، والتَّحريف، ونَقْض الْمَواثيق، والعداوة الْحَمراء لكلِّ صوتٍ يَشْجب فِعالَهم، ويُعْلِن ضلالَهم، ويندِّد بالْمَزاعم الْمُفتراة.

 

وتَعْجَب وأنت تشهد الإيمان يتحدَّى عتُوَّ الكُفْرِ، والنُّورَ يَمْحق فلولَ الظَّلام، والحقَّ يستهين بكلِّ قوى الضَّلال التي تعترض مسيرة المؤمنين الْمتحصِّنين بدينهم، الْخُبَراء بِدُنياهم، العارفين بِمُقتضيات سنن الله في الوجود، وفي هذا تربيةٌ للمؤمنين أيّ تربية! فلا يَهِنون ولا يَحْزنون، ولا يَيْئسون.

 

وترى في البيئة تذكيرًا بالكِتابيْنِ اللَّذَين تعرَّضا للعبَث، والتَّحريف، والْمَسخ، حتَّى ابتَعَدا عن أصْلِهما، وعن الْهَدَف الذي أنزلا من أجْلِه، وهو التَّطبيق، والاحتكام، والالتزام، لا مُجرَّد التِّلاوة، أو الاستماع، أو التبَرُّك، وفي هذا التَّنْديد بِصَنيع أهل الكِتَابيْن تَحْذيرٌ للمُسْلمين أن يتَّبِعوا سَنَن مَن قبْلَهم، ويلفُّوا لفَّ من سبَقَهم.

 

وموقف التنديد بصنيع أهل الكتابين يقتضي إشادةً بالقرآن؛ لأنَّه جاء مصدِّقًا لِما بين يدَيْه من الكتاب، ومهيمنًا عليه، في إحاطةٍ بِحَقائق الأديان تُبوِّئ هذا الكتابَ مقام الشهادة على جَميع الكتب، ما وافق القرآن منها كان حقًّا، وما لا فلا، بِمِثل هذه الْخَصائص صار للقرآنِ الْمَقامُ الأَسْمى، وتَحتَّم الالتزامُ بشِرْعة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - التي تناسب العمر العقليَّ للبشريَّة الراشدة التي بلغَتْ أشُدَّها، واستوت، والالتزام بِمِنهاجه الذي أُسِّس على أصولٍ تربويَّة مَرِنة، تُناسب التطوُّر الإنسانِيَّ المستمِرَّ.

 

وإذا كان لكلِّ مرحلة من مراحل النُّمو البشري شريعةٌ ملائمة ومنهاجٌ، فإنَّ كلَّ أمة من أمم هذه المراحل تستبق الخيرات بقدْر ما رُزِقت من قدرات، وأُوتيَتْ من وُسْع، ذلك قول الله: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [المائدة: 48].

 

إلا أنَّ روح الشرائع واحدةٌ، هي مفهوم كلمة التَّوحيد: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36].

 

اقرأ في هذه المعاني من قول الله: ﴿ فَإِنْ جَاؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 42].

 

إلى قول الله: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].

 

هكذا تُطَوِّق الآياتُ الأقطارَ، وتُحاصر الأفكار، وتقصُّ الآثار، وتحيط بأهل الكتاب وهم يدبُّون دبيبًا، حتَّى ينتهوا إلى شفير جهنَّم مستقَرِّ الكفرة المكذِّبين؛ ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيم ﴾ [المائدة: 86].

 

وفي أثناء ذلك تلمح استطراداتٍ تُحتِّمها الْمَواقف، أو تستدعيها الْمَعاني، أو يقتضيها كمالُ التَّصوير.

 

يتبع،،



[1] مَتح الماء: نزَحَه.

[2] فَرَى الفَرْي: عمل عملاً يأخذ بالألباب.

[3] قماءً: أذِلَّة صغارًا.

[4] ابن جرير.

[5] ابن جرير أيضًا، وفي "جامع البيان في تأويل القرآن" للطَّبَري - (10 / 398 - 399):

وقد يجوز أن تكون الآية نزلت في شأن عبادة بن الصامت وعبدالله بن أُبَيِّ بن سلول وحلفائهما من اليهود.

ويجوز أن تكون نزلت في أبي لبابة؛ بسبب فعْلِه في بني قُرَيظة.

ويجوز أن تكون نزلَتْ في شأن الرَّجلين اللَّذَين ذكر السُّدِّيُّ أن أحدَهما همَّ باللحاق بدهلكَ اليهوديِّ، والآخَر بنصرانِيٍّ بالشأم.

ولَم يَصِحَّ بواحدٍ من هذه الأقوال الثلاثة خبَرٌ تثبت بِمِثله حُجَّة، فيُسلَّم لصحته القولُ بأنه كما قيل.

فإذْ كان ذلك كذلك، فالصواب أن يُحْكم لظاهر التَّنْزيل بالعموم على ما عمَّ.

[6] أيْ: تتهم وتخدع.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • 19 وصية قرآنية لخير أمة أخرجت للناس
  • وقفة مع آيتين من كتاب الله
  • وقفة مع آية من كتاب الله
  • وقفة مع آية من كتاب الله (1)
  • نفحات قرآنية .. في فاتحة الكتاب والبقرة
  • نفحات قرآنية (3)
  • نفحات قرآنية (2)
  • نفحات قرآنية (4)
  • نفحات قرآنية (5)
  • نفحات قرآنية (6)
  • نفحات قرآنية (8)
  • وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس

مختارات من الشبكة

  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية (17)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من خصائص رمضان: لله نفحات من رحمته يصيب بها من شاء من عباده وشهر رمضان أرجى الأزمنة لذلك(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب