• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الحقوق الزوجية (حق الزوجة)

الشيخ ندا أبو أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/6/2012 ميلادي - 10/8/1433 هجري

الزيارات: 1466312

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحقوق الزوجية (حق الزوجة)


تمهيد:

إن الحمد لله- تعالى - نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله - تعالى - من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهد الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].

 

أما بعدُ:

فإن أصدق الحديث كتاب الله - تعالى - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

قبل الكلام عن حقوق الزوجة وما لها، نود أن نصحح مفهومًا خاطئًا يعتقده البعض عن المرأة، وهذا المفهوم يجعلهم يتعاملون مع المرأة بحذر؛ فقد فهِموا خطأً الآية القرآنية، فقالوا: إن كيد المرأة أشد من كيد الشيطان.

 

فيقولون: إن الله لما ذكر كيد الشيطان، قال: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]، وعندما ذكر كيد النساء قال: ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 28].

 

فمن هذا المنطلق يتعاملون مع المرأة على أنها أسوأ من الشيطان، وينبغي الحذر منها.

 

وهذا مفهوم خاطئ؛ لأن الله لَمَّا وصف كيد الشيطان بأنه ضعيف؛ أي: بالمقارنة إلى كيد الله.

 

ولما وصف كيد المرأة بأنه عظيم؛ أي: بالنسبة لكيد يوسف - عليه السلام - فلا وجه للمقارنة بين كيد النساء وكيد الشيطان.

 

وعلى هذا نقول للأزواج كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رِفقًا بالقوارير)).

 

فأنتم تتعاملون مع مخلوق رقيق المشاعر يعطي بلا حدود، كله حنان وعطف، والكيِّس من اكتشف هذه الأحاسيس والمشاعر، وأحسَن توجيهها.

 

وقبل الكلام عن حقوق الزوجة، أريد منك أن تقف موقف المحايد المنصف، وأسألك سؤالاً: لو استأجرت خادمةً في اليوم، فغسلت لك ملابسك، ثم قامت بكيِّها، ثم طهَت لك الطعام، وقامت بتنظيف السكن، وتربية الأولاد، فما جزاؤها عندك؟ وهل ستقابل هذا الإحسان إلا بإحسان مثله؟ فكيف بزوجتك التي تفعل هذا كله؟! هذا بخلاف قضاء حاجتك من جماعٍ.

 

- فلا شك أن الزوجة الصالحة من أعظم نعمِ الله - تعالى - على الرجل بعد نعمة الإسلام؛ ولذلك يجب على الرجل حفظها ورعايتها، وأن يشكر ربه على هذه النعمة.

 

وقد جعل الله العلاقة بين الزوجين من أوثق العلاقات التي عرَفتها البشرية، فربما لا يوجد علاقة بين اثنين مثلما يوجد بين الزوجين، وقد ربط الله - تعالى - هذه العلاقة بالمودة والرحمة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

 

والمقصود دوام هذه الخصال في الزواج.

 

وكل ما كان من الحقوق بين الزوجين، قائمٌ في الحقيقة لحفظ المودة والرحمة بينهما:

فالمرأة: لباس الزوج، وستره، وسكينته، وهدوء قلبه، وهي أم ولده، وشريكة حياته، فلها حقوق على الزوج، كما أن للزوج حقوقًا عليها؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند الترمذي: ((ألا إن لكم على نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا)).

 

فعلى الرجل المسلِم أن يتفهَّم هذه الحقوق، ويتودد إلى زوجته، ويؤدي ما لها من حقوق، وأن يكون حريصًا على رضاها ومحبتها؛ حتى تدوم العشرة بينهما، وبذلك لا يدع للشيطان فرصةً للتحريش بينه وبين زوجته والتفريق بينهما؛ لأن هذا هو أقصى ما يتمناه الشيطان، وأفضل ما يدخل عليه السرور هو التفريق بين الزوجين، ولكننا - بمشيئة الله - سنقطع عليه هذا الأمر.

 

ففي صحيح مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجئ أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيُدنيه منه، ويقول: نعم أنت[1])).

 

ومن الحقوق الزوجية للزوجة:

• المهر والصَّداق: وهو المال الذي تأخذه المرأة تنتفع به وحدها بسبب النكاح، وحكمه الوجوب، ودليل ذلك:

من القرآن الكريم:

• قوله - تعالى -: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4].

 

فأضاف الله - تعالى - ﴿ صَدُقَات ﴾ إليهن، والإضافة فيها إضافة مِلْك، فدلَّ هذا على أن المهر حق للمرأة تَنتفع به وحدها، وليس لأحد الانتفاع به حتى الوالدين وأقرب الأقربين إليها، إلا إذا أذِنت لهم في ذلك عن رضاها وطيب نفسها، وحرية إرادتها.

 

• قال - تعالى -: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 25].

 

• وقال - تعالى -: ﴿ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [النساء: 24].

 

وإذا أعطت المرأة مهرها لأحد بسبب مخادعة أو إكراه، أو حياء أو خوف؛ فالمهر حرام على من أخذه وأكله؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 20].

 

ومن السُّنة:

• فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس - رضي الله عنه -: "أن عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تزوَّجت امرأةً، فقال: ((ما أصدقتَها؟))، قال: وزن نواة من ذهبٍ، فقال: ((بارك الله لك، أَوْلِم ولو بشاة)).

 

• أخرج البخاري ومسلم عن أنس - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها".

 

وغير ذلك من الأدلة، والتي تدل على وجوب صداق المرأة، وهذا ما أجمع عليه المسلمون؛ كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني (6/ 679).

 

ولقد حذَّر الإسلام من خداع المرأة وأكل مهْرها، توعَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - مَن فعَل هذا بأشد الوعيد؛ فقد أخرج الحاكم - بسند حسن حسَّنه الألباني - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أعظم الذنوب عند الله: رجل تزوج امرأةً، فلما قضى حاجته منها، طلَّقها وذهب بمهرها، ورجل استعمل رجلاً، فذهب بأجرته، وآخر يقتل دابةً عبثًا))؛ السلسلة الصحيحة: (999).

 

أن يحسن المعاشرة بالمعروف: "حسن العشرة":

والمراد به إحسان الصحبة، وكف الأذى، وعدم مَطل الحقوق مع القدرة، وإظهار البِشر والطلاقة والانبساط، وهي واجبة على الزوج، والأصل فيها قوله - تعالى -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19].

 

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:

"أي: طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسِّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب منها، فافعل أنت بها مثله؛ كما قال - سبحانه -: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ... ﴾ [البقرة: 228].

 

ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح ابن حبان: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).

 

قال القرطبي في هذه الآية:

"وهو مثل قوله - تعالى -: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [البقرة:229]، وذلك تَوْفِية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وألا يكون فظًّا ولا غليظًا، ولا مظهرًا ميلاً إلى غيرها.

 

وهذه الآية على إيجازها، إلا أنها جمعت كل محاسن العشرة بأنواعها، من حسن المعاملة مع الزوجة، وألا يحتقرها ولا يذم أهلها، وغير ذلك من الأمور التي لا تحبها المرأة، فلا ينبغي للزوج أن يفعلها مع المرأة.

 

فاتقِ الله أيها الزوج في زوجتك، وانظر بعين من الرحمة إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن عَوان عندكم)).

 

أي: أسيرات، وهذا يدل على ضَعفها ومسكنتها.

 

ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((استوصوا)): هو الاستيصاء، ومعنى الاستيصاء: قَبول الوصية، فكأنه يقول: أوصيكم بهنَّ، فاقبلوا وصيَّتي فيهن، أو يكون المعنى: اطلبوا الوصية؛ أي: من أنفسكم في حقهن.

 

فيجب على الزوج الإحسان إليها، وعليه أن يترفَّق بها؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم: ((من يُحرَم الرفق، يُحرَم الخير كله)).

 

ووصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنساء، فقال - كما عند البخاري ومسلم -: ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن خُلِقن من ضِلَع أعوج، وإن أعوجَ شيء في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهبَت تُقيمه كسَرته، وإن تركته لم يزَل أعوجَ؛ فاستوصوا بالنساء خيرًا)).

 

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يرغب في حسن المعاشرة مع النساء، إذا علِم الرجل فطرة المرأة التي فطرها الله عليها، فحينئذٍ يتعامل على هذا الأساس، ويعاملها من باب الفضل، فيحسن أخلاقه معها.

 

فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في سنن الترمذي بسند صحيح: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم)).

 

وعند الترمذي وابن حبان: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))؛ سنده صحيح.

 

ولما خطب علي - رضي الله عنه - فاطمة - رضي الله عنها - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هي لك على أن تُحسن صحبتها))؛ الطبراني بسند صحيح.

 

من حسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف:

1 - طلاقة الوجه والكلمة الطيبة:

فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تَحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ)).

 

وفي رواية أخرى - عند أبي داود، وصحَّحها الألباني - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تحقرن من المعروف شيئًا، وأن تكلم أخاك وأنت مُنبسط إليه بوجهك؛ فإن ذلك من المعروف)).

 

فهذا يكون من المعروف مع أخيك المسلم الغريب عنك، فما بالك إذا كان الوجه المنبسط لزوجتك، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضًا كما عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((والكلمة الطيبة صدقة)).

 

ومَن أحق من الزوجة بهذا المعروف، وهذه الصدقة؟! فاجعل كلامك لزوجتك عبادةً.

 

إن للكلمة الطيبة سحرًا في قلوب الناس، وخاصة النساء؛ فإنهن أصحاب عواطف تُهيجها الابتسامة والكَلِم الطيب.

 

إن المرأة لا تحتاج إلى المال ومتاع الدنيا، أكثر مما تحتاجه من كلمة طيبة، تشعر فيها بكرامتها وقيمتها الإنسانية؛ فالكلمة الطيبة والابتسامة الجميلة من أغلى الهدايا التي يقدمها الزوج لزوجته، خصوصًا عندما تقوم المرأة بخدمة بيتها وزوجها، فيقابلها بالكلمة الطيبة: من الدعاء لها بالخير، والدعاء أن يبارك الله فيها، فالمرأة إن وجَدت معروفها يُشكر، وأن خيرها يُذكر ولا يُكفر - حمِدت ذلك من بعْلها، ونشِطت للإحسان إليه، والقيام بأمره وشأنه، بل كان ذلك معينًا لها على البقاء على العِشرة بالمعروف.

 

وانظر - أخي الحبيب - لثواب وجزاء الكلام الطيب:

أخرج الإمام أحمد والحاكم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها))، فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائمًا والناس نيام)).

 

يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم - كما في "عودة الحجاب" (1/ 417) -: "إن الكلمة الطيبة أغلى عند الزوجة - في كثير من الأحيان - من الحُلي الثمينة، والثوب الفاخر الجديد؛ وذلك لأن العاطفة المحببة التي تبثُّها الكلمة الطيبة غذاء الروح، فكما أنه لا حياة للبدن بلا طعام، فكذلك لا حياة للروح بلا كلام حلو لطيف.

 

اشكر زوجتك على صحن الطعام اللذيذ الذي قد أعدَّته لك بيديها، اشكرها بابتسامة ونظرة عطف وحنان، اثنِ عليها، وتحدث عن محاسنها وجمالها، والنساء يُعجبهن الثناء، ويؤثر فيهن، اذكر لها امتنانك لرعايتها، وخِدمتها لك ولبيتك وأولادك.

 

وكما قيل: من حُسن العشرة طيب الكلام، وحسن الفعال والهيئات، والتغاضي عن الهفوات.

 

• وانظر إلى حسن فعال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهل بيته؛ فقد أخرج الإمام مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كنت أشرب من الإناء وأنا حائض، ثم أناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع في، وأتعرَّق العِرْق وأنا حائض، فأعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فمه في الموضع الذي وضَعت فيه فمي".

 

2- أن يجلس معها ويؤانسها ويُسامرها:

كما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي العشاء ثم يذهب إلى بيته، ويدخل على أهله ويُحدثهم ويسامرهم، فلهن عليه حقوق.

 

فليَنتبه إلى هذا الذين يقضون سهراتهم على المقاهي، أو في النوادي، أو عند الإخوة، ثم يذهب إلى بيته وزوجته نائمة، وربما خرج في الصباح وهي نائمة أيضًا، فأين الود والأنس وحُسن العشرة؟!

 

أين هو من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن قوله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].

 

وعند البخاري ومسلم أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كنت متيقظة حدثني، وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة".

 

3- أن يتزيَّن ويتجمل لها:

فمن المعاشرة بالمعروف أن يتزين ويتجمل لها، كما يحب أن تتجمَّل هي له؛ قال يحيى بن عبدالرحمن الحنظلي: "أتيت محمد بن الحنفية، فخرج إلي في ملحفة حمراء، ولحيته تقطر من الغالية[2]، فقلت: ما هذا؟ قال: إن هذه الملحفة ألقتها علي امرأتي، ودهنتني بالطِّيب، وإنهن يشتهين منا ما نشتهي منهن".

 

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -:

"إني أحب أن أتزيَّن لامرأتي، كما أحب أن تتزيَّن لي"؛ تفسير القرطبي (5/ 97).

 

4- المودة والرحمة:

فالمودة والرحمة أصل حُسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف، وهي سر السعادة؛ قال - تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً... ﴾ [الروم: 21].

 

ومن صور المودة والرحمة:

ما جاء به الخبر الذي أخرجه الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيلَ منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتَهك شيء من محارم الله، فيَنتقم".

 

فهذا الحديث يبيِّن بجلاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ينتصر لنفسه قط، بل يتعامل مع زوجاته بود ورحمة، إلا أن تُنتهك محارم الله؛ فكان يغضب لذلك.

 

5- أن يُسلم عليها إذا دخل البيت:

فمن المعاشرة بالمعروف أن يسلم الرجل على زوجته إذا دخل عليها البيت؛ فإن ذلك من أسباب نشْر المحبة والمودة بين الزوجين، ومن أسباب جلْب البركة؛ فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).

 

وأخرج الترمذي عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلِّم، يكن سلامك بركةً عليك، وعلى أهل بيتك))؛ صحيح الترغيب والترهيب (1608).

 

ومَن دخل على أهله بسلام، فهو في كلأ الله وحفظه ورعايته؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود وابن حبان عن أبي أُمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة كلهم ضامن على الله؛ إن عاش رُزِق وكُفِي، وإن مات أدخله الله الجنة: مَن دخل بيته فسلَّم، فهو ضامن على الله...))، الحديث.

 

6- أن يحترم أهلها:

فيوقِّرهم ويرفع من شأنهم أمامها خاصة، فلا يوبخهم ولا يذمهم، وهذا يزيد من محبة الزوجة لزوجها، ومعاملة أهله بالمثل؛ فيكون الوفاق بدلاً من الشقاق، والأُلفة مكان النفرة، والأنس مكان الوحشة.

 

7- أن يرعاها إذا مرِضَت:

فقد غاب عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن غزوة بدر؛ لأن زوجه رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت مريضةً، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((أقم معها، ولك أجْر مَن شهِد بدرًا وسهمه))؛ أخرجه البخاري.

 

8- أن يساعدها إذا كانت مريضة، أو فيما ثَقُل عليها، أو عند الحمْل، أو عند الوضع:

وهذا ليس عيبًا ولا نقصًا في رجولة الرجل، وإنما هو المُروءة والكرم، والرحمة والشفقة، ومَن لا يرحم لا يُرحم؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في "مستدرك الحاكم" - بسند صحيح -: ((الراحمون يرحمهم الله، ارحموا أهل الأرض، يرحمكم أهل السماء)).

 

فها هو أعظم الرجال محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يستنكف أبدًا - وهو الذي يحمل أعباء الأمة الإسلامية بأسْرها - أن يساعد زوجته في عمل البيت، بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - وهو المثل الأعلى؛ أخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْلِي ثوبه، ويَحلب شاتَه، ويَخدم نفسه" - وفي رواية -: "كان يَخصِف النعل، ويَرقع الثوب ويَخِيط".

 

وعند البخاري أن الأسود بن يزيد النخعي سأل عائشة - رضي الله عنها -: "ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في البيت؟ قالت: كان يكون في مَهنة أهله، فإذا سمِع الأذان خرَج"، وعند البخاري أيضًا من حديث عائشة - رضي الله عنها -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكون في مهنة أهله - يعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ".

 

9- أن يصبر عليها، ويعفو عنها ويراعي ما فيها من جانب القصور الفطري:

فما منا من أحد إلا وله أخطاء وذنوب، وهذه طبيعة البشر وطبيعة المرأة؛ كما فهَّمها لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بقوله: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا شهد أمرًا فليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلِقت من ضِلَع، وأن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه، إن ذهبت تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوجَ، استوصوا بالنساء خيرًا)).

 

وهذا الحديث دل على أن المرأة تُقوَّم، ولكن تُقوَّم برفقٍ.

 

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/ 206):

"وفي الحديث رمز إلى التقويم برفق؛ بحيث لا يبالغ فيه فيَكسر، ولا يتركه فيستمر على عِوَجه، وإلى هذا أشار البخاري في الباب"؛ ا.هـ.

 

وفي حديث آخر - هو في مسند الإمام أحمد، وصحَّحه الألباني كما في "صحيح الجامع" - عن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المرأة خُلِقت من ضِلَع، وإنك إن ترد إقامة الضِّلَع تَكسرها، فدارِها، تَعِشْ بها))، ولا يعني ذلك عدم تقويم الاعوجاج، خاصة إذا تعدَّى حدود الله؛ قال ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 207):

"يؤخذ منه ألا يتركها على الاعوجاج، إذا تعدَّت ما طُبِعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها، أو ترك الواجب، وإنما يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة"؛ ا.هـ.

 

والمقصود بالكسر - في الحديث - الطلاق؛ كما ورد في رواية مسلم: ((وإن ذهَبت تُقيمها كسَرتها، وكسْرها: طلاقها)).

 

وليعلم المؤمن أن الأمور بتقدير الله، فرُب شيء يرى فيه الشر جاءه منه الخير؛ قال - تعالى: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

 

فينبغي للرجل أن يراعي هذا القصور، ويغض الطرف عن بعض أخطاء الزوجة، إن لم يكن فيه إخلال بشرع الله، ولا يتخذ هذا القصور مبررًا للطعن في شخصية المرأة، أو الانتقاص من قدرها في كل آن وحين، بل يجعل هذا الحديث دواءً لعلاج أي مشكلة زوجية، ولذلك يتوقع الزوج التقصير من الزوجة.

 

وليتذكر الزوج قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((لا يَفرَك مؤمن مؤمنةً[3]، إن كرِه منها خُلقًا، رضِي منها آخر)).

 

ففي هذا الحديث إشارة إلى عدم بُغض الزوج لزوجته بالكلية؛ مما يجعله يُفارقها، بل عليه - إن حدث منها تقصير - أن ينظر إلى الجانب المشرق من أخلاقها الحسنة الأخرى، فيغض الطرف عن سيئاتها ويتذكَّر حسناتها، فكم لها من أيادٍ بيضاءَ عليه؛ ففي "الصحيحين" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ولم أر امرأةً قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم وأعظم صدقةً، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصَدَّق به وتقرَّب به، ما عدا سَوْرَة من حِدَّة كانت فيها، تُسرع منها الفَيْئة".

 

وفي هذا الحديث دليل على أن المرأة لا بد أن يكون فيها هفوات أو تقصير في أمرٍ ما، فلا بد للزوج العاقل أن يتغاضى عن مثل هذه الهفوات، ويسامح في التقصير البسيط - ما لم يكن في الدين - بالنظر إلى مآثرها ومحاسنها الأخرى.

 

بل انظر كيف كان الزبير بن العوام يغض الطرف عن بعض مساوئ زوجته؛ فعند البخاري من حديث أسماء - رضي الله عنها - قالت: "كنت أَعجِن ولم أكن أَخبِز، وكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكن نِسوة صدق".

 

- فإذا وجد الزوج تقصيرًا في شيء، فليتذكَّر سائر أعمال الزوجة الطيبة، وبهذا يعيش معها سليم الصدر، فلا بد للزوجين أن يتخطى كل منهما هفوات الآخر؛ حتى تستمر الحياة الزوجية.

 

قال الغزالي - رحمه الله - في "الإحياء" (4/ 720):

"واعلم أن ليس حُسن الخلق مع المرأة كفَّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها؛ اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كانت نساؤه تُراجعنه الكلام، وتَهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل"؛ ا.هـ.

 

وأخرج البخاري ومسلم عن عمر - رضي الله عنه - أن امرأته راجعته في الكلام، فقال: أتراجعيني يا لَكْعَاء؟[4]، فقالت: إن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُراجعنه وهو خير منك، فقال عمر: خابت حفصة وخسِرت إن راجعته، ثم قال لحفصة: لا تغترِّي بابنة أبي قحافة؛ فإنها حِب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخوَّفها من المراجعة"؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لي: ((إني لأعرف غضبك من رضاك))، فقالت: وكيف تعرفه؟ قال: ((إذا رضيتِ، قلت: لا وإله محمد، وإذا غضِبت، قلت: لا وإله إبراهيم))، قالت: صدَقت إنما أهجر اسمك".

 

وفي رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضْبى))، قالت: من أين تعرف ذلك؟ قال: ((أما إذا كنتِ عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنتِ غضْبى، قلتِ: لا ورب إبراهيم))، قالت: أجَل، والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك".

 

بل انظر إلى هذا الموقف الذي عالج فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة، ومراعاة لمشاعر المرأة والتي دافعها الغَيْرة؛ فقد أخرج النسائي من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند بعض نسائه، فأرسَلت إحدى أمهات المؤمنين - صفية - بصحفة فيها طعام، فضرَبت التي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها - وهي عائشة - يدَ الخادم، فسقطت الصَّحْفَة، فانفلقت، فجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلق الصَّحْفَة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصَّحْفَة، ويقول: غارت أمُّكم، غارت أمكم، ثم حبَس الخادم - أمره بالانتظار- حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصَّحْفَة الصحيحة إلى التي كُسِرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كُسِرت فيه".

 

انظر أخي الحبيب إلى تصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموقف، وكيف عالجه، وكيف أن الموقف مرَّ دون أدنى مشكلة، ولك أن تتخيَّل إن حدث هذا لك، فماذا كنت ستفعل؟

أترك لك الإجابة.

 

10- أن يصونها ويحفظها، ويجعلها تشعر بالأمان معه:

من حقوق الزوجة على زوجها أن يحفظها ويصونها من كل شيء يَخدِش حياءها، أو يُفسد دينها أو دنياها.

 

فعليه أن يختار المسكن الآمِن، فلا يتركها في مسكنٍ مهجور أو مُوحش غير آمِن، أو مسكن مَشبوه.

 

11- وعليه أن يَمنعها من كل أنواع الفساد من اختلاط بالنساء الفاسقات.

 

12- وعليه أن يمنعها من مطالعة القَصص الفاجرة، والمجلات الخليعة، والأفلام الماجنة.

 

13- وعليه أن يمنعها من الذهاب إلى دُور الملاهي.

 

14- وعليه أن يمنعها من سماع أغاني الفُحش والخنا.

 

15- وعليه أن يمنعها من التبرُّج والسفور.

 

16- وعليه أن يَمنعها من الاختلاط بكل الرجال سوى محارمها، وليَحذر الحمو، وهم أقارب الزوج الرجال: من أخ، أو ابن أخ، وغير ذلك؛ وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري ومسلم: ((والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيَّته)).

 

وكثير من المصائب تحدث في البيوت؛ بسبب عدم محافظة الرجل على زوجته، فهو يسمح لها بأن تجالس الرجال في البيت، ويسمح لها أن تُكلمهم في "التليفون"، بل يسمح لها بالخروج لمقابلة الرجال في العمل، ثم يكون من العواقب ما هو معلوم ومحسوس، ونسمع ونقرأ عنه في واقعنا المعاصر.

 

وهناك مَن يسمح لها بالجلوس أمام التلفاز لمشاهدة الرجال ومناظر العَهْر، وإذا فسدت المرأة أو حدَث ما لا يُحمد عقباه، نقول حينئذ للرجل: يا هذا، أنت السبب؛ لأنك فرَّطت وقصَّرت في الحفاظ عليها.

 

وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في "مجموع الفتوى" (32/ 264 - 265) عن رجل له زوجة أسكنها بين ناس مناجيس، وهو يخرج بها إلى الفرج وإلى أماكن الفساد، ويعاشر المفسدين، فإذا قيل له: انتقل من هذا المسكن السوء، فيقول: أنا زوجها ولي الحُكم في امرأتي، ولي السكن، فهل له ذلك؟

 

فأجاب: "الحمد لله رب العالمين، ليس له أن يُسكنها حيث شاء، ولا يخرجها إلى حيث شاء، بل يسكن بها في مسكن يصلح لمثلها، ولا يخرج بها عند أهل الفجور، بل ليس له أن يعاشر الفُجَّار على فجورهم، ومتى فعَل ذلك، وجَب أن يُعاقب عقوبتين:

عقوبة على فجوره بحسب ما فعل، وعقوبة على ترْك صيانة زوجته، وإخراجها إلى أماكن الفجور، فيعاقب على ذلك عقوبةً تردعه وأمثاله عن مثل ذلك، والله أعلم".

 

17- أن يحسن الظن بها، ولا يتخوَّنها:

فليس للزوج أن يُسيء الظن بزوجته، ولا يتخوَّنها، ويلتمس لها العثرات، فهذا ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد أخرج أبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن من الغيْرة غيرة يبغضها الله، وهي غيرة الرجل على أهله من غير رِيبة)).

 

وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله[5] ليلاً يتخوَّنهم، أو يطلب عثراتهم".

 

وقد خالف بعضهم هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى عند أهله رجلاً، فعُوقِب بذلك على مخالفته، والحديث عند ابن خُزيمة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تطرق النساء ليلاً، فطرق رجلان كلاهما وجَد مع امرأته ما يَكره".

 

18- أن يحفظ هيبتها وكرامتها:

إن العلاقة بين الزوجين علاقة حب ومودة، وسكينة ورحمة.

 

وكرامة الزوجة واحترامها مطلوبة من الرجل، كما أن المرأة مطالبة باحترام وتوقير زوجها، فعلى الزوج أن يحترم زوجته، ويحفظ كرامتها، وذلك بأن يُكرمها فلا يُهينها، ويُثني عليها ويمدحها دائمًا، خاصة أمام أهلها وأهله؛ فإن ذلك من أسباب زيادة محبتها له، ويُكنيها ويحترمها، ويقول لها: "يا أمَّ فلان".

 

وليَحذر الزوج من سوء معاملة الزوجة وإهانتها؛ بأن يُعاملها معاملة السيد لأمَته، فالمرأة ليست بأمَة أو خادمة عند الزوج، فلا يحق له أن يوبِّخها بالسِّباب والشَّتم، أو يناديها بأقبح الأسماء التي لا تحبها المرأة، وخاصة أمام الناس؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري ومسلم: ((سِباب المسلم فسوق)).

 

ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في "مستدرك الحاكم" - وهو في "صحيح الجامع" -: ((ليس المؤمن بالطَّعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء)).

 

وعلى الزوج كذلك ألا يُقبح الوجه؛ أي: لا يضربها في وجهها؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كما في سنن أبي داود - وهو في "صحيح الجامع"-: ((ولا تضرب الوجه ولا تُقبح)).

 

وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:

"ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله، فينتقم"، وفي صحيح البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم)).

 

فائدة:

ضرب الزوجة مشروع إذا نشَزت وتركت طاعة زوجها؛ على النحو الذي في قوله - تعالى -: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].

 

والضرب في هذه الآية له ثلاث ضوابط:

1- أن يكون بعد عدم جدوى الوعظ والهجر في الفراش.

 

2- أن يكون ضرب تأديب غير مُبرِّح، يَكسر النفس، ولا يكسر العظام.

 

3- أن يُرفع الضرب ويُمنَع إذا امتثَلت لطاعة زوجها.

 

19- أن ينفق عليها ويكسوها والأولاد:

أولاً: أما النفقة:

فالمراد بها ما يُنفقه الزوج على زوجته وأولاده: من طعام، وكسوة...، ونحو ذلك.

 

ونفقة الزوجة واجبة على الزوج بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول:

 

أما الكتاب، فمن ذلك:

أ- قوله - تعالى -: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7].

 

ب- وقوله - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233].

 

قال ابن كثير - رحمه الله -: "أي: وعلى والد الطفل نفقة الوالدات، وكسوتهن بالمعروف؛ أي: بما جرت به عادة أمثالهن من غير إسراف ولا إقتارٍ، بحسب قدرته في يساره وتوسُّطه وإقتاره"؛ ا.هـ.

 

وأما السنة، فمنها:

أ- ما أخرجه مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا الله في النساء؛ فإنهنَّ عَوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحلَلتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)).

 

ب- وفي رواية أخرى لمسلم من حديث عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - أنه سمِع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حَجة الوداع: ((ألا إن لكم على نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا: فأما حقكم على نسائكم، فلا يُوطِئْنَ فُرشكم من تكرهون، ولا يَأذنَّ لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تُحسِنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)).

 

وفي سنن أبي داود من حديث معاوية بن حَيْدة - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تُطعمها إذا طعِمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تَهجر إلا في البيت)).

 

د- وأخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بصدقة، فجاء رجل، فقال: عندي دينار، فقال: أنفقه على نفسك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على زوجك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على ولدك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصرُ)).

 

هـ- وعند البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنًى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)).

 

زاد الدارقطني: "إنه قيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: ((امرأتك ممن تعول)).

 

بل إذا وسع الله عليه، فليوسع على أهل بيته:

و- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث جابر بن سَمُرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أعطى الله أحدكم خيرًا، فليبدأ بنفسه وأهل بيته)).

 

وأما الإجماع:

فقد ذكر غير واحد من أهل العلم اتفاقهم على وجوب نفقة الزوجة على زوجها - إذا كان بالغًا - إلا الناشز.

 

يقول ابن قدامة - رحمه الله - في "المغني" (7/ 594):

"وأما الإجماع، فاتَّفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن، إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهن؛ ذكره ابن المنذر وغيره"؛ ا.هـ.

 

وأما المعقول:

فإن المرأة محبوسة على الزوج، يمنعها من التصرف والاكتساب لتفرُّغها لحقه، فكان عليه أن ينفق عليها.

 

سبب وجوب النفقة:

ذهب الحنفية إلى أن سبب وجوب النفقة على الزوج: حبس المرأة عليه، وقال الجمهور: سبب وجوب النفقة: الزوجية؛ أي: كونها زوجةً؛ "المغني"، (7/ 564).

 

شروط وجوب النفقة:

اشترط الجمهور لإيجاب النفقة للزوجة على زوجها شروطًا قبل الدخول وبعده؛ "المغني"، (7/ 601).

 

الشروط قبل الدخول:

1- أن تمكِّنه من الدخول بها، بأن تدعوه - بعد العقد - إلى الدخول بها، فإن لم تفعل، أو امتنعت من الدخول - بغير عذرٍ - فلا نفقة عليه.

 

2- أن تكون الزوجة مُطيقةً للوطء: بأن لا تكون صغيرة، أو بها مانع من الوطء.

 

3- أن يكون الزواج صحيحًا، فإن كان فاسدًا فلا نفقة لها على الزوج، ولا يمكن اعتبار الزوجة محبوسةً على الزوج؛ لأن التمكين لا يصح مع فساد النكاح، ولا يستحق في مقابلته بالاتفاق.

 

الشروط بعد الدخول:

1- أن يكون الزوج موسرًا، فلو كان معسرًا لا يقدر على النفقة، فلا نفقة عليه مدة إعساره؛ لقوله - تعالى -: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7].

 

2- أن تكون محبوسةً عليه - تكون غير ناشز - فإذا خرَجت عن طاعته، فلا نفقة لها.

 

فائدة:

الزوجة العاملة أو الموظفة هل لها نفقة؟

 

إذا كانت المرأة تعمل خارج بيتها - في عمل مباح - فإن كان برضا الزوج ولم يمنعها، فإنه تجب لها النفقة؛ لأن الاحتباس عليه حقه، فله أن يتنازل عنه، فإن لم يرضَ ومنَعها من الخروج - فخرجت للعمل - سقط حقُّها في النفقة؛ لأن الاحتباس في هذه الحالة ناقص؛ "ابن عابدين"، (2/ 891).

 

تقدير النفقة الواجبة:

الأصل في هذا قوله - تعالى -: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ﴾ [الطلاق: 7].

 

وقوله - سبحانه -: ﴿ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 236].

 

وقوله - صلى الله عليه وسلم - لهند: ((خذي ما يكفيك وولدَك بالمعروف))؛ البخاري.

 

قال القرطبي - رحمه الله - في "تفسيره" (18/ 112): "والنفقة مقدَّرة بالكفاية، وتختلف باختلاف مَن تجب عليه النفقة في مقدارها".

 

فالمعتبر إذًا:

1- الكفاية للزوجة والأولاد بالمعروف:

وهذا يختلف بحسب اختلاف الأحوال والأمكنة والأزمنة.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوى" (34/ 86): "وإذا كان الواجب هو الكفاية بالمعروف، فمعلوم أن الكفاية بالمعروف تتنوَّع بحال الزوجة في حاجتها، وبتنوَّع الزمان والمكان، وبتنوُّع حال الزوج من يساره وإعساره، وليست كسوة القصيرة الضئيلة، ككسوة الطويلة الجسيمة"؛ ا.هـ.

 

2- استطاعة الرجل وسعته:

فقد أخرج أبو داود بسنده - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكتسون)).

 

وقد أطال الفقهاء - رحمهم الله - في تحديد القدر الواجب في النفقة، وفصَّلوا في ذلك بما نراه مبنيًّا على أعراف زمانهم، وكذلك في مسألة النفقة: هل المعتبر فيها حال الزوج، أو الزوجة، أو حالهما؟

 

والصحيح - الذي دلَّت عليه النصوص القرآنية المتقدمة - أن المعتبر - في اليسار والإعسار - حال الزوج، وهو مذهب المالكية والشافعية؛ لقوله - تعالى -: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7].

 

قال الخطابي - رحمه الله -: "في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها، وهو على قدر وُسع الزوج"؛ ا.هـ.

 

مسألة:

هل يُلزم الزوج بنفقة علاج زوجته؟


جاء في "مغني المحتاج" (3/431)، و"كشاف القناع" (5/ 536)، وفي غيرهما:

أن مذهب الأئمة الأربعة: أن الزوج لا يجب عليه نفقة علاج زوجته وتداويها.

 

ولكن ذكر الدكتور "وهبة الزحيلي" في كتابه "الفقه الإسلامي وأدلته" (7/ 594)، فقال:

"لكن الظاهر أن مبنى هذا القول على أن المداواة - في الماضي - لم تكن من الحاجات الأساسية، ولم تكن تكثر الحاجة إليها، أما الآن فقد أصبحت الحاجة إلى العلاج كالحاجة إلى الطعام والغذاء، بل أهم؛ لأن المريض يفضل غالبًا ما يتداوى به على كل شيء، وهل يمكنه تناول الطعام وهو يشكو ويتوجَّع من الآلام والأوجاع التي تبرح به وتُجهده، وتُهدِّده بالموت؟!

 

لذا فإنَّا نرى وجوب نفقة الدواء على الزوج كغيرها من النفقات الضرورية، وكما تجب على الوالد نفقة الدواء اللازم للولد بالإجماع، وهل من حُسن العشرة أن يستمتع الزوج بزوجته حال الصحة، ثم يردها إلى أهلها لمعالجاتها حال المرض؟"؛ ا.هـ.

 

احذر أيها الزوج:

1- أن تَطعم زوجتك وأولادك من حرام:

ففي مسند الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا كعبُ بن عُجْرَة، إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبَتا على سُحت، النار أولى به)).

 

وكانت المرأة قديمًا تقول لزوجها وهو خارج يسعى لعمله: اتق الله، وإيَّاك والكسب الحرام؛ فإنا نصبر على الجوع والضر، ولا نصبر على حرِّ جهنم"؛ "الإحياء" (1/ 748).

 

2- أن تمنَّ على الزوجة عند الإنفاق عليها:

فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: المُسبل إزاره، والمنَّان الذي لا يعطي شيئًا إلا منه، والمُنفِّق سلعته بالحلف الكاذب))؛ صحيح الجامع (3067).

 

فضل النفقة على الأهل:

إن فضل الصدقات والقربات إلى الله، أن ينفق الزوج على زوجته وأولاده؛ أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ((إذا أنفق المسلم نفقةً على أهله وهو يحتسبها، كانت له صدقة)).

 

فعلى المسلم أن يحتسب نفقته على أهله وأولاده، ناويًا بهذه النفقة القيام بأمر الله وإعفافهم، وصيانتهم عن التطلع إلى ما في أيدي الناس، وفي صحيح مسلم: ((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدَّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك)).

 

وعند البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: ((إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة، فإنك تؤجر، حتى اللقمة ترفعها إلى فِيِّ امرأتك)).

 

- وفي رواية: ((ولست تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله، إلا أُجِرت بها، حتى اللقمة تجعلها في فِيِّ امرأتك)).

 

وفي مسند الإمام أحمد، من حديث المقدام بن مَعْديَكْرِب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمتَ زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة))؛ الصحيحة (452).

 

بل إن السعي على الزوجة والأولاد جهاد في سبيل الله - تعالى - فقد أخرج الطبراني في "الكبير" - وهو في صحيح الجامع - عن كعب بن عُجْرَة، قال: "مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل، فرأى أصحابه من جلْده ونشاطه ما أعجَبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفُّها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على رياء ومفاخرة، فهو في سبيل الشيطان))؛ صحيح الترغيب والترهيب (1692).

 

بل جعل عبدالله بن المبارك السعي على الزوجة والأولاد أفضل من الجهاد في سبيل الله، فكان يقول - كما في "سير أعلام النبلاء" (8/ 399) -: "لا يقع موقع الكسب على العيال شيء، ولا الجهاد في سبيل الله".

 

إثم من قصَّر في النفقة على الأهل:

إذا كانت النفقة واجبةً على الزوج، فإن تقصيره فيها يعد إثمًا عظيمًا؛ لمخالفة الواجب، فالرجل مسؤول أمام الله عن زوجته وأولاده؛ ففي صحيح ابن حبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ((إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أم ضيَّع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)).

 

وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كفى بالمرء إثمًا أن يَحبس عمَّن يملِك قُوته)).

 

وفي مسند الإمام أحمد، وفي سنن أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كفى بالمرء إثمًا أن يُضيع مَن يقوت))؛ ضعفه البعض، وحسنه الألباني في "الإرواء" (3/ 407).

 

ومن المصائب أن تبتلى المرأة برجل بخيلٍ، فلا ينفق عليها ولا على أولادها، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يَستعيذ من البخل.

 

فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كما عند البخاري ومسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهرَم، والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات)).

 

وإذا ابتُليت المرأة بزوج حاله هكذا - أي بخيل - فلتأخذ بدون علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف؛ ولذا بوَّب البخاري في صحيحه بابًا، فقال: "باب إذا لم ينفق الرجل، فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف"، ثم أورد حديث عائشة - رضي الله عنها - فقالت: "إن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)).

 

وهذا الحديث فيه دلالة على وجوب الإنفاق على الزوجة وكفايتها.

 

قال ابن قدامة كما في "المغني" (7/ 563): "وفيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها، وأن ذلك مقدَّر بكفايتها، وأن نفقة ولده عليها دونها بقدر كفايتهم، وأن ذلك بالمعروف، وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يُعطها إياه"؛ ا.هـ.

 

ثانيًا: وأما الكسوة:

فقد أجمع أهل العلم على أنه تجب الكسوة للزوجة على زوجها، إذا مكَّنته من نفسها على الوجه الواجب عليها؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233].

 

ولِما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر - رضي الله عنه -: ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))؛ مسلم.

 

وعند أبي داود من حديث معاوية - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما حق امرأتي علي؟ قال: ((تطعمها مما تطعم، وتكسوها مما تكتسي))؛ صحيح أبي داود (2/ 244).

 

ولأن الكسوة لا بد منها على الدوام؛ فلزِمته كالنفقة، كما أجمعوا على أنه يجب أن تكون الكسوة كافيةً للمرأة، وأن هذه الكفاية تختلف باختلاف طولها وقِصَرها، وسِمَنها وهُزالها، وباختلاف البلاد التي تعيش فيها في الحر والبرد"؛ "روضة الطالبين"، (9/ 47).

 

فائدة:

لو كساها الزوج، ثم طلقها، أو مات، أو ماتت قبل أن تَبْلَى الثياب، فهل يسترجعها؟

 

إذا استلمت المرأة نفقتها المفروضة، ثم طلقها الزوج أو توفي عنها أو توفِّيت، فلا يجوز للزوج - ولا لورثته - استرجاعها في أصح قولي العلماء، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والأصح عند الشافعية، ووجه عند الحنابلة؛ لأنه وفَّاها ما عليه، ودفع إليها الكسوة بعد وجوبها، فلم يكن له الرجوع فيها؛ ولأنها صلة، فأشبَهت الهِبة، ولا يجوز الرجوع في الهبة في حال وفاة الواهب أو الموهوب"؛ صحيح فقه السنة (3/ 201).

 

وقفة:

على الزوجة أن تراعي ظروف زوجها، فلا تُرهقه بالإكثار من الطلبات والنفقات في غير ما حاجة، وأن تصبر عليه إن كان فقيرًا، وقد أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على نساء قريش من أجل هذا؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير نساء رَكِبن الإبل نساء قريش؛ أحناه على ولد في صِغَر، وأرعاه على زوج في ذات يد)).

 

ومما يعين المرأة على ذلك: أن تنظر إلى من هي أقل منها في المعيشة؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انظروا إلى مَن هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تَزدروا نعمة الله عليكم)).

 

20- أن يوفر لها السكن الشرعي المناسب:

وأما السكنى، فهي واجبة للزوجة على زوجها بالاتفاق:

1- لأن الله - تعالى - جعل للمطلقة الرجعية السكنى على زوجها، فوجوب السكنى للتي هي في صلب النكاح أولى.

 

قال الله - تعالى -: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق: 6].

 

2- ولأن الله - تعالى - أوجب المعاشرة بالمعروف بين الأزواج، بقوله: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19].

 

ومن المعروف المأمور به: أن يُسكنها في مسكن تأمَن فيه على نفسها ومالها.

 

3- كما أن الزوجة لا تستغني عن المسكن؛ للاستتار عن العيون، والاستمتاع، وحفظ المتاع؛ فلذلك كانت السكنى حقًّا على زوجها"؛ "البدائع"، (4/ 15).

 

صفة المسكن الشرعي:

المعتبر في المسكن الشرعي للزوجة: هو سعة الزوج وحال الزوجة، قياسًا على النفقة باعتبار أن كلاًّ منهما حقٌّ مترتب على عقد الزواج؛ ولقوله - تعالى -: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق: 6]، وقوله - سبحانه -: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ﴾ [الطلاق: 7].

 

فالواجب يكون بقدر حال المنفعة: يسرًا وعسرًا وتوسُّطًا، فكذلك السكنى، وهو مذهب الجمهور.

 

وقال الشافعية: المعتبر في المسكن هو حال الزوجة فقط، على خلاف قولهم في النفقة!

 

قالوا: لأن الزوجة ملزمة بملازمة السكن، فلا يمكنها إبداله، فإذا لم يعتبر حالها، فذلك إضرار بها، والضرر منهي عنه شرعًا، أما النفقة فيمكنها إبدالها"؛ "مغني المحتاج"، (3/ 430).

 

قال صاحب "صحيح فقه السنة" (3/ 203):

ومذهب الجمهور أولى؛ للآيات المتقدمة، والله أعلم.

 

فوائد:

1- سكنى الزوجة مع أهل الزوج:

والمراد بأهل الزوج هنا: الوالدان، وولد الزوج من غير الزوجة.

 

فذهب الجمهور - الحنفية والشافعية والحنابلة - إلى أنه لا يجوز الجمع بين الأبوين - أو غيرهما من الأقارب - والزوجة في مسكن واحد، ويكون للزوجة الامتناع عن السكنى مع واحد منهما، إلا أن تختار هي ذلك؛ لأن السكنى من حقها، فليس له أن يشرك غيرها فيه؛ ولأنها تتضرَّر بذلك.

 

وأما المالكية، ففرَّقوا بين الزوجة الشريفة - ذات القدر - والوضيعة، فمنعوا جمع الشريفة مع أبويه، وأجازوه في الوضيعة، إلا أن يكون فيه ضرر عليها.

 

وأما جمع الزوجة وولد الزوج في مسكن واحد، فإن كان كبيرًا يَفهم الجماع، لم يجز باتفاق الفقهاء؛ لما فيه من الضرر بها، وهو حقها، فيسقط برضاها.

 

وإن كان ولد الزوج صغيرًا لا يفهم الجماع، فإسكانه معها جائز، وليس لها حق الامتناع من السكنى معه"؛ صحيح فقه السنة (3/ 203).

 

2- سكنى أهل الزوجة مع الزوج:

ليس للمرأة أن تُسكن أحدًا من محارمها في منزل زوجها، وللزوج أن يمنعها من إسكانهم معها، إلا أن يرضى، فلا حرَج حينئذ، وأما ولدها من غير الزوج، فلا يجوز لها إسكانه معها بغير رضا الزوج كذلك عند الجمهور، وقيَّد المالكية المنع بما إذا كان الزوج عالمًا به وقت البناء، فإن كان يعلم به ولم يكن له حاضن، فليس له منعها من إسكانه معها عندهم"؛ صحيح فقه السنة (3/ 203).

 

3- هل تجمع الزوجات في بيت واحد؟

اتفق الفقهاء على أنه: لا يجوز الجمع بين امرأتين في مسكن واحد؛ لأن ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف؛ ولأنه يؤدي إلى الخصومة التي نهى الشارع عنها؛ ولأن كل واحدة منهما قد تسمع حسه إذا أتى الأخرى، أو ترى ذلك؛ مما يثير بينهما العداوة والغيرة، ونحو ذلك.

 

ومنع الجمع بين امرأتين في مسكن واحد حق خالص لهما، فيسقط برضاهما عند الجمهور؛ "فتح القدير"، (4/ 207).

 

قلت: الأصل أن يجعل لكل زوجة منهن بيتًا؛ كفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ [الأحزاب: 53].

 

فذكر - سبحانه - أنها بيوت، ولم تكن بيتًا واحدًا، لكن إذا رضِيت بذلك جاز؛ لأن الحق لهما، فلهما المسامحة بتركه، والله أعلم"؛ "فقه السنة للنساء"؛ لأبي مالك، ص (440).

 

21- أن يعمل على إعفافها، وتلبية رغباتها:

يجب على الزوج أن يؤدي حق زوجته في العفاف والإشباع الجنسي، فيَحرم على الرجل أن يهجر فراش زوجته لغير عذر شرعي، كما أنه لا يهجر زوجته بحجة انشغاله بالعبادات وطلب العلم؛ فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التبتُّل وترْك مجامعة النساء؛ كما في حديث الرهط الثلاثة - وهو عند البخاري في كتاب "النكاح" - وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص في قصة زواجه - وهو عند البخاري أيضًا - حيث قال عبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما -: "كنت أصوم الدهر، وأقرأ القرآن كلَّ ليلة، قال: فإما ذكرت للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإما أرسَل إليّ، فأتيته، فقال لي: ((ألم أُخبَر أنك تصوم الدهر، وتقرأ القرآن كل ليلة؟))، فقلت: بلى يا نبي الله، ولم أُرد بذلك إلا الخير، قال: ((فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام))، قلت: يا نبي الله، إني أُطيق أفضل من ذلك، قال: ((فإن لزوجك عليك حقًّا، ولزورك[6] عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا))، قال: ((فصم صوم داود نبي الله؛ فإنه كان أعبد الناس))، قلت: يا نبي الله، وما صوم داود؟ قال: ((كان يصوم يومًا ويفطر يومًا))، قال: ((واقرأ القرآن في كل شهر))، قلت: يا نبي الله، إني أُطِيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل عشرين))، قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل عشر))، قلت: يا نبي الله، إني أُطِيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك؛ فإن لزوجك عليك حقًّا، ولزَوْرك عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا))، قال: فشدَدت، فشدَّد عليَّ، وقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنك لا تدري، لعلك يطول بك عُمر)).

 

وأخرج الإمام أحمد، وأبو داود، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "دخَلت عليَّ خُوَيلة بنت حكيم، وكانت عند عثمان بن مظعون، قالت: فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بذاذةَ هيئتها، فقال لي: ((يا عائشة، ما أبذَّ هيئةَ خويلة!))، قالت عائشة: يا رسول الله، امرأة لها زوج يصوم النهار، ويقوم الليل، فهي كمَن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها، قالت: فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن مظعون، فجاءه، فقال: ((يا عثمان، أرغبة عن سُنتي!))، فقال عثمان: لا والله يا رسول الله، ولكن سُنتَك أطلب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإني أنام، وأصلي، وأصوم، وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان؛ فإن لأهلك عليك حقًّا، وإن لضيفك عليك حقًّا، وإن لنفسك عليك حقًّا، قال: فصم وأفطر، وصلِّ ونَم)).

 

• زاد ابن حبان في روايته: "فأتتْهم المرأة بعد ذلك كأنها عروس، فقيل لها: مه! قالت: "أصابنا ما أصاب الناس".

 

وفي صحيح البخاري في قصة أبي الدرداء وسليمان، وفي الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي الدرداء: ((يا أبا الدرداء، إن لجسدك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولضيفك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، وإن لنفسك عليك حقًّا، صم وأفطر، وصل، وآت أهلك، وأعط كل ذي حقٍّ حقه)).

 

ووطء المرأة واجب على الزوج في أظهر قولي العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد، واختاره شيخ الإسلام، وحد وجوبه بما كان بقدر حاجتها وكفايتها، وبقدرته؛ بحيث لا يُنهك بدنه، ويشتغل عن معيشته.

 

ولا عبرة بما قاله بعض الفقهاء: من أن الوطء الواجب هو مرة كل أربعة أشهر، بل الصحيح أن حده: قدرة الرجل وكفاية المرأة.

 

وجاء في "المغني" (7/ 573): أنه قيل للإمام أحمد: كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال: ستة أشهر، يكتب إليها، فإن أبى أن يرجع، فرَّق الحاكم بينهما"؛ ا.هـ.

 

هذا إذا كان مَغِيب الرجل المقصد منه الإضرار بالمرأة، ولهذا كان عمر - رضي الله عنه - يرى فسْخ النكاح إذا فات حقُّ الوطء، وهذا ما ذهب إليه الفقهاء، فقالوا: إن من حق أحد الزوجين أن يفسخ النكاح لترْك الوطء؛ إما لعلة خَلقية كالمرض الذي يستحيل معه الوطء، أو لعلة خُلقية للإضرار أو الإهمال؛ لأن ذلك ترْكٌ لحقٍّ من الحقوق.

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في كتابه "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ص (862):

"فإن للمرأة على الرجل حقًّا في ماله، وهو الصَّداق، والنفقة بالمعروف، وحقًّا في بدنه، وهو العشرة والمتعة، بحيث لو آلَى منها، استحقَّت الفُرقة بإجماع المسلمين، وكذلك لو كان مجبوبًا أو عِنِّينًا لا يمكنه جماعها، فلها الفرقة، ووطؤها واجب عليه عند أكثر العلماء"؛ ا .هـ.

 

ويدل على هذا الأصل أيضًا الحديث الذي جاء عند البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: "رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتُّل[7]، ولو أذِن له، لاخْتَصينا".

 

وهناك قاعدة في الإسلام قرَّرها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في مسند الإمام أحمد: ((لا ضرر ولا ضرار)).

 

وعند الحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ضارَّ ضارَّه الله، ومن شاقَّ شقَّ الله عليه)).

 

والامتناع عن المرأة يسبب لها ضررًا كما هو معلوم، وقد روى الشعبي كما في "مصنف عبدالرزاق": "أن كعب بن سور كان جالسًا عند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فجاءت امرأة، فقالت: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي، والله إنه ليبيت ليله قائمًا، ويظل نهاره صائمًا، فاستغفر لها وأثنى عليها، واستحيت المرأة وقامت راجعةً، فقال كعب: يا أمير المؤمنين هلاَّ أعدَيت - أنصفَت - المرأة على زوجها، فلقد أبلغت إليك في الشكوى، فقال لكعب: فاقضِِ بينهما؛ فإنك فهِمتَ من أمرها ما لم أفهم، وقال: فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهنَّ، فاقضِ بثلاثة أيام ولياليهن يتعبَّد فيهنَّ، ولها يوم وليلة، فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب من الآخر، اذهب فأنت قاض على البصرة، نعم القاضي أنت"؛ أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، وصححه الألباني في "الإرواء" ( 7/ 80).

 

وعلى الزوج أن يعلم أن إتيانه لزوجته عبادة يؤجَر عليها؛ فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((في بُضْع أحدكم صدقة))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وِزر؟ فكذلك إذا وضَعها في الحلال كان له أجرٌ)).

 

فيا له من فضلٍ عظيم أن يتحوَّل النكاح إلى مظهر من مظاهر العبودية للواحد القهار، وسُئِل الإمام أحمد: يؤجر الرجل أن يأتي أهله، وليس له شهوة؟

 

فقال: إي والله، يحتسب الولد، وإن لم يرد الولد، يقول: هذه امرأة شابة، لم لا يؤجر؟"؛ "المغني" (7/ 31).

 

22- أن يداعبها ويلاطفها:

إذا كان الجسد يحيا بالطعام والشراب، فإن سر استمرار الحياة بين الزوجين يكون بطيب وحسن العشرة بينهما، إن الكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة، ومُزاح الرجل وملاعبته لزوجته - لمن أهم أسباب استمرار العلاقة الحسنة بين الزوجين، وتطييب لقلب المرأة، وإراحة لنفسها، وجبْر لخاطرها، فعلى الرجل أن يلاطف زوجته ويلاعبها، ويُداعبها ويضاحكها، وهذا مما أباحه الشرع؛ فقد أخرج أبو داود من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونَبْلِه)).

 

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسابق عائشة، وكانت تسبقه مرة، ويسبقها مرة؛ ففي مسند الإمام أحمد - بسند صحيح - عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت:

"خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم، ولم أَبْدُن، فقال للناس: ((تقدَّموا))، فتقدَّموا، ثم قال لي: ((تعالَي حتى أُسابقك))، فسابقته، فسَبقتُه، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبَدُنت ونسِيت، خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: ((تقدَّموا))، فتقدَّموا، ثم قال لي: ((تعالَي حتى أُسابقك))، فسابقته، فسبَقني، فجعل يضحك، وهو يقول: ((هذه بتلك))".

 

وفي رواية أخرى عند أبي داود عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر وهي جارية، قالت: لم أحمل اللحم، ولم أَبْدُن[8]، فقال لأصحابه: ((تقدموا))، فتقدموا، ثم قال: ((تعالَي أسابقك))، فسابقته، فسبقتُه على رجلي، فلما كان بعدُ، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: ((تقدموا))، فتقدموا، ثم قال: ((تعالَي أسابقك))، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، وبَدُنت، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحالة؟ فقال: ((لتَفعَلِنَّ))، فسابقته، فسبَقني، فجعل يضحك ويقول: ((هذه بتلك السبقة))؛ صحيح الجامع (7007).

 

وكان - صلى الله عليه وسلم - ينادي أزواجه بأفضل الأسماء، فكان يرخِّم اسم عائشة، فيقول: ((يا عائش))، وربما خاطبها بـ ((يا عُوَيش))، وهذا من المحبة، وإدخال السرور على قلبها، وكان يُكنيها، فيقول لها: ((يا أم عبدالله))، وكان يقول لها: ((يا حُمَيْرَاء)): بياض يخالطه حُمرة.

 

وانظر كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب عائشة - رضي الله عنها - ويأنس بها؛ فقد أخرج مسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - أن جارًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسيًّا كان طيب المَرَق، فصنع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء يدعوه، فقال: ((وهذه؟)) لعائشة، فقال: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا))، فعاد يدعوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وهذه؟))، قال: لا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا))، ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وهذه؟))، قال: نعم في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله".

 

تنبيه:

عند الانبساط مع الزوجة، لا يكون الزوج كالليمونة فيُعسر، أو صلبًا فيُكسر، بل يكون وسطًا بين الخشونة والليونة، فلا ينبسط الرجل مع امرأته لدرجة أن تسقط هيبته، وتتجرَّأ عليه الزوجة، ولا يغلظ عليها، فيجعلها تَنفر منه، فالمداعبة والممازحة لا تخرج عن حد الاعتدال؛ قال الغزَّالي - كما في "الإحياء" (1/ 726) -: "النساء فيهن شرٌّ، وفيهن ضَعْف، فالسياسة والخشونة علاج الشر، والمطايبة والرحمة علاج الضَّعف، فالطبيب الحاذق هو الذي يقدِّر العلاج بقدر الداء، فلينظر الرجل أولاً إلى أخلاقها بالتجربة، ثم يعاملها بما يصلحها كما يقتضيه حالها"؛ ا.هـ.

 

بل انظر - أيها الزوج - إلى هذا الموقف الذي يبيِّن كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم -يُمازح ويتسامر مع أهله:

ففي كتاب "عشرة النساء"؛ للنسائي - بسند صحيح - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان عندي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسَوْدة، فصنَعت خزيرًا - لحم يقطع، ويُصب عليه ماء كثير، فإذا نضِج ذُرَّ عليه الدقيق - فجِئت به، فقلت لسَوْدة: كلي، فقالت: لا أحبه، فقلت: والله لتأكلين أو لأُلطِّخن وجهك، فقالت: ما أنا بباغية، فأخذت شيئًا من الصَّحْفَة، فلطَّخت به وجهها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بيني وبينها، فخفَض لها رسول الله رُكبتيه لتَستَقِيد مني، فتناولت من الصَّحْفَة شيئًا، فمسَحت به وجهي، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك".

 

وروى الحسن بن سفيان عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أفكهِ الناس مع نسائه".

 

فهيَّا أخي، تحبَّب إلى زوجتك؛ فإن الحب بالتحبُّب، فتحبَّب إليها بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، تجد ثمار كل ذلك سعادةً تملأ قلبك.

 

23- أن يستشيرها، ويحترم رأيها:

فمن حق الزوجة على زوجها أن يشاركها في المشورة، ويأخذ رأيها خاصة في الأمور التي تخص الزوجة والأولاد، وعليه أن يبادلها الآراء ويناقشها في ذلك؛ حتى يخرج بالفائدة، فإذا قالت برأي صواب، فلا يتردَّد أن يأخذ به مع شكرها على ذلك، ولا يلتفت إلى الذين يتشدقون ويحقرون رأي المرأة، ولا يأخذون بمشاورتهن ويَحذرون من ذلك؛ اعتمادًا على العادات الجاهلية، أو أحاديث موضوعة؛ مثل: ((شاوروهن وخالفوهن))، وحديث: ((طاعة المرأة ندامة))؛ وهما حديثان لا أصل لهما.

 

بل هذا على عكس ما كان عليه نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يأخذ برأي أزواجه كما حدث يوم الحديبية - والحديث في صحيح البخاري - فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة أن يقوموا وينحروا ثم يَحلقوا، فلم يقم أحد؛ حتى طلب منهم النبي- رضي اللهعنه - ذلك ثلاث مرات، ومع ذلك لم يستجيبوا حتى دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم سلمة، فذكر لها ما لقِي من الناس، فقالت: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ اخرج، ولا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تَنحر بُدنك، وتدعو حالقك، فيَحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، فلما رأوا ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا".

 

فانظر أخي - رحمك الله - كيف نجا الصحابة من هلاك المخالفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك بأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأي ومشورة أم سلَمة.

 

فعندما لا نتجاهل المرأة ونشاركها في أخذ القرار؛ فإن هذا يشعرها بقيمتها وكِيانها لاحترام زوجها.

 

فالرجل الحكيم يستطيع أن يُحيل بيته إلى أجمل بستان، وامرأته إلى أعظم إنسان، ونجاح بيت الزوجية - في الغالب - مسؤولية الرجل، وفشَله مسؤوليته أيضًا.

 

فالشرع الحكيم يقدِّر تفكير المرأة وعقلها حتى في الأزمات، وقد مر بنا ما حدث يوم الحديبية، وما كان من مشورة أم سلمة، وكذلك لما نزَل الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم -ومشاورة خديجة، وذَهابها بالنبي إلى وَرَقة بن نَوْفَل.

 

وانظر إلى قوله - تعالى - حيث قال رب العزة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28 - 29].

 

وذلك بسبب أنهن سألْنه زيادة النفقة، والإغراق في العيش، فأمره الله - تعالى - بتخييرهن، ولم يكلفه بقَهْرهن على أحد الاختيارين، بل لما أراد أبو بكر وعمر أن يَضربا ابنتيهما: عائشة وحفصة لهذا، منعهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى يكون رأي الواحدة منهن عن قناعة واختيار، لا عن تعسُّف وإجبار.

 

تنبيه:

يُستحب مشورة المرأة في تزويج ابنتها، ودليل ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في قصة زواج جُلَيْبِيب - رضي الله عنه - وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خَطَب على جُلَيْبِيب امرأةً من الأنصار إلى أبيها، فقال: حتى استأمر أمَّها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فنَعَم إذًا))، فانطلق الرجل إلى امرأته، فذكر ذلك لها، فقالت: لاها الله[9]، إذًا ما وجد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلا جُلَيْبيبًا، وقد منعناها من فلان وفلان".

 

ومما يشير إلى استحباب مشورة المرأة في زواج ابنتها: ما رواه الإمام أحمد وأبو داود - بسند فيه مقال - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((آمِروا النساء في بناتهن))؛ السلسلة الضعيفة (1486).

 

قال ابن الأثير - رحمه الله - كما في "جامع الأصول" (11/ 465) - في شرح الحديث السابق، واستحباب مشورة الأم في زواج ابنتها -:

"وهو أمر استحباب من جهة استطابة أنفسهن، وحُسن العشرة معهن؛ لأن في ذلك بقاء الصحبة بين البنت وزوجها، إذا كان برضا الأم، وخوفًا من وقوع الوحشة بينهما إذا لم يكن برضاها؛ إذ البنات إلى الأمهات أميلُ، وفي سماع قولهن أرغب، ولأن المرأة ربما علِمت من حال بنتها - الخفي عن أبيها - أمرًا لا يصلح معه النكاح؛ من علة تكون بها، أو آفة تمنع من وفاء حقوق النكاح.

 

وعلى نحو هذا يتأول قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُزوَّج البكر إلا بإذنها، وإذنها سكوتها))؛ وذلك أنها قد تستحيي أن تُفصح بالإذن، وأن تُظهر الرغبة في النكاح، فيستدل بسكوتها على سلامتها من آفة تمنع النكاح، أو سبب لا يصلح معه النكاح"؛ ا.هـ.

 

24- أن يُعلمها أمور دينها:

أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمالك بن الحويرث ومَن معه: ((ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم، ومُروهم)).

 

فيجب على الزوج أن يعلِّم زوجته أمور دينها: من أصول الدين، وأركان الإيمان، وأركان الإسلام، وأحكام العبادات، وخاصة الصلاة، فإن لم يكن الزوج أهلاً للعلم والتعلُّم، فعليه أن يأذَن لها في حضور دروس العلم بالمساجد والمجالس العلمية؛ حتى تفهمَ دينها، ومما يعود عليها وعلى الزوج بالنفع التام.

 

قال الضحَّاك ومقاتل: "حق على المسلم أن يعلِّم أهله - من قرابته وإمائه وعبيده - ما فرَض الله عليهم، وما نهاهم الله عنه".

 

والزوج إذا كان محبًّا لزوجته، فهو يبذل لها كل ما يَملِك من جهد ونفس ومالٍ؛ حتى يَقِيَها المصائب والمتاعب، وليس هناك مصيبة أفظع وأشنع من دخول المرأة النار، أو عذابها في جهنم، وفراقها لزوجها في الآخرة؛ ولذلك كان على الرجل العاقل وقاية زوجته من نار الآخرة، وذلك بتعليمها أمور دينها؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].

 

قال علي - رضي الله عنه - في هذه الآية: "علِّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدِّبوهم".

 

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأْمُروا أهليكم بالذكر؛ ليُنجيكم الله من النار".

 

قال قتادة - رحمه الله - كما عند الطبري في "تفسيره" (28/ 166): "تأمرهم بطاعة الله - تعالى - وتنهاهم عن معصيته، وتقوم عليهم بأمر الله - تعالى - وتأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيت معصيةً، قرَعتهم وزجَرتهم".

 

قال الأُلوسي في هذه الآية: "واستدل بها على أنه يجب على الرجل فعْل ما يجب من الفرائض وتعليمها لهؤلاء - أي: أهله - وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس؛ لأن الولد بعض من أبيه".

 

وقال مجاهد: "اتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى الله".

 

25- علمها، تَسعَد وتفوز بالأجر:

وإذا تعلمت المرأة أمر دينها؛ فإن ذلك سيعود بالنفع عليها وعلى زوجها من حُسن معاشرته، بعد أن فهِمت دينها وما لها وما عليها، ثم يعود بالنفع على الأولاد: من حسن تعهُّد وتربية، وتعليمهم لدينهم، وكل ذلك نتيجة حسن تعهُّد الزوج لزوجته بالتعلم والتوجيه والإرشاد، فهو له ما له من حسن الثواب والأجر عند الله؛ فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيما رجل كانت عنده وليدة، فعلَّمها فأحسنَ تعليمها، وأدَّبها فأحسن تأديبها، ثم أعتَقها وتزوَّجها، فله أجران)).

 

قال ابن حجر - رحمه الله - كما في "فتح الباري" (1/ 190):

"مطابقة الحديث في الأمة بالنص، وفي الأهل بالقياس؛ إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكد من الاعتناء بالإماء".

 

قال الغزَّالي - رحمه الله - في "الإحياء" (4/ 730):

"يجب على المتزوج أن يتعلم من علم الحيض وأحكامه، ويعلم زوجته أحكام الصلاة وغيرها من العبادات؛ فإنه أمر أن يَقيها النار، بقوله - تعالى -: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].

 

فعليه أن يُلقِّنها اعتقاد أهل السنة، ويُزيل عن قلبها كل بدعة، ويخوِّفها في الله إن تساهلت في أمر دينها، ويعلمها من أحكام الحيض والاستحاضة ما تحتاج إليه، فإن كان الزوج قائمًا بتعليمها، فليس لها الخروج، فإن لم يكن ذلك، فلها الخروج للسؤال، بل عليها ذلك، ويعصي الرجل بمنْعها، وإذا أهملت المرأة حكمًا من أحكام الحيض والاستحاضة، ولم يعلمها هو، ولم يسمح لها بالخروج - أثِمت وشارَكها هو في الإثم"؛ ا.هـ بتصرف واختصار.

 

26- أن يأذن لها في الخروج للمساجد وزيارة أهلها:

فلا يمنع الرجل زوجته من الخروج إلى الجُمَع أو حلقات العلم في المساجد، ولكن ذلك مشروط بإذن الزوج وعدم التبرُّج، وعلى الزوج ألا يمنع زوجته من الخروج إلى المسجد؛ فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تَمنعوا إماء الله المساجد)).

 

وكان النساء يخرجنَ إلى المساجد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يخصِّص لهن يومًا في الأسبوع؛ كي يعلِّمهن أمور دينهن، وعلى الزوج أن يأذَن لزوجته بالخروج لقضاء حوائجها؛ وذلك لما أخرجه البخاري من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "خرجت سَودة بنت زَمعة ليلاً، فرآها عمر فعرَفها، فقال: إنك والله - يا سودة - ما تخفين علينا، فرجَعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له وهو في حجري يتعشَّى، وإن في يده لعرقًا، فأُنزل عليه - الوحي - فرُفِع عنه، وهو يقول: ((قد أذِن لكن أن تَخرجنَ لحوائجكنَّ)).

 

فهذا إذن عام من الله - سبحانه وتعالى - للنساء في أن يخرجن لحوائجهن، ولكن على المرأة أن تستأذن زوجها في خروجها لحاجتها، وقد أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأزواج بالإذن لهن، ونهى عن منْعهن من حضور الصلاة في المساجد، أو مجالس العلم، وكذلك عدم منعهن من زيارة أهلها وصلة رحِمها، فلا يكون سببًا في قطع الأرحام بينها وبين أهلها.

 

وكذلك يأذن لها بالخروج إلى السوق، إذا لم يوجد من يُحضر لها أغراضها. أو حاجتها.

 

- وإذا أذِن لها الزوج بالخروج، فالأفضل أن يكون معها، فإن لم يخرج معها، فعليه أن يأمرها بالحجاب عند خروجها، وينهاها عن التبرُّج والسفور، ووضْع العطور، ويحذِّرها من الخضوع بالقول مع الرجال والاختلاط بهم، وينهاها عن مصافحة الرجال، كما يحذِّرها من ورود مواطن السوء والشبهات، وزيارة الفاسقات المشبوهات، كما يُحذرها من سماع الأغاني والموسيقا، ومشاهدة التلفاز.

 

27- أن يأمرها بإقامة الدين:

المبدأ الذي لا بد أن تقوم عليه الحياة الزوجية، هو طاعة الله - تعالى- والإعانة على ذلك من قِبَل الزوجين؛ حتى يقام الدين بينهما، والأسرة هي اللبنة الأولى لإقامة الأمة، فإذا أُقيم الدين في الأسرة أقيم في الأمة بأجمعها؛ قال - تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].

 

فإذا كان من حق الرجل على زوجته أن يسألها عن طعامه وشرابه، فإن من حقها عليه أن يسألها عن إقامة الدين: من صلاة، وزكاة، وصوم، وعبادات مفروضة عليها؛ ولذلك ينبغي للرجل - كما يسأل زوجته: هل يوجد طعام؟ هل يوجد شراب؟ - أن يسألها هل: صلَّيتِ العشاء؟ هل صمتِ اليوم؟ هل قلتِ الأذكار؟

 

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوتَر يقول: ((قومي فأوتري يا عائشة))؛ البخاري.

 

وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول كما عند البخاري ومسلم: ((سبحان الله! ماذا أُنزِل الليلة من الفتن، وماذا فُتِح من الخزائن، أيقظوا صواحبَ الحُجَر[10]، فرُب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)).

 

ولقد ترحَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - على مَن كان يوقظ أهله للصلاة؛ فقد أخرج أبو داود والإمام أحمد - بسند صحيح - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رحِم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلَّت، فإن أبت نضَح في وجهها الماء، ورحِم الله امرأةً قامت من الليل فصلَّت، وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى، نضَحت في وجهه الماء))؛ حسنه الألباني في "المشكاة" (1230).

 

نجاتك مرهونة بنجاة أهلك:

فإن الشاب قبل الزواج مسؤول عن نجاة رقبته من النار، فإذا ما تزوَّج فهو مسؤول عن نجاة رقبتين من النار، وإذا أنجب، فإنه مسؤول عن نجاة ثلاث رقاب من النار.....، وهكذا فإن الرجل قد ينجح فيما بينه وبين الله: من إقامة الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وغير ذلك من العبادات المفروضة عليه، ومع ذلك قد يدخل النار بسبب زوجته وأولاده؛ لأنه خالف قوله - تعالى -: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132].

 

فعلى الرجل أن يعمل جاهدًا على تعليم زوجته، وحثِّها على إقامة الدين: من أداء الصلاة، وعدم التبرج والسفور، ونهْيها عن المعاصي، فإن أصرَّت المرأة على عدم الاستجابة، وخالفت أمر الله وأمر زوجها - فطلاقها أولى من الإمساك بها.

 

سُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوى": "رجل له زوجة لا تصلي، هل يجب عليه أن يأمرها بالصلاة؟ وإذا لم تفعل هل يجب عليه أن يفارقها أم لا؟

 

فأجاب: نعم، يجب عليه أن يأمرها بالصلاة؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132].

 

وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].

 

ولقول علي في هذه الآية: "علِّموهم وأدبوهم"، فإن أصرَّت على ترك الصلاة، فعليه أن يُطلقها، وذلك واجب في الصحيح، وتارك الصلاة مستحق للعقوبة حتى يصلي باتفاق المسلمين.

 

28- أن يسمر مع زوجته يحدِّثها ويستمع إلى حديثها:

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يجلس مستمعًا إلى أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وهي تقصُّ عليه حديث النسوة اللاتي جلسْنَ وتعاقَدن وتعاهَدن على ألا يَكْتُمن من خبر أزواجهنَّ شيئًا، وهذا الحديث معروفٌ بحديث "أم زَرْع"، وهو حديث طويل أخرجه البخاري "باب السَّمَر مع الأهل"، من حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: "جلس إحدى عشرة امرأةً، فتعاهَدن وتعاقدن ألاَّ يَكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا‏.‏

 

قالت الأولى: زوجي لحم جملٍ، غثٌّ[11] على رأس جبل[12]، لا سهل[13] فيُرتَقى[14]، ولا سمين[15] فيُنتَقَل‏[16].‏

 

قالت الثانية: زوجي لا أبثُّ خبرَه[17]، إني أخاف أن لا أَذَرَه[18]، إن أذكره، أَذْكُرْ عُجَره[19]، وبُجَره[20]‏.‏

 

قالت الثالثة: زوجي العَشَنَّق[21]، إن أنطقْ، أُطَلَّقْ، وإن أسكت أُعَلَّق‏[22].‏

 

قالت الرابعة: زوجي كلَيْلِ تِهَامةَ[23]، لا حَرٌّ ولا قَرٌّ، ولامخافةَ ولا سآمةَ‏ََََ[24].‏

 

قالت الخامسة: زوجي إن دخل، فَهِد[25]، وإن خرج أَسِد[26]، ولا يسأل عما عَهِد[27]‏.‏

 

قالت السادسة: زوجي إن أكل، لَفَّ[28]، وإن شَرِب، اشتَفَّ[29]، وإن اضطَجَع، التَفَّ[30]، ولا يُولِج الكفَّ، ليَعْلَم البثَّ[31].

 

قالت السابعة: زوجي غَيَايَاء[32] - أو عَيَايَاء[33] - طَبَاقَاء[34]، كلُّ داءٍ له داءٌ، شَجَّكِ[35] أوفَلَّكِ[36]، أو جَمَع كلاًّ لكِ.‏

 

قالت الثامنة: زوجي المسُّ مسُّ أَرْنَب[37]، والرِّيحُ رِيْحُ زَرْنَبٍ‏[38].‏

 

قالت التاسعة: زوجي رفيعُ العماد[39]، طويلُ النِّجاد[40]، عظيمُ الرَّماد[41]، قريبُ البيت من النادِ‏[42].‏

 

قالت العاشرة: زوجي مالك[43]، وما مالكٌ؟ مالكٌ خيرٌ من ذلك[44]، له إبلٌ كثيراتُ المبارِك، قليلاتُ المسارِح[45]، وإذا سَمِعنَ صوت المِزْهَر[46] أَيْقَنَّ أنهنَّ هَوَالِك‏.‏

 

قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زَرْع، فما أبو زَرْع؟ أَنَاسَ[47] من حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وملأ من شَحْمٍ عَضُدَي[48]، وبَجَّحنِي فبَجَحت[49]إليَّ نفسي، وجَدنِي في أهل غُنَيمةٍ بشقٍّ[50]، فجَعلنِي في أهل صَهِيلٍ[51]وأَطِيطٍ[52] ودَائِسٍ[53] ومُنَقٍّ[54]، فعنده أقولُ فلا أُقبَّح[55] وأَرقُد فأتصبَّح[56]، وأشرب فأتقنَّح[57]- فأتقمَّح.

 

أمُّ أبي زرعٍ، فما أمُّ أبي زرعٍ؟ عُكُومُها[58] رَدَاحٌ[59]، وبيتُها فَساحٌ.

 

ابنُ أبي زرعٍ، فما ابنُ أبي زرعٍ؟ مضجعُه كمَسَلِّ شَطْبَةٍ[60]، ويشبعُه ذراعُ الجَفْرَة[61].

 

بنت أبي زرعٍ، فما بنتُ أبي زرعٍ؟ طوعُ أبيها، وطوعُ أمِّها، وملءُ كسائها[62]، وغيظُ جارتِها[63].

 

جارية أب يزرعٍ، فما جارية أبي زرعٍ؟ لا تبثُّ[64] حديثَنا تبثيثًا، ولا تُنَقِّثُ[65]ميراثَنا[66] تَنْقِيثًا، ولا تملأُ بيتنا تَعْشِيشًا[67].

 

قالت: خرج أبو زرعٍ والأَوْطَاب تُمْخَضُ[68]، فلقي امرأةً معها ولدانِلها كالفَهْدَينِ[69] يلعبانِ من تحت خَصْرِها برُمَّانتينِ[70]؛ فطلَّقني ونَكَحها، فنكَحت بعده رجلاً سَريًّا[71]، رَكِب شَرِيًّا[72]، وأخذ خَطِّيًّا[73] وأراح[74]عليَّ نعمًا ثَرِيًّا[75]، وأعطاني من كل رائحةٍ[76] زوجًا، وقال: كُلي أمَّ زرعٍ ومِيرِي[77] أهلَك‏.‏

 

قالت: فلو جَمَعتُ كل شىءٍ أعطانيه ما بلغ أصغرَ آنيةِ أبي زرعٍ[78].‏

 

قالت عائشة - رضي الله عنها -: فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ‏((كنتُ لك كأبي زرعٍ لأمِّ زرعٍ))‏‏‏.

 

• وفي رواية النسائي: ((ولكنني لا أُطلِّقك)).

 

• التعليق على الحديث، وذكر الفوائد المتعلقة به:


قال الإمام أبو سليمان الخطابي في الفوائد المستنبطة من حديث أم زرع:

• فيه من العلم: حسن العشرة مع الأهل.

 

• واستحباب محادثتهم بما لا إثم فيه.

 

• وفيه: أن بعضهم قد ذكَرت عيوب أزواجهم ولم يكن ذلك غيبةً؛ لأنهم لم يُعرفوا بأعيانهم وأسمائهم.

 

• وفيه: دلالة على جواز ذِكر أمور الجاهلية واقتصاص أحوالهم.

 

• وفيه: فضل عائشة - رضي الله عنها - ومحبته لها بملاطفته إياها.

 

• وفيه: أن السمر بما يَحل جائز، والمعنى حسن العشرة مع الأهل ونحوه.

 

وذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بعض الفوائد؛ منها:

• حسن عشرة المرء أهله: بالتأنيس، والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يُفض ذلك إلى ما يمنع.

 

• وفيه: المزح أحيانًا وبَسْط النفس به، ومداعبة الرجل أهله، وإعلامه بمحبته لها، ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة تترتَّب على ذلك من تجنِّيها عليه وإعراضها عنه.

 

• وفيه: منْع الفخر بالمال، وبيان جواز ذكر الفضل بأمور الدين، وإخبار الرجل أهله بصورة حاله معهم، وتذكيرهم بذلك، لا سيما عند وجود ما طُبِعن عليه من كفر الإحسان.

 

• وفيه: ذكر المرأة إحسان زوجها.

 

• وفيه إكرام الرجل بعض نسائه بحضور ضرائرها، بما يخصُّها به: من قول أو فعْلٍ، ومحله عند السلامة من الميل المفضي إلى الجَوْر، وقد تقدم - في أبواب الهبة - جواز تخصيص بعض الزوجات بالتحف واللطف، إذا استوفى للأخرى حقَّها.

 

• وفيه: جواز تحدُّث الرجل مع زوجته في غير نوبتها.

 

• وفيه: الحديث عن الأمم الخالية، وضرب الأمثال بهم اعتبارًا، وجواز الانبساط بذكر طرف الأخبار ومُستطابات النوادر؛ تنشيطًا للنفوس.

 

• وفيه: حض النساء على الوفاء لبُعولهنَّ، وقصْر الطرف عليهم، والشكر لجميلهم، ووصْف المرأة زوجها بما تعرفه من حُسن وسوءٍ، وجواز المبالغة في الأوصاف، ومحله إذا لم يَصِر ذلك ديدنًا؛ لأنه يُفضِي إلى خَرْم المُروءة.

 

• وفيه: تفسير ما يجمله المخبر من الخبر؛ إما بالسؤال عنه، وإما ابتداءً من تلقاء نفسه.

 

• وفيه: أن ذكر المرء بما فيه من العيب جائز، إذا قُصِد التنفير عن ذلك الفعل، ولا يكون ذلك غيبةً، أشار إلى ذلك الخطابي، وتعقبه أبو عبدالله التميمي - شيخ عياض - بأن الاستدلال بذلك إنما يتم أن لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سمِع المرأة تغتاب زوجها، فأقرَّها، وأما الحكاية عمن ليس بحاضر، فليس كذلك، وإنما هو نظير مَن قال: في الناس شخص يسيء، ولعل هذا هو الذي أراده الخطابي، فلا تعقُّب عليه.

 

وقال المازري: قال بعضهم: ذكر بعض هؤلاء النسوة أزواجهن بما يكرهون، ولم يكن ذلك غيبًا؛ لكونهم لا يعرفون بأعيانهم وأسمائهم، قال المازري: وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان مَن تحدث عنده بهذا الحديث سمِع كلامهن في اغتياب أزواجهن، فأقرَّهن على ذلك، فأما - والواقع خلاف ذلك، وهو أن عائشة - رضي الله عنها - حكت قصةً عن نساء مجهولات غائبات - فلا، ولو أن امرأة وصَفت زوجها بما يكرهه، لكان غيبةً محرمة على من يقوله ويسمعه، إلا إن كانت في مقام الشكوى منه عند الحاكم، وهذا في حق المعين، فأما المجهول الذي لا يعرف، فلا حرَج في سماع الكلام فيه؛ لأنه لا يتأذى إلا إذا عرَف أنَّ مَن ذُكِر عنده يعرفه، ثم إن هؤلاء الرجال مجهولون، لا تُعرف أسماؤهم ولا أعيانهم، فضلاً عن أسمائهم، ولم يثبت للنسوة إسلام حتى يجري عليهن الغيبة، فبطَل الاستدلال به لما ذُكِر.

 

• وفيه: تقوية لمن كرِه نكاح مَن كان له زوج؛ لما ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام زوجها الثاني لها بقدر طاقته، ومع ذلك فحقَّرته وصغَّرته بالنسبة إلى الزوج الأول.

 

• وفيه: أن الحب يستر الإساءة؛ لأن أبا زرع مع إساءته لها بتطليقها، لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه إلى أن بلغت حد الإفراط والغُلو، وقد وقع في بعض طُرقه إشارة إلى أن أبا زرع، ندِم على طلاقها، وقال في ذلك شعرًا، ففي رواية عمر بن عبدالله بن عروة عن جده عن عائشة - رضي الله عنها - أنها حدثت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبي زرع، وأم زرع، وذكَرت شعر أبي زرع على أم زرع.

 

• وفيه: جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل، لكن محله إذا كنَّ مجهولات، والذي يمنع من ذلك وصف المرأة المعيَّنة بحضرة الرجل، أو أن يذكر مَن وصفها ما لم يجوز للرجال تعمُّد النظر إليه.

 

• وفيه أن التشبيه لا يَستلزم مساواة المشبه بالمشبه به من كل جهة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كنت لكِ كأبي زرعٍ)).

 

والمراد ما بيَّنه بقوله في رواية الهيثم في الأُلفة إلى آخره، لا في جميع ما وُصِف به أبو زرع: الثروة الزائدة، والابن والخادم، وغير ذلك، وما لم يذكر من أمور الدين كلها.

 

• وفيه أن كناية الطلاق لا توقعه إلا مع مصاحبة النية، فإنه - صلى الله عليه وسلم - تشبَّه بأبي زرع وأبو زرع قد طلَّق، فلم يستلزم ذلك وقوع الطلاق؛ لكونه لم يَقصد إليه.

 

• وفيه: جواز التأسي بأهل الفضل من كل أمة؛ لأن أم زرع أخبرَت عن أبي زرع بجميل عشرته، فامتثَله النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا قال المهلب، واعترضه عياض فأجاد، وهو أنه ليس في السياق ما يقتضي أنه تأسَّى به، بل فيه أنه أخبر أن حاله معها مثل حال أم زرع، نعم، ما استنبطه صحيح باعتبار أن الخبر إذا سِيق، وظهر من الشارع تقريره مع الاستحسان له، جاز التأسي به.

 

29- ألا يغيب عن الزوجة أكثر من أربعة أشهر:

فلا يعتزل الزوج زوجته - سواء من خصام أو من سفر - أكثر من أربعة أشهر، فإن لم يرجع إلى زوجته ويجامعها، يحق للمرأة أن تطلب منه الطلاق للضرر الواقع عليها، وقال الله - تعالى -: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 226 - 227].

 

وبينما عمر بن الخطاب يتعسَّس رعيته، إذ به يسمع امرأة في بيتها تقول:

تَطاوَل هذا الليلُ واسودَّ جانبُهْ
وطَال على أنْ لا خليلَ أُلاعبُهْ
فَوَاللهِ لولا خشيةُ اللهِ وحْدَهُ
لحُرِّك من هذا السريرِ جوانبُهْ
وَلكنَّ ربِّي والحياء يَكفُّني
وأُكرِمُ بعْلي أن تُوطأَ مَراكبُهْ

 

فسأل عمر عنها، فقيل له: هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله، فأرسل وبعَث إلى زوجها، فأقفله - أرجعه - ثم دخل على حفصة، فقال: يا بنيَّة، كم تصبر المرأة على زوجها؟ فقالت: سبحان الله! مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، قالت: "خمسة أشهر - ستة أشهر".

 

فوقَّت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرًا، ويقيمون أربعة أشهر، ويسيرون راجعين شهرًا.

 

فلا تُغفل أخي هذا الحق، فهو واجب عليك تُجاه زوجتك، واعلم أنك مثلما تريد من المرأة، فهي كذلك تريده منك؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة:228]، ولقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: ((إن لزوجك عليك حقًّا)).

 

30- ألاَّ يَهجرها - إذا هجرها - إلا في البيت:

فقد أخرج أبو داود وابن ماجه وأحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ولا تضرب الوجه، ولا تُقبح، ولا تهجر إلا في البيت)).

 

فالأصل ألا يهجر إلا في البيت، إلا أن تكون هناك مصلحة شرعية في الهجر خارج البيت؛ كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجه شهرًا في غير بيوتهن؛ صحيح فقه السنة (3/ 213).

 

ملاحظة:

إذا رجع بعد الخصام أو من السفر، فعليه أن يخبرها بقدومه قبل النزول عليها:

إذا طالت غيبة الزوج عن أهله في سفر أو غيره، فالسنة ألا يفاجئ الرجل امرأته بدخول الدار، دون أن يكون عندها علم سابق بقدومه؛ لما في ذلك من المحاذير كوجودها في حالة غير مرضية من التهيُّؤ له، واستقباله على حالة لائقة، وكذلك هذا من حُسن الظن بالزوجة؛ قال الإمام البخاري - رحمه الله -: "باب لا يطرق أهله ليلاً إذا أطال الغيبة؛ مخافة أن يخوِّنهم، أو يلتمس عثراتهم"، وقال بعد ذلك: "باب تَستحد المغيبة، وتَمتشط الشعثة".

 

وساق في كلا البابين حديث: ((إذا طال أحدكم الغيبة، فلا يطرق أهله ليلاً)).

 

وحديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: "كنا مع النبي في غزوة... إلى أن قال: فلما قدِمنا، ذهبنا لندخل، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أَمهِلوا حتى تدخلوا ليلاً - عشاءً - لكي تَمتَشِط الشَّعِثَة، وتَستَحِدَّ المُغِيبة)).

 

والمقصود أن تتهيأ المرأة لاستقبال زوجها الذي طالت غيبته، وأن يدخل عليها وهي في حالة تسره، فإذا علِم أنها على علم بوقت وصوله ولو طالت غَيبته، فلا ضرر في دخوله في أي وقت، وهذا الأمر ميسَّر في هذا الزمان؛ لوجود وسائل الاتصال السريعة كالهاتف والبرق والبريد.

 

31- أن يعدل بينها وبين ضرَّتها:

وهذا الحق يكون فيمَن تزوَّج بأكثر من زوجة، فعليه حينئذٍ أن يعدل بينهن، وإن كانتا اثنتين، فعليه أن يعدل بينهما: في المَبِيت، والنفقة، والمسكن، والطعام، والشراب، واللباس، ولا يجوز أن يفضِّل هذه على تلك بأن يَظلم أو يجور عليها؛ فهذا مما حرَّمه الله.

 

ولكن إذا تنازَلت امرأة من نفسها عن حقها للزوجة الأخرى، فذلك جائز، كما تنازلت السيدة سَودَة بنت زَمعَة عن ليلتها ووهبَتها لعائشة - رضي الله عنها - فلا بد من العدل بين الزوجات في كل شيء مُستطاع؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90].

 

وفي صحيح الإمام مسلم من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المقسطون عند الله على منابرَ من نور، على يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - هم الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما وُلُّوا))، وعند أبي داود والترمذي - وصححه الألباني - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا كانت عند الرجل امرأتان، فلم يعَدل بينهما، جاء يوم القيامة وشِقه ساقط))؛ صحيح الجامع (761).

 

- وفي رواية: ((من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما دون الأخرى، جاء يوم القيامة وشقه مائل))، وعند أبي داود من حديث عُروة، قال: قالت عائشة - رضي الله عنها -: "يا ابن أختي، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضِّل بعضنا على بعض في القسْم من مُكثه عندنا، وكان قل يوم ألا يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيسٍ، حتى يبلغ التي هو يومها، فيَبيت عندها".

 

وإذا أراد سفرًا فيُقرع بينهما؛ كما جاء في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يخرج سفرًا، أقرَع بين أزواجه، فأيهن خرَج سهمها، خرَج بها".

 

ذكر القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 217) عن ابن كثير، قال:

"حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان ماتتا في الطاعون، فأسهم بينهما أيهما تُدلى أوَّلُ[79]"؛ ا.هـ.

 

32- ألا يضايقها ليُكرهها على المفارقة والتنازل عن حقها:

إذا كرِه الرجل امرأته، ولم يعد يرغب في بقائها معه، فإن عليه أن يُطلقها، ولا يجوز له أن يأخذ منها شيئًا؛ لأن الكراهية صادرة منه، ولا يجوز له كذلك أن يضارها ويضايقها؛ حتى تطلب هي منه الطلاق؛ ليطلب منها ردَّ الصداق أو التنازل عنه، وفي هذا المعنى يقول الله - تعالى -: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].

 

دلَّت هذه الآية الكريمة على أن الزوجين إذا علِما أنهما يقيمان حدود الله في العشرة بينهما، ويؤدي كل واحد منهما حق الآخر، فعليهما الاستمرار في حياتهما الزوجية والمعاشرة بالمعروف، وإن ظهر للزوج أنه لا يقيم حدود الله في العشرة الحسنة مع امرأته وأداء حقوقها عليه - فإن عليه أن يطلقها ويُفارقها بإحسان، ولا يجوز له أن يضارها؛ لتفتدي منه وهو الذي كرِهها.

 

وإن علمت الزوجة أنها لا قدرة لها على إقامة حدود الله مع زوجها؛ أي: لا تطيق البقاء معه والقيام بحقوقه، فإن عليها أن تفتدي منه ليُفارقها؛ لأن الكره جاء منها له.

 

وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه أن يقبل مالاً افتدَت به امرأته منه؛ لكراهتها البقاء معه، وخوفها من الإثم بعدم إقامتها حدودَ الله في حقه؛ كما في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعتبُ عليه في خُلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتردِّين عليه حديقته؟))، قالت: نعم، قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ((اقبَل الحديقة، وطلِّقها تطليقة)).

 

وبهذا تأمَن المرأة من إكراهها على البقاء مع زوجها الذي تكرهه، كما يأمن هو من إكراهه على بقائه مع زوجته التي يكرهها، فإن له أن يطلقها متى شاء.

 

33- ألا يخرجها من بيتها وقت العدة، ولا تخرج هي كذلك:

وقد درَج الكثير من الأزواج أن يطرد زوجته ويخرجها من البيت إذا غضِب عليها، أو إذا ألقى عليها يمين الطلاق، وتفعله أيضًا الكثيرات ممن تقع في مشكلة بينها وبين زوجها، فتترك البيت لتذهب إلى بيت أهلها، والحق أن كلاًّ منهما مخطئ ومخالف لنص القرآن مخالفةً صريحة؛ فقد قال - تعالى -: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾ [الطلاق: 1].

 

وقد أمر الله - تعالى - ببقاء المرأة في بيت الزوجية فترة العدة، مُعللاً ذلك الأمر بقوله: ﴿ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].

 

ومهما كانت النفوس مشحونةً، وعودة العشرة غير مضمونة، فلا بد من البقاء في بيت الزوجية؛ امتثالاً لأمر الله الذي جعل احتمال صلاح الأمور بيده، وزوال الشرور بقدرته، وإدخال السرور بإرادته.

 

حالة خاصة فقط يمكن فيها للمرأة أن تكون في بيت أهلها أثناء عدتها، وهي كما قال - تعالى -: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [الطلاق: 1].

 

والفاحشة هنا - كما قال ابن كثير -: تشمل الزنا، وتشمل إذا نشَزت المرأة، أو إذا أدخلت أحدًا بيت الزوج.

 

34- أن ينفق عليها ويوفر لها سكنًا إذا كان طلاقها رجعيًّا - كذا لو كانت حاملاً:

فإذا طلق الزوج زوجته، فلها النفقة إن كانت ذات حمل؛ لقوله - تعالى -: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 6].

 

فإذا وضَعت حملها كانت النفقة على ولده فقط.

 

• وقد شرع الله - تعالى - للمرأة طلاقًا رجعيًّا أن ينفق عليها زوجها؛ حتى تَبينَ منه بانتهاء عدتها، فإذا انتهت عدتها جعل الله لها مخرجًا، ورزقها من حيث لا تَحتسب.

 

أما إذا كانت المطلقة ليست رجعية - وهي التي تَبين منه بمجرد طلاقه إياها - كالتي لم يدخل بها وهي لا عدة لها، أو التي استكملت ثلاث تطليقات، فلا نفقة لها ولا سُكنى، إلا إذا كانت حاملاً كما بيَّنا.

 

وهذا ما ذهب إليه ابن عباس، وأحمد بن حنبل، ودليل ذلك ما أخرجه الإمام مسلم أن فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - قالت: "إن أبا عمر بن حفص طلقها البتة - وفي رواية: ثلاثًا وهو غائب - فأرسل إليها وكيله بشعير، فسَخِطته، فقال: والله ما لك له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما لكِ عليه نفقة)).

 

• وفي رواية: ((ولا سُكنى))، فأمرها أن تعتدَّ في بيت أم شَريك".

 

وعند مسلم أيضًا عن فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - "أنه طلَّقها زوجها في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أنفَق عليها نفقة دُونٍ[80]، فلما رأت ذلك، قالت: والله لأعلمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن كان لي نفقة، أخَذت الذي يصلحني، وإن لم تكن لي نفقة، لم آخذ منه شيئًا، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لا نفقة لكِ، ولا سُكنى)).

 

وختامًا:

فهذه جملة من حقوق الزوجة على زوجها، والتي أضاعها كثير من الأزواج في هذا الزمان، ألا فليتق الله كلُّ زوج في زوجته الضعيفة، فلا يؤذيها بما تكره، ولا يكلفها ما لا تطيق، ولينظر بعين الاعتبار إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي أخرجه ابن ماجه - بسند صحيح - والنسائي في عشرة النساء: ((اللهم إني أحرج[81] حقَّ الضعيفين: اليتيم، والمرأة)).

 

واسأل الله أن يملأ بيوت المسلمين حبًّا ومودة ورحمة وسعادة، وأن يوفق كل زوجين مسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن يُسعدهما في الدنيا والآخرة، وأن يهب لهما ذُرية طيبة؛ إن ربي قريب مجيب سميع الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

وبعد:

فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة.

 

نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله - سبحانه - أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان على إخراجها ونشْرها؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان، فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صوابًا فادعوا لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثَمَّ خطأ، فاستغفروا لي.

 

وإن وجَدت العيبَ فسدَّ الخَللا
جَلَّ مَن لا عيبَ فيه وعَلا

 

فاللهم اجعل عملي كله صالحًا ولوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه نصيبًا.

 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

 

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



[1] نِعْمَ أنت؛ أي: نِعْمَ تلك الفَعلة التي فعلتها وهي التفريق بين الزوجين.

[2] الغالية: نوع من الطِّيب، مركب من: مِسك، وعَنْبر، وعُود، ودُهن.

[3] لا يَفْرَك؛ أي: لا يَكرَهها ولا يُبغِضها، والفَرْك: هو بُغض أحد الزوجين الآخر، والفارك: هو المُبْغِض لزوجته.

[4] لَكْعَاء: كلمة تأنيب، وْ: مَن لا قدر له.

[5] والطروق: هو قدوم المسافر، ونزوله على أهل بيته غِرةً دون إعلامهم.

[6] زَوْرك: أضيافك.

[7]- التَّبتُّل: الانقطاع عن الجماع.

[8] أبدن: لم أضْعف، ولم أكبر، وفي "القاموس": وبَدَّن تبدينًا، بتشديد الدال: أسنَّ وضَعُف، وبَدُنَ، بتخفيف الدال: من البدانة، وهي كثرة اللحم والسِّمنة.

[9] لاها الله: هذا يمين، و"لا" لنفي كلام الرجل، و"ها" بالمد والقصر، ولفظ الجلالة مجرور بها؛ لأنها بمعنى واو القسم، وجملة: "إذًا ما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ... إلخ"، جواب القسم، وإنما قالت ذلك المرأة؛ لأن جُليبيبًا كان في وجهه دمامة، كما في رواية أبي يُعلى".

[10] صواحب الحُجَر: أزواجه؛ كي يقمنَ فيصلِّين.

[11]الغث: الهزيل النحيف الضعيف.

[12]في رواية: "على رأس جبل وَعْر".

[13]أي: الجبل ليس بسهل، والمعنى: أن صعوده شاق لوُعورته.

[14]يُرتقى: أي يُصعد عليه؛ من صفة الجبل.

[15]المراد: اللحم.

[16]يُنتقل؛ أي: يتحوَّل؛ من صفة اللحم.

[17] أبث: معناها أنشر، لا أبث خبره: لا أظهره ولا أُشيعه.

[18] أذره: أتركه، والمعنى: أترك خبره، وقال العلماء: إنَّ "لا" زائدة.

[19] العُجَر: انتفاخ العروق في الرقبة.

[20] البُجَر: انتفاخ العروق في السرَّة.

[21] العَشَنَّق: الطويل، أو طويل العنق، تريد أن له طولاً بلا نفعٍ، ومنظرًا بلا مخبر.

[22] أما قولها: "إن أنطِقْ، أطلَّق، وإن أسكُت، أُعلَّق"، فمعناه - والله أعلم -: إذا تكلَّمت عنده وراجعته في أمر، طلَّقني، وإن سكتُّ على حالي، لم يلتفت إليَّ، وتركني كالمعلَّقة التي لا زوج لها، ولا هي أيِّم، فلا زوج عندها يُنتفع به، ولا هي أيِّم تبحث عن زوج لها، والله أعلم.

[23] قولها: كلَيْلِ تِهامة: أما تهامة، فبلاد تهامة المعروفة، والليل في هذه البلاد مُعتدل، والجوُّ فيها طيِّب لطيف، فهي تصف زوجها بأنه ليِّن الجانب، هادئ الطبع، رجل لطيف.

[24] مخافة من الخوف، والسآمة من قوله: سأم الرجل؛ أي: ملَّ وتعب، والمعني أنني أعيش مع زوجي آمنة مطمئنة مرتاحة البال، لست خائفة ولا أمَلُّ من معيشته معي، وحالي عنده كحال أهل تِهامة وهم يستمتعون بلذَّة ليلهم المعتدل، وجو بلادهم اللطيف، ليس فيه خُلق أخاف بسببه، أو يسأمني أو أسْأَمه.

[25]فَهِدَ بفتح الفاء وكسر الهاء وفتح الدال: من الفهد المعروف؛ أي: فيه من خصال الفهد.

[26] أَسِدَ بفتح الألف وكسر السين وفتح الدال: من الأسد؛ أي: فيه من خصال الأسد.

[27] هذا الوصف الذي وصَفت به المرأة زوجَها مُحتمِل احتمالين: إما المدح، وإما الذم:

أما المدح، فله وجوه:

أحدها: أنها تصف زوجها بأنه فهدٌ لكثرة وثوبه عليها وجِماعه لها، فهي محبوبة عنده، لا يصبر إذا رآها، أما هو في الناس إذا خرج، فشجاع كالأسد.

وقولها: "لا يسأل عما عهِد"؛ أي: أنه يأتينا بأشياء من طعام وشراب ولباس، ولا يسأل أين ذهبت هذه ولا تلك.

والوجه الثاني للمدح: أنه إذا دخل البيت كان كالفهد في غفَلته عما في البيت من خللٍ وعدم مؤاخذته لها على القصور الذي في بيتها، وإذا خرج في الناس، فهو شجاع مغوار كالأسد.

"ولا يسأل عما عهِد": أنه يسامحها في المعاشرة على ما يبدو منها من تقصير.

أما الذم، فهي تصف زوجها بأنه إذا دخل كان كالفهد في عدم مُداعبته لها قبل المواقعة، وأيضًا سيِّئ الخُلق، يَبطش بها ويضربها، ولا يسأل عنها، فإذا خرج من عندها وهي مريضة، ثم رجع لا يسأل عنها ولا عن أحوالها، ولا عن أولاده، والله أعلم.

[28] أي: مرَّ على جميع ألوان الطعام التي على السفرة، فأكل منها جميعًا.

[29] اشتفَّ؛ أي: شَرِب الماء عن آخره، لم يُسْئر؛ أي: لم يترك سُؤرًا وبقية.

[30] أي: التفَّ في اللحاف والفراش وحده بعيدًا عني.

[31] لا يدخل يده إلى جسدي، ويرى ما أنا عليه من حال وأحزان، فهي تصف زوجها بما يُذَم به، وهو: كثرة الأكل والشرب، وقلة الجماع، والله أعلم.

[32] الغَيَايَاء: هو الأحمق.

[33] والعَيَايَاء: من العي الذي لا يستطيع جِمَاع النساء.

[34] طَبَاقَاء: بلغ الغاية في الحمق، كل داءٍ له داء: إلى العيوب المتفرقة في الناس مجتمعة فيه.

[35] شَجَّكِ؛ أي: إذا كلَّمتيه شجَّكِ، والشج هو الجرح في الرأس.

[36] والفلول: هي الجروح في الجسد، والمعنى: إذا راجعته في شيءٍ ضرَبني على رأسي فكسَرها، أو على جسدي، فأدماه أو جمعهما لي معًا؛ أي: جمع لي الضرب على الرأس - الذي هو الشج مع جراح الجسد - والفلول، والله أعلم.

[37] قولها: "المسُّ مسُّ أَرْنَب"؛ أي: إن زوجها إذا مسَّته وَجَدت بدنه ناعمًا كوَبَر الأرنب، وقيل: كنَّت بذلك عن حُسن خلقه ولين عَريكته، بأنه طيِّب العِرق؛ لكثرة نظافته واستعماله الطِّيب تظرُّفًا، وفي رواية: "أنا أغلبه، والناس يغلب".

[38] الزَّرْنَب: نبت له ريحٌ طيِّب، فهي تَصِف زوجها بحسن التجمُّل والتطيُّب لها، والله أعلم.

[39]رفيع العماد؛ تعني: أن بيته مرتفع كبيوت السادة والأشراف حتى يقصده الأضياف.

[40] طويل النجاد، النجاد: هو حِمالة السيف، كجراب السيف، تصفه بالجرأة والشجاعة، أو كنَّت به عن امتداد قامَته وحُسن منظره.

[41] المراد بالرماد: رماد الحطب الذي نشأ عن إيقاد النار في الخشب والحطب، وكونه عظيم الرماد يدلُّ على أنه كريم يُكثر الأضياف من المجيء إليه، فيكثر من الذبح والطهي لهم، فيكثر الرماد لذلك، وهو أيضًا كريم في أهله.

- ويسمي الإرداف وهو التعبير عن الشيء ببعض لواحقه، وقال الخطابي: يحتمل أنه لا يُطفئ ناره ليلاً؛ ليهتدي بها الضِّيفان، فيَغْشونه.

[42] قريب البيت من الناد؛ أي: من النادي، فالناس يذهبون إليه في مسائلهم ومشاكلهم، فالمعنى: أنها تصفه بالسيادة والكرم، وحسن الخلق وطيب المعاشرة، والله أعلم.

[43] زوجها اسمه مالك.

[44] أي: خير من المذكورين جميعًا.

[45] أي: إن من الإبل ما يَسرح ليرعى، وكثير منها يبقى بجواره؛ استعدادًا لإكرام الضيف بذبحها.

[46] المِزْهر: آلة كالعود - على ما قاله بعض العلماء - يضرب به لاستقبال الأضياف والترحيب بهم، والمعنى: أن الإبل إذا سمِعت صوت المزهر؛ عَلِمن أن هناك أضيافًا قد وصلوا، فإذا وصل الأضياف، أيقنت الإبل أنها ستُذبَح، والله أعلم.

[47] أناس: من النوس، وهو الحركة، والمعنى: حرَّك أُذني بالحُلي، والمعنى: أكثر في أُذني من الحلي حتى تدلَّى منها واضطرب وسُمِع له صوت.

[48] أي: أن عَضُديها امتلأت شحمًا.

[49] بجَّحني؛ أي: عظَّمني وجعلني أتبجَّح، فعَظُمت إليَّ نفسي، وتبجَّحت؛ أي: عظَّمني، فعظَّمت عندي نفسي.

[50] بشقٍّ: قيل مكان، وقيل: شق جبل، والمعنى: وجَدني عندما جاء يتزوجني أعيش أنا وأهلي في فقرٍ، وفي غُنيمات قليلة نرعاها بشق الجبل.

[51] أي: صهيل الخيول.

[52] أطيط: أي إبل؛ أي: إنها أصبَحت في رفاهية بعد أن كانت في ضَنْكٍ من العيش.

[53] الدائس: هو ما يداس، وهي القمح الذي يداس عليه؛ ليخرج منه الحب، ويفصل عنه التِّبْن كما يفعل الآن في بعض بلاد الريف، يرمون القمح في طريق السيارات؛ كي تدوسه، فتُفصل بين الحب والتِّبن، وكان الدائس في زمان السلف هي الدواب.

[54] المُنَقُّ: الذي له نقيقٌ، قال بعض العلماء: هو الدجاج، والمعنى: أنها أصبحت في ثروة واسعة: من الخيل، والإبل، والزرع، والطيور، وغير ذلك.

[55] أي: لا يُقبح قولي ولا يرده، بل أنا مدلَّلة عنده.

[56] أي: أنام إلى الصباح لا يوقظني أحدٌ لعمل، بل هناك الخدم الذين يعملون لي الأعمال، فلا يقول لي: قومي جهِّزي طعامًا، ولا اعلفي دابة، ولا هيِّئي المركب، بل هناك من الخدم مَن يكفيني ذلك.

[57] أتقنَّح؛ أي: أشرب حتى أرتوي، وقيل: أشربُ على مَهَلٍ؛ لأني لا أخشى أن ينتهي اللبن، فهو موجود دائمًا، وفي رواية: قال أبو عبدالله: قال بعضهم: "فأتقمَّح‏"‏ بالميم، وهذا أصح.

[58] العكوم: هي الأعدال والأحمال التي توضع فيها الأمتعة.

[59] رَداح؛ أي: واسعة عظيمة، والمعنى: أنها والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والأثاث، والمتاع والقماش، وبيتها متسع كبير، ومالها كثير تعيش في خير كثيرٍ، وعيش رغيد وفير.

[60] الشَّطْبَة: هي سعفُ الجريد الذي يُشَقُّ، فيؤخذ منه قضبان رقاق، تُنسج منه الحصر، والمَسَلُّ: هي العود الذي سُلَّ؛ أي: سُحِب من هذه الحصيرة؛ تعني: أن المضجع الذي ينام فيه الولد صغيرٌ قدر عود الحصير الذي يُسحب من الحصيرة؛ أي: إن الولد لا يشغل حيِّزًا كبيرًا في البيت، أما الحافظ ابن حجر - رحمه الله - فقال كما في فتح الباري (9/ 179) -: "ويظهر لي أنها وصفَته بأنه خفيفُ الوطأة عليها؛ لأن زوجَ الأب غالبًا يستثقل ولده من غيره، فكان هذا يُخفِّف عنها، فإذا دخل بيتها، فاتَّفق أنه قالَ فيه؛ أي: نام فيه مثلاً، لم يضطجع إلا قدر ما يُسَلُّ السيف من غِمده، ثم يستيقظ؛ مبالغة في التخفيف عنها".

[61] الجَفْرَة: هي الأنثى من الماعز التي لها أربعة أشهر، والذكر جَفْر، وتعني: أن الولد ليس بكثير الطعام ولا الشراب.

[62] أي: إن جسمها ممتلئ، أتاها الله بَسْطة فيه.

[63] قيل: جارتها ضرَّتها، وقيل: جارتها على الحقيقة.

[64] لا تبثُّ؛ أي: لا تنشر ولا تُظهر.

[65] أي: لا تخوننا فيه، ولا تَسرق منه.

[66] في رواية: "ميرتنا"، والمَعنيُّ بها: الطعام.

[67]أي: أنها نظيفة وتنظِّف البيت؛ فلا تترك البيت قذرًا دَنِسًا مليئًا بالخِرَق، ومليئًا بما لا فائدة فيه.

ومعنًى آخر: أنها لا تُدخِل على بيتنا شيئًا من الحرام، وأيضًا لا تترك الطعام يَفسُد.

وفي رواية: قال أبو عبد الله: قالسعيد بن سلمة عن هشامٍ:"ولا تعشِّش بيتَنا تعشيشًا"‏.

[68] الأوطاب: هي قُدور اللبن وأوْعيته، وتُمْخَضُ؛ أي: تُخضُّ؛ كي يُستخرج منها الزُّبد والسَّمن.

ومن أهل العلم مَن قال: أنه خرج من عندها وهي تَمخض اللبن، فكانت مُتعبة، فاستقلَّت فرآها متعبة، فكأنه زهِد فيها.

[69] أي: أنه سُرَّ بالولدين وأُعجِب بهما، ومن ثَمَّ أحب أن يُرزق منها بالولد.

[70] ذكر بعض أهل العلم أن معناه: أن إليتَها عظيمتين، فإذا استقلَّت على ظهرها ارتفع جسمها الذي يلي إليتَها من ناحية ظهرها عن الأرض، حتى لو جاء الطفلانِ يرميان الرُّمانةَ من تحتها، مرَّت الرمانة من تحت ظهرها، وذلك من عِظَم إليتِها.

- وقول آخر: أن الطفلين يلعبان وهما مجاوران لها، ومنهم مَن حمل الرمانتين على ثدييها، ودلَّل بذلك على صِغَر سنِّها؛ أي: إن ثديها لم يتدلَّ من الكِبَر.

[71] سريًّا؛ أي: من سُراة الناس، وهم كبراؤهم في حُسن الصورة والهيئة.

[72] شريًّا؛ أي: فرسًا جيدًا خيارًا فائقًا، يمضي في سيره بلا فتور.

[73] هو الرُّمح الخطي؛ أي: الذي يُجلب من موضع يُقال له: الخط، وهو موضع بنواحي البحرين، كانت تُجلب منه الرماح.

[74] أراح؛ أي: أتى بها إلى المراح، وهو موضع الماشية، أو رجع إليَّ عند رَوَاحِه.

[75] الثري: هو المال الكثير من الإبل وغيرها.

[76] في رواية "ذابحة"؛ المعنى: أعطاني من كل شيء يذهب ويروح صِنفين، فمثلاً الإبل والغنم، والبقر والعبيد، وغيرها تروح، فكل شيء يروح، أو كل شيء يُذبح، أعطاني منه بدلاً من الواحد اثنين، أو أعطاني منه صِنفًا.

[77] الميرة هي الطعام، ومنه قول إخوة يوسف - عليه السلام ـ: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} [يوسف:65]؛ أي: نجلب لهم الميرة، والمراد: أنه قال لها: صِليهم، وأوسعي عليهم بالميرة، فهذه المرأة وصفَت زوجها بالسيادة والشجاعة والفضل والجود والكرم، فهو رجل يركب أفضل الفرسان، ويخرج غازيًا معه سهم جيِّد من أجود السهام، فيرجع منتصرًا غانمًا الغنيمة، فيُدْخل عليَّ من كل نوع مما يذبح زوجًا، ولا يُضيق عليَّ في الإهداء وصلة أهلي، بل يقول: كلي يا أم زرع، وصلي أهلك وأكْرِميهم.

[78] من العلماء مَن قال: إن الذي يجمعه هذا الزوج من الغزوة إذا قُسِّم على الأيام حتى تأتي الغزوة الثانية، كان نصيب كل يوم من الأيام لا يملأ أصغر إناء من آنية أبي زَرْع، والذي يظهر لي: أنها أرادت المبالغة في فضل أبي زرع، والله أعلم.

[79] تُدلَّى أوَّل: يعني في القبر.

[80] نفقة دون: يعني نفقة قليلة رديئة.

[81] أُحَرِّجُ؛ أي: أُلْحِق الحرجَ - وهو الإثم - بمَن ضيَّع حقَّهما، وأُحذِّر من ذلك تحذيرًا بليغًا، وأَزجر عنه زجرًا أكيدًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحقوق الزوجية
  • الحقوق المشتركة بين الزوجين
  • الحقوق الزوجية (حق الزوج)
  • حقوق الزوجة على زوجها
  • هلا أنصت لوجعي!!
  • علاقة عمل!!
  • الحقوق الزوجية
  • لست من هدم الخلافة!!
  • مسؤولية الزوج في مرحلة الحمل
  • مسؤولية الرجل عما تحت رعايته
  • زوجة خائنة
  • الحقوق المشتركة بين الزوجين (1)
  • الحقوق الزوجية أساس الأسرة في الإسلام، وعدم مراعاتها يهدم قوامها
  • السعادة الزوجية ( خطبة )
  • خطبة عن الحقوق الزوجية

مختارات من الشبكة

  • التبيان في بيان حقوق القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف الحقوق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حق الزوجة وحق الزوج(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الفرق بين حق الأم وحق الزوجة(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • الإخلاص في الذكر عند قيام الليل والأذان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (2) الملك(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • تأكيد حقوق ولاة الأمر وشرح الحديث النبوي: "ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم"(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أهم ما ترشد إليه الآية: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
7- الفرق بين زوجة وإمرأة
أنيس بوزير - Canada 11-02-2022 12:28 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد ذكر في أول المقال هذه الجملة (فالمرأة: لباس الزوج، وستره، وسكينته، وهدوء قلبه، وهي أم ولده، وشريكة حياته، فلها حقوق على الزوج، كما أن للزوج حقوقًا عليها …)
لكن في الآية القرآنية يقول الله تعالى: (خلق لكم من أنفسكم أزواجا) أي زوج وزوجة وليس زوج وامرأة.
لأنه عندما يكون هنالك تكامل بينهما يسمى زوجة ويصبحان لباس لبعضهما البعض. وامرأة عندما لا يتكاملان وحينها لن يكونا لباسا لبعضهما البعض.
هذا ما قرأته عن تفسير هذه الألفاظ في القرآن، والله أعلم

6- استفسار
شيخ أحمد - السنغال 27-10-2018 07:48 AM

أريد من فضيلتكم أن تسمحوا لي بترجمة هذه المقالة إلى لهجتي علما بأن مجتمعتي بحاجة ماسة إلى مثل هذه المقالة من فضلكم.
ولكم مني جميل شكري وامتناني.

5- رد على التعليق رقم 4
الشيخ نصر عوض - مصر 22-03-2017 04:22 PM

عزيز مصر مختلف في إسلامه وكيد النساء لا ينكر وهو نسبي كما قال صاحب المادة المتعلقة ثم إن يوسف عليه السلام قال للرسول الذي جاءه من قبل الملك: ارجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم

فأثبت لهن كيدا وجعل العلم به إلى الله تعالى وهو تنويه بعظم الكيد منهن وكل حالة من الكيد تكون بحسبها

فالتعليق ليس دقيقا والله أعلم،،

4- تصحيح
زائرة - السودان 21-03-2017 08:09 AM

الله لم يقل (إن كيدكن عظيم)، بل عزيز مصر هو من قال ذلك، و ذكره الله سبحانه وتعالى. وكما تعرفون، عزيز مصر لم يكن مسلما، وإذا أخذنا بقياس النقل، فالكيد ذكر عن الرجال قبل النساء على لسان سيدنا يعقوب، وهو نبي: "فيكيدوا لك كيدا" ... فكأنما نأخذ بكلام عزيز مصر عن حادثة معينة و نترك كلام الله ونبيه!

3- الرد على الأخت أم آدم
أبو معاذ - مصر 09-05-2015 02:36 AM

اطلبي من زوجك أن يقرأ هذا الموضوع جيدا فيبدو أنه بحاجة لمعرفة حقوقك عليه
أسأل الله تعالى أن يؤلف بينكما ويوفقك ويوفق زوجك لما يحب ويرضى

2- حق الزوجة
أم آدم - مصر 30-04-2015 06:46 PM

أنا كنت أريد أن أسأل حق الزوجة فين لما تقول لزوجها. أريد أن أخرج أنا والأولاد يأخذينا إلى حديقة أو مول أو أي مكان أنت تحبه ويكون "الرد تخرجي فين احنا هنعيل"
لكن أنا مللت واتخنقت من الجلسة في البيت لست مقصرة في واجبات البيت

1- شكروتقدير
خطيب الجمعة - اوروبا 05-04-2013 04:28 PM

السلام عليكم: خطبت اليوم خطبة رائعة أعجبت بعض الحاضرين.مما جعل شاباً يأتي إلي بعد الخطبة والصلاة . وطلب مني نسخة منها ليقرأها وربما يترجمها ليقرأها على بعض الذين لا يعرفون الإسلام. كما قال: هذه (الخطبة)كان عنوانها (حقوق الزوجة) نقلتها من شبكة (الألوكة) بعد ما خطبت ثلاث خطب في نفس الموضوع. أنا من روادها ومن محبيها أي (الألوكة) ومن محبي القائمين عليها. ولكم منا جزيل الشكر.حفظكم الله ورعاكم وسدد على طريق الحق خطانا وخطاكم. والسلام:

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب