تحقيق تخريج مسألة ( إذا سمعتم المؤذن يؤذن )

تحقيق تخريج مسألة (إذا سمعتم المؤذن يؤذن)

للإمام الحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي

503- وسألت أبي عن حديث رواه إسماعيل بن عياش، عن عُمارة بن غَزيّة، عن ابن يَساف، سمع معاوية بن أبي سفيان، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول)).

قال أبي: أنكرت هذا الحديث، إذ كان: عمارة، عن ابن يساف، سمع معاوية.

ولم أدرِ من ابن يساف هذا؟. فتفكرت فيه، فإذا إسماعيل بن جعفر قد روى هذا الحديث عن عمارة بن غزية، عن خُبيب بن عبد الرحمن قال أبي: وهو ابن يساف عن حفص بن عاصم بن عمر، عن أبيه، عن جده عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا سمعتم المؤذن...)).

قال أبي: أما ابن يساف فأرى أنه خبيب بن عبد الرحمن بن يساف، ونسبه إلى جده. ولم يسمع خبيب من معاوية شيئاً، فيحتمل أن يكون قد دخل لإسماعيل ابن عياش حديث في حديث.

رجال الإسناد:

• إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي، بالنون، أبو عتبة الحمصي (ت182).

روى عن عمارة بن غزية، وزيد بن أسلم، والثوري، وغيرهم.

روى عنه ابن أبي شيبة، وابن وهب، وسعيد بن منصور، وغيرهم.

قال ابن معين: ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم. وقال ابن المديني: كان يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام، فأما ما روى عن غير أهل الشام ففيه ضعف. وقال البخاري: إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غير أهل بلده ففيه نظر.

وبنحو ما تقدم ذكر ذلك فيه الإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة، وغيرهم.

وقال أبو حاتم: هو لين، يكتب حديثه. وقال ابن عدي: إذا روى عنه ثقة فهو  مستقيم، وفي الجملة إسماعيل ممن يكتب حديثه، ويحتج به في حديث الشاميين خاصة.

♦♦ ♦♦ ♦♦

قال ابن حجر: صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم.

انظر تهذيب الكمال3/ 163، التهذيب 1/ 321، التقريب (473).

• عُمارة بن غزية بن الحارث الأنصاري المازني المدني (ت 140هـ).

روى عن خبيب بن عبد الرحمن، وربيعة بن عبد الرحمن، والشعبي، وغيرهم روى عنه إسماعيل بن عياش، وزهير بن معاوية، والثوري، وغيرهم وثقه أبو زرعة، وأحمد، وابن سعد، والدار قطني. وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال ابن معين: ليس به بأس. وفي رواية: صالح. وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، كان صدوقاً. وقال النسائي: ليس به بأس.

قال ابن حزم: ضعيف. وذكره العقيلي في الضعفاء.

قال ابن حجر في التهذيب: وذكره العقيلي في الضعفاء ولم يورد شيئاً يدل على وهنه.

وقال الذهبي: صدوق مشهور... استشهد به البخاري... وما علمت أحداً ضعفه سوى ابن حزم، ولهذا قال عبدالحق: ضعفه بعض المتأخرين... وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء، وما قال فيه شيئاً يلينه أبداً سوى قول ابن عيينة: جالسته كم مرة فلم أحفظ عنه شيئاً. فهذا تغفل من العقيلي؛ إذ ظن أن هذه العبارة تليين، لا والله.

قال الحافظ ابن حجر: لا بأس به، وروايته عن أنس مرسلة.

انظر تهذيب الكمال 21/ 258، الميزان 3/ 178، التهذيب7/ 422، التقريب (4858).

• خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف الأنصاري، أبو الحارث المدني (ت 132).

روى عن أبيه، وحفص بن عاصم، وعبد الرحمن بن مسعود الأنصاري، وغيرهم.

روى عنه عمارة بن غزية، وشعبة، ومالك بن أنس، ويحيى بن سعيد، وغيرهم.

وثقه ابن معين، والنسائي، وابن سعد، وابن خلفون، والنسوي، وابن حبان.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

قال ابن حجر: ثقة.

انظر تهذيب الكمال 8/ 227، أسماء شيوخ مالك (77)، التقريب (1702).

♦♦ ♦♦ ♦♦

• معاوية بن أبي سفيان: صخر بن حرب بن أمية الأموي، أبو عبد الرحمن (160هـ).

صحابي جليل أسلم قبل الفتح، وأحد كتاب الوحي، وتولى الخلافة بعد علي.

انظر الاستيعاب 10/ 134، الإصابة 9/ 231، السير 3/ 119.

• إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الزُّرَقي، أبو إسحاق القارئ (ت 180).

روى عن عمارة بن غزية، ومالك بن أنس، وموسى بن عقبة، وغيرهم.

روى عنه إسحاق بن محمد الفروي، ومحمد بن جهضم، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم.

قارئ أهل المدينة، ثقة ثبت اتفق على توثيقه وعدالته، وقد روى له الجماعة.

انظر تهذيب الكمال 3/ 56، التهذيب 1/ 287، التقريب (431)، السير 8/ 203.

• حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني (ت 129 تقريباً).

روى عن أبيه عاصم، وعمه عبدالله بن عمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وغيرهم.

روى عنه خبيب بن عبد الرحمن، والزهري، والقاسم بن محمد، وغيرهم.

متفق على توثيقه وعدالته.

انظر تهذيب الكمال 7/ 17، التهذيب 2/ 402، السير 4/ 196، التقريب (1407).

• عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى القرشي العدوي (ت 123)

فاروق هذه الأمة، وأمير المؤمنين، وخير هذه الأمة بعد أبي بكر، وفضائله كثيرة جداً.

انظر معرفة الصحابة 1/ 189، الاستيعاب 8/ 242، الإصابة 7/ 74.

♦♦ ♦♦ ♦♦

تخريج الحديث:

روى عمارة بن غزية هذا الحديث، واختلف عليه وعلى أحد الرواة عنه:

1- فرواه إسماعيل بن عياش، واختلف عليه:

أ‌- فرواه الوليد بن مسلم، عن إسماعيل، عن عمارة، عن ابن يساف، عن معاوية.

ب‌- ورواه إسماعيل بن عياش أيضاً، عن عمارة، عن ابن يساف، مرسلاً.

2- ورواه إسماعيل بن جعفر، عن عمارة، عن خبيب بن عبد الرحمن بن يساف، عن حفص بن عاصم، عن أبيه، عن جده عمر.

3- ورواه الدراوردي وغيره، عن عمارة، عن خبيب، عن حفص بن عاصم، مرسلاً.

4- ورواه يحيى بن أيوب، عن عمارة،عن خبيب، موقوفاً.

وفيما يلي تفصيل ما تقدم:

أولاً: رواه إسماعيل بن عياش، واختلف عليه:

1- فرواه الوليد بن مسلم، عن إسماعيل، عن عمارة، عن ابن يساف، عن معاوية:

أخرجه الطبراني في الكبير 19/ 346، رقم 802، من طريق سليمان بن عبد الرحمن، عن الوليد بن مسلم، به نحوه.

وذكره المصنف في هذه المسألة، من رواية إسماعيل بن عياش،به.

وقال الهيثمي في المجمع 1/ 331: رواه الطبراني في الكبير من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وهو ضعيف فيهم.

♦♦ ♦♦ ♦♦

2- ورواه إسماعيل أيضاً، عن عمارة، عن خبيب بن عبد الرحمن مرسلاً:

ذكره الدار قطني في العلل 2/ 182، رقم  205، ولم أقف على من أخرجه.

قلت: وتقدم أن إسماعيل بن عياش ضعيف في حديثه عن غير أهل بلده، وقد رواه هنا عن غيرهم، ولعله اضطرب فيه فكان يرويه على الوجهين، والله أعلم.

ثانياً: ورواه إسماعيل بن جعفر، عن عمارة، عن خبيب بن عبد الرحمن بن يساف، عن حفص بن عاصم، عن أبيه، عن جده عمر:

أخرجه مسلم 1/ 289، كتاب الصلاة،باب استحباب القول مثل قول المؤذن.. الخ، رقم 385 - ومن طريقه قوام السنة في الترغيب والترهيب 1/ 146، رقم 272، ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة (155) رقم 40. كلاهما عن إسحاق بن منصور.

وأبو داود 1/ 361، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا سمع المؤذن، رقم 527 ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد10/ 136، ورواه البزار في مسنده 1/ 383، رقم258، وابن المفضل المقدسي في الأربعين في فضل الدعاء والداعين (ق 7/ ب). من طريق محمد بن المثنى.

وابن خزيمة 1/ 218، رقم 417 ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج 1/ 7، رقم 843، (ومن طريق أبي نعيم المزي في تهذيب الكمال (13/ 526) وابن حجر في نتائج الأفكار 1/ 359، ورواه أبو نعيم في المستخرج 1/ 7 من غير طريق ابن خزيمة ومن طريق المزي في تهذيب الكمال 13/ 526. من طريق يحيى بن محمد بن السكن.

وابن حبان 4/ 582، رقم 1685. من طريق العباس بن عبد العظيم.

وأبو عوانة 1/ 339، عن أبي الأزهر، وأبي أمية، وكردوس الواسطي.

♦♦ ♦♦ ♦♦

وأبو نعيم الأصبهاني في المستخرج 1/ 7، رقم 843 ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال 13/ 525، 526، وابن حجر في نتائج الأفكار[1] 1/ 360، ورواه أبو عوانة 1/ 339، والسراج في مسنده (ق 5/ ب). من طريق عبد العزيز بن معاوية.

وأبو نعيم الحداد في الجامع بين الصحيحين (ق 85)، والبيهقي في الكبرى 1/ 408، وفي الصغرى 1/ 124، رقم 294، وفي الدعوات الكبير 1/ 33، رقم 47، وابن المفضل المقدسي في الأربعين في الدعاء والداعين (ق 7/ ب).من طريق علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي.

والسراج في مسنده (ق 5/ ب)، وعبدالغني المقدسي في أخبار الصلاة، رقم 107، من طريق العباس بن أبي طالب.

كلهم عن أبي جعفر محمد بن جهضم الثقفي، به.

وتابعه إسحاق بن محمد الفروي:

أخرجه أبو عوانة 1/ 339، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 144، وابن عبدالبر في التمهيد 10/ 136، والبغوي في شرح السنة 2/ 286، رقم 424.

كلهم من طريق إسحاق بن محمد الفروي.

ومحمد بن جهضم، وإسحاق، كلاهما عن إسماعيل بن جعفر، عن عمارة[2]، به

وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.

♦♦ ♦♦ ♦♦

ثالثاً: رواه الدراوردي وغيره، عن عمارة، عن خبيب، عن حفص، مرسلاً:

ذكر ذلك الدار قطني في التتبع (388) ولم أقف على من أخرجه.

قلت: والدراوردي: عبدالعزيز بن محمد: صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ كما سيأتي في ترجمته (انظر الفهرس)، ولم يذكر الدار قطني من الذي تابعه، لننظر هل هو ثقة أم لا، وهل يقوى على معارضة الوجه المتقدم من رواية إسماعيل، أم لا.

رابعاً: ورواه يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية، عن خبيب، موقوفاً.

ذكره الدار قطني في العلل 2/ 182، ولم أقف على من أخرجه.

قلت: ويحيى بن أيوب، هو الغافقي: صدوق ربما أخطأ (التقريب 5711).

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على عمارة بن غزية في هذا الحديث، وعلى أحد الرواة عنه وخلاصة ما تقدم ما يلي:

1- فرواه إسماعيل بن عياش مرة، عن عمارة، عن ابن يساف، عن معاوية.

2- ورواه إسماعيل أيضاً مرة، عن عمارة، عن ابن يساف، مرسلاً.

3- ورواه إسماعيل بن جعفر، عن عمارة، عن خبيب بن عبد الرحمن بن يساف، عن حفص بن عاصم، عن أبيه، عن جده عمر.

4- ورواه الدراوردي وغيره، عن عمارة عن خبيب، عن حفص بن عاصم، مرسلاً.

5- ورواه يحيى بن أيوب، عن عمارة، عن خبيب، موقوفاً.

♦♦ ♦♦ ♦♦

وأرجح هذه الأوجه هو الوجه الثالث؛ حيث رواه إسماعيل بن جعفر، وهو ثقة ثبت كذلك، إضافة إلى إخراج مسلم لهذا الوجه، كما تقدم.

وأما الوجهان الأول والثاني، فهما من رواية إسماعيل بن عياش، وهو كما تقدم ضعيف في حديثه عن غير أهل بلده، وقد رواه هنا عن غيرهم.

وأما الوجه الرابع فمن رواية الدراوردي، وتقدم أنه كان يحدث من كتب غيره فيخطئ والوجه الخامس من رواية يحيى بن أيوب، وهو صدوق ربما أخطأ.

ومنه يتبين صحة ما ذهب إليه أبو حاتم من تخطئته لرواية إسماعيل بن عياش في الوجه الأول الذي سأله عنه ابنه.

وقد وافقه على ذلك الدار قطني في العلل 2/ 182.

وقد روي هذا الحديث من عدة طرق عن معاوية، وليس في أي منها الطرق المتقدمة في الاختلاف على عمارة،، وقد أخرج حديث معاوية الإمام مسلم وغيره[3].

وبهذا يتضح مراد أبي حاتم في قوله:(فيحتمل أن يكون دخل لإسماعيل بن عياش حديث في حديث) أن المراد به حديث معاوية المتقدم، أي ركب الإسناد الأول وهو حديث عاصم عن أبيه عن جده، على المتن الثاني وهو حديث معاوية، وكلا الحديثين بمعنى واحد فاشتبها عليه فخلط بينهما، والله أعلم.

والحديث من وجهه الراجح صحيح، وقد أخرجه مسلم وغيره كما تقدم، والله أعلم.