• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الإخلاص (2)

الإخلاص (2)
عبدالفتاح آدم المقدشي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/6/2012 ميلادي - 17/7/1433 هجري

الزيارات: 10860

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بسم الله الرحمن الرحيم:

اعلَم أنَّ الله - سبحانه - لَم يَخلق الخلق، ولَم يُنزل لهم الكتب، ولَم يُرسل إليهم الرُّسل - إلاَّ ليُخلصوا له العبادة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5].

 

ومعنى الإخلاص الذي يريده الله - سبحانه - عبادة الله وحْده، واجتناب عبادة الطواغيت؛ كما قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].

 

ولذلك ما من رسول أُرسِل إلى قومه، إلاَّ وكان يقول لقومه: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]، كما تجد ذلك في آياتٍ كثيرة من القرآن.

 

وأيضًا فالله - سبحانه - يُبيِّن لنا في كتابه العزيز، أنه ما خلَق الموت والحياة، إلاَّ ليَبلونا أيُّنا أحسنُ عملاً، ومعنى أن نكونَ أحسنَ أعمالاً: أن تكون أعمالنا خالصةً لله وحْده، وموافقة للكتاب والسُّنة؛ قال تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7].

 

قال الفُضيل بن عِياض - رحمه الله -: "أخلصُه وأصْوبُه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبُه؟ قال: العمل إذا كان خالصًا، ولَم يكن صوابًا، لَم يُقبل، وإذا كان صوابًا، ولَم يكن خالصًا، لَم يُقبل؛ حتى يكونَ خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السُّنة".

 

قال تعالى: ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ﴾ [النساء: 125]؛ أي: إخلاص الدين لله وحْده.

 

وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "اللهمَّ اجْعَل عملي كلَّه صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تَجعل لأحدٍ فيه شيئًا".

 

وقال تعالى في حقِّ أبي بكر - رضي الله عنه -: ﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ﴾ [الليل: 19 - 20].

 

وهو كما قال بعض السلف: "ما فضَلكم أبو بكر - رضي الله عنه - بكثير صلاةٍ ولا صيام، ولكن بشيءٍ وقَر في قلبه"، يَقصدون بذلك - رَحِمهم الله - عظَمة الإيمان والإخلاص التي خالَطت بشاشة قلب أبي بكر - رضي الله عنه.

 

وقد صرَّح الله ذلك في كتابه؛ إذ قال: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ﴾ [الليل: 17]؛ قال الفخر الرازي: "إذا جمعتَ هذه الآية مع قوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، تبيَّن لك أنَّ أبا  بكرٍ - رضي الله عنه - أحقُّ بالفضل والخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كما قال، وهو من استنباطاته.

 

وقيل للإمام مالك: قد وطَّأَ أُناس موطَّآت أخرى، أو شَبهها، فقال: "وَطَّؤُوا ووَطَّأْنا، ولا يبقى إلاَّ ما كان لله خالصًا"، فقد وقَع الأمر كما قال - رحمه الله - فإنه لَم يبقَ إلاَّ كتابه.

 

إذًا؛ لا بدَّ أن تكون أساس أعمالنا كلها مبنيَّة بالإخلاص لله وحْده، مع إصلاح النيَّة؛ لذلك كان علماء السلف يَبدؤون كتبَهم بحديث: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات))، كتنبيهٍ على هذه المسألة المهمَّة، التي قلَّ مَن يَنتبه إليها، خصوصًا في هذا العصر الذي طغَت فيه المادة؛ حتى صارَ بعض الناس لا يَجِدُّ ولا يَكد في الدراسة الجامعيَّة، إلاَّ ليُوَظَّف، وليَنال بها حظوظَ الدنيا - والعياذ بالله - إلاَّ مَن رحمه الله وعافاه الله من هذا البلاء الخطير، وقليلٌ ما هم.

 

قلت: في هذا الزمان كَثُر الكفار، وصار المسلمون فيهم قليلين، وكَثُرت الفِرَق بين المسلمين، وصار السُّنيون السلفيون فيهم قليلين، وكَثُر السلفيون، وصار المخلصون منهم قليلين، والله المستعان، وهو الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل, وأرى أنَّ السبب الرئيس في ذلك، يرجع إلى تقاعُس أُمَّة المسلمين وتقصيرها عن القيام بواجبها، الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بجهاد الطلب في القرون الماضية، ونشْر الإسلام في سبيل ذلك, ويرجع أيضًا إلى اشتغالهم فيما بينهم بالتفاخُر والتكاثُر بالأحساب والأموال، والافتتان بالدنيا، إلى غير ذلك من المعاصي؛ حتى اجْتاحهم الأعداء في عُقر ديارهم، واحْتَلُّوهم، والأدهى من ذلك والأمَرُّ أن بدَأ النقاش والتنازُع: هل نُدافع عن ديار المسلمين أو لا؟ وإلى الله المُشتكى فيما آلَ إليه أمرُ أُمة محمد - صلى الله عليه وسلم.

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سَمِعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّ أوَّل الناس يُقضى يوم القيامة عليه، رجلٌ استُشْهد، فأُتِي به، فعرَّفه نِعمَه فعرَفها، قال: فما عَمِلت فيها؟ قال: قاتَلتُ فيك حتى استُشْهدتُ، قال: كذَبتَ، ولكنَّك قاتَلتَ؛ لأنْ يُقال: جَريءٌ، فقد قيل، ثم أُمِر به، فسُحِب على وجهه؛ حتى أُلقِي في النار، ورجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرَأ القرآن، فأُتي به، فعرَّفه نِعَمه، فعرَفها، قال: فما عَمِلت فيها؟ قال: تعلَّمتُ العلم، وعلَّمته، وقرَأت فيك القرآن، قال: كذَبتَ، ولكنَّك تعلَّمتَ العلم؛ ليُقال: عالِم، وقرَأت القرآن؛ ليُقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمِر به، فسُحِب على وجهه؛ حتى أُلقِي في النار، ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأُتي به، فعرَّفه نِعَمه، فعرَفها، قال: فما عَمِلت فيها؟ قال: ما ترَكت من سبيلٍ تحبُّ أن يُنفق فيها، إلاَّ أنفَقتُ فيها لكَ، قال: كذَبتَ، ولكنَّك فعَلتَ؛ ليُقال: هو جَوَاد، فقد قيل، ثم أُمِر به، فسُحِب على وجهه، ثم أُلقي في النار))؛ رواه مسلم.

 

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "وفي الحديث أنَّ معاوية لَمَّا بلَغه هذا الحديث، بكى حتى غُشِيَ عليه، فلمَّا أفاقَ، قال: صدَق الله ورسوله؛ قال الله - عز وجل -: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ﴾ [هود: 15 - 16].

 

فهذا هو أمير المؤمنين في وقْته، تَراه من عِظَم فِقْهه وتأثُّره بهذا الحديث، لَم يتمالك نفسه حين بلَغه الحديث, حتى بكى، ثم غُشِي عليه؛ وذلك من شدَّة خوفه أن يكون من ضمن هؤلاء الموصوفين في هذا الحديث، وهو مَن هو في الفضْل والنُّبل؛ إذ كان كاتبَ وحي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاهَد معه صابرًا مُحتسبًا، مُقبلاً غير مُدبر، ثم وَلِي أمرَ المسلمين، فجاهَد الكفَّار، وأمَّن السُّبل، وأقام حدود الله، ونفَع المسلمين بالمال والإحسان.

 

فمَن منَّا بكى عندما سَمِع هذا الحديث، فضلاً عن أن يُغشَى عليه، مع كثرة ذنوبنا، وقلَّة أُجورنا وإخلاصنا، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.

 

ومع ذلك كله تَسبُّه الشيعة ليلاً ونهارًا، وقد أقرَّ شيخ الإسلام ابن تيميَّة فضْل معاوية - رضي الله عنه - العظيم في كتابه "منهاج السُّنة النبوية"، ووصَفه بخير ملوك الإسلام.

 

وهنا مسألة لا بدَّ أن نَنتبه إليها، ألا وهي مسألة حبِّ الرِّياء والسُّمعة، التي هي سِمة من سمات المنافقين أو الزنادقة؛ فإنهم لا يَعبدون ربَّهم حقيقةً، بل عبادتهم صوريَّة، فلا يُصَلُّون مثلاً عند اختفائهم عن أنظار الناس، كما يأكلون الطعام في غيبة الناس في الصيام، وغير ذلك من أوصافهم الرديئة، وإنما الذي يَحملهم على أن يقوموا بالعبادات عندما يراهم الناس، هو رعاية مصالحهم الخاصة؛ حيث لا يقومون إلاَّ مع الكراهة الشديدة والكسل؛ إذ لَم تُخالط بشاشة الإيمان قلوبهم, ويَدلُّك على ذلك ما تَكتشفه عندما يُطلَب منهم النفقة في سبيل الله، أو التضحية لأجْل الدين، فإنهم لا يرضون بذلك، ولا يُطيعون ويَختفون.

 

ولكنَّ المؤمن الحقيقي يَعبد ربَّه في الغيبة ومع حضور الناس، كما يحبُّه الله ويرضاه لإخلاصه وإيمانه الكامل، الذي خالَط بشاشته قلبه، ولكن قد يَطرأ في أثناء صلاته مثلاً رياءٌ، فيُحسِّن صلاته؛ لأجْل رؤية الناس، فعندها يَحبط عمله - والعياذ بالله.

 

فإن كان العمل لا يتجزَّأ كالصلاة مثلاً، فيَبطل العمل كلُّه، وإن كان يتجزَّأ؛ كأن يتصدَّق بدرهم مخلصًا، ويتصدَّق بدرهم آخرَ وفيه رياءٌ، فيَحبط الدرهم الثاني، ويُؤجَر بالدرهم الأوَّل، وقِس على ذلك.

 

عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: خطَبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: ((يا أيها الناس، اتَّقوا هذا الشِّرك؛ فإنه أخفى من دَبيب النمل))، فقال له: مَن شاء الله أن يقول: وكيف نَتَّقِيه، وهو أَخْفَى من دبيب النَّمْل يا رسول الله؟! قال: ((قولوا: اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من أن نُشرك بك شيئًا نَعلمه، ونَستغفرك لِما لا نَعلمه))؛ رواه أحمد والطبراني، ورُواته ثِقات.

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال الله - عز وجل -: أنا أغنى الشُّركاء عن الشِّرك، مَن عمِلَ عملاً أشرَك فيه معي غيري، ترَكته وشِرْكه))؛ رواه مسلم.

 

كما جاء عن جُندب بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سمَّع، سمَّع الله به، ومَن يُرائي، يُرائي الله به))؛ رواه البخاري، ومسلم.

 

وهكذا لا بدَّ من أن يَحذر العبد المؤمن العُجب، كأن يتعاظَم عنده ما عَمِله أو قدَّمه من الأعمال الصالحات - كما أسلفنا في المقال السابق - وإنما الواجب على المرء أن يتواضَع ويُرجِع الفضلَ إلى الله وحْده، ولكن لا بأْس أن يَفرح بالثناء، إن لَم يَسترسل بذلك، ولَم يَقصد بعمله غيرَ وجْه الله،  بل هذا عاجِلُ بُشرى المؤمن؛ عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيتَ الرجل يعمل العمل مِنَ الخير، ويَحمده الناس عليه؟ قال: ((تلك عاجلُ بُشرى المؤمن))؛ رواه مسلم.

 

وأيضًا هنا مسألة أخرى لا بدَّ أن نَنتبه إليها، ألا وهي مسألة التوظُّف بالإمامة والأذان، والدعوة وتعليم القرآن, وقد تنازَع فيها العلماء، ورجَّح كلٌّ منهم ما رآه عنده راجحًا بالأدلة التي عنده، أو بالفَهم الذي فَهِمه[1].

 

وكل ما ذكَرنا أعلاه يُنظر من حيث الإخلاص على حسب نيَّة المرء، ونُقسمها إلى ثلاثة أقسام كالتالي:

القسم الأول: إذا كان الباعث على العمل وجه الله، ونيَّة المؤمن بالإخلاص راجحةٌ، ولو خالطَها شيءٌ ما - كتحصيل مالٍ - فعملُه مَقبول عند الله - إن شاء الله - خاصَّة فيما ورَد فيه نصٌّ صريح؛ كالحج والجهاد، أو الإمام العام والقُضاة، والولاة الذين أجمَع المسلمون أن يُرتَّب لهم قسط من المال من بيت المال؛ لتَغطية معيشتهم, وإذا كان غنيًّا، فاستعفَّ في بعض الحالات، فهو أفضل ما يكون، على أن تكون القاعدة الأساسيَّة التي يَنطلِق منها حبُّه للعمل الديني - هي الأَوْلَى، ويكون العمل الدنيوي تابعًا.

 

القسم الثاني: أن يكون  العمل الدنيوي هو الأساس عند العبد، فلا يكون همُّه ونيَّته إلّا تحصيل الدنيا؛ كالمال والنساء والأولاد، عكس الأوَّل، فعملُه غير مَقبول، وهو مردودٌ عليه، وليس له خَلاق عند الله، والدليل على ذلك الحديث المشهور عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سَمِعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى، فمَن كانت هِجرته إلى الله ورسوله، فهِجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته لدنيا يُصيبها، أو امرأة يَنكحها، فهِجرته إلى ما هاجَر إليه))؛ رواه البخاري، ومسلم.

 

القسم الثالث: أن تكون نيَّة العبد متساوية الطرَّفين، فلا يرجح أحدهما عن الآخر؛ كأن يحبُّ الأجر والذِّكر والمدْح معًا، فلا خَلاق له في الآخرة؛ حتى يُخلص النيَّة لله وحْده، والدليل على ذلك ما رواه أبو أُمامة - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيتَ رجلاً غزا يَلتمس الأجْر والذِّكر، ما له؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا شيءَ له))، فأعادها ثلاث مرات، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا شيءَ له))، ثم قال: ((إنَّ الله - عز وجل - لا يَقبل من العمل إلاَّ ما كان له خالصًا، وابتُغِي به وجهه))؛ رواه أبو داود، والنسائي بإسناد جيِّد.

 

ولكن اعْلَم أنه قد يَطرأ الفساد بعد الشروع في العمل وهو مخلصٌ؛ كأن تَفتنه الدنيا عن جادة الطريق، مثلما حصَل للفرقة التي تسبَّبت في هزيمة المسلمين في غزوة أُحد؛ حيث وقَعت على الغنيمة وعصَت أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزَل الله فيها آيات كثيرة تُتلى إلى يوم القيامة، يُعاتبهم فيها بسبب ذنبهم هذا، وليجتنب عن مثله من بعدهم من المسلمين, منها: قوله تعالى: ﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [آل عمران: 152].

 

والله أعلم.

 

قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264].

 

﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ﴾ [البقرة: 265].

 

لقد ضرب الله في هاتين الآيتين مثلين عجيبين دقيقين للمرائين والمبتغين بأعمالهم رضوان الله سبحانه في سورة البقرة  أولاهما: شبَّه الله سبحانه عمل المرائي كمثل تراب على صخرة, ومعلوم ترابٌ حالها كهذه لا ينبت منها نبات ولا ثمر فكيف إذا أصابها وابل من المطر فتركها صلدا: أي أملسا يابسا وبقت صخرة ملساء لا يرجى منها خير أبداً؟!,  لا شك أن هذا غاية من حبوط الأعمال وخسرانها كما هو عمل سيء ونتيجة سيئة.

 

والمثل الثاني مثَّله الله كمثل جنة بربوة  أي بمكان مرتفع فهي ما أحسن ما تكون من الجنات إذ لا يخاف عليها أن يغمرها سيل ولا أن تناله السوائم بسهولة, ولما أصابها المطر آتت أكلها ضعفين بسبب المطر.

 

وقال تعالى في الآية التي سبقت في نفس السورة ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.

 

فهذه مقدمة غاية في الحسن والجمال والروعة كما أن النتيجة أجمل وأحسن وأنعم بل وأكثر مما  يمكن  أن يتصوره عقل بشر ما دامت مضاعفة بمشيئة الله  سبحانه جلَّ جلاله.

 

وهكذا هو ميزان كل الأعمال الصالحات والطالحات كمال قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276].

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الني صلى الله عليه وسلم قال: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يقبل الله إلا الطيب, فإن الله يقبلها بيمينه, ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل رواه مسلم  بهذا اللفظ. والبخاري في كتاب التوحيد وفيه "مثل جبل أحد".

 

ولقد حصَل لي موقفٌ عجيب وأنا أُراجع عملَ الإمامة في بعض البلدان، فقلت ذات مرة للمدير: اعْمَل لوجْه الله، فقال لي المدير - للأسف -: ليس شيء لوجه الله!

 

وهذه هي المصيبة والفتنة التي حصَلت لكثيرٍ من الأئمَّة؛ حيث صارت الإمامة والأذان والدعوة، وظيفةً كالوظائف الأخرى، فأثَّرت في إخلاصهم لله، إلاَّ مَن رَحِمه الله وعافاه، والله المُستعان.

 

إذًا؛ لا بدَّ من الحذر من ذلك أشد الحذر بصفة خاصة، ومن فِتن الدنيا بصفة عامَّة؛ لا في رغبة، ولا في رهبة، وقد قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].

 

﴿ لِيَعْبُدُونِ ﴾؛ أي: ليُوحِّدوني، هكذا فسَّره العلماء، ومعنى ليُوحدوني: ليُخلصوا لي العبادة.

 

ولكي تكون من عباد الله المخلصين، الذين يُحيطهم الله بحِفظه في الدنيا، ويأتون يوم القيامة بقلبٍ سليمٍ، ويَنجون من عذاب الله، ولا يُخزيهم يوم لا يَنفع مالٌ ولا بنون، فثِق برزق الله الواحد الأحد الفرد الصمد، وقد هالَني منظرُ إمامٍ يبكي أمام مديره؛ لفصْله من العمل، وكأنه لا يَعرف أنَّ الله هو الرزَّاق ذو القوة المتين؛ قال تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].

 

وإنما كان الأصل في مثل هذه الأعمال الاحتساب، وفي الحديث: ((واتَّخذ مُؤذِّنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا)).

 

وقد أورَد أبو داود - رحمه الله - حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي الطائفي - رضي الله عنه - أنه طلَب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يَجعله إمامَ قومه، فقال: ((أنت إمامُهم، واقتدِ بأضْعفهم، واتَّخذ مُؤذِّنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا)).

 

وإنما أُبيح ذلك للضرورة؛ لكثرة السكان والعمران والمساجد, ولئلاَّ تَتشاغل الأئمَّة عن المساجد بطلب لُقمة العيش، فتَضيع بذلك بيوت الله.

 

وقد قرَأت قصة أعجَبتني جدًّا لإمامٍ من السلف الصالح في أرض الشام؛ حيث دُعِي هذا الإمام ليكون إمامًا لبعض المسلمين، فشرَط عليهم ألاَّ يأخذ أجرًا في عمله، ويأكلَ من نتاج مزرعته.

 

وفي مسائل الإمام أحمد هذا السؤال: إمام قال: أُصلِّي بكم رمضان بكذا وكذا درهمًا؟


فقال الإمام أحمد - رحمه الله -: نسأل الله العافية، مَن يُصلي خلف هذا؟!

 

قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

 

وقال تعالى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 2 - 3].

 

فإذا كان الله ما أمر عباده إلاَّ ليَعبدوه بالإخلاص - ولا يَقبل من الأعمال إلاَّ ما كان خالصًا لوجهه - فاعلَم أنَّ ذلك لا يتمُّ إلاَّ بالبراءة من الشِّرك وأهله، ومُعاداة الكافرين، ومُولاة المؤمنين كما أسلَفنا.

 

ولهذا سُمِّيت كلمة "لا إله إلا الله" بكلمة الإخلاص؛ إذ إنها مُتضمنة هذه المعاني التي أشَرنا إليها آنفًا، وقد قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ [الزخرف: 26 - 27].

 

قال: ﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 75 - 77].

 

وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256].

 

فقد قدَّم الله - سبحانه - الكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله وحْده؛ ليكون العبد بذلك مُستمسكًا بالعروة الوثقى التي لا انفصامَ لها حقًّا، وليُنقذ نفسه وأهله وسائر الناس من الهلاك الدنيوي والأخروي, وهو هو معنى كلمة التوحيد؛ إذ هي ذو شقِّين: شق نفي، معناه: الكفر بالطاغوت، وشق إثباتٍ، معناه: الإيمان بالله وحْده.

 

وهكذا سُمِّيت سورة ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] بسورة الإخلاص؛ إذ أثبَتت وحدانيَّة الله وعدم مُشابهته بغيره وصَمديَّته بكلماتٍ مُختصرة عظيمة المعاني؛ ولذلك جعَل الله أجْرَها كبيرًا؛ إذ تَعدل ثُلُث القرآن، فمَن قرأَها ثلاث مرات، فكأنَّما قرَأ القرآن كلَّه؛ كما جاءت بذلك أحاديثُ صحيحةٌ.

 

وقد ألَّف بعض العلماء - كابن تيميَّة، وابن رجب، رحمة الله عليهما - كتابًا مفردًا لشرْح سورة الإخلاص.

 

وأختمُ مقالي ناصحًا بالإكثار من الدعاء؛ فإنه مِفتاحُ كلِّ الخيرات، ومِغلاق كلِّ الشرور، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأنصح خاصَّة بهذا الدعاء:

((اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من أن نُشرك بك شيئًا نَعلمه، ونَستغفرك لِما لا نعلمه))؛ رواه أحمد والطبراني، ورُواته ثِقات.

 

ومما يُنبِّهنا على ذلك أيضًا: قصة إخلاص يوسف - عليه السلام - حيث قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]، بفتْح اللام، بصيغة اسم المفعول، وليس بصيغة اسم الفاعل.

 

وكثيرًا ما كنتُ أسمع والدي العالم يدعو بهذا الدعاء بالتضرع العظيم: "اللهمَّ اجعَلني من عبادك الصالحين المخلَصين، الذين تحبُّهم ويحبُّونك، وترضى عنهم، ويَرضون عنك".

 

وهو الذي نبَّهني إلى هذه اللفتة في آية يوسف, رحمه الله وأسْكَنه فسيحَ جناته.

 

والله المستعان, ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم, وهو الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.



[1] قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -: "ولَم يكونوا يجتمعون عند القبر لختم القرآن عنده، كما يفعل ذلك بعضُ المتأخِّرين، بل تنازَع العلماء في القراءة عند القبر، فكَرِهَها أبو حنيفة ومالك وأحمد في أكثر الروايات عنه، ورخَّص فيها في الرواية الأخرى؛ لِما بلغَه عن ابن عمر أنه وصَّى أن يُقرَأ عند دفنه بفواتح البقرة وخواتمها، والرُّخصة؛ إمَّا مُطلقًا، وإمَّا حالَ الدفن خاصَّةً، ولكنَّ اتِّخاذ ذلك سُنةً راتبةً، لَم يذهب إليه أحدٌ من أئمَّة المسلمين.

فإذا كان هذا حال مَن يقرأ القرآن مُحتسبًا، فكيف مَن يَقرؤه بالكِراء، فإنَّ العلماء قد تنازَعوا في جواز الاستئجار على تعليم القرآن والفقه والحديث، والإمامة في الصلاة والأذان، والحج عن الغير، فقيل: يجوز ذلك؛ كما هو في مذهب الشافعي ومالك قريبٌ منه، وقيل: لا يَجوز؛ كما هو مذهب أبي حنيفة وغيره، وهو أشهر الروايتين عن أحمد، وفيها قول ثالثٌ في مذهب أحمد وغيره: إنه يجوز مع الحاجة دون الغِنَى؛ كما في وَلِيِّ اليتيم؛ ﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 6].

ومَنشأ النزاع أنَّ الأعمال التي يَختصُّ فاعلها أن يكون من أهل القُربة، هل يجوز إيقاعُها على غير وجه التقرُّب؟ فمَن قال: لا يجوز ذلك، لَم يُجوِّز الإجارة؛ لأنها بالعِوَض تقعُ غيرَ قربةٍ، فإنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى، والله لا يَقبل من العمل إلاَّ ما أُريد به وجهُه، ومن جوَّز الإجارة، جوَّز إيقاعَها على غير وجه التقرُّب، ولا تَصِح الإجارة عليها؛ لِما فيها من نفْع المُستأجر، فأمَّا الاستئجار للتلاوة، فليس من هذا الباب.

والعلماء متَّفقون على أنَّ الصدقةَ تَصِل إلى الميِّت، وكذلك العِتق ونحوه من العبادات الماليَّة، وأمَّا العبادات البدنيَّة - كالقراءة والصيام والصلاة - فلهم فيها قولان مشهوران، ومَن جوَّز إلاَّ هذا، فلا بدَّ أن يكون ثوابَ عملٍ صالح، وهو ما أُريد به وجه الله، فإذا وقعَت العبادةُ لمجرَّد العِوَض - مثل: أن يُعطيه عوضًا على صلاته، أو صيامه، أو قراءته - لَم تَقع قُربةً، فلا ثوابَ ولا إهداءَ، ولكن نفس حفظ القرآن ودراسته، وتعلُّمه وتعليمه من الأعمال المقصودة، وإنفاق المال فيها من القُربات والطاعات، كإعانة المسلمين على الجهاد والصيام وغيرهما.

وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن فطَّر صائمًا، فله مثل أجره))؛ أخرَجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن جَهَّزَ غازيًا فقد غَزَا، ومن خَلَفَه في أهله بخيرٍ، فقد غزا))؛ أخرَجه البخاري (2843)، ومسلم (1895) عن زيد بن خالد.

فإعانة المسلمين على تلاوة القرآن وتبليغِه بالمال ونحوه، حسنٌ مشروعٌ؛ ولهذا لَمَّا تغيَّر الناس وصاروا يفعلون بدعةً ويتركون شِرعةً، وفي البدعة مصلحةٌ ما إن ترَكوها، ذهبت المصلحةُ، ولَم يأتوا بالمشروع، صار الواجبُ أمرَهم بالمشروع المُصلح لتلك المصلحة، مع النهي عن البدعة، وإن لَم يُمكن ذلك، فُعِلَ ما يُمكن، وقُدِّم الراجح، فإذا كانت مصلحةُ الفعل أهمَّ، لَم يُنْهَ عنه؛ لِما فيه من المَفسدة، إلاَّ مع تحصيل المصلحة، وإن كانتْ مَفسدتُه أهمَّ، نُهِي عنه.

وهذه الوقوف - التي على التُّرَب - فيها من المصلحة بقاءُ حِفظ القرآن وتلاوته، وكون هذه الأموال مَعونةً على ذلك، وخاصةً عليه؛ إذ قد يدرس حِفظ القرآن في بعض البلاد؛ بسبب عدم الأسباب الحاملة عليه، وفيها مفاسدُ أُخَر؛ من حصول القراءة لغير الله، والتآكُل بالقرآن، وقراءته على غير الوجه المشروع، واشتغال النفوس بذلك عن القراءة المشروعة، فمتى أمكَن تحصيل هذه المصلحة بدون ذلك، فالواجب النهي عن ذلك، والمنْع منه وإبطالُه، وإن ظنَّ حصول مفسدةٍ أكثر من ذلك، لَم يَدفع أدنى الفسادَيْن باحتمال أعلاهما؛ لهذا جاء الوعيد في حقِّ الشيخ الزاني، والملك الكذَّاب والفقير المستكبر؛ كما في الصحيح: ((ثلاثة لا يُكلِّمهم الله، ولا يَنظر إليهم، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملكٌ كذَّاب وعائلٌ مُستكبر"؛ وذلك لضْعف الموجِب لهذه المعاصي في حقِّهم"؛ انظر: "جامع المسائل"؛ لابن تيميَّة، ج (2)، ص (132 - 134)، المكتبة الشاملة على الإنترنت، وانظر: كتاب "حُكم أخْذ الأُجرة على الإمامة في التراويح"؛ المؤلف: أبو عبدالرحمن عيد بن أحمد فؤاد، على هذا الرابط

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=258868

وقد منَع المؤلِّف الاقتباس من بحثه هذا، إلاَّ بعد أخْذ إذنٍ مُسبق منه بخطِّ اليد، وقد تكلَّم المؤلف في هذا الكتاب عن مسألة الإخلاص بطريقة جيِّدة مقبولة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإخلاص (1)
  • أهمية الإخلاص
  • أهمية الإخلاص (خطبة)
  • الإخلاص لله عز وجل
  • كلمة عن الإخلاص
  • موضوع عن الإخلاص
  • الإخلاص: تعريفه وفضله وحكمه

مختارات من الشبكة

  • خطبة بعنوان " الإخلاص "(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإخلاص في القول والعمل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإخلاص سبيل الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد وثمرات أخري للإخلاص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير سورة الإخلاص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر الإخلاص في نفس الداعية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور الإخلاص والفلق والناس للناشئين(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • إخلاص الإخلاص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإخلاص دواء الأعمال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صمونجي بابا(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب