• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / أصول فن الخطابة / مقومات الخطيب
علامة باركود

خطيب لا يطبق ما يقوله

خطيب لا يطبق ما يقوله
مرشد الحيالي


تاريخ الإضافة: 28/3/2012 ميلادي - 5/5/1433 هجري

الزيارات: 20889

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطيب لا يطبق ما يقوله

 

يَقْبح من الإنسان العاقلِ أن يُخالف قولَه فِعْلُه، ولسانَه بيانُه، وكلامَه عمَلُه، وهو من الخطيب - الَّذي يُوجِّه ويَنْصَح ويُذكِّر - أقبَحُ وأشنع؛ لِما في ذلك من الأثر السيِّئ على مَن ينصحهم ويَدْعوهم، ورُبَّما حمَلَهم على النُّفور مِن تعاليم الإسلام، وفي رأيي أنَّ مُخالَفة الخطيب لما يَقوله ويدعو إليه يَنْشأ من أمرين:

1 - أن تَكُون الخُطَب جاهزةً، يَقوم بإلقائها وإن خالفَ مضمونَها، أو تسند الخطابة والوَعْظ إلى غير الكُفْء، ومن لا يَصْلح لتلك المُهِمَّة والمسؤوليَّة؛ نظرًا إلى كثرة المساجد، ومُحاولة لسدِّ النقص وإتمامه الحاصل في الكادر الوظيفي[1].

 

2 - أن يكون الخطيب متفوِّقًا في الجانب العِلْمي النَّظَري، ولكنَّه في الجانب التربويِّ - التربية على مَعالي الأمور - مُهمِلاً؛ لظنِّه أن المنبر فرصةٌ لإظهار قدرته البيانيَّة، وموهبته الخطابيَّة، بِغَضِّ النظر عن تطبيقه، وامتثال القدوة الحسنة في الدَّعوة، وهذا البحث ليس دعوةً لأنْ يكون الخطيبُ مُبَرَّأً من العيوب، معصومًا من الذُّنوب؛ بل محاولة لِمَدِّ يد العون والمساعدة لتقويم السُّلوك، وتصحيح الأَخْطاء؛ لِتُؤتي الخَطابةُ ثِمارَها، ومن الله العونُ والسداد.

 

أثر الخطابة في الأُمَّة:

كانت عمَلِيَّة الخطابة في قرونٍ مضَتْ تُعالِج بِمَوضوعها وأسلوبها معظمَ الانْحِرافات العقَدِيَّة والاجتماعيَّة الَّتي تُصاب بها الأُمَّة، ومن خلال المنبر تسدُّ الخطابةُ معظم الثَّغرات التي تُعاني منها المُجتمَعات الإسلاميَّة بفضل ما كان الخطيبُ يتمتَّع به من شخصيَّة مؤثِّرةٍ فاعلة في المُجْتمع، وبفضل ما كان يتحَلَّى به من أخلاقٍ حَميدة، وصِفاتٍ جَليلة، من ورَعٍ وخُلق ودين، مما كان له الأثَرُ في سماع كلامه وتطبيقه من قبل مَن يذكرهم.

 

ومن يتأمَّل الأزمات التي مرَّت بها الأُمَّة، والمعارِكَ التي خاضَتْها؛ كموقعة عين زالة وشقحب[2]، وفتح القدس[3] كانت شرارتها ومنطلقها صيحة خطيبٍ غيور على دينه، آلَمَه ما يسمع ويرى من هَوانٍ وذُلٍّ أصاب أُمَّتَه، وأمراضٍ اجتماعيَّة فتَكَتْ بِمُجتمعه، وكان الخطيبُ يعدُّ المُحرِّك - الدينامو - والمُوَجِّه للقادة والجمهور للتضحية في سبيل الله، ونُصْرة قضايا الإسلام، وقد حَفِظَت لنا دواوينُ الخطب مواعِظَ نادرة[4]، وخطبًا منبريَّة كانت دافعًا قويًّا للاستماتة في سبيل الله، والثبات على الحقِّ، ولها الصَّدى الواسع في العالم الإسلامي، تناقلَتْها وسائلُ الإعلام يومئذٍ - الرَّسائل والكتب - حتَّى أضحَت الخطابةُ في زماننا - وللأسف - كلماتٍ تُقرَأ على الأسماع دون أن تَمسَّ شغاف القلوب، وتتفاعل معها النُّفوس، فيخرج السَّامعون دون أن ينتفعوا من خطيبهم شيئًا، ودون أن يبعث النُّفوس على المَحبَّة والشَّوق والتمسُّك بتعاليم الإسلام، بل أصبحت الخطبة أحيانًا سببًا لتأخُّر الأمة وانحطاطها؛ لِما يتمتَّع به الخطيبُ من ازدواجيَّة؛ فهو يدعو إلى الخير ولا يلتَزِمه، ويَنْهى عن الغيِّ والشَّر ولا يَنْتهي!

 

الوعيد لمن يأمر بالمعروف ولا يطبق:

قال الله تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2 - 3]، وقال تعالى إخبارًا عن شُعيب صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ [هود: 88].

 

عن أبي زيدٍ أُسامةَ بن زيد بن حارثة - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقولُ: ((يُؤْتى بالرَّجُل يوم القيامة، فيُلْقى في النار، فتَنْدلق أَقْتاب بَطنِه، فيدور بها كما يدورُ الحِمارُ في الرَّحا، فيجتمع إليه أهلُ النار، فيقولون: يا فلان، ما لَك؟ ألَم تَكُ تأمرُ بالمعروف وتنهى؟فيقول: بلى، كنت آمرُ بالمعروف ولا آتيه، وأَنْهى عن المُنكَر وآتيه))[5].

 

فهذا الخَطيب وأمثالُه كان يأمر أن يَلْتزم النَّاسُ بِما يدعو إليه، فيَقول لهم: زَكُّوا أموالكم، وبَرُّوا بآبائكم، ولكنَّه لا يأتيه، ويقول لهم: لا تَغْتابوا الناس، ولا تغشُّوا في البيع، ولا تأكلوا الرِّبا، ولا تُسيئوا معاملة الجار والعِشْرة، ولكنه يأتي هذه الأشياء المُحرَّمة ويَقْترفها، ويحثُّ على التواضع، ولكنَّه (دكتاتوريٌّ) في مسجدٍ يأنف من النُّصْح، ويُبْغِض من يردُّ له طلبًا، ويُرغِّب في الحِلْم والأناة، لكنه نرجسيٌّ، يَنْزعج لأَتْفهِ الأسباب، والسَّبب في ترتيب تلك العقوبة الشَّديدة الأليمة؛ لكونه لم يكن صادقًا في أمره أو نَهْيه، فلو كان صادقًا في كون تلك الأشياء نافعة يترتَّب عليها الأَجْر والمثوبة، لبادَر إلى تطبيقها، ولو كان صادِقًا في كون تلك المنهيات ضارَّة، لسارَعَ إلى الكفِّ عنها أوَّلاً، لا إلى اقترافها وفِعْلها.

 

قال الشاعر[6]:

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ
هَلاَّ لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السَّقَامِ وَذِي الضَّنَا
كَيْمَا يَطِيبُ بِهِ، وَأَنْتَ سَقِيمُ
وَأَرَاكَ تُلْقِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا
تَهْدِي، وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَقِيمُ
لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا
فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يَنْفَعُ مَا تَقُولُ وَيُشْتَفَى
بِالقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ

 

وقال الشاعر[7]:

يَا وَاعِظَ النَّاسِ قَدْ أَصْبَحْتَ مُتَّهَمًا
إِذْ عِبْتَ مِنْهُمْ أُمُورًا أَنْتَ آتِيهَا
كَالْمُلْبِسِ الثَّوْبَ مَنْ عُرِّيٍ وَعَوْرَتُهُ
لِلنَّاسِ بَادِيَةٌ مِنْ أَنْ يُوَارِيهَا
وَأَعْظَمُ الإِثْمِ بَعْدَ الشِّرْكِ تَعْلَمُهُ
فِي كُلِّ نَفْسٍ عَمَاهَا عَنْ مَسَاوِيهَا
عِرْفَانُهَا بِعُيُوبِ النَّاسِ تُبْصِرُهَا
مِنْهُمْ وَلاَ تُبْصِرُ العَيْبَ الَّذِي فِيهَا

 

تأثير الكلمة: لكلمة الخطيب شأنٌ عظيم، ولها من التأثير ما يَفوق - رُبَّما - تأثيرَ المَدافع والصَّواريخ؛ إنْ هي خرَجَتْ من قلبٍ صادق، وكانت مبنيَّةً على أساس العمَل والعِلم النافع، ورُبَّما وصلَ صداها إلى آفاقٍ واسعة، وإنَّ كلمة الخطيب "لتَنْبعث ميتةً، وتَصِل هامدة، مهما تكن طنَّانة رنَّانة متحمِّسة، إذا هي لم تنبعث من قلبٍ يُؤمِن بها، ولن يؤمن إنسانٌ بِما يقول إلاَّ أن يستحيل هو ترجمةً حيَّة لما يقول، وتَجْسيمًا واقعيًّا لما ينطق، عندئذٍ يؤمن الناس، ويِثق الناس، ولو لَم يكن في تلك الكلمة طنينٌ، ولا بَريق"[8]، ومَهْما بلغَتْ فصاحته - أي: الخطيب - وتجلَّى بيانُه، ومهما بلغ من قوَّة الإلقاء ونصاعة الأُسْلوب، فإنَّه لن يستطيع أن يُقنِع أحدًا بفِكْرِه، أو أن يستميل القلوبَ لدعوته ما لم يكن مُخْلِصًا في دعوته، نقيًّا في سيرته، بل إنَّه مع ذلك لا يستطيع أن يَسْلَم من غمز النَّاس به في سُلوكه، فلْيُوطِّن نفسه على ذلك، وكم رأَيْنا وسَمِعْنا من داعيةٍ مصقع، لكن النَّاس يجلسون في خطبته جلوسَ المَحْكومين ظلمًا، وكأنَّهم يستمعون إلى قاضٍ ظالِم يَتْلو عليهم قرار الحكم، وكم رأينا كذلك من خُطَباء يتمنَّى الحُضورُ لو أنَّ خطبة أحدهم تمتدُّ ساعات، وهذا شيءٌ مُشاهَد معلوم، فليس الأسلوبُ وحده أو البلاغة والفصاحة وحدها هي التي تجذب قلوب الناس وتُحبِّبهم في الخطيب، أو الدَّاعية[9]، وقد رُوِي عن الحسَن البصري[10] أنَّه همَّ أن يخطب عن عتق الرِّقاب بعدما طُلبَ منه، فتأخَّر عن إجابتهم حتَّى طبَّق ما يُريد الدَّعوة إليه والترغيبَ فيه، فكانت استجابتُهم له سريعة، وهو يدلُّ على أنَّ الخطيب أو الدَّاعِيَ هو العامل المؤثِّر، وشخصيَّتُه وما يتَّصِف من صفاتٍ هي مصدر التلَقِّي عند الناس.

 

من الأسباب المعينة للخطيب على ما مرَّ:

1 - على الخطيب والواعظ أن يَخْتار من المواضيع التي تُناسب الحال والمقال، وأن يكون له من العمَلِ والتطبيق فيما يدعو إليه ولو بنسبةٍ معينة[11]، وقدرٍ معيَّن، ومما يحقق ذلك:

♦ أن يَنْظر فيمن حوله ومن يُخالطهم؛ أيّ مرَضٍ يغلب عليه فيتحدَّث عنه، ويُسلِّط الأضواء عليه، مُستشهِدًا بالآيات القرآنيَّة، والأحاديث النبويَّة الصحيحة.

 

♦ أن لا يُسارع إلى طَرْح الموضوع على المنبر كلَّما سَمِع بِخبَر[12]، أو ورَدَ عليه نبأ، دون النَّظَر في حال مَن يُخاطِبُهم ويدعوهم، فيفقد بذلك هيبتَه ومَرْكزه بين الناس.

 

♦ أن لا يُغْرِق في المثاليَّات، فيتكلَّم مثَلاً عن الورَع عن الحَبَّة من القمح، والذَّرة من الأُرْز، وهو يَرى انغِماس النَّاس في أَكْل الرِّبا، ولا يتكلَّم عن كرامات الأولياء، ومُكاشَفات الأصفياء، وإلهامات الأَتْقياء، وهو يرى المجتمع غارِقًا في الماديَّات إلى الأذقان، ولا يتكلَّم عن دقائق أمراض القلوب وخفاياها من لحظاتٍ وخطرات، وهو يَرى قسوةً وظُلمة علَت القلوب، وأبعدَتْها عن التذكُّر والتدبُّر والاتِّعاظ عن رؤية الفِتَن والآيات الكبرى؛ فإنَّ هذا كلَّه نوعٌ من الغفلة، والتَّغاضي عن رؤية الحقائق، والمقصود أن يُربِّي الناس على كبار العلم قبل صغاره.

 

2 - من الأمور المعينة على العمل والتطبيق: محاسَبةُ الخطيب لِما وقع فيه من أخطاء، ومُعالَجتُها، ومُحاوَلة تصحيح الأخطاء، ومُطالَعة ما يتعلَّق بسيرة خُطَباء السَّلَف، وما كانوا يتَّصِفون به من أخلاقٍ سامية، وصفات جليلة، ومن ذلك كتاب "بُغْية الخطباء والواعظين"[13]، وقد رُوِي عن أبي الدَّرداء: "لا يَفْقَه الرَّجلُ كلَّ الفقه حتى يَمْقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نَفْسه فيكون لها أشدَّ مقْتًا"[14].

 

3 - أن يَعْلم الخطيبُ أنَّ تطبيقَه لِمَا يدعو إليه، ويَأْمر به يَكون سببًا في انشِراح الصَّدْر، وقُرَّة العين، وزِيادة العلم، وقد قيل: "ومَن عَمِل بما علِم، أورَثَه الله علم ما لَم يعلَمْ"[15]، ولو اقتصَر على تلاوة الآيات والأحاديث، فسيَجِد لموعظته حلاوةً وتأثيرًا واضحًا فيمن يدعوهم.

 

4 - ليس من العيب تَرْكُ وظيفة الخطابة إذا أحسَّ أنه غيْرُ مُطبِّق لما يقوله؛ فهو مثَلاً ينهى عن الغِيبة، ولِسانه يغتاب، ويَأْكل أعراضَ النَّاس، ريثما يُقوِّم سلوكه، ويُحسِّن من خلقه، بل جلوسه - ربَّما - أنفَعُ له ولصلاح قلبه من اعتلاء المنبر، ولْيَأخذ فترةً يُصحِّح فيها أخطاءه؛ لِيَرجع بقوَّة، فيكون حاله كمَنْ رجعَ مِن الغَزْو؛ لِيَشحذ سيفه ويُقوِّي عزيمته، ولا يَنْخدع بِمَن يَمْدحه، ويُثْنِي عليه؛ فنَجاة النَّفْس مِن العَذاب أعظَمُ مِن ذلك بكثير.

 

5 - من الأمور الهامَّة أن يتهيَّأ للخُطْبة من خلال الاهتمام بِتَحضيرها قبل أيَّام من إلقائها؛ ليتمعَّن فيما فيها من آياتٍ وأحاديث ومواعظ، وليتمكَّن بالتالي من مُحاولة تطبيقها والعمل بها، ومن الخطأ أن يقوم بِتَنْزيل الخطبة من (النت) قبل ساعاتٍ من مَوْعدها، فيَتْلوها على الأسماع وكأنَّها ثقلٌ على كاهله يريد الخلاص منه.

 

وتكميلاً لما مرَّ مِمَّا يتعلَّق بمهامِّ وزارات الأوقاف في بلاد الإسلام؛ أرى ما يلي:

1 - أن تَقوم الهيئاتُ في وزارة الأوقاف بعمل دوراتٍ تدريبيَّة للخُطَباء، تتضمَّن دروسًا منهجيَّة في التربية النفسيَّة على المعاني الإسلاميَّة؛ لِتَكون عونًا لهم وزادًا نفسيًّا، ويُؤْمَروا ألاَّ يتكلَّموا بِمَا يَعْلو أذهان الناس؛ فإنَّ ذلك من شأنه أن يضَعَ حاجِزًا بين الخطيب ومن يَسْتمع له.

 

2 - عَزْل مَن لا يصلح لتلك المهمَّة والمسؤوليَّة؛ خاصَّة أصحابَ العقائد الباطلة، ومن يُسيء إلى الإسلام من خلال تصَرُّفاته ومُعاملتِه السيِّئة مع الناس، والحفاظ على عقائد الناس ودينهم أعظم.

 

3 - في البلاد التي لا تَدِين بدين الإسلام، تُصْبِح المسؤوليَّةُ أعظم، ويَجِب على المراكز الإسلاميَّة في تلك البلاد تولِيَةُ وتوظيفُ الأصلَحِ والأنفَع؛ لأنَّه يَعْكس الإسلام من خلال تعامله وخلقه، والناس في تلك البلاد ينظرون إلى الإسلام من خلال الواعظ والخطيب، وقد اهتدى الكثيرُ - بفضل الله - بِما كان يتحلَّى به الخُطَباء من خُلقٍ إسلامي رفيع، وتعامُلٍ قائم على أساس الرَّحمة والحلم والعلم.

 

وصلَّى الله على محمَّد وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.



[1] مما يؤخذ عليه في بعض البلاد: كثرة المساجد إلى درجة أنه يوجد أكثر من خطيب في المحلة الواحدة مما له العديد من السلبيات؛ مما يجعل تلك الهيئات الإسلامية تكلِّف من هب ودب للخطابة، والله المستعان.

[2] المعركة التي كان فيها شيخ الإسلام ابن تيمية خطيبًا وواعظًا لَمَّا حث الأُمَراء والأجناد من مصر والشام على قتال التَّتَر، والوقوف في زحفهم الذي يُهدِّد بلاد الإسلام، وقد كانت مواعِظُه وخطبه مؤثِّرةً، بل شارك الشيخ نفسه في قتال العدُوِّ حتى اندحر التتر ورجَعوا خائبين؛ انظر بحث "ابن تيمية خطيبًا وواعظًا"، نُشِر على موقع الألوكة.

[3] ألقى الشيخ محيي الدين محمد بن زكي على القرشي خطبة رائعة بعد تحرير بيت المقدس من براثن الغزو الصليبي، وكانت في 4 شعبان عام 583، انظر كتاب "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل"؛ لمجير الدين الحنْبلي - رحمه الله.

[4] أبرز تلك الخطب تلك الخُطبة التي أُلْقيت عند فتح صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس، وتطْهيره من رجس الأوثان والصلبان، وقد أورد الإمام أبو شامة المقدسي نصَّ الخطبة كاملة في كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين"، وكان القاضي محيي الدين بن الزكي هو الخطيب في ذلك اليوم الأغرّ، فخطب في الناس خطبة عظيمة سنيَّة، فصيحة بليغة، ذكر فيها شرف بيت المقدس، وما ورد فيه من الفضائل والتَّرغيبات، وما فيه من الدَّلائل والأمارات، وما منَّ الله به على الحاضرين من هذه النعمة التي تعْدلُ الكثير من القُربات.

[5] الحديث متفق عليه؛ أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، رقم (3397)، ومسلم، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، رقم (3989). قولهُ في الحديث: "تندلقُ" هو بالدلٍ المهملة، ومعناه تخرجُ و"الأقتابُ": الأمعاءُ، واحدُها قتب.

[6] الأبيات مما اختلف في نسبتها فقيل: إنها لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه 130، وقيل: للمتوكل الليثي في ديوانه 283، ذكره أبو عبيدٍ القاسم في "خزانة الأدب" ج3، ص275، وانظر "ديوان أبي الأسود" تحقيق محمد حسن، طبع ببغداد عام 1964، و"شعر المتوكل الليثي"، طبع ببغداد عام 1971، و"شذور الذهب" (ص: 310)، والآمدي في "المؤتلف والمختلف"، والأصبهاني في "الأغاني"... وغير ذلك.

[7] الأبيات لأبي العتاهية، وهو إسماعيل بن القاسم، ولد في عين التمر عام 130، مال إلى الأدب، ونبغ في الشعر، وأبو العتاهية كنيته؛ لما عرف في حال شبابه باللهو، ثم تاب واتجه إلى النسك والزهد والانصراف عن الدنيا، ودعا إلى التزود من دار الفناء إلى دار البقاء في عامة شعره، وانظر: "أبو العتاهية أشعاره وأخباره" تحقيق د: فيصل شكري، طبع دار الملاح عام 1965.

[8] "تفسير الظلال" ج1 عند قوله تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 3].

[9] من مقال بعنوان "سيرة الداعية أهم أسلحته في الدعوة"، د كمال تمام.

[10] أورد تلك القصة الذهبي في "الكبائر"، وبغض النظر عن سندها ففيها دلالة صحيحة على أنَّ سيرة الخطيب من أهم مقومات نجاحه، وهي تلعب دورًا في قبول كلامه، والمدعوين ينظرون على أن الخطيب مثالٌ يُحتذَى به في جميع الأمور، حتى إن البعض يبحث عن سيرة الخطيب في أُسْرته؛ ليقتدي به، فليكن الواعظ حذِرًا فطِنًا.

[11] قال الإمام النوويُّ الشافعي: ولا يُشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنبًا ما نهى عنه؛ بل عليه الأمر وإن كان مخلاًّ بما يأمر به، والنهي وإن كان متلبِّسًا بما ينهى عنه؛ فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه فإذا أخلَّ بأحدهما كيف يُباح له الإخلال بالآخرة» "شرح النووي على صحيح مسلم" 2/ 23، و"التفسير الكبير" 3/ 47، و"تفسير البيضاوي" 1/ 150، وتفسير "السراج المنير" 1/ 55، أما تفسير قوله: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ... ﴾ [البقرة: 44] الآية، فقد قال القرطبي - رحمه الله -: "اعلم - وفقك الله - أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر"؛ انتهى، انظر "تفسير القرطبي" 1/ 366.

[12] مثل الكلام بما عرف بالأمور السياسية؛ فالبعض كلما سمع بخبر أو نبأ سارع إلى نشره على الملأ، وتفريغ عواطف الناس ومشاعرهم، ربما فيما لا منفعة تعود عليهم بالخير، بدلاً من التحدث في أمراضهم النفسية ومشاكلهم الاجتماعية التي يعانون منها.

[13] كتاب "بُغْية الخطباء والواعظين" من تأليف محمد عبدالرحمن الكمالي، نشر بمؤسسة غراس للتوزيع بدولة الكويت عام 1422 - 2002 الطبعة الأولى، وقد كتب له مقدمة أدبية رائعة جديرة بالاهتمام.

[14] هو موقوف عن سريج بن يونس، ثنا محمد بن عبدالرحمن الطفاوي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء... ورقمه في "الموسوعة" 27.

[15] ذكره شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" جزء 10 ص 10، وقد رواه أبو نعيم في "الحِلْية" عن أنس بلفظ: ((من عمل بما علم فتح الله..))؛ انظر 6 - 163، على أن السبكيَّ ذكره وعدَّه من الأحاديث التي لا أصل لها، انظر أيضًا "الدرر المنتثرة" للسيوطي رقم الحديث 415، حيث ذكرَ السيوطيُّ أنه ليس بحديث وإن اشتهر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • وصايا للخطباء (2) موافقة قول الخطيب فعله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فن الخطابة ومهارات الخطيب: بحوث في إعداد الخطيب الداعية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفكرة الخطيب لعام 1435 هـ، الصادرة عن نقابة الخطباء والأئمة والمؤذنين الكويتية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الشيخ هشام الحمصي.. خطيب الأدباء وأديب الخطباء(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من صفات الخطيب الناجح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة وصية لسان الدين ابن الخطيب لأولاده(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • صناعة خطيب ماهر للشيخ أحمد بن ناصر الطيار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة مجموع فيه ذم الدنيا لابن أبي الدنيا ومنتخب الزهد والرقائق للخطيب البغدادي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ما قبل الصعود للمنبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخطيب وحسن المظهر(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب