• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

أضواء على مذاهب الذين رفضوا الاحتجاج بالسنة (2)

د. عمر الأشقر

المصدر: مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية-السنة الثالثة العدد السادس
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/10/2008 ميلادي - 25/10/1429 هجري

الزيارات: 27279

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أضواء على مذاهب الذين رفضوا الاحتجاج بالسنة (2)

 

التَّابعون للصحابة بإحسان يواجهون الرادِّين للسُّنن:

وفي الوقت الذي كانت هذه الفِرقة تبُث سمومها؛ لتهدم هذا الأصلَ العظيم، كانت فرقة أخرى تَمد جذورَها؛ لتفعل الفعلَ نفسه، ولكن بطريقة أخرى، فقد كانت الفرقة الثانية تزعم: أن الصَّحابَة ضلُّوا وفسَقوا؛ لأنهم أعطَوُا الخلافةَ لغير مستحقِّها من الصَّحابَة، وإذا كان الأمر كذلك؛ فإنهم خَوَنة غير عدول، لا تُقبل روايتهم.

وكلما امتدَّ الزمان تلقَّف اللاحقون من أهل الضلال أقوالَ هاتين الفرقتين، ونمت كل واحدة منهما في مسارٍ خاصٍّ بها، وزادتْ في تعميق جذورها، وتأصيل أصولها، ونشرتْ كلُّ فرقة مذهبَها، وألَّفت فيه مؤلفات، ولكن الله الذي تكفَّل بحفظ هذا الدين، كان يهيِّئ في كل عصر من العصور مَن يقف لهذه الفرق الضالة وأقوالِها بالمرصاد، ويواجه ظلماتها بنور الحق، وهؤلاء هم حملة السُّنة، وأتباع الصَّحابَة الكرام، وقد وعوا عن الله وعن رسوله ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، واستناروا بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في كشفهم للضلال والشبهات، وكلما زاد أهل الضلال في عنادهم، وتعسفوا في رد الحق توسَّع أهل الحق في الرَّدِّ عليهم، وبيان باطلهم، ويقول ابن المديني رحمه الله تعالى في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق)): هم أهل الحديث، والذين يتعاهدون مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذودون عن العلم، لولاهم لأهلك النَّاسَ المعتزلةُ والرافضة والجهمية، وأهل الإرجاء والرأي"[1].

الإمام الشَّافِعي يفنِّد مزاعم هذه الفرقة:

وأوَّل مَن عُرف عنه أنه ناظَرَ هذا الفريقَ، وأطال في حجاجه والرد عليه الإمامُ الشَّافِعي رحمه الله تعالى فقد ذكر في كتابه "الأم" في كتاب "جماع العلم"، باب "حكاية قول الطائفة التي ردَّتِ الأخبارَ كلها"، وقد ذكر الشَّافِعي هناك محاورة، جرتْ بينه وبين واحد من هذه الفرقة "يُنسب إلى العلم بمذهب أصحابه".

وملخَّص حُجة مَن يَردُّ الأخبار كلها - كما حكاه الشَّافِعي عنهم - أن القرآن جاء تِبيانًا لكل شيءٍ، فإنْ جاءت الأحاديث بأحكام جديدة لم تكن في القرآن، كان ذلك معارضةً من ظنيِّ الثبوت، وهي الأحاديث، لقطعيِّ الثبوت، وهو القرآن، والظني لا يقوى على معارضة القطعي، والسنة إن جاءت مؤكدة لحكم القرآن، كان الاتِّباع للقرآن لا للسنة، وإن جاءت لبيان ما أجمله القرآن، كان ذلك تبيانًا للقطعي، الذي يَكفر مَن أنكر حرفًا واحدًا منه، بالظني الذي يكفر مَن أنكر ثبوته، ويلزم على هذا أن يَقبلوا الأحاديث إذا كانت متواترة؛ لأنها تفيد القطع بثبوتِها، إلا أنهم لا يسلِّمون بذلك؛ بل هي عندهم أيضًا ظنية الثبوت؛ لأنَّها جاءت من طرق آحادها ظنية، فاحتمالُ الكذب في رواته لا يزال قائمًا، ولو كانوا جمعًا عظيمًا[2].

ويتلخَّص جواب الشَّافِعي رحمه الله تعالى عن شُبه هؤلاء بما يلي:

1- أن الله أوجَب علينا اتباعَ رسوله، وهذا عام بمن كان في زمنِه، وكل مَن يأتي بعده، ولا سبيل إلى ذلك لمَن لم يشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الأحاديث، فيكون الله قد أمرنا باتباعها وقبولها؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.

 

2- أنه لا بد من قبول الأحاديث؛ لمعرفة أحكام القرآن نفسه؛ فإن النَّاسخ فيه والمنسوخ لا يعرفان إلا بالرجوع إلى السُّنة.

 

3- أن هناك أحكامًا متفَقًا عليها بين جميع أهل العلم، وطوائف المسلمين قاطبة، حتى الذين ينكرون حجية السنة؛ وذلك كعدد الصلوات المفروضة، وعدد ركعاتها، ونصاب الزكاة، وغيرها، ولم يكن مِن سبيلٍ لمعرفتها وثبوتها، إلا بالسنّة.

 

4- أن الشرع قد جاء بتخصيص القطعي بظني؛ كما في الشهادة على القتل والمال، فإن حرمة النفس والمال مقطوعٌ بهما، وقد قُبلتْ فيهما شهادةُ الاثنين، وهي ظنيةٌ بلا جدال.

 

5- أن الأخبار، وإن كانت تحتمل الخطأ والوهم والكذب، ولكن الاحتمال بعد التثبُّت والتأكُّد من عدالة الراوي، ومقابلة الروايات بروايات أقرانه من المحدثين - أصبح أقل من الاحتمال الوارد في الشهادات، خصوصًا إذا عضد الروايةَ نصٌّ من كتاب أو سنة؛ فإن الاحتمال يكون معدومًا[3].

 

6- ولم يَذكر الشَّافِعي - رحمه الله تعالى - في هذا الموضعِ جوابَ قولهم: إن الله أنزل الكتاب تبيانًا لكل شيءٍ، وذكره في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه "الرسالة"، وجوابه: أن الله لم ينصَّ في الكتاب على كل جزئية من جزئيات الشريعة، وإنما بيَّن أصولَ الشريعة، ومصادَرها، وقواعدها ومبادئَها العامة، ومن الأصول التي بيَّنها وجوبُ العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].

ومَن طالَع كتاب "الرسالة" للإمام الشَّافِعي، فإنه يجده قد ردَّ ردودًا مطولةً على مَن رفض الاحتجاج بالسنة، أو الاحتجاج بشيءٍ منها؛ كالذين رفضوا الاحتجاج بخبر الآحاد.

الشاطبي يَردُّ باطل هذه الفرقة:

ومِن الذين أشاروا إلى هذه الطائفةِ، وذمُّوها، وردُّوا عليها - العلامةُ أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي، المعروف بالشاطبي، المتوفَّى في عام 790هـ، في كتابه القيم "الموافقات"، وقد قال فيهم: "الاقتِصار على الكتاب رأيُ قومٍ لا خَلاق لهم، خارجين على السنة، إذا عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيءٍ، فاطَّرحوا أحكامَ السنة، فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة، وتأويل القرآن على غير ما أنزل"[4].

 

والشاطبي رحمه الله أدرك الغاية التي يرمي إليها هؤلاء؛ فقد ساق الشاطبي عدة آثار عن السلف، تحُث على مواجهة الذين يجادلون في القرآن بالسنة؛ كقول عمر بن الخطاب: "وسيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالأحاديث؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله".

 

وقولِ أبي الدرداء: "وإن مما أخشى عليكم زلّةَ العالم، وجدلَ المنافق بالقرآن"، وقولِ ابن مسعود: "ستجدون أقوامًا يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدُّعَ، وإياكم والتنطعَ، وعليكم بالعتيق"[5].

وقد ذَكَر الشاطبي: أن العلماء يسوقون هذه النصوصَ، ويحملونها على تأويل القرآن بالرأي مع طرح السنن، ثم حدَّد الهدف الذي يرمي إليه النابذون للسنة، فقال: "إن كثيرًا من أهل البدع اطَّرَحوا الأحاديث، وتأوَّلوا كتاب الله على غير تأويله؛ فضلُّوا وأضلوا"[6]، فهدفهم ليس تعظيمَ كتاب الله؛ بل التلاعب بكتاب الله، ولما كانت السنة سياجًا يحمي القرآن من التلاعب به، وجَّهوا جهودهم لنبذها؛ ليتم لهم حمل القرآن على آرائهم الفاسدة من غير نكير، والذين يكون مقصدهم حسنًا، ويظنون صادقين مع أنفسهم أنهم بنبذهم السنةَ يعظِّمون الكتاب - مخطئون؛ فهذا الطريق يؤدي إلى الجهل بالكتاب وطرحه، يقول الشاطبي - رحمه الله تعالى -: "والسنة توضح المجمَل، وتقيِّد المطلَق، وتخصص العموم، فتخرج كثيرًا من الصيغ القرآنية عن ظاهر مفهومها في أصل اللغة، وتعلم بذلك أن بيان السنة هو مراد الله تعالى من تلك الصيغ، فإذا طُرحت واتُّبع ظاهرُ الصيغ بمجرد الهوى، صار صاحب هذا النظر ضالاًّ في نظره، جاهلاً بالكتاب، خابطًا في عمياء، لا يهتدي إلى الصواب فيها؛ إذ ليس للعقول مِن إدراك المنافع والمضار في التَّصَرُّفات الدنيوية إلا النزرُ اليسير، وهي في الأخروية أبعد على الجملة والتفصيل"[7].

السُّيُوطي يجرِّد قلَمَه لبَيَان باطل هذه الفرقة:

وقد ثارت فتنةُ هذه الفرقةِ في عصر السيوطي، المتوفَّى في سنة 911هـ، فجرَّد قلمه وألَّف في الرد عليهم كتابًا عَنْوَن له بـ"مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة"، وقد جاء في مقدمة الكتاب: "اعلموا - يرحمكم الله - أن مِن العلم كهيئة الدواء، ومن الآراء كهيئة الخلاء، لا تُذكَر إلا عند داعية الضرورة، وأن مما فاح ريحُه في هذا الزمان، وكان دارسًا - بحمد الله تعالى - منذ أزمان، وهو أن قائلاً رافضيًّا زنديقًا أكثَرَ في كلامه أن السنَّة النَّبَوِيَّة، والأحاديث المرويَّة - زادها الله علوًّا وشرفًا - لا يُحتجُّ بها، وأن الحُجة في القرآن خاصة، وأورد على ذلك حديثَ: ((ما جاءكم عني من حديثٍ، فاعرضوه على القرآن، فإن وجدتم له أصلاً فخذوا به، وإلا فردُّوه))، هكذا سمعتُ هذا الكلامَ بجملته منه، وسمِعَه منه خلائقُ غَيْري، فمِنْهم مَن لا يُلقِي له بالاً، ومنهم مَن لا يعرف أصلَ هذا الكلام، ولا من أين جاء، فأردتُ أن أوضِّح للناس أصلَ ذلك، وأبيِّن بطلانه، وأنه من أعظم المهالك"[8].

وتحدَّث السيوطي عن أصل هذه المقالة الفاسدة، فقال: "وأصل هذا الرأي الفاسد، أن الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة، ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة، والاقتصار على القرآن، وهم في ذلك مختلفو المقاصد؛ فمنهم: مَن كان يعتقد أن النبوَّة لعليٍّ، وأن جبريل - عليه السلام - أخطأ في نزوله إلى سيِّد المرسلين صلى الله عليه وسلم تعالى الله عما يقوله الظالمون علوًّا كبيرًا، ومنهم مَن أقرَّ للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة، ولكن قال: إن الخلافة كانت حقًّا لعليٍّ، فلمَّا عدَلَ بها الصَّحابَةُ عنه إلى أبي بكر - رضي الله عنهم أجمعين - قال هؤلاء المخذولون - لعنهم الله -: كفروا؛ حيث جاروا وعدلوا بالحق عن مستحقِّه، وكفَّروا - لعنهم الله - عليًّا رضي الله عنه لعدم طلبه حقَّه، فبنَوْا على ذلك ردَّ الأحاديث كلها؛ لأنها عندهم بزعمهم من رواية قوم كفارٍ، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذه آراء ما كنْتُ أستحل حكايتَها، لولا ما دعتْ إليه الضرورةُ من بيان أصل هذا المذهب الفاسد، الذي كان النَّاس في راحة منه من أعصار"[9].

وقد ذكر - رحمه الله تعالى - أن "أهل هذا الرأي كانوا موجودين بكثرة في زمن الأئمة الأربعة، فمَن بعدهم، وتصدَّى الأئمة الأربعة وأصحابهم في دروسهم ومناظراتهم للرد عليهم"[10].

 

وقد نقل في كتابه كثيرًا مما كتبه العلماء الأعلام مِن قبله في كتبهم، مستدلين به على الاحتجاج بالسنة، كما نقل عنهم ردودَهم على الذين يردُّون هذا المذهب الفاسد.

المستشرقون يعيدونها جَذَعَة في هذا العصر:

لم تهدأ هذه الفتنةُ في عصرنا؛ ذلك أن المستشرقين تلقَّفوا شبهاتِ هذه الفرقةِ الضالة، وحاولوا أن يجعلوها حقائقَ يهدمون بها الإسلامَ بهدم أصله الثاني (السنة النبوية)، ولعل أشد المستشرقين خطرًا، وأوسعهم باعًا، وأكثرهم خبثًا وإفسادًا في هذا الميدان - هو المستشرق المجريُّ "جولد تسيهر"؛ فقد كان واسعَ الاطلاع على المراجع الإسلامية على ما يظهر، حتى اعتُبر شيخَ المستشرقين في الجيل الماضي، ولا تزال كتبه وبحوثه مرجعًا أساسيًّا وخصبًا للمسشرقين في هذا العصر، وقد كان له أثرٌ كبيرٌ في التشكيك بالسنة، وترى آراءه منثورة في كتبه المتعددة.

وأهم شبهة له: ما زعمه من أن القِسم الأكبر من الحديث ليس وثيقةً للإسلام في عهده الأول، ولكنه أثرٌ من آثار جهود المسلمين في عصر النضوج، فالقِسمُ الأكبر من الحديث في نظر "جولد تسيهر" ليس إلا نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للإسلام في القرنين الأول والثاني[11]، وطلابُ العلم المسلمون يعلمون كذب هذه الدعوى، فضلاً عن علمائهم.

وقد حاول المستشرق "شبرنجر" في كتابه "الحديث عند العرب" أن يشكك المسلمين في عقيدتهم في وصول السنة بطريق المشافهة وحدها.

 

أما المستشرق "دوزي" فعلى الرغم من اعترافه بصحة قسمٍ كبيرٍ من السنة النبوية التي حُفظت في الصدور، فإنه يرى أن: أصح كتب السنة عند المسلمين لم تَسلَم من الأحاديث الباطلة والمكذوبة[12]

وقد عَمِلت الحملةُ ضد السنة، التي وصلت إلى المسلمين عبر العصور من خلال حَمَلتها من أهل الضلال، الذين لا يخلو منهم عصر وجيل - عَمَلَها في صفوف المسلمين، وزاد من شراسة الهجمة ضد السنة بين أبناء المسلمين - تأثيرُ المستشرقين عليهم؛ فقد ذهب أبناؤنا للدارسة في معاقل المستشرقين، ودعَوْناهم أساتذةً ومربِّين في مدارسنا وجامعاتنا، فسَقَوْا أبناءنا السُّم الزعاف، وقد قيل قديمًا: "كلُّ إناء بما فيه يَنْضَحُ"، وقد ألَّف أصحاب الأفلام المسمومة في القرن الأخير سيلاً من المقالات والكتب التي تشكك في السنة، فقد نشر الدكتور "توفيق صدقي" في مجلة "المنار"، التي كان يصدرها المرحوم محمد رشيد رضا - مقالين في العددين (7، 12) من السنة التاسعة، بعنوان: "الإسلام هو القرآن وحده"، وقد ذكر المرحوم الدكتور مصطفى السباعي خلاصةَ ما اعتمد عليه، وفنَّد أقواله في كتابه: "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي".

وعقد الأستاذ أحمد أمين في كتابه "فجر الإسلام" فصلاً خاصًّا بالحديث، استغرق أكثر من عشرين صفحة، حاول أن يؤرخ فيه للسنة، استظهر فيه أن الكذب في الحديث بدأ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وليس في هذا القول شيءٌ من التحقيق.

وفي عام 1353هـ نشر أحد الملاحدة في مصر - وهو: إسماعيل أدهم - رسالةً عن تاريخ السنة، أعلن أن السنة النبوية مشكوك فيها، ويغلب عليها الوَضْع، وفي عام 1377هـ/ 1958م دفعَت المطابعُ في مصرَ كتابًا أثار ضجةً في الأوساط الإسلامية؛ لشناعة ما جاء فيه، وهو كتاب: "أضواء على السنة المحمدية" لمحمود أبي ريَّة، وقد حمل أبو رية على السنة ونَقَلَتِها، فقد ذهب يطعُن في صِحاح الأحاديث، وفي أصح مصادرها، وقد صرَّح بتكذيبه بأحاديثَ كثيرةٍ وردتْ في البُخَاري ومسلم وغيرهما، وزعم أن صحاح كتب السنة "حَوَت كثيرًا من الإسرائيليات والمسيحيات" على حد تعبيره، وقد ضرب عرض الحائط بالقواعد والموازين التي وضعها علماء الحديث لتبين الصحيح من الباطل من الأحاديث، انظر إلى منهجه في التصحيح والتضعيف؛ حيث يقول: "أصبحت على بيِّنة من أمرِ ما نُسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مِن أحاديثَ، آخذ ما آخذ منه ونفسي راضية، وأدع ما أدع وقلبي مطمئن، ولا عليَّ في هذا أو ذلك أيُّ حرج أو جناح"[13].

فقد جعل عقلَه هو المقياسَ في قَبول الحديث أو رفضه، وإذا رضينا منهجَه هذا، فإن السنة تصبح لعبة في أيدي النَّاس، يكذِّب كل فريق بما صدَّق به غيره.

 

وقد أسفَّ أبو رية في حملته على الصحابي الجليل أبي هريرة، ومما قال فيه: "وسجل التاريخ أنه كان أكِلاً نَهمًا، يطعم كل يوم في بيت النبي، أو في بيت أحد أصحابه، حتى كان بعضهم ينفر منه"[14]، وكذَّب بالأحاديث التي وردت من طريق هذا الصحابي الجليل.

 

وقد فتح أبو ريَّة بكِتابه هذا بابَ شرٍّ كبيرٍ، وقد أخذ شبهاتِه التي سطرها كثيرٌ من المغرضين والحاقدين، فما مِن كاتبٍ رَام الهجوم على السنة إلا وكانت ظلماتُ أبي رية أحدَ مراجِعِه.

وحسبنا أن نعلم أن جذور أبي رية تمتد إلى ما كتبه أعداء الإسلام، وليس هذا تقوُّلاً عليه، ولكننا من فمه ندِينُه؛ فقد جاء في كتابه قوله: "ومَن يشأ أن يستزيد من معرفة الإسرائيليات والمسيحيات وغيرها في الدين الإسلامي، فليرجع إلى كتب الحديث والتاريخ، وإلى كتب المستشرقين أمثال: جولد تسيهر، وفون كريمر"[15].

وقد ذكر عباس متولي حمادة في مقدمة كتابه "السنة ومكانتها"، أنه رأى اثنتي عشرة رسالة مطبوعة، كلها تدعو إلى نبذ السنة والاعتماد على القرآن وحده، وهذه الرسائل مشبوهة، مشكوك في أمرها، يدل على ذلك أن هذه الكتب لم يدوَّن عليها اسمُ مؤلفها، ولم يَذكر ناشرُها اسمَه عليها، ولم تذكر المطبعة التي طبعتها، ثم هي بعد ذلك كله توزَّع بالمجان، ألا يدل هذا - كما يقول المؤلف عباس متولي - على "أنه نتاج هيئةٍ سريةٍ تعمل ضد الدين الإسلامي، وأنها رصدت لذلك الغرض الأثيم أموالاً طائلة تنفقها على طبع تلك الرسائل، وتوزيعها بالمجان؟"[16].

وقد قام جمعٌ كبير من العلماء الغيورين على دينهم بالتصدي لهذه الحملة الجديدة القديمة على السنة النبوية، فألفوا المؤلفات، وكتبوا المقالات، وردُّوا على الشبهات، فمن هؤلاء: الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله تعالى - والشيخ أحمد شاكر، والدكتور السماحي أستاذ علوم الحديث في كلية أصول الدين بالقاهرة، والشيخ عبدالرحمن المعلمي اليماني الذي كان مديرًا لمكتبة الحرم المكي، ومحمد عبدالرزاق حمزة، المدير السابق لدار الحديث بمكة، والدكتور محمد أبو شهبة، الأستاذ في كلية أصول الدين بالأزهر، والشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور محمد عجاج، والكاتب عبدالمنعم صالح العلي، وكلهم ألَّف في ذلك، وقام بشيءٍ من الواجب، وللشيخ ناصر الدين الألباني - حفظه الله - صَولاتٌ وجولاتٌ مع أمثال هؤلاء، يَراها مَن طالع كتبه ورسائله.

الفصل الثاني

مذهب الرادِّين لجميع أخبار الآحاد

وقد نَبَتَت نابتة أخرى، قولُها قريب من قول الطائفة الأولى، تزعم أنها لا تَقبل من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ما كان متواترًا، ولا تَقبل منها آحادًا.

 

والأحاديث الآحاد: ما رواه واحدٌ عن واحدٍ، حتى ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو مَن انتهى إليه دونه، كما قرره الشَّافِعي[17] رحمه الله تعالى والذي صار إليه علماء الأصول: "أن خبر الواحد ما لا ينتهي من الأخبار إلى حد التواتر المفيد للعلم، مما نقله خمسة أو ستة مثلاً"، كما يقول الغزالي[18].

وهذا القول قولٌ مبتدَعٌ مذمومٌ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال قوم من أهل البدع من الروافض ومن المعتزلة: لا يجوز العمل بخبر الواحد، وقال القاشاني وأبو بكر بن داود من الرافضة: لا يجوز العمل به شرعًا، وإن جوز ورود التعبُّد به، وحكى ابن برهان كقول القاشاني عن النهراوني، وإبراهيم بن إسماعيل ابن عُلَيَّة والشيعة"[19].

ويقول النووي في شرحه لمقدمة مسلم في صحيحه: "ذهبت القَدَريَّة والرافضة وبعض أهل الظاهر إلى: أنه لا يجب العمل بخبر الواحد، ثم منهم مَن يقول: منَع مِن العمل به دليلُ العقل، ومنهم من يقول: منع دليلُ الشرع"[20].

 

"والذي عليه جماهير المسلمين من الصَّحابَة والتَّابعين، فمَن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول: أن خبر الواحد الثقةِ حجةٌ من حجج الشرع، يجب العمل بها"[21].

والقول بأنه لا يقوم بها حجة - قولٌ مخترعٌ مستحدَثٌ، كما يقول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه، فقد جاء في المقدمة: "وهذا القول - يرحمك الله - في الطعن في الأسانيد - قولٌ مخترع مستحدث غير مسبوقٍ صاحبُه إليه، ولا مساعد له من أهل العلم عليه؛ وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديمًا وحديثًا: أن كل رجلٍ ثقةٍ رَوَى عن مثله حديثًا وجائزٌ ممكنٌ لقاؤه والسماع منه؛ لكونهما جميعًا في عصر واحد، وإن لم يأتِ في خبرٍ قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتةٌ، والحجة بها لازمةٌ"[22].

 

وقد واجه علماء السلف الصالح هذا القول المبتدَع، وناظروا أهله، وفنَّدوا ما جاؤوهم به من شبهات، وساقوا الحجج والبراهين الدالة على بطلان هذا القول، والدالة على صحة الاحتجاج بأخبار الآحاد.

وقد وجدنا للإمام الشَّافِعي ثلاثةَ مواضعَ أطال فيها محاورة هذا الفريق، وأكثر من الاستدلال فيها على صحة الاحتجاج بخبر الواحد:

الأول: في كتابه "الرسالة"؛ فقد عقد بابًا في كتابه "الرسالة"، بعنوان "باب خبر الواحد"، استغرق أكثر من مائة صفحة[23].

 

والثاني: في كتابه "الأم"، بعنوان "باب حكاية قول مَن رد خبر الخاصة"[24]، ومراده بخبر الخاصة خبر الآحاد.

 

والثالث: في كتابه "اختلاف الحديث"[25].

وقد عقَد الإمام البُخَاري كتابًا في جامعِهِ الصحيح، عنوانه "كتاب أخبار الآحاد"[26]، وعقد في مقدمة هذا الكتاب: "باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصَّدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام"[27].

ولم يزَل العلماء حتى اليوم يبيِّنون عوار هذا القول، وزيغَ القائلين به، ويحذرون من هذا المزلق الخطير.

 

وأظْهَرُ شُبَهِ هذا الفريقِ التي أوصلتهم إلى هذا المنحى - هو زعمهم أن الأحاديث الآحاد تفيد الظن[28]، فلما تقرر هذا في نفوسهم وتأصَّل، زعموا أنه يجب ردُّها؛ إعمالاً لكتاب الله الذي ينهى عن اتباع الظن والعمل به؛ ﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [النجم: 28]، ﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36].

ولَو أنصَف هؤلاء لاتَّهموا آراءهم، وألجموا أنفسَهم بلجام العلم والتقوى، فإن الذي أُنزل عليه القرآنُ أدرَى منهم بمدلول هذه النصوص، والذين عاصروا التنزيل أفقَه منهم بمعاني هذه النصوص، فالأحاديث الآحاد إما أنها ليست من الظن في شيءٍ؛ لأن حديث الثقة خبرٌ صادقٌ، والظن لا يقوم على دليلٍ[29]، أو أنها من الظن الذي يجب قَبوله، فالظنُّ المرفوض هو الظن المرجُوح، أما الظن الذي ترجَّح صِدقه فلا يُلام صاحبُه عندما يأخذ به، وفي ظني أن الفِرَق الضالة لم تكن تبحث عن الحق، ولكنَّها كانت تريد هدم الإسلام، وإيجاد المداخل إلى نفوس المسلمين، كي يتِم لها الأمر على نحوٍ لا يثير ثائرة المسلمين، هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر تريد إيجاد الشُّبه التي تفرِّق بها أمرَ المسلمين، وتوجد النزاع والخلاف فيما بينهم، ولا يَنْفي هذا أن بعض أهل الصلاح قد انخدع بباطل هؤلاء.

الأدلة على حجية خبر الواحد:

دلَّ على العمل بخبر الواحد: الكتابُ، والسنةُ، والمعقولُ، والإجماعُ.

 

1- الاستدلال بالكتاب:

استدل البُخَاري في "صحيحه" بآياتٍ من الكتاب على إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة، والصوم والفرائض والأحكام[30]؛ فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]، يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "وهذا مصير من البُخَاري إلى أن لفظ "طائفة" يتناول الواحد فما فوقه، ولا يختص بعددٍ معيَّنٍ، وهو منقولٌ عن ابن عباس وغيره، كالنخعي ومجاهد.

 

وقال الراغب: لفظة "طائفة" يراد بها الجمع، والواحد طائف، ويراد بها الواحد، فيصح أن يكون كـ(راوية وعلاَّمة)، ويصح أن يراد به الجمع، وأطلق على الواحد"[31].

 

واستدل البُخَاري أيضًا بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9]، ثم قال: "فلو اقتتل رجلان دَخَلا في معنى الآية"[32]، وهذا الاستدلال سبق البُخَاريَّ إلى الاحتجاج به الشَّافِعيُّ، وقبله مجاهدٌ، كما يقول ابن حجر[33].

 

واستدل البُخَاري أيضًا بقوله تعالى: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6]، ووجه الدلالة منها - كما يقول ابن حجر - "يؤخذ من مفهومَي الشرط والصفة؛ فإنهما يقتضيان قبولَ خبر الواحد"[34].

 

وقد أخبرنا ربُّنا أن موسى - عليه السلام - قد قَبِل خبر الواحد عندما أخبره أن الملأ يأتمرون به ليقتلوه، ونصحه بالخروج من مصر، وقد صدَّقه موسى، وعمل بنصيحته: ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص: 21].

 

2- الاستدلال بالسنة:

أما استدلالهم بالسنة فمِن وجوه:

الأول: قَبول الرسول صلى الله عليه وسلم خبرَ الواحد؛ فمن ذلك ما رواه البُخَاري عن عبدالله، قال: صلَّى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهرَ خمسًا، فقيل: أَزِيدَ في الصلاة؟ قال: ((وما ذلك؟)) قالوا: صلَّيْت خمسًا، فسَجَد سجدتين بعدما سلَّم[35]، ووجه الدلالة: قبول الرسول صلى الله عليه وسلم خبر مَن أخبره بأنه زاد في صلاته ركعةً.

الثاني: اعتمادُه - عليه السلام - على الواحد في التبليغ، فلو كان الواحد لا تقوم به الحجة في التبليغ، لم يكن لإرساله الرسلَ فائدة، وقد عقد البُخَاري في "صحيحه" بابًا عنوانه: "باب ما كان يبعث النبي صلى الله عليه وسلم من الأمراء والرسل واحدًا بعد واحد، وقال ابن عباس: بعث النبي صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي بكتابه إلى عظيم بُصرَى أنْ يدفعه إلى قيصر"[36]، وقد كان الصَّحابَة يُسارعون إلى قبول خبر الثِّقَة فيما يبلغهم به، واستدل الشَّافِعي بمثل هذا على تثبيت خبر الواحد؛ فقال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرايا، وعلى كل سريّة واحد، وبعث رسله إلى الملوك، إلى كل ملك واحد، ولم تزَل كتبه تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهي، فلم يكن أحدٌ من ولاته يترك إنفاذ أمره، وكذا كان الخلفاء من بعده"[37].

 

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث، ومجموعة من الشباب كانوا أقاموا عنده - صلوات الله وسلامه عليه - عشرين ليلةً، ثم رغبوا في العودة إلى أهلهم: ((ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومُروهم))[38].

وعندما حُوِّلَت القبلة لم يَعلم أهل المساجد التي في ضواحي المدينة بأمر تحويلها، إلا مِن قِبل رجل واحد وهم يُصلُّون، فقد علم بها أهل مسجد بني سلمة في صلاة العصر، أخبرهم بذلك رجل من الصَّحابَة وهم يصلون نحو بيت المقدس، وقال لهم: "هو يشهد أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد وجه إلى الكعبة، فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر، ومر آخر على أهل مسجد قباء وهم يصلون نحو بيت المقدس، في اليوم التالي مستقبلين بيت المقدس، فأخبرهم بما أنزل الله، فاستداروا نحو الكعبة"[39].

وقد أمر أبو طلحة أنسَ بنَ مالك بكسر جرار الخمر، عندما سمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي بتحريمها[40].

 

وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل نجران رجلاً من أصحابه، هو أمين هذه الأمة؛ أبو عبيدة عامر بن الجراح[41].

 

والأدلة على ذلك كثيرة جدًّا، يصعب استقصاؤها، وقد ساق الشَّافِعيُّ في كتابه "الرسالة" طرفًا صالحًا منها.

3- الاستدلال بالمعقول:

الرسول صلى الله عليه وسلم مأمورٌ بالبلاغ: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [المائدة: 67]، وبلاغُه إنما هو للناس كافَّة؛ لأنه مرسل لجميع النَّاس، فلو كان خبر الواحد غير مقبول، لتعذر إبلاغ الشريعة إلى الكل ضرورةً، لتَعَذُّرِ خطاب جميع النَّاس شفاهًا، وكذا تعذُّر إرسال عدد التواتر إليهم.

4- الاستدلال بالإجماع:

لقد أورَد العلماء مئات الوقائع ذهب فيها الصَّحابَةُ، فمَن بعدهم من علماء التَّابعين، ومن سار على هديهم من أهل العلم المرضيِّ عنهم، الموثوق بهم - إلى أن أخبار الآحاد حجَّة يجب المصير إليها، وقبلوا رواية العدل الثقة فيما يروون:

1- فقد قَبِل أبو بكر الصديق خبرَ عائشة في أن النبي صلى الله عليه وسلم ماتَ يوم الاثنين.

2- وقبِل عمرُ خبر عمرو بن حزم في أن: "دية الأصابع سواء".

3- وقبل خبر الضحاك بن سفيان في: "توريث المرأة من دية زوجها".

4- وقبل خبر عبدالرحمن بن عوف في: "أمر الطاعون، وفي أخذ الجزية من المجوس".

5- وقبل خبر سعد بن أبي وقاص في: "المسح على الخفين".

6- وقبل عثمانُ خبر الفُرَيْعَة بنت سنان، أخت أبي سعيد، في: "إقامة المعتدة عن الوفاة في بيت زوجها"[42].

يقول ابن حجر العسقلاني: "وقد شاع فاشيًا عملُ الصَّحابَة والتَّابعين بخبر الواحد من غير نكير؛ فاقتضى الاتفاق منهم على القَبول"[43].

 

وقد ساق الشَّافِعيُّ الحجج الدالة على تثبيت خبر الواحد، ثم قال: "وفي تثبيت خبر الواحد أحاديثُ، يكفي بعض هذا منها، ولم يزل سبيلُ سلفنا والقرون بعدهم إلى مَن شاهدْنا - هذه السبيل"[44]، وقال في موضع آخر: "ولو جاز لأحد من النَّاس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديمًا وحديثًا على تثبيت خبر الواحد، والانتهاء إليه، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا قد ثبته - جاز لي، ولكن أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد"[45].

ويقول الغزالي: "تواتَر واشتهر عمل الصَّحابَة بخبر الواحد في وقائعَ شتَّى لا تنحصر، وإن لم تتواتر آحادها، فيحصل العلم بمجموعها"[46].

 

ويقول النووي: "ولم يزل الخلفاء الراشدون وسائر الصَّحابَة، فمَن بعدهم من السلف والخلف على امتثال خبر الواحد إذا أخبرهم بسنّة، وقضاؤهم به، ورجوعهم إليه في القضاء والفُتْيَا، ونقضهم ما حكموا بخلافه، وطلبهم خبر الواحد عند عدم الحجة ممن هو عنده، واحتجاجهم بذلك على مَن خالفهم، وانقياد المخالف لذلك"[47].

الفصل الثالث

مذهب الرادِّين لأخبار الآحاد في العقيدة

الفِرَق السابقة لم تَرُج أقوالُها على الأمة، وقد نشأ قولٌ جديدٌ رَاجَ على كثير من أصحاب العقول، فإن فريقًا زعم أنه يأخذ بأحاديث الآحاد في الأحكام دون العقائد، وعندما سُئلوا عن مستندهم فيما ذهبوا إليه، وجدناهم يستدلون بأدلة الفريق الذي يرفض الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد والأحكام، فهم يقولون كما قال أولئك: أحاديث الآحاد تفيد الظن، والاعتماد على الظن في العقائد مذموم؛ لأن العقائد تحتاج إلى يقين في إثباتها.

 

وهذا الفريق متناقض؛ لأن الآيات الذامة لاتباع الظن ذمَّته ذمًّا مطلقًا، وذمت كل من أخذ به على هذا النحو، مما يجعل مَن يخالفهم يُلزمهم بأن يقولوا بعدم حجية أحاديث الآحاد في الأحكام أيضًا؛ ولذلك فإن الفريق الأول الذي رفض الاحتجاج بحديث الآحاد مطلقًا لم يتناقض تناقضَ هؤلاء.

ومن هنا يتبيَّن أن هذا الفريق لم يُصِب في الاحتجاج بما احتجَّ به من النصوص، التي تلوم مَن اعتمد على الظنون؛ لأن هذه النصوص تلوم مَن أخذ بالظن، الذي هو خرص وتخمين، ولا تلوم من أخذ بالظن الغالب، فالظن قد يكون وهمًا، وخرصًا، وتخمينًا، كظنِّ الذين نسبوا إلى الله الولد، وظن الذين يعبدون الأصنام؛ ليقرِّبوهم إلى الله زُلفَى، وظن الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وقد يكون الظن شكًّا يستوي طرفاه، ولا يترجَّح لصاحبه أحدُ الأمرين اللذين شك فيهما، وقد يكون الظن راجحًا، فيترجح للظانِّ أحدُ الطرفين، وقد يصل إلى درجة قريبة من اليقين؛ ولذلك ورد في القرآن التعبير عن العلم بالظن؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 20]، وقوله: ﴿ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ [التوبة: 118].

القائلون بهذه المقالة:

مَن طالع كتب المتأخرين من الأصوليين، وكتب بعض المعاصرين - يظن أن هذه المقالة مذهب جماهير العلماء من أهل السنة، يقول بدران أبو العينين: "وذهب جمهور المالكية والحنابلة والشَّافِعية والحنفية إلى أن خبر الواحد يوجب العملَ دون العلم"[48]، ويقول الشيخ شلتوت: "وإلى هذا - أي: كون الآحاد لا تفيد اليقين - ذهب أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة: مالك، وأبو حنيفة، والشَّافِعي، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وقد جاء في الرواية الأخرى خلاف ذلك، وفيها يقول شارح "مسلم الثبوت": "وهذا بعيد عن مثله، فإنه مكابرة ظاهرة"، وقال البزدوي: "وأما دعوى علم اليقين - يريد في أحاديث الآحاد - فباطله بلا شبهة؛ لأن العيان يرده، وهذا لأن خبر الواحد محتمل لا محالة..."، ونقل عن الأسنوي والغزالي والبزدوي أنهم ذهبوا إلى عدم إفادة أحاديث الآحاد العلمَ؛ بل الظن، والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية"، ثم قال: "وهكذا نجد نصوص العلماء - متكلِّمين، وأصوليِّين - مجتَمِعة على أن الخبر الآحاد لا يُفيد اليَقين، فلا تثبت به عقيدة، ونجد المحقِّقين من العلماء يصفون ذلك بأنَّه ضرُوري، لا يصِح أن يُنازِع أحَد في شيءٍ منه"، ويقول أيضًا: "ومِن هنا يَتأكَّد ما قرَّرناه: من أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة، ولا يصح الاعتماد عليها في شأن المغيبات - قول مجمَع عليه، وثابت بحكم الضرورة العقلية، التي لا مجال للخلاف فيها عند العقلاء"[49].

ليس في هذا إجماع، والقائلون بهذا القول خرقوا الإجماع:

هذا الذي أورده الشيخُ شلتوت غيرُ صواب، فالشيخ شلتوت نظر إلى أقوال بعض متأخري الأصوليين، فوجدهم يردِّدون هذه المقالة، فظن أن هذا مذهب جماهير العلماء، وليس الأمر كذلك، والذي حققناه في كتابنا "أصل الاعتقاد": أن مذهب الأئمة الأربعة: إفادة أحاديث الآحادِ العلمَ والعمل، إذا احتفت بها قرائن، أو تلقَّتْها الأمة بالقبول، فالإمام أحمد عاب مَن زعم أن الخبر الواحد لا يوجب علمًا، ويوجب العمل[50]، واستدل الإمام أحمد في ردِّه على الزنادقة والجهمية بالأحاديث الآحاد، على أن المؤمنين يرَون ربهم في الجنة[51]، وهي مسألة عقائدية، والذين نسبوا إلى الإمام أحمد أنه يذهب إلى أن أحاديث الآحاد تفيد العلم - كثيرٌ؛ كالعلامة ابن تيمية، وابن القيم، والسفاريني، وابن حزم، والشوكاني، والسبكي[52].

 

ويقول ابن القيم في "الصواعق المرسلة": "وقد صرح الشَّافِعيُّ في كتبه بأن خبر الواحد يفيد العلم، نص على ذلك صريحًا في كتاب "اختلاف مالك"، ونصره في "الرسالة المصرية"، على أنه لا يوجب نص الكتاب والخبر المتواتر"[53].

ومما يدل على أن الشَّافِعيَّ لا يفرق بين العقيدة والعمل في حديث الآحاد: أنه روى الحديث الذي رواه البُخَاري ومسلم عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا البِكَالي يزعم أن موسى صاحبَ الخضر، ليس من بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كَذَب عدو الله، أخبرني أبيُّ بن كعب، قال: خطبَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديث موسى والخضر بشيءٍ يدل على أن موسى عليه السلام هو صاحب الخضر.

 

ومما يدل على أن هذا مذهبه أيضًا: أنه ساق الأدلة على أن أحاديث الآحاد حجة في كتابه "الرسالة"[54]، ولم يستثنِ منها العقائدَ، فنصوص الشَّافِعي عامة مطلقة، فمن شاء حمْلَ مذهبِه في هذا على الأحكام دون العقائد، فعليه الدليل، وإلا فإنه يكون غالطًا على الشَّافِعي.

 

وينقل ابن حزم وابن القيم وابن تيمية وغيرهم: أن الفقيه المالكي ابن خواز مِنداد ذَكَر في كتابه "أصول الفقه": أن مالكًا صرح بأنه يرى أن أحاديث الآحاد تفيد العلم[55].

والقول بأن أحاديث الآحاد تفيد العلم، هو قول داود الظاهري وابن حزم[56].

 

وقد ذهب ابن الصلاح إلى: أن ما اتفق عليه البُخَاري ومسلم جميعه مقطوعٌ بصحته، والعلم اليقيني النظري واقع به، وأن ما انفرد به البُخَاري ومسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته؛ لتلقي الأمةِ كلَّ واحدٍ من كتابيهما بالقبول[57].

وقد نقل الحافظ ابن كثير كلامَ ابن الصلاح واعتراض النووي عليه، ثم قال: "أنا مع ابن الصلاح فيما عوَّل عليه، وأرشد إليه"[58].

 

ونقل السيوطي كلام ابن الصلاح وموافقة ابن كثير له، ثم قال: "قلت: وهو الذي أختارُه، ولا أعتقد سواه"[59].

 

وهذا مذهب أبي إسحاق الأسفراييني؛ حيث قال: "أهل الصنعة مجمِعون على: أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان، مقطوع بصحة أصولها ومتونها؛ لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول"[60].

وهذا مذهب ابن حجر العسقلاني؛ حيث قرر أن الخبر المحتَفَّ بالقرائن يفيد العلم، ومنه ما أخرجه الشيخان في صحيحَيْهما، مما لم يبلغ التواتر[61].

 

والحق أنه يجب تعميم الحكم بذلك، فكل ما تلقَّته الأمة بالقبول من صحاح الأحاديث، فإنه يفيد العلم، ونجزم بأنه صدق، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية[62]، وهذا القول - كما يقول ابن تيمية - هو قول جماهير أهل العلم، يقول ابن تيمية: "وخبر الواحد المتلقَّى بالقبُول يوجب العلمَ عند جمهور العلماء، من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشَّافِعي، وأحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري؛ كالأسفراييني وابن فُورَك، وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن، لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق، كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم، مستندين في ذلك إلى ظاهر، أو قياس، أو خبر واحد، فإن ذلك الحكم يصير قطعيًّا عند الجمهور، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعيٍّ؛ لأن الإجماع معصوم"[63].

ومن الذين صرَّحوا بإفادة ما خرَّجه الشيخانِ العلمَ: أبو إسحاق الأسفراييني، وأبو عبدالله الحميدي، وأبو الفضل بن طاهر، وأبو نصر عبدالرحيم بن عبدالخالق بن يوسف[64].

 

يقول الحافظ السخاوي: "هو مذهب الجمهور من المحدِّثين والأصوليين وعامة السلف؛ بل وكذا غير واحد في الصحيحين"[65].

 

أقول: ومَن نظر في كتب المحدثين عَلِم يَقينًا أن مذهبهم: الاحتجاجُ بأحاديث الآحاد في العقائد والأحكام، فالبُخَاري ومسلم، وأبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجه، وأحمد وابن خزيمة، والطبراني والدارمي وغيرهم - يوردون أحاديثَ الآحاد في كتبهم، محتجِّين بها على العقائد والأحكام، وقد ألَّف إمام الأئمة ابنُ خزيمة كتابًا في التوحيد، احتجَّ فيه بعشرات وعشرات من أحاديث الآحاد، والبُخَاري ومسلم أوردا كثيرًا من الأحاديث في باب العقائد.

الذين خالفوا ليسوا علماء السلف:

هذه أقوال علماء السلف بين يديك، تحكي مذهبَهم في أحاديث الآحاد، وتنطق بأنها حجة في العقيدة، فأين ادِّعاء مَن ادعى أن مذهب الكافة هو عدم الاحتجاج بها؛ لأنها لا تفيد العلم؟!

 

إن القائلين بهذا القول فِرقةٌ قليلة، خرقوا إجماع العلماء؛ يقول ابن القيم: "فهذا الذي اعتمده نُفَاةُ العلم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقوا به إجماعَ الصَّحابَة المعلوم من الدين بالضرورة، وإجماع التَّابعين، وإجماع أتباع التَّابعين، وإجماع أئمة الإسلام، ووافقوا المعتزلةَ والجهميَّة والرافضة والخوارج، الذين انتهكوا هذه الحرمة، وتبعوا بعض الأصوليين"[66].

وعذرُ الذين ظنُّوا: أن القول بأن أحاديث الآحاد لا تفيد العلم، ولا يحتج بها في العقائد - أنهم قصروا في البحث؛ يقول ابن تيمية: "وعذرهم: أنهم يَرجعون في هذه المسائل إلى ما يجدونه في كلام ابن الحاجب، وإن ارتفعوا درجةً صعدوا إلى السيف الآمدي، وإلى ابن الخطيب، فإن علا سندُهم صعدوا إلى الغزالي والجويني والباقلاني"[67].

وبطلان هذا الزعم يرفع الغمةَ عن كثير من طلبة العلم، فإنَّ طالب العلم تخيفه مخالفةُ الإجماع، ومخالفةُ جمهور أهل العلم، ولو كان يظن الحق في غير ما ذهب إليه الجمهور، فإذا عَلِم طالب العلم أن القول الذي ترتاح إليه نفسُه، ويميل إليه قلبُه - هو قول جمهور العلماء الأعلام، ومذهب الصَّحابَة والتَّابعين، زاده ذلك اطمئنانًا، وكُشفت عنه الغمةُ.

الفصل الرابع

مذهب رادِّي أخبار الآحاد لمخالفتها القياس

يزعم بعض الفقهاء: أن القياس يخالف النص في بعض المسائل، ثم مِن هؤلاء مَن يردُّ النص بمثل هذا القياس المزعوم.

 

وجمهور العلماء يقدِّم النص على القياس، ومن هؤلاء الإمام أحمد رحمه الله ومما قاله في هذا: "إنما القياس أن تقيس على أصل، فأمَّا أن تجيء إلى الأصل فتهدمه ثم تقيس، فعلى أيِّ شيء تقيس؟"[68] وقد كان - رحمه الله تعالى - يأخذ بالحديث المرسل والحديث الضعيف، إذا لم يكن في الباب شيءٌ يدفعه، ويقدِّمه على القياس، وليس المراد بالحديث الضعيف عنده الباطل، ولا المنكر؛ بل الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن[69]، وقد سمع عبدالله بن الإمام أحمد أباه يقول: "والحديث الضعيف أحبُّ إليَّ من الرأي"[70].

ومذهب الشَّافِعيِّ رحمه الله تقديمُ الخبر على القياس، فقد رتب الأدلة ثلاث مراتب:

الأولى: الكتاب والسنة المجمع عليها.

الثانية: السنة رويت من طريق الانفراد.

الثالثة: الإجماع والقياس.

وجعل المرتبة الثالثة أضعف المراتب، ولم يُجز الحكمَ بها عند وجود الخبر، يقول في هذا: "ونحكم بالإجماع ثم القياس، وهو أضعَف من هذا، ولكنَّها منزلة ضرورة؛ لأنَّه لا يحل القياس والخبر موجود"[71].

 

وقد قدَّم الإمام الشَّافِعيُّ الخبرَ مع ضعفه على القياس في مواضعَ كثيرةٍ، فمن ذلك أنه قدَّم خبر تحريم صيد وَجّ[72] مع ضعفه، على القياس، وقدم خبر جواز الصلاة بمكة في أوقات النهي، مع ضعفه ومخالفاته لقياس غيرها من البلاد، وقدَّم في أحد قوليه حديثَ: ((مَن قاء أو رعف، فليتوضأ، وليبْنِ على صلاته)) على القياس، مع ضعف الخبر وإرساله[73].

ويذكر بعض الباحثين: أن الإمام أبا حنيفة يقدم القياسَ على صحيح الحديث، وهؤلاء غلطوا على أبي حنيفة، وأصحاب الإمام مُجمِعون على أن مذهب أبي حنيفة: أن ضعيف الحديث أولى عنده من القياس، وعلى ذلك بنى مذهبه، فقدَّم حديث القهقة في الصلاة على محض القياس، وأجمع أهل الحديث على ضعفه، وقدم حديث الوضوء بنبيذ التمر على القياس، وأكثر أهل الحديث يضعِّفه، وقدم حديث أكثر الحيض عشرة أيام، وهو ضعيف باتفاقهم، على محض القياس[74].

وقد بيَّن الشَّعراني في "الميزان" السببَ في شيوع هذا الغلط عن الإمام أبي حنيفة، فقال: "ويحتمل أن الذي أضاف إلى الإمام أبي حنيفة أنه يقدِّم القياس على النص - ظفر بذلك في كلام مقلِّديه، الذين يلزمون العمل بما وجدوه عن إمامهم من القياس، ويتركون الحديثَ الذي صحَّ بعد موت إمامهم، فالإمام معذور، وأتباعه غير معذورين، وقولهم: إن إمامنا لم يأخذ بهذا الحديث - لا ينهض حجةً؛ لاحتمال أنه لم يظفر به، أو ظفر به لكن لم يصحَّ عنه، وليس معه قياس ولا حجة، إلا طاعة الله وطاعة رسوله، بالتسليم له"[75].

وقد نُسِب القولُ بتقديم القياس على خبر الواحد إلى الإمام مالك، ونسبَه الآمديُّ إلى أصحاب مالك، وقال عيسى بن أبان: "إن كان الراوي ضابطًا، عالمًا، غير متساهل فيما يرويه - قُدِّم خبرُه على القياس، وإلا فهو موضع اجتهاد"[76].

 

وممن نَسَبَ هذا القولَ إلى الإمام مالك: النسفيُّ في كتابه "المنار"، وقال شارح "المنار": "قال صاحب "القواطع" الشَّافِعي: حُكي عن مالك رضي الله عنه: أن خبر الواحد إذا خالف القياس، لا يُقبَل، وهذا القول بإطلاقه قبيح، وأنا أُجِل منزلته عن مثل هذا القول"[77].

 

وفي ظني أن صاحب "القواطع" قد أصاب في قوله؛ فالذين يزعمون أن مذهب مالك هو تقديم القياس على خبر الواحد، يدفعه ما كان عليه الإمام مالك من تعظيمٍ للسنة، وعنايته بها.

وقد ردَّ شارح "المنار" قولَ مَن قال بتقديم القياس على الخبر: "بأن الخبر يقين بأصله؛ لأنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما الشبهة في طريقه، وهو النقل، ولهذا لو ارتفعت الشبهة كان حجة قطعًا، والقياس محتمل بأصله ووصفه؛ إذ كل وصف يحتمل أن يكون علَّةً، فكان الأخذ بما ليس في أصله شبهة، أولى"[78].

ومما يُرَدُّ به على أتباع هذا المذهب: أن الصَّحابَة كانوا يتركون القياس والرأيَ، لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الآمدي: "فقد ترك عمر رضي الله عنه القياس في الجنين؛ لخبر حمل بن مالك، وقال: لولا هذا لقضَينا فيه برَأَيْنا، وتَرَك القياسَ في تفريق دية الأصابع على قدر منافعها، بخبر الواحد الذي روى في كل إصبع عشر من الإبل، وترك اجتهاده أيضًا في منع ميراث المرأة من دية زوجها، بخبر الواحد، وقال: أعيَتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي، فضلُّوا وأضلُّوا"[79].

والذين يعارضون الخبرَ الصحيح بالقياس، وقد يقدمونه عليه - بعضُ الفقهاء من أتباع الأئمة، وأكثر مَن وُجد هذا في كتبهم الأحنافُ، فتراهم يعارضون النصوص بدعوى مخالفتها للقياس، وهم في ذلك مخالفون لمذهب إمامهم، الذي كان يقدِّم الخبر الضعيف على القياس.

 

وقد أحسن العلاَّمة ابن القيم رحمه الله عندما عقد فصلاً في كتابه القيم "إعلام الموقعين"؛ لبيان أن دعوى مخالفة الشريعة للقياس، دعوى مرفوضةٌ من أصلها، وقد جاء في مقدمة هذا الفصل قولُه: "ليس في الشريعة شيءٌ على خلاف القياس، وما يظن مخالفته للقياس فأحد الأمرين لازم فيه ولا بد: إما أن يكون القياس فاسدًا، أو يكون ذلك الحكم لم يثبت بالنص كونُه من الشرع"[80]، ويقول العلامة ابن القيم: إنه سأل شيخ الإسلام ابن تيمية "عمَّا يقع في كلام كثير من الفقهاء من قولهم: هذا خلاف القياس، لِمَا ثبت بالنص، أو قول الصَّحابَة، أو بعضهم، وربما كان مجمعًا عليه؛ كقولهم: طهارة الماء إذا وقع فيه نجاسة على خلاف القياس، وتطهير النجاسة على خلاف القياس، والوضوء من لحوم الإبل، والفطر بالحجامة، والسلم والإجارة... كل ذلك على خلاف القياس، فهل ذلك صواب؟ فقال: ليس في الشريعة ما يخالف القياس"[81].

وقد جمع ابن القيم ما حصَّله من جواب شيخه بخطه ولفظه، وما فتح الله به عليه، فكشف هذه الشبهة، وقد أطال القول في ذلك، وأورد كثيرًا من الأمثلة التي يقولون فيها: إنها مخالفة للقياس، وبيَّن أنها موافقة له، وأن الخلل جاءهم مِن قِبَل عقولهم التي توهَّمَت أنها مخالفة، والحق أنها موافقة.

 

ومن المسائل التي ادَّعوا أنها على خلاف القياس: المضاربة، والمساقاة، والمزارعة، فقد ظن القائلون بذلك مِن الفقهاء أنها على خلاف القياس، على اعتبار أنها من جنس الإجارة؛ لأنها عمل بعِوض، والإجارةُ يُشتَرط فيها العلم بالعوض والمعوَّض، فلما رأوا العمل والربح في هذه العقود غير معلوم، قالوا: "هي على خلاف القياس"، وليس الأمر كذلك؛ فإن هذه العقود من جنس الشركات، لا من جنس المعاوضات المحضة، التي يشترط فيها العلم بالعوض والمعوَّض، والمشاركات جنس غير جنس المعاوضات[82].

وقالوا أيضًا: إن إباحة القرض على خلاف القياس؛ لأنه بيع رِبَوي بجنسه مع تأخير القبض، وقد غلَّط ابن القيم مَن ذهب هذا المذهب؛ لأن القرض من جنس التبرع بالمنافع كالعارية، وهو من باب الإرفاق، لا من باب المعاوَضات، ومثله في ذلك مثل المنيحة والعارية[83].

 

ومن أمثلة ما ادَّعوا فيه مخالفةَ الشريعة القياسَ: إزالةُ النجاسة، وشُبْهَتُهم: أن الماء إذا لاقى النجاسة تنجَّس بها، ثم لاقى الثاني والثالث كذلك، وهلم جرًّا، والنجس لا يزيل النجاسة، وقد غلَّط ابن القيم قول مَن قال بهذا القول، وقال: إن القياس يقتضي أن الماء إذا لاقى النجاسة لا ينجس، وقد انتهى إلى أن الصواب: أن مقتضى القياس: أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير[84].

وقد عرض العلامة ابن القيم مسائلَ كثيرةً، زعم فيها مَن زعم من الفقهاء أنها مخالفةٌ للقياس، وبيَّن أنها موافقة للقياس، ومن هذه المسائل طهارةُ الخمر بالاستحالة، والوضوء من لحم الإبل، والفطر بالحجامة، والتيمم، وإباحة السَّلَم، ومكاتبة السيد عبدَه، والإجارة، وغير ذلك مما زعموا أنه مخالف للقياس، والأمر ليس على ما ذهبوا إليه[85]، ولم يكتفوا بالزعم أن هذه الأحكام مشروعة على خلاف القياس؛ بل تعدوا هذا إلى ردِّ كثيرٍ من النصوص؛ بدعوى أنها مخالفة للقياس والأصول، ومما ردُّوه من الأحاديث الصحيحة بهذه الدعوى: حديثُ الشاة المُصَرَّاة، وحديث العرايا، وحديث القسامة، وحديث الإقراع بين الأعبُد الستة الموصى بإعتقاهم، وحديث القضاء بالقافة، وحديث من أدرك ركعةً من الصبح قبل أن تطلع الشمس - فقد أدرك الصبح، وغير ذلك مما أفاض ابن القيم في ذِكره والرد عليه[86].

الفصل الخامس

مذهب رادي أخبار الآحاد لمخالفتها القياس بشرط عدم فقه الراوي

يَنسب بعضُ أهل العلم إلى الإمام أبي حنيفة: أنه يشترط لقبول الحديث أن يكون راويه فقيهًا، إذا كان الحديث مخالفًا للقياس[87]، والذي رأيته في كتاب "شرح المنار" في أصول الأحناف: أن تقديم القياس في هذا الحال، هو مذهب عيسى بن أبان، وهو اختيار القاضي أبي زيد، وخرَّج عليه حديث المصَرَّاة، وأن أكثر المتأخرين من الأحناف تابعوا أبا زيد في مذهبه هذا، ثم يقول شارح "المنار": "أما عند الكرخي ومَن تابعه من أصحابنا، فليس فقه الراوي شرطًا للتقديم؛ بل خبر كل عَدل مقدَّم على القياس؛ إذ لم يكن مخالفًا للكتاب والسنة؛ لأن تغيير الراوي بعدما ثبتت عدالته موهوم، والظاهر أنه يروي كما سمع، ولو غيَّر لغيَّر على وجه لا يغيِّر المعنى، وإليه مَالَ أكثرُ العلماء، فلا يعتبر، ولهذا قَبل عمر رضي الله عنه حديثَ حمل بن مالك - مع أنه لم يكن فقيهًا - في الجنين، وقضى به، وإن كان مخالفًا للقياس"[88]، أقول: وما ذهب إليه الكرخي، ورجحه "شارح المنار" هو الحق الذي لا يجوز العدول عنه، وأدلة الترجيح ذكرها شارح "المنار"، وتوسعنا في عرضها في المبحث السابق.

الفصل السادس

مذهب من ردَّ أخبار الآحاد فيما تعمُّ به البلوى

"يُقبل خبرُ الواحد فيما تعُم به البلوى، وبه قال عامَّة الفقهاء والمتكلمين، خلافًا للحنفية، وقال ابن برهان: خلافًا لبعض الحنفية، وقال أبو الخطاب: أكثر الحنفية، وعزاه الجويني إلى أبي حنيفة ورد عليه"[89]، وعزاه الغزالي إلى الكرخي من الحنفية[90]، وحجةُ الحنفية فيما ذهبوا إليه أن ما تَعُم به البلوى، مِن شأنه أن يتكرَّر في الأوقات المختلفة؛ كنقض الوضوء مِن مَس الذكر، ووجوب الغسل من التقاء الختانين، وهذا مما يدعو إلى إلقائه من النبي صلى الله عليه وسلم على عدد التواتر، مبالغة في إشاعته؛ حتى لا تفسد على النَّاس عبادتُهم من حيث لا يشعرون، فحيث لم ينقله إلا واحد، دل ذلك على عدم صحته، فلا يعمل به؛ لعدم ترجُّح الصدق في روايته[91].

وقالوا: إن ما تعُم به البلوى تتوافر الدواعي إلى نقله، فإذا لم ينقله إلا واحد، فإن هذا دليل على كذبه، فهذا دليل على عدم صحة ما رواه[92].

 

وقد تناقض الحنفية هنا؛ فإنهم أوجبوا أحكامًا كثيرةً - هي مما تعم بها البلوى - بأخبار الآحاد؛ كإيجابهم الوضوءَ من الرعاف والقيءِ والقهقهة في الصلاة بأخبار آحاد؛ بل بأخبار ضعيفة في بعض الأحيان[93].

ورُدَّ عليهم أيضًا: بأن النصوص الدالة على وجوب الأخذ بخبر الواحد - مطلقةٌ فيما تعم البلوى به، وفيما لا تعم به، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]، فقد أوجبت الآية الإنذارَ على كل طائفة خرجت للتفقُّه في الدين، وإن كانت آحادًا، مما يدل على عدم صحة ما ذهبوا إليه، من عدم قبول ما عمت به البلوى إن لم يَرْوِه إلا واحدٌ[94].

وإذا رجعنا إلى الصَّحابَة، وجدناهم لا يذهبون مذهب الأحناف فيما ذهبوا إليه، فقد ترك ابن عمر المخابرة بخبر رافع بن خديج، الَّذي حدَّث فيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ورجع الصَّحابَة في عهد عمر بن الخطاب بعد اختلافهم في إيجاب الغسل من التقاء الختانين، وإن لم يكن إنزال - إلى ما روته عائشة: ((إذا قعد بين شُعَبها الأربع، ثم مس الختانُ الختانَ، فقد وجب الغسل))؛ رواه أحمد ومسلم، وفي رواية الترمذي وصححه: ((إذا جاوز الختانُ الختانَ، وجب الغسل))،[95]، ورجع أبو بكر إلى خبر المغيرة بن شعبة في إعطاء الجدة السدسَ من الميراث، والحديث رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي[96]، ولا يلتفت إلى قولهم: إن أبا بكر لم ينفذ الأمر، حتى شهد محمد بن مسلمة بمثل ما ذكره المغيرة؛ لأن خبرهما لم يخرج عن كونه آحادًا، ومن تتبَّع منهج الصَّحابَة في مثل هذا، وجده مطردًا عندهم، فلم يكونوا يردُّون خبر الواحد؛ بزعم أنه مما تعم به البلوى، فلا يُقبل فيه خبر الفرد.

الفصل السابع

مذهب من رد أخبار الآحاد إذا خالف الراوي ما رواه

مذهب الأحناف: تَرْكُ العمل بخبر الآحاد إذا لم يعمل به راويه، يقول صاحب "المنار": "إذا عمل الراوي بخلاف ما رواه، يخرج الحديثُ عن الحجية؛ لأن ترك العمل بالحديث حرام، مثاله حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند الرفع من الركوع، وقد صح عن مجاهد أنه قال: صحبت ابنَ عمر عشر سنين، فلم أره رفع يديه، إلا في تكبيرة الافتتاح، فتركُ العمل به دليل على انتساخه"[97].

 

وينبغي أن يُعلَم: "أن موضع نزاع الأحناف، إذا ثبت عمل الراوي بخلاف ما رواه بعد روايته له، فإن كان العمل بخلافه قبل الرواية، أو لم يعرف التاريخ، فإن الأحناف لا ينازعون في وجوب العمل بالحديث"[98].

وقد رُدَّ عليهم: بأن الراوي يخالف مرويَّه؛ لدليل قام في نفسه، وقد يكون هذا الدليل غيرَ ناهضٍ على التحقيق على رد الحديث الذي رَوَاه، وقد تقرر في علم الأصول: أن المجتهد غير ملزم بتقليد مجتهد آخر[99].

ويقول ابن القيم في رد هذا الذي ذهبوا إليه: "الذي نَدِين الله به، ولا يَسعُنا غيرُه، وهو القصد في هذا الباب -: أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصحَّ عنه حديثٌ آخر ينسخه، أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذُ بحديثه، وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من النَّاس، كائنًا مَن كان، لا روايه، ولا غيره"[100].

وقد بيَّن أن عدم أخذ الراوي بما رواه، عرضةٌ لاحتمالاتٍ كثيرةٍ، يقول: "إذ مِن الممكن أن ينسى الراوي الحديث، أو لا يحضره وقتَ الفُتيَا، أو لا يتفطَّن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأوَّل فيه تأولاً مرجوحًا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضًا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه؛ لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قُدِّر انتفاء ذلك كله، ولا سبيل إلى انتقائه ولا ظنه، لم يكن الراوي معصومًا"[101]، وذكر - رحمه الله تعالى -: أن "الشَّافِعي قدم رواية ابن عباس في شأن بَرِيرَةَ على فتواه التي تخالفها، في كون بيع الأمَةِ طلاقها، وأخذ هو وأحمد وغيرهما بحديث أبي هريرة: ((مَن استقاء فعليه القضاء))، وقد خالفه أبو هريرة، وأفتى بأنه لا قضاء عليه، وأخذوا برواية ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصَّحابَة أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين"، وصح عنه أنه قال: ليس الرمل بسُّنة، وأخذوا برواية عائشة في منع الحائض من الطواف، وقد صح عنها أن امرأة حاضت وهي تطوف معها، فأتمت بها عائشة بقية طوافها... وأخذوا برواية ابن عباس في تقديم الرمي والحَلْق والنحر بعضها على بعض، وأنه لا حرج في ذلك، وقد أفتى ابن عباس أن فيه دمًا، فلم يلتفتوا إلى قوله، وأخذوا بروايته"[102].

وذكر ابن القيم أيضًا: أن الحنفية خالفوا قاعدتَهم هذه في مواضعَ كثيرةٍ، فمن ذلك "أنهم أخذوا بحديث ابن عباس: ((كل الطلاق جائز، إلا طلاق المعتوه))، قالوا: وهذا صريح في طلاق المُكرَه، وقد صح عن ابن عباس: "ليس لمكرهٍ، ولا لمضطهَد طلاقٌ"، وأخذ الحنفية والحنابلة بحديث عليٍّ كرم الله وجهه وابن عباس: ((صلاة الوسطى صلاة العصر))، وقد ثبت عن عليٍّ وابن عباس أنها صلاة الصبح، وأخذ الأئمة الأربعة وغيرهم بخبر عائشة في التحريم بلبن الفحل، وقد صح عنها خلافه، وأنه كان يدخل عليها مَن أرضعتْه بناتُ أخواتها، ولا يدخل عليها مَن أرضعته نساء إخوانها، وأخذت الحنفية برواية عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين"، وصح عنها: أنها أتمت الصلاة في السفر، فلم يَدَعُوا روايتَها لرأيها، واحتجوا بحديث جابر وأبي موسى في الأمر بالوضوء من الضحك في الصلاة، وقد صح عنهما أنهما قالا: لا وضوء من ذلك"[103].

الفصل الثامن

الرادون للحديث بالاستدلال

ينقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ابن عقيل: أن المحققين من العلماء يمنعون مِن رد الأخبار بالاستدلال، ومثَّل له بردِّ خبر القهقهة؛ استدلالاً بفضل الصَّحابَة، المانع من الضحك، وكذلك لو شهدَتْ بيِّنةٌ عادلة على معروف بالخير بإتلاف أو غصب، لم ترد شهادتهم بالاستبعاد، ومثَّل أيضًا لرد الخبر بالاستدلال بردِّ عائشةَ قولَ ابن عباس في الرؤية بقولها: لقد قفَّ شعري، قال: فردَّتْ خبرَه بالاستدلال، فلم يعوِّل أهل التحقيق على ردِّها، وقد عقَّب شيخ الإسلام على ذلك قائلاً: "ردُّ الأخبار بالاستدلال لا يَجُوز؛ لأن السند يأتي بالعجائب، وهي من أكثر الدلائل لإثبات الأحكام"[104].

الفصل التاسع

الرادون لأخبار الآحاد بعمل أهل المدينة

احتدم الجدال بين الإمام مالك رحمه الله وكثير من العلماء في عمل أهل المدينة: هل هو حجة ودليل؟ ولا شك في رجحان مذهبه في أن عملهم حجة فيما كان سبيله النقل، إذا لم يخالف نصًّا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكثير من العلماء يوافقونهم على مذهبهم، إذا كان العمل جاريًا قبل وقوع الفتنة، التي أدَّت إلى الفرقة ومقتل عثمان رضي الله عنه والنزاع بين الإمام مالك وكثير من أتباعه، وبين غيره من العلماء - قويٌّ في أمرين:

الأول: عمل أهل المدينة إذا خالفهم غيرهم، فيما كان سبيله الاجتهاد.

الثاني: تقديم عمل أهل المدينة المجمع عليه على أخبار الآحاد الصحيحة، وهذا هو الموضوع المقصود بالبحث في مسألتنا هذه.

 

ووجهة نظر الإمام مالك: أن عمل أهل المدينة بمنزلة روايتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواية جماعة عن جماعة أولى بالتقديم من رواية فرد عن فرد، ثم إن أهل المدينة أدرَى بالسنة، والنَّاسخ والمنسوخ، وقد نقل الإمام مالك إجماعَ أهل المدينة في "موطَّئه" على نيِّف وأربعين مسألة[105].

 

وفي الرَّد على الإمام مالك وأصحابه، نخالفه في أن عمل أهل المدينة بمنزلة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم دائمًا، فقد يكون عملهم مبنيًّا على اجتهاد علمائهم مما يخالفهم فيه غيرهم، وإذا كان عملهم الذي أجمعوا عليه قائمًا على اجتهاد علمائهم، فإن العصمة لم تُضمَن لاجتهادهم، كما يقول ابن القيم[106]، وبالتالي لا يجوز معارضةُ خبر الرسول صلى الله عليه وسلم الثابت بالسَّنَد الصحيح، بما يسمَّى بعمل أهل المدينة، في هذه الحال، وأما إذا كان عمل أهل المدينة مبنيًّا على النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نخالفُه في إمكان وقوع مثل هذه المسألة؛ أي أن يخالف عملُ أهل المدينة المجمَع عليه، الذي سبيله النقل، حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح، يقول العلامة ابن القيم: "من المحال عادةً أن يجمعوا على شيءٍ، نقلاً أو عملاً، متَّصلاً من عندهم إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتكون السنة الصحيحة الثابتة قد خالفتْه، هذا من أبْيَن الباطل"[107].

ومن هنا نازع ابن القيم في أن عمل أهل المدينة كان مجمعًا عليه، في بطلان خيار المجلس، كما نازع في أنهم أجمعوا على الاكتفاء بالتسليمة الواحدة في الصلاة، وفي القنوت في الفجر قبل الركوع[108].

 

وقد أحسن ابن القيم في هذه المسألة، حيث يقول: "ولو تُركت السُّنن للعمل، لتعطَّلت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرسَتْ رسومُها، وعفت آثارُها، وكم مِن عمل قد اطرد بخلاف السنة الصريحة على تقادُم الزمان وإلى الآن، وكل وقت تترك سنة ويعمل بخلافها، ويستمر عليها العمل، فتجد يسيرًا من السنة معمولاً به على نوع تقصيرٍ، وخذ بلا حساب ما شاء الله مِن سنن قد أُهملت، وعطل العمل بها جملة، فلو عمل بها مَن يعرفها لقال النَّاس: تركت السنة، فقد تقرر أن كل عمل خالف السنة لم يقع من طريق النقل ألبتة، وإنما يقع من طريق الاجتهاد، والاجتهاد إذا خالف السنة كان مردودًا، وكل عمل طريقه النقل فإنه لا يخالف سنة صحيحة ألبتة"[109].

الفصل العاشر

الرادون لأخبار الآحاد في الحدود

اتفقت الشَّافعية والحنابلة، وأبو يوسف وأبو بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة، وأكثر النَّاس على: قبول خبر الواحد فيما يوجب الحدَّ، وفي كل ما يسقط بالشبهة، خلافًا لأبي عبدالله البصري[110]، والكرخي[111]، ووجهُ قول مَن ردَّه في الحدود: أن خبر الواحد في اتصاله بالرسول صلى الله عليه وسلم شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، ويُرَدُّ عليهم: أن الحدود تثبت بالشهادة، وفي ثبوته بالشهادة شبهة، وقد قال أبو يوسف القاضي في "الأمالي": "يجوز إثبات الحدود بخبر الواحد، ولا يلتفت إلى احتمال الكذب فيها"[112].

الفصل الحادي عشر

الرادون لأخبار الآحاد بدعوى أنها زيادة على النص القرآني

ردَّ بعض أهل العلم أخبارَ الآحاد، إذا كان الخبر يتضمَّن حكمًا زائدًا على نصِّ الكتاب، وقد ذكر ابن تيمية اختلاف العلماء في هذه المسألة، فقال: "الزيادة على النص ليست نسخًا عند أصحابنا والمالكية والشَّافِعية، والجبائي وابنه أبي هاشم، وقالت الحنفية - منهم الكرخي، وأبو عبدالله البصري وغيرهما -: هي نسخ، وقالت الأشعرية، وابن نصر المالكي، والباجي متابعةً منهم لابن الباقلاني: إن غيَّرت حكمَ المزيد عليه - كجعل الصلاة ذات الركعتين أربعًا - فهو نسخ، وإن لم تغيِّره - كزيادة عدد الجلد، وإضافة الرَّجم إلى الجلد - فليس بنسخ، ولم يَحكِ أبو الطيب هذا القولَ إلا عن أبي بكر الأشعري؛ يعني: ابن الباقلاني، وحكى ابن برهان هذا عن عبدالجبار بن أحمد، وحكى مذهبًا آخر"[113].

وقد شنَّ ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين" الغارةَ على الذين ردُّوا الأحاديث الصحيحة؛ بدعوى أنها ناسخة للقرآن، إذا أثبتت حكمًا زائدًا على الكتاب، وقد ردَّ قولَهم من واحد وخمسين وجهًا[114]، ويمكننا أن نلخص أهمها، ونجمع بعضها إلى بعض:

الأول: أن ردَّ هذه النصوص بمثل هذه الدعوى، داخل في الخبر الذي ذمَّ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مَن رد سنَّته، ففي الحديث: ((ألا إني أوتيت القرآنَ ومثلَه معه، ألا يوشك رجلٌ شبعانُ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه، ألاَ لا يحل لكم الحمارُ الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد))؛ قال الترمذي: حديث حسن، وقال البيهقي: إسناده صحيح.

 

الثاني: ننازعهم في جعل الزيادةِ نسخًا للقرآن، وقد سبق ابنَ القيم شيخُه إلى هذا، وقد أطال التحقيقَ في هذه المسألة، والذي حققه: أن الزيادة على النص نسخٌ، إذا رفعت موجب الاستصحاب، أو المفهوم الذي لم يثبت حكمه، وفي نهاية كلامه قال: "الصواب ما أطلقه الأصحاب، من أن الزيادة على النص ليست نسخًا بحال، والقول فيها كتخصيص العموم وتقييد المطلق سواء"[115].

والذي حققه ابن القيم: أن تسمية الزيادة المذكورة نسخًا، إنما هو اصطلاح خاص بالأحناف، لا يوافقهم عليه غيرُهم من العلماء[116].

 

الثالث: أن تخصيص القرآن بالسُّنة جائزٌ، ولا فرق بين التخصيص وقبول الزيادة على النص القرآني.

 

الرابع: أن أصحاب هذا المذهب أجازوا الزيادة على النص القرآني بالقياس، والسنة أقوى من القياس، فالقبول بما زادته السنة من باب أولى.

 

الخامس: تناقض أصحاب هذا المذهب؛ فمرة يردُّون الأحاديث الصحيحة بدعوى أنها زائدة على القرآن، ومرة يَقبلونها، ومرة يردُّون النصوص الصحيحة، ومرة يَقبلون أحاديثَ ضعيفةً واهية.


فقد ردُّوا النصوص الصحيحة الثابتة؛ بدعوى أنها أحاديثُ آحادٍ مثل: الحديث الذي يثبت التغريب للزاني لمدة عام، علاوة على جلدِهِ مائةَ جلدةٍ، وحديثِ القضاء بالشاهد واليمين، وحديث المسح على العمامة، وحديث أنه لا يُحرِّم أقل من خمس رضَعات، وردِّهم اشتراطَ المُحرِم أن يحل حيث حُبِس، وردهم حديثَ مَن مس ذكره فليتوضأ، وحديث الوضوء من أكل لحوم الإبل، وغيرها كثير.

ولكنهم أخذوا بنصوص أثبتَتْ حكمًا زائدًا على القرآن، فمِن ذلك أنهم قالوا: لا مَهرَ أقل من عشرة دراهمَ، والقرآن أباح استحلال البضع بكل ما يسمى مالاً، وأوجبوا الطهارة بالطواف، والقرآن أمرَ بالطواف ولم يأمر بالطهارة، وقبلوا شهادة المرأة الواحدة على الرضاع والولادة وعيوب النساء، وأوجبوا المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة، مع أن القرآن لم يأمر به، بينما يرفضون إيجابهما في الوضوء، وأثبتوا المسح على الخفين، وليس في القرآن.

 

والذي أوقعهم في هذا التناقض هو التقليد، كما يقوله ابن القيم، اسمع إليه وهو يقول: "فمِن العجب، إذا قال مَن قلَّدتموه قولاً زائدًا على ما في القرآن، قَبِلتموه، وقلتم: ما قاله إلا بدليل، وسهل عليكم مخالفةُ ظاهر القرآن، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً زائدًا على ما في القرآن، قلتم: هذه زيادة على النص، وهو نسخ، والقرآن لا يُنسَخ بالسنة، فلم تأخذوا به، واستصعبتم خلاف ظاهر القرآن، فهان خلافه إذا وافق قول مَن قلدتموه، وصعب خلافه إذا وافق قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم"[117].


• • •


المراجع

1- "الإحكام في أصول الأحكام"، لابن حزم، نشر: دار الفكر للطباعة والنشر، 1401هـ - 1981م.

2- "الإحكام في أصول الأحكام"، للآمدي، مطبعة المعارف، القاهرة، 1332هـ - 1914 م.

3- "اختلاف الحديث"، للشافعي، مطبوع على هامش كتاب "الأم"، طبعة كتاب الشعب، القاهرة.

4- "إرشاد الفحول"، للشوكاني، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، الأولى، 1356 هـ - 1937م.

5- "الإسلام عقيدة وشريعة"، طبعة دار الشروق، بيروت.

6- "أصل الاعتقاد"، للمؤلف، طبعة المكتبة السلفية، الكويت.

7- "أصول الفقه"، لمحمد أبي النور زهير، طبعة دار الاتحاد العربي، القاهرة.

8- "أضواء على السنة المحمدية"، لأبي رية، مطبعة دار التأليف، القاهرة، الأولى، 1377 هـ - 1958م.

9- "إعلام الموقعين"، لابن القيم، طبعة دار الكتب الحديثة.

10- "الأم"، للشافعي، طبعة كتاب الشعب، القاهرة.

11- "جامع الأصول"، لابن الأثير، تحقيق عبدالقادر الأرناؤوط، اشترك في نشره مكتبة الحلواني، ومطبعة الملاح، ومكتبة دار البيان، 1389 هـ - 1969م.

12- "حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع للسبكي"، طبعة دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.

13- "دفاع عن الحديث النبوي"، لجماعة من العلماء، جمع أبحاثهم ونشرها: زكريا على يوسف، طبعة مكتبة المثنى، القاهرة.

14- "الرسالة"، للشافعي، تحقيق محمد أحمد شاكر، طبعة دار الفكر.

15- "السنة ومكانتها"، لعباس متولي حمادة، طبعة الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة.

16- "شرح جمع الجوامع"، للجلال المحلِّي، طبعة دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.

17- "شرح المنار"، لعز الدين عبداللطيف، المطبعة العثمانية، 1315هـ.

18- "شرح النووي على مسلم"، المطبعة المصرية ومكتبتها، القاهرة.

19- "صحيح البخاري، متن فتح الباري"، طبعة المطبعة السلفية، القاهرة.

20- "صحيح مسلم، متن شرح النووي"، طبعة المطبعة المصرية، القاهرة.

21- "علوم الحديث"، لصبحي الصالح، طبعة دار العلم للملايين، بيروت، الثالثة.

22- "فتح الباري"، لابن حجر، طبعة المطبعة السلفية، القاهرة.

23- "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي"، للحجوي، طبعة المكتبة العلمية، المدينة المنورة، 1397 هـ - 1977م.

24- "قواعد التحديث"، لجمال الدين القاسمي، نشر دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.

25- "لوامع الأنوار البهية"، للسفاريني، طبعة قطر، الطبعة الأولى.

26- "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"، جمع ابن قاسم، طبع دولة المملكة العربية السعودية.

27- "المستصفى"، للغزالي، طبعة مكتبة الجندي، القاهرة.

28- "المسودة في أصول الفقه"، لآل تيمية، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت.

29- "مفتاح الجنة"، للسيوطي، طبعة إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة.

30- "مشكاة المصابيح"، للتبريزي، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت.

31- "منتقى الأخبار"، لمجد الدين عبدالسلام بن عبدالله بن تيمية، طبعة المطبعة السلفية، القاهرة.

32- "الموافقات"، للشاطبي، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح، القاهرة.أيض.

 


[1] "مفتاح الجنة"، ص 48.

[2] راجع كتاب "الأم"، 7/ 250، وانظر: "دفاع عن الحديث النبوي"، ص 101.

[3] كتاب "الأم" للشافعي: 7/ 251، "دفاع عن الحديث النبوي"، ص 1.

[4] "الموافقات"، 3/ 11.

[5] "الموافقات"، 3/ 12.

[6] "الموافقات"، 3/ 13.

[7] "الموافقات"، 3/ 14.

[8] "مفتاح الجنة"، ص2.

[9] "مفتاح الجنة"، ص 3.

[10] "مفتاح الجنة"، ص3.

[11] راجع "دفاع عن الحديث النبوي"، ص 112.

[12] راجع "علوم الحديث"، لصبحي الصالح، ص: 34.

[13] "أضواء على السنة المحمدية"، ص 13.

[14] "أضواء على السنة المحمدية"، لأبي رية، ص 154.

[15] "أضواء على السنة المحمدية"، لأبي رية، ص 148.

[16] "السنة ومكانتها"، لعباس متولي حمادة، ص 9.

[17] "الرسالة"، ص 369.

[18] "المستصفى"، ص 170.

[19] "المسودة"، لآل تيمية، ص 238.

[20] "صحيح مسلم بشرح النووي"، 1/ 131.

[21] "صحيح مسلم بشرح النووي"، 1/ 131.

[22] "مسلم بشرح النووي"، 1/ 130.

[23] "الرسالة"، ص 369 إلى 471.

[24] "الأم"، ج7 ص 254 إلى 262.

[25] مطبوع على حاشية كتاب "الأم"، 7/ 2 - 38.

[26] ورقم هذا الكتاب (95)، انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري"، 13/ 231.

[27] انظر: "صحيح البخاري بشرح فتح الباري"، 13/ 231.

[28] راجع: "المستصفى"، للغزالي: ص 179، و"أصول الفقه"، لمحمد أبي النور زهير، 3/ 138.

[29] أقول: كون الأحاديث تفيد العلم هو الأرجح، كما سيأتي تحقيقه.

[30] انظر: "صحيح البخاري بشرح فتح الباري"، 13/ 231.

[31] "فتح الباري"، 13/ 231.

[32] "صحيح البخاري"، انظره بشرح "فتح الباري"، 13/ 231.

[33] "فتح الباري"، 13/ 234.

[34] "فتح الباري"، 13/ 234.

[35] "صحيح البخاري"، انظر: شرحه "فتح الباري" 13/ 231.

[36] "صحيح البخاري"، انظر شرحه: "فتح الباري"، 13/ 241.

[37] "فتح الباري"، 13/ 241.

[38] "صحيح البخاري"، انظر شرحه: "فتح الباري"، 13/ 231.

[39] "صحيح البخاري"، انظر شرحه: "فتح الباري"، 13/ 231.

[40] "صحيح البخاري"، انظر شرحه: "فتح الباري"، 13/ 232.

[41] "صحيح البخاري"، انظر شرحه: "فتح الباري"، 13/ 232.

[42] ذكر هذه الأحاديث ابن حجر في "الفتح"، 13/ 235.

[43] "فتح الباري"، 13/ 234.

[44] "الرسالة"، ص 453.

[45] "الرسالة"، ص 457.

[46] "المستصفى"، 173.

[47] "شرح صحيح مسلم" للنووي، 1/ 130.

[48] "أصول الفقه"، لبدران أبي العينين، ص 87.

[49] "الإسلام عقيدة وشريعة"، للشيخ شلتوت، ص 74 - 76.

[50] "المسودة"، لآل تيمية، ص 242.

[51] "عقائد السلف"، ص 86.

[52] "المسودة"، لآل تيمية، ص 242، و"الصواعق المرسلة"، لابن القيم (2/ 274)، و"لوامع الأنوار البهية"، للسفاريني، 1/ 18، و"الإحكام في أصول الأحكام"، لابن حزم، 1 / 107، و"إرشاد الفحول"، للشوكاني، ص 47، و"حاشية البناني على شرح الجلال المحلِّي على متن جمع الجوامع"، 3/ 130.

[53] "الصواعق المرسلة"، 2/ 476.

[54] "الرسالة"، ص 401 - 451.

[55] راجع: "الصواعق المرسلة"، 2/ 275، و"الإحكام في أصول الأحكام"، 1/ 107، و"المسودة"، ص 243.

[56] "الإحكام في أصول الأحكام"، 1/ 107.

[57] "التقييد والإيضاح"، ص 41.

[58] "مختصر علوم الحديث"، لابن كثير، ص 35.

[59] "تدريب الراوي"، للسيوطي، 1/ 134.

[60] "قواعد التحديث"، لجمال الدين القاسمي، ص 85.

[61] "شرح النخبة"، لابن حجر، ص 6.

[62] "مجموع الفتاوى"، 18/ 16، 40.

[63] وراجع: 18/ 48، 70.

[64] "شرح النخبة"، ص 7، و"الإحكام"، لابن حزم، 1/ 107، و"التقييد والإيضاح"، ص 41.

[65] "قواعد التحديث"، ص 85.

[66] "الصواعق المرسلة"، 2/ 474.

[67] "الصواعق المرسلة"، 2/ 482.

[68] "إعلام الموقعين"، 2/ 341.

[69] "إعلام الموقعين"، 1/ 31.

[70] "إعلام الموقعين"، 1/ 81.

[71] "الرسالة"، للشافعي، ص 59.

[72] موضع بناحية الطائف.

[73] "إعلام الموقعين"، 1/ 23.

[74] "إعلام الموقعين"، 1/ 32، 81.

[75] "الميزان"، ص 20 وانظر: "قواعد التحديث"، لجمال الدين القاسمي، ص 90.

[76] "الإحكام في أصول الأحكام"، للآمدي، 1/ 295.

[77] "شرح المنار"، لعز الدين عبداللطيف بن عبدالعزيز بن عبدالملك، ص 623.

[78] "شرح المنار"، ص 623، وانظر: "الإحكام"، للآمدي، 1/ 296.

[79] "الإحكام"، للآمدي، 1/ 296.

[80] "إعلام الموقعين"، 1/ 391، 431.

[81] "إعلام الموقعين"، 1/ 432.

[82] "إعلام الموقعين"، 1/ 432.

[83] "إعلام الموقعين"، 1/ 440

[84] "إعلام الموقعين"، 1/ 144.

[85] "إعلام الموقعين"، 1/ 445 - 480.

[86] "إعلام الموقعين"، 2/ 341 - 407.

[87] "أصول الفقه"، لمحمد أبي النور زهير، 3/ 147.

[88] "شرح المنار"، ص 625.

[89] "المسودة في أصول الفقه"، ص 238.

[90] "المستصفى"، ص 197، وانظر: "الأحكام"، للآمدي، 1/ 290.

[91] "أصول الفقه"، لمحمد أبي النور زهير: 3/ 160.

[92] "أصول الفقه"، لمحمد أبي النور زهير: 3/ 160.

[93] انظر: "المستصفى"، ص 198.

[94] راجع: "الإحكام"، للآمدي، 1/ 290.

[95] انظر: "منتقى الأخبار"، ص 62.

[96] "منتقى الأخبار"، ص 517.

[97] "شرح المنار"، ص 663.

[98] "شرح المنار"، ص 662.

[99] انظر: "شرح جمع الجوامع"، 2/ 135.

[100] "إعلام الموقعين"، 3/ 51.

[101] "إعلام الموقعين"، 1/ 51.

[102] "إعلام الموقعين"، 1/ 48.

[103] "إعلام الموقعين"، 3/ 48

[104] "المسودة"، لآل تيمية، ص 238.

[105] "الفكر السامي"، 1/ 388.

[106] "إعلام الموقعين"، 2/ 423.

[107] "إعلام الموقعين"، 2/ 423.

[108] راجع: "الإعلام"، 2/ 423، فقد مثل بأمثلة كثيرة غير هذه.

[109] "إعلام الموقعين"، 2/ 425.

[110] هكذا قال الآمدي؛ أبو عبدالله البصري، ولعل الصواب: أبو الحسين البصري المعتزلي، صاحب كتاب "المعتمد في أصول الفقه"؛ فهو الذي ينكر خبر الواحد في الحدود.

[111] "الإحكام في أصول الأحكام"، للآمدي، 1/ 294.

[112] "شرح المنار"، ص 49، وانظر: "الإحكام"، للآمدي، 1/ 294، و"شرح الجلال على متن جمع الجوامع"، 2/ 133.

[113] "المسودة"، ص 208.

[114] "إعلام الموقعين"، 2/ 313 - 340.

[115] "المسودة"، ص 210.

[116] "إعلام الموقعين"، 325.

[117] "إعلام الموقعين"، 2/ 335.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحديث النبوي والقرآن الكريم
  • الاحتجاج بالسنة ( وجوب إنشاء مدرسة للتخصص في الحديث )
  • الاحتجاج بالسنة

مختارات من الشبكة

  • أضواء على مذاهب الذين رفضوا الاحتجاج بالسنة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نقطة ضوء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أضواء على المذاهب الهدامة (الماسونية)(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • أضواء على المذاهب الهدامة (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • كتاب: أهداف ذو الحجة من أضواء السنة النبوية وعلى النبي أفضل الصلاة والسلام (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة (PDF)(كتاب - موقع الشيخ علي بن محمد العمران)
  • أضواء على انتفاضة الموصل المنسية سنة 1839 م(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أضواء حول سورة "ق" (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة العاشرة: أضواء على المنهج العقدي في وصايا لقمان)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • تخريج حديث: فمن كان سائلا عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا وضوؤه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب