• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة / في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
علامة باركود

رحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

رحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف
د. محمد جمعة الحلبوسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/1/2012 ميلادي - 28/2/1433 هجري

الزيارات: 396748

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

 

يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الممتحنة: 6].

 

أيُّها المسلم الكريم:

نقف اليوم مع ذِكْرى عظيمةٍ في معانيها وإرشاداتها، مع ذكرى تُعلِّم المسلمَ الصبر والثبات على المبدأ والعقيدة، ذكرى تلقِّن المسلم في كل زمان ومكانٍ، كيف يتربَّى على تحمُّل المصائب والشدائد في سبيل نصرة دين الله ربِّ العالمين، مع ذكرى مليئةٍ بالعِبَر والعظات والدروس، هذه الذكرى سبقَتْ حادثة الإسراء والمعراج، هذه الذكرى هي رحلة مربِّي العالَم، رحلة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الطائف، تلك الرحلة التي قام بها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعد أن أدرك وعَلِم أنَّه لا مقام له بمكة بعد موت عمِّه أبي طالب، وزوجته السيدة خديجة - رضي الله عنها - وكثرة إيذاء المشركين له، فلقد أسرفوا في إيذائه إسرافًا بعيدًا عن الكرامة والإنسانية.

 

فقد كان النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يمرُّ في السوق، فيَنْثرون على رأسه التُّراب، فيذهب الصابر المحتسب إلى بيته فتغسله السيدة فاطمة، ويدور الحوار التالي بينه وبينها، وعمرها آنذاك ثلاث عشرة سنة، تسأله السيدة فاطمة وهي تبكي: ما هذا الذي أرى يا أبتاه؟ وتمرح الابتسامة النبويَّةُ على شفتيه صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يقول لها: ((لا تَبْكي يا بُنيَّة، إنَّ الله مانِعٌ أباك))، نعَم هذا هو نداء الحقِّ الذي لا يتزعزع، هذا هو الثَّبات على المبدأ والعقيدة.

 

وتظَلُّ السيِّدة فاطمة تبكي، وتقول له: وهل يَبقى هذا يتبعك يا أبتاه؟ فيردُّ عليها النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((سأغادر مكَّة يا فاطمة))، إلى أين يا أبتَاه؟ ((إلى مكانٍ يُسمَع فيه صوت الحق، ويعينني على أعدائي))، حتَّى إنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم صوَّرَ هذه الحقيقة بقوله: ((ما نالت منِّي قريشٌ شيئًا أكرهه حتَّى مات أبو طالب)).

 

فقرَّر النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يَخرج بالدَّعوة من مكة إلى الطائف؛ لعلَّه يجد بينهم من يؤمن بهذه الرِّسالة الخالدة، ويطلب النُّصرة والعونَ من أهلها، ويَرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عندِ الله تعالى.

 

ولكن أيُّها المسلم: كيف وصل النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الطائف؟ كيف استطاعَ أن يقطع كلَّ هذه المسافة؟ أو هل سار على الأقل على بعيرٍ أصيل؟ لا، لا أيُّها المسلم، إنَّما سار إلى الطائف على قدمَيْه الشريفتين، وتصوَّروا المشقة التي لاقَتْ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الرحلة من مكة إلى الطائف، والطائف تبعد عن مكةَ المكرَّمةِ حوالي أكثر من خمسة وثمانين كيلو مترًا، وكل هذه المتاعب والمِحَن والشدائد من أجل ماذا؟ هل من أجل الحصول على الجاه؟ هل من أجل الحصول على المنصب؟ هل من أجل الحصول على المال؟ هل من أجل الحصول على الملذَّات والشهوات؟ هل من أجل الحصول على الشُّهرة؟ لا، بل من أجل أن يُخرِج النَّاس من الظلمات إلى النور، ومن أجل الدِّين والعقيدة.

 

وفي الطَّائف التي وصَلَها صلَّى الله عليه وسلَّم بعد جهدٍ طويل يتعرَّض لبلاءٍ أكبر، لقد التقى بنفَرٍ من سادة ثقيف، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى الدين الجديد، وعرض عليهم المهمَّة التي جاء من أجلها، وطلب منهم السَّند والعون.

 

ولكن أهل الطائف لَم يكونوا أشرفَ مِن سادة قريش؛ فقد ردُّوه ردًّا عنيفًا، وكيف تقبل ثقيف دعوته، وعندهم صنَمُهم المعبود المقدَّس (اللات)، الذي تزوره العرَبُ أيام الصيف الحارِّ في الطائف فتستفيد ثقيف منهم؟ أمَّا لو دخَلوا في دين الإسلام، فلن يَزورهم أحد، وسيُحرَمون من الأرباح الطائلة، فكيف تقبل ثقيف دعوتَه؟ كيف يَقْبلون دعوته وهو يدعوهم إلى مبدأ المُساواة بين العبيد والسَّادة، وإزالة تجارة الرِّبا؟ أهل الطائف عرفوا أن دين الإسلام سيَضرب مصالحهم الماديَّة؛ لذلك ردُّوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ردًّا عنيفًا.

 

وتأمَّلْ معي كم من المسلمين اليوم مَن يُفكِّر كتفكير أهل الطائف، بعضهم يجلس ويحدِّث الناس عن أخلاق الإسلام وعن الحلال والحرام، ويُردِّد العبارة المنتشرة بين الناس، وهي (عز الله الشرع)، ولكن (عز الله الشرع) إذا كان الشَّرع لا يَضْرب مصالِحَه، (عز الله الشرع) إذا كان الشرع يجعلني ألبس وأركَب وآكُل وأبني، (عزَّ الله الشرع) إذا كان الشرع مع ما أريد، (عز الله الشرع) إذا كان الشرعُ لا يضرُّني، ولكن يَضرب بالشرع عُرْض الحائط إذا تعارض مع مصالحه، وإذا هدَّد مستقبله، ويحرمه من الدولارات والقصور والمقاولات، نعم عندنا الكثير مَن يفكِّرون كتفكير أهل الطائف.

 

فردوا عليه ردًّا منكَرًا، وسَخِروا منه واستهزؤوا به؛ قال له أحدهم: هو يَمْرُط (أي: أُمَزِّق) ثيابَ الكعبة إنْ كان الله أرسلَك، وقال الآخَر: أمَا وجَدَ الله أحدًا يرسله غيرك؟ وقال الثَّالث: والله لا أكلِّمك أبدًا، لئن كنتَ رسولاً من الله كما تقول لأنتَ أعظمُ خطرًا من أن أردَّ عليك الكلام، ولئن كنتَ تكذب على الله (وحاشا رسول الله من الكذب وهو الصادق الأمين) ما ينبغي لي أن أكلِّمك!

 

وتأمَّلوا وتصوَّروا هذه الأحداث، وخُذوا الدرس والعبرة منها؛ رجلٌ غريبٌ وحيد، بعيدٌ عن أهله وعشيرته ووطنِه، يُصنَع به كل هذا، ماذا يكون موقفه؟ وكيف تكون حالته؟ ولكن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم لَم يترك دعوته، بل مكث عشرة أيَّام في الطائف يتردَّدُ على مَنازلِهم، يدعوهم إلى دين التوحيد، ولكن دون فائدة.

لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا ♦♦♦ وَلَكِنْ لاَ حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي

 

فلمَّا رأى منهم الاستهزاء والسبَّ والشَّتْم والطَّرد، طلب منهم أن لا تُخْبِروا أهل مكَّة بمجيئه إليهم، ولكن أهل الطائف تخلَّوا عن أبسط مظاهر الخُلق العربي، وهو إكرام الضَّيف الغريب، كانوا أشدَّ خِسَّةً ودناءة مما توقَّعه النبيُّ - عليه الصَّلاة والسَّلام - أتدري ماذا فَعَل سادة ثقيف؟ لقد أرسلوا رسولَهم إلى مكَّة؛ لِيُخبر طواغيتها وشياطينها بما حصل لِمُحمَّد في الطائف، ولَم يكتفوا بهذا، بل تخلَّوا عن أخلاق العرب كلها، فسلَّطوا عليه الصِّبيان والعبيد والسُّفهاء، ووقفوا صفَّيْن، وأخذوا يرمونه بالحجارة، ويسخرون منه، ويسبُّونه بأقبح السباب والشتائم.

 

حتَّى إنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم كان لا يرفع قدَمًا، ولا يضعها، إلاَّ على الحجارة، وسالت الدِّماء من قدَميْه الشريفتين، وشجَّ رأس سيدنا زيد بن حارثة - رضي الله عنه - الذي حاول الدِّفاع عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وألْجأ السُّفهاءُ والصبيانُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بستانٍ لعُتبة وشيبة ابنَيْ ربيعة، ولم يَجِد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعدما جلس والدماء تَنْزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين، إلاَّ أن يتوجه إلى ربِّه، وراح النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتذكر أصحابَه الذين يُجلَدون ويُعذَّبون في مكة، وتذكَّر خديجة، وتذكَّر أبا طالب، فلم يجد بُدًّا من أن يرفع هذه الشَّكوى إلى الله.

 

ولكن يا ترى بِم سيدعو النبِيُّ على الطائف؟ على الذين طاردوه وسبُّوه، وأدمَوْا قدميه بالحجارة؟ لنستمع سويًّا إلى دعاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الذي قال فيه: ((اللَّهمَّ إليك أشكو ضَعْف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على النَّاس، يا أرحم الرَّاحمين، أنتَ ربُّ المستضعفين وأنت ربِّي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجهَّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الَّذي أشرقَتْ له الظُّلمات، وصلحَ عليه أمر الدُّنيا والآخرة مِن أن تُنْزِل بي غضبك، أو يحلَّ عليَّ سخطك، لك العُتْبَى حتَّى ترضى، ولا حول ولا قوَّة إلا بك)).

 

أسَمِعتم إلى دعاء الذي وصَفَه ربُّه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]؟ لَم يطلب من الله أن ينتقم منهم، وأن يسيل دماءهم، وألا يُبقي على أرض الطائف من الكافرين ديَّارًا، بل لَم نسمع كلمة ذمٍّ واحدة على الذين طاردوه وسبُّوه وأدموا قدميه بالحجارة؟ كان كلُّ هَمِّه صلَّى الله عليه وسلَّم في تلك اللَّحظة هو ألا يكون قد غضب الله عليه؟

رِضَاكَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
يَا مَالِكَ النَّفْسِ قَاصِيهَا وَدَانِيهَا
فَلَيْسَ لِلنَّفْسِ آمَالٌ تُحَقِّقُهَا
سِوَى رِضَاكَ فَذَا أَقْصَى أَمَانِيهَا
فَنَظْرَةٌ مِنْكَ يَا سُؤْلِي وَيَا أَمَلِي
خَيْرٌ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

 

فلَمَّا رآه ابْنا رَبيعَةَ؛ عُتْبَةُ وشَيْبَةُ، وكانا من ألَدِّ أعداء الإسلام، ومِمَّن مشَوْا إلى أبي طالب عمِّ النبي من أشراف قريش، يَسألونه أن يكفَّه عنهم، أو يُخلِّي بينه وبينهم، حتى يهلك أحد الفريقين، ولكن في هذا المشهد انقلبت الغريزة الوحشيَّة إلى الشفقة والتراحم.

 

فدَعَوا غلامًا لهما نصرانيًّا، يُقال له: عدَّاسٌ، فقالا له: خُذْ قطفًا من هذا العنب، فضَعْه في هذا الطَّبق، ثُمَّ اذهب به إلى ذلك الرَّجل، فقل له يأكل منه، ففعَلَ عدَّاس ثُمَّ أقبل به، حتَّى وضعه بين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ قال له: كل، فلمَّا وضعَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيه يدَه، قال: ((باسم الله))، ثُمَّ أكل، فنظر عدَّاسٌ في وجهه، ثمَّ قال: والله إنَّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ومِن أهل أيِّ البلاد أنت يا عدَّاس، وما دينك؟)) قال: نصرانيٌّ، وأنا رجلٌ من أهل نِينَوَى، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من قرية الرَّجل الصَّالح يونس بن متَّى))، فقال له عدَّاسٌ: وما يدريك ما يونس بن متَّى؟ فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ذاك أخي، كان نبيًّا وأنا نبيٌّ))، فأكبَّ عدَّاسٌ على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقبِّل رأسه ويديه وقدميه، قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أمَّا غلامك فقد أفسدَه عليك، فلمَّا جاءهما عدَّاسٌ قالا له: ويلك يا عدَّاس! ما لكَ تُقبِّل رأس هذا الرَّجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيِّدي ما في الأرض شيءٌ خيرٌ من هذا، لقد أخبَرَني بأمرٍ ما يعلمه إلاَّ نبيٌّ، قالا له: ويحك يا عدَّاس! لا يَصْرفنَّك عن دينِك؛ فإنَّ دينك خيرٌ من دينه.

 

ويشهد عدَّاس للنبيِّ بالرسالة، ويَدْخل في دين الإسلام، حقًّا: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]!

 

إنَّ في إسلام عَدّاس مواساةً للنبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلَئِن آذاه قومُه، فهذا من العراق من نينوى يقبِّل يديه ورجليه، ويَشهد له بالرسالة ويُسْلِم، وكأنَّه يعتذر عن إيذاء أولئك السُّفهاء، فبعد الصدِّ والإعراض من قومه، يأتي مَن يؤمن به صلَّى الله عليه وسلَّم مِن تلك البلاد البعيدة.

 

ثُم يعود النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى مكَّة بعد أن استَقْبل تلك المِحَن راضِيًا، وتجرَّع الشدائد صابرًا محتسِبًا، وعن عائشة - رضي الله عنها - أنَّها قالت للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحُدٍ؟ قال: ((لقَد لقيتُ من قومِك، وكان أشدَّ ما لقيتُ منهم يوم العقبة، إذْ عرَضْتُ نفسي على ابن عبد ياليلَ بن عبد كلالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفق إلاَّ وأنا بقرن الثَّعالب، فرفعتُ رأسي، وإذا أنا بسحابةٍ قد أظلَّتْني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل - عليه السَّلام - فناداني، فقال: إنَّ الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملكُ الجبال، فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد، إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَكُ الجبال، وقد بعثني ربِّي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؛ إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبَيْن))، فقال النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بل أرجو أن يُخْرِج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئًا))؛ متفقٌ عليه.

 

والله! لو كان رسول الله ممن ينتقم لذاته، وممن ينتقم لِقَطرات دمٍ نزفت منه، ومِمَّن ينتقم لمكانته، وممن ينتقم لشخصيته؛ لأمَر ملك الجبال أن يحطم تلك الرُّؤوس، وأن يُهَدهِد تلك الجماجم، ولكنه نَهْر الرحمة، وينبوع الحنان، إنَّه الرحمة المهداة، والنِّعمة المسداة، الذي ما خرج إليهم إلاَّ وهو يعلم يقينًا أنَّ هذه الأصلاب تحمل ربيعًا قادمًا، وتحمل أمَلاً يُشرِق كالفجر، ويتحرَّك كالنَّسيم؛ ولذا قال الحبيب صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ((لا، إنَّما أرجو الله أن يُخرج من أصلابهم مَن يوحِّد الله عزَّ وجلَّ)).

 

إنَّ رحلة الطائف، رغم ما فيها من أحداث مؤلِمة، تركَتْ لنا دروسًا هامَّة، ينبغي على المسلم الوقوفُ معها والعمل بها؛ لِيَسعد في الدُّنيا والآخرة، إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يخاطبكم من خلال رحلة الطائف، ويقول لكم: يا مسلمون:

إن أردتم العون والنَّصر والفرَجَ مِن الله، فسيروا على ما سرتُ عليه، اصبروا على البلاء والمصائب كما صبرتُ في رحلة الطائف، اثبتوا على الطاعة كما ثبَتُّ في رحلة الطائف، تَمسَّكوا بدينكم وعقيدتكم كما تمسَّكت في رحلة الطائف، ضَحُّوا ولو بالشيء القليل كما ضحيت بالغالي والنفيس في رحلة الطائف.

 

فأين المسلم الَّذي يقتدي برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أقول قولي هذا وأستغفر الله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وصف طول النبي صلى الله عليه وسلم
  • واجب الأمة تجاه النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)
  • وقفات مع رحلة النبي صلى الله عليه وسلم للطائف (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الرحلة في طلب العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هولندا: فريق اليقين ينظم رحلة عمرة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • صور مما شاهد النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • رحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحج(محاضرة - ملفات خاصة)
  • تكريم الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - في رحلة الإسراء والمعراج (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رحلة الإسراء ومكانة الحبيب صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إلى السماوات العلى(مقالة - ملفات خاصة)
  • الرحلة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هولندا: مؤسسة السنة تنظم رحلة عمرة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تباعد الأزمنة وتقارب الغايات(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
2- دعاء
youness - Maroc 31-10-2015 07:10 PM

اللَّهمَّ إليك أشكو ضَعْف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على النَّاس، يا أرحم الرَّاحمين، أنتَ ربُّ المستضعفين وأنت ربِّي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجهَّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الَّذي أشرقَتْ له الظُّلمات، وصلحَ عليه أمر الدُّنيا والآخرة مِن أن تُنْزِل بي غضبك، أو يحلَّ عليَّ سخطك، لك العُتْبَى حتَّى ترضى، ولا حول ولا قوَّة إلا بك

1- رحة الرسول إلى الطائف
ماريا - سلطنة عمان 09-11-2013 10:40 AM

شكرا
لكن أنا أريد سنة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب