• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / نوازل فقهية
علامة باركود

بنوك الحلِيب في ضوء الشريعة الإسلامية - دراسة فقهية مقارنة

د. عبدالتواب مصطفى خالد معوض


تاريخ الإضافة: 8/10/2008 ميلادي - 7/10/1429 هجري

الزيارات: 189343

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بنوك الحلِيب في ضوء الشريعة الإسلامية - دراسة فقهية مقارنة

 

مقدمة:

إنَّ الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونصلِّي ونسلم على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين..

فمن فضل الله ورحمته على عباده المؤمنين أن جعل شريعته الخاتمة تقوم على عدَّة خصائص أبرزها: اتصافها بالثبات والمرونة، قادرة على مواكبة الحياة وتطورها؛ لأن حاجات الناس وغاياتهم لا تنتهي، ولا تتوقف، وإنما تتجدَّد وتتغيَّر وتتعدَّد أشكالها وتتباين أوصافها، وشريعتنا الغرَّاء - بثبات أصولها، ومرونة فروعها - قادرة على تلبية احتياجات الناس، ومواكبة كل عصورهم، وفي ذلك دلالة على خلود الشَّريعة، وبقائها صالحة لكل زمان ومكان، غاية ما في الأمر أن يدرك أولو العلم، والراسخون منهم مقاصد الشَّريعة، وما فيها من ضروريات، وحاجيَّات، وتحسينيَّات، وأن يستنبطوا الحكم الشَّرعيَّ في ضوء كتاب ربِّهم وسنَّة نبيهم صلى الله عليه وسلم دون إفراط أو تفريط.

و"بنوك الحلِيب" تكاد تكون من ضروريات الحياة للأطفال الخدج، وهي فكرة مُسْتَحْدَثَة لم تكن معهودة من قبل، ثم أصبحت من قضايا العصر، وقد عقدت لأجلها عدَّة ندوات، وتناولها بعض العلماء دون تفصيل مكتفيًا بإصدار الحكم الشرعي، إمَّا مبيحًا وإما محرمًا، على أن أبرز هذه النَّدوات: النَّدوة العلميَّة بدولة الكويت بتاريخ 11 شعبان الموافق 24 مايو 1983 بعنوان: "الإنجاب في ضوء الإسلام"، قدَّم خلالها الدكتور/ يوسُف القرضاوي بحثًا بعنوان "بنوك الحلِيب" توصَّل من خلاله إلى إباحة مشروعيَّة بنوك الحلِيب، وإباحة ما يترتب على آثارها، أي: إن الارتضاع منها لا يقع به تحريم الزَّواج بين كل فتى وفتاة، وذلك لانتفاء حكم الأمومة المرضعة.

 

وقد انقسم المشاركون في النَّدوة بين مؤيِّد ومعارض، وانتهت النَّدوة بدون إجماع على حكم شرعيٍّ يفيد التحليل أو التَّحريم، ومما زاد الأمر غموضًا صدور عدَّة فتاوى عقب الانتهاء من أعمال المؤتمر من علماء النَّفس والاجتماع، وبعض علماء الدِّين تقطع بتحريم الرَّضاع من ألبان البنوك مما يعني إثبات حرمة الرَّضاع بين هؤلاء الأطفال إذا بلغوا عملاً بالحديث الشَّريف، والقاعدة الفقهيَّة المشهورة: ((يَحرُم مِن الرَّضاعِ مَا يَحرُم مِن النَّسَبِ))، وفي مقابل هذه الفتاوى صدرت فتاوى دار الإفتاء المصريَّة، وبعض علماء الدِّين تقطع أو تجزم بعدم التَّحريم من الارتضاع بهذه الألبان، ومن ثَمَّ إباحة الزَّواج، وهكذا أضحت الفتاوى تتوالى عقب هذه النَّدوة، وكلَّما صدرت فتوى نقضت حكم أختها.

 

وقد دفعتني هذه الفتاوى المتناقضة إلى بحث واستقصاء فروع هذه المسألة فقهيًّا، واجتماعيًّا، ونفسيًّا؛ حتى تتَّضح الصورة كاملة من جميع جوانبها قبل إصدار الحكم الشَّرعيِّ؛ لأن "الحكم على الشَّيء فرع عن تَصوُّره" كما يقول العلماء، وتأكيدًا لصِحَّة تطبيق الحكم الشَّرعيِّ الَّذي اختاره الباحث، فقد ذيَّل البحث بمجموعة من الضوابط والقيود والتَّوصيات الَّتي تهدف إلى تقويم فكرة "بنوك الحلِيب" كي تؤدِّي وظيفتَها المرْجوَّة وهدفَها النَّبيل، ولا تكون محلَّ جَدَل بين مؤيِّد ومُعارِض.

خطَّة البَحث:

وتتكوَّن خطَّة البحث من ثلاثة مَباحِث:

المبحث الأول: فكرة "بنوك الحلِيب"، وفوائد الرَّضاعة الطَّبيعيَّة.


وفيه مطلبان:

المطلب الأوَّل: فكرة "بنوك الحلِيب".

المطلب الثَّاني: فوائد الرَّضاعة الطبيعيَّة.

المبحث الثَّاني: مذاهب الفقهاء في عدد الرَّضعات المحرمة.

المبحث الثَّالث: مذاهب الفقهاء في بيان علَّة التَّحريم.

 

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأوَّل: آراء فقهاء المذاهب.

المطلب الثَّاني: آراء الفقهاء المعاصرين.

 

وفيه فرعان:

الفرع الأوَّل: أدلَّة القائلين بالجواز.

الفرع الثَّاني: أدلة القائلين بالمنع.

المطلب الثَّالث: موازنة وترجيح.

المطلب الرَّابع: ضوابط وقيود.

الخاتمة: نتائج الدِّراسَة.

ثبَت المراجع.


وختامًا؛ أسأل الله العليَّ القدير أن يجعل هذا العمل البسيط المتواضع خالصًا لوجه الكريم، إنه نِعْمَ المولى ونِعْم النَّصير.


المبحث الأوَّل

فكرة "بنوك الحلِيب"، وفوائد الرَّضاعة الطبيعيَّة

المطلب الأوَّل: فكرة "بنوك الحلِيب":

نشأت "بنوك الحلِيب" منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا في دول أوربا وأمريكا، وتتلخص الفكرة: "في جمع اللَّبن من أمهات متبرعات، أو بأجر، ويؤخذ هذا اللَّبن بطريقة معقَّمة، ويحفظ في قوارير معقَّمة بعد تعقيمه مرَّة أخرى في بنوك الحلِيب" [1].

فالبنك إذًا يقوم بِجمع لبن الأمَّهات عن طريق التَّبَرُّع، أو البيع ثم تبريده، وحفظه في ثلاجات لمدَّة تصل إلى ثلاثة أشهر، أو تجفيفه، وإعطائه للأطفال المحتاجين للرَّضاعَة الطَّبيعيَّة [2].

وإذا كان الأمر كذلك فإن "أيَّة امرأة مرضع تسهم بالتَّبَرُّع ببعض لبنها لتغذية هذا الصِّنف من الأطفال مأجورة عند الله، ومحمودة عند الناس، بل يجوز أن يشترى ذلك منها إذا لم تَطِب نفسها بالتبرع، كما جاز استئجارها للرضاع كما نص عليه القرآن، وعمل به المسلمون" [3].

ولا ريب كذلك أنَّ المؤسسة الَّتي تقوم بتجميع هذه الألبان وتعقيمها، وحفظها لاستخدامها في تغذية هؤلاء الأطفال في صورة ما يسمى "بنوك الحلِيب" مشكورة مأجورة أيضًا [4].

والخلاصة أنَّ فكرة بنك الحليب في حد ذاتها لا غبار عليها؛ وإنما جوهر الخلاف ومنشؤه فيما يترتب على عملية الارتضاع من لبن البنوك من آثار؛ فقد يحدث أن يتزوج شاب بأخته من الرَّضاع وهو لا يدري أنه رضع معها من هذا اللَّبن المجموع، والأكثر من ذلك أنه لا يدري مَنْ مِنَ النساء شاركت بلبنها في بنك الحليب؛ فتكون أمه من الرضاع، كما تحرم عليه هي وبناتها من النسب ومن الرضاع، كما يحرم عليه أخواتها لأنهن خالاته إلى غير ذلك من فروع أحكام الرَّضاع المبينة من الحديث الشَّريف: ((يَحرُم مِن الرَّضاعِ مَا يَحرُم مِن النَّسَبِ)) [5].

هذا هو جوهر الخلاف بين الفقهاء، فبعضهم يرى في هذه البنوك توافر صفة الأم المرضعة فيحرم لبنها بالرضاع، وبعضهم يرى عدم توافر الأم المرضعة ولا يحرم لبنها بالرَّضاع عند الزَّواج.

المطلب الثَّاني: فوائد الرَّضاعة الطبيعيَّة:

من الأمور المُسَلَّم بها لدى الفقهاء والعلماء - على اختلاف تخصصاتهم - أن الرَّضاعة الطبيعيَّة من لبن الأم أصل الأمومة، ومنشأ الحب والحنان، وأساس التكوين السليم، والنمو الناضج لما في لبن الأم عن عناصر الغذاء الربانية الَّتي وضعت وضعًا محكمًا بتقدير من العزيز العليم والحكيم الخبير، ومن ثم ندب الله تعالى الأم - ولو كانت مطلقة - إلى إرضاع ولدها بعيدًا عن الخلافات الزوجيَّة؛ ليأخذ حقه من هذا اللَّبن الرَّباني حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة.

يقول الشَّهيد سيد قطب: "إن على الوالدة المُطلَّقة واجبًا تجاه طفلها الرَّضيع، واجبًا يفرضه الله عليها، وليتركها فيه لفطرتها، وعاطفتها الَّتي قد تفسدها الخلافات الزوجيَّة، فيقع الغرم على هذا الولد الصغير، والله يفرض للمولود على أمه أن ترضعه حولين كاملين؛ لأنه سبحانه يعلم أن هذه الفترة هي المثلى من جميع الوجوه الصِّحِّيَّة، والنفسيَّة للطِّفل ﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]، وتُثبِت البحوث الصِّحِّيَّة والنفسيَّة اليوم أن فترة عامين ضرورية لينمو الطِّفل نموًّا سليمًا من الوجهتين الصِّحِّيَّة والنفسيَّة" [6].

وقد بيَّن أهل الاختصاص من الأطباء هذه الوجوه الصِّحِّيَّة والنفسيَّة للأمِّ والأسرة والمجتمع، ومما يذكرونه في ذلك ما يلي:

أولاً: بالنسبة للأم:

1- تساعد الرَّضاعة الطبيعيَّة على وقف النزيف بعد الولادة وعودة الرحم إلى حجمه الطبيعي قبل الحمل.

2- تقلِّل الرَّضاعة الطبيعيَّة من مخاطر حدوث سرطان المبيض، والثَّدي لدى الأم.

3- توفر الرَّضاعة الطبيعيَّة للأمِّ الراحة والوقت اللذين تحتاج إليهما لرعاية طفلها ونفسها وأسرتها.

ثانيًا: بالنسبة للطِّفل:

1- لبن الأم يحتوي على كل المغذيات الَّتي يحتاجها الرَّضيع بصورة "دقيقة"، ومناسبة.

2- لبن الأم سهل الهضم.

3- يحمي لبن الأم الطِّفل الرَّضيع من العدوى؛ لاحتوائه على أجسام مضادة للكثير من أنواع العدوى.

4- تساعد الرَّضاعة الطبيعيَّة على نمو الطِّفل العقلي.

5- لبن الأم جاهز للرضاعة دائمًا، ولا يحتاج إلى تحضير، أو تدفئة.

6- لبن الثَّدي نظيف وخال من البكتريا؛ ولهذا فهو لا يسبب المرض للطِّفل.

7- تقي الرَّضاعة الطبيعيَّة من مشاكل الحساسية الَّتي قد تسببها بعض الأطعِمَة.

ثالثًا: كما توجد فوائد نفسيَّة هامَّة للأمِّ والطِّفل على السواء؛ حيث تساعد الرَّضاعة الطبيعيَّة الأم والطِّفل على إقامة علاقة حب وثيقة بينهما؛ مما ينمي شعور الأم العميق بالإشباع العاطفي، ومن نتائج هذا الارتباط بين الأم وطفلها أن بكاءه يقل ويتسارع نموه.

رابعًا: مزايا الرَّضاعة الطبيعيَّة للأسرة:

1- توفير الوقت للأمِّ وذلك لرعاية أسرتها كلها.

2- توفير المال حيث إن تكلفتها أقل كثيرًا جدًّا من التَّغذيَة الصِّناعيَّة؛ فلبن الأم لا يُشترَى بالمال.

3- تقليل تكلفة الرِّعاية الصِّحِّيَّة مثل: تكلفة علاج الأمراض المختلفة الَّتي قد تصيب الرَّضيع، كالإسهال، والأمراض النفسيَّة، وغيرها.

خامسًا: مزايا الرَّضاعة الطبيعيَّة للمجتمع:

1- تقليل تكلفة الرِّعاية الصِّحِّيَّة.

2- تحسُّن صحَّة الطِّفل في المجتمع عامة.

3- تقليل الدَّعم الحكومي للألبان الصِّناعيَّة [7].

وأما الألبان الصِّناعيَّة فهي في الرَّضاع من المرتبة الدُّنيا بعد الرَّضاع الطبيعي؛ فلا يلجأ إليها إلا في حالات محددة ذكرها أهل الاختصاص مثل:

1- حالة وفاة الأم.

2- إصابة الأم ببعض الأمراض مثل السل والإيدز.

3- في حالة الولادة القيصريَّة.

4- في حالة تعاطي الأم لأدوية علاجيَّة تفرز في لبن الأم.

5- ولادة توأم "يحتاج بالطبع إلى لبن تكميلي إلى جانب لبن الأم".

6- حالة الموظفة "تحتاج إلى رضعة، أو رضعتين لطفلها أثناء عملها".

7- حساسية بعض الأطفال من لبن أمهاتهم.

8- اللُّقطاء الذين تعولهم وزارة الشؤون الاجتماعيَّة.


المبحث الثَّاني

مذاهب الفقهاء في عدد الرَّضَعات المحرِّمات

المطلب الأول: مذاهب الفقهاء في الرَّضاع المحرم:

أولاً: مذهب الأحناف:

يرى الأحناف تعليق التَّحريم بالرَّضاع دون تحديد [8]، أي: يستوي في ذلك قليل الرَّضاع وكثيره، ولا عبرة لعدد الرضعات، واحتجوا في ذلك بصريح قوله تعالى: ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ﴾[9]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يَحرُم مِن الرَّضاعِ مَا يَحرُم مِن النَّسَبِ)) [10].

فكلُّ لبن وصل من المرضع إلى جوف الصبِي يثبت به التَّحريم، سواء وصل بالسَّعوط أو الوَجور؛ لأن السَّعوط يصل إلى الدماغ فيتقوى به، والوَجور يصل إلى الجوف فيحصل به إنبات اللحم، وإنشاز العظم، وأما الإقطار في الأذن فلا يوجب الحرمة؛ لأن الظاهر أنه لا يصل إلى الدماغ لضيق ذلك الثقب، وكذلك وصول اللَّبن الحقنة في ظاهر الرواية إلا في رواية عن محمَّد - رحمه الله - الَّذي أثبت الحرمة بحقن اللبن.

وإذا انقضت مدة الرَّضاع لم يتعلق به التَّحريم، واستدلوا في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا رَضَاعَ بَعْدَ الفِصَالِ)) [11].

وبناءً على ذلك لا تثبت الحرمة بإرضاع الكبير، إذ الكبير لا يَترَبَّى به، وأما المدة الَّتي تثبت بها الحرمة فقد اختلف فيها فقهاء المذهب؛ فقد قدرها أبو حنيفة رضي الله عنه بثلاثين شهرًا، وأما أبو يوسُف ومحمَّد - رَحِمهما الله - فقدرا ذلك بحولين، وقدرها زُفَر بثلاث سنين.

ويظهر أثر هذا الاختلاف في المدَّة فيما لو فطم الصَّبيُّ قبل الحولين ثم أرضع في مدة ثلاثين شهرًا عند أبي حنيفة، أو في مدة الحولين عند أبي يوسُف محمَّد، فالظَّاهر من المذاهب أنه تثبت به الحرمة لوجود الإرضاع في المدَّة، فصار الفطام كأن لم يكن.

وإذا نزل للمرأة لبن، وهي بكر لم تتزوَّج وأرضعت شخصًا صغيرًا، فهو رضاع؛ لأن المعنَى الَّذي يثبت به حرمة الرَّضاع شبهة الجزئيَّة بينهما، أي: أصبح الرَّضيع جزءًا وبعضًا من الأم بسبب الرَّضاع، وإذا حلب اللَّبن من ثدي امرأة، ثم ماتت فشربه صبي تثبت به الحرمة، وكذلك لو حلب اللَّبن بعد موتها فأوجر الصبِي تعلَّق به التَّحريم.

وإذا اختلط اللَّبن بغيره فالحكم للغالب عندهم، فإذا جعل اللَّبن في ماء أو دواء فأوجر منه الصبي أو سُعِطَ، فإن كان اللَّبن هو الغالب تثبت به الحرمة، وإن كان الماء أو الدواء غالبًا لا تثبت به الحرمة، ولو صنع لبن امرأة في طعام فأكله صبي، فإن كانت النار قد مست اللَّبن وأنضجت الطعام حتى تغير فليس ذلك برضاع، ولا يثبت به تحريم؛ لأن النار غيرته فانعدم بها معنى التَّغذية باللَّبن وإنبات اللَّحم، وإنشاز العظم، وإن كانت النَّار لم تمسه، فإن كان الطعام هو الغالب لا يثبت به الحرمة، فإذا اختلط اللَّبن بلبن الشاة وهو الغالب تعلق به التَّحريم، وإن غلب لبن الشاة لم يتعلَّق به التَّحريم.

وإذا اختلط لبن امرأتين معًا تعلق التَّحريم بالغالب منهما عند أبي يوسف، وتعلق التَّحريم بهما عند محمَّد وزُفَر.

ويشترط الأحناف في اللَّبن الَّذي يثبت به التَّحريم أن يكون من بنات آدم، فلو أرضع الصبي من بهيمة لم يكن ذلك رضعًا وكان بمنزلة الطعام، ولو نزل للرجل لبن فأرضِعَ به صبيًّا لم يتعلَّق به التَّحريم؛ لأنه لا يتعلَّق به النُّشوء والنمو؛ ولأنه ليس بلبن على التَّحقيق [12].

مذهب المالكيَّة:

يتَّفق المالكيَّة مع الأحناف في أن قليل اللَّبن وكثيره يقع به التَّحريم ما دام قبل الحولين سواء كان الارتضاع بالسَّعُوط، أو الوَجور، وأمَّا الاحتقان باللَّبن إذا كان للغذاء يقع به التَّحريم، وإن لم يكن للغذاء فلا يقع به تحريم، ويقع التَّحريم أيضًا من لبن المرأة البكر، أو الكبيرة، أو المسنَّة، وما يحلب من المرأة قبل أو بعد موتها.

ولا يرى مالك شيئًا في رضاع الكبير؛ أي: لا يقع به تحريم - وهو ما كان بعد الحولين بالشَّهر أو الشَّهرين، واستدلَّ بما روي أنَّ رجلاً جاء إلى عبدالله بن عمر عند دار القضاء يسأل عن رَضاعة الكبير فقال ابن عمر: "جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إنِّي كانت لي جارية وكنت أطؤها، فعمدت امرأتي فأرضعَتْها، قال: فدخلت عليها، فقالت امرأتي: دونك؛ فقد أرضعتها، قال: فقال عمر: أوجعها، وأت جاريتكَ؛ فإنما الرَّضاعة رضاعة الصغير" [13].

وأما مدَّة الرَّضاع فهي حولان وستَّة أشهر، أو شهران، فلو فصلت المرأة وليدها بعد تمام الحولين، فأرضعَته امرأة بيوم أو يومين وما أشبهه مما لم يستغن فيه بالطعام عن الرَّضاع فلا يقع به التَّحريم، أما إذا أقام الرَّضيع بعد الحولين أيَّامًا كثيرة مفطومًا، واستغنى عن اللَّبن وعاش بالطعام والشراب فأخذته امرأة فأرضعته فلا يكون رضاعًا [14].

ولو فَصَلَت الأم وليدها قبل الحولين بأن أرضعت سنة مثلاً، ثم فصلته فأرضعته امرأة أجنبيَّة، وهو فطيم فلا يكون ذلك رضاعًا إذا انقطع رضاعه، واستغنى عن الرَّضاع بلبن أمِّه قبل الفطام [15].

ويقر المالكيَّة بالحكم للغالب حال الخلطة، فلو أن لبنًا صنع فيه طعام حتى غاب اللَّبن في الطعام، أو كان الطعام هو الغالب، أو جعل اللَّبن في دواء حتى غاب اللَّبن فلا يحرم [16].

واللَّبن المحرِّم ما كان من بنات آدم فقط، فلو أن صبيَّين غذِّيا بلبن بهيمة من البهائم، فلا يقع به الحرمة بينهما، ولا يكونا أخوين [17].

وكذلك الرَّجل إذا أرضع صبيَّة، ودر عليها لبنًا لا يحرم، ويكره مالك رضاع النَّصرانيَّات؛ لأنهنَّ يشربن الخمر، ويأكلن الخنزير، ويخشى أن يصل شيء من ذلك إلى الرَّضيع[18].

وقد لخَّص صاحب "مختصر خليل" مذهب المالكيَّة في مسألة الرَّضاع بقوله: "حصول لبن امرأة - وإن ميتة وصغيرة - بوجر، أو سعوط، أو حقنة تكون غِذاء، أو خلط، لا غلب، ولا كماء أصفر، وبهيمة، واكتحال به: محرم إن حصل في الحولين أو بزيادة الشَّهرَين" [19].

مذهب الشَّافعية:

الرَّضاعة المحرِّمة في المذهب الشَّافعي لها أركان ثلاثة:

الرُّكن الأوَّل: المرضعة:

ولها ثلاثة شروط: الشَّرط الأوَّل: كونها امرأة؛ فلبن البهيمة لا يتعلق به تحريم فلو شربه صغيران لم يثبت بينهما أخوة، وكذا لبن الرجل لا يحرم على الصحيح [20].

الشَّرط الثَّاني: كونها حيَّة؛ فلو ارتضع صغير من ميتة، أو حلب منها لم يتعلق به التَّحريم، كما لا يثبت حكم المصاهرة بوطء الميتة، ولو أرضعت امرأة صبيًّا أربع رضعات ثم حلب منها لبن قبل موتها، فأوجره الصبي بعد موتها كان ابنها كما يكون ابنها لو أرضعته خمسًا في الحياة، ولو رضعها الخامسة بعد موتها أو حلب له منها اللَّبن بعد موتها فأوجره لم يحرم؛ لأنه لا يكون للميت فعل له حكم بحال، ولو كانت نائمة فحلبت فأوجره صبي حرم لأن لبن الحية يحل، ولا يحل لبن الميتة [21].

الشَّرط الثَّالث: كونها محتملة للولادة: فلو ظهر لصغيرة دون تسع سنين لبن لم يحرم، وإن كانت تسع سنين حرم، وإن لم يحكم بالبلوغ؛ لأن احتمال البلوغ قائم، والرَّضاع كالنسب فيكفي فيه الاحتمال، ولا فرق في المرضعة بين كونها مزوجة أم لا، ولا بين كونها بكرًا أم لا، وقيل لا يحرم لبن البكر، والصحيح أنه يحرم ونص عليه الشَّافعي[22].

الرُّكن الثَّاني: اللَّبن:

ولا يشترط لثبوت التَّحريم بقاء اللَّبن على هيئته حالة انفصاله عن الثَّدي، فلو تغير بحموضة، أو انعقاد، أو أغلاه، أو صار جبنًا، أو أقطًا، أو زبدًا، أو مخيضًا وأطعم الصبي حرم؛ لوصول اللَّبن إلى الجوف، وحصول التَّغذية به، أمَّا إذا خلط بغيره نظر إن كان اللَّبن غالبًا تعلقت الحرمة بالمخلوط، ويشترط: أن يكون اللَّبن قدرًا يسقى منه الولد خمس رضعات على المذهب [23].

الرُّكن الثَّالث: المحل:

ويقصد به معدة الصبي الحي، وما في معنى المعدة فهذه ثلاثة قيود:

الأول: المعدة:

فالوصول إليها يثبت التَّحريم سواء ارتضع الطِّفل، أو حلب، أو أوجر، أو حلب في أنفه فوصل إلى جوفه ودماغه، حرم على الصحيح من المذهب، ولو أن صبيًّا أطعم لبن امرأة في طعام مرة، وأوجر أخرى، وأسعطه أخرى، وأرضع أخرى، ثم أوجره وأطعم حتى يتم له خمس مرات كان هذا الرَّضاع الَّذي يحرم؛ لأن كل واحدة من هذه تقوم مقام صاحبه، بخلاف إذا ما احتقن به، أو كان في بطنه جراحة فصب فيها فوصل إلى الجوف لم يثبت التَّحريم على الأظهر، ولو ارتضع وتقيَّأ في الحال ثبت التَّحريم على الصحيح [24].

 

الثَّاني: كون الصغير دون الحولين:

فإن بلغ سنتين فلا أثر لارتضاعه ويعتبران بالأهلة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا رَضَاعَ إلاَّ فِي الْحَوْلَيْنِ)) [25]، وفي رواية الترمذي: ((لا يَحرُم مِن الرَّضاعِ إلاَّ ما فَتَقَ الأمعَاءَ في الثدي وكان قبل الطعام)) [26].

 

وبناءً على ذلك إذا كان الرَّضاع في الحولين ثبت التَّحريم، وما بعدهما لا يثبت به تحريم، فلو أرضع المولود أقل من حولين ثم قطع رضاعه، ثم أرضع قبل الحولين، أو كان رضاعه متتابعًا حتى أرضعته امرأة أخرى في الحولين خمس رضعات، ولو توبع رضاعه فلم يفصل ثلاثة أحوال، أو حولين وستة أشهر، أو أقل، أو أكثر، فأرضع بعد الحولين لم يحرم الرَّضاع شيئًا، وكان بمنزلة الطعام أو الشراب، ولو أرضع في الحولين أربع رَضعات وبعد الحولين الخامسة وأكثر لم يحرم [27].

 

الثَّالث: كون الرَّضاعة خمس رضعات:

وهذا هو الصحيح الَّذي نص عليه الشَّافعي، وحجته في ذلك قول عائشة - رضي الله عنها -: "كان فيما أنزل الله تعالى من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن" [28]، وفي رواية: "لا تحرم المصة، ولا المصتان، ولا الرضعة، ولا الرضعتان" [29].

وشرط الرضعات أن يكن متفرقات، والرجوع في الرضعة والرضعتين إلى العُرْف، فمتى تخلل فصل كبير، تعددت الرضعات، فلو رضع ثم قطع إعراضًا واشتغل بشيء آخر ثم عاد وارتضع فهما رضعتان، ولو قطعت المرضعة رضاعة ثم عادت إلى الإرضاع فهما رضعتان على الأصحِّ، كما لو قطع الصبي ولا يحصل التعدد بأن يلفظ الصغير الثَّدي ثم يعود إلى إلقامه في الحال، ولا بأن يتحول من ثدي إلى آخر، أو تحوله المرضعة لنفاد ما في الأوَّل، ولا بأن يلهو من الامتصاص، ولا بأن يتقطع للتنفس، ولا يتخلل النومة الخفيفة، ولا بأن تقوم المرضعة وتشتغل بشغل خفيف ثم تعود إلى الإرضاع فكل ذلك رضعة واحدة.

ولو شكَّ رجل أن تكون امرأة أرضعته خمس رضعات فلا يكون محرمًا لها بالشك، ولو تحققت أنها أرضعته خمسًا، ولكن شكَّت: هل هي أرضعته في الحولين أم بعدها؟ فلا تحريم أيضًا على الرَّاجح [30].

مذهب الحنابلة:

يرى الحنابلة أن الرَّضاع المحرم ما دخل الحلق من اللَّبن، سواء دخل بارتضاع من الثَّدي، أو سعوط محضًا كان أو مشوبًا إذا لم يستهلك [31].

ولا يحرم الرَّضاع إلا بشروط ثلاثة:

أحدها: أن يكون لبن امرأة بكرًا كانت أو ثيبًا في حياتها أو بعد موتها؛ فلو ثاب للرجل لبن فأرضع به طفلاً لم يتعلق به تحريم لأنه لم يخلق لغذاء المولود، فلم يتعلق به تحريم، وكذلك رضاع الطِّفل من لبن الميتة كرَضاعه من لبن الحية لأن اللَّبن لا يموت، وأيضًا لبن البَهيمة لا يثبت به أمومة ولا أخوَّة[32].

 

الثَّاني: أن يكون الرَّضاع في الحولين، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [33].

 

فجعل تمام الرَّضاعة حولين فيدل على أنه لا حكم لما بعدهما، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يحرم من الرَّضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام))[34]، فالاعتبار عند الحنابلة بالعامين لا بالفطام، فلو فطم الحولين، ثم ارتفع فيهما يحصل التَّحريم، ولو لم يفطم حتى تجاوز الحوليْن، ثم ارتَضع بَعدهما قبل الفطام لم يثبت التَّحريم [35].

 

وذهب بعضهم إلى التَّمسُّك بالحولين دون تجاوُز حتى قال الخطاب: "فلو ارتضع بعد الحولين بساعة لم يحرم"[36].

 

الثَّالث: أن يرتضع خمس رضعات فصَاعدًا، وهذا هو الصحيح في مذهبهم، واستدلوا بما رُوِي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات يحرمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك"[37].

 

وفي بعض الروايات عن أحمد أن التَّحريم يثبت بثلاث رضعات فأكثر، وعليه العمل عند أبي عبيد، وأبي ثور، وابن المنذر، وداود الظاهري، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُحرِّم المصَّةُ ولا المصَّتَانِ))[38]، وبما روته أم الفضل بنت الحارث قالت: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحرم الإملاجة، ولا الإملاجتان))[39]؛ لأن ما يعتبر فيه العدد والتكرار يعتبر فيه الثلاث.


والصَّحيح من المذهب خمس رضعات على ما ذكره الإمام إبراهيم المقدسي بقوله: وصريح ما رويناه يخص مفهوم ما رووه، فيجمع بين الأخبار بحملها على الصريح الَّذي رويناه [40].

واشترط الحنابلة أن تكون الرضعات متفرقات، والمرجع في معرفة الرضعة إلى العُرْف؛ لأن الشرع ورد بها، ولم يحدها بزمن ولا مقدار، فدل ذلك على أنه ردهم إلى العرف، فإذا ارتضع الصبي، وقطع قطعًا بينًا باختياره كان ذلك رضعة، فإذا عاد كانت رضعة أخرى، فأما إذا قطع لضيق نفس، أو للانتقال من ثدي إلى ثدي، أو لشيء يلهيه، أو قطعت عليه المرضعة نظرنا فإن لم يَعد قريبًا فهي رضعة، وإن عاد في الحال ففيه وجهان [41].

ولو حلبت الأم اللَّبن في إناء دفعة واحدة، ثم سقته غلامًا في خمس فهو خمس رضعات، كما لو أكل من طعام خمس أكلات متفرقات، وإذا حلبت في إناء حلبات في خمسة سقته دفعة واحدة كان ذلك رضعة واحدة، كما لو جعل الطعام في إناء واحد في خمسة، ثم أكله دفعة واحدة كان أكلة واحدة، فأما إن سقته اللَّبن المجموع جرعة بعد جرعة متتابعة فظاهر قول الخِرَقِي أنه رضعة واحدة لا اعتبار خمس رضعات؛ لأن المرجع في الرضعة إلى العرف؛ وهم لا يعدون هذا رضعات [42].

وأما الرَّضاع بالحقنة فقد ذهب أبو الخطاب إلى القول بعدم التَّحريم بها، وهو المنصوص عند أحمد؛ لأن هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذي فلم ينشر الحرمة كما لو قطر في إحليله ولأنه ليس برضاع، ولا في معناه فلم يجز إثبات حكمه فيه [43].

وأما حكم اللَّبن المختلط بغيره، أي: المشوب، فقد ذهب بعض الحنابلة إلى حكم التَّحريم به مطلقًا، سواء شوب بطعام، أو شراب، أو غيره، وقال أبو بكر: قياس قول أحمد أنه لا يحرم لأنه وجور، وحكي عن ابن حامد أنه قال: إن كان الغالب اللَّبن حرم، وإلا فلا، أي: يكون الحكم للأغلب [44].

وبناءً على هذه القاعدة إن كانت النار قد مسَّت اللَّبن حتى أنضجت الطعام، أو حتى تغيَّر فليس برضاع، وإن حلب من نسوة وسقيه الصبي فهو كما لو ارتضع من واحدة منهن؛ لأنَّه لو شيب بماء، أو عسل لم يخرج عن كونه رضاعًا محرمًا، فكذلك إذا شيب بلبن آخر [45].

وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو عدد الرَّضاع المحرم هل كمل أو لا؟ لم يثبت التَّحريم؛ لأنَّ الأصل عدمه، فلا نزول عن اليقين بالشك كما لو شك في وجود الطلاق وعدده [46].

مذهب الظَّاهريَّة:

يُحدد الظاهرية الرَّضاع المحرم بأنه "ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفيه فقط"، أمَّا مَن سقي لبن امرأة فشربه من إناء أو حلب في فيه فبلعه أو أطعمه بخبز، أو في طعام، أو صب في فمه، أو في كلاهما، أو في أذنه، أو حقن به فكل ذلك لا يحرم شيئًا، ولو كان ذلك غذاءَه دهره كله، برهان ذلك قول الله عز وجل: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23] الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَحرُم مِن الرَّضاعِ مَا يَحرُم مِن النَّسَبِ)) فلم يحرم الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى نكاحًا إلا بالإرضاع والرضاعة والرَّضاع فقط ولا يسمى إرضاعًا إلا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في الرَّضيع [47].

وإن ارتضع صغير، أو كبير من أم ميتة، أو مجنونة، أو سكرى خمس رضعات فإن التَّحريم يقع به؛ لأنه رضاع صحيح [48]، ورضاع الكبير يحرم كرضاع الصغير عندهم [49].

وحجتهم في ذلك ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما - أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبدشمس كان تبنى سالمًا وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه حتى أنزل الله تعالى: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين وَمَوَالِيكُمْ ﴾ [50]، فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخًا في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي، ثم العامري - وهي امرأة أبي حذيفة - فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالمًا ولدًا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلاً، وقد أنزل الله تعالى فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرضعيه))، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة - رضي الله عنها - تأمر بنات إخوتها، وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة - رضي الله عنها - أن يراها، ويدخل عليها، وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت ذلك أمُّ سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدًا بتلك الرضاعة من الناس حتى يرضعن في المهد، وقلن لعائشة: والله ما ندري، لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس [51].

وخلاصة المذهب: أن الرَّضاع المحرم ما امتصَّه الراضع صغيرًا كان أو كبيرًا من ثدي المرضعة بفيه فقط لا يحرم السَّعوط، ولا السقي، ولا الخلط بالدواء، ولا الشراب وغير ذلك، وردَّ ابن حزم على الذين احتجوا بحديث: ((إنما الرضاعة من المجاعة)) بقوله: "إن هذا الخبر حجة لنا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما حرم الرضاعة الَّتي تقابل بها المجاعة، ولم يحرم بغيرها شيئًا، فلا يقع تحريم بما قوبلت به المجاعة من أكل، أو شرب، أو وجور، أو غير ذلك إلا أن يكون رضاعة كما قال - صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [52].

مذهب الزَّيديَّة:

لا يختلف مذهب الزيدية عن مذاهب أهل السنة في مسألة التَّحريم بالرَّضاع في شيء، وجملة القول عندهم أن الرَّضاع يعتبر بأمرين:

أحدهما: القدر الَّذي يتحقق به هذا المعنى، فكان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات.

 

الثَّاني: أن يكون الرَّضاع في أول قيام الهيكل وتشبح صورة الولد، وإلا فهو غذاء بمنزلة سائر الأغذية الكائنَة بعد التشبح وقيام الهيكل كالشاب يأكل الخبز [53]

ويتفق الهادوية مع الأحناف والمالكيَّة في التَّحريم بقليل الرَّضاع وكثيره [54].

وحد الرَّضاع عندهم ما وصل إلى الجوف بنفسه، ولو كان سعوطًا، أو وجورًا، والحقنة لا تحرم؛ لأنها ليست برضاع، وأما الإمام الصنعاني - رحمه الله - فيتفق مع الشَّافعية وجمهور الحنابلة على تحريم الرَّضاع بخمس رضعات معلومات، فلا تَحريم بالمصَّة، ولا بالمصَّتين كما توسع في بيان حدِّ وحقيقة الرضعة بقوله: "وحقيقة الرضعة فهي المرة من الرَّضاع كالضربة، والجلسة من الجلوس، فمتى التقم الصبي الثدي وامتصَّ منه، ثم ترك ذلك باختياره من غير عارض كان ذلك رضعة، والقطع لعارض كنفس، أو استراحة يسيرة، أو لشيء يلهيه ثم يعود من قريب لا يخرجها عن كونها رضعة واحدة، كما أن الآكل إذا قطع أكله بذلك ثم عاد من قريب كان ذلك أكلة واحدة، وهذا مذهب الشَّافعي في تحقيق الرضعة الواحدة، وهو موافق للغة، فإذا حصلت خمس رضعات على هذه الصفة حرمت" [55].

ولا يثبت حكم الرَّضاع عندهم بالظن؛ بل لا بدَّ من اليقين والعلم، فإن وجد ظن، أو شك في العدد، فيرجع إلى الأصل وهو العدم [56].

المطلب الثَّاني: موازنة وترجيح:

يتَّضح لنا مما سبق بيانه في هذه المسألة من أقوال الفقهاء على اختلاف مذاهبهم أمور، يمكن إجمالها فيما يلي:

أولاً: أنَّهم اتَّفقوا جميعًا على قاعدة التَّحريم بالرَّضاع؛ عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ﴾ [النساء: 23]، وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((يَحرُم مِن الرَّضاعِ مَا يَحرُم مِن النَّسَبِ))، وكل خلاف فرعي عن هذه القاعدة منشؤه تعارض بعض الأحاديث بعضها بعضًا، أو معارضتها لعموم الآية الكريمة، وقد بذل علماؤنا القدامى - رحمهم الله - قصارى جهدهم في الجمع بين أوجه الخلاف، وبيان أرجح الآراء قبولاً وعملاً، وأبرز أوجه الخلاف في هذه المسألة نلخصه فيما يلي:

1- اختلافهم في المقدار المحرم من الرَّضاع:

أ- فذهب قوم إلى أنَّ القليل والكثير سواء في التَّحريم، وهو مذهب مالك، والأحناف، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، والثوري، والأوزاعي، والهادوية، وغيرهم.

 

ب- وذهب آخرون إلى تحديد القدر الَّذي يقع به التَّحريم؛ ولكنهم اختلفوا في المقدار:

1- فبعضهم قال: لا تحرم المصَّة ولا المصَّتان، وإنما التَّحريم من الثلاث فما فوقها، وبه قال: أبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر، وداود، ورواية عن أحمد.

 

2- وقال آخرون: المحرِّم خمس رضعات معلومات متفرقات، وبه قال الشَّافعية، وجمهور الحنابلة، والزيدية، والظاهرية، وهو مذهب عبدالله بن مسعود، وعبدالله بن الزبير، وعطاء، وطاوس، وهو إحدى الروايات الثلاث عن عائشة - رضي الله عنها.

 

3- أنه لا يحرم أقل من سبع.

 

4- أنه لا يحرم أقل من عشر، وهذان القولان مرويان عن عائشة، ورواية عن حفصة - رضي الله عنها، وهي رواية العشر.

 

وقد دفع صاحب "الرَّوضة النَّدِيَّة" أوجه التعارض المختلفة، وجمع بينها موضحًا أقوى الآراء أخذًا وعملاً، فقال: "اعلم أنَّ الأحاديث قد اختلفت في هذه المسألة اختلافًا كثيرًا وكذلك اختلفت المذاهب، ونحن نعرفك بما هو الحق الَّذي يجتمع فيه جميع الأدلة؛ فنقول: أما ما ورد من الرَّضاع مطلقًا مِن دون تقيد بعدد الأحاديث الواردة بذكر العدد تفيد تقييده كما هو شأن المطلق والمقيد، وقد أفاد حديث: ((لا تحرم المصة والمصتان، والإملاجة والإملاجتان))، وحديث: ((لا تحرم الرضعة الواحدة)) أن الرضعة والرضعتين لا تحرمان، فلو لم يرد إلا هذا لكانت الثلاث مقتضية التَّحريم؛ ولكنه ثبت في الصحيح عن عائشة أنها قالت: "عشر رضعات معلومات يحرمن"، ثم قالت: "خمس رضعات معلومات يحرمن"، وصرحت بأن العشر منسوخة بالخمس، وصرَّحت أيضًا بأنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن.

وليس من شرط القرآن تواتر النقل على ما هو الحق، ولو سلم ذلك فالقراءات الأحادية بمنزلة أخبار الآحاد، ولكن ها هنا إشكال، وهو أن حديث ((لا تحرم المصة ولا المصتان)) دلَّ بمفهوم العدد على أن الثلاث والأربع يثبت بهما التَّحريم، وحديث الخمس دل بمفهومه على أنهما لا يحرمان، وأقول: قد تقرر في علم المعاني والبيان أن الإخبار بالفعل المضارع يفيد الحصر، وصرح بذلك الزمخشري في "الكشاف"، ولا سيما إذا بقي الفعل على المنكر، كما هو مقرر في مواطنه، فيكون قد انضم إلى مفهوم العدد في الخمس مفهوم الحصر، فلا يثبت التَّحريم بدونها، ويؤيد ذلك ما ورد في بعض ألفاظ حديث سهلة بنت سهيل، أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((أرضعي سالمًا خمس رضعات تحرمي عليه))، وهذا التركيب في قوة..


فتاوى الفقهاء: الدكتور/ القرضاوي، والشيخ/ بدر المتولي عبدالباسط، وفتوى دار الإفتاء المصريَّة، والشيخ/ عطية صقر:

أولاً: رأي الدكتور القرضاوي:

يرى د/ القرضاوي أنَّ "بنوك الحلِيب" حلال، وقد استنبط هذا الحكم بناءً على وجود أمرين:

الأوَّل: تحديد معنى الرضاع:

فهو يرى أنَّ العلة الَّتي جعلها الشارع أساس التَّحريم هي "الأمومة المرضعة"، ويرفض ما قاله ابن قدامة بأن العلة هي إنشاز العظم، وإنبات اللَّحم بأي شيء كان.

يقول د. القرضاوي: "ونقول لصاحب "المغني" - رحمه الله - لو كانت العلة هي إنشاز العظم، وإنبات اللَّحم بأي شيء كان، لوجب أن نقول اليوم بأن نقل دم امرأة إلى طفل يحرمها عليه، ويجعلها أمه؛ لأن التَّغذيَة بالدم في العروق أسرع وأقوى تأثيرًا من اللَّبن؛ ولكن أحكام الدِّين لا تفرض بالظنون؛ فإن الظن أكذب الحديث، وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا" ثم يقول: "والذي أراه أن الشارع جعل أساس التَّحريم هو الأمومة المرضعة كما في قوله تعالى في بيان المحرمات من النساء: ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾ [57].

وهذه الأمومة الَّتي صرح بها القرآن لا تتكون من مجرد أخذ اللَّبن بل من الامتصاص، والالتصاق الَّذي يتجلى فيه حنان الأمومة، وتعلق البنوة، وعن هذه الأمومة تتفرع الأخوة من الرَّضاع، فهي الأصل والباقي تبع لها"، "فالواجب الوقوف عند ألفاظ الشارع هنا، وألفاظه كلها تتحدث عن الإرضاع والرَّضاع والرضاعة، ومعنى هذه الألفاظ في اللغة الَّتي نزل بها القرآن وجاءت بها السنة واضح صريح؛ لأنها تعني إلقام الثَّدي، والتقامه، وامتصاصه، لا مجرد الاغتذاء باللَّبن بأي وسيلة".

واستدل القرضاوي بما قاله ابن حزم في تحديد معنى الرَّضاع المحرم، ورأى أن مقولة الإمام ابن حزم فيها قوة إقناع ووضوح دليل.

يقول ابن حزم: "وأما صفة الرَّضاع المحرم فإنما هو ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفمه فقط، فأما من سقي من لبن امرأة فشربه من إناء، أو حلب في فمه فبلعه، أو أطعمه بخبز، أو طعام أو صب في فمه، أو أنفه، أو في أذنه، أو حقن به فكل ذلك لا يحرم شيئًا، ولو كان ذلك غذاءه دهره كله، برهان ذلك قول الله عز وجل: ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾ [58]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَحرُم مِن الرَّضاعِ مَا يَحرُم مِن النَّسَبِ))، فلم يحرم الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى نكاحًا إلا بالإرضاع والرضاعة فقط، ولا يسمى إرضاعًا إلا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرَّضيع، يقال: أرضعتْه، تُرضعُه، إرضاعًا، ولا يسمى رَضاعة، ولا إرضاعًا إلا أخذ المرضع أو الرَّضيع بفيه الثدي، وامتصاصه إياه".

وبعد الاستدلال بهذه الفقرات لابن حزم يقول: "وبهذا نرى أن القول الَّذي يطمئن إليه القلب هو ما يتمشَّى مع ظواهر النصوص الَّتي ناطت كل الأحكام بالإرضاع والرَّضاع، ومعناها معروف لغة وعرفًا، كما يتماشى مع الحكمة في التَّحريم بالرضاع، وهو وجود أمومة تشابه أمومة النسب، وعنها تتفرع البنوة، والأخوة، وسائر القرابات الأخرى، ومعلوم أن الرَّضاع بهذا المعنى في حالة (بنوك الحلِيب) غير موجودة؛ إنما هو الوَجور الَّذي ذكره الفقهاء، فلا يترتب عليه حينئذ تحريم" [59].

الثَّاني: الشَّك في الرضاع:

وهو دليل قوي يقول دون التَّحريم؛ بأن اللَّبن المشوب المختلط لا يأخذ حكم اللَّبن الخالص، واستدل على ذلك بقول أبي يوسُف - وهو رواية عن أبي حنيفة - "أن لبن المرأة إذا اختلط بلبن امرأة أخرى فالحكم للغالب منهما؛ لأن منفعة المغلوب لا تظهر في مقابلة الغالب، وهنا لا يدرى غالب من مغلوب، والمعروف أن الشك في أمور الرَّضاع لا يترتب عليه التَّحريم؛ لأن الأصل هو الإباحة فلا تنفيها إلا بيقين"، واختتم كلامه بقول العلاَّمة ابن قدامة: "وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرَّضاع المحرم: هل كمل أو لا؟ لم يثبت التَّحريم؛ لأن الأصل عدمه، فلا نزول عن اليقين بالشك كما لو شك في وجود الطلاق وعدده".


وأخيرًا يذكر الخلاصة الَّتي انتهى إليها في بحثه فيقول: "إننا لا نجد هنا ما يمنع من إقامة هذا النوع من (بنوك الحلِيب) ما يحقق مصلحة شرعيَّة معتبرة، ويدفع حاجة يجب دفعها آخذين بقول من ذكرنا من الفقهاء مؤيدًا بما ذكرناه من أدلَّة وترجيحات".

ثانيًا: رأي الشَّيخ بدر المتولي عبدالباسط:

يعتبر الشيخ/ بدر المتولي من أقوى المؤيدين لرأي د. القرضاوي، وإن اختلف معه في تحديد علَّة التحليل في "بنوك الحلِيب"، فهو يقول: "من الأمور المعلومة عند الأصوليين حتى المبتدئين في الناحية الفقهيَّة أن تعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق، وأشرح هذه القاعدة فأقول: الله - سبحانه وتعالى - بنى أحكامًا مثلاً على الزنا بقوله: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾ [النور: 2]، فتكون علة الحكم في الجلد هي الزنا؛ كذلك السارق: ﴿ والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ﴾ [المائدة: 38] علة الحكم المترتب - وهو القطع - هي السرقة إلى غير ذلك".

وهنا إذا نظرنا إلى الآية وإلى الأحاديث الواردة نجد أن الأحكام بنيت - كما قال د. القرضاوي - على الإرضاع، وليس الإرضاع هو فقط إلقام الثَّدي؛ إذ اتضح أنه مكون من شيئين: من إلقام الثَّدي، وتناول ما ينزل من الثَّدي، وإلقام الثَّدي وحده لا يسمى رضاعًا.

الإرضاع أمر مكوَّن من أمرين: من إلقام الثَّدي، والتقامه، وكذلك تناول ما ينزل من الثَّدي في الحقيقة، والأمومة طبعًا هي الأصل في التَّحريم؛ لأنها تصبح أمَّه، وتبقى أختها خالته، وتبقى أخت صاحب اللَّبن زوج المرضعة عمَّة لأولادها، وأولاد الزوج من غيره أخوة من الأب على رأي من يقول بأن لبن الفحل محرِّم إلى غير ذلك"، ثم ختم كلامه قائلاً: "ولذلك أميل جدًّا إلى الاتجاه الَّذي وصل إليه أخي وابني الدكتور يوسُف القرضاوي؛ ولكن إن استطعنا - وأعتقد أنه غير مستطاع - أن نحدد المرضعات فإن هذا يكون أوجه" [60].

ثالثًا: فتوى دار الإفتاء المصريَّة:

أرسلت وزارة الصحَّة المصريَّة إلى دار الإفتاء تسأل: هل إنشاء بنك لألبان الأمهات حلال أم حرام؟ والبنك يقوم بجمع لبن الأمهات عن طريق التَّبرع أو البيع، ثم تبريده وحفظه في ثلاجات لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، أو تجفيفه وإعطائه للأطفال المحتاجين للرضاعة الطبيعيَّة، والمشكلة تكمن فيما لو رضع طفل وطفلة من هذا اللَّبن ثم كبرا وأرادا الزَّواج: هل تقف مسألة الأمهات في الرضاعة عقبة في زواجهما؟

أجابت دار الإفتاء على ذلك بأنه "لا تحرم رضاعة أيِّ طفل من هذا اللَّبن الزَّواج من ابنة الأم الَّتي أعطت هذا اللبن"، واستندت دار الإفتاء في هذا إلى أن مذهب أبي حنيفة قد نص على أنَّ الرَّضاع لا يحرم إلاَّ إذا تحققت شروطه ومنها أن يكون اللَّبن الَّذي يتناوله الطِّفل لبن امرأة، وأن يصل إلى جوفه عن طريق الفم، ولا يكون مخلوطًا بغيره كالماء، أو الدواء، أو لبن الشاة، أو بجامد من أنواع الطعام، أو بلبن امرأة أخرى، فإن خلط بنوع من الطعام وطبخ معه على النَّار فلا يثبت به التَّحريم باتفاق أئمة المذهب، وإذا لم تمسه النار، فلا يثبت به التَّحريم أيضًا عند أبي حنيفة؛ سواء أكان الطعام المضاف غالبًا، أو مغلوبًا؛ لأنه إذا خلط الجامد بالمائع صار المائع تبعًا، فيكون الحكم للمتبوع والعبرة بالغلبة، ولو خلط لبن امرأتين فإن العبرة للغلبة أيهما كان أكثر فإنه يثبت التَّحريم دون الآخر، وإن استويا ثبت التَّحريم بهما.

والرَّضاع لا يثبت بالشك، ولا يحمل اللَّبن ذائبًا أو جبنًا، فإن تناوله الصبي لا تثبت به الحرمة؛ لأن اسم الرَّضاع لا يقع عليه، ومن عرض جميع الآراء قالت دار الإفتاء: "إن اللَّبن المجفف بطريقة التبخير، والذي صار مسحوقًا جافًّا لا يعود سائلاً بحيث لا يتيسر للأطفال تناوله إلا بعد خلطه بمقدار من الماء يكفي لإذابته - هو مقدار يزيد عن حجم اللَّبن ويغير من أوصافه ويعد غالبًا عليه؛ وبالتطبيق على ما سبق من الأحكام لا يثبت التَّحريم عليه شرعًا، وبذلك فإن لبن الرضاعة الَّذي يجمع لإعداده لتغذية الأطفال بإحدى الطريقتين المشار إليهما ويجمع من نساء عديدات غير محصورات ولا متعينات بعد الخلط؛ فالنصوص الفقهيَّة واضحة في أنه لا مانع من الزَّواج بين الصغيرين اللذين تناولا هذا اللَّبن من الوجهة الشرعية؛ لعدم إمكان إثبات التَّحريم في حالة عدم تعيين السيدة، أو السيدات اللائي ينسب إليها، أو إليهن لبن الرضاعة.

أما في حالة تبريد اللَّبن وبقائه من شهرين أو ثلاثة صالحًا للتناول، أو إعطائه للأطفال بحالته الطبيعية - فإن عامل الجهالة يبقى دائمًا أيضًا، ومن ثم لا يكون هناك مانع من الزَّواج بين أبناء الرضاع" [61].

رابعًا: فتوى الشيخ/ عطية صقر:

سئل الشيخ/ عطية صقر عن حكم اللَّبن المجفف من أمهات متعددات غير معلومات، فكان جوابه بالإباحة استنادًا إلى فتوى الشيخ/ أحمد هريدي مفتي الديار المصرية (1963م) الَّتي ذكرناها سابقًا [62].

الفرع الثَّاني: أدلة القائلين بالتَّحريم:

ذهب فريق آخر من العلماء إلى القول بتحريم "بنوك الحلِيب"، ومن ثَم الرَّضاع منها، وإذا أخذها رَضاعًا وقع تحريمٌ بين الرُّضَّع؛ لأنهم إخوة في الرَّضاع، أي: لا يجوز لشاب الزَّواج من فتاة رضعت معه لبن "بنوك الحلِيب"، وفي مقدمة هذا الفريق/ الشيخ عبدالرحمن النجار، والشيخ/ محمَّد حسام الدين، وعلماء الاجتماع، وعلماء النَّفس، وسوف نعرض أقوالهم بإيجاز.

أولاً: فتوى الشيخ عبدالرحمن النجار:

يقول الشيخ/ عبدالرحمن النجار [63]: "إن هذا المشروع حرام شرعًا، وليس هناك أدنى شبهة في حرمة هذا المشروع مع احترامي الشديد للرَّأي الَّذي أعلنه فضيلة الشيخ/ عبداللطيف حمزة - مفتي الديار المصرية - إلاَّ أنني لا أوافق على هذا الرأي إطلاقًا؛ لأن النص في التَّحريم كان صريحًا لأن مذهب الشَّافعية أقر غير ذلك، وحرمه وكان النص صريحًا، وكما يحرم اللَّبن الباقي على أصل خلقته يحرم تغيره على هيئة حالة انفصاله عن الثَّدي كالجبن والزبد، وما عجن به دقيق، أو خالطه ماء، أو نحوه مغلب اللَّبن على الخليط بأن ظهرت إحدى صفاته الثلاث، وهي: الطعم، واللون، والرائحة، أو وصول عين اللَّبن إلى الجوف، وحصول التغذي به، ويشترط في ثبوت التَّحريم في ذلك شرب الجميع، فلو شرب بعضه متحققًا أنه وصل منه شيء إلى الجوف كان بقي من المخلوط أقل من قدر اللَّبن حرم".

وأرى الأخذ بهذا الرأي، وهو التَّحريم لا سيما وأن الأطباء يُقرُّون أن الإرضاع بهذه الطريقة له مضاره للطِّفل أكثر من نفعه، ومن هذا وجب التَّحريم مطلقًا [64].

ثانيًا: فتوى الشيخ/ حسام الدِّين [65]:

إن القرآن الكريم نص في موضوع الرضاعة على التَّحريم مطلقًا في قوله تعالى:﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾ [66]، وجعل تحريم الرضاعة بمنزلة النسب والمصاهرة، هذه الأمور والتنبيهات تعتبر حدودًا بمعنى فاصل تفصل بين الحلال والحرام، وقال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [67]، فجعل مسائل الميراث بنفس مستوى مسائل التَّحريم في الزَّواج ومن بين الأحكام الَّتي تعتبر حدودًا وفواصل، وكلها فواصل وثيقة الصلة بين التَّحريم والإباحة.

وقد جاء في السنة النبوية أحاديث كثيرة تبين هذه الحدود، ومن بينها قوله صلى الله عليه وسلم: ((يَحرُم مِن الرَّضاعِ مَا يَحرُم مِن النَّسَبِ)).

هذه التَّعليمات الإسلاميَّة ينبغي أن تراعى في روحها، وفي أهدافها ومقاصدها التشريعيَّة، والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالعلَّة أو الحكمة الحقيقية لهذه الأحكام، وأعلم بما يترتَّب على انتهاك هذه الحدود وهذه المحرمات من أضرار في المجتمع الإسلامي، وأقل ما يوصف به من أضرار في هذا الشأن - هو التسهيل في أمر الرَّضاع - أنه جرأة على حدود الله سواء أكان له مبرر أم لا، ثم يقول: "والخطورة أيضًا في هذه القضية هي الجهالة بين السيدة، أو السيدات اللاتي يقمن بإعطاء لبنهن، فلا يمكن معرفة الأم الحقيقة لهذا الطِّفل، مما يؤدي إلى اختلاط الأنساب، ومهما كان هذا القدر يعطي قدرًا من الشك والرِّيبة فلا يحق أن يقال: إن مذهبًا من المذاهب أجاز الرَّضاعة إذا كان مختلطًا بقدر كبير أو صغير، فإنَّ جوانب التحديثات الشكليَّة لا تجدي من الجوانب الرُّوحيَّة وجوانب الورع وبذلك يكون هذا المشروع غير إسلامي" [68].

ثالثًا: رأي علماء الاجتماع وعلماء النفس:

ونقتصر على ذكر رأيين من آراء علماء الاجتماع وعلم النفس:

1- رأي د/ علي فهمي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعيَّة والجنائية:

حيث يذكر أنه "لو دخل هذا المشروع نطاق التنفيذ فسيكون فاشلاً، وسيخلق جيلاً فاشلاً اجتماعيًّا لا يمكن أن يتكيف مع المجتمع والبيئة الَّتي يعيش بها؛ وبالتالي سيخلق جيلاً ضعيفًا مليئًا بالأمراض والأوبئة؛ لأنه سيحرم كثيرًا من الأطفال الأصليين أبناء هؤلاء الأمهات اللائي سيتعاملن مع هذا البنك مما يترتب عليه حرمان هؤلاء الأطفال من حقِّهم الطبيعي في الغذاء مقابل بيع هذا اللبن، كما سينتج عنه تشجيع كثير من الأمهات على امتهان هذه المهنة - مثل الاتجار ببيع الدم - وسيكون هؤلاء الأمهات من الطبقات الدُّنيا الَّتي لا شك أنَّ لديهن كثيرًا من الأمراض، ولا أتصور أن تكون هذه العملية إنسانية؛ لأنها تعمل على تشجيع الأمهات على الامتناع عن إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية هذا إلى جانب الناحية النفسيَّة للطِّفل، ومما يثبت ذلك أن النظرية الفرويدية تقول: إنه بمجرد إعطاء الطِّفل ثدي الأم يحدث عنده إشباع في المرحلة الأولى الَّتي هي مرحلة لا بد أن يمر بها كل طفل طبيعي، وحرمان الطِّفل من هذه المرحلة سيؤدي إلى بعض الأمراض النفسيَّة فيما بعد، ويصبح الطِّفل كائنًا غير اجتماعي محرومًا جزئيًّا من الحنان؛ فيصبح كائنًا ضد المجتمع[69]".

رأي الأستاذ محمَّد فؤاد إسماعيل (متخصص حفظ وتبريد الألبان):

يقول أ/ محمَّد فؤاد: إن الله - عز وجل - كرَّم الإنسان وفضله على سائر مخلوقاته، وبتطبيق نظام بنك ألبان الأمهات، ومع تقديري للأمهات إلا أنها تتمثل بالبقر الحلوب، أو الجاموسة، أو النعاج يجمع لبنها وتعامل بوسائل الحفظ المختلفة من تبريد وتجفيف، هذه الطريقة لا يمكن أن يقبلها الإنسان لا شكلاً ولا موضوعًا [70].

المطلب الثَّالث: موازنة وترجيح:

لقد نص القرآن الكريم على أن علة التَّحريم هي الأمومة المرضعة في قوله تعالى: ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ﴾، وهي الَّتي أشار إليها د. القرضاوي في بداية بحثه عند حديثه عن معنى الرَّضاع غير أن حصر هذه الأمومة المرضعة في تناول الرَّضيع ثدي أمه ومصه فقط بناء على رأي الظاهرية، ورأي الإمام الليث، وإحدى الروايات عن الإمام أحمد - وهو اختيار د. القرضاوي - أمر لا أوافق عليه؛ إذِ العبرة بوصول لبن الأم الخالص أو الغالب إلى جوف الصبي؛ بحيث يترتب على ذلك إنشاز العظم، وإنبات اللَّحم وحصول التَّغذيَة به في الحولين كما قرر ذلك جمهور الفقهاء.

فالشَّافعية يقولون بثبوت التَّحريم سواء ارتضع الطِّفل، أو حلب، أو أوجر، أو صب في أنفه فوصل على جوفه ودماغه [71].

والحنابلة يقولون: إن الرَّضاع المحرم ما دخل الحلق من اللَّبن سواء دخل بارتضاع من الثَّدي، أو وجور، أو سعوط محضًا كان أو مشوبًا إذا لم يستهلك [72].

والمالكيَّة تحرم عندهم المصة، أو المصتان، ولو كان بالوَجور أو السَّعوط [73].

والأحناف يقولون: كل لبن وصل من المرضع إلى جوف الصبي يثبت به التَّحريم، أي: سواء وصل بالسَّعوط، أو الوَجور [74].

وأما اختيار رأي الظاهرية ومن وافقهم في تحديد وحصر الأمومة بمص الثَّدي فقط - فيعترض عليه بأن الأم المرضعة لو كانت مصابة في ثديها فعصرت منه اللَّبن وأرضعته الطِّفل خمس رضعات متفرقات مشبعات وقع التَّحريم باتفاق الفقهاء، وإن لم يوجد مص من الثَّدي.

ولو أتينا بأم فاحتضنت طفلاً ثم أرضعته بلبن غيرها خمس رضعات مشبعات متفرقات فالتَّحريم هنا يتوجه إلى الأم صاحبة اللَّبن وليس للأمِّ الحاضنة.

وقد اختار الشيخ/ سيد سابق - رحمه الله - وهو من الفقهاء المعاصرين، ما نص عليه جمهور الفقهاء فقال: "التَّغذيَة بلبن الأم محرم سواء كان شربًا، أو وجورًا، أو سعوطًا، حيث كان يغذي الصبي، ويسد جوعه ويبلغ قدر رضعة؛ لأنه يحصل به ما يحصل بالإرضاع من إنبات اللحم، وإنشاز العظم فيساويه في التَّحريم".

ويبدو لي أن اختيار د. القرضاوي رأي الظاهرية ومن وافقهم لمعنى الإرضاع كان مبرره تعضيد أدلة تحليل "بنوك الحلِيب" بمذهب فقهي يتفق معنى الإرضاع فيه مع معنى "بنوك الحلِيب"؛ بل صرح نفسه بذلك في ختام بحثه بقوله: "ومعلوم أن الرَّضاع بهذا المعنى في حالة "بنوك الحلِيب" غير موجود إنما هو الوَجور الَّذي ذكره الفقهاء فلا يترتب عليه حينئذ تحريم، ولو أنه اكتفى بذكر دليل الجهل، أو دليل الشك في الرضاعة - كمبرر - للتحليل لكان ذلك أولى وأفضل".

ومما يقوي وجهة نظرنا في اختيار رأي الجمهور: أن الظاهرية نصوا على تحريم الرَّضاع بلبن الميتة، والمجنونة، والكبير، ولا يتصور إرضاع مثل هذه الحالات غالبًا إلا بالسَّعوط، أو الوَجور دون المص من الثَّدي.

ومع ذلك اتَّفق معه في تحديد مناط الجهل أو الشك كدليل للتحليل لأنهما علتان متحققتان يقينًا في "بنوك الحلِيب"، وقد صرَّح جمهور الفقهاء بتحليل الزَّواج من رضاع مبناه الجهل بالمرضعة، أو الشك في عدد الرضعات.

ففي "الأم" للإمام الشَّافعي: ولو شك رجل أن تكون امرأة أرضعته خمس رضعات فلا يكون محرمًا لها، ولو تحققت أنها أرضعته خمسًا، ولكن شكت هي في الحولين أم بعضهما، فلا تحريم أيضًا على الراجح" [75].

وصرح العلاَّمة ابن قدامة بذلك في "الشرح الكبير" فقال: "وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرَّضاع المحرم هل كمل أو لا؟ لم يثبت التَّحريم؛ لأن الأصل عدمه فلا نزول عن اليقين بالشك، كما لو شك في وجود الطلاق وعدده" [76].

ويزيد الأحناف المسألة وضوحًا، قال ابن الهمام: "امرأة أدخلت حلمة ثديها في فم رضيع ولا يدرى أدخل اللَّبن في حلقه أم لا، لا يحرم النكاح، وكذا صبية أرضعها بعض أهل القرية ولا يدرى من هو، فتزوجها رجل من أهل تلك القرية يجوز؛ لأن إباحة النكاح أصل فلا يزول بالشك [77].

والعلاَّمة الشوكاني يوضح رأي الزيدية في هذه المسألة بقوله: "ولا يثبت حكم الرَّضاع عندهم بالظن في العدد؛ بل الأصل لا بدَّ من اليقين والعلم، فإن وجد ظن أو شك في العدد فيرجع إلى الأصل، وهو العدم" [78].

فمسألة عدم التَّحريم بالجهل، أو الشك مسألة مجمع عليها لدى الفقهاء دون منازع، أضف إلى ذلك أن النص القرآني المتلو، والنص المنسوخ واضحان كل الوضوح في التَّحريم بالإرضاع المعلوم لا المجهول، أو المشكوك فيه، ففي قوله تعالى: ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ﴾ [النساء: 23] جاءت صيغة ﴿ أمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23] بالتعريف، والمعرفة - كما يقول النحاة - تدل على معين معلوم، ولم يقل مثلاً: ﴿ أمَّهَات ﴾ [النساء: 23] بصيغة التنكير؛ فالفرق واضح بين الصيغتين، وأما النص المنسوخ فقد سبق ذكر حديث عائشة - رضي الله عنها: "كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات.." الحديث، فاشترط النص في الرضعات أن تكون رضعات معلومة لا مجهولة، ومعنى هذا: أن الأم المرضعة الَّتي يترتب على لبنها التَّحريم هي الأم المعلومة يقينًا لا شك فيه، والعلم وحده لا يكفي؛ بل لا بد من إضافة شيء يخص لبنها وهو العلم بعدد الرضعات؛ أي إنَّ العلم له شقان: شق يخص الأم المرضعة، وشق يخص اللَّبن بذكر عدده، وتوافر أحد الشرطين لا يكفي لإثبات التَّحريم، وإنما لا بدَّ من الأمرين معًا؛ فالعلم بالأم، أو الجهل، أو الشك في عدد الرضعات لا يحرم، وكذلك العلم بعدد الرضعات والشك في العلم بالأم لا يحرم فلا بدَّ من توافر الأمرين معًا، وهو ما نص عليه الفقهاء.

وأما الذين قالوا: إن الرَّضاع من ألبان الحليب يقع به التَّحريم، فيرد عليهم بما يلي:

أولاً: إنَّ النَّص الَّذي ذكرتموه عن الشَّافعية، وجعلتم منه دليلاً على التَّحريم خاص بالمرضعة المعلومة دون المجهولة، ودليل ذلك أن الشَّافعيَّة أقروا بعدم التَّحريم عند الشك، أو الجهل، وقد ذكرنا نصهم في ذلك في الفقرات السابقة، وكذلك أقروا بعدم التَّحريم في اللَّبن المختلط عند غلبة الطعام أو غيره عليه، وقالوا: "أما إذا خلط بغيره بأن كان اللَّبن غالبًا تعلقت الحرمة بالمخلوط" [79].

 

أما إذا كانت المرضعة معلومة فالحكم بالتَّحريم لا خلاف فيه، سواء أكان اللَّبن خالصًا، أو مخلوطًا غالبًا على غيره؛ كما ذكر في النص عند الشَّافعية مما سبق بيانه.

ثانيًا: والقول بـ"أن الأمر المحرم له أضرار على من يتعاطاه، وأقل ما يوصف من أضرار في هذا الشأن هو: التسهيل في أمر الرَّضاع أنه جرأة على حدود الله سواء كان له مبرر أم لا" [80]، قول لا يمكن التسليم به على إطلاقه؛ لأن حفظ الأطفال الخدج والمبتسرين، والحرص على بقاء حياتهم، وإنقاذهم من الهلاك - من الضروريات الَّتي جاءت بها الشَّريعة باعتبارها وحفظها، فنحن أمام مصلحة اجتماعيَّة معتبرة، والجرأة على حدود الله تتمثل في ضياع هذه النَّفس والتقصير في حقها، أو عدم استصدار فتاوى تراعي مصلحتها ورعايتها، ولو كان عن طريق البنوك، وإذا كان الإسلام قد جعل الأخذ بالرخصة واجبًا كما في تناول الميتة عند الضرورة بحيث إذا لم يأكلها المضطر مات جوعًا، فإذا لم يفعل كان آثمًا؛ لتسببه في قتل نفسه؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [81]، ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [82]، وتعليل ذلك أنَّ الميتة ونحوها من المحرَّمات كالخمر إنما حرمت لما فيها من إفساد النفوس والعقول؛ ولكن إذا تعينت سبيلاً لحفظ النَّفس ودفع الهلاك عنها كان تناولها واجبًا؛ لأنه ليس من حق الإنسان أن يتلف نفسه، أو يعرضها للتلف في غير الحالات المأذون فيها شرعًا؛ لأن نفس الإنسان ليست ملكه حقيقة، وإنما هي ملك خالقها وهو الله - جل جلاله، وقد أودعها عند الإنسان وليس من حق الوديع أن يتصرَّف في الوديعة بغير إذن مالكها [83].

أقولُ: إذا كان الإسلام قد أباح أكل الميتة رخصة للضرورة، ألا يبيح لنا حفظ أنفس أطفال بريئة بلبن أمهات مجهولات حال الضرورة؟! أم نفتي بوأدها في مهدها، ولو لم يوجد بديل؟

والخلاصة: أن "بنوك الحلِيب" يترجح فيها دليل الحل على دليل الحرمة؛ لتوافر مناطين:

الأول: مناط الجهل، أو الشك.

الثَّاني: مناط الضرورة الشَّرعيَّة بمعنى أن يلجأ إلى هذه البنوك إذا تحققت عناصر الضرورة الشرعية الآتية:

1- أن تكون الضرورة ملجئة، وذلك بأن يخشى على الأطفال الخدج الهلاك أو المرض.

 

2- أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، فليس لهؤلاء الأطفال أن يرضعوا من هذه الألبان قبل التأكد من حاجتهم إليها بواسطة الأطباء المختصين.

 

3- ألا يكون لدفع الضرورة وسيلة أخرى غيرها، فلو أمكن الاعتياض عن هذه البنوك بألبان صناعيَّة مأمونة صالحة لحياتهم فلا حاجة لاستعمالها.

 

4- أن يكون الضرر المترتب على ارتكاب المحظور أقل من الضرر المترتب على وجوده حال الضرورة كما قال السيوطي: "الضرورات تبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها" [84].

المطلب الرابع: ضوابط وقيود (تَوصيات):

إذا كنَّا قد رجَّحنا دليل التحليل لـ"بنوك الحلِيب"، وما يترتب عليها من آثار في تحقيق المناطين - الجهل أو الشك والضرورة - فإنه من المناسب أن نذكر بعض القيود والضوابط الَّتي نرى أنها بمثابة توصيات تجب مراعاتها حال استخدام حليب البنوك؛ حتى تؤدي هذه البنوك وظيفتها، أو دورها المأمول دون تجاوز أو ارتكاب محظور، أو منكر يؤدي إلى استصدار فتاوى أخرى يرجح بها دليل التَّحريم على دليل التحليل.

وهذه الضوابط تتلخَّص فيما يلي:

1- أن تكون الأم صاحبة اللَّبن سليمة البدن ذات عقل راجح؛ لأن للرضاع تأثيرًا في نمو عقل الأطفال فقد روى زياد السهمي رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسترضع الحمقى" [85]، فالمرضعة السكري، أو المجنونة، أو الَّتي تتغذى على لحوم الخنازير، أو الَّتي تتناول المخدرات، وما إلى ذلك يجب اجتناب لبنها.

 

2- يجب التأكد بواسطة العلماء المختصِّين من احتواء اللَّبن على كل عناصر الغذاء المطلوبة لنمو الطِّفل وإلا لا فائدة من استعماله.

 

3- ألاَّ يؤخذ من لبَن الأم المتبرعة أو المستأجرة أكثر من مرَّتين أو ثلاثة، حتَّى لا يكون في ذلك إضرار بالطِّفل صاحب اللبن، أما إذا فطمت الأم ولدها، أو توفي، أو أصيب بمرض منعه الرَّضاع، فلا حرج على الأم عندئذ أن تهب، أو تبيع لبنها.

 

4- أوصت وزارة الصحة بتدوين أسماء الأمهات المتبرعات، أو عمل سجل خاص بكل أم إن أمكن ذلك - تتأكد الوزارة من خلاله استيفاء جميع الضوابط المذكورة سابقًا، وحبذا استعمال أجهزة الحاسوب في ذلك.

 

5- تقوم الوزارة بتقسيم اللَّبن إلى نوعين:

الأول: اللَّبن الطازج:

وهو نوعان:

أ- نوع خاص: وذلك بجمع لبن كل أم في قارورة خاصة [86] مع كتابة اسمها، وبياناتها عليها، أو تدوين ذلك في شهادة ميلاد الطِّفل بحيث يمكنه التحري - فيما بعد - من الوقوع في حرمة الزَّواج من أخواته من الرَّضاع وفي هذا النوع - إذا تم - لا تكون بحاجة إلى بيان حكم التحليل، أو التَّحريم ألبتة.

 

ب- الثَّاني نوع عام: وذلك بجمع لبن الأمهات مختلطًا عند تعذر الكتابة والتدوين، واستعماله حال الضرورة فيما لو كان اللَّبن الصناعي غير كاف، أو ملوثًا بمواد سامة، أو غير مناسب لتغذية هؤلاء الأطفال، أو عقب الكوارث الَّتي يقدرها الله سبحانه وتعالى على بعض الأقطار الإسلاميَّة كالزلازل الشديدة الَّتي تحول دون وصول المساعدات العاجلة، أو الحروب الَّتي تمنع وصول الألبان الصِّناعيَّة، أو حالات التصحر والجفاف الَّتي تودي بحياة الآلاف من الآباء والأمهات والأطفال ولا يجدون من يمد لهم يد العون، أو الفيضانات الكاسحة الَّتي تغمر اليابسة بين عشية وضحاها، كل هذه الحالات وأمثالها تفرض على الأمهات المرضعات إرضاع من فقد أمَّه، وقد تضطر الدولة إلى جمع لبن الأمهات، ولو إجباريًّا؛ لإنقاذ حياة الأطفال من موت محقق الوقوع.

 

الثَّاني: اللَّبن المجفف:

وهو ما يمكن الاحتفاظ به لفترات طويلة بعد معالجته، والاحتفاظ به في صورة "بودرة" تخلط بالماء عند الاستعمال، أو يخلط بالطعام أو الدواء، فيأخذ حكم اللَّبن المشروب ويستعمل ضرورة للأطفال الخدج، أو الطبيعيين مع مراعاة الضوابط المذكورة سابقًا.

 

والله من وراء القصد، وهو أعلم بالصواب.


الخاتمة:

من خلال الدراسة الَّتي قدمناها لـ"بنوك الحلِيب"، وما عرضناه من أقوال فقهاء المذاهب الإسلاميَّة، وآراء الفقهاء المعاصرين نختم هذا المبحث - بحمد الله وتوفيقه - ببيان الآتي:

أولاً: فكرة "بنوك الحلِيب" فكرة مستحدثة لم يكتب لها الانتشار بعد في عالمنا الإسلامي ولكنها - رغم حداثتها - أضحت تحتل حيزًا كبيرًا في فكر العلماء المعاصرين، والمثقفين، وأصحاب المؤسسات المختلفة والمختصة بهذا الشأن؛ نظرًا للدعوات الملحة الَّتي تدعو إلى إنشائها وتعميمها في وطننا الإسلامي.

 

ثانيًا: دليل التحليل لفكرة "بنوك الحلِيب"، وما يترتب عليها من آثار أرجح من دليل التَّحريم إذا توافر فيها مناط الجهل والشك والضرورة الشرعيَّة.

 

ثالثًا: يدعو الباحث الوزارات والمؤسسات المعنية بهذا الشأن مراعاة التوصيات والضوابط الواردة بهذا البحث إذا رغبت في إنشاء "بنوك الحلِيب"، كي تؤدي البنوك دورها المنشود وغرضها المشروع، وهدفها النبيل، وإلا وقعت في المحظور وبعدت عن جادة الصواب.

 

هذا، والله أعلم بالصواب، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..


ثبت المصادر والمراجع:

1- الأشباه والنظائر للإمام السيوطي - مطبعة مصطفى الحلبي - القاهرة 1959م.

2- إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية - تحقيق وتعليق عصام الدِّين الصبابطي - دار الحديث - القاهرة 1422/ 2002م.

3- الأم للإمام الشَّافعي (150 - 204هـ) ط/ دار المعرفة - بيروت الطبعة الثَّانية 1393هـ.

4- بدائع الصنائع، الكاساني - المكتب الإسلامي - د. ت.

5- بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد - ط/ دار العقيدة 1425/ 2004م.

6- جريدة الأخبار المصرية تاريخ 13 جمادى الأولى 1427هـ/ 9 يونيو 2006م.

7- جريدة الأهرام المصرية تاريخ 23/ 8/ 1983م، وتاريخ 29/ 8/ 2004م، وتاريخ 29/ 8/ 1983م، وتاريخ 18/ 8/ 2005م.

8- الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر العسقلاني تحقيق - السيد عبدالله هاشم اليماني ط/ دار المعرفة بيروت.

9- الروضة الندية شرح الدرر البهية لأبي الطيب القنوجي البخاري مكتبة دار الحديث - د. ت.

10- زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم الجوزية مكتبة الصادقية الإسلاميَّة - المطبعة المصرية د. ت

11- سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام للإمام الصنعاني 1182هـ - تحقيق إبراهيم عصر - دار الحديث د. ت

12- سلسلة مطبوعات منظمة الطب الإسلامي - الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة الطبعة الثَّانية إشراف وتقديم د. عبدالرحمن عبدالله العوضي ط/ أولى 1991م.

13- سنن أبي داود للسجستاني (202 - 275) تحقيق محيى الدِّين عبدالحميد - ط/ دار الفكر د. ت.

14- سنن الترمذي (209 - 279) تحقيق: أحمد محمَّد شاكر وآخرين - دار إحياء التراث العربي بيروت د. ت.

15- شرح فتح القدير لابن الهمام (681 هـ) - مطبعة الحلبي - ط/ أولى 1389هـ.

16- الشرح الكبير - مطبعة الحلبي د. ت

17- صحيح البخاري للإمام محمَّد بن إسماعيل البخاري (194 - 256 هـ) تحقيق: مصطفى ديب البغا - دار ابن كثير - اليمامة - بيروت 1407/ 1987م.

18- صحيح مسلم للإمام مسلم القشيري النيسابوري - 206هـ تحقيق: محمَّد فؤاد عبدالباقي - دار إحياء التراث العربي بيروت د. ت

19- العدة شرح العمدة في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل الشيباني - للإمام بهاء الدِّين عبدالرحمن بن إبراهيم المقدسي - تحقيق: محب الدِّين الخطيب د. ت

20- فتاوى الإمام ابن تيميَّة، جمع وترتيب: عبدالرحمن بن قاسم وابنه محمَّد نصير - الطبعة الأولى 1398هـ.

21- فقه السنة للشيخ سيد سابق - طبعة دار التراث د. ت

22- في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب - دار الشروق - الطبعة الحادية عشرة - 1405/ 1985م.

23- القواعد الكلية والضوابط الفقهية، د/ محمَّد عثمان شبير، ط/ دار النفائس، الأردن، ط/ أولى، 1427هـ/ 2006م.

24- كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار للإمام تقي الدِّين أبي بكر بن محمَّد الحسيني الحصني الشَّافعي (752 - 829) تحقيق د. محمَّد بكر إسماعيل - ط دار إحياء الكتب العربية د.ت.

25- المبسوط للإمام شمس الدِّين السرخسي 490 هـ مطبعة السعادة طبعة أولى 1324هـ.

26- المحلى لابن حزم الظاهري - تحقيق لجنة إحياء التراث العربي دار الآفاق الجديدة بيروت د. ت

27 - مختصر خليل لأبي القاسم عمر بن حسين بن عبدالله الخرقي 334 هــ والذي تولى شرحه ابن قدامة.

28 - المدونة للإمام مالك - طبعة دار صادر - بيروت - د. ت

29 - المغني لابن قدامة المقدسي (541 - 620) - دار الفكر بيروت ط/ أولى 1405هـ.

30 - المهذب للإمام الشيرازي ط/ دار الشعب د. ت

31 - مواهب الجليل شرح مختصر خليل للإمام "الحطاب (954 هـ) - مطبعة السعادة ط/ أولى 1328 هـ.

32 - موسوعة القضايا الفقهيَّة المعاصرة والاقتصاد الإسلامي د/ علي أحمد السالوس - مكتبة دار القرآن - ط/ السابعة 1423 هـ 2003 م.

23 - نظرية الضرورة الشرعية د/ وهبة الزحيلي - مؤسسة الرسالة بيروت ط2/ 1979م.

34 - نيل الأوطار للإمام الشوكاني - 1255 هـ - دار الجيل بيروت ط 2/ 1973م.

35 - الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني - 593 الناشر: المكتبة الإسلاميَّة د. ت

36 - الوجيز في أصول الفقه د/ عبدالكريم زيدان - مؤسسة الرسالة ط/ أولى 1420 هـ/ 2000م.

 


[1] "موسوعة القضايا الفقهيَّة المعاصرة والاقتصاد الإسلامي" د. علي السالوس، ط/ 7- مكتبة دار القرآن 1422هـ/ 2003م، ص (37).

[2] جريدة الأهرام المصرية تاريخ 23/ 8/ 1983م تاريخ 29/ 8/ 1983م.

[3] "الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة" سلسلة مطبوعات منظمة الطب الإسلام - بحث د. القرضاوي ص 50.

[4] المصدر السابق ص50.

[5] الحديث متَّفق عليه، أخرجه البخاري عن عائشة - كتاب النكاح - باب ما يحل من النساء وما يحرم بلفظ ((الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة)) رقم 4811ج 5/ 1960، ومسلم - كتاب الرضاعة - باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة عن عائشة ج 2/ 1068 رقم 1444.

[6] جريدة الأهرام المصرية 29 أغسطس 2004.

[7] جريدة الأهرام المصرية تاريخ 18/ فبراير/ 2005.

[8] وهو مذهب بعض الصحابة مثل علي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وبعض التابعين كالثوري، والأوزاعي - رضي الله عنهم أجمعين.

[9] سورة النساء آية 23.

[10] أخرجه البخاري عن عائشة ج2/ 935، باب الشهادة على الإنسان والرضاع بلفظ "ما يحرم من الولادة"، ومسلم - باب ما يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ج4/ 119 وانظر "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" ج 2/ 55.

[11] أخرجه الطبراني في "الصغير" من حديث علي بلفظ لا رضاع بعد الفصال، ولا يتم بعد حلم وأخرجه عبدالرزاق وابن عدي من وجه آخر عن علي، وهو ضعيف انظر "الهداية" ج 2/ 68.

[12] انظر: "المبسوط" للإمام السَّرَخسي ج 5/ 133، و"بدائع الصنائع" للكاساني ج 3/ 400، و"الهداية" ج 1/ 223 - 225.

[13] انظر: "المدونة" ج 2/ 407 - 410 و"مواهب الجليل" ج 4/ 543.

[14] انظر: "المدونة" ج 2/ 41.

[15] "المدونة" ج 2/ 407 و"بداية المجتهد" ج 2/ 44.

[16] انظر: "المدونة": ج 2/ 418.

[17] المصدر السابق ج 2/ 418.

[18] المصدر السابق.

[19] مختصر خليل ج 1/ 160.

[20] "كفايَة الأخيار في حل غاية الاختصار" ج 2/ 173 ط/ دار إحياء الكتب العربية تحقيق د. محمد بكر إسماعيل، وانظر "الأم" ج 5/ 31، وانظر: "المهذب" الشيرازي ج 3/ 141.

[21] "الأم" ج 5/ 31 - و"كفاية الأخيار" 2/ 137 - 138.

[22] "كفاية الأخيار" 2/ 138.

[23] انظر: "كفاية الأخيار" 2/ 138 - و"الأم" ج 5/ 29.

[24] المصادر السابقة.

[25] رواه الدارقطني وابن عدي مرفوعًا وموقوفًا عن ابن عباس - رضي الله عنهما، ورجح الدَّارقطني الموقوف؛ لأنه تفرد برفعه الهيثم بن جميل عن ابن عيينة، قاله الدارقطني، وقال: كان ثقة حافظًا: انظر: "سبل السلام"؛ باب الرضاع ج3/ 1158 رقم 1063.

[26] أخرجه الترمذي عن أم سلمة - كتاب الرضاع - باب ما جاء ما ذكر أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين ج 3/ 458، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

[27] انظر: "الأم" ج 4/ 29 - 5/ 29.

[28] رواه مسلم عن عائشة - كتاب الرضاع - باب التحريم بخمس رضعات ج 2/ 1075 رقم 1452 و"سبل السلام"؛ كتاب الرضاع ج 3/ 1156 رقم 1060.

[29] انظر: "كفاية الأخيار" ج 2/ 1073 رقم 1451 وانظر: "الهداية" ج 2/ 68.

[30] المصادر السابقة.

[31] "العدة شرح العمدة" لإبراهيم المقدسي - تحقيق محب الدين الخطيب 277 د ت.

[32] انظر: "العدة" ص 277 و 278، و"المغني" ج 8/ 140.

[33] البقرة: آية 233.

[34] أخرجه الترمذي عن أم سلمة ج 3/ 458 وقال: حسن صحيح.

[35] انظر: "المغني" ج 8/ 143.

[36] انظر: "المغني" 8/ 143.

[37] سبق تخريجه ص 12.

[38] أخرجه الترمذي عن عائشة - كتاب الرضاع - باب لا تحرم المصة ولا المصتان ج 3/ 455 ومسلم عن أم الفضل.

[39] أخرجه مسلم عن أم الفضل وفي لفظ ((الرضعة والرضعتان))، انظر: "النهاية" ج 2/ 68.

[40] انظر: "فتاوى ابن تيميَّة" - باب الرضاع ج 34/ 30، و"شرح العدة" 279، و"المغني" ج 8/ 138.

[41] انظر: "المغني" ج 8/ 138.

[42] انظر: "المغني" 8/ 138.

[43] المصدر السابق 8/ 140.

[44] انظر: المصدر السابق 8/ 140.

[45] المصدر السابق 8/ 140.

[46] "المغني" 8/ 138.

[47] "المحلى" لابن حزم ج 10/ 7 ط دار الآفاق الجديدة بيروت تحقيق لجنة إحياء التراث العربي - د. ت

[48] المصدر السابق ج 10/ 9.

[49] المصدر السابق ج 10/ 17.

[50] الأحزاب: 5.

[51] رواه أبو داود عن عائشة - باب فيمن حرم به - ج 2/ 223 رقم 2061.

[52] "المحلى" ج 10/ 9 - 11 والآية من سورة البقرة 229.

[53] "الحجة البالغة" للإمام الشوكاني نقلاً عن "الروضة الندية شرح الدرر البهية" أبو الطيب صديق بن حسن بن على الحسيني القنوجي ج 2/ 86 ط - دار التراث - د. ت

[54] انظر: "نيل الأوطار" للشوكاني ج 7/ 114 - ط 1973.

[55] "سبل السلام" للإمام الصنعاني - باب الرضاع 3/ 1151 - 1152 - ط - دار الحديث تحقيق إبراهيم عصر.

[56] انظر: "نيل الأوطار" للشوكاني ج 7/ 116.

[57] النساء آية 23.

[58] النساء آية 23.

[59] سلسلة مطبوعات منظمة الطب الإسلامي (الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة)، بحث د. القرضاوي الطبعة الثانية 1991 ص 52 - 55.

[60] سلسلة منظمة الطب الإسلامي ص/ 80 و 81 و 82.

[61] جريدة الأهرام المصرية تاريخ 23/ 8/ 1983، وتاريخ 29/ 8/ 1983.

[62] كان يشغل منصب مدير عام التدريب والدعوة بوزارة الأوقاف المصرية.

[63] "الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة"، ص 463 و 464.

[64] رئيس الإدارة المركزية لمكتب شيخ الأزهر.

[65] "الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة" 464 و465.

[66] سورة النساء: الآية 23.

[67] سورة النساء الآية 13.

[68] جريدة الأخبار المصرية عدد 16980 13 جمادى الأولى 1427، 5/ 9 يونيو 2006م.

[69] "الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة" 465 و466.

[70] المصدر السابق ص 466.

[71] انظر: "كفاية الأخيار" 2/ 138.

[72] انظر: "العدة شرح العمدة" ص 277.

[73] انظر: "المدونة" ج 2/ 5407 - انظر "الهداية" ج 1/ 223.

[74] "فقه السنة" للسيد سابق ج2/ 68 - مكتبة دار التراث - د. ت

[75] "الأم" ج 5/ 31.

[76] انظر: "الشرح الكبير" ج 9/ 194، وانظر: "المغني" ج 8/ 138.

[77] "شرح فتح القدير لابن الهمام على الهداية" ج 3/ 2.

[78] "نيل الأوطار" ج 7/ 116.

[79] "كفاية الأخيار" ج 2/ 138.

[80] جزء من مقال الشيخ محمد حسام الدين وقد سبق ذكره.

[81] النساء آية: 29.

[82] البقرة: آية 195.

[83] "الوجيز في أصول الفقه" د. عبدالكريم زيدان ص 53، 54، الطبعة السابعة 1420هـ/ 2000 مؤسسة الرسالة.

[84] انظر: "الأشباه والنظائر" للسُّيوطي ص 84، و"نظريَّة الضَّرورَة" د. وهبَة الزحيلي ص 68، و"القواعد الكلية والضوابط الفقهية" د. محمد عثمان شبير ص 241.

[85] "سبل السلام" ج 3/ 1160 رقم 1066 وقد عقب عليه بقوله: أخرجه أبو داود، وهو مرسل وليست لزيادٍ صحبةٌ.

[86] ذكر د. محمد الأشقر اقتراحًا قريبًا من ذلك انظر: "الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة" ص 69.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • باكستان: انضمام بنك "KASB" إلى البنوك الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ذبح الهدي قبل يوم العيد(مقالة - ملفات خاصة)
  • نافذة على بنوك الطعام الخيرية الإسلامية في بريطانيا(مقالة - المترجمات)
  • غانا: البنك المركزي لا يمانع في ظهور البنوك الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إيران: إنشاء بنوك بالدول الإسلامية تحت أسماء وهمية خرقًا للحظر الاقتصادي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية ومشاركة بنوك بريطانية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بنك الكرامة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ألمانيا: بنوك إسلامية لخدمة المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المسلمون الكنديون يدعمون بنوك الطعام قبل رمضان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بريطانيا: إسهامات المسلمين الخيرية في دعم بنوك الطعام(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
2- تعليق على تعليق رقم (1)
عزالدين تيجاني الكندي - كندا 06-03-2017 12:11 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
قد قرأت البحث، وإن كان يحتاج إلى تطوير أكثر، إلا أن صاحبه د. عبد التواب معوض، حفظه الله، مشكور ومأجور. وقد عرضت علي مسألة بنوك الحليب، وأرجح فيها:
- جواز استعمال بنك الحليب المختلط، حيث يخلطون حليبا مجهولا من أمهات متطوعات في بنك واحد، وأحيانا يخلطوه مع حليب اصطناعي. وهو يعطى اضطرارا للأطفال الذين ولدوا قبل أوان الوضع. ولا يعيشون بدون هذا الحليب، حيث أن الحليب الاصطناعي لا ينفع وحيث أن أمهاتهم لا حليب لهن. فيتوفر فيه الاضطرار وكذا اليقين الغالب على الشك في أن قدر الحليب المنسوب لكل أم واحدةعلى حدا من آلاف المتطوعات لا تصل كميته للخمس رضعات الشرعية.
- حرمة استعمال حليب أم واحدة بكمية تتجاوز الخمس رضعات التي تجعل الرضاع شرعيا، إلا عبر إعلام أولياء الرضيع بمعلوماتها الشخصية حتى يحذروا إذا كبر الرضيع من الزواج بمن يحرم بسبب الرضاعة.
وردا على التعليق رقم 1 فأقول:  أما السبب الأول الذي ذكرته فالحليب الاصطناعي لا يعوض الحليب الطبيعي للأمهات من بني البشر، وحسب تقييم أهل الاختصاص من الأطباء فالاكتفاء بالحليب الاصطناعي أو الحيواني يعرض الطفل الخديج للهلاك المحقق. وأما السبب الثاني  فالحليب المختلط تكون فيه كمية الحليب المنسوب لكل امرأة على حدا قليلا لدرجة لا توفي بشرط خمس رضعات الشرعية.
والله أعلم وأحكم. والحمد لله رب العالمين

1- تدقيق على البحث
الشيخ وائل سكيك - فلسطين 10-10-2008 08:59 AM
السلام عليكم ورحة الله وبركاته وبعد:
إن الترجيح في مسألة بنوك الحليب للدكتور عبدالتواب مصطفى خالد معوض جزاه الله خيرا ليس مضبوطا بما يكفي من الضوابط الأصولية عند حديثه عن(مناط الضرورة الشَّرعيَّة ) وذلك لما يلي:

1- إن قياس بنوك الحليب على أكل الميتة للضرورة قياس مع الفارق غذا لا ضرورة شرعية في إنقاذ الأطفال بحليب البنوك لأن البدائل كثيرة من (حليب ماتيرنا وغيره) والتي أنقذ بها آلاف من الأطفال وفي جميع دول العالم فبذلك ينتفي تقييد الضرورة بحليب البنوك.فالاعتياض عن بنوك الحليب وارد وموجود.
2- قوله :"أن يكون الضرر المترتب على ارتكاب المحظور أقل من الضرر المترتب على وجوده حال الضرورة " فيه اشعار برجحان قول المحرمين لبنوك الحليب إذ اعتبر الدكتور عبد التواب بارك الله فيه الإرضاع من بنوك الحليب ضررا ارتكابا للمحظور بقوله:"أن يكون الضرر المترتب على ارتكاب المحظور ..." وأجاز هذا الضرر للضرورة عند عدم وجود البديل والبديل موجود فبقي التحريم.
وعليه فإن القول بتحريم بنوك الحليب هو القول الراجع للسباب التالية:

1- وجود بديل عن بنوك الحليب وهي الأنواع المبسترة من الحليب والتي تتناسب مع أعمار الأطفال من الولادة وحتى الفطام.

2- مراعاة لاختلاط الأنساب بإرضاع الطفل من لبن البنوك إذ قد يتزوج الطفل بعد بلوغه من محارمه بالرضاع

أما التعليق على المطلب الرابع: ضوابط وقيود (تَوصيات): فما يلي:
1- ضابط أن تكون الأم سليمة يحتاج إلى فحوصات وتحاليل تزيد من سعر الحليب إذا ما أضيف إليه سعر الحليب نفسه إن لم يكن من متبرعة.

2- وصول الحليب الصناعي للدولة المنكوبة أسرع من البحث عن أمهات يجبرن على إستخراج الحليب لرضاع الأطفال فهذا لا يعد ضابطا وخصوصاً أن الدولة المنكوبة تتاج للأدوية التي تساعد في تحليل حليب المهات أم نعطي الأطفال الحليب منغير تحليل.
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب