• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / نوازل فقهية
علامة باركود

الآنية والأوعية المستخدمة في العهد النبوي (دراسة مستمدة من كتب الحديث الشريف)

د. محمد بن فارس الجميل

المصدر: مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد 12، السنة 12، ص96-173
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/2/2007 ميلادي - 15/1/1428 هجري

الزيارات: 259849

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الآنية والأوعية المستخدمة في العهد النبوي

(دراسة مستمدة من كتب الحديث الشريف)


المقدمة:

إن الغرض من هذه الدراسة هو إلقاء الضوء على الآنية والأوعية المستخدمة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك من أجل رسم صورة واضحة لجانب من جوانب الحياة الاجتماعية في ذلك الحين. والمرجع في ذلك كتب الحديث التسعة الواردة في المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف، وذلك أيسر لحصر مادتها وبحثها. والمقصود بالكتب التسعة هي:

الموطأ: للإمام مالك (ت:179)، المسند: للإمام أحمد بن حنبل (ت:241هـ) سنن الدارمي (ت:255هـ)، صحيح البخاري: للإمام البخاري (ت:256هـ)، صحيح مسلم: للإمام مسلم (ت:261هـ)، سنن ابن ماجة: لابن ماجة، (ت:275هـ)، سنن أبي داود (ت:175هـ)، سنن الترمذي، للترمذي (ت:279هـ)، سنن النسائي: للنسائي (ت:303هـ).

 

وتعود أهمية هذه الدراسة إلى اعتمادها على هذه الكتب المشهورة في الحديث النبوي الشريف، والتي حسب علمي لم يسبق أن استخدمت لدراسة هذا الموضوع من قبل. ومما لا شك فيه أن تلك المصادر الأساسية في السنة النبوية تُعدُّ المرآة التي تعكس الكثير من جوانب الحياة في العصر النبوي. ولعل من ضمن تلك الجوانب ما كان يستخدمه المجتمع آنذاك في طعامه وشرابه من آنية وأوعية، وذلك متمثل بالطبع في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيوت صحابته (رضوان الله عليهم).


والمأمول من هذه الدراسة أن تقدم صورة واضحة عن تلك المقتنيات المستعملة في ذلك الحين، وتحبيب بقدر الإمكان عن بعض التساؤلات المتعلقة بها، مثل: مم كانت تتألف تلك المقتنيات؟ وما مادة صناعتها؟ وما مصادرها؟.

 

وقد يلاحظ المرء أن معظم مواد الواقعة في نطاق هذه الدراسة، هي نماذج مأخوذه من بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس في ذلك ما يدعو للغرابة، حيث إن مصادر الدراسة منصبة في أساسها على حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته الطاهرة، فهي المثال الأعلى الذي يجب أن يحتذى، لقوله تعالى ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [21: الأحزاب].

 

لهذا فلا عجب أن كانت حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي القطب الذي تدور حوله حياة المجتمع المسلم في ذلك الحين من عبادة ومطعم ومشرب وملبس وما يرافق ذلك من أدوات الاستخدام اليومي.

 

وسيلاحظ المرء كذلك شيء من التشابه في الحديث عن بعض الآنية والأوعية فيظنه حديث مكرور لا جديد فيه، منها الحديث عن: الطبق والقناع أو الزبيل والعرق وغير ذلك، وهذا الاستنتاج صحيح إلى حد ما، ولكن الذي أدى إلى ذلك هو إيراد كتب الحديث أكثر من مسمى لشيء ربما يكون واحداً. لذلك كان لا مناص من الحديث عن ذلك الشيء تحت مسماه الآخر.

 

أما بالنسبة للتعريف بالآنية والأوعية التي سنتطرق إليها هنا، فسيكون المرجع فيه إلى معاجم اللغة المشهورة. حيث سيقدم التعريف اللغوي بكل مادة على حدة، ثم يكون الحديث عنها في ضوء ما قدمته المصادر من معلومات.

 

وحتى يكون التعرف على وظائف تلك المقتنيات ميسوراً، فإنه يمكن تصنيفها إلى فئات حسب أوجه استخدامها:

الفئة الأولى: آنية الطعام، الفئة الثانية: آنية الشراب، الفئة الثالثة: آنية وأوعية السوائل، الفئة الرابعة: أوعية ذات استخدامات شتى. الفئة الخامسة: وحدات الكيل.

 

لكن قبل مباشرة الحديث يجدر بنا الإشارة إلى بعض المعلومات التي تعترض سبيل الدارس لمثل هذا الموضوع، وذلك على الأقل فيما يتعلق بالمسميات والمصطلحات ذات العلاقة المباشرة بمادة الدراسة. حيث إن معظم معاجم اللغة لا تسعف كثيراً في تذليل مثل تلك الصعوبات (!) وهاك مثلاً على ذلك تعريف الوعاء والإناء.

 

فقد جاء عند الأزهري (ت:370هـ) في تهذيب اللغة، في تعريفه للإِناء قوله ((واحد الإِناء، مثل رداء وأردية)) (15/ 555)).

 

أما الوعاء، فقال عنه ((.. وأوعى الشيء في الوعاء يوعيه إيعاء - بالألف فهو موعى. قال: والوعاء يقال له الإعاء)). (2/ 159 - 260).

 

أما الجوهري (ت:398)، فقد قال في الصحاح عن الإناء ((الإناء، معروف، وجمعه آنية..)) (6/ 2274)، أما الوعاء: ((فهو واحد أوعية، يقال: أوعيت الزاد أو المتاع إذا جعلته في الوعاء...)) (6/ 2525).

 

وابن منظور (ت:711هـ)، في اللسان، يعرف الإناء بقوله: ((الإناء ممدود: واحد الآنية، معروف مثل رداء وأردية، وجمعه آنية.. والإناء الذي يرتفق به، وهو مشتق من ذلك لأنه بلغ أن يعتمل بما يعاني به من طبخ أو خزر أو تجارة...)) (14/ 48).

 

والوعاء، يعرفه ابن منظور بأنه: ((الوعاء والإعاء على البدل والوعاء، كل ذلك ظرف الشيء، والجمع أوعية...)) (15/ 397).

 

وإذا سألنا عن كنه الظرف؟ وما الفرق بينه وبين الوعاء (؟!) وجدنا ابن منظور مرة أخرى، يعرف الظرف بقوله:

((ظرف الشيء: وعاؤه، والجمع ظروف، ومنه ظروف الأزمنة والأمكنة... والظرف وعاء كل شيء حتى إن الإبريق ظرف لما فيه)) (9/ 229). وهكذا فالظرف هو الوعاء والوعاء هو الظرف (؟!).


وأخيراً فإن الفيروز آبادي (ت:817هـ)، يقول عن الإناء في القاموس المحيط، الإناء كسحاب، وبالكسر معروف جمع آنية وأوان)) (ص1731).

 

مما سبق يتبين بجلاء بأن المعاجم اللغوية في بعض الأحيان لا تقدم ما يشفي فيما يتعلق بمسميات بعض الأشياء حيث إنها تفتقر إلى تقديم المسميات الدقيقة لها وذكر الفروق فيما بينها إن وجدت.

 

وهذه المعاجم الأربعة التي قدمنا أمثلة منها لكلمتي إناء ووعاء، لم تذكر لنا الفرق بين المسلمين، فهل الإِناء هو الوعاء؟.


وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن أن نقول عن القربة مثلاً أنها إناء الماء كما نقول عن القدح أنه إناء اللبن؟! وأيهما أصح: القول بأن القربة وعاء الماء أم إناء الماء؟ يبدو أن الأمر لا يخلو من صعوبة، وهذه الصعوبة منشؤها يعود إلى عدم التفريق الدقيق عند بعض مؤلفي المعاجم بين بعض المسميات كالتي ذكرنا طرفاً منها.

 

ولعل ما يدفع الباحث إلى الظن بأن هناك فرق بين الإناء والوعاء هو ما يلاحظ عند الثعالبي (ت:430هـ) في كتابة فقه اللغة وسر العربية، حيث إنه في كثير من الأحيان يفرق بين الإناء والوعاء من حيث الاستعمال، فمثلاً على ذلك أنه خصص فصلاً بعنوان: فصل في تقسيم أوعية المائعات (ص:240 - 241)، وذكر في ذلك الفصل السقاء والقربة والوطب والعكة والنحى وغيرها. ثم خصص فصلاً آخر للحديث عن الأواني بعنوان: فصل في أجناس الأقداح وما يناسبها من أواني الشراب (ص:241)، وساق أمثلة على ذلك: كالقدح والعس والعلبة والمركن وغيرها.

 

ومرة أخرى فقد خصص الثعالبي فصلاً بعنوان: فصل في ترتيب أوعية الماء التي يسافر بها: فذكر منها الركوة والمطهرة والإداوة والمزادة والسطيحة والراوية. (ص:241)، ومن اللافت للنظر أن جميع تلك الأوعية التي مر عليها في هذا الفصل هي أوعية مصنوعة من الجلد.

 

وبناء على ما تقدم فإن القارئ سيلاحظ في هذا البحث أن هناك محاولة تفريق بين ما هو إناء وما هو وعاء. وفي واقع الأمر فإنه ليس لدينا في هذا التفريق قاعدة يمكن الرجوع إليها في هذا التحديد ولكنه الاجتهاد، الذي هو عرضة للخطأ والصواب. فإن كان صواباً فبتوفيق من الله وفضل وإن كان خطأ فمن نفسي وما أبرئها.

 

وسنبدأ الآن دراستنا بالفئة الأولى وهي الخاصة بآنية الطعام.


الفئة الأولى:

آنية الطعام:

ويمكن تقسيم آنية الطعام إلى ثلاثة أنواع. حسب استخدامها. النوع الأول: ما يطبخ فيها الطعام، النوع الثاني: ما يقدم فيه الطعام أما النوع الثالث: فهو نوع من الآنية تقدم أو تحفظ فيه الأطعمة الباردة أو الجافة مثل: التمور أو الفواكه.


النوع الأول: آنية الطبخ:

أ- البرمة: هي القدر. وحسب تعريف آخر هي قدر من حجارة. والجمع بُرَمٌ وبِرامٌ ويظهر أن البرمة تصنع من حجارة خاصة منتشرة بالحجاز واليمن. ولعل من هذه الإشارة الأخيرة تفيد أن أهم أماكن صناعة هذا النوع من أواني الطهي هو الحجاز واليمن. ولدينا إشارة وردت عن النابغة الذبياني تفيد بأن نخلة من الأماكن المشهورة بتجارة البرم وأن تجارتها من الأنشطة النسوية حيث يقول:

والبائعات بشطي ♦♦♦ نخلة البرما

 

وكانت البرمة من أواني الطهي المستعملة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مستخدمة في بيوته وبيوت أهل المدينة عامة، وقد ورد عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قولها: ((... فدخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والبرمة على النار. فدعا بطعام. فأتى بخبز وأدم البيت. فقال: ((ألم أر برمة على النار فيها لحم؟)).. الحديث.

 

يبدو أن البرمة كانت من أكثر أواني الطهي شيوعاً في ذلك العصر، فقد روت عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت إذا مات الميت من أهلها، فاجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها، أمرت ببرمة من تلبينة - فطبخت، ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها وفي مناسبة أخرى يحدثنا الصحابي الجليل أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن والدته أم سليم - رضي الله عنها - أهدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيسة في برمة.

 

وأخيراً فقد جاء عن أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بيتها فأتته ابنته فاطمة - رضي الله عنها - ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه.

 

وهكذا يتبين مما سبق أن البرمة نوع من آنية الطهي وأنها تصنع من حجارة خاصة قد لا تتوافر إلا في اليمن والحجاز وقد تشتهر بعض الأماكن في الحجاز بصناعتها والاتجار فيها مثل نخلة.

 

ب- القدر: ((القدر، مؤنثة عند جميع العرب بلا هاء، وإذا حُقِّرت قيل لها: قديرة وقدير بالهاء وغير الهاء)).

 

ليس من شك في أن القدر من آنية الطبيخ ولكن معاجم اللغة لا تسعف الباحث في تقديم صورة واضحة عن تلك الآنية فهي لا تتطرق إلى شكلها ولا إلى مادة صناعتها ولا أين تصنع. فالمعاجم تأتي على ذكرها باختصار شديد وكأنها شيء معروف والمعروف عادة لا يعرف.

 

على كل حال، وردت الإشارة إلى القدر في مناسبات كثيرة يصعب حصرها في هذا المقام، منها ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحج مائة بدنة... وأخذ من كل بدنة بضعة فجمعت في قدر فأكل منها وحسا من مرقها. وعن ابن عباس أيضاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتشل من قدر عظماً فصلى ولم يتوضأ. ومرة أخرى يحدثنا ابن عباس قائلاً: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأتيه الجارية بالكتف من القدر فيأكل منها.

 

وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه في يوم خيبر سنة 7هـ أمر بلحوم حمر الناس (الأهلية) وهي في القدور فأكفئت.

 

وأخيراً يصف لنا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ما تعانيه زوجته فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مشقة الخدمة قائلاً... فجرت بالرحى حتى أثرت بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها وأصابها في ذلك ضر.

 

إن الإشارة إلى القدر في كتب الحديث كثيرة جداً حتى يخيل إلى المرء بأن القدر ليس شيئاً مخصوصاً بعينه بل يكاد يكون كل ما يطبخ فيه فهو قدر.

 

المرجل:

((المرجل: القدر من الحجارة والنحاس.. وقيل هو قدر النحاس خاصة. وقيل هي كل ما طبخ فيها من قدر وغيرها.

 

وحسب تعريف آخر فإن المرجل قدر من نحاس. وهكذا من هذه التعريفات يتبين أن المرجل قدر يصنع من مادة الحجارة أو النحاس وإن كان الغالب حسب ما تقدم أنه يصنع من النحاس خاصة. وما دام يصنع من النحاس فلابد أن يكون ثمنه مرتفعاً. والمعلومات المتوافرة لا تشير لا إلى ثمنه ولا إلى مكان صناعته ولا حجمه!

 

وقد جاءت الإشارة إلى المرجل في مصادر هذه الدراسة نادرة جداً. فقد روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل)).

 

وجاء عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنه - أنها قالت:

ودخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمرجل يفور بلحم. فقال: ((من أين لك هذا؟)).

 

إن الإشارة إلى المرجل في حديث عائشة تبين أنه كان موجوداً في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن المؤكد أنه كان موجوداً في بعض بيوت أهل المدينة. ولكن يبدو أنه لم يكن واسع الانتشار ربما لندرته، خاصة إن كان يصنع من النحاس.


النوع الثاني:
ما يقدم فيه الطعام:

الجام:

((الجام: إناء من فضة، عربي صحيح،.. ابن الاعرابي: الجام، الفاثور من اللجين ويجمع على أجوم)).

 

ليس فيما تقدم ما يفيد عن صفة الجام سوى أنه إناء من فضة، وأن تسميته عربية صحيحه. فليس بواضح هنا هل الجام من آنية الطعام أو الشراب. أو من آنية الاستعمالات الأخرى.

 

كما أن الإشارة إليه في مصادر هذه الدراسة جاءت مرة واحدة بروايتين متشابهتين. فجاء عند البخاري ما نصه:

((عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدموا بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوصاً من ذهب، فأحلفهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم وجد الجام بمكة)).

 

وفي رواية أخرى ((فقدوا جام فضة مخوصاً بالذهب)).

 

نظراً لأن الجام من فضة أنه محلى أيضاً بشيء من الذهب فقد جاء ثمنه كبيراً، حيث ورد في أحد المصادر أن ثمن ذلك الجام ألف درهم.

 

مهما يكن الأمر فإن الذي لا شك فيه أن الجام أو هذا الإناء الفضي لم يكن من مقتنيات بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما وأنه من المستبعد أن يكون من مقتنيات أصحابه، حيث أننا نعرف موقف الدين والرسول - صلى الله عليه وسلم - من آنية الذهب والفضة.

 

والذي لا جدال فيه هو أن ((الجام)) إناء نادر وعزيز الثمن.

 

الجفنة:

((الجفنة معروفة، أعظم ما يكون القصاع، والجمع جفان)) الإشارة إلى الجفنة، في ما توافر لدينا من مصادر هذه الدراسة كثيرة جداً، لكن هذه المصادر مثلها مثل معاجم اللغة لا تفصح كثيراً عن ماهية الجفنة، وإن كان واحداً منها يذكر أن الجفنة من القصاع وهي أكبرها ويضيف المصدر نفسه قائلاً: ((وقصاع العرب من خشب)) فهذه الإشارة الأخيرة توحي بأن الجفنة ربما صنعت من الخشب.

 

وقد روى عن الصحابي عكراش بن ذؤيب أنه قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بجفنة كثيرة الزبد والودك فأقبلنا نأكل منها وفي مناسبة مشابهة يروي ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بجفنة أو قال: قصعة من ثريد، فقال: كلوا من حافاتها ويظهر من رواية للصحابي جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أن بعض الجفان قد تكون كبيرة جداً لدرجة أنها تكفي الركب! فهو يقول: فقال: (أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((يا جابر ناد بجفنة)) فقلت: يا جفنة الركب! فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده في الجفنة هكذا والجفنة ربما استخدمت لأكثر من غرض فليست موقوفة على الطعام فقط، روى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال:

قامت امرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلت في جفنة من جنابة، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى فضلها يستحم.

 

وهكذا مما تقدم يتبين أن الجفنة من الأواني المستخدمة في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيوت أصحابه، وأنه ربما استخدمت لأغراض شتى، وأنه منها الصغير والكبير.

 

سكرجة:

سُكُرّجَةً... هي بضم السين والكاف والراء والتشديد، إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم، وهي فارسية. وأكثر ما يوضع فيها الكواميخ ونحوها.

 

من التعريف السابق يظهر أن السكرجة من آنية الطعام، ويظهر كذلك أنها من الآنية الثمينة. وقد جاء في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: ما أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - على خوان ولا في سكرجة. قال: فعلام كانوا يأكلون؟ قال: على السفر.

 

ويظهر أن السكرجة ذات أحجام مختلفة فكما أنها تستخدم آنية الطعام تستخدم ذات الأحجام الصغيرة منها في مكاييل الأطباء وأوزانهم.

 

كما تقدم يبدو أن السكرجة لم تكن من الآنية الشائعة الاستعمال، وإن كانت معروفة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولعل عدم استعمالها في بيوته يعود إلى ارتفاع ثمنها والرسول (عليه الصلاة والسلام) من أبعد الناس عن الكلف بالدنيا وبهرجها، وليس من المستبعد أن السكرجة من الآنية القادمة من بلاد فارس.

 

الصحفة:

((الصحفة: كالقصعة، وقال ابن سيده، شبه قصعة سلنطيحة، عريضة، وهي تشبع الخمسة ونحوهم والجمع صحاف)).

 

وجاءت الإشارة إلى الصحفة في القرآن الكريم بصيغة الجمع، فقال تعالى:

﴿ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ ﴾ [43: الزخرف].

 

ولابد أن الصحفة تأتي على أحجام مختلفة، فقيل إنها تشبع الخمسة كما سبق. وقيل أيضاً أنها تشبع الواحد.

 

وجاءت الإشارة إلى الصحفة في المصادر الحديثية مرات عدة، سنكتفي بالبعض منها:

من ذلك ما جاء عن أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها -: أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فجاءت عائشة مئتزرة بكساء ومعها فهر، ففلقت به الصحفة. فجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين فلقتي الصحفة ويقول: ((كلوا غارت أمكم))... والمقصود بالفهر هنا، حجر ملء الكف.

 

وفي رواية عن أم هانئ بنت أبي طالب تقول فيها: دخلت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح وهو في قبة له، فوجدته قد اغتسل بماء صحفة فيها أثر العجين.

 

وكان عند الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تسع صحاف فلا تكون فاكهة ولا طريفة إلا جعل منها في تلك الصحاف فبعث بها إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

وأخيراً فإن الذي يمكن استنتاجه مما تقدم بأن الصحفة تتخذ من الخشب وأنها ذات استخدامات كثيرة، فهي مرة للطعام ومرة لعجن العجين ومرة للغسل والوضوء ونحو ذلك.

 

وهذه الاستخدامات الكثيرة للإناء الواحد ربما تعكس حقيقة مهمة وهي قلة الآنية المتداولة في البيت الواحد في ذلك الحين، أما لزهد في الدنيا ومتاعها أو ربما لقلة ذات اليد.

 

والذي لا خلاف فيه أن الصحفة كانت من الآنية المتداولة في بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيوت صحابته الكرام.

 

القصعة:

((القصعة: الفخمة تشبع العشرة، والجمع قصاع وقصع)) وفي تعريف آخر ((القصعة)) هي الصحفة والجمع قصعات.

 

ومن إحدى الروايات يظهر أن القصعة تصنع من الخشب والقصعة معروفة على زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمن صحابته الكرام.

 

وقد روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قائلاً:

كنت غلاماً أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على غلام له خياط فأتاه بقصعة فيها طعام وعليه دباء وفي مناسبة أخرى يقول أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعار قصعة فضاعت فضمنها لهم.

 

وهذه الرواية تدل على أن بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما لم يكن مشتملاً على كل احتياجاته ولعل من أهم احتياجاته القصعة، وإن كان المرء لا يعرف أكانت استعارة القصعة في حضر أم سفر.

 

وفي رواية عن أنس أيضاً يقول فيها:

أهدت بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - طعاماً في قصعة. فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((طعام بطعام وإناء بإناء)).

 

وتقدم لنا أم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنها - استخداماً آخر للقصعة فتقول:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل وميمونة في إناء واحد، في قصعة، فيها أثر العجين فالقصعة هنا تستخدم لأغراض مختلفة مثل الغسل وعجن العجين بالإضافة إلى كونها من آنية الطعام.

 

ويبدو أن بعض القصاع كبيرة جداً لدرجة أن يحملها أربعة رجال. ففي رواية لعبدالله بن بسر يقول فيها:

كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال.

 

وفي بعض الأحيان يختلط اسم القصعة مع الصحفة، ففي رواية عن أنس - رضي الله عنه - قال فيها:

أهدي بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قصعة فيها ثريد وهو في بيت بعض أزواجه فضربت القصعة فانكسرت فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ الثريد فيرده في الصحفة، وهو يقول: كلوا غارت أمكم. ثم انتظر حتى جاءت بقصعة صحيحة فأخذها فأعطاها صاحبة القصعة المكسورة.

 

وفي رواية أنس الأخيرة الأمر ليس بواضح فهل كان ذلك الإناء قصعة أم صحفة.. فالرواية تخلط بين الأمرين.

 

والذي يستنتجه الباحث من الروايات السابقة هو أن الصحفة والجفنة والقصعة ربما كانت تصنع من أصل واحد وهو الخشب، وأنها متقاربة الشكل ولكنها تختلف في الحجم، ولهذا جاءت التسمية مختلفة لاختلاف الأحجام لا اختلاف الجوهر.

 

ولعل ما ذهبنا إليه في هذا الاستنتاج يؤيده ما جاء عند الثعالبي في ترتيب القصاع فهو يقول:

الصحفة: تشبع الرجل، والقصعة تشبع السبعة إلى العشرة، والجفنة وهي أكبرها وعنى أكبرها ربما يعني الإِناء الذي يشبع ما فوق العشرة.


النوع الثالث: ما تقدم فيه بعض الثمار:

الطباق:

((الطبق غطاء كل شيء... والطبق الذي يؤكل عليه أو فيه والجمع أطباق)).

 

الذي يهمنا هنا هو التعريف الأخير للطبق أي الشيء الذي يؤكل عليه أو فيه. ففي رواية عن أحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فيها: كنا جلوساً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فجاء رجل بطبق عليه تمر. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((ما هذا؟ أصدقة أم هدية؟)).

 

وقال أنس - رضي الله عنه -:

كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يتهادين الجراد على الأطباق.

 

والطبق مثله مثل بقية الآنية كالصحفة والجفنة والقصعة، قد يستخدم لأغراض شتى غير الطعام، ففي رواية عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قوله:

أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته بعده.

 

وربما استخدم الطبق مكان الدف فقد جاء عن السائب بن يزيد قوله: أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا عائشة أتعرفين هذه؟)) قالت: لا، يا نبي الله. فقال: ((هذه قينة بنى فلان. تحبين أن تغنيك؟)) قالت: نعم. فأعطاها طبقاً فغنتها.

 

والذي يفهم مما تقدم أن الطبق هو الذي يؤكل فيه أو عليه الطعام، وخاصة بعض الأطعمة الجافة كالتمر أو الجراد ونحوه.

 

وربما استخدم الطبق في حالات خاصة للكتابة أو كأداة مصاحبة للغناء (الدف)، ومن المحتمل أن الطبق يتخذ من سعف النخل كما سيتضح ذلك عند الحديث عن القناع. أما الطبق الذي استخدم مصاحباً للغناء فقد يكون مصنوعاً من المعدن حتى يكون له صوتاً ظاهراً.

 

القناع:

القِنْعُ والقِناعُ: الطبق من عسب النخل يوضع فيه الطعام، والجمع أقْناعٌ وأقْنِعةٌ.. قال: القنع والقناع الطبق الذي يؤكل عليه الطعام، وقال غيره ويجعل فيه الفاكهة. وقيل: القناع طبق الرطب خاصة، وقيل: القنع الطبق الذي تؤكل فيه الفاكهة وغيرها.

 

وفي تعريف آخر، ((القناع، الطبق من عسب النخل وكذلك القنع)).

 

وهكذا يتضح أن القنع أو القناع يختلف عن الصحفة والجفنة والقصعة.. فالأواني الثلاثة الأخيرة تصنع من الخشب، وفي غالب الأحوال تستخدم في تقديم الطعام الحار بالإضافة إلى بعض الاستخدامات الأخرى أما الطبق فهو كما يظهر في التعريف السابق يصنع في الغالب من عسب النخل، ويستخدم في تقديم التمر أو الفاكهة وما في حكمها.. أي يستخدم في تقديم الطعام البارد.

 

وقد وردت الإشارة إلى القنع في مصادر هذه الدراسة كثيراً. سنكتفي بذكر البعض منها. قال الصحابي الجليل جابر بن عبدالله - رضي الله عليه -: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه فدخل على امرأة من الأنصار، فذبحت له شاة فأكل، أتته بقناع من ركب فأكل منه.

 

وفي رواية عن أنس - رضي الله عنه - أن والدته أم سليم، بعثته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقناع عليه رطب. وعن الربيع بنت معوذ قالت: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بقناع فيه رطب وأجر زغب، فوضع في يدي شيئاً. وقال لقيط بن أبي صبرة: كنت وافد بني المنتفق، أو في وفد بني المنتفق، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة أم المؤمنين، قال: فأمرت لنا بخريزة فصنعت لها، قال: وأتينا بقناع.. والقناع الطبق فيه تمر. ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أصبتم شيئاً أو أمر لكم بشيء)).

 

مما سبق يتضح أن القناع طبق يصنع من عسب النخل كان موجوداً بكثرة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه يستخدم في تقديم الخضار والفواكه والتمور وما في حكمها، فهو من الآنية التي تستخدم لأنواع خاصة من الأطعمة.


الفئة الثانية:

آنية الشراب:

المقصود بآنية الشراب هنا، الأواني التي تستخدم في تناول الأشربة أو في شربها كالماء أو ما في حكمه، وبطبيعة الأمر فإن هذه الآنية تتخذ من مواد شتى وتأتي على أحجام وأشكال مختلفة. وسنتعرف هنا على ما يقع في حصر هذه الدراسة.

 

الإبريق:

الإِبريق: إناء وجمعه أباريق، فارسي معرب. وقال كراع: هو الكوز. وقال أبو حنيفة: مرة هو الكوز، وقال مرة: هو مثل الكوز.

 

وجاء في مصدر آخر أن ((الإبريق)) فارسي معرب. وترجمته في الفارسية أحد شيئين: إما أن يكون طريق الماء أو صب الماء على هينة، وقد تكلمت به العرب قديماً:

ودعا بالصبوح يوماً فجاءت ♦♦♦ قينة    في    يمينها     إبرايق

 

وفي مصدر حديث جاءت الإِشارة إلى الإِبريق، أنه إناء من خزف، أو معدن له عروة وفم، وهو معرب.

 

وقد أشار القرآن الكريم إلى الأبريق بصيغة الجمع في قوله تعالى:

﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴾ [الواقعة: 17، 18].

 

أما في السنة المطهرة فلم ترد الإشارة إلى الإِبريق على أنه من مقتنيات بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن بعض الأحاديث أشارت إليه على أنه من متاع الجنة ونعيمها.

 

ففي رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء)).

 

وفي رواية عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في صفة الحوض: ((ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء)).

 

إن عدم العثور على الإِبريق من ضمن مقتنيات الفترة التي تتناولها الدراسة لا يعني عدم وجوده، وعدم معرفة القوم له في ذلك الحين وإلا فكيف يشير إليه القرآن الكريم ويشير إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه وهو ليس بمعروف ولا مألوف لدى القوم.

 

التور:

((التَّوْرُ: من الأواني. مذكر، قيل هو عربي، وقيل: دخيل)). ويتفق ابن منظور مع غيره من أصحاب اللغة على أن ((التور إناء معروف تذكره العرب، تشرب فيه)). وليس من المستبعد أن أصل التور عربي حيث أن الثعالبي لم يشر إليه ضمن الأواني الفارسية.

 

وتشير معاجم اللغة التي أمكن الرجوع إليها هنا إلى النور على أنه إناء للشرب، بينما الإشارات التي وردت عنه في كتب الحديث على كثرتها لا تذكر أنه من آنية الشراب، بل من الآنية التي يحمل فيها المال أو يوضع فيها الطعام وما شابه ذلك. وها هنا طائفة من استعمالات التور:

 

جاء عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تور من شبه. وعن عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - قال: جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ. وفي رواية لجابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: كان ينبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تور من حجارة ويروي الصحابي أبو هريرة - رضي الله عنه - قائلاً: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة فاستنجى.

 

وحين دعا الصحابي أبو السيد الساعدي - رضي الله عنه -، النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى وليمة عرسه على أم أسيد - يذكر أن زوجته أم أسيد - بلت تمرات في تور من حجارة من الليل فلما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الطعام أماثته له فسقته، تتحفه بذلك.

 

ويروي لنا أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أنه حين تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعض أزواجه، صنعت أم سُليم - والدة أنس - حيساً فجعلته في تور. فقالت: يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

وهناك رواية عائشة - رضي الله عنها -، قد تساعدنا على تصور حجم التور، حيث تقول: لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا - فإذا تور موضوع مثل الصاع أو دونه - فنشرع فيه جميعاً.

 

مما سبق يتبين أن التور كان من الآنية المتداولة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كان يستعمل في أغراض شتى قد يكون الشرب من بينها، فهو أحياناً يستخدم في شؤون الطهارة، كالوضوء والغسل، كما يستخدم في تحضير النبيذ، وفي النادر يجعل فيه الطعام.

 

ومن الإِشارة السابقة يتضح كذلك أن التور يصنع من مواد شتى مثل الحجارة والنحاس (الصغر والشبه)، وأنه ذو أحجام منهما ما يكون على قدر الصاع تقريباً.

 

الركوة:

((الرَّكوةُ شبه تور من أدم. والركوة: إناء من جلد يُشربُ فيه الماء والجمع ركوات بالتحريك...)) والركوة تعتبر من أصغر أوعية الماء التي يحملها المسافر.

 

ومن التعريف السابق للركوة، يظهر أنها إناء مستقيم الجوانب حيث شبهت بالتور، والتور كما سلف يصنع من مواد صلبة كالحجارة والنحاس، ولا يستبعد كذلك أن الركوة من صناعات مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث إنها تتخذ من الجلد ومن غير المستبعد كذلك أنها رخيصة الثمن.

 

وجاءت الإشارة إلى الركوة في الحديث النبوي الشريف أكثر من مرة، فقد رُوي عن عائشة - رضي الله عنها - قولها: كان بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركوة أو علبة فيها ماء.. يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه.

 

وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول فيها: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة فاستنجى.

 

ويقدم الصحابي جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - رواية حول الركوة حيث قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين يديه ركوة فتوضأ.

 

وحين أراد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن يعلم الناس كيفية وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا قنبر ائتني بالركوة والطست، ثم قال له: صب. فصب عليه.

 

يستفاد مما تقدم أن الركوة من جلد وأنها صغيرة الحجم، وأنها تستخدم للوضوء في غالب الأحيان أكثر من استخدامها إناء للشرب، وهذا على الأقل ما توحي به بعض الروايات المتقدمة.

 

العس:

((العُس، القدح الضخم.. وهو إلى الطول، يروي الثلاثة والأربعة والعدة.. والجمع عساس وعسة)).

 

والعس، من جنس الأقداح ومن حيث الترتيب هو أكبرها ويصنع من الخشب. وربما كان يصنع في المدينة كما يصنع في غيرها حيث إن مادة صناعته الخشب. وكان العس من الآنية المتداولة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

ففي رواية عن أسماء بنت يزيد بن السكن.. قالت: إني قينت عائشة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جئته فدعوته، فجاء فجلس إلى جنبها فأتى بعس لبن فشرب ثم ناولها النبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

وفي رواية أخرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا عائشة أسقينا))، فجاءت بعس من لبن فشربنا... وفي رواية عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة في رمضان حين فتح مكة فصام حتى أتى عسفان ثم دعا بعس من شراب أو إناء فشرب.

 

وفي رواية أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إني رأيت الهلال، هلال شوال. فقال عمر: يا أيها الناس أفطروا. ثم قام إلى عسى فيه ماء فتوضأ....

 

وفي رواية أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: فأُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه أصحابه من المهاجرين والأنصار بعساس فيها النبيذ.

 

يتضح مما سبق أن العس قدح ضخم، بل هو أكبر الأقداح، ويروى الأربعة فما فوقهم، ويصنع من الخشب. ويستخدم لمختلف الأشربة، كاللبن والماء والنبيذ كما يستخدم آنية للوضوء.

 

الغمر:

((قدح صغير يتصافن به القوم في السفر إذا لم يكن معهم من الماء إلا يسير)).

 

وقيل الغمر: ((القعب الصغير، والغمر بضم الغين وفتح الميم القدح الصغير))، والغمر: ((هو القدح الذي لا يبلغ الري)) بل القعب، أصغر الأقداح.

 

جاءت الإشارة إلى الغمر في مصادر هذه الدراسة في مناسبات قليلة، منها ما رُوي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - بني عبدالمطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق. قال: فصنع لهم مداً من طعام فأكلوا حتى شبعوا، قال: وبقى الطعام كأنه لم يمس، ثم دعاء بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس.

 

وقال أبو قتادة:

وانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمى كل شيء وهم يقولون يا رسول الله! هلكنا. عطشنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((لا هلك عليكم)) ثم قال: ((أطلقوا لي غمري)) ودعا بالميضأة. فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصب وأبو قتادة يسقيهم.

 

مما تقدم يظهر أن الغمر من الأمتعة الشخصية اللازمة للمسافر وأن وظيفته تكاد تكون مقصورة على تناول الماء وما في حكمه. ويظهر كذلك أن الغمر صغير الحجم إلى حد أنه لا يروي الإِنسان. وقد يصنع الغمر من الخشب. انظر: القعب.

 

القدح:

((القَدَحُ، من الآنية بالتحريك: واحد الأقداح التي للشرب، معروف، قال أبو عبيد: يَروي الرجلين، وقيل هو اسم يجمع صغارها وكبارها، والجمع أقداح)).

 

وقيل: القدح، ما يَروي الاثنين والثلاثة.

 

جاءت الإشارة إلى القدح في المصادر التي بين أيدينا بكثرة ملحوظة سنكتفي بإيراد بعض منها. من تلك الإشارات ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدح قوارير يشرب فيه. والمقصود بالقوارير هنا الزجاج. وجاء في أحد المصادر أن القدح يتخذ من زجاج. وكأنه يقول، إذا لم يكن من زجاج فليس بقدح.

 

وجاء في رواية عن أميمة بنت رفيقة ما ينافي ما سبقت الإشارة إليه كون القدح يتخذ من الزجاج، فقالت: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قدح من عيدان. يبول فيه، ويضعه تحت السرير. وفي رواية أخرى يبول فيه بالليل.

 

وفي رواية عن عاصم الأحوال قال: رأين قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد.

 

ويقدم لنا الصحابي جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - رواية يقول فيها: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستسقى. فقال رجل: يا رسول الله! ألا نسقيك نبيذاً؟ فقال: ((بلى))، قال: فخرج الرجل يسعى فجاء يقدح فيه نبيذ.

 

وقالت عائشة - رضي الله عنها -: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يموت، وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه في الماء.

 

وفي رواية أخرى تقول فيها عائشة - رضي الله عنها -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل في القدح. وهو الفرق، وكنت أغتسل أنا وهو في الإناء الواحد.

 

وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا بإناء فأتي بقدح رحراح - والرحراح: واسع الفم قريب القعر - فيه شيء من ماء فوضع أصابعه فيه.

 

يظهر مما تقدم أن القدح في الأساس من آنية الشرب، فيشرب فيه الماء والنبيذ واللبن وغير ذلك. وقد تدعو الحاجة إلى استخدامه وعاء البول. كما أن بعض أدوات الكيل كالفرق مثلاً قد يطلق عليها مجازاً مسمى القدح.

 

وقد يتخذ القدح من الزجاج (القوارير) كما يتخذ من الخشب الجيد النوع مثل النضار أو من جذوع النخل مثل قدح العيدان. والقدح يصنع من مواد شتى وليس بالضرورة من الزجاج وحده كما يزعم أحد المصادر.

 

القعب:

((القَعْبُ)): القدح الضخم، الغليظ، الجافي، وقيل: قدح من خشب مقعر، وقيل: هو قدح إلى الصغر، يشبه به الحافر، وهو يروي الرجل)). وجمعه أقعُبُ وقِعابٌ.

 

جاء الحديث عن القعب في مصادر هذه الدراسة قليلاً، فقد ورد عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وهو يتحدث عن الهجرة قوله: فإذا أنا براعي غنم.. قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم قلت: أفتجلب لي؟ قال: نعم... فحلب لي في قعب معه كثبة من لبن.

 

ويحدثنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله، فقال له. أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، ائتني بهما.

 

وتقول أم الفضل بنت الحارث:

شك ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صيام يوم عرفة ونحن بها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلت إليه بقعب فيه لبن وهو بعرفة فشربه.

 

ويحدثنا عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قائلاً:

دخل علي عليّ بيتي فدعا بوضوء فجئنا بقعب يأخذ المد. أو قريبه حتى وضع بين يديه. فقال: يا ابن عباس ألا أتوضأ لك وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: بلى.

 

الروايات السابقة تظهر بوضوح أن القعب من الآنية الصغيرة التي تتخذ للشرب وقد تتخذ لغير ذلك. ويصنع القعب من الخشب ويكون مقعر الشكل ويَروي الرجل الواحد.

 

الكأس:

((والكأس: الإِناء إذا كان فيه خمر، فهو كأس، ويقع الكأس لكل إناء مع شرابه)).

 

الكأس: مؤنثة.. قال الشاعر:

من لم يمت عبطة يمت هرما ♦♦♦ للموت كأس والمرء  ذائقها

 

والكأس: الزجاجة ما دام فيها شراب. وقال أبو حاتم: الكأس الشراب بعينه. وحسب مصدر آخر فإنه لا يقال كأس، إلا إذا كان فيها شراب، وإلا فهي زجاجة.

 

وجاءت الإشارة إلى الكأس في القرآن الكريم في أكثر من مناسبة وبصيغة الإِفراد.

 

فقال تعالى:

﴿ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴾ [18: الواقعة].

 

وقال: ﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ﴾ [5: الإِنسان].

 

وقال: ﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً ﴾ [17: الإِنسان].

 

وقال تعالى: ﴿ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ ﴾ [23: الطور].

 

وقال: ﴿ وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً، وَكَأْساً دِهَاقاً ﴾ [34: النبأ].

 

أما بالنسبة لمصادر السنة النبوية فكانت الإِشارة إلى الكأس فيها نادرة جداً، فقد رُوي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قوله: إن الخمر أم الخبائث ودلل على ذلك بقصة طويلة جاءت فيها الإشارة إلى الكأس على النحو التالي:

((... فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة ولكن دعوتك لتقع علي أو تشرب من هذه الخمرة كأساً...

 

يتبين من التعريفات السابقة للكأس أنه غير متفق على تعريف بعينه. فهل المقصود بالكأس وعاء زجاجي يتخذ للشراب أم أن الكأس هو الشراب بعينه؟

 

أما في القرآن الكريم فإن الآيات السابقة تبين أن الكأس إناء من آنية شراب الجنة. ويظهر مما سبق كذلك أن الكأس مرتبط بالشراب أو الخمر، لهذا فلا غرابة أن ندرت الإِشارة إليه في الأحاديث النبوية الشريفة.

 

والكأس بصفته إناء لشرب الخمرة معروفة لدى العرب قبل الإسلام. ولعله قد أسدل على الكأس وما يصاحبها من شراب ستار النسيان نظراً لتحريم الخمر، بعد أن دخل الناس في دين الله أفواجاً.

 

الكوب:

((الكوب، الكوز المستدير الرأس الذي لا أذن له))، وقال الشاعر:

متكئاً     تصفق     أبوابه ♦♦♦ يسعى عليه العبد بالكوب

 

وفي تعريف آخر، فإن الكوب هو: ((الكوز الذي لا عروة له والجمع أكواب)).

 

جاءت الإشارة إلى الكوب في القرآن الكريم بصيغة الجمع وفي أكثر من آية، قال تعالى: ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ﴾ [الزخرف: 71].

 

و ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴾ [الواقعة: 17، 18].

 

و ﴿ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ ﴾ [الإنسان: 15].

 

و ﴿ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ﴾ [الغاشية: 13، 14].

 

وهكذا من الآيات السابقة يظهر بوضوح أن الكوب من آنية الجنة.

 

وليس لدينا هنا ما يدل على أن الكوب كان مستعملاً في بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان من غير المستبعد استعماله في بيوت أهل المدينة، فلو أنه لم يكن معروفاً لدى أهل المدينة وغيرهم لما جاءت الإِشارة إليه في القرآن والسنة على أنه من بين آنية الجنة.

 

وقد جاءت الإشارة إليه في الحديث النبوي نادرة، وبصيغة الجمع وذلك فيما يتعلق بوصف حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((إن حوضي ما بين عدن إلى أيلة. أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، أكاويبه كعدد نجوم السماء)).

 

الذي يفهم من هذا الحديث أن الكوب من آنية الشراب لاقترانه بالحوض وصفته.

 

والذي يستفاد من صفة الكوب أنه إناء لا مقبض له (لا أذن ولا عروة له).

 

الكوز:

((... كابَ يكُوبُ إذا شرب بالكوبِ، وهو الكوز بلا عروة، فإذا كان بعروة فهو كوز.. وجمع الكوز: كيزان. وحسب ما جاء في مصدر حديث فإن الكوز بالضم، إناء من فخار له عروة وبلبل، وهو أصغر من الإِبريق، دخيل)). ولا يستبعد أن يكون فارسي الأصل، حيث إن الثعالبي قد أشار إليه من ضمن المسميات الفارسية.

 

ويظهر مما تقدم أن الفرق بين الكوز والكوب هو العروة فإن كان بعروة فهو كوز وإلا فهو كوب وهذا فرق طفيف.

 

أما الإِشارة إلى الكوز فيما بين أيدينا من مصادر فقد جاءت قليلة ولا تخلو من غموض أيضاً، ومن ذلك ما ورد عن درة بنت أبي لهب، قالت: كنت عند عائشة، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((ائتوني بوضوء))، فسألت، فابتدرت أنا وعائشة الكوز، فبدرتها فأخذته أنا فتوضأ.

 

وجاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: بال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام عمر خلفه بكوز من ماء، فقال: ((ما هذا يا عمر؟)).

 

وأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الكوز في حديثه عن فعل الفتن في القلوب بقوله:

((... وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء... والآخر أسود مرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً)). والمجخي، المقلوب أو المنكوس. ورُوي أن علياً - رضي الله عنه - أتى بكوز من ماء وهو في الرحبة، فأخذ كفاً من ماء فتمضمض.

 

وهكذا فالإشارة للكوز هنا جاءت قليلة، والمعلومات عنه أقل. فما يدري ما هيئته، وما سعته، وإن كان من المعلوم أن البعض من الكيزان قد يتخذ من الفخار.

 

وإذا كان الأمر كذلك فقد يكون من الآنية الرخيصة، الشائعة الاستعمال، التي ربما تكون من صناعات المدينة وفي متناول الكثير من الناس.


الفئة الثالثة:

آنية وأوعية السوائل:

المقصود بآنية وأوعية السائل هنا الآنية والأوعية التي تحفظ فيها السوائل أو تنقل بها على اختلاف أنواع تلك السوائل واختلاف أنواع الآنية والأوعية. وسيكون الحديث عنها هنا مرتباً حسب الترتيب الهجائي بغض النظر عن أهمية هذا الوعاء أو ذاك:

أبزن:

((الأبزن: حوض من نحاس يستنقع فيه الرجل، وهو معرب)). وفي تعريف آخر ((الأبزن، مثلثة الأول، حوض يغتسل فيه، وقد يتخذ من نحاس، معرب: أ ب ز ن، وأهل مكة يقولون ((بازان، للأبزن الذي يأتي إليه ماء العين عند الصفا يريدون أ ب ز ن (أي أبزن) لأنه شبه حوض)).

 

في الواقع أن الإِشارة إلى الأبزن نادرة جداً، وقد وردت عند البخاري في رواية عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال:

إن لي أبزن أتقحم فيه وأنا صائم. ومعنى أتقحم فيه أي أدخل فيه لتحصل لي البرودة.

 

والذي يخلص إليه الباحث هو أن الأبزن أو حوض الاستحمام كان معروفاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يكن واسع الانتشار وأنه ربما صنع من النحاس. ولا يستبعد أنه من تأثيرات بلاد فارس والدليل على ذلك التسمية.

 

الإِداوة:

((الإِدَاوةُ: المطهرة.. والإِدارة للماء وجمعها أداوى. وقيل إنما تكون إداوة إذا كانت من جلدين قوبل أحدهما بالآخر. والإِداوة بالكسر إناء صغير من جلد يتخذ للماء)).

 

وفي تعريف آخر أنه لا يقال لها إداوة إلا إذا كانت من أديم واحد. وأنها من أوعية الماء التي يتخذها المسافر.

 

فلا خلاف هنا على أن الإِداوة إناء صغير من الجلد يتخذ للماء. لكن يبدو أن الاختلاف هو فيما إذا كانت الإِداوة تصنع من جلدين أم من جلد واحد؟ وهذا الخلاف ليس مهماً بالنسبة لهذه الدراسة حيث إن المهم هنا هو معرفة أن الإِداوة إناء يصنع من الجلد وأنه يكون في غالب الأحوال صغير الحجم وأنه من الأوعلية التي يتخذها المسافر.

 

هناك روايات كثيرة تتعلق بالإِداوة سنكتفي بالإِشارة إلى بعض منها هنا: فقد جاء عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل في الخلاء فأحمل أنا غلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء.

 

وجاء عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قوله: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض حاجته. فلما رجع تلقيته بالإِداوة. فصببت عليه، فغسل يديه.

 

وفي حديث الهجرة يقول أبو بكر - رضي الله عنه -.. فحلب لي، في قعب معه كثبة من لبن. قال: ومعي إداوة أرتوي فيها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب منها ويتوضأ.

 

وفي رواية أخرى عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال:

كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركبه ومعي إداوة، فخرج لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بالإِداوة فأفرغت عليه، فغسل كفيه ووجهه.

 

وهكذا يتبين من الروايات المختلفة أن الإِداوة تستخدم في غالب الأحيان للوضوء وما في حكمه وأن الإِشارة إليها تأتي في غالب الأحوال مقترنة بالسفر.

 

الباطية:

((البَاطِيةُ: إناء قيل معرب، وهو الناجود، قال الشاعر:

قربوا  عودا   وباطية ♦♦♦ فبذا أدركت حاجتيه

 

... والباطية من الزجاج عظيمة تملأ من الشراب وتوضع بين الشَّرْب يغرفون منها ويشربون...)). والباطية: كلمة فارسية، إناء واسع الأعلى ضيق الأسفل.

 

لم ترد الإشارة إلى الباطية في مصادر هذه الدراسة سوى مرة واحدة حيث رُوي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه قال: ((اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبد فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها فقالت له إنا ندعوكم للشهادة فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر.

 

مما سبق يتضح بأن الباطية إناء من آنية الخمر يتخذ من الزجاج وأنه واسع الأعلى ضيق الأسفل ويحتمل أن أصله كان فارسياً.

 

ولا غرابة في أن مصادر هذه الدراسة لم تشر إلى الباطية سوى مرة واحدة ربما لأنها من آنية الخمر. والإسلام قد أسدل ستاراً كثيفاً على عادات الماضي وقيمه التي لا تتفق مع دين الإسلام وتعاليمه وأسلوبه الجديد في الحياة ونظرته إلى الطعام والشراب.

 

الجرة:

((الجرة: إناء من خزف الفخار وجمعها جر وجرار. والخزف هنا هو ما عمل من الطين وشوى بالنار فصار فخاراً. وحيث أن صناعته تعتمد على الطين بالدرجة الأولى فلا يستبعد أن تكون صناعة الجر من الصناعات الرائجة بالمدينة في ذلك الحين.

 

فقد رُوي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قوله: أهدى الأكيدر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم جرة من مَنْ. فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة مر على القوم فجعل يعطي كل رجل منهم قطعة. وجاء عن الصحابي صحار العبدي - رضي الله عنه -، قوله: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأذن لي في جرة أنتبذ فيها فرخص لي فيها.

 

جاءت هذه الرخصة لصحار العبدي في اتخاذ جرة النبيذ بعد نهي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس عن نبيذ الجر (الجرار).

 

وكما أن الجرة تتخذ للمن والنبيذ فهي تتخذ كذلك للخمرة، فقد قال أنس - رضي الله عنه -:

كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شراباً من فضيخ. وتمر، قال: فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها. قال: فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت.

 

وقال جابر بن عبدالله (رضي الله عنهما): لما كان يوم فتح مكة أهراق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخمر وكسر جراره ونهى عن بيعه وبيع الأصنام.

 

وقد تستخدم الجرة كذلك وعاء لحفظ السمن. فقد جاء عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أنه سئل عن الفأرة تموت في الطعام أو الشراب، أطعمه؟ قال: لا. زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك كنا نضع السمن في الجرار فقال: إذا ماتت الفأرة فيه فلا تطعموه.

 

وقد يطلق أحياناً على الجرة اسم الحنتمة والجمع حنتم. وأصل الحنتمة الخضرة.. والخضرة قريبة من السواد.

 

ووردت إشارات كثيرة إلى الحنتم والحنتمة والحث على عدم استعماله في النبيذ. جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قوله:

 

نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينبذ.. والحنتمه. وعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: أن وفد عبد القيس قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه عن النبيذ؟ فنهاهم عن أن ينتبذوا في الدباء... والحنتمة.

 

وفي رواية أخرى أنه حين جاء وفد عبد القيس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بأشياء ونهاهم عن أشياء منها ما ينبذ في الحنتمة.

 

من العرض السابق يظهر أن الجرة والحنتمة كانت من أوعية السوائل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد تتخذ للنبيذ والخمر والسمن ولا يستبعد أنها كانت تتخذ للماء حيث كانت من الأوعية الشائعة في ذلك الحين وربما كانت أوعية رخيصة الثمن لأنها كانت تتخذ من الطين.

 

الحلاب:

الحِلَبُ بالكسر، والحِلابُ: الإناء الذي يجلب فيه اللبن، قال الشاعر:

صاح! هل ريت، أو سمعت براع ♦♦♦ رد في الضرع ما قر في الخلاب؟

 

الحلاب إناء لحلب اللبن ويبدو أنه ليس بكبير، حيث إنه إناء يسع قدر حلبة الناقة. وكان الحلاب معروفاً وشائع الاستعمال على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. جاء عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب فأخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الأيمن.

 

والإناء الذي يستخدم في الغسل من الجنابة هنا ليس بالضرورة هو الحلاب ولكنه شبيه به.

 

وروت لنا أم المؤمنين ميمونة - رضي الله عنها - أن الناس شكوا في صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة، فأرسلت إليه بحلاب، وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون. وفي رواية أخرى أنها أرسلت إليه بحلاب اللبن.

 

فالروايات السابقة توضح لنا أن الحلاب من أوعية السوائل خاصة اللبن، ويمكن استخدامه لغير ذلك. وأنه من الأوعية المعروفة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

الحنتمة:

انظر الجرة.

 

الدباء:

((الدُّباء: القرع، واحدها دُباءةٌ، كانوا ينتبذون فيها فتسرع الشدة في الشراب)).

 

جاءت الإِشارة في كتب السنة كثيراً إلى الدباء كوعاء وطعام. وسنكتفي هنا ببعض ما جاء عن الدباء كوعاء، حيث كان الدباء في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستخدم أحياناً في تحضير النبيذ. فقد جاء عن عائشة - رضي الله عنها -، أن وفد عبد القيس، وفدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوا عن النبيذ، فنهاهم أن ينبذوا في الدباء.

 

وفي رواية أخرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لوفد عبد القيس: ((... وأنهاكم عما ينتبذ في الدباء...)).

 

وفي رواية عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدباء... أي أن ينتبذ بها.

 

وقد جاءت الإِشارة إلى الدباء بصيغة التأنيث والإفراد، حيث جاء عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قوله: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل نشوان. فقال: إني لم أشرب خمراً إنما شربتُ زبيباً وتمراً في دباءة.

 

والدباء هي أيضاً القرع، فقد جاء عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينتبذ في المزفت والقرع.

 

وفي رواية أخرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القرع والمزفت أن ينتبذ فيها.

 

من الروايات المتقدمة يتضح بأن الدباء والقرع اسمان لشيء واحد. وأن الدباء أو القرع بالإضافة إلى كونهما خضاراً تؤكل فقد تستخدم أوعية لحفظ السوائل وربما لغير ذلك من أوجه الاستعمال.

 

ومن نصوص الأحاديث السابقة يظهر بجلاء أن الدباء كانت تفضل في تحضير شراب النبيذ نظراً لخلوها من المسام ((فتسرع الشدة في الشراب)). لهذا السبب جاءت الأحاديث النبوية في النهي اتخاذ الدباء أو القرع أوعية لتحضير النبيذ.

 

والذي لا شك فيه أن شيوع الدباء أو القرع لحفظ السوائل يعود إلى سهولة الحصول عليها ورخص ثمنها.

 

الدلو:

((الدَّلو: معروفة واحدة الدِّلاء يُستقى بها، تذكر وتؤنث)). و((الدَّلو إذا كان فيها ماء فهي ذَنُوبٌ، وقيل: الذَّنوبُ: الدلو التي يكون الماء دون ملئها، أو قريب منه، وقيل: هي الدلو الملأى... ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب، وقيل: هي الدلو)).

 

على كل حال، جاءت الإشارة في مصادر الحديث إلى الدلو وإلى الذَنوب وكأنهما اسمان لشيء واحد.

 

فقد روى جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل معروف صدقة، ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إنائه)).

 

وفي رواية لأنس - رضي الله عنه - أنه قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما قام بال في ناحية المسجد، قال: فصاح به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكفهم عنه ثم دعا بدلو من ماء فصبه على بوله.

 

وفي رواية أخرى لأنس - رضي الله عنه - قال فيها: جاء أعرابي، فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى بوله أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذنوب من ماء فأهريق عليه.

 

وجاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من يشتري بئر رومةفيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين)) فاشتراها عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.

 

كما جاء في رواية عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قوله: أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر، فنزلوا على بئر فنزحوها، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى البئر وقعد على شفيرها، ثم قال:

((ائتوني بدلو من مائها)) فأتي به....

 

من كل ما تقدم يظهر لنا بوضوح أن الدلو كانت متداولة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنها ربما عرفت كذلك باسم الذَنوب وقد جاءت الإشارة إليها في السنة النبوية في كلا المعنيين.

 

الدن:

ينقل الأزهري عن الليث في تعريفه للدن قوله: ((الدَّنُ ما عَظُمَ من الرواقيد. والجميع الدِّنان، وهو كهيئة الجب (الحب؟)، إلا أنه طويل مستوى الصنعة، في أسفله كهيئة قونس البيضة)).

 

ويضيف ابن منظور إلى التعريف السابق قوله وقيل: ((الدن أصغر من الحب، له عسعس فلا يقعد إلا أن يحفر له. قال ابن دريد: الدن عربي صحيح...)).

 

التعريفات السابقة ليس فيها ما يفصح جلياً عن كنه الدن، فهو يشبه بأشياء أخرى كالرواقيد والحب، كما وأنه يقارن ببعض الآنية من حيث الحجم وليس فيما تقدم من صفات ما يفيد عن أوجه استخدام الدن ولا مم يتخذ وإن كان قد وردت إشارة عند الأزهري ربما تفيد بأن الدن يصنع من الفخار.

 

أما الإِشارة إلى الدن في مصادر هذه الدراسة فقد جاءت قليلة جداً ولا تخلو من غموض، فقد جاء عند الترمذي ما نصه:

عن أنس عن أبي طلحة، أنه قال: يا نبي الله؟ إني اشتريت خمراً لأيتام في حجرى. قال: ((أهرق الخمر واكسر الدنان)).

 

أما البخاري في صحيحه فقد وضع باباً بعنوان:

((باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر...)). وهو على كل حال، لم يأت على الأحاديث التي تناولت الدن. والذي يمكن استنتاجه مما تقدم هو أن الدن ربما يكون من آنية الخمر خاصة. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يشير على السائل بأن يكسر دنان الخمر، والبخاري في صحيحه ينص على أن الدنان من أوعية الخمر كما أن ما تقدم من إشارات تفيد بأن الدن آنية قابلة للكسر.

 

الراوية:

((... الوعاء الذي يكون فيه الماء إنما هي المزادة، سميت: راوية، لمكان البعير الذي يحملها)). وفي ترتيب أوعية الماء التي يسافر بها جاء ذكر الراوية على أنها أكبر الأوعية وأنها تحمل على الإِبل.

 

وهذا الخلط بين مفهوم الراوية والمزادة يوضحه ما جاء في أحد المصادر فالراوية والمزادة بمعنى واحد. قالوا سميت راوية لأنها تروي صاحبها ومن معه. والمزادة لأنه يتزود فيها الماء في السفر وغيره: وقيل لأنه يزاد فيها جلد لتتسع.

 

والإشارة إلى الراوية في مصادر هذه الدراسة ليست بالكثيرة، بل تكاد تكون رواية واحدة جاءت بطرق مختلفة.

 

فقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنه - قوله: إن رجلاً أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية خمر. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((هل علمت أن الله قد حرمها)) قال: لا. وفي رواية أخرى عن ابن عباس أكثر توضيحاً تقول: أهدى رجل من ثقيف أو دوس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، راوية من خمر في حجة الوداع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ((أما علمت يا أبا فلان أن الله قد حرمها)).

 

وفي رواية ثالثة ربما عن نفس الحادثة تكون الراوية هي المزادة! فقد جاء عن ابن عباس أيضاً(!) قوله: أهدى رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية خمر. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما علمت أن الله حرمها؟)) قال: لا.

 

فساره رجل إلى جنبه. فقال له - صلى الله عليه وسلم -: ((بما ساررته؟)) فقال: أمرته أن يبيعها. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الذي حرم شربها حرم بيعها)).

 

ففتح الرجل المزادتين. حتى ذهب ما فيهما.

 

وفي رواية أخرى ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها.

 

إن الروايات التي سبقت تكاد تجمع على أن الراوية من أوعية الخمر، لكن لعل هذا محض صدفة وإلا فالمعروف أن الراوية حسب تعريفها اللغوي من أوعية الماء. وهي تتخذ من الجلد ويعتمد عليها كثيراً في نقل أو حفظ الماء وأنها كانت شائعة الاستعمال على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

الزِقّ:

((السقاء، وجمع القلة أزْقَاقُ والكثير زِقَاقٌ.. والزق من الأهب، كل وعاء اتخذ للشراب ونحوه. وقيل: لا يسمى زقاً حتى يسلخ من قبل عنقه، وتزقيقه سلخه من قبل رأسه على خلاف ما يسلخ الناس اليوم)). وجاء عند الثعالبي، أن الزق يتخذ للخمر والخل. وفي مصدر آخر أنه يتخذ للعسل كذلك.

 

على كل حال، يظهر أن الزق وعاء من جلد يتخذ في الغالب للشراب (الخمر). لم نعثر في هذه الدراسة إلا على القليل من الروايات التي ورد فيها ذكر للزق، ومن ذلك:

رواية لابن عمر - رضي الله عنهما - قال: فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المربد فإذا بأزقاق على المربد فيها خمر. قال ابن عمر: فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمُدية، قال: وما عرفت المُدية إلا يومئذ فأمر بالزقاق فشقت. ثم قال: ((لعنت الخمر وشاربها..)).

 

وفي رواية أخرى لابن عمر، لا يستبعد أن تكون هي الرواية الأولى ولكن أكثر تفصيلاً قال فيها:

أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن آتيه بمدية وهي الشفرة، فأتيته بها فأرسل بها فأهرقت ثم أعطانيها وقال: ((أغد علي بها)) ففعلت، فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق خمر جلبت من الشام فأخذ المُدية فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته.. وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زِقٌ خمر إلا شققته.

 

كما تبين من التعريف اللغوي ومن الروايات المتعلقة بالزق أن الزق وعاء من جلد وأنه تحفظ وتنقل فيه الخمر. لكن يظهر أن الأمر ليس هكذا على الدوام فالزق قد يكون وعاء للعسل فقد جاء في رواية أخرى لابن عمر قال فيها:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((في العسل، في كل عشرة أزِقِّ زِقّ)).

 

وهكذا فربما استخدم الزق وعاء للعسل. والذي يستنتجه المرء من هذا كله أن التسميات هنا ليست قاطعة الدلالة وربما استخدم الشيء لأكثر مما نص عليه.

 

السَّجْلُ:

((السَّجْلُ، الدلو الضخمة المملوءة ماء، مذكر، وقيل: هو ملؤها، وقيل: إذا كان فيه ماء قل أو كثر. والجمع سِجَال وسُجُول. ولا يقال لها فارغة سجل ولكن دلو)).

 

تعريف السجل هنا ليس بمحدد الدلالة، فمرة الدلو إذا كان مملوءاً فهو سجل ومرة أخرى هو الدلو فيه ماء قل أو كثر. ولم يتطرق التعريف السابق إلى المادة التي يتخذ منها السجل.

 

ولدينا طائفة من الأحاديث النبوية التي أشارت إلى السجل وكانت في بعض الأحيان لا تفرق بينه وبين الدلو. فقد روي أبي هريرة - رضي الله عنه - أن أعرابياً دخل المسجد. والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس، فصلى، فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فالتفت إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((لقد تحجرت واسعاً)) فلم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع إليه الناس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أهريقوا عليه سجلاً من ماء أو دلواً من ماء))، ثم قال: ((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)).

 

وفي رواية أخرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((... هريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء...)).

 

وهذه الرواية الأخيرة لا تفرق بين السجل والذنوب، مع العلم بأن الدلو لا يقال لها ذنوب إلا إذا كانت ملأى.

 

وأخيراً فإنه يحسن القول بأن التفريق بين الدلو أو السجل لا يخلو من صعوبة، ولعل الصعوبة في ذلك ترجع إلى كون الفرق طفيفاً جداً بين الاثنين لدرجة أن رواة الأحاديث يخلطون أحياناً بين الوعائين.

 

لكن الشيء الذي لا خلاف عليه هو كون السجل من أوعية السوائل وقد وردت الإِشارة إليه في طائفة من أحاديث الرسول الكريم.

 

السَّطيحة:

((السَّطيحةُ والسَّطيحُ: المزادة التي من أديمين قوبل أحدهما بالآخر. وتكون صغيرة وتكون كبيرة وهي من أواني المياه)).

 

ولم ترد الإشارة إلى السطيحة كثيراً في المصادر هنا، فقد جاء عن الصحابي سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - في حديثه عن غزوة ذي قرد قوله: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت.

 

وفي مناسبة أخرى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في سفر فاشتكى إليه الناس من العطش، فدعا علي بن أبي طالب ورجلاً آخر فقال: اذهبا فابتغيا الماء فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟.

 

وجاء عن ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لابن مسعود ((معك ماء؟)) قال: لا. إلا نبيذ في سطيحة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تمرة طيبة وماء طهور. صب عليّ)).

 

وفي رواية عن الصحابي أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر، فسأل ((هل من ماء؟)) قال أبو قتادة فأتيته بسطيحة أو قال ميضأة فيها ماء فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

مما تقدم يمكن الخلوص إلى أن السطيحة إناء يصنع من الجلد وقد تكون صغيرة أو كبيرة وأنها من أواني الماء في غالب الأحوال، إلا أنها في بعض الحالات قد تتخذ للنبيذ أو للبن فاستخدامها والحال كذلك ليس موقوفاً على الماء بل ربما استخدمت لغيره من السوائل متى اقتضت الضرورة ذلك.

 

السِّقاء:

((السِّقاءُ: جِلدُ السخلة إذا أجذع ولا يكون إلا للماء. وجاء عن ابن السكيت: أن السقاء يكون للبن والماء)).

 

مما يدل على أهمية السقاء على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، أننا نجد بعض الأحاديث النبوية التي ترشد إلى الكيفية المثلى في استخدامه! فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نهى عن الشرب من فم القربة أو السقاء..)).

 

وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((نهى أن يشرب من فم السقاء)). وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((أغلقوا الباب وأوكئوا السقاء)) وهكذا فإننا نلاحظ هنا أن السقاء من الأوعية القليلة التي تحظى باهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوجيه الناس إلى الطريقة الفضلى لاستخدامها. ولعل مرد ذلك الاهتمام يعود إلى كون السقاء من أوعية الماء التي لا غنى لكل فرد عنها فلهذا جاز أن تتعاقب الأيدي على استخدام السقاء مع ما في هذا الاستخدام من محاذير وذلك فيما يتعلق بالنظافة على الأقل، لهذا جاءت التوجيهات النبوية واضحة بهذا الخصوص. وعلى الرغم من أهمية السقاء فمن الملاحظ أنه لم يكن بمتناول جميع الناس.

 

ففي إحدى المناسبات يحث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على عدم الانتباذ في بعض الأوعية ويحثهم على الانتباذ في الأسقية أي أوعية الأدم. فيرد الناس قائلين: ليس كل الناس يجد. وفي رواية أخرى ليس كل الناس يجد سقاء، فرخص لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجر غير المزفت.


وجاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في سفر. ثم رجع وقد نبذ ناس من أصحابه في حناتم ونقير ودباء فأمر به فأهريق. ثم أمر بسقاء فجعل فيه زبيب وماء. وحين ضاق الناس بمنعهم من الانتباذ في بقية الأوعية وقصر ذلك على السقاء جاء الترخيص لهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلاً:

((نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء. فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً)). ويرى الإمام النووي، شارح صحيح مسلم أن صواب هذه الرواية ((كنت نهيتكم، الانتباذ إلا في سقاء فانتبذوا واشربوا في كل وعاء)).

 

وتقدم لنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وصفاًَ لنبيذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلة:

كنا ننبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سقاء يوكي أعلاه وله عزلاء. ننبذه غدوة فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة.

 

وفي رواية أخرى لعائشة - رضي الله عنها - قالت فيها:

كنا ننبذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سقاء فنأخذ قبضة من تمر أو قبضة من زبيب فنطرحها فيه ثم نصب عليه الماء.

 

وليس الحديث هنا عن نبيذ أو ماذا كانت صفة نبيذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن جاءت الإشارة إلى هاتين الروايتين لبيان أوجه الاستخدام الأخرى للسقاء، فعلى الرغم من أن التعريف بالسقاء جاء على أنه من أوعية الماء واللبن إلا أننا هنا نلاحظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستخدمه في نبيذه، ويأمر أصحابه باستخدام السقاء للانتباذ.

 

وربما استخدم السقاء وعاء اللبن. فقد جاء عن أنس - رضي الله عنه - قوله: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم سليم، فأتته بتمر وسويق، قال: ((أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإني صائم..)).

 

مما سبق يتضح بأن السقاء كان بالغ الأهمية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهذا جاءت توجيهاته النبوية الشريفة موضحة الاستخدام الأمثل للأسقية.

 

ويتضح كذلك أن استخدام السقاء لم يكون مقصوراً على الماء أو اللبن بل يتعداه إلى تحضير النبيذ وحفظ السمن، بل الحث النبوي على الانتباذ في السقاء دون غيره. ولعل من الطريف أن الشواهد التي عثرنا عليهما فيما يخص السقاء لم تتطرق إلى الماء أو اللبن بل تكاد تجمع على أن السقاء يكاد يكون للنبيذ خاصة.

 

ومن المؤكد أن السقاء يستخدم للماء في غالب الأحيان ولا يستبعد أنه يستخدم للبن كذلك كما استخدم للسمن ولكن يظهر أن عدم توافره بكثرة أدى إلى استخدامه في أغراض مختلفة. حكمه في ذلك حكم بقية الأوعية ولعل هذا يعكس عدم توافر الآنية والأوعية المناسبة لكل نوع من الطعام والشراب.

 

الشَّجْبُ:

((الشَّجْبُ، بالسكون، السقاء الذي أخلق وبلى، وصار شناً، وهو من الشجب، الهلال ويجمع على شجب وأشجاب)).

 

وكذلك الشجب من الأساقي: ما تشنن وأخلق.

 

وفي تعريف آخر للشجب أنه سقاء يقطع نصفه فيتخذ أسفله دلو.

 

من التعريفات السابقة يبدو أن الشجب وعاء من أوعية الماء. وهو عبارة عن سقاء أخلق من كثرة الاستعمال. إلا أن التعريف الأخير يقول: إن الشجب عبارة عن دلو اقتطع من سقاء ولم يذكر الحال التي يكون عليها السقاء، أقديم هو أو أم جديد؟!

 

وليس لدينا ما نقوله عن الشجب إلا القليل. فقد روى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في وصفه لمبيته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الليل: ((... ثم عمد إلى شجب من ماء وتوضأ وأسبغ الوضوء...)).

 

أما المناسبة الثانية التي جاءت الإِشارة فيها إلى الشجب ففي حديث الصحابي جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((يا جابر ناد بوضوء)) فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال، قلت: يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة. وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الماء في أشجاب له على حمارة. من جريد. قال، فقال لي: ((انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري فانظر هل في أشجابه من شيء؟...)).

 

فالذي يتضح مما تقدم أن الشجب في الأصل هو السقاء الذي نعرفه، ولكن مسماه تغير تبعاً لتغير حاله، فالسقاء بعد أن أخلق وبلى من كثرة الاستعمال صار يطلق عليه الشجب.

 

وربما كان الشجب قريباً في الصفة من الشن الذي سنتحدث عنه فيما يلي.

 

الشَّنُّ:

((الشَّنُّ والشَّنَّةُ: الخلق من كل آنية صنعت من جلد، وجمعها شنان.. وتشنين السقاء واشتن واستشن: أخلق. والشن القربة اللق والشَّنَّةُ أيضاً، وكأنها صغيرة والجمع الشَّنَانُ.

 

وجاء في مصدر آخر أن ((الشنان، الأسقية الخلقة، واحدها شَّنٌ وشنَّةٌ. وهي أشد تبريداً للماء من الجدد.

 

وقد أشار ابن عباس - رضي الله عنهما - إلى الشنة والشن في حديثه عن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ من شنة وضوءاً، فقمت فصنعت كما يصنع.

 

وفي رواية أخرى عن ابن عباس، أنه قال: ثم قام - أي النبي - إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه.

 

وجاء عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أنه قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأنصار يعوده وجدول يجرى، فقال: إن كان عندكم ماء بات في الشن وإلا كرعنا. وفي رواية أخرى لجابر بن عبدالله يقول فيها: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجل من أصحابه على رجل من الأنصار وهو يحول الماء في حائطه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شن وإلا كرعنا)) قال: بل عندي ماء بات في شن.

 

والشن ليس دائماً للماء، فقد ينتفع به في بعض الأمور الأخرى كأن ينتبذ به مثلاً. فقد روى أن قوماً جاؤوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا له إنا كنا أصحاب كرم وخمر، وإن الله قد حرم الخمر، فما نصنع بالكرم؟ قال: ((اصنعوه زبيباً))، قالوا فما نصنع بالزبيب؟ قال: ((انقعوا في الشنان، انقعوه على غدائكم، واشربوه على عشائكم)).

 

وأخيراً فإن الشن في الأصل هو السقاء، والتشنن صفة طرأت عليه بسبب طول الاستعمال، أما في الأصل فليس هناك شيء يعرف بالشن، ولا يستبعد أن الكثير من بيوت المدينة بما فيها بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كانت لا تخلو من الشن. ويحتمل أن الشن كان من أوعية الماء المفضلة لدى القوم لأن برودة الماء فيها أسرع من السقاء الجديد.

 

الطَّست:

((الطَّستُ: من آنية الصفر، أنثى، وقد تذكر)). ويحتمل أن أصله فارسي معرب. وجاء في مصدر حديث أن الطست: إناء من نحاس لغسل اليد وربما استخدم لغسل الثياب.

 

ويبدو أنه كان من الآنية المستخدمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وبيوت أصحابه. وقد روي عند أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، أن علياً كان وصياً - أي وصياً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: متى أوصى إليه؟ فقد كنت مسندته إلى صدري أو إلى حجري. فدعا بطست فلقد انخنث في حجري فمات وما شعرت به. فمتى أوصى - صلى الله عليه وسلم -؟.

 

وفي رواية أخرى لعائشة - رضي الله عنها - أكثر أيضاحاً من السابقة تقول فيها: يقولون إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى إلى علي، لقد دعاء بالطست ليبول فيها، فانخنثت نفسه، وما أشعر، فإلى من أوصى؟!.

 

وقالت عائشة في رواية أخرى: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف معه بعض نسائه، وهي مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم. وفي رواية أخرى: فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي.

 

وفي إحدى المناسبات يطلب بعض المسلمين من علي - رضي الله عنه - أن يعلمهم كيفية وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيدعو بالوضوء فأتى بركوة فيها ماء وطست. وفي مرة أخرى يقول علي - رضي الله عنه - لغلام له:

إيتني بطهور. قال: فأتاه الغلام بإناء في ماء وطست.

 

ومن الواضح أن الطست يستخدم لغسل اليدين والثياب، وقد يستخدمه المرضى في بعض الحالات وعاء للتبول كما يستخدم في شؤون الطهارة وربما في غيرها من الوجوه المختلفة.

 

العُكَّة:

العُكّة للسمن، كالشكوة للبن، وقيل العكة أصغر من القربة للسمن، وهو زُقيق صغير، توجمعها عكك وعكاك.

 

وفي مصدر آخر أن العكة: وعاء من جلود مستدير وهو بالسمن أخص.

 

أشارت مصادر هذه الدراسة إلى العكة في أكثر من مناسبة، فقد جاء عن أنس - رضي الله عنه - قوله: أن أمه أم سُليم، عمدت إلى مُدٍ من شعير جشته، وجعلت منه خطيفة وعصرت عكة عندها ثم بعثت بها معه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

وفي رواية أن أم مالك البهزية - رضي الله عنها - كانت تهدي في عكة لها سمناً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينما بنوها يسألونها الإِدام وليس عندها شيء، فعمدت إلى عكتها التي كانت تهدي فيها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدت فيها سمناً فما زال يدوم لها إدام بنيها حتى عصرته.

 

وقال أنس في إحدى الروايات أن أبا طلحة الأنصاري قال لزوجته أم سُليم - رضي الله عنهما -: لقد سمعت صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعيفاً أعرف فيه الجوع.

 

فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم. فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخذت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي... فعصرت عليه أم سُليم عكة لها فآدمته.

 

ومن طريف الروايات عن صناعة العكة جاءت عن ابن عمر - رضي الله عنهما - حيث قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ذات يوم ((وودت لو أن عندنا خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن نأكلها)) ((قال، فسمع بذلك رجل من الأنصار فاتخذه فجاء به إليه.

 

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((في أي شيء كان هذا السمن؟)) ((قال: في عكة ضب. قال فأبى أن يأكله)).

 

وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -:

... وكان أخْير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب. كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته. حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها.

 

وفي إحدى الروايات يتبين أن العكة ليست دائماً وعاء للسمن فقط. فقد تستخدم لبعض السوائل الأخرى كالعسل مثلاً، فقد جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، دخل على حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما - وكانت امرأة من قومها أهدت لها عكة من عسل، فسقت النبي - صلى الله عليه وسلم - منه شربة.

 

من خلال العرض السابق يتضح أن العكة تتخذ من الأدم وأنه لا يشترط أن تكون ذات شكل معين فقد تكون مستديرة أو مستطيلة أو قد تأخذ شكل الجلد الذي أخذت منه. مثل عكة الضب. ويتضح كذلك أن العكة كانت من أوعية السمن الشائعة الاستعمال على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كانت تستخدم أيضاً لبعض السوائل الأخرى كالعسل ونحوه.

 

العُلْبَة:

العُلْبَةُ: قدح ضخم من جلود الإِبل، وقيل: العُلْبَةُ، من خشب كالقدح الضخم يحلب فيها. وقيل أنها كهيئة القصعة من جلد ولها طوق من خشب. وقيل، محلب من جلد.

 

وهناك رواية أخرى توضح كيف تصنع العلبة. فالعلبة: جلدة تؤخذ من (جلد جنب) البعير إذا سلخ وهو فطير فتسوى مستديرة ثم تملأ رملاً سهلاً، ثم يضم أطرافها وتخل بخلال ويوكى عليها مقبوضة بحبل وتترك حتى تجف وتيبس، ثم يقطع رأسها وقد قامت قائمة لجفافها تشبه قصعة مدورة كأنها نحتت نحتاً أو خرطت خرطاً.

 

الإشارة إلى العلبة نادرة جداً فيما توافر لدينا من مصادر فلم يذكرها سوى مصدر واحد، إذ أورد البخاري عن ذكوان مولى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في حديثها عن وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بين يديه ركوة أو علبة ماء فجعل يدخل يده في الماء ويمسح بها وجه.

 

يظهر أن العلبة من الأوعية التي لا يستغني عنها المسافر فمن مزاياها حسب أحد المصادر أنه يعلقها الراعي والراكب فيحلب فيها ويشرب بها.. وللبدوي فيها رفق خفتها وأنها لا تنكسر إذا حركها البعير أو طاحت إلى الأرض.

 

فهي مما تقدم تعد من الأوعية اللازمة للمسافرين، وأهل البادية أكثر حاجة إليها من الحاضرة وسكان المدن.. وهذا ربما يفسر ندرة الإِشارة إليها فيما بين يدينا من مصادر.

 

القارورة:

((القَارُورَةُ: واحد القوارير من الزجاج، والقارورة ما قر فيه الشراب وغيره، وقيل: لا يكون إلا من الزجاج خاصة. وقوله تعالى: ﴿ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ ﴾ [الإنسان: 16].. معناه أواني زجاج في بياض الفضة وصفاء القوارير..)).

 

في التعريف السابق بيان صفة القارورة أما كيف شكلها، عريض أم طويل أم غير ذلك ولأي الأغراض تستخدم؟ فهذا كله ليس بمعلوم. لكن لدينا بعض الأحاديث النبوية التي تشير إلى القارورة بصيغة الجمع على وجه التشبيه.

 

جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قوله:

كان غلام يسوق بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا أنجشة، رويداً سوقك القوارير)).

 

وفي رواية أخرى عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:

كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - حاد يقال له أنجشة، وكان حسن الصوت، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رويدك يا أنجشة، لا تكسر القوارير)).

 

وروى أنس أيضاً: أنه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير له، فحدا الحادي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ارفق يا أنجشة، ويحك، بالقوارير)).

 

ورواية ثالثة لأنس بن مالك، قد تساعد على فهم بعض وظائف القارورة حيث يقول:

دخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال عندنا فَعَرقَ. وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها. فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا أم سُليم! ما هذا الذي تصنعين؟)) ((قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب)).

 

يبدو من هذه الرواية وكأن القارورة وعاء من أوعية الطيب المستخدمة في ذلك الحين. ويظهر من الرواية الثالثة أن للقارورة بعض الاستخدامات النادرة.

 

فقد روي أن الصحابي الجليل أبا موسى الأشعري، كان يبول في قارورة.

 

على كل حال جاءت الإشارة هنا إلى القارورة لأنها تقع ضمن أوعية السوائل. وإن لم تكن بالضرورة من أوعية الماء.

 

القِربَة:

((القِرْبَةُ: من الأساقي... والقِرْبَةُ: الوطب من اللبن، وقد تكون للماء وقيل: القربة، هي المخروزة من جانب واحد)). والقربة، ما يُستقى فيه الماء، والجمع في أدنى العدد قِربَات وقِرِبات وقِرْبات والكثير قِرَبٌ.

 

من التعريفات السابقة يتبين أن القربة من أوعية الماء وأنها تتخذ من الجلد ويشترط خرزها في جانب واحد. وأحد التعريفين السابقين يجعل الوظيفة الأولى للقربة أنها وعاء للبن. (الوطب من اللبن) وفي أحد المصادر أن القربة والسقاء يكونان للماء، وأن الوطب للبن. وقد جاء التوجيه النبوية بحفظ القرب وصيانتها فقد رُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله...)).

 

على كل من مجموع الروايات المتعلقة بالقربة يترجح بأنها وعاء للماء على الأغلب. فقد جاء عن كبشة الأنصارية - رضي الله عنها -:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، دخل عليها، وعندها قربة معلقة، فشرب منها وهو قائم. فقطعت فم القربة تبتغي بركة موضع في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

وروي عن أم سليم - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب من فم قربة قائماً.

 

وفي حديث الهجرة تقول أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما -، أنها شقت نطاقها نصفين فأوكت قربة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحدهما.

 

وقال أنس رضي الله عنه:

لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.. ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سُليم... تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم.

 

وروت عائشة - رضي الله عنها - أنه لما اشتد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعه قال:

((أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلي أعهد إلى الناس)).

 

كما روى عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب)).

 

والقربة لأهميتها تدخل ضمن جهاز المرأة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حين زف ابنته فاطمة لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه. كان من ضمن ما جهزها به قربة.

 

وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهز فاطمة - رضي الله عنها - بخميل وقربة.

 

مما سبق تظهر لنا أهمية القربة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالقربة لا غنى لكل بيت عنها والقربة لا يستغنى عنها في الحروب.. كما أنها مهمة أيضاً حتى في تجهيز العروس.

 

القُلّة:

((القُلّةُ: الحب العظيم، وقيل الجرة العظيمة، وقيل الجرة عامة، وقيل الكوز الصغير، والجمع قُللٌ وقِلالٌ. وقيل: هو إناء للعرب كالجرة الكبيرة)).

 

وجاء في تعريف آخر للقلة: أنها إناء للعرب كالجرة الكبيرة، وقد تجمع قلل. وقال:

وظللنا  بنعمة  واتكأنا ♦♦♦ وشربنا الحلال من قلله

 

مما سبق يتضح بأن القلة، هي الجرة أو شيء شبيه بها، وأنها قد تكون كبيرة الحجم، ولا يستبعد أنها تصنع من الفخار. ويبدو من بعض الروايات أن أشهر أنواع القلل ما جاء من اليمن، أو هجر. وأنها عادة تكون كبيرة الحجم.

 

وفي رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يصف فيها سدرة المنتهى في الجنة، أن نبقها مثل قلال هجر. وفي رواية أخرى أن ثمر سدرة المنتهى كالقلال.

 

وقد جاءت الإشارة إلى القلة في بعض أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها قوله: ((إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء)) وفي رواية أخرى أو ثلاث قلال وربما سائل يسأل عن قدر القلة؟ وحسب أحد المصادر فإن القلة أربعة أصوع، وقيل قدر القلة: قربتان. مع ملاحظة ما في القرب من التفاوت من حيث الحجم.

 

ومن بعض الروايات يظهر أن القلة قد تستخدم لأغراض أخرى غير الماء. فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال عن الزبيب: ((انبذوه في الشنان ولا تنبذوه في القلال فإنه إن تأخر صار خلا)).

 

وفي حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن تحريم الخمر ما يبين أن القلة آنذاك من آنية الخمر، فهو يقول: إني لقائم أسقيها أبا طلحة وأبا أيوب ورجالاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا. جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟ قلنا: لا. قال؛ فإن الخمر قد حرمت. فقال: يا أنس أرق هذه القلال.

 

يستفاد مما سبق، أن القلة من الأوعية المعروفة على زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنها ذات حجم كبير، بل هي الجرة العظيمة وربما كانت تتخذ من الفخار، وأنها تستخدم للنبيذ والخمر كما تستخدم للماء، وأن أجود القلال ما كان من هجر أو اليمن.

 

القُمقُم:

((والقُمقُمُ: ما يستقى به من نحاس)). وحسب ما جاء في مصدر آخر فإن)) القمقمن ما يسخن فيه الماء من إناء وغيره، ويكون ضيق الرأس.

 

وجاء في تعريف آخر للقمقم بأنه... ((الجرة وآنية العطار، وإناء من نحاس يسخن فيه الماء، ويسمى المِحَمْ، وأهل الشام يقولون غلاية... وجمعه قماقم)).

 

وليس من المستبعد بأن القمقم معرب وربما كان أصله رومياً أو سريانياً.

 

جاءت الإِشارة إلى القمقم في المصادر الحديثية مرة واحدة فقد رواها البخاري في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صفة النار حيث قال: ((إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان، يغلي منها دماغه كما يغلي المرجل بالقمقم)).

 

وفي رواية ابن الأثير... ((كما يغلي المرجل والقمقم))، ويعلق على ذلك قائلاً: وهو أبين إن ساعدته صحة الرواية.

 

يتضح مما تقدم بأن القمقم إناء من نحاس قد يكون ضيق الرأس، وأنه يستخدم للسقيا، كما يستخدم في تسخين الماء.

 

وبما أنه جاءت الإِشارة إليه في الحديث النبوي الشريف، فليس من المستبعد أن يكون القمقم من الآنية المعروفة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كان يستخدم في ذلك الحين في تسخين الماء بالإِضافة إلى بعض الاستعمالات الأخرى.

 

المِخْضَب:

((المِخْضَبُ، بالكسر شبه الإِجانة، يغسل فيها الثياب)).

و((المخصب: المركن)).

 

التعريفات السابقة ليس فيها ما يغني. فهي لا تجيب على الكثير من التساؤلات لكن لعل استعراض بعض الروايات المتعلقة بالمخضب تبين لنا صفته وصناعته وغير ذلك.

 

رُوي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأهله: ((أصلى الناس؟)) قلنا: لا. هم ينتظرونك يا رسول الله! قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب)).

 

وفي رواية عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:

حضرت الصلاة، فقام من كان قريب الدار إلى أهله، وبقي قوم، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمخضب من حجارة فيه ماء، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه.

 

ولدينا رواية أخرى تقول إن المخضب يكون من النحاس.

 

فقد روت أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنها - أنه كان لها مخضب من صفر، كانت ترجل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه.

 

أما الرواية الأخيرة المتعلقة بالمخضب فتوضح لنا أن المخضب قد يكون كبيراً لدرجة أن يجلس فيه الإِنسان.

 

فقد رُوي عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قولها، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد ما دخل بيته واشتد وجعه:

((أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلي أعهد إلى الناس)) وأجلس في مخضب لحفصة زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم طفقنا نصب عليه.

 

مما تقدم يظهر أن المخضب يصنع من الحجارة ومن النحاس أيضاً. وأنها ذو أحجام مختلفة فمنه الصغير جداً ومن الكبير الذي قد يستحم فيه الإنسان. فالمخضب يستخدم وعاء لغسل الثياب والوضوء والاستحمام.

 

المِركَن:

((المِرْكَنُ شبه تور من أدم أو شبه لقن.. وقيل: المركن الإجانة التي تغسل فيها الثياب)). وحسب مصدر آخر فإن المركن يتخذ من الخزف.

 

الأمر هنا لا يخلو من غموض فهل المركن هو الإِجابة، وهي الآنية التي تغسل فيها الثياب؟ ثم هل المركن يتخذ فقط من الجلد (الأدم) أم من الخزف كذلك؟ وما الوظيفة الأساسية للمركن؟

 

لدينا هنا بعض الروايات التي يمكن من خلال سردها أن تلقي شيئاً من الضوء على المركن وأوجه استعمالاته.

 

من بين هذه الروايات ما يوضح أن بعض بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تكن تخلو من المركن، فقد سئلت أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - أتغتسل المرأة مع الرجل؟ قالت: نعم إذا كانت كيِّسة. رأيتني ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نغتسل من مركن واحد.

 

وفي بعض الروايات يظهر أن المركن كبير الحجم، فقد روت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغسل لكل صلاة فإن كانت لتدخل المركن وإنه لمملوء ماء فتنغمس فيه ثم تخرج منه، وإن الدم فوقه لعاليه فتصلى.

 

وفي رواية أخرى... وكانت تقعد في مركن لأختها زينب بنت جحش حتى إن حمرة الدم لتعلو الماء.

 

من الروايات السابقة يتبين أن المركن ربما كانت وظيفته الأساسية أنه آنية تستخدم للاستحمام، كحوض الاستحمام في أيامنا هذه، وربما كان يستخدم لغسيل الملابس. والذي لا خلاف عليه هنا هو أن المركن كبير الحجم لدرجة أن الإِنسان ينغمس فيه بل يقعد فيه، وأنه قد يتخذ من الأدم كما يتخذ من الخزف.

 

الذي يخلص إليه المرء مما تقدم هو أن المركن كان معروفاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل كان في بعض بيوته..

 

المِطْهَرة:

((المِطْهرةُ: الإِناء الذي يُتوضأ به ويُتَطهرُ به، والمطهرة: الأداوة على التشبيه بذلك والجمع المطاهر. وكل إناء يُتَطَهرُ منه مثل: سطل أو رِكوة مِطْهرةُ)).

 

يلاحظ أن التعريف السابق لا يخلو من تعميم فحسب ما جاء فيه أن كل إناء يتطهر منه فهو مطهرة وهذا يعني أن معظم الآنية يمكن أن يطلق عليها اسم مطهرة متى استخدمت لذلك الغرض.

 

على كل حال... لقد عرف عن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -، أنه صاحب النعلين والوساد والمطهرة أي المسؤول عن هذه الأشياء الثلاثة الخاصة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولدينا رواية تدل على أن المطهرة شيء معروف وربما يكون متميزاً عن غيره من الآنية. فقد جاء ما يأتي:

... فقال صاحب السرية للجيش:

هل أصبتم من هؤلاء شيئاً؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة. فقال: ردوها فإن هؤلاء قوم ضماد. هذه الرواية تبين أن المطهرة معروفة بين الآنية بالاسم فلا يمكن الخلط بينها وبين الآنية الأخرى.

 

وفي مناسبة أخرى سئل الصحابي الجليل بلال - رضي الله عنه - كيف مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخفين؟ قال: تبرز ثم دعا بمطهرة أي إداوة فغسل وجهه... وفي هذه الرواية يتضح عدم التفريق بين الإِداوة والمطهرة.

 

وجاء في رواية عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -، قال:

تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخلفت معه. فلما قضى حاجته. قال: ((أمعك ماء)) فأتيته بمطهرة...

 

مما سبق يظهر أن مصطلح مطهرة لا يخلو من غموض فليس لدينا صفة محدودة للمطهرة وكأن المطهرة اسم عام لأي إناء استخدم للطهور. بينما لدينا رواية واحدة كأنها توحي بأن المطهرة إناء بعينه يمكن أن يختلف عن بقية الآنية. وقد أغفلت جميع الروايات السابقة مِمَّ تصنع المطهرة كما أغفلت حجمها وغير ذلك.

 

المهراس:

((المِهْراسُ: حجرٌ مستطيل منقورٌ يتوضأ منه ويُدَقُّ فيه)).

 

يتبين من التعريف أن المهراس هنا له وظيفتان، الأولى لحفظ الماء وهذا الذي يهمنا أما الأخرى فتتعلق بهرس الحبوب.

 

والمهراس الذي يحفظ فيه الماء كان معروفاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولو أن الروايات المتعلقة به قليلة.

 

إحدى هذه الروايات تقول:

روى أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليفرغ على يديه من إنائه ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده)). فقال قيس الأشجعي: يا أبا هريرة فكيف إذا جئنا إلى مهراسكم.

 

((أراد بالمهراس هنا هذا الحجر المنقور الضخم الذي لا يقله الرجال ولا يحركونه لثقله يسع ماء كثيراً ويتطهر الناس منه)).

 

وفي حديث تحريم الخمر يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه -، فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرة فاكسرها فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت.

 

الذي يفهم من هذا كله أن المهراس وعاء حجري كبير يحفظ فيه الماء في المنازل وربما في الطرقات أو عند المساجد لتيسير أمر الطهور للناس بالإِضافة إلى كونه يستعمل فيه هرس الحبوب. وأن المهراس كان معروفاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو أنه ليس لدينا ما يفيد أنه كان ضمن ما تحويه بيوت الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

 

المَيْضَأة:

المِيَضـأةُ: ((مِطْهَرةُ وهي التي يتوضأ منها أو فيها)).

 

في هذا التعريف عدم التفريق بين الميضأة والمطهرة.

 

والميضأة معروفة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت على ذكرها بعض الروايات. ومن تلك الروايات، ما روته الربيع بنت معوذ بن عفراء - رضي الله عنها -: قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتينا في منزلنا فآخذ ميضأة لنا تكون مداً وثلث مد أو ربع مد فأسكب عليه فيتوضأ ثلاثاً.

 

وفي رواية أخرى أن الناس في أحد المغازي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكوا شدة العطش... فقال: ((لا هلك عليكم)) ثم قال: ((يا أبا قتادة ائت بالميضأة)) فأتيته بها، فقال: ((احلل لي غمري)) - يعني قدحه - فحللته فأتيته به. فجعل يصب فيه ويسقي الناس...

 

وقال أبو قتادة في خبر آخر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

... ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء. قال: فتوضأ منها وضوءاً دون وضوء. قال: وبقى فيها شيء من ماء. ثم قال: ((احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ)). كما روي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دخل حائطاً وتبعه غلام معه ميضأة هو أصغرنا فوضعها عند سدرة فقضى رسول الله حاجته.

 

وخلاصة القول أن الميضأة كانت معروفة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان الفرق بين الميضأة والمطهرة ليس بواضح. لكن لدينا فكرة تقريبية عن حجم البعض منها حيث تبلغ مداً وثلث مد أو ربعه.. وهذا يعني أنها ليست بالكبيرة.

 

النِّحْيُ:

((النِّحيُ: بالكسر: زِقُّ للسمن والجمع أنحاء)).

 

وليس لدينا الكثير مما يمكنَ قوله عن النحي، سوى رواية واحدة. فقد جاء عن جابر، عن البهزية بنت أم مالك.

 

أنها كانت تهدي في عكتها سمناً للنبي - صلى الله عليه وسلم - فبينما بنوها يسألونها عن إدام وليس عندها شيء فعمدت إلى نحيها التي كانت تهدي فيه السمن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدت فيه سمناً.

 

هذه الرواية تبين أن النحي من أوعية السمن، ولا يستبعد أن يكون اسم النحي مرادفاً للعكة حيث أنه جاء في النص ما يوحي بذلك.

 

النَّقِير:

((النَّقِيرُ: أصلُ النخلة يُنَقرُ فيُنَبَذُ فيه. وقيل إن أهل اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة، ثم يشدخون فيها الرُطَبُ والبُسر ثم يدعونه حتى يهدر، ثم يموت)).

 

وفي تعريف آخر للنقير ليس فيه تعيين ما يتخذ نقيراً فليس بالضرورة أن يكون نخلة، فالنقير: ((أصل خشبة ينقر فينبذ فيه)). ويظهر أن نقير النخلة اختص به أهل اليمامة دون غيرهم. ولا غرابة في ذلك فإنهم أهل نخل.

 

وقد جاءت الإِشارة إلى النقير فيما يُروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من مناسبة:

فقد رُوي أنه حين جاء وفد عبد القيس يبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإِسلام أمرهم بأشياء ونهاهم عن أشياء، من بينها النقير، فقال:

((وأنهاكم عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتمة والمزفت)).

 

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -:

نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدباء والنقير والمزفت. وجاء عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال:

نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب في الحنتمة والدباء والنقير.

 

وفي رواية عن ابن عباس قال:

خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر. ثم رجع وقد نبذ ناس من أصحابه في حناتم ونقير ودباء. فأمر به فأهريق.

 

من العرض السابق يظهر أن النقير كان من الآنية المعروفة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبدو أنه كان يستخدم في غالب الأحيان لتحضير النبيذ ونظراً لشدة التخمر فيه جاء النهي عن استخدامه لمثل هذا الغرض.

 

الوَطْب:

((الوَطْبُ: سقاء اللبن)) وقيل: سقاء اللبن خاصة، وهو جلد الجذع فما فوقه، والجمع أوطُبٍ، وأوطابٌ ووطابٌ.

 

ليس من كبير خلاف حول تعريف الوَطْب على أنه سقاء اللبن وإن اشترط في بعض الحالات على أن يكون جلد الجذع فما فوق.

 

والروايات عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بالوطب قليلة جداً. فقد روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

((لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحل صرار ناقة بغير إذن أهلها فإنه خاتمهم عليها. فإذا كنتم بقفر فرأيتم الوطب أو الراوية أو السقاء من اللبن فنادوا أصحاب الإبل ثلاثاً..)).

 

وفي حديث الهجرة طلب أبو بكر - رضي الله عنه - من أحد الموسرين في مكة أن يزوده ببعير وزاد ودليل. يقول صاحب الرواية:

فجئت إلى مولاي فأخبرته فبعث معي ببعير ووطب من لبن فجعلت آخذ بهم في إخفاء الطريق.

 

وفي رواية للصحابي عبدالله بن أبي حدود قال:

بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إضم. فخرجت في نفر من المسلمين.. حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر الأشجعي على قعود له متيع ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا.

 

كل الروايات الثلاث السابقة تربط بين الوطب واللبن، ومنها يبدو أن الوطب موقوف الاستخدام على اللبن خاصة.

 

ويتضح مما سبق أن الوطب كان شائع الاستخدام في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يستبعد أنه كان مستخدماً في بيوته - عليه الصلاة والسلام - وبيوت أصحابه حيث لا غنى عنه لحفظ اللبن.

 


الفئة الرابعة:
أوعية تستخدم لأغراض شتى:

الجراب:

الجِرابُ، الوعاء، معروف، وقيل هو المِزْوَدُ والعامة تفتحه، فتقول الجَرابُ، والجمع أَجْرِبةٌ وجُرُبٌ. والجِرابُ: وعاء من إهاب الشاء لا يُوعَى فيه إلا يابسٌ.

 

الجزء الأول من التعريف ينقصه الوضوح حيث أنه يطلق على الجراب، أنه الوعاء وصفة الوعاء مجهولة وصفة المزود كذلك.

 

أما الجزء الثاني من التعريف فقد أبان بأن الجراب من الجلد وهو ((الإهاب)). وأنه لا يحفظ فيه إلا يابس. أي لا يصلح لحفظ السوائل.

 

جاء عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - إشارة للجراب في وصفها لهجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووالدها أبي بكر - رضي الله عنه - حيث تقول:

فجهزناهما أحب (أحث؟) الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها فأوكت الجراب فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين.

 

وقد أشار كذلك الصحابي جابر بن عبدالله إلى الجراب بقوله:

... فانكفأت إلى امرأتي. فقلت لها: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصاً شديداً. فأخرجت لي جراباً فيه صاع من شعير..

 

وفي رواية أخرى عن جابر - رضي الله عنه - يقول فيها: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر علينا أبا عبيدة نتلقى عيراً لقريش وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غيره.

 

وفي رواية وكان معنا جراب من تمر.

 

أما الرواية الأخيرة حول الجراب فقد جاءت عن عبدالله بن مغفل حيث قال: أصبت جراباً من شحم يوم خيبر. قال: فالتزمته. فقلت لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئاً. قال: فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبتسماً..

 

وفي رواية رمى إلينا جرب فيه طعام وشحم يوم خيبر فوثبت لأخذه.

 

مما تقدم يظهر أن الجراب وعاء من جلد وأنه تحفظ فيه بعض أنواع الأطعمة الجافة مثل الشعير ونحوه والجامدة مثل الشحوم وما إلى ذلك.

 

الجُوالِقُ:

الجُوالِقُ والجُوالَقُ، بكسر اللام وفتحها... وعاء من الأوعية معروف معرب..

 

قال الراجز:

يا حبذا ما في الجواليق السود ♦♦♦ من خشكنان وسويق  مقنود

 

((الجوالق: أعجمي معرب. وأصله بالفارسية كواكه، وجمعه جوالق بفتح الجيم. وهو من نادر الجمع)).

 

التعريفات السابقة تذكر أن الجوالق وعاء من الأوعية ولكنها تغفل صفته وهيئته فالأوعية كثيرة، والتعريفات السالفة تهمل كذلك المادة التي يتخذ منها الجوالق، ولو أن أحد المصادر يذكر أن الجوالق وعاء يتخذ من الجلود والثياب.

 

وحسب ما ورد في مصدر آخر فإن مسمى الجوالق تبعاً لحجمه فالجوالق الكبير يدعى غرارة، أما الصغير فهو عكم.

 

على كل حال، مما يلاحظ كذلك أن الإِشارة إلى الجوالق في كتب السنة جاءت مبتسرة ولا تعطي المرء تصوراً كافياً عن ماهية الجوالق والوظيفة التي يتخذ لها كوعاء(!).

 

والمناسبة الأولى التي جاء فيها ذكر الجوالق هو ما ورد عند البخاري في حديثه عن القسامة في الجاهلية يقول:

... فمر رجل من بني هاشم، قد انقطعت عروة جوالقه. فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي...

 

أما المناسبة الثانية التي ذكر فيها الجوالق فقد جاءت في حديث طويل للصحابي الجليل جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال:

... فلما ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهض قالت صاحبتي: يا رسول الله دعوات منك. قال: نعم. فبارك الله لكم. ثم بعثت بعد ذلك إلى غرمائي فجاؤوا بأحمرة وجواليق... فأوفيتهم والذي نفسي بيده عشرين وسقاً من العجوة وفضل فضل حسن...

 

مما تقدم يظهر أن الجواليق وعاء شبيه بالكيس يتخذ لحفظ الحبوب والتمور وما في حكمها وربما كان له ألوان عدة منها الأسود ولا يستبعد كذلك أن الجوالق يتخذ من الجلد كما يتخذ من بعض المنسوجات (الثياب).

 

الحقيبة:

للحقيبة عدة معان وأهمها:

((الحَقِيبَةُ، تكون على عجز البعير تحت حنوى القتب الآخرين، والحقيبة الوعاء الذي يجعل الرجل فيه زاده...)).

 

أما الحقيبة بمعنى الوعاء الذي يجعل فيه الزاد، فقد جاء في حديث طويل عن الصحابي ذي الجوشن الضبابي - رضي الله عنه -، في مقابلته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله:

... ثم قال: الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((يا بلال، خذ حقيبة الرجل فزوده من العجوة))، فلما أدبرت، قال: ((أما إنه من خير فرسان بني عامر)).

 

وقد رُوي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -، أنها كلما مرت بالحجون تقول: ((صلى الله على رسوله وسلم، لقد نزلنا معه هاهنا، ونحن يومئذ خفاف الحقائب، قليل ظهرنا قليلة أزوادنا...)).

 

من الروايتين السابقتين يتبين بأن الحقيبة، وعاء يوضع فيه الطعام، ولعله طعام المسافر وربما كانت الحقيبة من الأوعية التي لا يستغني عنها المسافرون.

 

الخُرْجُ:

((الخُرْجُ: هذا الوعاء - ثلاثة خِرَجَة - وهو جُوالِقُ ذو أونين))، (أذنين)؟. و((الخرج، من الأوعية معروف، عربي وهو هذا الوعاء وهو جوالق... والجمع أخراج وخرجة.

 

وفي تعريف آخر ربما أكثر وضوحاً جاء فيه ((الخرج: كقفل، وعاء معروف، يجعل على ظهر الدابة لوضع شيء فيه، ويكون ذا عدلين. جمعه خرجة. والظاهر أن الخرج من الأوعية اللازمة للمسافر، حيث إن المسافر يضع فيه آلاته.

 

على كل حال لم تأت الإشارة إلى الخرج سوى مرة واحدة وفي صيغة الجمع. فقد روى أحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: كنا نأكل الجزر في الغزو ولا نقسمه، حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخْرجتنا من مملاة.

 

وأخيراً فإن الذي يفهم مما تقدم بأن الخرج وعاء من الأوعية اللازمة للمسافر حيث يضع فيه حوائجه. وليس من المعروف مِمَّ يتخذ، وإن كان من غير المستبعد أنه يصنع من الصوف. والذي لا شك فيه أنه يقع ضمن الأوعية المعروفة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

الخَريطة:

الخَرِيطَةُ هَنةٌ مثل الكيس تكون من الخرق والأدم، تُشَرَّجُ على ما فيها، ومنه خرائط كتب السلطان وعماله.

 

الروايات المتعلقة بالخريطة قليلة قلة ظاهرة، فقد جاء عن أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - قالت:

أكثر ما علمت أتي به نبي الله - صلى الله عليه وسلم - من المال بخريطة فيها ثمان مائة درهم.

 

وفي رواية متأخرة عن عصر النبوة، أن رجلاً قال لصاحبه:

أقرضني ألف درهم إلى عطائي. قال: نعم. وكرامة.

 

يا أم عُتبة هلمي تلك الخريطة المختومة التي عندك...

 

من الروايات السابقة على ندرتها يظهر أن الخريطة كانت تستخدم فقط لحفظ المال (النقود). وقد تكون استخدمت لكتب الحكومة في وقت لاحق. أما الذي لا خلاف عليه هنا أن الخريطة كيس يتخذ من الخرق أو الجلود. ويظهر أنه ذو أحجام مختلفة فمنها ما يسع ثمان مائة درهم وربما منها ما يسع أكثر وأقل من ذلك.

 

الزبيل (الزنبيل):

((الزَّبِيل والزَّنْبِيل، الجِرَابُ، وقيل الوعاءُ يُحمَلُ فيه. فإذا جمعوا قالوا زنابيل... والزبيل، القفة، والجمع زُبُلٌ)). ويظهر أنه معرب، والإشارة إلى الزبيل في مصادر هذه الدراسة قليلة جدا.

 

فقد جاء في إحدى الروايات عن الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بعرق فيه تمر وهو الزبيل، قال: ((أطعم هذا عنك...)) وفي حديث آخر، أنه كان بين سلمان الفارسي وحذيفة شيء فأتاه يطلبه فأخبرَ أنه في مبقلة له فتوجه إليه فلقيه معه زبيل فيه بقل، قد أدخل عصاه في عروة الزبيل وهو على عاتقه...

 

من الروايات السالفة يتبين أن الزبيل وعاء معروف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويظهر كذلك أنه من الأوعية التي تحمل وتحفظ فيه المواد الجافة مثل التمور والبقول وما إلى ذلك.

 

والذي يخلص إليه المرء هو أن الزبيل وعاء يحمل فيه وأنه له عروة. وإن كان ليس من المستبعد أن له عروتين وليس واحدة فقط. وأنه يتخذ من الخوص. انظر: العرق.

 

العَرَقُ:

((العَرَقُ: السّفيفَةُ المنسوجة من الخوص وغيره قبل أن يُجعَلَ منه الزبيل، ومنه قيل للزبيل عرق)).

 

وقيل ((العرق: زبيل منسوج من نسائج الخوص، وكل شيء مضفور فهو عرق وعرقة بفتح الراء فيهما))، وقيل العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعاً.

 

يظهر مما سبق أن العرق زبيل من خوص، ويبدو أنه لابد أن تكون سعته خمسة عشر صاعاً، حتى يكون عرقاً، وإلا فهو الزبيل صغر أو كبر.

 

وفي مصادر هذه الدراسة روايات عدة متشابهة عن العرق.

 

ففي الحديث الشريف أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: احترقت. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((لِمَ؟))، قال: وطئت امرأتي في رمضان نهاراً... فأمره أن يجلس فجاءه عرقان فيهما طعام، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتصدق به.

 

وفي رواية أخرى فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر. فقال: ((تصدق بهذا)).

 

وفي حديث الصحابية خويلة بنت مالك بن ثعلبة، أن زوجها ظاهر منها فذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه... قال: ((فليطعم ستين مسكيناً))، قالت: ما عنده شيء يتصدق به، قالت: فأتى ساعتئذ بعرق من تمر. قلت: يا رسول الله، فإني أعينه بعرق آخر...

 

من كل ما تقدم يتضح بأن العرق زبيل من خوص يتسع لخمسة عشر صاعاً أو أكثر من ذلك. فهو ليس بوعاء صغير ولذلك تميز بمسمى العرق عن الزبيل المعروف نظراً لسعته. وكان العرق على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - شائعاً استعماله بين الناس آنذاك ويحتمل أن بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم تكن لتخلو منه.

 

العَيبَة:

((العَيبَةُ: وعاء من أدم يكون فيها المتاع، والجمع عِيابٌ وعِيَّبٌ والعيبة أيضاً زبيل من أدم يُنقل فيه الزرع المحصود إلى الجرين في لغة همدان، والعيبة: ما يُجَعلُ فيه الثياب)).

 

العيبة هنا ليست محصورة بشيء بعينه فهي وعاء جلدي لحفظ المتاع، وقد تكون زبيلاً من جلد لنقل الحبوب، وهذا ما يقوي الاحتمال بأن الزبيل الذي سبق الحديث عنه ربما يكون أحياناً من جلد.

 

والذي يهمنا هنا هو العيبة التي تجعل فيه الثياب.

 

فقد أشار الصحابي جرير بن عبدالله - رضي الله عنهما - إلى العيبة قائلاً:

لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي ثم حللت عيبتي، ثم لبست حلتي، ثم دخلت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب...

 

وفي رواية عن الصحابي جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - يقول فيها: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه، أي إلى الراعي.. فقال: ((أما له ثوبان غير هذين؟)) فقلت: بلى يا رسول الله. له ثوبان في العيبة. كسوته إياهما.

 

وحين حانت منية الصحابي أبي ذر - رضي الله عنه - وهو في الربذة، قال للرهط من حوله:

... فأنشدكم الله أن لا يكفنني رجل منكم كان أميراً أو عريفاً أو بريداً. فكل القوم كان قد نال من ذلك شيئاً إلا فتى من الأنصار كان مع القوم قال:

أنا صاحبك، ثوبان في عيبتي من غزل أمي...

 

وقد جاء عن رئيس وفد بني عبد القيس: المنذر بن عائذ، أنه: تخلف بعد القوم فعقل رواحلهم وضم متاعهم ثم أخرج عيبته، فألقى عنه ثياب السفر ولبس من صالح ثيابه، ثم أقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -...

 

مما تقدم يظهر أن العيبة وعاء لحفظ الملابس وأنها تكون من لزوم المسافر والمقيم وأنها تتخذ من الجلد.

 

الغِرَارة:

((الغِرَارةُ، الجُوالِقُ، واحدة الغَرائِر، قال الشاعر: كأنه غرارة ملأى حثي)). وحسب مصدر آخر فإن القرارة، واحدة الغرائر التي للتبن، وأظنه معرباً.

 

التعريفات السابقة لا تفصح كثيراً عن ماهية الغرارة، فمرة هي الجوالق، ومرة أخرى هي الغرارة التي للتبن، وهنا خصصت بأنها وعاء للتبن وليس غير.

 

أما الروايات التي بين أيدينا على قلتها فإنها تشير إلى الغرارة على أنها ربما تكون شيئاً مختلفاً عن وعاء التبن وما شابهه.

 

جاء في إحدى الروايات أن الصحابي جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال:

... فقلت يا رسول الله هلم إلى الظل. قال: فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقمت إلى غرارة لنا فالتمست فيها شيئاً فوجدت فيها جرو وقثاء فكسرته، ثم قربته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -..

 

وفي رواية ثانية تشير عائشة - رضي الله عنها - إلى الغرارة قائلة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في ظل فارع، أجم حسان. جاء رجل فقال: احترقت يا رسول الله. قال: ((ما شأنك؟)) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. قالت: وذاك في رمضان. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((اجلس))، فجلس في ناحية القوم. فأتى رجل بحمار عليه غرارة فيها تمر. قال هذه صدقتي يا رسول الله...

 

أما الرواية الثالثة فقد كان الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في طريقه إلى السوق فاعترضته إحدى النساء قائلة:

... أنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. فوقف معها عمر - رضي الله عنه - ولم يمض، ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً، وحمل بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها بخطامه...

 

مما سبق يتضح أن الغرارة تستخدم وعاء لزاد المسافر، وتستخدم وعاء لحمل الأطعمة وما شابه ذلك... وأنها ليست مقتصرة على التبن!

 

القَفْعَة:

((القَفْعةُ شيء شبيه بالزَّبيل ليس بالكبير، يعمل من خوص، وليس له عرى، والقفعة مثل القفة تتخذ واسعة الأسفل ضيقة الأعلى، حشوها مكان الحلفاء عراجين تُدق، وظاهرها خوص على عمل سلال الخوص)). ويبدو أن القفعة تستخدم لجني الثمر ونحوه.

 

ولم ترد الإِشارة للقفعة في مصادر هذه الدراسة سوى مرة واحدة علماً بأن القفعة من الوصف السابق لها ليست بعزيزة المنال فهي تتخذ من الخوص وشبيهة بالزبيل.

 

جاء عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال:

سئل عمر بن الخطاب عن الجراد فقال: وددت أن عندي قفعة نأكل منه.

 

هذا ما جاء عن القفعة رواية واحدة تنسب للخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وندرة الإِشارة إليها لا تعني عدم وجودها على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ربما المناسبة لم تستدع ذكرها، ولا يستبعد وجود القفعة في بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيوت أصحابه، لأنها كانت من الأوعية التي تدعو الحاجة إلى مثلها.

 

الماعون:

جاء في تعريف الماعون، أن ((الماعون، المعروف كله، حتى ذكر القصعة والقدر والفأس. وقال ثعلب: الماعون: كل ما يستعار من قدوم سفرة وشفرة)).

 

وقال ابن الأثير في النهاية، ((الماعون، اسم جامع لمنافع البيت، كالقدر والفأس وغيرهما مما جرت العادة بعاريته)).

 

أما في القرآن الكريم، فقد نزلت سورة باسم الماعون، قال تعالى في نفس السورة: ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [7/ الماعون].

 

وفي الحديث النبوي الشريف، جاءت الإِشارة إلى الماعون مرة واحدة في سنن أبي داود، حيث رُوي عن أحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قوله: كنا نعد الماعون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عارية، الدلو القدر.

 

وهكذا فالماعون ليس كما يظن البعض أنه إناء بعينه، لا، بل الماعون اسم جامع لمنافع البيت يمكن استعارتها ويجب عدم منعها. وقد أوردناه هنا لإِزالة ما قد يعلق بذهن القارئ من لبس حول معنى الماعون.

 

المَزادة:

((المزَادَةُ التي يُحمَلُ فيها الماء وهي ما فُئِمَ بجلد ثالث بين الجلدين ليتسع، سميت بذلك لمكان الزيادة. والمزادة تكون من جلدين ونصف وثلاثة جلود، سميت مزادة لأنها تزيد على السطيحتين وهما المزادتان... والمزادة هي الظرف الي يحمل فيه الماء كالراوية والقربة والسطيحة)).

 

الذي يفهم مما سبق أن المزادة وعاء من أوعية الماء تتخذ من الجلد وأنها أكبر من السطيحة التي سبق الحديث عنها، وأنها سميت المزادة لمكان الزيادة فيها.

 

والمزادة على الرغم من أهميتها كوعاء للماء إلا أن الإِشارة إليها في مصادر هذه الدراسة لم تكن بالكثيرة.

 

فقد جاء في أحد المصادر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في غزاة... فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل فدعا فلاناً ودعا علياً، فقال: ((اذهبا فابتغيا الماء)). فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها...

 

وفي رواية أخرى فبينما نحن نسير إذا بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها أين الماء؟.


وفي رواية عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:

قدم رجل من دوس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - براوية خمر أهداها له. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هل علمت أن الله حرمها بعدك)). فأقبل صاحب الراوية على إنسان معه فأمره، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((بماذا أمرته؟)) قال ببيعها. قال: ((هل علمت أن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها)). قال: فأمر بالمزادة فأهريقت.

 

في الروايات السابق خلط واضح بين المزادة والسطيحة والراوية ومن المعلوم أن كل هذه الأوعية هي من أوعية السوائل وعلى وجه الخصوص الماء إلا أن الأحاديث المتقدمة لا تفرق كثيراً بينها، مما يقوي الاحتمال بأن تلك الأوعية كانت متشابهة لدرجة كبيرة. وكما أن المزادة من أوعية الماء إلا أنها قد تتخذ وعاء للخمر كما تقدم في رواية ابن عباس وكما جاء عن أنس - رضي الله عنه - حين يتحدث عن تحريم الخمر فقال: ((إني لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء من مزادة، فيها خليط بسر وتمر..)).

 

المِزْوَد:

((المِزْوًدُ، شبه جراب من أدم يُتَزوّدُ فيه الطعام للسفر، جمعه المزاود)). وفي تعريف مقتضب. المِزْوَدُ وعاءُ يُجعَلُ فيه الزاد)).

 

وجاء عند الثعالبي أن المزود، وعاء زاد المسافر.

 

على الرغم من أهمية المزود بالنسبة للمسافر فإن الإِشارة إليه فيما بين أيدينا من مصادر جاءت قليلة جداً، فقد أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إحدى المناسبات إلى المزود بصيغة الجمع حين خاطب أصحابه وهم في سفر قائلاً:

((أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب به؟)).

 

كما يُروى عن أحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في غزوة فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا - أي الدواب - فأمرنا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فجمعنا مزاودنا، فبسطنا نطعاً فاجتمع زاد القوم على النطع.

 

أما آخر الروايات حول المزود فقد جاءت عن طريق جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - حيث قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثاً قبل الساحل، فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح... فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر...

 

يظهر أن المزود وعاء من جلد يحمل فيه المسافر طعامه وأنه شبيه بالجراب. ويظهر كذلك أن المزود من الأوعية الشائعة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وأنه من المتاع الذي لا يستغني عنه المسافر.

 

المِكْتَل:

((المِكْتَلُ... الزَّبِيل الذي تُحمَلُ فيه الثمر أو العنب إلى الجرين، وقيل المكتل شبه الزبيل يسع خمسة عشر صاعاً. وهو من حيث السعة صار شبيهاً بالعرق.

 

وحسب ما جاء في التعريف السابق فإن المكتل يحمل فيه الثمر، أو هو شبه زبيل. ويظهر أن التأكيد هنا على السعة، فالمكتل هنا هو الذي يتسع لخمسة عشر صاعاً. والتعريف السابق لا يشير إلى المادة التي يتخذ منها المكتل، ولا يستبعد أن يكون من الخوص. ولدينا هنا إشارات عدة لاستخدام المكتل وشيوعه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

فقد جاء عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال:

بعثت معي أم سُليم بمكتل فيه رطب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضعت المكتل بين يديه فجعل يأكل ويقسم حتى فرغ منه.

 

وفي رواية عن ربيعة الأسلمي - رضي الله عنه - قال:

... فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اذهب إلى عائشة فقل لها فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام. قال: فأتيتها فقلت لها ما أمرني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: هذا المكتل فيه تسع أصع من شعير لا والله إن أصبح لنا طعام غيره.

 

وجاء عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال، أنه احترق. فسأله ما شأنه؟ فقال: أصاب أهله في رمضان نهاراً، فأتاه مكتل يدعى العرق فيه تمر، فقال: ((أين المحترق؟)) فقام الرجل. فقال: ((تصدق بهذا)).

 

وفي رواية أخرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له:

((فتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟)) قال: لا، قال: فجاء رجل من الأنصار بعرق، والعرق المكتل، فيه تمر، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اذهب بهذا فتصدق به))...

 

في الرواية الأخيرة عدم تفريق بين العرق والمكتل ويبدو أن الفرق بين الوعائين طفيف بل ربما كان في التسمية فقط.

 

والذي يمكن الجزم به هنا هو أن المكيل وعاء تحمل فيه الثمرة وربما أنه يصنع من السعف، وأنه كبير الحجم حيث أنه يتسع لخمسة عشر صاعاً، وأنه كان شائع الاستعمال في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كان موجوداً في بيوته وكان يحفظ فيه طعامه.


الفئة الخامسة:

وحدات الكيل:

من المعروف أن وحدات الكيل ليست من الأواني أو الأدوات الداخلة في الاستعمال اليومي للأسرة أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ربما بسبب ندرة الآنية المناسبة في ذلك الحين اضطر الناس إلى استخدام وحدات الكيل لبعض شؤون الحياة اليومية، أو هذا على الأقل ما كان يحدث في بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وسنتطرق بالإِشارة هنا إلى ما تم العثور عليه في مصادر هذه الدراسة من المكاييل التي استخدمت لأغراض أخرى إضافة لأغراضها الأساسية.

 

الصَّاع:

((الصّاعُ لأهل المدينة يأخذ أربعة أمداد، يذكر ويؤنث... والصُّواع كالصّاع.. وصاعُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، الذي بالمدينة أربعة أمداد بمدهم المعروف عندهم)). والصاع في دراسة حديثة حين يستخدم للسوائل فإنه يتسع لـ4.2125 لتراً أما للحبوب ونهحوها فإنه يتسع لـ2.24 كيلو غرام.

 

من الغريب أن جميع الروايات التي تم العثور عليها في مجال هذه الدراسة عن الصاع تدور حول الطهارة.

 

فقد جاء عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد.

 

وجاء عن أنس - رضي الله عنه - قوله: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بإناء يسع رطلين، ويغتسل بالصاع. وقد جاء عن سفينة قوله: كان النبي - صلى الله عليه وسلم -. يتوضأ ويغتسل بالصاع.

 

وجاء عن سفينة كذلك: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسله الصاع، من الماء من الجنابة...

 

كما جاء في رواية أخرى لأنس - رضي الله عنه - قوله: كان النبي - صلى الله عليه وسلم -. يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع...

 

وفي رواية عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، قال: دخلت على عائشة، أنا وأخوها من الرضاعة. فسألها عن غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة؟ فدعت بإناء قدر الصاع. فاغتسلت وبيننا وبينها ستر.

 

من كل ما تقدم يظهر أن الصاع ليس بالوعاء الكبير حيث أنه يأخذ من السائل ما سعته أربعة ليترات وربما. ومعظم الروايات التي أشارت إلى الصاع أشارت إليه مقترناً بالطهارة من وضوء وغسل والمقصود منها التنبيه للقدر الذي يجزئ من الماء للوضوء وللغسل.

 

والمصادر التي تم الرجوع إليها هنا لم تشر إلى المادة التي يصنع منها الصاع وإن كان من المحتمل جداً أن الصاع كان يتخذ من الخشب كالصاع في أيامنا هذه.

 

الفَرْق:

((الفَرْقُ والفَرَقُ: مكيال ضخم لأهل المدينة معروف، وقيل: هو أربعة أرباع، وقيل: هو ستة عشر رطلاً... والجمع فُرْقان...

 

والفرق حسب مصدر آخر يقدر بثلاثة أصوع. وهذا ما يعادل 12.617 لتراً تقريباً.

 

ومع أن الفرق مكيال، إلا أنه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد استخدم في بعض الحالات لأغراض أخرى منها أغراض الطهارة. فقد جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت:

كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد وهو الفرق. وجاء عن عائشة في رواية أخرى قولها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل من إناء هو الفرق من الجنابة. وجاء في رواية أخيرة لعائشة - رضي الله عنها - عن الفرق قولها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل في القدح وهو الفرق. وكنت أغتسل أنا وهو في الإِناء الواحد.

 

وأخيراً فقد جاء عن كعب بن عجرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رآه والقمل يسقط على وجهه، فقال: ((أيؤذيك هوامك؟)) قال: نعم. فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلق... فأنزل الله الفدية، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين...

 

وجاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أسكر الفرق منه إذا شربته فملء الكف منه حرام)).

 

في جميع الروايات السابقة جاءت الإِشارة إلى الفرق متعلقة بالطهارة من غسل ونحوه. والرواية ما قبل الأخيرة هي الوحيدة التي أشير فيها إلى الفرق على أنه من وحدات الكيل.

 

المُدّ:

((المُدُّ: ضرب من المكاييل وهو رُبعُ صاع، وهو قدرُ مدّ النبي - صلى الله عليه وسلم -. والصاع خمسة أرطال، قال:

لم يغذها مُدُّ ولا نَصيفٌ ♦♦♦ ولا تُميرات ولا تعجيفُ

 

والجمع أمدادٌ ومِدادٌ، مِدادٌ...)).

 

وحسب ما جاء في مصدر آخر فإن المُد ((.. ملء كفي الإِنسان المعتدل إذ ملأهما ومد يده بهما وبه سمى مُداً..)). وفي إيضاح أكثر لحجم وسعة المد. فإنه يتسع لـ812.5 غرام (قمح) ويتسع لمقدار من السائل كالماء مثلاً يساوي 0.05 لتر. وقد جاءت الإِشارة إلى المد في حديث لعائشة - رضي الله عنها - حيث قالت:

أنها كانت تغتسل هي والنبي - صلى الله عليه وسلم - في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد، أي (4/ 3 الصاع) أو قريباً من ذلك. وجاء عن عائشة كذلك: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد. وعن سفينة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسله الصاع، من الماء من الجنابة ويوضؤه المد.

 

وقال أنس - رضي الله عنه -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغسل أو كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد يتوضأ بالمد.

 

وجاء في رواية عن الربيع بنت معوذ بن عفراء أنه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يأتينا في منزلنا فآخذ ميضأة لنا تكون مداً وثلث مد أو ربع مد فأسكب عليه فيتوضأ ثلاثاً ثلاثاً.

 

كما روى عن عمارة بنت كعب أنها قالت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فأتى بماء في إناء قدر ثلثي المد.

 

وروي أخيراً عن عائشة - رضي الله عنها -: أنها كانت تغتسل هي والنبي - صلى الله عليه وسلم - في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك.

 

وأخيراً فقد جاء عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم ومدهم..)) أي أهل المدينة.

 

من كل ما تقدم يظهر أن المد مكيال صغير يقدر بملء كفي الإِنسان المعتدل، أو ما يقارب ثلاثة أرباع الكيلو من الطعام. وقد أشارت إليه المصادر هنا كوحدة من وحدات الكيل مرة وكإناء من الأواني المستخدمة في الغسل والطهارة. وفي غالب الأمر يظهر أن الإِشارة إليه في مصادر هذه الدراسة في معظم الأحوال المقصود منه بيان القدر الواجب من الماء في أمور الطهارة.

 

أما من حيث صناعته فلا يستبعد أنه كان يتخذ من الخشب مثل الصاع الذي لا يزال موجوداً إلى أيامنا هذه ومصنوع من الخشب.

 

المَكّوك:

((المَكُّوكُ: مكيال، وهو ثلاث كَيْلَجَات، والكَيْلَجَةُ، مناً وسبعةً أثمان المَنْ)).

 

وحسب ما جاء في مصدر آخر فإن المَكُّوكُ: طاسٌ يُشرَبُ به، وفي المحكم، طاس يشرب فيه، أعلاه ضيق ووسطة واسع... والمكوك مكيال معروف لأهل العراق، وهو صاع ونصف...)).

 

جاءت الإِشارة إلى المكوك في عدة أحاديث فقد روى عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - والمرأة من نسائه يغتسلان من إناء واحد، وكان يغتسل بخمس مكاكي ويتوضأ بمكوك.

 

وفي رواية أخرى عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بالمكوك وكان يغتسل بخمس مكاكي.

 

وفي رواية أخيرة لأنس - رضي الله عنه - قد لا يختلف كثيراً عن سابقاتها قال فيها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك.

 

من المعلومات السابقة يتضح بأن المكوك ربما كان في الأساس وعاء يشرب به، ثم امتدت الغاية منه إلى أن يستعمل كأداة كيل، وهو حسب الوصف السابق وعاء أعلاه ضيق ووسطة واسع وسعته صاع ونصف. ويعادل وزناً من الحنطة قدره 5.625 كيلو غرام تقريباً ويتسع لـ7.3 أو 7.77 لتراً من السائل.

 

وروايات الحديث السابقة لا تنص حرفياً على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستعمل وعاء المكوك في وضوئه وغسله، بل الظاهر منها يفيد بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يجزئه من الماء في وضوئه قدر مكوك. وفي غسله قدر خمس مكاكيك.

 

وهذا الإستنتاج لا ينفي استخدام ذلك الوعاء المعروف بالمكوك في الاستعمالات اليومية من وضوء وغسل ونحوه بالإِضافة إلى كونه مكيالاً.

 


الخاتمة

في ختام هذه الدراسة عن الآنية والأوعية المستخدمة في عصر الرسالة، على صاحبها (أفضل الصلاة والسلام)، يتبين، أن تلك المواد ليست بالكثيرة وربما يعود سبب ذلك إلى المصادر المستخدمة هنا لم تأت عليها جميعاً حيث إن المناسبة لم تدع لذلك، وهذا احتمال قوي. أو ربما تعود قلة تلك المواد إلى زهد القوم بمتاع الحياة، أو ربما لقلة ذات اليد، أو لكلا الأمرين معاً.

ويمكن تصنيف المواد التي جاءت عليها الدراسة من حيث أوجه استعمالها إلى خمس فئات هي:

1 - آنية الطعام، مثل: القدر والبرمة والجفنة والصحفة... الخ.


2 - آنية الشراب، مثل: الكوب والقعب، والكأس والغمر والقدح... الخ.

3 - أوعية وآنية السوائل: مثل السقاء، القربة، الوطب، العكة، والمركن والمخضب والقارورة... الخ.

4 - أوعية ذات استخدامات شتى، مثل: جراب، غرارة، مكتل، مزود وزبيل... الخ.

5 - وحدات الكيل، مثل: الصاع، المد، الفرق والمكوك.


ويمكن كذلك تصنيف هذه المواد من حيث مادة صناعتها إلى الآتي:

1 - ما يصنع من الجلد، مثل: السقاء والوطب والعكة والجراب والعلبة... الخ.

2 - ما يصنع من الحجارة أو الفخار والخزف، مثل: البرمة، وبعض الأنوار والقدور، والجرة والكوز والقلة والمركن... الخ.

3 - ما يصنع من المعادن، الحديد والنحاس، مثل: الطست، والأبزن والتور، والقمقم، المخضب... الخ.

4 - ما يصنع من الخشب، مثل: العس، والصحفة والجفنة والقعب... الخ.

5 - ما يصنع من الزجاج، مثل: القارورة والباطية وبعض أنواع الأقداح.

6 - ما يصنع من النخل وسعفه، مثل: النقير، وبعض الأقداح وكذلك الزبيل، والعرق والطبق والقناع... الخ.

7 - ما يصنع من بعض الأنسجة، مثل: الغرارة والجوالق والخرج.. الخ.

8 - ما يتخذ من القرع ((الدباء)) والذي يستخدم أوعية لحفظ النبيذ أو السمن.

 

إنه من الملاحظ على مواد هذه الدراسة أن غالبيتها مصنوعة من الجلد، ثم الفخار والخزف والحجارة وذلك بصورة أقل، ثم الخشب.

 

أما بقية المواد الأخرى التي صنعت من معادن أو زجاج أو حتى أنسجة فقد جاءت قليلة مقارنة بالمواد الثلاث الأولى.

 

وهذا الاستنتاج ربما يقود إلى حقيقة هامة وهي اعتماد القوم في ذلك الحين على خامات البيئة المحيطة بهم قدر الإِمكان.

 

ومن الملاحظ كذلك أن الغالبية العظمى من الآنية والأوعية الواردة في ثنايا هذه الدراسة ظلت معروفة بأسمائها واستعمالاتها في جزيرة العرب عبر القرون ولم تخل منها البيوت إلا في هذا العصر حيث تراجعت أمام منافسة الصناعات الحديثة وإن كان البعض من تلك الآنية والأوعية لا يزال مستخدماً في جنوب الجزيرة العربية حاضرة وبادية وربما في غيرها من بلاد العرب.

 

وفي الختام فإن يجدر التنبيه على أن المواد التي شملتها الدراسة هنا هي في غالبها وصفاً لبعض بيوت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - نقول للبعض منها وليس لكلها لأنه يكاد يكون من المستحيل الإِحاطة بها وذلك ليس بالطبع لكثرتها ولكن لقصور المصادر التي بين أيدينا عن الإِحاطة بها جميعاً.


ولا عجب أن لاحظ المرء كذلك أن مقتنيات بيوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت بمثل تلك القلة والبساطة، فحياته كلها زهد وتقشف، وهو القائل ((مالي وللدنيا)). ويجب في هذا السياق أن لا يتبادر إلى الذهن بأن بيوت أهل المدينة قاطبة، كانت محتوياتها بمثل تلك القلة والتواضع. كلا! فالمرء لا يستبعد أن بعض أهل بيوت المدينة وغيرها كانوا على جانب كبير من الثروة ولديهم مقتنيات على جانب أكبر من النفاسة.


وأخيراً فإن الباحث يأمل أن تكون هذه الدراسة دعوة جادة للدارسين إلى أهمية العودة إلى مصادر السنة النبوية الشريفة من خلالها على بعض مظاهر حياة المسلمين في أيامها الأولى وذلك من خلال ما كان لديهم من مقتنيات مادة كالآنية والأوعية وغير ذلك لعلنا نفلح في النهاية في رسم صورة تقريبية لما كانت عليه حياة المجتمع في ذلك الحين.

والأمر الثاني الذي يرجوه الباحث هو أن تكون هذه الدراسة في بعض جوانبها قد نبهت إلى الحاجة الملحة ليقوم بعض المختصين بفقه اللغة إلى بحث موضوع بعض المسميات التي نستخدمها في حياتنا اليومية وفي بعض كتب التراث التي نغترف منها مادة علمنا، ومحاولة تسمية الأشياء بمسمياتها الصحيحة.

والله الهادي سواء السبيل.

 

مسرد عام بمفردات الآنية والأوعية
الواردة في الدراسة
أبزن
صاع
مخضب
إبريق
صحفة
مد
إداوة
طبق
مرجل
باطية
طست
مركن
برمة
عرق
مزادة
تور
عس
مزود
جام
عكة
مطهرة
جراب
علبة
مكتل
جفنة
عيبة
مكوك
جوالق
غرارة
مهراس
حقيبة
غمر
ميضأة
حلاب
فرق
نحى
حنتمة
قارورة
نقير
خرج
قدح
وطب
دباء
قدر
دلو
قربة
دن
قصعة
ركوة
قعب
زبيل
قفعة
زق
قناع
سجل
قلة
سطيحة
قمقم
سقاء
كأس
سكرجة
كوب
شجب
كوز
شن
ماعون





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أثر المهاجرين في الحياة الاقتصادية في العهد النبوي
  • من أحاديث الأحكام: باب الآنية
  • نتائج وتوصيات بحث: وسائل معالجة الفقر في العهد النبوي
  • أنواع كتب الحديث
  • معنى رواه التسعة والسبعة والستة

مختارات من الشبكة

  • متاع بيت النبوة(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • الأفعال المتعدية المستخدمة على إطلاقها في الصحيحين: دراسة تداولية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • طرق توثيق المادة المستخدمة في الرسائل العلمية(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • الأدلة الفقهية من الكتاب والسنة: كتاب الطهارة - باب الآنية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفقه الميسر (كتاب الطهارة – باب الآنية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختلال الآنية والأفكار الوجودية(استشارة - الاستشارات)
  • مخطوطة قطعة من الإلمام بأحاديث الأحكام (من باب الآنية إلى باب اللقطة) (النسخة 5)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • يؤثرون اللذة الآنية على السعادة الأبدية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اضطراب الآنية وتشتت الحياة(استشارة - الاستشارات)
  • فقه باب الآنية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- فائدة
عبد العزيز محمد - Saudi Arabia 27-07-2024 12:13 AM

المقالة جملية جدا
جعلتني أعيش مع الصحابة وهي حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتهم اليومية
أبدع الكاتب بذكر الأحاديث والروايات لربط الكلمة مع الواقع
فأخرج لنا فلم متحرك - نرى فيه جزء من حياة الصحابة اليومية مع الرسول صلى الله عليه وسلم
جزاك الله خيرا.

1- الفرق بين القصعة و الجفنة و الصحغة
السبيعي - السعودية 18-10-2017 07:38 PM

فائدة من تفسير القرطبي رحمه الله : قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَعْظَمُ الْقِصَاعِ الْجَفْنَةُ ثُمَّ الْقَصْعَةُ تَلِيهَا تُشْبِعُ الْعَشَرَةَ، ثُمَّ الصَّحْفَةُ تُشْبِعُ الْخَمْسَةَ، ثُمَّ الْمِئْكَلَةُ تُشْبِعُ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، ثُمَّ الصُّحَيْفَةُ تُشْبِعُ الرَّجُلَ. (16/113).

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب