• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

التعزير بالحبس

التعزير بالحبس
عبدالعزيز بن زيد بن عبدالله العميقان

المصدر: أصل الدراسة: رسالة ماجستير للباحث بعنوان " التعزيرات المادية في الشريعة الإسلامية".
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/12/2011 ميلادي - 9/1/1433 هجري

الزيارات: 69496

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التعزير بالحبس

أنواع العقوبات التعزيرية


كان ما تقدم[1] هو نبذة عن التعزير وبعض ما يتعلق به ومن هنا يبدأ صلب الموضوع "موضوع البحث": التعزيرات المادية في الشريعة الإسلامية.

 

وسنتكلم عن ثلاث عقوبات هي أهم العقوبات المادية التي تطبق على المجرمين الذين لا تنطبق في حقهم إحدى العقوبات المقدرة وهي الحدود، هذه العقوبات الثلاث هي الحبس والجلد والمال سنجعلها بإذن الله في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: التعزير بالحبس.

الفصل الثاني: التعزير بالجلد.

الفصل الثالث: التعزير بالمال.

 

الفصل الأول

التعزير بالحبس

تعريف الحبس لغة:

الحبس لغة المنع حبسه يحبسه إذا منعه، والمحبس –بكسر الباء- هو ما يبنى من الحجارة في مجرى الماء ليحبسه، وتحبيس الشيء أن يبقى أصله ويجعل ثمره في سبيل الله[2].

 

والحبس ضد التخلية، والحبسة في اللسان: هو تعذر الكلام عند إرادته، والمحبس الموضع الذي يحبس فيه ويكون سجناً ويكون فعلاً كالحبس، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حبس بعد سورة النساء» أي لا يوقف مال ولا يزوى عن وارثه، إشارة إلى ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من حبس مال الميت ونسائه، وكانوا إذا كرهوا النساء لقبح أو قلة مال حبسوهن عن الأزواج، لأن أولياء الميت كانوا أولى بهن عندهم[3].

 

تعريفه في الشرع:

إن المقصود بالحبس الشرعي كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (ليس هو الحبس في مكان ضيق، ولكنه تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء كان ذلك في بيت أو في مسجد أو كان بتوكيل الخصم أو وكيله عليه وملازمته له[4]).

 

وأن هذا كان هو الحبس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فإنه لم يكن هناك محبس معد لحبس الخصوم، ولكن لما انتشرت الرعية واتسعت رقعة البلاد الإسلامية في أيام عمر اشترى داراً لصفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم وجعلها محبساً.

 

والحبس والسجن بمعنى واحد عند الفقهاء.

فهم يطلقون الحبس والمحبس والسجن على المكان الذي تنفذ فيه عقوبة الحبس أو السجن[5] ويقصدون بالكل نفس المعنى.

 

ولا يمارى أحد في ذلك، فإن أهم خصائص الحبس بل جميعها متوفرة في السجن، فالمسجون مقيد الحرية تماماً لأنه قد أبعد عن أهله ومعارفه، ومنع من مباشرة تصريف أمواله، فلا يجتمع بأهله إلا عند الضرورة، ولا يخلو بزوجته إلا وفق شروط معينة، ولا يمكن من الخروج لتأدية العبادات وغيرها من الواجبات إلى غير ذلك من القيود.

 

وقد وردت لفظة الحبس ولفظة السجن في القرآن الكريم في أكثر من آية. منها قوله تعالى: ﴿ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ﴾[6] وقوله تعالى: ﴿ تحبسونهما من بعد الصلاة ﴾[7] وقوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ.... ﴾ [8] الآية. وغيرها من الآيات.

 

مشروعية الحبس:

اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في مشروعية الحبس هل هو مشروع أم لا على قولين:

القول الأول: وهو قول الجمهور: أن الحبس مشروع واستدلوا على ذلك بعدة أدلة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل.

 

أدلتهم من الكتاب:

1- قوله تعالى: ﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾[9].

 

فإن عقوبة النساء الزانيات في صدر الإسلام الحبس في البيوت حتى الموت، ولكن الحكم فيما بعد تغير بنزول آية : ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾[10].

 

وكذلك بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائدة والرجم" رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي[11].

 

فاختلف الفقهاء هل الآية: ﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ﴾ منسوخة بالآية والحديث أم لا؟

فقال بعضهم: أنها منسوخة.

 

وقال الآخرون: أنها لم تنسخ بل حكمها باقي.

 

وجه الدلالة من الآية على مشروعية الحبس على القولين:

أما على القول الأول: بأنها منسوخة، فإن السجن وإن كان منسوخاً كحد للزناة إلا أنه باقي على مشروعيته باعتباره عقوبة لغير الزناة أو على حبس الزاني أو الزانية حتى يثبت براءتهما أو إدانتهما.

 

أما على القول الثاني: فيقولون بأنه لا تعارض بينهما بل الجمع ممكن بأن يقام الحد ثم يسجنا أو يسجنا ثم يقام الحد قال شيخ الإسلام:

(قد يستدل بذلك على أن المذنب إذا لم يعرف فيه حكم الشرع فإنه يمسك ويحبس حتى يعرف فيه الحكم الشرعي فينفذ فيه[12]).

 

2- قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[13].

 

وجه الاستدلال:

أن المراد بالنفي من الأرض هنا هو الحبس، وهو قول الحنفية ورواية عن الإمام أحمد، وأحد قولي الشافعي وهو أيضاً للمالكية إلا أنهم قالوا يسجن في البلد الذي نفي إليه[14].

فدلت الآية على مشروعية الحبس.

 

3- قوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾[15].

 

الآيات

وجه الاستدلال:

أن الجمهور متفقون على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما ينسخه[16]، ولا شك أن حبس يوسف كان ظلماً ولكن القرآن قص ذلك علينا دون أن يرد في شرعنا ما ينسخ شرعية السجن فنزلت الآية على مشروعية السجن. وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تدل على مشروعية الحبس.

 

الأدلة من السنة:

أما الأدلة على مشروعية الحبس من السنة فهي كثيرة منها:

الحديث الأول: عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: "حبس رجلاً في تهمة ثم خلى عنه[17]" رواه أبو داود والنسائي والترمذي.

 

الحديث الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "حبس في تهمة يوماً وليلة استظهاراً[18]"

 

وجه الدلالة من الحديثين:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس في التهمة، وهذا فعل للرسول صلى الله عليه وسلم وفعله سنة فدل ذلك على مشروعية الحبس.

 

الحديث الثالث: أخرج البخاري ومسلم بسندهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم»[19].

 

وأخرج أبو داود والنسائي عن عمرو بن الشريد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته»[20].

 

وجه الدلالة:

أن امتناع الغني الواجد عن دفع الحق الذي عليه لصاحبه ظلم يعاقب عليه صاحبه، وقد فسرت العقوبة الواردة في الحديث بأنها الحبس، فدل على مشروعية الحبس.

 

الحديث الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عندك يا ثمامة" فقال: عندي خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وأن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل ما شئت ثم تركه وتكرر ذلك المشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وثمامة يردد مقالته فقال: صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" الحديث متفق عليه[21].

 

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ثمامة مربوطاً فلم ينكر ذلك والربط يفيد معنى الحبس وأكثر، إذ أن الربط حبس وزيادة فدل هذا على مشروعية الحبس.

 

الحديث الخامس: ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس بني قريظة بالمدينة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار ثم ضرب أعناقهم في خنادق وضعها لهم. وكذلك حبس النبي صلى الله عليه وسلم لابنة حاتم الطائي في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن فيها[22].

 

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حبس بني قريظة وحبس ابنة حاتم في الحظيرة التي كانت تحبس فيها السبايا دل ذلك على مشروعية الحبس.

 

الحديث السادس: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم حبس أحد الغفاريين اللذين أتهما في سرقة بعيرين لناس من غطفان حتى أحضر الآخر البعيرين ثم أطلق المحبوس.

 

وجه الدلالة:

أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا دليل على جواز حبس المتهم حتى تثبت براءته وهذا دليل على مشروعية الحبس.

 

وأكتفي بما مضى من ذكر الأدلة على مشروعية الحبس من السنة وإلا فالأحاديث الدالة على جواز الحبس في الشريعة الإسلامية كثيرةً جداً، وأنتقل بعد هذا إلى الدليل على مشروعية الحبس من الإجماع.

 

الدليل: من الإجماع:

يقول الإمام الزيلعي عند استدلاله على مشروعية الحبس:

(أما الإجماع فلأن الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم أجمعوا عليه[23]).

فقد روي أن عمر وعثمان وعلي قد طبقوا الحبس كعقوبة في أكثر من حادثة، فقد روي أن عمر سجن الحطيئة الشاعر لما هجا الزبرقان وسجن صبيغا لما سأل عن المعضلات في القرآن الكريم.

 

وكما ذكرنا سلفاً أن عمراً اشترى دار بمكة من صفوان بن أمية وجعلها سجناً، وكذلك فعل عثمان رضي الله عنه إذ سجن صابئ ابن حارث أحد لصوص بني تميم وقتالهم حتى مات في السجن.

 

وكذلك فعل علي رضي الله عنه فقد سجن بالكوفة، وروي عنه أنه بنى سجناً من قصب سماه نافعاً فنقبه اللصوص ثم بنى سجناً من مدر وسماه مخيساً وفيه يقول علي رضي الله عنه هذا الشعر:

ألا تراني كيساً مكيساً

بنيت بعد نافع مخيساً

حصناً حصيناً وأميناً كيساً[24]

 

وفعل هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم لم ينكر من قبل غيرهم في عصرهم.

 

ثم أن الفقهاء –رحمهم الله- قد جعلوا الحبس من بين العقوبات التي يقضى بها في التعزير، فكان هذا إجماعاً على مشروعية التعزير[25].

 

أما الدليل على مشروعيته من العقل:

فإنه إذا قبض على أحد من الناس مثلاً بتهمة اقترافه محرماً أو اعتدائه على حق أحد فليس أمامنا تجاهه لقاء تهمته سوى أحد أمور ثلاثة:

الأمر الأول: أن نجبره على تأدية الحق الذي اتهم بالاعتداء عليه أو معاقبته على الجريمة التي اتهم باقترافها، وهذا محض الخطأ إذ لا يقول به عاقل، فربما كان بريئاً مما اتهم به فيكون مظلوماً والظلم محرم شرعاً.

 

الأمر الثاني: أن تقبض عليه فإذا أنكر نتركه مباشرة دون طول سؤال أو محاورة، أو تثبت، وهذا أيضاً محض الضرر فإنه ربما كان مجرماً حقاً فنترك له فرصة الإفلات والعياث في الأرض فساداً وهذا أمر لا يقره عقل.

 

الأمر الثالث: وهو أن نحبسه في سجن أو يوكل به من يلازمه ويمنعه من الهرب والاختفاء حتى نتثبت من صحة نسبة التهمة إليه، فإن ظهرت إدانته بما نسب إليه أقيم عليه الجزاء الرادع، وإن ظهرت براءته مما نسب إليه أطلق دون أن يصاب بأذى، وهذا ما يميل إليه العقل السليم.

 

ثم إن المجرم إذا علم أنه لقاء إجرامه ستطبق عليه عقوبة الحبس فإنه سيرتدع عن الإقدام على الجريمة، لأن في الحبس انقطاعه عن الدنيا وعن أهله وعن أعماله وأبنائه فتضيع مصالحه بسبب ذلك أما إذا لم تكن عقوبته إلا الجلد وأمثالها فإنه سيتحمل الضرب الذي حكم عليه تعزيراً لجرمه مدة نصف ساعة أو أقل ثم ينتهي كل شيء وينساه بمرور الأيام، أما الحبس فيطول تعذبه به ويفقد بسببه مصالحه فينتهي عن الاعتداء ومقارفة الذنوب والمعاصي، وهذا هو المقصود الذي جاءت الشريعة من أجله بالعقوبات والزواجر على اختلاف  أنواعها، وهكذا يكون العقل موافقاً ومؤيداً لكون الحبس عقوبة شرعية. والله أعلم.

 

القول الثاني: وهو قول بعض أصحاب أحمد وغيرهم أن الحبس غير مشروع. واستدلوا بما يلي:

1- أنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لخليفته من بعده حبس، ولكن يعوقه بمكان من الأمكنة أو يقام عليه حافظ وهو الذي يسمى الترسيم أو يأمر غريمه بملازمته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم[26].

 

ويمكن أن يجاب: بأن ترك الرسول صلى الله عليه وسلم لتعيين مكان خاص للحبس، فهذا لأن الحاجة لم تدع إلى ذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحبس في أي مكان أو يوصي الغريم بملازمته أو غير ذلك، فلم تكن هناك حاجة لتحديد مكان معين للحبس، أما أنه صلى الله عليه وسلم لم يضع مكاناً خاصاً بالحبس فهذا ليس فيه دليل على عدم مشروعية الحبس، أو أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحبس، فقد قدمنا عند حديثنا عن أدلة الحبس عند القائلين به، نماذج من استعماله صلى الله عليه وسلم لعقوبة الحبس.

 

2- واستدلوا أيضاً على عدم مشروعية الحبس بأن السجن من العقوبات البليغة، فإن الله جل وعلا قال: ﴿ إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[27] حيث قرنه الله تعالى بالعذاب الأليم.

 

وقد عبر يوسف عليه السلام الانطلاق من السجن إحساناً إليه قال الله تعالى حكاية عنه: ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ ﴾[28].

 

وحكى الله تعالى عن فرعون إذ توعد موسى عليه السلام قائلاً: ﴿ لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ ﴾[29].

 

ويمكن أن يجاب: بأن السجن يكون عقوبة بليغة إذا كان طويلاً أما إذا كان خفيفاً وقصيراً فلا، كذلك فإن الهيئة التي يكون عليها السجن لها أثر في كون السجن بليغاً أو لا فإذا كان  السجن طويلاً كأن يكون إلى الموت أو ضيقاً بحيث يضيق به من فيه فإنه يكون بليغاً كما كان فرعون يفعل ذلك فإنه يسجن في مكان ضيق. وكذلك يسجن إلى الموت، وكذلك يجعل السجين وحده ولا يبصر نوراً ولا أحداً[30].

 

ثم إن كون السجن عقوبة بليغة فإنه لا يدل على عدم مشروعية الحبس، فإن عقوبة الجلد أحياناً تكون بليغة، وكذلك عقوبة القتل عند من يرى ذلك تكون أبلغ ولا شك.

 

الترجيح:

والقول الذي أميل إليه وهو الراجح إن شاء الله هو القول بمشروعية الحبس، وذلك لقوة أدلة القائلين به، ولما ورد على أدلة القول الآخر من مناقشة، ولأن الحاجة تدعو إلى إيجاد سجن يحجز المعتدي ويمنع الظالم ويعاقب فيه المجرم.

والله تعالى أعلم.

 

أقسام الحبس من حيث الغرض:

ينقسم الحبس من حيث الغرض إلى قسمين:

الأول: حبس العقوبة. الثاني: حبس الاحتياط والاستظهار.

 

وسنتكلم بشيء من التفصيل عن هذين القسمين فنقول وبالله التوفيق:

القسم الأول: حبس العقوبة والتنكيل:

وهذا كحبس الممتنع من أداء الحق الذي هو عليه وهو قادر على أدائه، فلا خلاف بين العلماء أن هذا يعاقب حتى يؤدي ما عليه ونصوا على عقوبته بالضرب، ذكر ذلك الفقهاء من الطوائف الأربعة[31].

 

واستدلوا بما يلي:

ما ورد في الحديث الصحيح: «مطل الغني ظلم»[32] والظالم يستحق العقوبة.

 

وما وري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته». رواه أهل السنن[33].

 

والعقوبة لا تختص بالحبس بل هي في الضرب أظهر منها في الحبس.

 

قال الإمام الزيلعي: (وأبد حبس الموسر) لأن الحبس جزاء الظلم فإذا امتنع من إيفاء الحق مع القدرة عليه خلده في الحبس[34].

 

وذكر عن مطرف أن مالكاً كان يقول: في هؤلاء الذين عرفوا بالفساد والجرائم أن الضرب على ما ينكلهم، ولكن أرى أن يحبسهم السلطان في السجون ويثقلهم بالحديد ولا يخرجهم منه أبداً فذلك خير لهم ولأهليهم وللمسلمين حتى تظهر توبة أحدهم عند السلطان فيطلقه[35].

 

ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ومن امتنع عن قضاء دينه وهو قادر على القضاء وله مال ظاهر وأصر على الحبس، فإنه يعاقب بالضرب حتى يقوم بالواجب عليه وذلك مذهب عامة الفقهاء)[36].

 

ولا شك أن جمع الضرب مع القيد مع الحبس عقوبة بليغة تؤدب المجرم، وتردع المعتدي، وترد الحق إلى أهله.

 

القسم الثاني: حبس الاحتياط والاستظهار:

والاحتياط لغة: تقول حاطه يحوطه حوطاً وحيطة وحياطة: حفظه وتعهده، والاحتياط استعمال ما فيه الحفظ[37].

 

وهو إجراء تحفظي يتخذ قبل المتهم الذي لم تثبت إدانته بعد فالمحبوس احتياطاً أثناء التحقيق هو شخص لم تثبت إدانته ويحتمل أن تظهر براءته، والحبس بالنسبة له ليس عقوبة، وإنما حجر ووسيلة احتياطية أثناء التحقيق لمنعه من الهرب أو عن التأثير على مجرى التحقيق، ولذلك فإن المحبوس احتياطاً يعامل في السجن معاملة تختلف عن المحكوم عليهم. [38]

 

ويستدل على جواز سجن الاحتياط والاستظهار بقوله تعالى: ﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾[39].

 

وجه الاستدلال:

أن عقوبة الزناة من النساء كانت في صدر الإسلام بالسجن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يبين الله سبحانه لهن حكماً آخر، ثم بين الشارع حكمهن، وذلك بجلد الزانية غير المحصنة مع تغريبها، ورجم المحصنة منهن[40].

 

وإذا كان ذلك كذلك فلا مانع من القياس على هذه الحالة وذلك بسجن كل من لم يعرف فيه الحكم الشرعي، حتى يعرف فيه فينفذ، وعلة القياس الاحتياط في كل.

 

قال ابن تيمية: (قد يستدل بذلك على أن المذنب إذا لم يعرف فيه حكم الشرع، فإنه يمسك فيحبس حتى يعرف فيه الحكم الشرعي فينفذ فيه) [41].

 

وكذلك ما روي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم : "حبس رجلاً في تهمة ثم خلى عنه"[42].

 

وكذلك ما أخرجه عبدالرزاق عن ابن جريح قال أخبرني يحيى ابن سعيد عن عراك بن مالك قال: أقبل رجلان من بني غفار حتى نزلوا منزلاً بضحنان من مياه المدينة وعندهما ناس من غطفان عندهم ظهر لهم فأصبح الغطفانيون قد أضلوا قرينتين من إبلهم فاتهموا الغفاريين فأقبلوا بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا له أمرهم وحبس أحد الغفاريين وقال للآخر اذهب فالتمس فلم يكن إلا يسيراً حتى جاء بهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الغفاريين – قال حسبت أنه قال للمحبوس عنده- استغفر لي قال غفر الله لك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك وقتلك في سبيله قال فقتل يوم اليمامة"[43].

 

وجه الدلالة من الحديثين:

هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم سجن لأجل التهمة فقط وهذا يسمى سجناً احتياطياً، فدل على مشروعية سجن الاحتياط.

 

وحبس الاحتياط والاستظهار يكون لمن اتهم بحقوق الله تعالى أو حقوق عباده حتى تثبت إدانته أو براءته والمتهمون على ثلاثة أقسام:

1- إما أن يكون المتهم معروفاً بالبر وليس من أهل تلك التهمة.

2- وإما أن يكون مجهول الحال لا يعرف الحاكم حاله.

3- وإما أن يكون فاجراً من أهل تلك الشبهة.

 

القسم الأول: المتهم المعروف بالبر:

إذا كان المتهم معروفاً بالبر وليس من أهل التهمة لم تجز عقوبته بالاتفاق، لأن الدين والورع يمنعان من الوقوع في المحارم إلا ما شاء الله، ولكن هل يعاقب المتهم له، في ذلك خلاف بين العلماء على قولين:

القول الأول: أنه لا أدب على المدعي إلا أن يقصد أذيته وعيبه وشتمه فيؤدب.

 

القول الثاني: أنه يؤدب سواء قصد أذيته أو لم يقصد، وذلك في حالة ما إذا ظهر عدم إدانة المدعى عليه بما اتهم به.

 

والذي يترجح لدي هو القول الثاني، وهو أنه يعاقب المتهم له وذلك سداً لذريعة تسلط الأشرار والسفهاء على الصالحين وابتذالهم، خاصة في هذا الزمان الذي اشرأبت فيه أعناق أهل الفسق والنفاق وقل الوازع الديني، وفسدت الأخلاق بسبب ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

القسم الثاني: أن يكون المتهم مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور:

فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام والمنصوص عليه عند أكثر الأئمة، أنه يحبس القاضي والوالي، هكذا نص عليه مالك وأصحابه، وهو منصوص الإمام أحمد ومحققي أصحابه وذكره أصحاب أبي حنيفة، وقال الإمام أحمد قد حبس النبي صلى الله عليه وسلم في تهمة. قال أحمد: وذلك حتى يتبين للحاكم أمره، وقد روى أبو داود في سننه، وأحمد وغيرهما من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة.

 

قال علي بن المديني حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح.

 

وفي جامع الخلال عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة يوماً وليلة[44].

 

والأصول المتفق عليها بين الأئمة توافق ذلك، فإنهم متفقون على أن  المدعي إذا طلب المدعى عليه الذي يسوغ إحضاره وجب على الحاكم إحضاره إلى مجلس الحكم حتى يفصل بينهما، ويحضره من مسافة العدون –التي هي عند بعضهم بريد وهو ما لا يمكن الذهاب إليه والعودة منه في يوم كما يقول بعض أصحاب الشافعي وأحمد، وهو رواية عن أحمد، وعند بعضهم يحضره من مسافة القصر وهي مسيرة يومين كما هو الرواية الأخرى عن أحمد.

 

ثم إن الحاكم قد يكون مشغولاً عن تعجيل الفصل، وقد يكون عنده حكومات سابقة، فيكون المطلوب محبوساً معوقاً من حين الطلب إلى أن يفصل بينهما، وهذا حبس بدون التهمة ففي التهمة أولى.

 

مقدار الحبس: بالنسبة للمتهم المجهول الحال:

في ذلك خلاف بين العلماء على قولين:

القول الأول: أنه مقدر بشهر، وهذا القول لأبي عبدالله بن الزبيري من أصحاب الشافعي.

القول الثاني: أنه غير مقدر بل هو راجع لاجتهاد الحاكم، وهذا هو اختيار الإمام الماوردي، وهو الراجح عندي –إن شاء الله تعالى، لأن التحديد لا أصل له، ثم هو يختلف من حال إلى حال بالنسبة للمتهمين.

 

القسم الثالث: المتهم المعروف بالفجور:

وذلك كالمعروف بالسرقة، وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك فإذا جاز حبس المجهول فحبس هذا أولى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

 

(وما علمت أحداً من الأئمة –أي أئمة المسلمين- يقول: إن المدعى عليه في جميع هذه الدعاوى يحلف، ويرسل بلا حبس ولا غيره، فليس هذا -على إطلاقه- مذهباً لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من الأئمة، ومن زعم أن هذا على إطلاقه وعمومه هو الشرع فقد غلط غلطاً فاحشاً مخالفاً لنصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولإجماع الأمة وبمثل هذا الغلط الفاحش تجرأ الولاة على مخالفة الشرع، وتوهموا أن الشرع لا يقوم بسياسة العالم ومصلحة الأمة وتعدوا حدود الله، وتولد من جهل الفريقين بحقيقة الشرع خروج عنه إلى أنواع من الظلم والبدع والسياسة، جعلها هؤلاء من الشرع، وجعلها هؤلاء قسيمة له ومقابلة له، وزعموا أن الشرع ناقص لا يقوم بمصالح الناس، وجعل أولئك ما فهموه من العموميات والإطلاقات هو الشرع، وإن تضمن خلاف ما شهدت به الشواهد والعلامات الصحيحة[45]).

هل يضرب المتهم المعروف بالفجور ومن الذي يقوم بضربه؟

 

يسوغ ضرب هذا المنوع من المتهمين كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بتعذيب المتهم الذي غيب ماله حتى أقر به في قصة ابن أبي الحقيق اليهودي.

 

وقالت طائفة منهم أصبغ: أنه يحبس ولا يضرب إلا أن القول بضربه أصح عندي، لأنه أبلغ وأسرع في الإدلاء بسره خصوصاً إذا علمنا أنه معروف بالفجور.

 

أما الذي يقوم بضربه:

فقد اختلف العلماء فيمن يقوم بضرب المتهم المعروف بالفجور هل هو الوالي أو القاضي أو هما معاً؟ على قولين:

القول الأول: أنه يضربه الوالي والقاضي:

وهو قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد رحمهما الله وغيرهم منهم أشهب بن عبدالعزيز قاضي مصر فإنه قال: يمتحن بالحبس والضرب، ويضرب بالسوط مجرداً.

 

القول الثاني: أنه يضربه الوالي دون القاضي:

وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وأحمد، وحكاه القاضيان أبو يعلى والماوردي.

 

وجه هذا القول:

أن الضرب المشروع هو ضرب الحدود والتعزيرات وذلك إنما يكون بعد ثبوت أسبابها وتحققهما، فيتعلق ذلك بالقاضي، وقالوا: إن ولاية أمير الحرب معتمدها المنع من الفساد في الأرض، وقمع أهل الشر والعدوان، وذلك لا يتم إلا بالعقوبة للمتهمين المعروفين بالإجرام، بخلاف ولاية الحكم فإن مقصودها إيصال الحقول إلى أربابها.

 

وهذا هو الراجح. قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية:

(وهذا القول هو في الحقيقة قول بجواز ذلك في الشريعة، لكن كل ولي أمر يفعل ما فوض إليه، فكما أن والي الصدقات يملك من أمر القبض والصرف ما لا يملكه والي الخراج وعكسه، كذلك والي الحرب ووالي الحكم يفعل كل منهما ما اقتضته ولايته الشرعية، مع رعاية العدل والتقيد بالشريعة..

 

مدة حبس المتهم المعروف بالفجور:

في ذلك قولين للعلماء:

القول الأول: وهو قول طائفة منهم عمر بن عبدالعزيز ومطرف، وابن الماجشون، أنه يحبس حتى يموت، ونص عليه الإمام أحمد في المبتدع الذي لم ينته عن بدعته أنه يحبس حتى الموت، لأن الحبس إنما هو لدفع أذاه عن الناس، وهذا الأذى يصدر منه في جميع الأوقات فليحجز حتى الموت قطعاً لمادة الفساد.

 

القول الثاني: هو قول مالك رحمه الله تعالى:

أنه لا يحبس إلى الموت وإنما مرجع ذلك إلى اجتهاد ولي الأمر لأن سجنه على سبيل التعزير، فيجب أن يكون مصروفاً إلى اجتهاده.

 

والقول الذي أميل إليه هو القول الثاني: بأن سجنه راجع إلى اجتهاد الحاكم، فإن رأى تأبيد سجنه حتى الموت فذلك له حسبما يظهر له من علامات وأمارات الشر والفساد من المتهم وإن رأى إخراجه قبل ذلك فذلك له أيضاً حسب الظروف والأحوال والملابسات[46].

أقسام الحبس من حيث المدة:

ينقسم الحبس من حيث المدة إلى قسمين:

الأول: حبس محدد بمدة. الثاني: حبس بلا تحديد مدة.

 

القسم الأول: الحبس المحدد بمدة:

وهو الحبس الذي تحدد له مدة في الحكم.

ويكون في الجرائم العادية إذا كان تعزير الجاني فيها بالضرب غير رادع فيضاف إليه الحبس إذا رأى الحاكم ذلك حسب اجتهاده وكذا إذا رأى أن الحبس يكفي كعقوبة رادعة بدون الجلد وغيره وكذلك يكون في الامتناع عن أداء الحقوق مع القدرة كأداء الديون والأمانات وغيرها.

 

وقد ذكر الفقهاء حالات كثيرة يعزر فيها بالحبس وعينوا مدة لها في بعض الحالات، ولكن قيل: بالتعزير بالحبس فقط، ولما كانت هذه الحالات الأخيرة لم يرد فيها تعليق انتهاء الحبس على توبة الجاني أو على موته، وكانت من ناحية أخرى من الجرائم غير الجسيمة فإنها تعتبر من قبيل حالات الحبس محدد المدة، بمعنى أن الحاكم هو الذي يحدد المدة مقدماً.

 

ومن الأمثلة على الحالات التي يكون الحبس فيها محدداً بمدة لكونها من الجرائم العادية وغير الجسيمة.

1- لو تشاتم الخصمان بين يدي القاضي، ولم ينتهيا بالنهي فإن للقاضي أن يعزرهما ويحبسهما، لأنهما أخلا بحرمة مجلس القاضي، حتى لا يجترئ بذلك غيرهما فلا يكون لمجلس القضاء صيانة[47].

2- من تكلم بكلمة، لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين لزمته العقوبة الشديدة ويسجن شهراً[48].

3- شاهد الزور يعزر، وقال البعض بأنه يضرب ويحبس سنة[49].

 

وغير ذلك من الأمثلة على الجرائم غير الجسيمة والتي يكون المجرم فيها لأول مرة بخلاف المتكرر، مثل جرائم السب والشتم والحسد والشهادة – شهادة الزور- وصاحب العين وغيرها، فالسجن فيها يكون محدداً من قبل القاضي عند الحكم.

 

مقدار الحبس المحدد المدة:

الحد الأدنى للحبس المحدد المدة:

أكثر الفقهاء على أن أقل مدة الحبس غير مقدرة، بل هي راجعة إلى اجتهاد القاضي بما يرى فيه الكفاية في الزجر والردع.

 

قال ابن قدامة: (إن أقل التعزير ليس مقدراً، لأنه لو تقدر لكان حداً فيرجع فيه إلى اجتهاد الإمام فيما يراه وما يقتضيه حال  الشخص نفسه[50]).

 

وقال الإمامان: الماوردي وأبو يعلى: حسبما يظهر من كلامهما أن أقله يوم واحد[51].

 

إلا أن الذي عليه الجمهور من عدم تحديد أقل مدة للحبس هو الأرجح ليجتهد الحاكم حسب الأشخاص والظروف والجرائم، والله أعلم.

 

الحد الأعلى للحبس محدد المدة

في ذلك خلاف بين العلماء على قولين:

القول الأول: ذهب الشافعية إلى تحديد أكثر مقدار التعزير بالحبس فلا يبلغ بتعزير الحر عندهم سنة، بل ينقص عنها بحسب اجتهاد الحاكم بما يراه كافياً في ردعه وزجره، وقالوا لأن الزاني غير المحصن يجلد مائة ويغرب سنة فلا يزاد عليها، وأما بالنسبة للعبد فلا يزاد في حبسه على نصف سنة.

 

قال في أسنى المطالب: (فلو حبس - أي الحاكم- لم يبلغ بتعزير حر بالحبس سنة، وفي العبد نصف سنة)[52] لخبر "من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين"[53].

 

وذهب بعض الشافعية منهم أبو عبدالله الزبيري إلى أنه تقدر غايته بشهر للاستبراء والكشف، وبستة أشهر للتأديب والتقويم[54].

 

القول الثاني: وهو قول جمهور العلماء، أن أكثر مدة الحبس ليست محدودة بل ذلك راجع إلى اجتهاد الحاكم بما يراه كافياً للردع والزجر.

 

قال في الأحكام السلطانية: (الحبس يكون بحبس الشخص وجنايته فمنهم من يحبس يوماً، ومنهم من يحبس أكثر من ذلك إلى غير غاية مقدرة[55]).

 

وقال في البحر: (وتقدير مدة الحبس راجعة إلى الحاكم)[56].

 

وقال ابن فرحون: (وأما قدر مدة الحبس فيختلف باختلاف أسبابه وموجباته ومقتضى مذهبنا أنه موكول إلى اجتهاد الحاكم)[57] ا.هـ. وبذلك قال النووي[58].

 

القول الراجح:

والقول الثاني الذي يقول بأن الأمر فيه مفوض إلى  رأي الحاكم هو الأرجح عندي، وذلك لأنه يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والشرط فيه أن يكون كافياً لزجر الجاني، إذ التعزير مشروع للتأديب والزجر فيجب أن يكون وافياً بالغرض الذي شرع من أجله العقاب. والله  أعلم.

 

ويتلخص لنا مما سبق أن الحبس محدد المدة يكون تقديره وتحديده من قبل الحاكم نفسه حسبما يراه مناسباً للردع دون أن تحدد أقل مدة له مسبقاً أو أكثرها، وهذا هو الذي عليه الجمهور ورجحناه آنفاً.

 

القسم الثاني: الحبس غير المحدد بمدة:

ويكون هذا الحبس في حالة ارتكاب الجاني لأكثر من جريمة أو ارتكابه لجريمة معينة أكثر من مرة ولم ينزجر بضرب ولا حبس مؤقت، أي أنه من المجرمين الخطرين، ومن معتادي الإجرام من سرقة وقتل وما شابهها، فإنه يلجأ إلى هذا النوع من الحبس عندما لم تنفع الحدود المقررة والتي سبق أن أدبوا بها.

 

وتكون نهاية هذا الحبس إما بالموت أو إظهار التوبة.

 

مثال ما نهاية الحبس فيه إلى الموت:

ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمسك الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك»[59] رواه الدارقطني وروي بلفظ: «اقتلوا القاتل واصبروا الصابر» وفسر قوله: «واصبروا الصابر» بحبسه حتى يموت، لأنه حبس المقتول بإمساكه إياه للآخر حتى قتله[60].

 

2- ما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سجن صابئ بن حارث وكان من لصوص بني تميم وفتاكهم حتى مات في الحبس[61].

 

مثال ما نهاية الحبس فيه تكون إلى التوبة:

1- المغني والمخنث والمغنية، فإنهم يحسبون حتى يظهروا التوبة[62]

قال ابن عابدين: أي أماراتها[63].

 

2- من اعتاد شتم الناس أو سبهم، فإن هذا يحبس حتى يظهر التوبة[64].

 

وهناك ما يكون الحبس فيه حتى التوبة أو الموت. ومثاله:

1- قال في كشاف القناع: (ونص أحمد في المبتدع الداعية يحبس حتى يكف عنها، ومن عرف بأذى الناس وأذى مالهم حتى بعينه ولم يكف عن ذلك حبس حتى يموت أو يتوب) [65].

 

ومعنى قوله : "بعينه" أي يصيب الناس بعينة حسداً، جاء في الحديث: «لو كان شيء سابقاً القدر لسبقته العين»[66].

 

2- من يتهم بالسرقة والقتل وضرب الناس.

قال في البحر: (ومن يتهم بالقتل والسرقة وضرب الناس يحبس ويخلد في السجن إلى أن يظهر التوبة) [67].

وقال في نهاية المحتاج: (وأفتى أحد علمائنا وهو ابن عبدالسلام بإدامة حبس من يكثر الجناية على الناس ولم يفد فيه التعزير إلى موته) [68].

 

(وكذلك يمنع العائن من المخالطة للناس ولو بحبسه إلى أن يموت أو تغور عينه) [69].

 

مدة هذا الحبس:

لا خلاف بين الفقهاء رحمهم الله تعالى أن هذا النوع من الحبس ليس له مدة معينة، فليس له حد أدنى ولا أعلى مقدر، وإنما يحكم على الجاني بالحبس فيمكث فيه حتى يحدث توبة أو يموت وذلك لمنع أذاه عن الناس.

 

لكن بالنسبة للنوع الذين يكون حبسهم حتى التوبة هؤلاء في نظري لا بد من تقدير مدة لهم يتحرى فيها أن يحدثوا توبة فإذا مضت هذه المدة ولم يتوبوا فلا ينبغي أن يبقوا في السجن إلى أكثر منها أو حتى الممات مثلاً بل يعزرون بجلد أو نحوه بما يكون رادعاً لهم عن ارتكاب جرائمهم ثم يطلق سراحهم.

 

والله أعلم.

 


[1] http:/ / www.alukah.net/ Authors/ View/ Sharia/ 3784/

[2] القاموس المحيط 2/ 205، 206.

[3] لسان العرب 1/ 551.

[4] الطرق الحكمية ص: 101.

[5] شرح فتح القدير 5/ 171 وتبصرة الحكام 2/ 315، والفتاوى لابن تيمية 25/ 398.

[6] سورة هود آية: 8.

[7] سورة المائدة آية: 109.

[8] سورة يوسف آية: 33.

[9] سورة النساء آية: 15.

[10] سورة  النور آية: 2.

[11] نيل الأوطار 7/ 349، وسبل السلام 4/ 8.

[12] الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص: 508.

[13] سورة المائدة آية: 33.

[14] راجع في ذلك – تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 4/ 179، والإنصاف، 10/ 298، وتفسير الطبري 10/ 274.

[15] سورة يوسف الآيات: 33، 34، 35.

[16] العدة في أصول الفقه 3/ 757.

[17] سنن أبي داود 10/ 58، وسنن الترمذي 4/ 28، وسنن النسائي 8/ 66.

[18] المستدرك 4/ 102.

[19] صحيح البخاري 3/ 238، وصحيح مسلم 3/ 1197.

[20] المنتقى من أخبار المصطفى 2/ 363.

[21] صحيح البخاري 6/ 2، وصحيح مسلم 3/ 1386.

[22] السيرة النبوية لابن هشام 2/ 579.

[23] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 4/ 179.

[24] شرح فتح القدير 5/ 471.

[25] السياسة الشرعية لابن تيمية ص: 113، والأحكام السلطانية للماوردي ص: 236، وحاشية ابن عابدين 4/ 192، وكشاف القناع 6/ 124.

[26] الطرق الحكمية ص: 102.

[27] سورة يوسف آية: 25.

[28] سورة يوسف آية: 100.

[29] سورة الشعراء آية: 29.

[30] فتح القدير للشوكاني 4/ 98.

[31] تبصرة الحكام 2/ 321.

[32] رواه البخاري: كتاب الحوالات 1، 2، ومسلم كتاب المساقاة 33.

[33] المنتقى من أخبار المصطفى 2/ 363.

[34] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 4/ 181.

[35] تبصرة الحكام 2/ 182.

[36] مجموع الفتاوى 3/ 22.

[37] لسان العرب 1/ 757، والمصباح المنير 1/ 169.

[38] العقوبة في الفقه الإسلامي لأحمد فتحي ص: 204.

[39] سورة النساء آية: 15.

[40] فتح القدير للشوكاني 1/ 438.

[41] الاختيارات الفقهية ص: 508.

[42] سبق تخريجه.

[43] مصنف عبدالرزاق 1/ 216، 217.

[44] سبق تخريجه ص: 54.

[45] الطرق الحكمية ص: 150.

[46] انظر: في كل ما سبق من هذا الموضوع:

الفتاوى لابن تيمية 35/ 396، 30/ 22، والطرق الحكمية ص:99-105،والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص:242، والأحكام السلطانية للماوردي ص: 220 والعقوبة في الفقه الإسلامي ص:204، وفقه السنة 3/ 366 والاختيارات الفقهية ص:508، وتبصرة الحكام 2/ 152 وما بعدها، والمبسوط للسرخسي 24/ 36.

[47] حاشية ابن عابدين 4/ 66.

[48] مواهب الجليل 6/ 303.

[49] التعزيرات في الشريعة الإسلامية ص: 368.

[50] المغني لابن قدامة 10/ 348.

[51] أسنى المطالب شرح روض الطالب 4/ 237.

[52] أسنى المطالب شرح روض الطالب 4/ 237.

[53] رواه البيهقي عن النعمان بن بشير – الجامع الصغير في حديث البشير النذير للسيوطي 2/ 168.

[54] الأحكام السلطانية للماوردي: ص: 236.

[55] الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 179 بتصرف.

[56] البحر الرائق لابن نجيم 5/ 46.

[57] تبصرة الحكام 2/ 329، 330 بتصرف.

[58] روضة الطالبين للنووي 10/ 174.

[59] المنتقى من أخبار المصطفى 2/ 679.

[60] أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص: 5، 6.

[61] تبصرة الحكام 2/ 317، وأقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص: 4.

[62] شرح فتح القدير لابن الهمام 5/ 353.

[63] حاشية ابن عابدين 3/ 181.

[64] التعزير لعامر ص: 376.

[65] كشاف القناع 6/ 126.

[66] أعلام الموقعين 4/ 396.

[67] البحر الرائق لابن نجيم 5/ 46.

[68] نهاية المحتاج 6/ 20 بتصرف.

[69] حاشية الشرقاوي على التحرير 6/ 386.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التعزير بالجلد
  • التعزير بالمال
  • العقوبة التعزيرية
  • الحبس في عهد الخلافة الراشدة
  • التعازير
  • التعزير في الشريعة
  • تخريج قصة تعزير عمر رضي الله عنه بجلد 300 جلدة

مختارات من الشبكة

  • حكم التعزير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعزير في الفقه الإسلامي(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • ضابط: التعزير يثبت مع الشبهة - شبهة الإثبات (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الرجوع عن الإقرار فيما موجبه التعزير (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عقوبة التعزير بالتغريب في الفقه الإسلامي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فقه التعزير في الشريعة الإسلامية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عقوبة التعزير بأخذ المال(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • التعزير بالمال عند المماطلة في تسديد الديون والفواتير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ( التعزير وحكم الصائل ) من بلوغ المرام(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • أقسام التعزير بالنسبة لمن هو حق له(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب