• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

منهج المدرسة الإسلامية الأولى

محب الدين الخطيب

المصدر: كتاب "منهج الثقافة الإسلامية"
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/9/2008 ميلادي - 19/9/1429 هجري

الزيارات: 136507

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

منهج المدرسة الإسلامية الأولى

 

المدرسة الإسلامية الأولى، التي لم يكن للمسلمين مدرسةٌ قبلها، ولم ينجحوا في جميع أدوار تاريخهم في تأسيس مدرسةٍ تضارعها في مهمةِ تكوين الرجولة، وفي تهذيب النفس الإنسانية، وتوجيهها إلى الحق والخير - هي هذه البقعة التي لا تزال موجودةً إلى اليوم في المسجد النبوي بالمدينة بين منزل أم المؤمنين عائشة، الذي تشرَّف بالقبر المحمدي الطاهر، وبين موضع منبره صلى الله عليه وسلم في جنوب ذلك البيت، وتلك البقعة التي كانت فيها المدرسة الإسلامية الأولى، كانت في الوقت نفسه دار الحكم الأولى في الإسلام، ومركز التعبئة الأوَّل لكتائب الحق، وأول ندوةٍ أعد الله فيها دعاة المسلمين وقادتهم لإصلاح العالم، بعناية عبده ورسوله صلواتُ الله عليه وسلامه.

ولقد كان من واجبات المشتغلين بالتاريخ من رجال الأمة الإسلامية البحثُ عن النصوص السياسية، التي أبقاها لنا التاريخ دالةً على شيءٍ من الأساليب والطرق التي ربَّى بها الهادي الأعظم صلى الله عليه وسلم أصحابَه الأولين، وكوَّن منهم أمثلة الكمال في الرجولة، وفضائل النفس، والاستعداد العجيب لممارسة الحكم العادل الرحيم.

والذي عرفناه بتتبُّعنا لهذا الموضوع العظيم - الذي يتوقف بعثنا السعيد على معرفته والعمل به - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يهتَم بحشد المعلومات الكثيرة في ذاكرة أصحابه؛ وإنما يهتم بتلقينِهم المبدأ الصحيح بعد المبدأ الصحيح، والحقيقة الناصعة بعد الحقيقة الناصعة، والفضيلة المصهورة بعد الفضيلة المصهورة، ويطالبهم بأن يتخلَّقوا بكل خليقة من هذه الخلائق حتى تمازج دماءهم، وتخالط ينابيع الإيمان من قلوبهم ثم ينقلهم إلى غيرها، وكان الكتاب الذي يستمد منه هذه المبادئ والحقائق والفضائل هو كتاب الله، وينتهج في تمرين أرواح أصحابه عليها منهج التدريج عملاً بسنة الله في تنجيم النزول، فلا تنزل الآية أو الآيات من وحي الله حتى يكون أولياء الله من أصحاب رسوله تخلقوا بالآيات التي نزلت قبلها، وأصبحت سجيَّةً لهم، لا يعرفون سجيةً لهم غيرها.

وقد التزم هذه الطريقة تلاميذه من كبار الصحابة في نقل العلم المحمدي، والرسالة الإسلامية إلى نفوس تلاميذهم من كبار التابعين.

 

نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في "رسالة الإكليل" [1] عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن حبيب بن ربيعة السلمي تلميذ أميرَي المؤمنين؛ عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وأضرابهما من علماء الصحابة: كعبدالله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبيِّ بن كعب، ثم كان شيخًا لشيوخ أئمة الإسلام: كعاصم بن أبي النجود، وعطاء بن السائب، وأبي إسحاق السبيعي، وعامر الشعبي، والحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب، وعشرات غيرهم من عظماء السلف، يقول أبو عبدالرحمن السلمي فيما نقله ابن تيمية: حدثنا الذين كانوا يُقْرِئُوننا - عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما - أنهم كانوا إذا أرادوا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلَّموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا - أي الصحابة -: "فتعلمنا القرآن والعلم"، ورأيت مثل هذا النص في ترجمة أبي عبدالرحمن من طبقات القراء لابن الجوزي (1: 413 - الترجمة 1755): روى حماد بن زيد وغيره عن عطاء بن السائب: أن أبا عبدالرحمن السلمي قال: "أخذت القرآن عن قوم، أخبرونا: أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات، لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعملوا ما فيهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به، وأنه سيرث القرآن بعدنا قومٌ لا يجاوز تراقيهم، بل لا يجاوز ههنا، ووضع يده على حلقومه".

ومن عمَلهم بالقرآن أن لا يعصوا الله بتناوُل الأجر عليه، قال عطاء بن السائب: "كان رجل يقرأ على أبي عبدالرحمن السلمي، فأهدى له فرسًا، فردها، وقال: ألا كان هذا قبل القراءة".

ولو أن أزهرنا ومعاهده، ومدارسنا وما بعدها من جامعات، تُعنَى بتربية نفوس التلاميذ قبل عنايتها بحشد المعلومات في ذاكرتهم، ولا تملي عليهم إلا الحق والخير، ولا تجاوز شيئًا من هذا الحق والخير إلا بعد أن يؤمن به تلاميذهم، ويعاهدوا على العمل به، وعلى إقامته في الأرض حتى يكون هو المعمول به، وهو المرجوع إليه، وهو المطلوب في التعامل والتعاون والتنافس في كل الظروف والأحوال - لأنتج هذا المنهج في التعليم في هذا القرن الرابع عشر مثل النتيجة التي كانت له في القرن الأول للهجرة.

مفهوم الإسلام:

الإسلام: "تسليم النفس إلى الحق الذي جاء من عند الله بلسان جميع أنبيائه ورسله".

 

والمسلم: "هو الذي يوطن نفسه على أن تكون منقادةً للحق، الذي تولَّت رسالات الله الدعوة إليه، ورفعت لواءه في أجيال الإنسانية من أقدم عهودها".

بين العلم والثقافة:

العلم شيء، والثقافة شيء آخر؛ فالعلم عالمي، لا تختص به أمَّةٌ دون أمَّةٍ، ولا تحتكره قارَّة من قارات الأرض فيكون غيرها عالةً عليها فيه، إنه مشاع كالهواء الذي نتنفسه، والبحار التي تحيط باليابسة، وتمخُر فيها ألوف السفن حاملة مئات الأعلام.

ثم إنَّ العلم تراثٌ إنسانيٌّ، ما من أمَّة إلا لها فيه جهادٌ وجهودٌ، وكل درجةٍ ارتقاها العلم في أي عصرٍ من عصوره على يد أمةٍ من الأمم في بلادٍ من بلاد الناس، إنما كان ذلك بفضل درجةٍ أخرى قبلها كان العلم قد وصل إليها في عصر آخر قبل ذلك العصر، وعلى يد أمةٍ أخرى من الأمم في بلدٍ غير ذلك البلد الذي وصل العلم فيه إلى الدرجة التي تلي تلك الدرجة.

ولكن ما العلم؟ وما الثقافة؟

ولماذا كانت غيره؟ وكان هو غيرها؟

العلم هو مجموعة الحقائق التي توصل إليها العقل البشري في مراحل تفكيره وتجاربه وملاحظاته المتسلسلة بتسلسل الزمن، والمحررة بالامتحانات المتكررة، فلا تختلف بتفاوت الأذواق، ولا تتغير بتطور المصالح، إن جدول الضرب من المعارف الإنسانية العريقة في القدم، وسيبقى حاجةً من الحاجات الأولية لطلاب علم الحساب في كل وطن وفي كل زمن، ولولا ما كان معروفًا قبل العرب والمسلمين من علم الحساب، لما توصَّل العرب والمسلمون إلى إتحاف الإنسانية بالحقائق الأولية من قواعد علم الجبر والمقابلة، ولولا علم الجبر والمقابلة الذي توصل علماؤنا إليه قبل مئات السنين لما تقدمت في العصور الأخيرة العلوم الرياضية الأخرى، التي وصلت بها الأعمال الهندسية إلى ما وصلت إليه الآن من التقدم؛ فالعلوم الرياضية والحقائق الهندسية من العلم العالمي المشاع بين البشر، والذي اشتركت عقول البشر، في تقدمه وارتقائه منذ العصور العريقة في القدم، ولا غضاضة على أمة في أن تطلب العلم به حيث تجده، وكذلك الطب وعلوم الطبيعة وكل ما تمس إليه حاجة الأمم في قوتها وأسباب عزتها، وتوفير حاجات أوطانها، والمسلمون على الخصوص يوجب عليهم دينهم أن يتعلموا ما تدعو حاجتهم في مرافقهم إلى تعلمه من العلوم، التي إن لم يحذقوها تولاها عنهم الأغيار، وكان جهلهم بها من أسباب ضعفهم القومي والملِّي.

هذا النوع من المعارف الإنسانية هو "العلم"، وهو واحد في كل أمة، وهو اليوم سبيل القوة في الحرب والسلم، وهو الذي ينبغي للمسلمين أن يكون فيهم - دائمًا - العدد الكافي من العالمين به ليتولوا مرافق بلادهم بأنفسهم، ويحققوا أسباب قوَّتهم الصناعيَّة والحربيَّة والاقتصاديَّة بأيديهم، وإذا لم يتحقَّق ذلك إلا بإرسال البعثات إلى البلاد التي تفوَّقَت به، فعليهم أن يوالوا إرسالها، إلى أن يتوافر عندهم من أبنائهم رجال الكفاية لسدِّ هذه الحاجة على قدرها.

ولكن هذا العلم، والثقافة شيء آخر، الثقافة في كل أمة لها لونٌ قوميٌّ خاصٌّ تستمده من مألوفها، ومن ذوقها، ومن مواريثها الأدبية، ومن ظروفها الجغرافية، ومن ضروراتها الإقليمية، وحاجاتها الاجتماعية؛ ولذلك نرى الثقافة الفرنسية تختلف عن الثقافة الألمانية، بل نرى الثقافة البريطانية تختلف عن الثقافة الأمريكية، مع اتحاد الأمتين في اللغة والآداب، والصينيون يتفقون مع اليابانيين في الكثير من المقومات، وكانوا بين الحربين العالميتين في حاجة إلى عضدٍ قويٍّ يستعينون به لمقاومة الاستعمار المحيط بهم من كل جانب، ومع ذلك فإن اختلاف الثقافتين أنشب الحرب بين الصين واليابان سنين طويلةً قبل الحرب العالمية الثانية وفي خلالها، ولو لم تكن الثقافة من الفوارق الجوهرية بين الأمم، لكان من المعقول أن تتعاون الصين واليابان وتتحد وجهتهما، وكانت تُكَوِّنُ منهما حينئذ قوةً رهيبة لعلها تكتسح الأمم، وذلك ما كان ينذِر به إمبراطور ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى، ويسميه "الخطر الأصفر".

تاريخ الأمة من عناصر ثقافتها، آداب الأمة من صميم ثقافتها، أخلاق الأمة في كل عصر من عصورها حلقة من سلسلة الأخلاق القومية التي هي من ميراث الماضي، وقد يكون في ميراث الأمة من أخلاق ماضيها الكثير من الخير والكثير مما ينافيه، فعليها أن تصلح بخيرها المتوارث ما ينافيه من الأخلاق التي تحتاج إلى إصلاح، فإذا حاولت الأمة أن تتنكر للطيِّب من تراثها الأخلاقي بتطعيمه بأخلاقٍ أجنبيةٍ عنها أضاعت نفسها، وفقدت أصالتها، وصارت إلى هجنة تنافي الأصالة، ويحتقرها الأصلاء من أصحاب تلك الأخلاق الأجنبية، وأذكر كلمةً حكيمةً لبسمارك، كان قالها لغليوم الثاني، لمّا كان لا يزال وليَّ عهد الإمبراطورية الألمانية، حينما أرسلوه إلى روسيا ليمثِّل ألمانيا في مناسبةٍ من المناسبات، فقد قال له بسمارك: "إنك ذاهبٌ إلى بلادٍ شرقيةٍ، فإذا رأيت الشرقي المتمسك بزيِّه الأصيل، فاعلم أنه لا يزال على ميراثٍ من فطرة الشرق وأصالته، وإذا رأيت الشرقي الذي لبس البنطلون تقليدًا للغرب، فاعلم أنه فقَد مواريثه من الفضائل، ولم يكتسب أخلاق الغرب وفضائلَه".

إن القول الفصل بين العلم والثقافة، هو أن العلم عالميٌّ، والثقافة قوميةٌ وملِّيةٌ، والعلم لا لون له، والثقافة ذات لونٍ، وكذِبٌ أنَّ في الدنيا ثقافةٌ عالميَّةٌ، ولا يمكن أن تكون فيها ثقافةٌ عالميةٌ، فعلى كل أمَّة أن تتمسَّك بثقافتها، وأن تبعث فيها أسباب الحيوية يوصل ما بين ماضيها وآتيها، خصوصًا نحن المسلمين الذين لا نكون مسلمين بارتياد الجامع فقط، ولا بتصحيح العقيدة فقط، بل إن إسلامنا يتناول البيت كما يتناول الجامع، ويفرض سننه وأحكامه على المجتمع كما يفرضه على الفرد، وسنن الإسلام وأحكامه مصدر كريم من مصادر ثقافتنا، فلا يكفي أن نعرف: كيف نصلي، بل يجب أن نعرف: كيف نكون أفرادًا مسلمين في مجتمع إسلامي؟ وأن نعرف: كيف نكون رعايا مسلمين لدولة إسلامية؟

وبعد؛ فإن للإسلام - وهو الدين الاجتماعي - ثقافةً واسعةً شاملةً في هذه الأمور، وفي كل الأمور، ولولا أن دانلوب حرم المتعلمين في مصر من أن يتعرفوا إلى ثقافتهم الإسلامية، فجرد مدارس الدولة منها، لكان الجيل القائم الآن خيرًا من الآن، ولقطعنا شوطًا طويلاً في طريقنا إلى القوة وإلى العزة وإلى السعادة والسلامة والعافية.

الأمل عظيم في وزارة التربية والتعليم - بعد أن جعلت التربية العنصر الأول من عناصر رسالتها - أن  تلتمس كل الأسباب للتعرف إلى التربية الإسلامية وتعريف الجيل بها؛ لأن التربية من أهم عناصر الثقافة، وما دمنا في بلدٍ إسلاميٍّ عربيٍّ، فيجب أن تكون ثقافتنا إسلاميةً عربيةً، وهذا لا ينافي إرسال البعثات إلى أوروبا وإلى أمريكا لتخريج مهندسين في الطبقة الأولى، وكيماويين وأطباء في الذروة العليا، وعلماء معادن وجيولوجيا من الطراز الأول؛ لأن هذه المعارف التي لها لون قومي، لأقوام غير أقوامنا، ولها لونٌ وطنيٌّ لأوطانٍ غير أوطاننا، ولها لونٌ مليٌّ لمللٍ غير ملتنا، فذلك ما يسمى ثقافةً، ونحن في غنًى عنه بثقافتنا التي يجب أن نستمدها من مألوفنا، ومن ذوقنا، ومن مواريثنا الأدبية، وظروفنا الجغرافية، وضروراتنا الإقليمية، وحاجاتنا الاجتماعية، ولهذه الثقافة مثَلٌ في تاريخنا وتراجم أسلافنا، فيجب أن نعرفها بمعرفتهم، وأن ندرسها بدراسة تراجمهم، وأن نحييها بالتخلق بأخلاق أهلها واتخاذهم قدوة لنا وأسوةً.

نحن في مرحلة انتقال، ومن النصح للأمة أن تتعاون على معرفة الطريق الذي نسلكه إلى مرحلتنا الجديدة، وعندي أنه الطريق الذي يجمع بين تعلم كل ما عند غيرنا من العلوم العالمية التي لا لون لها، والاحتفاظ بكل ما يحفظ علينا إسلامنا وعروبتنا ومصريتنا من الثقافة التي نحن أغنَى أمم الأرض بها، ما علينا إلا أن نستأنف دراستها وإحياءها والعمل بها، ويومئذ تكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

يا شباب الجيل:

إن من حق جيلكم على جيلنا أن يختصر لكم الوقت، ويطوي لكم من مسافات الطريق ما يسهل لكم بلوغ غاياته، فتؤدُّون رسالة الجيل وافيةً ناجزةً.

 

لقد كانت رسالة الجيل الذي قبلكم منحصرة في مقاومة الاستعمار، فكانت مهمة سلبية تدور حول معنى الهدم، وأنتم واقفون الآن على مفترق الطرق تتساءلون عن رسالة جيلكم، وهل هي رسالة مقاومة وهدم كما كان يفعل الجيل الذي تقدمكم؟ وإن كانت رسالة بناء فماذا نبني؟ وكيف نبني؟ ولماذا نبني؟ وهذا ما رأيت من حقكم على جيلنا أن أتحدَّث به إليكم.

نعم، كانت رسالةُ جيلنا سلبيةً تدور حول معنى الهدم، وأما رسالة جيلكم فإنها إيجابيةٌ تتمثل في جميع معاني الإنشاء والبناء والتشييد، وستجدون على مفترَق الطرق معلِّمين كذبةً، ودعاةً هدامين، يسوِّلون لكم الاستمرار في الهدم، ويشيرون إلى ما أبقى لكم الدهر من تراث السلف؛ ليوسوس لكم الشيطان هدْمَه، وسيشير عليكم آخرون منهم بالبناء، ولكن على أسس غير أسسكم، وبأذواق غير أذواقكم، ولأغراض غير أغراضكم.

إن مهمة الهدم انقضت بانقضاء زمن الاستعمار، وجاء زمن البناء، ولكن على شرط أن:

نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أوَائِلُنَا ♦♦♦ تَبْنِي وَنَفْعَلُ مِثْلَمَا فَعَلُوا

 

نحن أمة امتازت على غيرها من الأمم بأن آخرها متصلٌ بأولها، وأن تراث ماضيها من ثروة حاضرها، وأن أهداف مستقبلها مرسومةٌ في سنن أسلافنا، وأنها كل يقوي جديده بقديمه، ويحيي قديمه بجديده، ويمتص قديمه وجديده من ينابيع قوةِ الحق والخير بأي أشكالهما ظهرا، ومن أية جهة هبت ريحهما.

فالبناء الجديد الذي من رسالة الجيل الجديد أن يقوم به، يدور حول مهمتين اثنتين:

أما أولاهما: فبعث تراثنا القومي: من تاريخ، وأخلاق، وعلوم، وسنن، ووصايا، وتعيين أهداف، إلى أن نعرف كياننا القومي كما كان في الماضي، وكما يجب أن يكون في المستقبل، فنخطط بناءنا على أساسه، وهذا عمل يجب أن يتفرغ له من يعرف قدره، ويبتهج بالتعب في سبيله، ويعتبر ما يكتشفه من حقائقه أثمن من الكنوز، وأنه إذا انبرى له طائفة من الشباب المؤمن بعروبته، المعتز بإسلامه، الحريص على بعث سجايا قوميته، فسيجد في تراث العروبة والإسلام حيويةً تتكفل ببعث هذه الأمة، وتتكفل بعد ذلك ببعث الإنسانية كلها على ضوء هدايتها.

إن هذه النظم الأجنبية التي ألزمنا الاستعمار العمل بها في عشرات السنين الأخيرة، خليط من مبادئ وأحكام واتجاهات اقتبس أقلها من المعاني الأزلية العامة: كالعدل والحق والخير، ووضع أكثرها بتأثير القوي التي تطور الاستعمار تحت سلطانها: كالرأسمالية، وشهوة تحكم الأقوى بالأضعف، والديكتاتورية، أو تملق أهواء الجماهير، وعلى كل حال فإنها أجنبية عنا، وفي الاستمرار على العمل بها - بالشكل الذي أراده الاستعمار لنا - إساءة إلى الوعي القومي، والإيمان الملِّي، وعزة النفس الوطنيَّة؛ لأنها توحي إلى نفوس أجيالنا أننا عالةٌ عليها وعلى أهلها، ونحن نرى: كيف أن المثقفين من شبابنا ورجالنا - بعد أن ألزموا بدراستها - غلب عليهم الإيمان بمحاسنها، والاقتناع بأنها المثل الأعلى للكمال، وأنها أحدث ما توصلت إليه مدارك البشر وعقولهم، في حين أن تراثنا الثقافي والتشريعي مليءٌ بالقواعد والمبادئ والسنن، التي لا ترجع إلا إلى الأزلية السامية: من العدل والحق والخير وإيثار الأصلح، فإذا تفرغ محبو التخصص من شبابنا لدراسة هذه الكنوز واستخراج لآلئها ومعادنها، كان لنا من ذلك نظام مبتكر يتصل به آخرنا بأولنا، ويرتد به إلى قوميتنا لونها الأول الذي نعرف به أنفسنا، ونشمخ به على الدنيا بأنوفنا.

هذه أولى المهمتين لشباب الجيل، وأنت ترى أنها مهمَّةٌ علميةٌ قوميةٌ يوشك - إذا قمنا بحفظها - أن يتخرج تحت تجاربها ومحاولاتها فطاحل العلماء المصلحين، ومصابيح الإنسانية من الحكماء والهداة الخالدين.

أما المهمة الثانية: فهي مطاردة الاستعمار في نفوس أبناء الجيل، وفي مرافقهم، وفي بيوتهم، وفي عاداتهم وأنظمتهم، ومعالجة الخلاص منها، ثم مطاردة معاني الضعف التي طرأت على مفهوم الدين في عقول العامة وأشباه العامة، مما لم يكن للصحابة والتابعين علم به، وكانت قوتهم وعزتهم واستفحال ملكهم من نتائج فهمهم السليم للإسلام، على أنه دين القوة والاستقامة والعبودية لله وحده دون جميع خلقه، وأنه دين الحق والخير، والتعاون على إقامتها وتعميم سلطانها، والإكثار من أهلهما، حتى يبسط الله ظلهما على جميع الأرض.

إن هذه المهمة الثانية متممةٌ للمهمة الأولى، وأهل هذه الفئة هم دعاة الإصلاح الذين يبدؤون بأنفسهم، ثم بآلهم وأصدقائهم وذويهم، متوخِّين الاستعانةَ بمعارف الفئة الأولى من العاملين على بعث تراثنا القومي؛ لإحلال أنظمتنا الأصلية محلَّ الأنظمة الاستعمارية، والسنن الملية والقومية الخاصة بنا محلَّ السنن الأجنبية عنا، والعادات اللائقة بنا محلَّ العادات الطارئة علينا والمزرية بنا، وأنت ترى أن المهمتين ترتبط إحداهما بالأخرى، وتتعاون معها، إلى أن نبعَث أخلاق العروبة الأولى في نفوس الجيل العربي الجديد فيكون - برجولته ونبله وصلابته في الحق - كأنه حلقة فولاذية من حلقات أصله الأصيل، وبذلك نبعث سنَن الإسلام الصحيحة السليمة في مجتمعنا الإسلامي المعاصر، فنكون بأعمالنا ونزعاتنا وتصرفاتنا كأننا معاصرون للهادي الأعظم - صلوات الله عليه وسلامه - ولأصحابه الغُرِّ الميامين.

فإذا تمكن أبناء الجيل المثقفون من بناء جيلهم على هذا الأساس، وبعثوا فيه تراث سلفه من تاريخٍ وأخلاقٍ وعلومٍ وسننٍ ووصايا وأهدافٍ، وتحلي ذلك كله بأحدث ما وصلت إليه مدارك البشر من أنظمةٍ وصناعاتٍ ووسائل وأدواتٍ، كنا بسجايا قوميتنا وفضائل ديننا وصناعات عصرنا وأنظمته - خيرَ أمة أُخرِجَت للناس، وأشرَقَت بذلك محاسِن ديننا في آفاق الأرض فأبصرت الأمم جماله، ورأت في نهضتنا آثار هدايته، وبذلك تتم البعثة المحمدية إلى الخلق أجمعين.

يا شباب الجيل:

إن ما أنتم عليه الآن لن تنالوا به السيادة، وإذا عصفت الرياح بظروفٍ أنالتكم السيادة، فإنها لن تبقى لكم ما دامت آثار الاستعمار الفكري والاجتماعي مالئةً قلوبكم، وشائعةً في نفوسكم، وإن سيادتكم متوقفةٌ على أن تعودوا إلى أنظمة الإسلام المعطلة والمنسية، فتبعثوها من بطون الكتب المدفونة فيها، وتعرضوها على قلوبكم، وعلى إخوانكم، وعلى أبناء جيلكم عرضًا رقيقًا جميلاً، وخير ما تعرضونها به العمل بها قبل التشدق بمحاسنها بالخطابة والكتابة، وإن كان ولا بد فابدؤوا بالعمل وأتبِعُوه بالقول، إلى أن تتحول الأمة عن أنظمة الأجانب وألوانهم لأنظمة العروبة والإسلام وألوانهما، ويومئذ يفرح المؤمنون ويستشعرون الدفء والأنس بإيمانهم.

الأساس الذي نقيم عليه نهضتنا:

الأمم العربية والعالم الإسلامي على أبواب نهضةٍ وبعثٍ جديدٍ لا شك فيهما، وفي كل يوم ألقى شبابًّا من شبابنا المثقف يسألني الواحد منهم أول ما يسأل:

ماذا يجب أن أعمل؟ بماذا يجب أن أبدأ؟ ما الطريق الذي تشير عليَّ بأن أجعله طريقي في الحياة؟

كلهم متوثبون، وكلهم يريدون أن يعملوا ولكنهم يريدون أن يجدوا من يدلهم على طريق العمل، وعلى نوع العمل وجوابي دائمًا لأمثال هؤلاء الشبان الأطهار: إن العمل كثيرٌ، والمهمة التي تواجه هذا الجيل - وكان يجب عليه أن يضطلع بها كاملةً وافيةً - أعظم من أن يكفي لها عددنا لو أننا تفرغنا كلنا لها؛ لأن من ورائنا تراثُ أربعةَ عشرَ قرنًا في الإسلام، يجب علينا دراسته وتحليله ومعرفة جميع عناصر الخير والشر التي فيه، وسيرة الذين عملوا فيه لأخذ المسلمين إلى طريق الإسلام، والآخرين الذين عملوا لتحويل المسلمين عن أهداف الإسلام باسم الإسلام، وأولئك من الكثرة إلى درجة أن الذين نسمع بأسمائهم ونعرف شيئًا عنهم لا يبلغون جزءًا من مليون جزء من رجال العلم والأخلاق، والفضائل والجهاد في سبيل الحق والخير، والآخرون الذين أفسدوا في الإسلام باسم الإسلام قد أنسى الله المسلمين العدد الأعظم من أسمائهم، فماتوا وماتت أسماؤهم معهم؛ لأن أكثرهم كان يعمل في الخفاء، وأهل الظهور من منافقيهم تركوا وراءهم ما سيفضحهم إن شاء الله يوم نجرِّد التركة، ونُحَلِّل التراث، ونميّز بين ما فيه من خير وحق وما فيه من شر وباطل، إلا أن أهل الشهرة من دعاة البدَع - وإن كانوا قد بادوا وبادت أسماء أكثرهم - لا يزال كثير من بدعهم مثوبًا به كثير من فضائلنا وتقاليدنا ومحفوظاتنا.

هذا بعض تراث الإسلام فينا من أربعة عشر قرنًا، وإن لنا وراءه تراثًا آخر للعروبة يتوغل أكثر من أربعين قرنًا في أحشاء الماضي، ومنه هذه اللغة العجيبة الثرية، الدقيقة، الجميلة، الوارفة الظلال، الأبدية الحياة، هذه اللغة وما تدل عليه من خطرات نفس، ومدارك عقل، وعواطف قلبٍ، وتسلسلٍ وتناسلٍ وتكاثرٍ في المعاني، وفي مشتقات الألفاظ الدالَّة على هذه المعاني - كل ذلك يحتاج منا إلى دراساتٍ لا آخر لها، للجهاد بالسلاح أهلُه الذين وجههم الله إليه، ويسّره لهم، وللجهاد بالدعوة أهلُه الذين وجههم الله إليه ويسَّره لهم، وللجهاد الاقتصادي أهلُه كذلك، وما من عمل ظاهر، ويتصل بمعايش المثقفين؛ إلا وله من أبنائنا المثقفين كتائب مجندة للاضطلاع به.

أما تراث الإسلام، وتحليل ما تلقَّيناه عنه من عناصر إسلاميةٍ سليمةٍ، ومن عناصر أجنبيةٍ طارئةٍ عليه فتولدت منها البدع، وتفرَّعَت عنها المذاهب الشاذة، والطوائف المنابذة للأهداف الإسلامية الأولى - فهذا قلَّما وُجِد في شبابنا من تفرغ لدراسته، ومعرفة مصادر هذه الدراسة، وكيفية التمييز بين الحقائق وأضدادها، والميزان الذي توزن به الفضائل وأهلها.

إن المستشرقين حاولوا هذا بتأليفهم (دائرة المعارف الإسلامية)، وهو مجهودٌ علميٌّ عظيمٌ تضافروا عليه جميعًا، وساهم فيه كل واحد منهم من الجهة التي له فيها يد، وسبق له في موضوعها دراسة وتخصص، إلا أن للمستشرقين وجهة نظرٍ إلى التراث الإسلامي غير الوجهة التي يتجه إليها نظر المسلمين أنفسهم، لو درسوا هذا التراث الإسلامي كدراسة المستشرقين له.

وإن مثل هذا الجهد العظيم الذي بذله المستشرقون في دائرة المعارف الإسلامية - وهو جهدٌ جهيدٌ وعظيمٌ حقًّا - لو بذل المسلمون أنفسهم مثله، لجاء منه عملٌ آخر غير هذا العمل؛ لأنهم يدركون من هذه الدراسة ما لا يدركه المستشرقون، ويشعرون بعداوة الأعداء للإسلام في ماضي المسلمين، وبإخلاص المخلصين منهم له ما لا يشعر به المستشرقون، وفي الحق أننا أمةٌ تحتاج في هذا الجيل إلى أن تعرف ما تخلف في الإسلام من عداوة أعدائه وصدق أصدقائه، ولكن دراسةً كدراسة المستشرقين لهذا التراث تحتاج إلى جهودٍ، لا نرى في الذين يسألون من شبابنا "ماذا نعمل"؟ من يأنس في نفسه الرضا ببذلها، وإذا أنس من نفسه ذلك لا يجد من ثقافته التي قدَّمَتْها له الدولة في مدارسها ما يؤهله لذلك، ما لم يكن عنده استعداد شخصي يتغلب على هذه الصعوبة، ومن العجيب أن يستسهل المستشرق الأجنبي عن الإسلام ما يستصعبه الشاب المسلم الناشئ في مدارس دولٍ تنتسب إلى الإسلام، العلم واسع، وكثير النواحي، وهو دراسةٌ وتحليلٌ وتنظيمٌ لمجهود أربعةَ عشرَ قرنًا في الإسلام، وأربعين قرنًا في تراث العروبة قبله، ولا بد لبعث هذا التراث وتنظيمه من أن يتخصص في المثقفين منا مئات في مختلف نواحي التراث الإسلامي والماضي العربي؛ ليصير فينا نوابغ في هذه النواحي كالنوابغ من المستشرقين، الذين نرى أسماءهم في ذيل المواد الدقيقة، التي تتألف منها أجزاء دائرة المعارف الإسلامية.

وبعث هذا التراث وتدوينه على هذا الوجه هو الأساس الذي تقوم عليه النهضة، والذي نستطيع أن نبني عليه ثقافتنا المستقبلة.

 

أما طريقة حملة الأقلام الآن ممن يسرقون جهود المستشرقين، ويعرضونها علينا بعُجَرها وبُجَرها، وبدسائس أصحابها فيها، ثم يزعمون أنها من تأليفهم، فإن نظرةً واحدةً فيها تدل على أنهم لم تقع أنظارهم على المراجع العربية التي أخذ عنها المستشرقون ولا يعرفون عنها شيئًا، وما دمنا على هذه الحالة، تبعًا لأسلوب التعليم الذي يتخرَّج به النشء، فسنبقى غرباء عن العلم، وعالة على الأجانب فيه، وضحايا لأغراضهم التي يروجونها علينا بأساليب تخفَى على أشباه العلماء، وتتقطع لها قلوب العارفين.

 

تُرَى: متى نضع الأساس لنهضتنا وثقافتنا، ببعث تراثنا وتحليله وتنظيمه؟

• • •

 

المعالم:

المسلم في المجتمع الإنساني أشبه بابْن السبيل الهائم على وجهه في بيداء الحياة، وبيداء الحياة - التي يهيم فيها المسلم على وجهه منذ ولد إلى أن يلقى الله راضيًا عنه أو ساخطًا عليه - هي هذا المجتمع الإنساني المختلف الأهواء، المتضارب العقائد، المتباين المقاصد والمشارب والأخلاق والسجايا.

والمسلم ليس مسلمًا بشهادة الميلاد، فهذه أخس الشهادات للمسلم على إسلامه، ولا هو مسلمٌ بما يقوم به من الفرائض المكتوبة عليه وحسْب، فهذا شطر من إسلامِهِ الذي لا يستكمله إلا باستيفاء سائر وجوه الإسلام ونواحيه؛ لأن الإسلام أوسع الديانات دائرةً، وأعمُّها غرضًا، وأدقها أنظمة، وأبعدها هدفًا، وهو أعظم رسالات الله، وأشملها للمعاني الإنسانية العليا التي حامت حولها أحلام حكماء الأرض، وعليها تتوقف السعادة بأكمل ما ترتجى.

ومن الأغراض التي جاء بها الإسلام، بل من الشروط التي يتوقف عليها تحقيق أغراضه، أن يجعل من المسلمين في بيداء الحياء قافلةً ممتازةً بسجايا ومبادئ، وصفات ومظاهر وأنظمة خاصة بهم، وبها يتحقق اتساع دائرته وشمول غرضه والوصول إلى أهدافه، وتفقد هذه القافلة الممتازة صفة امتيازها إذا هي انساقت في قافلة الملل الأخرى، ولو فيما تظن أنه لا يمس العقيدة أو ينقص من العبادة؛ لأن أهل هذه القافلة أراد لهم إسلامُهم ألا ينطبِعوا إلا بطابعه، وألا يصطبِغوا إلا بصِبغته، وألا يسايروا في بيداء الحياة إلا المنتظمين في نظامهم، المنخرطين في سلكهم، المتخلقين بخلائقهم وسجاياهم وليس ذلك أنانيةً منهم، أو أثرة من نظامهم؛ بل لأن الأسس التي قام عليها نظامهم، والأغراض التي يهدف إليها هي التي تتم بها السعادة الإنسانية.

والإسلام كل لا يتجزأ، ففضائلة بغير عقائده ناقصةٌ، وعبادته مجردةٌ من فضائله تلعن صاحبها، وعقائده مجردةٌ من أنظمته تعيش مريضةً حتى تقام أنظمته فتحيا بها عقائده؛ ولذلك كان الإيمان الإسلامي بضعًا وسبعين شعبةً، وكل ما جاء الأمر به في كتاب الله وسنةِ الهادي الأعظم صلى الله عليه وسلم فهو من شعب الإيمان، وما يتعلق منه بفضائل الأخلاق وحسن التعامل مع الناس أكبر أجزائه وأكثر شُعبِه، وكل ما جاء النهي عنه في كتاب الله وهدايته المرشد الأعظم صلى الله عليه وسلم فالانتهاء عنه من شعب الإيمان، وما يتعلَّق منه بالتنزُّه عن شوائن الأخلاق، والتعفُّف عن معاملة الناس بالباطل والشَّر من أكبر تلك الشعب.

هذه الأوامر الإسلامية في كتاب الله وسنة رسوله تناوَلَت كل حق عرفه البشر، وكل خير خطر على بال حكمائهم وأذكيائهم وقادة الفكر منهم، وهذه النواهي الإسلامية في كتاب الله وسنة رسوله أحاطَت بجميع معاني الباطل، وبكل ما يهدف إليه الشر وأهله؛ ولذلك كانت أوامر الإسلام ونواهيه مناط السعادة؛ لأنها جماع الحق والخير، ووقاية الله من الباطل والشر، وإن دينًا جعل مجموع هذا من شعب الإيمان به لجدير بما وصفنا من أنه هو الإنسانية العليا التي أوحَت بها السماء إلى أهل الأرض.

وقد نبغ من عظماء دعاة هذه الهداية الخلفاء الراشدون، والصحابة العدول الهادون المهتدون، والتابعون لهم بإحسان، وحملة هذه الأمانات من الأئمة والعلماء والصالحين، وفي سيرة هؤلاء تطبيق عملي لهذه الهداية، وفي أقوالهم المأثورة تفسير لما ورد منها مجملاً في كتاب الله وسنة رسوله، ومجموع ذلك تتألق منه في بيداء الحياة معالم للمسلمين تستدل بها قوافل أجيالهم على الوجه التي وجهها الإسلام إليه.

والمسلمون ذلوا وضعفوا، وأخطأهم النصر والتوفيق، وأبطأ عليهم الارتقاء والتقدُّم والتميز على أمم الأرض، منذ تجاهلوا معالمهم، وسايروا أهل الحضارات والملل والأهواء في طرقهم وأنظمتهم، وتقاليدهم ومظاهرهم، وأقواتهم وأساليب تفكيرهم، وسيستشعرون العزة والقوة، وينالون الفوز والظفر، ويقودون حركة التقدم في الأرض، يوم يعرفون معالمهم فتسترشد بها قوافلهم في بيداء الحياة.

 

أيها المسلمون، إن لكم معالم، فانتهوا إلى معالمكم.

• • •

 


[1] ص 50، طبعة المطبعة السلفية، 1394هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المعلمة المربية
  • رفقا بعقيدتي يا أمي : مرحلة دخول المدرسة

مختارات من الشبكة

  • المناهج المعاصرة لقراءة النص "مناهج الفكر في الحضارة الإسلامية"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أولويات التربية "عقيدة التوحيد"(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • سيد المناهج (المنهج الوصفي)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مدلول المنهج والتواصل والحوار اللغوي والاصطلاحي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا إله إلا الله: منهج حياة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهند: إلزام المدارس الإسلامية بالمناهج العامة للاعتراف بها(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بريطانيا: انتقاد تدريس المناهج الإسلامية بالمدارس الخاصة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الوجيز في مناهج المحدثين للكتابة والتدوين (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما هو منهج الفصحى؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الصحافة الاقتصادية الإسلامية(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب