المنتقى المشبع من الشرح الممتع (25)

باب زكاة بهيمة الأنعام

هي: الإبل والبقر والغنم؛ قال تعالى: ﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ﴾ [المائدة: 1]، والدليل على وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام: حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في الكتاب الذي كتبَه أبو بكر - رضي الله عنه - وفيه: "هذه فريضة الصدقة التي فرَضها النبي - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين"، وذكر الغنم والإبل، وأمَّا البقر، فجاء ذِكْرها في حديث آخرَ. واعْلم أنَّ بهيمة الأنعام تُتَّخذ على أقسام:

القسم الأول: أن تكون عُروض تجارة، فهذه تُزكَّى زكاة العروض.

القسم الثاني: السائمة، المعدة للدرِّ والنَّسل، وهي التي ترعى.

القسم الثالث: المعلوفة المُتَّخذة للدرِّ والنَّسْل، وهي التي يَشتري لها صاحبها العَلَف أو يَحصده، فهذه ليس فيها زكاة إطلاقًا.

القسم الرابع: العوامل، وهي الإبل التي عند شخص يؤجِّرها للحمل، فهذه ليس فيها زكاة، وإنما الزكاة فيما يَحصل من أُجرتها إذا تَمَّ عليها الحول.

(إذا كانت سائمة الحول أو أكثره)، السائمة: التي تَرعى المباح الذي نبَت بفِعْل الله - عز وجل، أمَّا ما نزْرعه نحن ونرعاه، فهذا لا يَجعلها سائمة، والدليل على اشتراط السوم: حديث أنس بن مالك في الكتاب الذي كتَبه أبو بكر في الصَّدقات: "وفي الغنم في سائمتها في كلِّ أربعين شاةً شاةٌ"، ويُشترط كذلك أن تكونَ مُعَدَّة للدرِّ والنَّسل؛ ليخرج بذلك المعدة للتجارة. (فيجب في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاضٍ، وفيما دونها في كلِّ خمسٍ شاة)، بنت مخاض؛ أي: بكرة صغيرة لها سنة، وسُمِّيَت بنت مَخاض؛ لأن الغالب أنَّ أُمَّها قد حَمَلت، فهي ماخض، والماخض الحامل.

(وفي ستٍّ وثلاثين بنت لبون)، وهي: ما تَمَّ لها سنتان، وسُمِّيَت بذلك؛ لأن الغالب أنَّ أُمَّها قد وَلَدت، فأصْبَحت ذاتَ لبن، والوقص: هو ما بين الفرضين، ليس فيه شيء، فبين خمس وعشرين وستٍّ وثلاثين "عشر" ليس فيها شيء، وذلك رفقًا بالمالك.

(وفي ستٍّ وأربعين حِقَّة)، وهي: الأنثى من الإبل التي تَمَّ لها ثلاثُ سنوات، والوقص بين ستٍّ وثلاثين وستٍّ وأربعين: "تسع".

(وفي إحدى وستين جَذَعة)، وهي: ما تَمَّ لها أربعُ سنوات، والوقص ما بين ستٍّ وأربعين وإحدى وستين: "أربع عشرة" ليس فيه شيء.

(وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون)، والوقص: "أربع عشرة".

(وفي إحدى وتسعين حِقَّتان)، والوقص: "أربع عشرة".

(فإذا زادَت على مائة وعشرين واحدة، فثلاث بنات لبون) من إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين، وقصٌ قدرُه "تسع وعشرون"، فإذا زادَت على مائة وعشرين واحدة، ففيها ثلاث بنات لبون، ثم بعد ذلك تستقرُّ الفريضة.

(ثم في كلِّ أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حِقَّة)، فإذا بلَغَت مائة وإحدى وعشرين، ففيها ثلاث بنات لبون، وبعدها تستقرُّ الفريضة، كلَّما زادَت عشرًا، تتغيَّر الفريضة، فمثلاً: (130) فيها حِقَّة وبنتا لبون، (140) فيها حِقَّتان وبنت لبون، (150) فيها ثلاث حِقاق، وعلى هذا فقِسْ، كلما زادَت عشرًا، يتغيَّر الفرض، ومَن وجَبت عليه بنت لبون وليْسَت عنده، وعنده بنت مخاض أنزل منها، فإنه يَدفع بنت المخاض، ويدفع معها جبرانًا، وإذا لَم يكن عنده بنت لبون وعنده حِقَّة، فإنه يَدفع الحِقَّة ويأخُذ الجبران، فهو بالخيار، والجبران: شاتان أو عشرون درهمًا، كلُّ شاة بعشرة دراهم، والظاهر أنَّ العشرين تقويم وليست تعيينًا، وليس في غير الإبل جبران؛ لأن السُّنة وردتْ به فقط.

(فصل)؛ أي: في زكاة البقر، والأقسام السابقة الأربعة تشمل: الإبل، والبقر، والغنم.

(ويجب في ثلاثين من البقر تبيعٌ أو تبيعة): لكلِّ واحد منهما سنة، وفيما دون الثلاثين لا شيء، (وفي أربعين مُسِنَّة)، وهي: أنثى لها سنتان، وما بين الثلاثين والأربعين، وقص: "تسع" ليس فيها شيء (ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة)، ففي (50) مُسِنَّة، وفي (60) تبيعان أو تبيعتان، من (40) إلى (60) وقص، وفي (70) تَبيع ومُسِنَّة، وهكذا.

(ويجزئ الذكر هنا وابن لبون مكان بنت مخاضٍ، وإذا كان النصاب كلُّه ذكورًا)، فالذَّكر يَجزئ في ثلاثة مواضع، وهي:

(1) التبيع في ثلاثين من البقر.

(2) ابن اللبون مكان بنت المخاض، إذا لَم يَكن عنده بنت مخاضٍ.

(3) إذا كان النِّصاب كلُّه ذكورًا، فإنه يجزئ أن يخرج منها ذكرًا، وقال بعض العلماء: إذا كان النصاب ذكورًا، فيجب ما عيَّنه الشارع، وهذا القول أقربُ إلى ظاهر السُّنة.

(فصل): (ويجب في أربعين من الغنم شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان)، الوقص: ثمانون لا شيءَ فيها، (وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه)، فالوقص: ثمانون، كالوقص في الفرض الأول، (ثم في كل مائة شاة)؛ أي: إذا زادَت على مائتين وواحدة، ففي كل مائة شاة، فتستقر الفريضة على ذلك، ففي (300): ثلاث شياه، وفي (399): ثلاث شياه؛ لأنها لَم تتمَّ المائة الرابعة، والوقص من (201 إلى 399): مائة وثمانون وتسعون، وهذا أكبر وقص يوجَد في الغنم.

(والخلطة تُصَيِّر المالَيْن كالواحد)؛ أي: الخلطة في بهيمة الأنعام تَجعل المالين كالواحد، فالخلطة لا تؤثر في غير بهيمة الأنعام، مثاله: إذا كان عندي عشرون شاة، وعندك عشرون شاة، فعلينا شاة زكاة، والخلطة تنقسم إلى قسمين:

(1) خلطة أعيان: وهي أن يكون المال مشتركًا بين اثنين في الملك، مثاله: رجل مات عن ابنين وخلف (80) شاة، فالثمانون مشتركة بين الاثنين شركة أعيان، فعَيْن الغنم هذه لأحد الابنين نصفها، وللثاني نصفها.

(2) خلطة أوصاف: وهي أن يتميَّز مالُ كلِّ واحدٍ عن الآخر، ولكنَّها تشترك في أمور:

(1) الفحل؛ أي: يكون لهذه الغنم فحلٌ واحد مشترك.

(2) المسرح؛ أي: يَسْرَحنَ جميعًا ويرجِعْنَ جميعًا.

(3) المرعى؛ أي: يكون المرعى لها جميعًا.

(4) المحلب؛ أي: يكون مكان الحلب واحدًا.

(5) المراح: وهو مكان المبيت.

ويُشترط في الخلطة أن تكون كلَّ الحَول أو أكثره، فإذا اشتركَت في هذه الأشياء الخمسة، فهي خلطة أوصاف، تجعل المالين كالمال الواحد؛ لحديث أبي بكر - رضي الله عنه - فيه: "ولا يجمع بين متفرِّق، ولا يفرِّق بين مُجتمع خشية الصَّدقة، وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسويَّة".

مسألة: إذا اختلَط اثنان وكان لأحدهما الثُّلثان، وللآخر الثُّلث، فالزكاة بينهما على حسب ملكهما: على أحدهما الثُّلثان، وعلى الآخر الثُّلث.