• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

لماذا حركوا الأرض؟ (3)

ياسر فتحي وحسن علية

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/8/2011 ميلادي - 4/9/1432 هجري

الزيارات: 31760

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لماذا حركوا الأرض؟ (3)

أول من قال بالدوران

 

• وكان أول من وقفت عليه ممن قال بدوران الأرض: فيثاغورس الساموسي اليوناني (588-503 قبل الميلاد)، وهو فيلسوف رياضي وفلكي شهير، طاف مصر والشام وبابل، واقتبس منها علومه ومعارفه وعقائده الوثنية، وقد قيل بأنه أخذ عن لقمان الحكيم، ومنهم من بالغ فقال بأنه من تلامذة سليمان عليه السلام، ولا يصح هذا ولا ذاك، وإنما تعلم على أيدي بعض الكهنة في مصر، وبعض الكهنة البابليين، أسس المدرسة الفيثاغورية الوثنية التي قامت على أفكار رياضية وصوفية، وقال بكروية الأرض والأجرام السماوية، وأنها تتحرك بحركة مستديرة حول نار مركزية في مركز الكون، وهي عندهم نار مضيئة بذاتها، ومنها تستمد الشمس حرارتها، فتعكس الحرارة على الأرضين والقمر، واعتقد في خصائص الأعداد الأولية، وكان يرى أن الأعداد المجردة موجودة خارج الذهن، وقال بتناسخ الأرواح، وهو القائل بفكرة التناغم الكوني، حيث ادعى أنه عرج بنفسه إلى العالم العلوي، فسمع بصفاء جوهر نفسه وذكاء قلبه نغمات الأفلاك، وأصوات حركات الكواكب، ثم رجع إلى استعمال القوى البدنية ورتب عليها الألحان والنغمات، وكمل علم الموسيقى، وعمل العود، وقد تأثر به جداً جوهانز كبلر، وأقام على أساسه معتقده في الكون، يقول فرديناند هوفر في كتابه "تاريخ علم الفلك" ص (104) : "فيثاغورس اعتقد بأنه وجد في النوتة الموسيقية تناغم القبة السماوية، فالكواكب السبعة السيارة لابد وأنها تتناظر مع الأصوات السبعة للسلم الموسيقي، ومسافاتها، أو مجالاتها، لابد أن تعطي نفس النسب".

 

أفرغ فيثاغورس خلاصة الوثنيات القديمة في تقديس إله مكون من ثلاثة أقانيم، مأخوذ من تقديس العدد ثلاثة، لكونه أكمل الأعداد، ومن ثم أوجد له تنظيراً فكرياً معتمداً على استمداد هذا المعنى التثليثي من قوانين الطبيعة عل زعمه، ولا تغتر بما كتبه عنه الشهرستاني في الملل والنحل (2/ 74). وانظر: المنقذ من الضلال (20). شرح المقاصد للتفتازاني (2/ 18). عيون الأنباء في طبقات الأطباء (32و61).

(HISTOIRE DE L' ASTRONOMIE par FERDINAND HOEFER - PARIS 1873)

 

• وتبعه على ذلك فيلولاوس، وهو فيلسوف فلكي فيثاغوري (عاش زمن سقراط في القرن الخامس قبل الميلاد)، وهو أقدم فلكي فيثاغوري بعد مؤسس المدرسة، ونظريتهم في الكون: أنه كروي محدود، وفي مركزه تقع نار مركزية، تدور حولها عشرة أجسام، الجسم الأول: هو الأرض المقابلة المرافقة للأرض، والتي تحجب عنها النار، والجسم الثاني الأرض نفسها، ثم القمر والشمس والسيارات الخمسة، وأخيراً النجوم الثابتة، ولسنا نرى الأرض المقابلة لأن أرضنا تدير ظهرها إلى مركز الكون، وهذا يعني: أنها تدور حول محورها، وحول مركز الكون.

يقول فيلولاوس: "إن الأرض تتحرك، ولكن ليس إلى الأمام، إنما تدور حول محورها كالعجلة من الغرب نحو الشرق"، وقد أقام الفيثاغوريين نظريتهم عن الكون بناءً عن اعتقادهم في الأعداد، وأنها أصل الأشياء كلها، إذ كل شيء عندهم هو عدد.

 

ولقد أقام فيلولاوس برهانه على هذه النظرية، والذي ينبئ عن حقيقة عبادتهم للشيطان، في صورة الشمس أو النار، والذي ينقله لنا أرسطو، حيث ينقل عنه فرديناند هوفر في كتابه "تاريخ علم الفلك" ص(110) يقول أرسطو نقلاً عن فيلولاوس: "إن مكان الشرف لابد أن يحتله الأكثر رفعة، ولكون النار أكثر رفعة من الأرض؛ فإن الأرض تدور حول النار في حركة دائرية"، وهو في ذلك يتبع إمامه إبليس في القياس الفاسد حين أُمر بالسجود لآدم فقال : ﴿ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ [الأعراف (12)].

 

وهذا هو نفس البرهان الذي احتج به بيير بورل (1620-1671م) على تعدد العوالم إذ يقول في كتابه "منطق جديد يثبت تعدد العوالم" ص (12) : "إن الذين يتخيلون أن العدداللانهائي من الأجرام السماوية قد خلق من أجل كوكب الأرض وسكانها قد أخطؤوا خطئاً جسيماً، لأن المنطق الطبيعي يجعلنا لا نقبل بأن الأشياء الكبيرة تنقاد للأشياءالصغيرة، وبأن الأكثر رفعة يخدمون الأكثر ضعة".

[Discours nouveau prouvant la pluralité des mondes [Texte imprimé] : que les astres sont des terres habitées et la terre une estoile, qu'elle est hors du centre du monde dans le troisiesme ciel et se tourne devant le soleil qui est fixe, et autres choses très curieuses / par Pierre Borel . Genève : [s.n.], 1657]

 

• وكان ممن عاصره: هيسيتاس، وهو فلكي يوناني، يعتقد أن السماء والشمس والقمر والنجوم وكل الأجرام السماوية: ساكنة فاقدة الحركة، ولا يوجد جرم متحرك غير الأرض، فهي تدور حول محورها بسرعة كبيرة.

 

• جاء بعدهم هيراقليدس (388-315 قبل الميلاد)، وهو فلكي يوناني، تتلمذ على يد أفلاطون، له نظرية تقول: إن الكون لا نهائي، والأرض تقع في وسط المجموعة الشمسية، والشمس والقمر والكواكب العليا تدور حول الأرض، أما الزهرة وعطارد الكوكبان السفليان فيدوران حول الشمس، واعتقد أيضاً أن الأرض تدور يومياً حول محورها، وقد مهد بذلك لنظرية تيكو براهى، ومزاعم برونو.

 

• ثم جاء بعد ذلك أريستارخوس الساموسي اليوناني (310-230 قبل الميلاد) وهو فلكي رياضي من مدرسة الإسكندرية القديمة، قال بأن الشمس تقع في مركز الكون، والأرض تدور حولها سنوياً، وتدور حول محورها يومياً، وكذلك الكواكب السيارة تدور حول الشمس، عدا القمر فإنه يدور حول الأرض، وأما النجوم فهي ثابتة، وحركتها اليومية ليست سوى خدعة بصرية مرجعها دوران الأرض حول محورها في الاتجاه المضاد، واستنتج ذلك من كون الشمس أكبر من الأرض، وأنه ليس من المعقول أن تتحكم الأرض الصغيرة بحجم كبير كالشمس، وقاس أيضاً بُعد الشمس والقمر عن الأرض، وحجم كل واحد بالنسبة إلى الآخر.

 

• وقد آمن بأفكاره تلك: سليوكوس، وهو فلكي بابلي (عاش في النصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد) ، وقد حاول تفسير ظاهرة المد والجزر بحركة القمر.

وقد حزن كثيراً المؤمنون بمركزية الشمس على ضياع أفكار أريستارخوس في ظل هيمنة أفكار الفلاسفة الكبار أمثال أفلاطون (427-347 قبل الميلاد)، وأرسطو (384-322 قبل الميلاد)، وهيبارخوس (194-120 قبل الميلاد)، وبطليموس (100-178م)، وغيرهم من الذين آمنوا بمركزية الأرض.

 

• وممن قال أيضاً بدوران الأرض حول محورها: آريبهاتا (Aryabhata) (476-550م) أحد وثنيي الهند.

• ثم قام لنصرة أفكار أريستارخوس الوثنية من كان على شاكلته ممن ينتسب في الظاهر لملة الإسلام، وانكب على علوم اليونان، محمد بن محمد بن الحسن نصير الدين الطوسي (597-672هـ) (1200-1273م) الفيلسوف، وقد كان وزير الملاحدة الإسماعيلية أصحاب قلاع الألموت، ثم صار منجِّماً مسيِّراً لهولاكو خان، ذا منزلة عظيمة عنده، وكان يطيعه في كل ما يشير به عليه، ووضع الأموال تحت تصرفه، وابتنى في مراغة [تقع في إيران الآن، خارج مدينة تبريز الإيرانية]، قبةً ومرصداً عظيماً، واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء، وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة، وهو الذي أشار على هولاكو - هو والوزير ابن العلقمي الرافضي الخبيث - بأن لا يصالح الخليفة العباسي، وأَمَراه بقتل الخليفة والعلماء والأمراء وأهل الحل والعقد، إلى غير ذلك من الطامات والأفعال الشنيعة التي وقعت ببغداد، وقد نعته ابن القيم في الصواعق المرسلة (2/ 790) بقوله: "أم ترضون بعقل نصير الشرك والكفر والإلحاد الطوسي؟ فإن له عقلاً آخر خالف فيه سلفه من الملحدين، ولم يوافق فيه أتباع الرسل"، وقال في إغاثة اللهفان (2/ 266): "وكان ابن سينا كما أخبر عن نفسه، قال: أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم، فكان من القرامطة الباطنية، الذين لا يؤمنون بمبدأ، ولا معاد، ولا رب خالق، ولا رسول مبعوث جاء من عند الله تعالى، وكان هؤلاء زنادقة يتسترون بالرفض، ويبطنون الإلحاد المحض، وينتسبون إلى أهل بيت الرسول، وهو وأهل بيته برآء منهم نسباً وديناً، وكانوا يقتلون أهل العلم والإيمان، ويدعون أهل الإلحاد والشرك والكفران، لا يحرمون حراماً، ولا يحلون حلالاً، وفي زمنهم ولخواصهم وضعت رسائل إخوان الصفا، ولما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر الملحد وزير الملاحدة، النصير الطوسي، وزير هولاكو، شفا نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه، فعرضهم على السيف، حتى شفا إخوانه من الملاحدة، واشتفى هو، فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين، واستبقى الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم، وجعلهم خاصته وأولياءه، ونصر في كتبه قِدَم العالم، وبطلان المعاد، وإنكار صفات الرب جل جلاله، من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وليس فوق العرش إله يعبد ألبتة، واتخذ للملاحدة مدارس، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن، فلم يقدر على ذلك، فقال: هي قرآن الخواص، وذاك قرآن العوام، ورام تغيير الصلاة، وجعلها صلاتين، فلم يتم له الأمر، وتعلم السحر في آخر الأمر، فكان ساحراً يعبد الأصنام، وصارع محمدُ الشهرستاني ابنَ سينا في كتاب سماه المصارعة، أبطل فيه قوله بقدم العالم وإنكار المعاد ونفي علم الرب تعالى وقدرته وخلقه العالم، فقام له نصير الإلحاد وقعد، ونقضه بكتاب سماه مصارعة المصارعة، ووقفنا على الكتابين، نصر فيه: أن الله تعالى لم يخلق السموات والأرض في ستة أيام، وأنه لا يعلم شيئاً، وأنه لا يفعل شيئاً بقدرته واختياره، ولا يبعث من في القبور، وبالجملة فكان هذا الملحد هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر" [ وانظر: درء التعارض (10/ 44 و57 و59). منهاج السنة (3/ 445). المنتقى من منهاج الاعتدال (161). تاريخ الإسلام (50/ 114). البداية والنهاية (13/ 201 و215 و267). السلوك (2/ 88). الوافي بالوفيات (1/ 147). طبقات الشافعية الكبرى (8/ 271). هدية العارفين (6/ 131). الأعلام للزركلي (7/ 257). العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية (233)]، والخواجة الطوسي هذا كان أول من أكمل مسيرة فلاسفة اليونان الوثنيين، فاقترح هيئة جديدة تخالف هيئة بطليموس، أودعها كتابه "التذكرة النصيرية".

 

• ثم سار على دربه ابن الشاطر، وهو: علاء الدين علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام (705-777هـ) (1304-1375م)، الذي درس في القاهرة والإسكندرية علمي الفلك والرياضيات، وبرع فيهما، وكان رئيس المؤذنين بالجامع الأموي بدمشق، وابتكر كثيراً من الآلات مثل الأسطرلاب، وصنع آلة لضبط وقت الصلاة سماها "البسيط"، وصحح المزاول الشمسية، وظلت كتبه في الأسطرلاب والمزاول الشمسية متداولة لعدة قرون في كل من الشام، ومصر، وسائر البلاد الإسلامية؛ حيث كانت يعتمد عليها لضبط الوقت في العالم الإسلامي، كما نجح ابن الشاطر في قياس زاوية انحراف دائرة البروج بدقة كبيرة، كما قام تلبيةً لرغبة الخليفة العثماني مراد الأول بتأليف زيج جديد [وهو كتاب فلكي يسجل فيه الملاحظات الفلكية، ونتيجة الأرصاد، وهو عبارة عما يسمى بالجداول الفلكية، التي يعرف منها سير الكواكب والنجوم، والتي شاع استخدامها في التنجيم ومعرفة الطالع، وادعاء علم الغيب]، وكان منجِّماً، وقال - مخالفاً لهيئة بطليموس - بأن الأرض تدور حول نفسها مرة كل يوم، وحول الشمس مرة كل سنة، والقمر يدور حول الأرض، وقد حذا في ذلك حذو سابقه نصير الشرك الطوسي، فقال: "وشرعتُ في تقرير التحريرات الرصدية الجديدة، حاذياً حذو العلامة النصير، ومقتفياً أثر المعلم الكبير، وربما نقلت عبارته بعينها، وزدت فيه من الوجوه القريبة، والتحريرات الغريبة"، وأودع شرح هذه النظرية في كتابه: "تعليق الأرصاد"[مفقود]، واختصره في "نهاية السؤل في تصحيح الأصول"[مخطوط]، وذكرها أيضاً في "الزيج الجديد"[مخطوط]، وعلل ذلك بقوله: "إنه إذا كانت الأجرام السماوية تسير منالشرق إلى الغرب، فالشمس إحدى هذه الكواكب تسير، ولكن لماذا يتغير طلوعها وغروبها ؟وأشد من ذلك أن هناك كواكب تختفي وتظهر سمَّوْها الكواكب المتحيرة، لذا الأرضوالكواكب المتحيرة تدور حول الشمس بانتظام، والقمر يدور حول الأرض"، وليس في ذلك من حجة وبرهان لتأويل ظواهر الكتاب والسنة، بل مثل ذلك مما يفسره القرآن باختلاف المشارق والمغارب، لكن لما عميت بصائرهم عن إدراك الحقائق، خبطوا في الظلمات تائهين، مستمسكين بحبائل أهل اليونان الوثنية البالية، وله مؤلفات عديدة في علم الفلك، وآلاته، وفي السحر وطلاسمه، وله كتاب في الزيرجة سماه: "نزهة السرائر في إخراج الضمائر"، والزيرجة - أو: الزايرجة - ضرب من ضروب العرافة، ويسمى علم أسرار الحروف، وهو من فروع علم السيمياء، الذي هو أحد ضروب السحر، وهو ادعاء علم الغيب عن طريق تكسير الحروف وحسابها بحساب الجمل، يستخدم فيه الأسطرلاب، لمعرفة مواقع البروج، وهو من القوانين الصناعية لاستخراج الغيوب، ويتم فيه استخراج الجواب لما سئل عنه من المسائل بتكسير الحروف المجتمعة من السؤال على قانونه، ليخرج الجواب منظوماً في بيت من الشعر [انظر: الوافي بالوفيات (20/ 12). منادمة الأطلال (364). تاريخ ابن خلدون (1/ 400-420). كشف الظنون (1/ 906) و(2/ 948). أبجد العلوم (2/ 300و311). شذرات الذهب (6/ 252). العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية (423). بناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية. وغيرها].

 

• ولا يفوتني التنويه بالمنجم أحمد بن محمد بن عبد الجليل السجزي (ت415هـ/ 1204م)، رياضي مهندس، وفلكي منجم، يقال بأنه شيعي، وهو ممن قال بحركة الأرض حول محورها، وهو الذي ابتكر الأسطرلاب الزورقي المبني على أن الأرض متحركة تدور حول محور لها.


• والتنويه أيضاً بأبي الريحان البِيروني المنجم محمد بن أحمد (362-440هـ)، وهو فيلسوف فلكي ورياضي وطبيب ومؤرخ وشاعر، زامل ابن سينا قرابة عشرين عاماً، متهم بالقرمطة والكفر، وهو ممن قال بحركة الأرض حول محورها، وأن الشـمس هـي مركـز الكـون الأرضي، افترض ذلك في كتاب "مفتاح علم الهيئة" وكتاب "تحقيق ما للهند من مقولة"، وهو صاحب كتاب "التفهيم لأوائل صناعة التنجيم"، وهو كتاب مشهور في صنعة التنجيم وادعاء علم الغيب، وكتاب "القانون المسعودي في الهيئة والنجوم"، وغيرهما [انظر: الأنساب (1/ 429). معجم الأدباء (5/ 122). الوافي بالوفيات (8/ 91). عيون الأنباء في طبقات الأطباء (459). تاريخ الإسلام (29/ 314)].

 

كما كان هناك عدد كبير ممن اعتنى بدراسة علم الفلك والهيئة ممن ينتسب إلى ملة الإسلام، ولم يظهروا القول بالدوران، وذلك خوفاً من اتهامهم بالزندقة ومخالفة الكتاب، كما روَّج بعضهم لهذا العلم من جهة خدمته لبعض الحرف والصناعات، مثل الزراعة والملاحة، ومعرفة أوقات العبادات، وغير ذلك [انظر: "تاريخ علم الفلك" تأليف فرديناند هوفر ص (269)].

• وبعد هؤلاء الملاحدة من أهل ملة الإسلام: أخذ الرايةَ منهم هراطقةُ النصارى.

 

• فكان رائدهم نيكولا كوبرنيك (1473-1543م)، فيلسوف بولندي، درس اللاهوت، والقانون، والطب، والفلك، والرياضيات، والفيزياء، تأثر بنظرية فيثاغورس وأفكار مدرسته، كما تلقى تعليمه في بادوا وبولونيا، وعُيِّن كاهناً، يشير كتاب حركة الأجرام السماوية إلى أن مؤلفه قرأ معظم ما ألِّف في الفلك، لا سيما ما نسب إلى فيلولاوس وهيسيتاس وهيراقليدس وأريستارخوس وبلوتارخ وآتيوس، واطلع على ملاحظات الطوسي وابن الشاطر، وبناءً عليها ألَّف كتاب "حركة الأجرام السماوية"، واعتمد فيه على نفس فرضيات أرسطو وبطليموس مثل المدارات الدائرية، والحركة الثابتة للأجرام، وفكرة الدحروج والناقل، ولم يأت بجديد على كتاب المجسطي سوى أن وضع الشمس في المركز، وعدل الهيئة بناء على ذلك، وتخلص من الدحروج والناقل بنقل الحركة إلى الأرض، فهذا النموذج الجديد للسماوات لا يقل تعقيداً عن نموذج بطليموس، بل ولا يقل عنه أخطاءً، وقد نسب تأليف هذا الكتاب إلى كوبرنيك.

[اختلاف المنظر النجمي. هيرشفيلد. ص (75)]

[The Life of Copernicus (1473-1543): the man who did not change the world By Pierre Gassendi, Olivier Thill Published by Xulon Press, 2002[ص (109-113)]

[The Astronomical revolution : Cprenicus – Kepler - Borelli / Alexandre Koyre; trd by R. E. W. Maddison. – Herman : Paris , Methuen : London , Cornell University Press : New York]

 

في منظومة كوبرنيك الجديدة نحتاج إلى (34) دائرة ضرورية لتفسير حركة الأجرام السماوية، في مقابل (55) دائرة طرحها أرسطو في كتابه "ما وراء الطبيعة" Metaphysics,XII,8 ، ومع ذلك فإننا في الحقيقة لم نستفد كثيراً من المنظومة الجديدة المقترحة من قبل كوبرنيك في حساب حركة الكواكب، فإنها ليست أقل تعقيداً من سابقتها، ولا أبسط منها بشكل ملحوظ.

فلو أن رياضياً حاذقاً حاول أن يعقد مقارنة حسابية بين النظامين فلن يجد الفرق واضحاً، إن Otto Neugebauer صرح ب: "إن عدد الخطوات لحساب مواقع الكواكب هو نفسه في النظامين".

 

يقول Owen Gingerich وهو يعبر عن أسفه -وهو في ذلك يتفق مع Otto Neugebaner في وجهة نظره-: "إن هذه الأسطورة تدعي بأن القول بفرضية مركزية الشمس سوف يؤدي إلى خفض عدد الدوائر بشكل كبير، وأن حركة الأرض كان ثمناً مقبولاً لدفعه مقابل هذا التبسيط، في هذه الأسطورة ليس هناك حقيقة, إن كل جزء من تفاصيل نظام كوبرنيك له نفس تعقيد نظام بطلميوس [...]، ومن المحزن! أن هذه الأسطورة سوف تدوم بلا ريب -مما يعتبر مخجلاً- لأنها تقدم حافزا لما يعتبر في الواقع واحدة من أكبر القفزات التي عرفت في تاريخ العلم".

[The Life of Copernicus (1473-1543): the man who did not change the world By Pierre Gassendi, Olivier Thill Published by Xulon Press, 2002[ص (135-137)]

 

يشرح ألكسندر كوير في كتابه الثورة الفلكية ص(55) مبيناً أن الجدال بين كوبرنيك والمدافعين عن الكون التقليدي كان مثيراً للفضول:

حيث إن الاعتراض الأساسي لكوبرنيك على مركزية الأرض يتلخص حول هذا الطرح: كيف يدور الكل حول الجزء؟ وهو نفس اعتراض نيوتن، حيث قال: كيف يمكن إعطاء الحركة للكون الغير متناهي في الكبر، ليدور حول حبة متناهية في الصغير؟!

 

وأما المدافعين عن الكون التقليدي فيرون أن كوبرنيك أتى بهذه الفكرة من خلال عكس حجة أرسطو، حيث يرى أرسطو أن الكون له نهاية وحد يحده، كما أنه ليس بشديد الاتساع، فهو عالم متناهي قابل للقياس، إضافة إلى الاختلاف النوعي بين الأرض والسماء، فالأرض ثقيلة وثابتة، بينما السماء وما فيها من سيارات فتفتقر إلى هذا الثقل.

ومن ثم فكيف يمكن إعطاء الأرض الثقيلة المتمركزة في مركز الكون حركة مدارية حول مركز الكون، بينما السيارات السماوية ليس لها هذا الثقل، فحركتها حول الأرض المركزية لا إشكال فيه.

 

وما كان على كوبرنيك وبكل بساطة إلا أن يرد هذه الحقيقة، بدعوى أن كل جسم سماوي له مركز ثقل يخصه، ويقول: "إنني أعتبر أن الجاذبية ليست شيئاً أكثر من كونها رغبة طبيعية استمدت من قبل مهندس الكون لتجعل كل مكونات الأجرام تتجاذب لتشكل كرات، ونحن نعتقد بأن هذه الخاصية متقاسمة من قبل الشمس والقمر وباقي النجوم ...".

 

إن هذه الرغبة الطبيعية للأشياء لتتجمع مع بعضها وتكون الأجرام يمثل بعثاً لعقيدة إمبيدوكليس Empedocles أو أفلاطون، نعم! هذه الفكرة مختلفة جداً عن فكرة الجاذبية الكونية السائدة اليوم، ومع ذلك فهي الفكرة التي فتحت الطريق لفكرة الجاذبية الكونية التي قال بها نيوتن، إلى جانب ذلك فهي تحتوي على نقض ضمني لفكرة المكان الطبيعي للأرض، وهي الخطوة الأولى لهندسة الفضاء، وهي أحد أسس الفيزياء الحديثة.

 

كما يبين ألكسندر ص(57) بأن كوبرنيك كان أول من فتح الطريق لعرض أفكار جديدة، وبذلك يكون قد سبق من نسبت إليهم هذه النظريات أمثال جيوردانو برونو وجاليليو وديكارت ونيوتن وغيرهم، وكان يقول بأن القوانين الطبيعية التي تحكم الأرض هي نفسها القوانين التي تحكم السماء، ومن ثم كان في ذلك ما مهد الطريق لجاليليو ليبحث في قوانين الديناميكا ومن ثم لتطبيقها على حركة الأجرام السماوية.

[The Astronomical revolution : Cprenicus – Kepler - Borelli / Alexandre Koyre; trd by R. E. W. Maddison. – Herman : Paris , Methuen : London , Cornell University Press : New York]

 

لم يكن كوبرنيك فلكياً بالمعنى الحرفي أو المهني، فإنه لم يزاول مهنة الفلك، ولم يكن صاحب مشاهدات وملاحظات كما كان لخلفه كبلر، بل لم يكن مكتشفاً لعلم فلك جديد مبني على مشاهدات وملاحظات فلكية، ولكنه كما يصفه بعض أبناء جلدته: كان باعثاً للمعرفة القديمة، محيياً للمدرسة الفيثاغورية الوثنية، لذلك فإن كبلر كان يرى بأن فيثاغورس هو الأب الروحي للأفكار الكوبرنيكية، ويقول في وصف منظومة كوبرنيك الجديدة: "أغنية جديدة، ولكن بلحن قديم، وصورة مجددة لقيثارة الفلسفة الساموسية"، وذلك لأن فيثاغورس كان من بلدة ساموس.

لقد كان لدى كوبرنيك بعض الخيارات في اختيار هيئة فلكية جديدة، لكنه آثر اختيار هيئة فيثاغورس الفلكية اعترافاً منه له بالجميل، والتزاماً منه لعقيدة فيثاغورس الوثنية السرية، والتي تعتبر حركة الأرض جزء منها.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه: أليس الإنسان وليد بيئته، وأسير نشأته، وحبيس ثقافة قرنه؟ إن الأفكار الفلكية السائدة في عصر كوبرنيك لم تكن لتعطيه هذه الفكرة التي خرج بها على بني جلدته، وبرع بها على فلكيي زمانه، لو أنه كفلكي كبقية فلكيي عصره تدرب على يد هؤلاء الفلكيين لما كان له إلا أن يأتي بتطوير ولو بسيط لنظرية بطليموس أو نظرية تايكو براهي، لماذا أتى كوبرنيك بهذه النقلة البعيدة، السحيقة في التأريخ، بل وفي الطرائق الفلكية المتبعة، لماذا تخطى كل هذه الأطر الفكرية والعلمية إلى هذه العقيدة الوثنية الفيثاغورية البائدة، لكي يحييها من جديد، ويعيد بعثها من عفن الوثنيات اليونانية القديمة، هكذا بلا اتصال فكري ولا عقدي بهذه الحقبة التأريخية التي يعيشها كوبرنيك!!!.

 

ولقد حاول كوبرنيك أن يخفي باعثه الحقيقي لبعث هذه الفكرة الوثنية المحضة، وذلك لكي تلقى هذه الفكرة قبولاً في أوساط الأوربيين النصارى، فكساها بكساء العلم، وألبسها ثوب الرياضيات والفلك، ولكنه مع ذلك فضح نفسه في مقدمة كتابه، حيث يقول: "فيلولاوس يعتقد حركة الأرض, ..., وأرستارخوس الساموسي يعتقد نفس الاعتقاد كما يقول بعض الكُتَّاب، ولكن هذا الاعتقاد غير معلل ببراهين، وهذه المعتقدات ذكرت عن طريق أرسطو وهو نفسه أول من دحضها, ولكن فكرة حركة الأرض لا يفهمها إلا من هو فائق الذكاء وحافظ للعلم"، هذه الفقرة كانت متبوعة بترجمة لرسالة إغريقية من ليسز إلى هيبارخوس، سيأتي الحديث عنها لاحقاً، هذه الإشارة لم تظهر في الطبعات الأربع الأولى (1543، 1566، 1617، 1854)، ومن المفترض أن يكون كوبرنيك هو الذي قام بحذف هذه الصفحة من رسالة ليسز والتي لم تكن متلائمة مع كتابه الذي صنفه ليكون كتاب فلك ورياضيات.

 

ويكفي في معرفة حقيقة شخصية كوبرنيك الدينية أن يكون تلميذاً لبيترو بومبونازي Pietro Pomponazzi الفينيسي الخبيث الذي سيأتي ذكره فيما بعد، والذي كان من ألد أعداء الكنيسة الكاثوليكية، وكان يسفه النصرانية علناً، ولا أستبعد أن يكون بومبونازي هو أحد محركي كوبرنيك، وباعثي الأفكار الوثنية في خباياه.

 

كما أن أستاذه نوفارا الذي يقال بأنه أخذ عنه علم الفلك، كان أحد أنصار الفيثاغورية ودعاتها المخلصين لها.

[The Life of Copernicus (1473-1543): the man who did not change the world By Pierre Gassendi, Olivier Thill Published by Xulon Press, 2002[ص (113و204)]

[The Astronomical revolution : Cprenicus – Kepler - Borelli / Alexandre Koyre; trd by R. E. W. Maddison. – Herman : Paris , Methuen : London , Cornell University Press : New York] [ص (22-24)]

 

انتهى من تأليفه سنة (1530)، لكنه لم ينشره خوفاً من الكنيسة زعموا !!!، إن ما أشيع عن تردده في نشر كتابه حركة القباب والذي كان يعزى عادة إلى خوفه من ردة فعل الكنيسة لم يكن له نصيب من المصداقية، بقدر ما كان من باب ذر الرماد في العيون، فإن فكرة التسلط الكهنوتي يصعب الأخذ بها إذا ما نظرنا إلى الدعم البابوي لصالحه، ففي سنة 1536 قام البابا بول الثالث بتشجيع كوبرنيك من خلال الكاردينال Von Schonberg الذي نجد مراسلاته ضمن الطبعة الأولى لكتاب حركة الأفلاك، لم يكن كوبرنيك خجولاً ولا انطوائياً، بل كان عدوانياً ينظر إلى أنداده نظرة احتقار وازدراء، كما وصفه بذلك تلميذه ريتيكوس.

Copernicus' Relation to Aristarchus and Pythagoras Author(s): Thomas W. Africa Source: Isis, Vol. 52, No. 3, (Sep., 1961), pp. 403-409

[Published by: The University of Chicago Press on behalf of The History of Science Society

 

أذن كوبرنيك بطباعة الكتاب ونشره قبل موته، فوصلته نسخة منه وهو على فراش الموت سنة (1543)، فقرأه ولفظ أنفاسه من يومه، وقد حاول جاهداً إثبات نظريته تلك، بذكر بعض الدلائل النظرية الفكرية والتي لا تمت بصلة إلى علم الفلك الذي يعتمد على تفسير المشاهدات وتدوين الملاحظات، إن أهم عبارة له في هذا الكتاب والتي تنم عن معتقده الخبيث، هي قوله: "القمر يدور حول الأرض، والشمس تحتل مركز العالم الذي تنيره وتحكمه" وكأنه كاهن من كهنة معبد آمون، عبدة الشمس، وكأن الكون كله يستمد حركته وحياته من هذه الشمس، ويقول أيضاً: "الشمس تتربع على العرش متوسطة كل شيء، في هذا المعبد المتفوق الرائع، أين يمكن وضع هذا النجم الساطع في مكان يمكنه من خلاله أن ينير الكل في وقت واحد؟، إنه يُدعى بحق: المصباح، السراج، العقل، والحاكم لهذا الكون"، وفي هذا المعنى يقول جيمس آر فويلكل في كتابه "يوهانز كبلر وعلم الفلك الجديد" ص (27): "فقد كان للنظام الكوبرنيكوسي مغزى دينياً أكثر اتساعاً، فالكون كما كان يراه لم يكن سوى صورة الله الخالق، والشمس وهي الجرم الأكثر تألقاً كانت متوضعة في المركز حيث كانت توزع النور والحرارة والحركة على الكواكب، فقد كانت تمثل الله مالك الملك، وفي أقصى حدود هذا النظام تتواجد النجوم، وهي تتواجد فوق قبة سماوية ثابتة وهو أكمل الأشكال الهندسية، ومركزها الشمس، التي أحاطت بالكون وحددت اتساعه، فهو وجه آخر من وجوه رب العالمين. ...، إن فترة دوران الكواكب وأبعادها كان لها معنى في الترتيبات الخاصة بكوبرنيكوس، فكلما كانت الكواكب أقرب إلى الشمس مصدر التغيير والحركة كلما ازدادت سرعة دورانها حولها".

 

ويقول ألكسندر كوير في كتابه الثورة الفلكية ص(65): "قد أكون مخطئاً عندما أقول بأن هذا كل شيء بالنسبة للدور الذي يعطيه كوبرنيك للشمس؛ حين نحصر هذا الدور حرفياً بالقول بأنها تعطي النور للكون، إن هذا القول ذو أهمية قصوى بالنسبة لكوبرنيك، إن هذا الدور هو ما يمكِّن الشمس من الحصول على مكانها في الكون، وهو المكان المركزي.

 

الشمس توجد في مركز الكون لكي تمده بالنور، ومن ثم بالحركة والحياة، حيث إن المركز هو أنسب مكان للقيام بهذا الدور، في الواقع، في هذا المعبد المنير (الكون) ينبغي أن توضع هذه الإضاءة في أفضل مكان بحيث يمكنها من خلاله إضاءة الكل مرة واحدة؛ البعض يكون محقاً في تسميتها العقل المدبر، والحاكم للكون، هرمس سماها الرب المرئي، وسوفوكليس في إلكترا سماها التي ترى الجميع.

 

إذاً الشمس متربعة على عرشها (مملكتها) تضبط عائلة الأجرام السماوية المحيطة بها، هنا نجد الباعث -الباعث الحقيقي- الذي تجلى لعقل وروح كوبرنيك، إنه لم يكن باعثاً علمياً محضاً، إنه أكثر من ذلك بكثير.

 

إن التقاليد القديمة وخاصة التي تخص ميتافيزيقية الضوء، والتي كانت تدرس خلال العصور الوسطى، والتي رافقت دراسة البصريات: رسائل أفلاطون، والأفلاطنيون الجدد، وبعث الفيثاغوريين الجدد: يرون أن الشمس تمثل الشمس المخفية، الشمس هي المعلم، والملك للعالم المرئي، وبالتالي فهي رمز الإله، هذا التصور هو الذي عبر عنه تماماً مارسيليو فيسينو Marsilio Ficino في تسبيحه للشمس.

 

هذه الموروثات وحدها كانت قادرة على أن تفسر العاطفة التي يتحدث بها كوبرنيك عن الشمس، إنه يعشقها، وفي الغالب فهو يؤلهها".

[The Astronomical revolution : Cprenicus – Kepler - Borelli / Alexandre Koyre; trd by R. E. W. Maddison. – Herman : Paris , Methuen : London , Cornell University Press : New York]

 

بل ذهب بعضهم إلى أبعد من هذا، وأبى إلا أن يكشف عن حقيقة هؤلاء، مفتخراً بهم وبمآثرهم في التمهيد لبعث الوثنية بثوب جديد؛ إذ يقول فرديناند هوفر في كتابه "تاريخ علم الفلك" ص (211) : "أخيراً بعد قرون من النسيان والتجاهل، الكاردينال نيكولا دي كوسا -أحد كاردينالات الكنيسة- يعيد فكرة دوران الأرض لمسرح الأحداث، في نفس وقت اختراع المطبعة، وقريباً كوبرنيك سيقوم كما سنرى فيما سيأتي بنصر الفكرة الوثنية وبصفة نهائية"، وقد كرر هذا المعنى في أكثر من موضع من كتابه، مؤكداً كون القول بدوران الأرض حول الشمس هو عقيدة وثنية يجب نصرتها، انظر مثلاً نفس المصدر ص (237و303).

(HISTOIRE DE L' ASTRONOMIE par FERDINAND HOEFER - PARIS 1873)

 

من الواضح أن كوبرنيك كان قد تلقى تعاليم سرية عن عقائد أولئك الوثنيين، ولا يبعد أن يكون معلمه الفلكي الأول في فينسيا هو الذي أثر فيه وحوله من الكاثوليكية إلى الوثنية، ومن يومها بدأ كوبرنيك رحلته مع الفلك والوثنية، إن هذه الرسالة التي كتبها كوبرنيك في أول كتابه، ثم حُذفت بعد ذلك، لتلقي بظلالها على وثنية كوبرنيك، وعلاقته الآثمة بعقيدة الفيثاغوريين، إن قيام ليسز [TarasLysis of توفي حوالي سنة (390) قبل الميلاد] بطرد هيبارخوس HIPPARCHUS من الأخوية الفيثاغورية بسبب قيام الأخير بنشر تعاليم فيثاغورس السرية، وإذاعتها بين العامة، ووصفه في ذلك بمن يسكب الماء النقي في مستنقع قاذورات، فهو يشوش الوحل الآسن ويفسد الماء ويلوثه، فهذه الرسالة لمن أكبر الدلائل على أن كوبرنيك كان يحمل هذه التعاليم، ولم يكن يمكنه البوح بها، لذا أحب أن يشير إلى هذا المعنى الذي لا يفهمه إلا من له اطلاع على أسرارهم، ففي مخطوطة "حركة القباب" بكل صراحة أعلن كوبرنيك إيمانه بالفيثاغورية كمذهب يعتنقه ولكنه قام بحذف الفقرة (I, xi, finis) من الطبعة الأولى، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما علاقة رسالة ليسز هذه بعلم الفلك؟ ما علاقة أسرار وثنية فيثاغورس بحركة الأجرام السماوية؟.

 

وهذا هو نفس المسلك الذي سلكه كبلر في رسالته إلى جاليليو حيث ذكَّره بحكم معلميهم الحقيقيين أفلاطون وفيثاغورس للحيلولة دون التهور وعرض الحقيقة على العوام.

Copernicus' Relation to Aristarchus and Pythagoras  Author(s): Thomas W. Africa Source: Isis, Vol. 52, No. 3, (Sep., 1961), pp. 403-409

[Published by: The University of Chicago Press on behalf of The History of Science Society

[J. Kepler, letter to Galileo, 13 October 1597, Gesammelte Werke, XIII, 145]

 

ومن أكبر الدلائل على ارتباطه الوثيق بهذه الجمعية السرية الوثنية ما ثبت ضده من علاقته الآثمة بامرأة كانت تعمل في سلك الكنيسة، وكان عمره آنذاك (65) سنة، وبالتحديد فيما بين سنة (1538-1539)، فقد أقام الأسقف جوهانز دانتيسكوس عليه دعوى بإقامة علاقة آثمة بمدبرة المنزل لديه، وأنه اتخذها خدينة، وأمره بطردها، وحرض عليه وأثار ضده القانون الكنسي لعقوبته، لكن وفجأة تم إسقاط هذه التهمة عنه، وكأنها لم تكن، فنجا من العقوبة الكنسية.

 

فلماذا وهو شيخ كبير في الخامسة والستين من عمره، لا سيما وصُحبته التي كان على علاقة وطيدة بها كانت من هذا الطراز الذي لا يبالي بما يأتي من المنكرات والفواحش بشتى أنواعها، وتمرغهم في أوحال الفاحشة، والاستمتاع المحرم، أفينجو من ذلك صاحبهم الملازم لهم كوبرنيك؟!، مع العلم بأن الكاهن الكنسي يحرم عليه الزواج فضلاً عن الزنا، يبدو أن الكنيسة قد ضاقت ذرعاً من سمعته السيئة، مع كونه كان محمياً من قبل دوق بروسيا ألبرت، لكن ذلك لم يمنع الكنيسة من أن ترميه صراحة بالزنا، وتحاول إنزال العقوبة به؛ إلا أن هناك من تدخل لصالح كوبرنيك، فقام بإغلاق هذا الملف، وإخفائه تماماً، ولذلك فإن أغلب من ترجم لكوبرنيك لم يذكر له هذه الجريمة النكراء، والتي تؤكد كما قلت على اتصاله بهذه الجمعية الوثنية، والتي تعتبر الاتصال المحرم بالأنثى من ضمن طقوسها الوثنية التعبدية.

يذكر المؤرخون أنه في سنة (1531) أرسل رئيس الأبرشية Maurice Ferber رسالة - فقدت الآن - لكوبرنيك يوبخه فيها على استقباله نساء في بيته، وكانت خطيئته الوحيدة بأن سمح لامرأتين غريبتين بقضاء الليل لديه في المنزل ...

وفي 2 ديسمبر (1538) كتب كوبرنيك رسالة لإجابة رئيس أبرشيته Johannes Dantiscus الذي طلب من كوبرنيك استبدال قيمة منزله، ولقد قيل بأن إما رئيس الأبرشية Ferber أو Dantiscus سقطوا في حب امرأة فضلت معاشرة كوبرنيك، وهي قيمة منزله.

 

وفي 11 يناير (1539) كتب كوبرنيك رسالة ثانية إلى رئيسه ليخبره بأنه جلب قيمة جديدة لمنزله، وفي نفس الوقت تم اتهام راهبين آخرين leonard Niederhoff و Alexander Sculteti تلقوا رسائل تتهمهم بعلاقات مشبوهة، وهذان الرهبان صديقان لكوبرنيك، وقد وشى بهؤلاء الثلاثة الراهب Felix Reich الذي توفي في مارس (1539).

 

وفي 16 مارس (1539) أرسل Giese رسالة إلى Dantiscus يرجوه فيها بأن يوقف التتبع القضائي للرهبان الثلاثة، وقد كان رئيس الأبرشية رحيما بكوبرنيك و Niederhoff.

[The Life of Copernicus (1473-1543): the man who did not change the world By Pierre Gassendi, Olivier Thill Published by Xulon Press, 2002[ص (232-234)]

 

كان لكوبرنيك علاقة وطيدة بدوق بروسيا ألبرت [Albert, von Hohenzollern (1490-1568)]، والذي عُيِّن كاهناً في سن السادسة عشرة، وعُيِّن المعلم الأكبر لفرسان المستشفى بعد هزيمة الفرسان في بولندا، وفي سنة (1521) قام بحل فرسان المستشفى، وفي سنة (1525) قام بتحويل بروسيا إلى دوقية وكان أول دوق لها. وفي سنة (1544) أسس جامعة Koenigsberg، مات بداء السيفليس (الزهري- مرض منقول جنسياً).

 

كان لاشتهار كوبرنيك بمهارته في الطب السبب الرئيس لزيارة ألبرت دوق بروسيا لمداواة مساعده، ومن ثم بدأت بينهما مع الزمن علاقة حميمة، كان لألبرت مغامرات مسائية نسائية عاهرة، كان ألبرت متحرراً من كل القيود الأخلاقية، خرق كل العهود الكنسية، وخاض حروباً ضد سلطة الكنيسة حتى استطاع أن يتحرر تماماً من كل معاني الدين، وجمع حوله حاشية من الفسقة والهراطقة والوثنيين والإباحيين، فكان منهم: كوبرنيك.

 

كان لكوبرنيك خلال مدة حياته لقاء بعدد من الشخصيات التي أثرت فيه، فبالإضافة إلى من سبق ذكرهم، مثل: بيترو بومبونازي، ونوفارا، وألبرت دوق بروسيا:

فإن عائلة كوبرنيك كان لها ماضٍ معادٍ للكنيسة الكاثوليكية، وحينما نتكلم في هذا البحث عن عداوة الكنيسة الكاثوليكية فإنما نذكر ذلك على سبيل الذم لا المدح، فإن الفئة التي كانت تحارب الكنيسة الكاثوليكية ومعتقداتها في ذلك الحين كانت في الحقيقة تحارب كل ما نزل من السماء، وتحاول أن تبعث من جديد هاتيك العقائد الوثنية اليونانية بما فيها من أساطير وخرافات، وبكل ما تمتد به الجذور الوثنية في التأريخ البابلي والفرعوني والهندي والفارسي وغير ذلك من وثنيات قديمة بادت وباد أهلها، واندثرت آثارها، وانمحت أطلالها، لكن يأبى من حاد الله ورسله على مر التأريخ إلا أن يحاولوا بعث هذه الوثنيات البالية حينما يضعف دعاة التوحيد، ويدخل فيهم الوهن، من حب الدنيا والتنافس عليها، ومن طاعة الشيطان، والبعد عن آثار الرسل، وما بعثوا به من التوحيد الخالص، وتسلل مظاهر الشرك وعقائده إليهم، حينئذ يسهل على دعاة الوثنية أن يعودوا إلى الظهور من جديد، ومحاولة تأصيل عقائدهم، وبثها في ضعاف النفوس والإيمان، ليتسللوا من خلالهم إلى المجتمعات البشرية التي آمنت بالرسل، ثم الطعن في عقائدهم بشكل خفي، وطرق ملتوية، لا يعرفها أكثر الناس.

 

إن عائلة كوبرنيك كما نبهت كانت معادية للكنيسة الكاثوليكية، ومن ثم نشأ كوبرنيك وهو يحمل في طيات نفسه روحاً تكره كل ما تدعو إليه الكنيسة من خير وشر، من توحيد وشرك، لقد عاد وجه الكنيسة أقبح الوجوه إلى تلك الفئة الشريرة، التي تريد محو الكنيسة من الوجود، ليخلو لهم الجو حتى لا يقال في الأرض: الله الله.

 

وممن التقى بهم كوبرنيك أثناء صحبته لألبرت: (Dietrich von Schonberg 1484-1525) لقد كان هذا الشخص راسخ الاعتقاد في علم التنجيم، وكان يشجع على دراسة الرياضيات والفلك، لم يكن لديه أي درجة علمية, ولكنه كان يؤثر في سامعيه, لقد كان مندفعا في ملاحقة النساء بشكل داعر، لقد رافق ألبرت في مغامراته المسائية المتأخرة ولم يكن يتردد في إدخال ثمن العاهرات في حساب مصروفه الشخصي، توفي في سن مبكرة، وله من العمر (41) سنة، ومن المحتمل أن تكون وفاته بسبب مرض الزهري.

[The Life of Copernicus (1473-1543): the man who did not change the world By Pierre Gassendi, Olivier Thill Published by Xulon Press, 2002[انظر ص (54و55و93)]

 

وقد اكتشف ديفيد كينج أن كثيراً من النظريات المنسوبة لكوبرنيك هي للفلكي العربي ابن الشاطر (ت 777هـ، 1375م)، يقول ديفيد كينج: "لقد عثر في بولونيا، موطن كوبرنيك (1473-1543م) على مخطوطات عربية عام (1973م)،وثبت أن كوبرنيك كان يأخذ عنها, ويدعي لنفسه ما يأخذ، ولقد ثبت منذ عام (1950م) أن نظريات كوبرنيك في الفلك هي في أصلها مأخوذة عن ابن الشاطر الفلكي العربي المشهور، وادعاها كوبرنيك لنفسه، وبذلك يكون ابن الشاطر قد سبق كوبرنيك, الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي, بوضع نظريته عن حركة الكواكب, ودورانها حول الشمس، أو ما يسمى الآن بالنظام الشمسي" [العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية (364و422)].

من العجيب أن تفقد كل مراسلات كوبرنيك وكتاباته وترجماته وخرائطه التي رسمها بيده، وغير ذلك من آثاره التي فقدت بالكامل ما عدا كتابه حركة القباب ورسالتين، لماذا تم إخفاء كل آثار كوبرنيك بعد موته، ما السبب الذي دعاهم لذلك يا تُرى؟!!!


يذكر المؤرخون أن شخصاً يدعى JanBrozek أو Joannes Broscius ، وهو أستاذ، وطبيب، ومعلم بلاغة, وكاهن، ومدير جامعة cracow، وله أكثر من 30 عمل فكري، قام في سنة (1612) أو (1618) بالسفر إلى thorun, danzig, warmi ودوقية بروسيا لجمع مذكرات كوبرنيك ومخطوطاته، بغاية كتابة السيرة الذاتية لكوبرنيك، توصل لجمع 20 رسالة من عند Giese تتعلق بكوبرنيك، اثنتان فقط نسختا، و باقي الرسائل ضاعت.

 

ومن العجيب أنه في هذه السنوات كان قد بدأ توجيه أصابع الاتهام إلى جاليليو، فهل ثمة رابط بين عمل هذا الرجل في محو آثار كوبرنيك، وبين محاولة تبرئة جاليليو، ومحو كل دليل يربط بينه وبين كوبرنيك وأعماله؟!

[The Life of Copernicus (1473-1543): the man who did not change the world By Pierre Gassendi, Olivier Thill Published by Xulon Press, 2002[انظر ص (141)]

 

وقد جاء بعد كوبرنيك من رد على تهافته، وأقام الحجج الشرعية من كتاب الله تعالى، أو من الحجج العقلية، مثل ركشيوليP. riccioli [ولد في فرار (1598) وتوفي في بولونيا (1671)]، فتهكموا عليه، واستهزؤوا به، وكذلك شاينر p.scheiner (1575-1650)، وغيرهما كثير، مثل: أنطوان ديوسينج Antoine deusing (1612-1666)، الذي حاول في كتابه أن يبرهن على أن الأرض في مركز الكون، وأن يلغي كل تعقيدات نظام بطليموس، من خلال براهينه الطويلة يستخلص أنه لا ضرورة لتحريك الأرض، ولا لجعل النجوم بهذه المسافات الشاسعة، كتابه بعنوان: Devero Systemate mundi dissertatio mathematica (Amestrdam, 1643)

 

• ثم حمل اللواء بعد كوبرنيك: جيوردانو برونو (1548-1600) الفيلسوف المنسي، واسمه الحقيقي فيليب، لكنه غير اسمه فيما بعد منتحلاً اسم معلمه جيوردانو كريسبو، ولد سنة (1548) في نولا بلدة صغيرة قريبة من نابولي، التحق بالمدرسة في سن (13) في دير القديس دومينيكو، وأصبح خلال بضع سنوات راهباً دومينيكانياً، وفي سن الرابعة عشرة تعلم فن تقوية الذاكرة، عُيِّن راهباً سنة (1574)، وأصبح قارئاً للكتاب المقدس سنة (1575)، لكنه كان كثير الشكوك والتساؤلات تجاه عقيدته الكاثوليكية، وأخرج صورة العذراء من بيته، واتهمها، ونفى التثليث، ونفى الألوهية عن المسيح عليه السلام، وقال بأنه مجرد ساحر ماهر جداً، منكراً بذلك للنبوات، فاتهم بالإلحاد والزندقة، ولما خاف من محاكم التفتيش هرب من الكنيسة، ومن ثم من بلدته، وظل متخفياً في إيطاليا، متنقلاً بين أرجائها. ثم انتقل إلى جنيف والتحق بالإنجيليين الكالفنيين، لكنه طرد فهرب مجدداً سنة (1578).

 

(1578-1583) دخل فرنسا، وكان قد أرسل إليها من قبل الفينيسيين، وتنقل بين مدنها، وألقى بعض المحاضرات، ونشر كتاباً في فن تقوية الذاكرة، وكتباً أخرى، وأعجب به ملك فرنسا هنري الثالث، فاستضافه وحماه لمدة خمس سنوات، ألف عدة كتب، منها كتاب هاجم فيه معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، واتهم النصرانية بأنها غير منطقية على الإطلاق، منافية للعقل، متعارضة مع العلم، مخالفة لبقية الأديان.

سافر إلى إنجلترا سنة (1583) وتعرض لكثير من النقد لمخالفته لأفكار أرسطو، وتأييده لنظرية كوبرنيك، وغيرها من أفكاره الغريبة، انتقل بعدها إلى ألمانيا، ودرس في جامعاتها.

وبعد (14) سنة من التيه خارج وطنه عاد أخيراً إلى إيطاليا، حيث تم استدراجه من قِبَل أحد عملاء محاكم التفتيش، ليعمل أستاذاً للرياضيات في جامعة بادوا، إلا أن جاليليو شغل منصبه، فاتجه إلى فينيسيا وهناك وشى به مضيفه، فتم القبض عليه وأودع السجن، وبدأت بعدئذ محاكمته سنة (1591)، وسُجن وعُذِّب لمدة ثمان سنوات، كان عنيداً رفض التراجع مراراً، بعد ذلك أدين وقُطع لسانه، ثم حُرق بالنار حياً، في ميدان عام.

ولم يكن إدانة الكنيسة له لأفكاره عن الكون فحسب، ولكن أيضاً لأجل كفره بما تدين به الكنيسة.

 

قال في كتابه "حول الكون اللانهائي وعوالمه"، وكذا في بعض محاضراته، بأن هذا الكون ليس له نهاية، ويحتوي على عدد غير متناهٍ من العوالم، كلٌ بشمسه المركزية وكواكبه، وهي جميعاً مسكونة بالكائنات الذكية، وعليه: فإن الله - سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً - والطبيعة شيء واحد، لا ينفصلان ولا يتمايزان في الوجود والكينونة، ومن ثم إذن أين يجب أن تبحث عن الله؟ تجده في القوانين الثابتة للطبيعة، في ضوء الشمس، في كل شيء جميل منبثق من صدر أمنا الأرض، في الضوء المنبعث من النجوم. هكذا قال الملحد، وهذا أحد لوازم هذه النظرية الملحدة، القول بوحدة الوجود.

 

ولا يستبعد أن يكون برونو أخذ هذه الفكرة من نيكولاس دي كوسا (1401-1464م)، وهو كاردينال ألماني، قال بدوران الأرض حول محورها، وأكد عدم وجودها في مركز الكون، واعتقد أن لا حدود للفضاء الخارجي، وأن الكون يخلو من مركز، أو من محيط له، وأن الشمس نجم سماوي يشبه النجوم الكثيرة المنتشرة في الكون، وقد ذهب بعضهم إلى أن أول من أثار هذه المسألة بعد أن أصبحت في طي النسيان إنما هو دي كوسا، يقول فرديناند هوفر في كتابه "تاريخ علم الفلك" ص (211) : "أخيرا بعد قرونمن النسيان والتجاهل، الكاردينال نيكولا دي كوسا -أحد أمراء الكنيسة- يعيد فكرة دوران الأرض لمسرح الأحداث، في نفس وقت اختراع المطبعة، وقريباً كوبرنيكس يقوم كما سنرى فيما سيأتي بنصر الفكرةالوثنية وبصفة نهائية".

(HISTOIRE DE L' ASTRONOMIE par FERDINAND HOEFER - PARIS 1873)

 

وكان مما كتب برونو: أن لا شيء يحدث، ولا شيء يفنى، لكن كل شيء يجدد نفسه، بتغيير أجزائه، أو تعديلها، وتحويلها؛ فسبق بذلك نيوتن.

نفى وجود علو مطلق، أو سفل مطلق، بل موضع الجسم إنما هو بالنسبة إلى غيره من الأجسام.

 

وقال بتناسخ الأرواح، وله فيه كلام طويل، وتأثر كثيراً بفيثاغورس، وهرمس، وكان شغوفاً بالسحر، وهناك من يعتبره مؤسس المادية الحديثة، وقد مهد بأفكاره السقيمة لكبلر وجاليليو [يأتيان]، وسبينوزا اليهودي الهولندي (1634-1677م) صاحب القول بوحدة الوجود في الغرب النصراني، وديكارت الفرنسي (1596-1650م) صاحب مذهب العقلانية والإنسانية، ومع أنه كان سابقاً على كبلر وجاليليو، ومهد لهما، إلا أنهما لم يشيرا إليه في مؤلفاتهما خوفاً على نفوسهما، فقد كان جاليليو بالذات يتميز بدهاء عجيب استطاع به أن ينجو من مصير برونو، إذ لأجل هذا المصير المروع لبرونو تجنب أتباعه - ممن حمل لواء الهرطقة والإلحاد – البوح بمكنونات أنفسهم، أو التصريح بعقائدهم، ومما يدل على تأثر جاليليو ببرونو مسألة سقوط جسم حر على ظهر سفينة، فقد كان برونو هو السابق بهذه الفكرة، فقد ذكرها برونو في كتابه "الأكوان والعوالم الغير متناهية" والذي نشر عام (1584) أي قبل (30) سنة من قول جاليليو بهذه الفكرة.

 

(لتحميل المادة كاملة اضغط: هنا)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لماذا حركوا الأرض؟ (1)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (2)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (4)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (5)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (6)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (7)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (8)
  • تجري بنا وتدور ونراها في سكون
  • مفاتح التأريخ الكوني في القرآن

مختارات من الشبكة

  • لماذا حركوا الأرض؟ (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تدبر معاني حروف الجر في القرآن الكريم (6) (على الأرض / في الأرض)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلام رب الأرض في الأرض(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وصف الأرض في ديوان "طيف أميرة " للشاعر سامي أبو بدر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • آيات وإعجاز (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • آيات الماء في الأرض(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • العلم والأرضون السبع(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)

 


تعليقات الزوار
2- مراجع ابن الشاطر والطوسي
خالد موسى - المملكة العربية السعودية 01-05-2021 04:50 PM

لاحظت أنك ذكرت أن كتب ابن الشاطر التي صرح فيها بحركة الأرض حول الشمس أحدها مفقود والآخر مخطوط فكيف يمكن نسبة هذه الأقوال إليه والمصادر ليست في أيدينا؟

1- مقالات ذات صلة بقضية حركة الأرض
محمد بشير - مصر 27-10-2012 11:30 PM

يعجبني هذا الكلام لكن البيروني لم يقل بدوران الارض وانما قال بأن هذا ممكن ومع هذا رفضه في كتاب ما للهندمن مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة
ومعظم علماء الفلك العظام المسلمين ليسوا بعلم بنصوص الشرع التي يفهم منها حركة الشمس وحال السماء وما فيها كباب التوبة أو البيت المعمور بالارض وما فيها كالكعبة وأرجو أن يطلع القارئ على بعض الصفحات على الشبكة ذات الصلة من إنشائي وفيها معلومات من هنا ومن هناك هي خلاصة بحث بضع سنوات لي ولغيري فيما يلي
(يعتذر الموقع عن نشر روابط المواقع الأخرى)
وهي مدونة: (رابطة القائلين بثبات الارض مع احترام أصحاب الرأي المخالف) فيها مقالات تستوعب معظم أفكاري التي أود إثراء ثقافتكم بها

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب