• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

لماذا حركوا الأرض؟ (1)

ياسر فتحي وحسن علية

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/8/2011 ميلادي - 4/9/1432 هجري

الزيارات: 32551

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لماذا حركوا الأرض؟ (1)


﴿  مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ﴾ [سورة الكهف، الآية (51)]

﴿  الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴾ [سورة محمد]

 

تمهيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ...

 

وبعد:

من المعلوم أن كلمة التوحيد مفتاح الجنة، والمفتاح لا يفتح حتى يكون له أسنان، وأسنان هذا المفتاح هي الشروط السبعة بل الثمانية المعروفة لديكم، ومنها القبول والانقياد؛ القبول المنافي للرد، والانقياد المنافي للترك، ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾ [آل عمران(7)].

 

وموضوع اليوم، هو: مسألة دوران الأرض حول الشمس، أو بلفظ أعم: الهيئة الجديدة للكون، والتي اخترعها الدُّهريون الملاحدة، فالله - عز وجل - ما خلق الخلق إلا ليعبدوه؛ فكان لا بد لهم من مستقر يستقرون عليه؛ لتقع منهم هذه العبادة؛ فلهذا خلق الله الأرض ليسكنها الخلق، ويستقرون عليها، ثم خلق بعد ذلك ما يتمم لهم مصالحهم: من شمس وقمر ونجوم وجبال وشجر ودواب.

 

وأما الدهريون فيدعون كذباً وزوراً: أن هذه الأرض ليست إلا كوكباً ضمن مجموعة شمسية، هذا الكوكب المزعوم يبعد عن الشمس- أمِّها التي خرجت منها- مسافة 93 مليون ميل [150 مليون كم]، وهذه المجموعة الشمسية هي أيضاً واحدة من نحو 100 مليون مجموعة شمسية [شموس تتبعها كواكب]، في المجرة الواحدة التي يزعمون أنا داخلون فيها، ثم هذه المجرة قطرها نحو 100 ألف مليون سنة ضوئية، والسنة الضوئية: مسافة 600 مليون ميل، وهذه المجرة هي واحدة من مائة مليون من هذه المجرات المتناثرة في الفضاء الهائل الذي لا نهاية له، تكاد تكون تائهة فيه، وهذا الذي ادَّعَوا أنهم اكتشفوه هو جانب ضئيل لا يكاد يذكر من بناء الكون - على حد زعمهم-.

ثم هذه الأرض ليست إلا جزءاً من مليون جزء من الشمس، وهذه الشمس هناك ما هو أعظم حجماً منها بمائة مليون مرة.

 

زعموا: أن هذا الكون نشأ منذ بليون بليون سنة، أما الأرض فهي كائن حديث الولادة؛ إذ لم توجد إلا منذ بليونين من السنين، نشأ هذا الكون من السديم [مادة غازية تكثفت] فنشأ منها الشموس، وشمسنا هذه انفصلت عنها كتل ملتهبة صغيرة الحجم، ظلت تدور حول نفسها كأمِّها حتى بردت وتكثفت بعد بلايين السنين، فكان منها هذه الكواكب التسعة، التي منها هذا الكوكب الضئيل، الذي يدعونه بلغتهم  Earth.

وهذه الكواكب التسعة ظلت تدور دورتين: إحداهما: حول نفسها، والأخرى: حول الشمس أمِّهِم، وإلى الآن.

 

ثم لم يكتفوا بذلك حتى أثبت لهم جهلهم: أن هذا الكوكب الأرضي يدور حول نفسه بسرعة ألف ميل في الساعة [30 كم في الدقيقة]، ثم تدور مع هذا حول الشمس بسرعة 67 ألف ميل في الساعة، ثم تركض هي والشمس و المجموعة الشمسية كلها بمعدل 20 ألف ميل في الساعة، مبتعدة نحو برج الجبار في السماء، زعموا!!!.

 

وبمجرد أن بردت الأرض بدأت نظرية دارون الكذاب الخبيث تعمل عملها، حيث اتفقت بعض عناصر الماء والتربة في قاع بعض المحيطات على عقد صفقة جديدة لبناء خلية حية -لم تُعهد من قبل- بدلاً من هذا الفراغ القاتل الذي يعيشون فيه، وتمت الصفقة، ونجحت التجربة التي لا فاعل لها، وبدون إشراف فريق من الباحثين المتخصصين، فخرج هذا الكائن الجديد المدعو: أميبا، ثم أخذ يطور نفسه، ويقاوم الطبيعة القاتلة، حتى تحول مع الأزمان المتطاولة من طور إلى طور، ومن فصيلة إلى فصيلة، إلى أن وصل إنتاجه الأخير إلى الغوريلا، والتي أبت إلا أن تنطق فتقول أنا إنسان، بل حيوان ناطق، وعندئذ وقفت عجلة التطور الكونية العجيبة، فرفض هذا الإنسان أن تأتي عليه عوادي التطور، فأعجبته نفسه، وقال: لا بد أن أوقف هذا التطور الحسي البدني، لكني سأخترع لكم نوعاً آخر من التطور، ما هو يا ترى؟! قال: سأكون إلهاً لهذا الكون! قيل له: اخلق حبة، أو شعيرة، أو ذبابة؟ فصنع لهم السيارة، والطيارة، عندئذ أذعن له عُبَّاد الحضارة، وخروا له سجداً!!!.

 

والتحقيق: إن دارون قد سرق نظريته هذه من فلاسفة اليونان الوثنيين أمثال: ديموقريطس وإمبيدوكليس وأرسطو الذين قالوا بهذه النظرية في نشوء الكون والحياة، بناءً على رؤاهم الوثنية [انظر: قصة الحضارة (7/ 208). قصة الفلسفة (108). كلاهما للمؤلف وول ديورانت]، ثم تلقفها منهم الملاحدة من فلاسفة ملة الإسلام أمثال: أحمد بن سهل البلخي، وقد ذكر ذلك في كتابه البدء والتاريخ [ت (322هـ / 934م)، فيلسوف بلخي مشهور، كان رافضياً منجماً، ممن سلك طريقة أرسطو، وممن عُني بنقل فلسفة اليونان وترجمتها إلى العربية، إبعاداً لهذه الأمة عن النور المنزل عليها من السماء، وإضلالاً لها. الفهرست (198). الملل والنحل للشهرستاني (2/ 158). معجم الأدباء (1/ 354و374). لسان الميزان (1/ 479)]، ثم جاء بعده أبو نصر الفارابي الفيلسوف المشهور، فقال بذلك [ت (339هـ)، وهو الملقب بمعلمهم الثاني، أي بعد معلمهم الأول أرسطو، كان بارعاً في الكلام والمنطق والموسيقى، وكان رأساً في الكفر والإلحاد، وإنكار النبوات والمعاد، والقول بقدم العالم، وقد تخرج بكتبه ابن سينا. درء التعارض (7/ 384). العقيدة الأصفهانية (153و213). الصواعق المرسلة (3/ 838). سير أعلام النبلاء (15/ 416). تاريخ الإسلام (25/ 182). البداية والنهاية (11/ 224). اللسان (3/ 179)]، ثم جاء بعده أحمد بن محمد بن يعقوب الملقب: مسكويه، وقد ذكر ذلك في كتابه تهذيب الأخلاق [ت (421هـ/ 1030م)، كان مجوسياً وأسلم، اشتغل بالفلسفة والكيمياء، وممن سلك طريقة أرسطو، وخدم دولة بني بويه الشيعية. يتيمة الدهر (5/ 115). الملل والنحل للشهرستاني (2/ 158). معجم الأدباء (2/ 3)]، كما قد ذكر إخوان الصفا ذلك في الرسالة العاشرة من رسائلهم [إخوان الصفا: من ملاحدة الشيعة الإسماعيلية، ظهروا في القرن الرابع الهجري، عقائدهم خليط من العقائد الوثنية والمجوسية والإباحية، صنف رسائلهم جماعة في دولة بني بويه ببغداد، وكانوا من الصابئة المتفلسفة المتحنفة، جمعوا بزعمهم بين دين الصابئة المبدلين وبين الحنيفية، وأتوا بكلام المتفلسفة وبأشياء من الشريعة، وفيه من الكفر والجهل شيء كثير، وأتوا فيها بما يخالف دين المسلمين والنصارى واليهود. مجموع فتاوى شيخ الإسلام (4/ 79) و(35/ 134). الموسوعة الميسرة (2/ 950)]، ونُسب هذا القول أيضاً إلى غير هؤلاء ممن اغتر بأقوالهم، وممن نسب إلى العلم الشرعي، ممن ليسوا من أهل التحقيق، الذين ساروا على مناهج المتكلمين المتأثرين بالفلاسفة، فسجلوا ذلك في كتبهم، أمثال: الفخر الرازي وابن خلدون.

 

ثم حمل الرايةَ بعدُ هراطقةُ النصارى الذين نابذوا الكنيسة الكاثوليكية العداء، هدماً لفضائلها، ونبذاً لعقائدها، وبغضاً لما بقي من عبادة الله فيها، أبوا إلا أن يُعبد الوثن وحده، وضاقوا ذرعاً بأن يُعبد الله تعالى حتى ولو مع التثليث، أرادوا بعث الوثنية من جديد، لكن تحت ستار العلم، من أمثال: جورج دي بوفون، وبونيه شارل، ودماييه، وموبرتري، وجان باتيست روبينيه، وجيمس بيرنت، وجد دارون: أرازمس دارون، ولامارك، ثم في الأخير شارلز دارون الذي اشتهرت النظرية بعدُ باسمه، بعد أن سعى لإثباتها بشتى وسائل الخداع والتضليل والتلبيس والكذب المحض، متوشحاً في ذلك بوشاح البحث العلمي النزيه، المتجرد من الإيمان بالله وكتبه ورسله [انظر: قصة الحضارة (37/ 220-255)].

 

• هذه خلاصة المهزلة التي قال بها الدهريون الملاحدة بدعوى البحث العلمي! النـزيه! البريء! بل: المجرد من كل فكر يعتقد بوجود إله خالق مدبر!.

وقد قامت الحضارة الغربية الحديثة على أساس هذه النظرية في الفلك، وكان أول من نُسبت إليه هذه النظرية، وقيل أنه كتب فيها وعارض معتقد النصارى في هذه المسألة، هو: نيكولا كوبرنيك (1473-1543م)، الذي نُسب إليه كتاب "حركة الأجرام السماوية"، محاولاً إثبات هذه النظرية لكنه فشل في ذلك، وأهم عبارة في هذا الكتاب تنم عن معتقد مؤلفه الخبيث، هي قوله: "القمر يدور حول الأرض، والشمس تحتل مركز العالم الذي تنيره وتحكمه" وكأنه كاهن من كهنة معبد آمون، عبدة الشمس، وقد اكتشف ديفيد كينج عام (1970م) أن كثيراً من النظريات المنسوبة لكوبرنيك هي للفلكي العربي ابن الشاطر (ت 777هـ، 1375م)، وبعد ذلك بثلاث سنوات (1973م) عُثر على مخطوطات عربية في بولندا اتضح منها أن كوبرنيك قد اطلع عليها، ثم جاء بعد كوبرنيك من حاول استخدام علم الرياضيات والفيزياء في إثبات هذه النظرية، مثل: جاليليو في إيطاليا (1564-1642م)، وجوهانز كبلر في ألمانيا (1571-1630م)، وإسحاق نيوتن في إنجلترا (1642-1727م)، وكانت معظم النظريات العلمية الرياضية والفيزيائية التي توصلوا إليها تخدم نظرية الدوران، وكأنها من أجلها وضعت، مع أن الناظر إليها يحسب أن الدافع وراء اكتشاف هذه النظريات العلمية إنما هو البحث العلمي النـزيه، وأنه لا علاقة بينها وبين نظرية الدوران، وسوف يأتي الكلام عن هذا الموضوع بالتفصيل في موضعه لاحقاً.

 

ولا بد من لفت نظر القارئ هنا أن من سبق ذكرهم، أو من سيأتي الحديث عنهم، ممن ينتمي لملل أهل الكتب المنزلة من السماء: التوراة والإنجيل والقرآن: أن هؤلاء جميعاً لم يكن ليروج كذبهم ودجلهم على الناس حتى يُظهروا لباس التقوى والدفاع عن العقيدة والإيمان بالله تعالى؛ إذ لو أظهروا إلحادهم لما راجت سلعتهم، ولنبذتهم العامة والخاصة، فكان لا بد من أن يلبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في العقيدة الأصفهانية (153): "وقائل خامس يقول: لست أفعل هذا تقليداً، ولكني قرأت علم الفلسفة، وأدركت حقيقة النبوة، وأن حاصلها يرجع إلى المصلحة والحكمة، وأن المقصود من تعبداتها ضبط عوام الخلق، وتقييدهم عن التقاتل والتنازع والاسترسال في الشهوات، فما أنا من العوام الجهال حتى أدخل في حجر التكليف، وإنما أنا من الحكماء أتبع الحكمة، وأنا بصير بها مستغنٍ فيها عن التقليد.

 

هذا منتهى إيمان من قرأ فلسفة الإلهيين منهم، ويُعلَم ذلك من كتب ابن سينا وأبي نصر الفارابي، وهؤلاء المتجملون منهم بالإسلام، وربما يُرى الواحد منهم يقرأ القرآن، ويحضر الجماعات والصلوات ويعظم الشريعة بلسانه، ولكنه مع ذلك لا يترك شرب الخمر وأنواعاً من الفسق والفجور، وإذا قيل له إن كانت النبوة غير صحيحة فلم تصلي؟ فربما يقول: رياضة الجسد، وعادة البلد، وحفظ الذرية والولد، وربما قال: الشريعة صحيحة والنبوة حق، فيقال له: فلم تشرب الخمر؟ فيقول: إنما نهي عن الخمر لأنها تورث العداوة والبغضاء، وأنا بحكمتي محترز عن ذلك، وإني أقصد به تشحيذ خاطري، حتى أن ابن سينا ذكر في وصية له كتب فيها: أنه عاهد الله تعالى على كذا وكذا، وأن يعظم الأوضاع الشرعية، ولا يقصِّر في العبادات الدينية، ولا يشرب الخمر تلهياً؛ بل تداوياً وتشفياً، وكان منتهى حالته في صفاء الإيمان والتزام العبادات: أن يستثني شرب الخمر لغرض التشفي، فهذا إيمان من يدعي الإيمان منهم".

• وبعد أن فرغنا من هذا العرض السريع والموجز جداً لهذه النظرية الباطلة، نشرع في المقصود، وبالله التوفيق، وهو المستعان، وعليه التكلان.

 

اللوازم

أولاً: لوازم القول بهذه النظرية [والتي يدخل فيها القول بدوران الأرض]:

(1): نفي وجود الخالق - سبحانه وتعالى -، أو الشك في ذلك، أو في أحسن الأحوال: نفي علوه - سبحانه وتعالى - على خلقه؛ فإن القول بفضاء ليس له نهاية، يلزم منه:

أولاً: نفي وجود السماوات السبع المبنية المحيطة بهذا الكون المخلوق.

ثانياً: نفي الكرسي الذي هو فوقها.

ثالثاً: نفي العرش الذي هو فوق الكرسي.

رابعاً: نفي علو الله - سبحانه وتعالى - على خلقه.

خامساً: نفي وجود الملائكة، والذين يعمرون هذه السماوات.

سادساً: نفي وجود الجنة، فإنها فوق السماء السابعة.

 

وكتابات هؤلاء تغص تصريحاً أو تلميحاً بذلك، وسوف أضرب على ذلك مثالاً واحداً ممن اشتغل بعلوم الشريعة:

فهذا سيد قطب لما صدَّق هذه النظرية، وأورد شيئاً منها في تفسيره الموسوم بالظلال، ترتب على ذلك: القول ببعض هذه اللوازم؛ فها هو يقول عند تفسير قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ [البقرة(29)]، قال: "ولا مجال للخوض في معنى الاستواء إلا بأنه رمز للسيطرة، والقصد بإرادة الخلق والتكوين، كذلك لا مجال للخوض في معنى السماوات السبع المقصود هنا" [الظلال (1/ 54)].

وقال في آية الكرسي: "فإذا وسع كرسيه السماوات والأرض؛ فقد وسعها سلطانه، وهذه هي الحقيقة من الناحية الذهنية" إلى أن قال بأنه لم يعثر على أحاديث صحيحة في معنى الكرسي والعرش.

وقال في آيات الاستواء في الأعراف ويونس: "والاستواء على العرش: كناية عن مقام السيطرة العلوية الثابتة الراسخة باللغة التي يفهمها البشر، ويتمثلون بها المعاني على طريقة القرآن في التصوير، كما فصلت هذا في فصل التخييل الحسي والتجسيم من كتاب التصوير الفني في القرآن".

وقال في آية السجدة: "الاستواء على العرش: رمز لاستعلائه على الخلق كله، أما العرش ذاته فلا سبيل إلى قول شيء عنه، ولا بد من الوقوف على لفظه".

 

ففي هذه النقول عن سيد ما يبرهن على أن الرجل قد تأثر كثيراً بهذه النظرية؛ حتى قاده ذلك إلى تأويل الآيات الصريحة في إثبات حقيقة الكرسي والعرش والاستواء والسماوات السبع المبنية، وجعلها رموزاً ترمز إلى معاني فحسب، ولا تدل على إثبات حقائق هذه الأمور فضلاً عن معانيها، كما هو مفصل بأدلته في غير هذا الموضع، وقد تركنا ذكره اختصاراً.

 

ويقول أيضاً في قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [المؤمنون (86)]: "والسماوات السبع قد تكون أفلاكاً سبعة، أو مجموعات نجمية سبعة، أو سدماً سبعة، أو عوالم سبعة، أو أية خلائق فلكية سبعة، والعرش رمز للاستعلاء والهيمنة على الوجود"[الظلال (4/ 2478) وانظر أيضاً: (6/ 3606)].

 

وهذا الشك والتردد والحيرة التي وقع فيها سيد إنما هو بسبب التأويل، والميل إلى تصديق هذه النظرية، وعدم إثبات حقائق ما دل عليه القرآن والسنة:

من أن السماوات السبع قد بناها الله - عز وجل - وسواها في يومين، وأعمرها بالملائكة، وجعل لها أبواباً، لا يُدخل إليها إلا بإذن، ولها حفظة يحفظونها، ولكل منها سكانها الذين يعمرونها من الملائكة والأنبياء كما جاء تفصيله في حديث الإسراء، وجعل الله - عز وجل - السماء الدنيا سقفاً للمخلوقات، وكانت الجن تقعد منها مقاعد لاستراق السمع فمن خطف شيئاً أتبعه شهاب ثاقب يحرقه، وبين السماء الدنيا المبنية وبين سطح الأرض مسيرة 500 عام (9 مليون كم تقريباً).

 

وأما الشك في كونها قد تكون هي عين الأفلاك فهذا باطل محض؛ إذ الأفلاك هي مدارات الشمس والقمر والنجوم والكواكب السيارة وهي كلها واقعة بين السماء الدنيا المبنية والأرض، قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [الأنبياء (33)]، وقال أيضاً: ﴿ لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس (40)].

 

كما أن السماوات ليست - قَطعاً - هي عين المجموعات النجمية، بل النجوم سابحة بين السماء والأرض، مسخرة بأمره سبحانه، قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف (54)] فدلت هذه الآية على أن النجوم غير السماوات، وأنها مسخرة فيها.

وهكذا الرد على بقية تحيراته.

ثم قال سيد في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ [النحل (15)]: "والرواسي: الجبال، ويقول علماء طبقات الأرض: إنها تضاريس في قشرة الكرة الأرضية تنشأ من برودة في جو الأرض، وتجمد الغازات فيه" [الظلال (5/ 2786)].

وهذا مخالف لما دل عليه الدليل؛ فالميد هو: الميل والاضطراب، يعني: لئلا تضطرب بكم، أو كراهة أن تميد بكم [انظر: جامع البيان (7/ 570) و(9/ 22). النهاية (4/ 379). وغيرهما]، وقد روى يزيد بن هارون، وهشيم، عن العوام بن حوشب، عن سليمان بن أبي سليمان، عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما خلق الله - عز وجل - الأرض جعلت تميد؛ فخلق الجبال، فألقاها عليها، فاستقرت، فتعجبت الملائكة من خلق الجبال، فقالت: يا رب! هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم، الحديد. قالت: يا رب! هل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال: نعم، النار. قالت: يا رب! هل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال: نعم، الماء. قالت: يا رب! فهل من خلقك شيء أشد من الماء؟ قال: نعم، الريح. قالت: يا رب! فهل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم يتصدق بيمينه يخفيها من شماله".

أخرجه الترمذي (3369). وأحمد (3/ 124). والضياء في المختارة (6/ 152-154/ 2148-2150). وعبد بن حميد (1215). وبحشل في تاريخ واسط (62). وأبو يعلى (7/ 286/ 4310). وابن أبي حاتم في التفسير (7/ 2218/ 12105) و(9/ 2908/ 16512). وأبو الشيخ في العظمة (875و900). والبيهقي في الشعب (3/ 244/ 3441). وابن الجوزي في المنتظم (1/ 137). والمزي في التهذيب (11/ 443).وغيرهم.

قال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه".

 

قلت: وإسناده ضعيف؛ فإن سليمان بن أبي سليمان، مولى ابن عباس: مجهول، لم يرو عنه سوى العوام بن حوشب [انظر: التهذيب (2/ 96). الميزان (2/ 211)].

وإنما يعرف هذا عن قيس بن عُبَاد نحوه، وقيس: تابعي مخضرم، ثقة.

أخرجه أبو الشيخ في العظمة (876و908) بإسناد فيه ضعف إلى قيس بن عباد.

فلو صح هذا الحديث لكان دليلاً على أن الجبال ألقيت على الأرض من فوقها، وأنها لم تخرج من جوفها كما يقول هؤلاء، لكن الآية تدل على هذا المعنى بدلالة الإشارة، فإن قوله تعالى: ﴿ وَأَلْقَى ﴾ فيه إشارة إلى أنه أنزلها من علو، لا أنه أخرجها من سفل، والله أعلم.

كذلك فإن الجبال لا تنشأ بهذه الطريقة التي ذكرها، والتي تحتاج إلى آلاف أو قل ملايين السنين، وإنما خلقها الله - سبحانه وتعالى - بقدرته وبقوله: كن فيكون، فألقاها على الأرض، وقدر فيها أقواتها في يومين اثنين فقط، قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ﴾ [فصلت (10)]، وسيأتي شرحها في اللازم الخامس.

 

ثم قال سيد عند قوله تعالى: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ [يس (38)]: "تجري فعلاً، تجري في اتجاه واحد، في الفضاء الكوني الهائل، بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلاً في الثانية"، وهذا مخالف لما هو معلوم من كون الشمس تدور حول الأرض، وتشرق وتغرب؛ ففي حديث أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوماً: "أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إن هذه تجري، حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدةً، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعةً من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدةً، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعةً من مطلعها، ثم تجري، لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي، أصبحي طالعةً من مغربك، فتصبح طالعةً من مغربها" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين ﴿ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾". [الأنعام (158)] متفق على صحته [البخاري ( 3199و 4802و 4803و 7424و 7433). مسلم (159)].

 

ففي هذا الحديث الصحيح: إثبات جريان الشمس، ودورانها حول الأرض، وأنها في كل يوم تذهب فتستقر تحت العرش، ثم تخر ساجدة، فتستأذن فيؤذن لها، فتشرق مرة أخرى من المشرق، وهكذا كل يوم حتى لا يؤذن لها، فتصبح طالعةً من المغرب، ففي الحديث إثبات هذه الأفعال للشمس، وأن الله - سبحانه وتعالى - خلق لها نوع إدراك، وأنها مسخرة مأمورة، قال الخطابي في أعلام الحديث (3/ 1893): "لا يُنكَر أن يكون لها استقرار تحت العرش، من حيث لا ندركه ولا نشاهده، وإنما هو خبر عن غيب فلا نكذب ولا نكيفه؛ لأن علمنا لا يحيط به"، وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي (9/ 25): "وقد أنكر قوم من أهل الغفلة - اقتداءً بأهل الإلحاد- سجودها، وهو صحيح جائز ممكن، وتأوله قوم أنه ما هي عليه من التسخير الدائم"، وقال ابن حجر في الفتح (8/ 403): "وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار: وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها، ومقابل الاستقرار: المسير الدائم المعبر عنه بالجري، والله أعلم".

وهذا الحديث من أوضح الأدلة على ثبات الأرض، ودوران الشمس حولها.

 

ومما يؤكد تأثر سيد بهذه النظرية: أنه يستدل ببعض ما جاء فيها ويقرره كلما مر على آية فيها آية كونية فلكية [انظر على سبيل المثال: الظلال (5/ 2969و2977) عند قوله تعالى: ﴿ لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس (40)]، و ﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ ﴾[يس (81)].


وقد أدَّى به تأثره الشديد بهذه النظرية وغيرها إلى عدم إثبات علو الله - سبحانه وتعالى - على خلقه، واستوائه على عرشه فوق السماوات السبع، فها هو يقول عند قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى (51)]: "كيف يكون هذا الاتصال بين الذات الأزلية الأبدية التي ليس لها حيز في المكان، ولا حيز في الزمان، ... إلى أن قال: هذا الوحي الصادر من هناك؛ أأقول: هناك، كلا! إنه ليس هناك: هناك، الصادر من غير مكان ولا زمان ولا حيز ولا حد ولا جهة"[الظلال (5/ 3170)].

 

ومما يؤكد عدم اعتقاده بعلو الله - سبحانه وتعالى - على خلقه، واستوائه على عرشه، تفريغه لآيات إثبات علوه - سبحانه وتعالى - على خلقه من معانيها، إذ يقول عند قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج (4)]: "ولم نكلف أن ندري طبيعة هذه المهام، وكيف يصعد الملائكة، ولا إلى أين يصعدون".

 

(2) اللازم الثاني: تكذيب الله ورسوله:

قال الله - عز وجل - حاكياً كلام إبراهيم عليه السلام وهو يحاج النمرود: ﴿ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة (258)].

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً ﴾ [الكهف (17)].

وقال - سبحانه وتعالى - في قصة ذي القرنين: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ [الكهف (86)]. وقال أيضاً: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْراً ﴾ [الكهف (90)].

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ [يس (38)].

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [الرعد (2). فاطر (13). الزمر (5)].

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ [طه (130)].

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾ [الإسراء (78)].

 

• ففي هذه الآيات وما كان في معناها: نسب الله - عز وجل - وأسند الأفعال إلى الشمس؛ مما يدل على أنها هي التي تدور حول الأرض،؛ ليحدث بدورانها الليل والنهار، والشروق والغروب، فمن قال بخلاف ذلك فقد تقوَّل على الله بغير علم، وتأول ظواهر الكتاب بغير دليل، فيقع بذلك في تكذيب الخلاق العليم الخبير، لأجل تصديق الكافر الظلوم الجهول.

 

ثم إن الله - عز وجل - لما ذكر الأجرام السماوية المتحركة المسخرة لم يُدخل فيها الأرض مما يدل على سكونها؛ قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [الأنبياء (33)]، وكان قال قبل ذلك: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾

فبدأ - سبحانه وتعالى - بالثوابت: الأرض والسماء، ثم عقب بالمتحرك بينهما، وقد أكد ثبات الأرض بأن جعل لها الجبال رواسي كالأوتاد تثبتها حتى لا تميد، أي: تميل أو تضطرب أو تتحرك بدوران وغيره.

 

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ [إبراهيم (33)]، وكان قال قبل ذلك: ﴿ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ{32} ﴾ فبدأ بذكر الثوابت: السماوات والأرض، ثم عقب بذكر المتحركات.

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [لقمان (29)].

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس (40)].

 

ومما جاء في صحيح السنة من ذلك:

(1): حديث جرير بن عبد الله البجلي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا" ثم قرأ: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ [طه (130)].

أخرجه البخاري (554و573و4851و7434و7435و7436). ومسلم (633).

 

(2): حديث أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".

أخرجه البخاري (556و579و580). ومسلم (608).

 

(3): حديث ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب".

أخرجه البخاري (583و3272). ومسلم (829).

 

(4): حديث أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها".

أخرجه البخاري (4635و4636و6506و7121). ومسلم (157).

وغيرها من الأحاديث الصحيحة الكثيرة، والتي يطول حصرها، التي أسند فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - الشروق والغروب وغيرها من الأفعال إلى الشمس، فمن ادعى فيها تأويلاً طالبناه بالدليل من الشرع، لا من كلام الكفار والوثنيين، وإلا كان مكذباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به.

 

(3): اللازم الثالث: رد إجماع المسلمين وأهل الكتاب:

قال عبد القاهر البغدادي الإسفراييني في كتابه الفرق بين الفرق ص (290) في بيان ما اتفق عليه أهل السنة: "وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها، وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها، خلاف قول من زعم من الدهرية: أن الأرض تهوي أبداً ...".

وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً ﴾ [الرعد (3)]: "والذي عليه المسلمون وأهل الكتاب: القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها، وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها"[الجامع لأحكام القرآن (9/ 239)].

 

(4) نفي العلو المطلق والسفل المطلق:

إن القول بأن الأرض ما هي إلا هباءة هائمة سابحة في فضاء مطلق لا نهاية له، تدور فيه حول نفسها، وحول الشمس، والتي بدورها تدور بمجموعتها حول مركز المجرة، أو متجهة نحو برج الجبار المزعوم، يستلزم عدم وجود علو ثابت مطلق، أو سفل ثابت مطلق.

 

وهذا عكس ما يقرره الكتاب والسنة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ إلى أن قال تعالى: ﴿ وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ ﴾ [الرحمن (7و10)]، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾ [الإنسان]، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ [الرعد (2)]، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ﴾ [الغاشية (18)]، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴾ [الطور (5)] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على رفع السماء رفعاً مطلقاً، والدالة على العلو المطلق، ثم الأرض موضوعة سافلة سفلاً مطلقاً، فالله - عز وجل - رفع السماء ووضع الأرض، وجعل كرسيه فوق السماء السابعة، والعرش فوق ذلك كله، وهو - سبحانه وتعالى - عالٍ على جميع خلقه، مستوٍ على عرشه، فأعلى ما في الكون من المخلوقات هو العرش، وأسفل شيء في الكون هو مركز الأرض، وهو الأرض السابعة، والله أعلم.

 

قال شيخ الإسلام [المجموع (6/ 565)]: "إن الأفلاك مستديرة كرية الشكل، وإن الجهة العليا هي جهة المحيط، وهي المحدب، وإن الجهة السفلى هي المركز، وليس للأفلاك إلا جهتان: العلو والسفل فقط، وأما الجهات الست فهي للحيوان، ... إلى أن قال: لكن جهة العلو والسفل للأفلاك لا تتغير، فالمحيط هو العلو، والمركز هو السفل" [وانظر: الرسالة العرشية (6/ 545-601) ضمن المجموع].

 

وقال أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين [ت (438) هـ] في رسالة في إثبات الاستواء والفوقية [مطبوع ضمن الرسائل المنيرية] (1/ 186): "فصل: في تقريب مسألة الفوقية من الأفهام بمعنى من علم الهيئة لمن عرفه: لا ريب أن أهل هذا العلم حكموا بما اقتضته الهندسة، وحكمها صحيح؛ لأنه ببرهان لا يكابر الحس فيه؛ بأن الأرض في جوف العالم العلوي، وأن كرة الأرض في وسط السماء كبطيخة في جوف بطيخة، والسماء محيطة بها من جميع جوانبها، وأن سفل العالم هو جوف كرة الأرض، وهو المركز، ونحن نقول: جوف الأرض السابعة، وهم لا يذكرون: السابعة، لأن الله تعالى أخبرنا عن ذلك، وهم لا يعرفون ذلك، وهذه القاعدة عندهم هي ضرورية لا يكابر الحس فيها: أن المركز هو جوف كرة الأرض، وهو منتهى السفل والتحت، وما دونه لا يسمى تحتاً، بل لا يكون تحتاً، ويكون فوقاً، بحيث لو فرضنا خرق المركز وهو سفل العالم إلى تلك الجهة لكان الخرق إلى جهة فوق، ولو نفذ الخرق جهة السماء من تلك الجهة الأخرى لصعد إلى جهة فوق، ..." إلخ كلامه.

 

(5) تكذيب كل ما أخبر الله - عز وجل - به في آيات سورة فصلت:

مِنْ خلْق الأرض أولاً [يعني: قبل الشمس]، ثم خلقها في يومين [لا في ملايين السنين]، وأن الله - سبحانه وتعالى - ألقى الجبال عليها [لا أنه أخرجها من باطنها]، وتقدير الأقوات في الأرض التي عليها معاش العباد [لا كما يتوهمون من احتمال وجود حياة على كوكب آخر]، وأن الله - سبحانه وتعالى - خلق السماء من بخار الماء الذي تصاعد على وجه الأرض [لا أنه خلق السماوات والكون كله من السديم]، وأنه بعد ما فرغ من بناء الأرض وبناء السماء [الذي ينكرونه] أخرج من كل منهما منافعهما، فأخرج من الأرض ثمارها وأشجارها ونباتها وأنهارها، وأخرج من السماء الشمس والقمر والنجوم [لا كما يدعي خلاف ذلك الدهرية]، وأن السماوات السبع خلقت في يومين [خلافاً لما يقوله الوثنيون بأن الأجرام السماوية نشأت في بلايين السنين]، وأن خلق هذا الكون المحيط بنا إنما تم في ستة أيام فقط [لا في بلايين السنين].

 

قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [أي: يومي الأحد والاثنين] وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا [جعل في الأرض جبالاً ثوابت من فوق الأرض لكي تثبتها وتمنعها من الميل والاضطراب والدوران،كما قال تعالى: ﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾[النحل (15)] ] وَبَارَكَ فِيهَا [أي: في الأرض بما خلق فيها من البحار والأنهار والأشجار والثمار وغير ذلك] وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا [أي: قسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم، فجعل في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى، ليعيش بعضهم على الحبوب، وبعضهم على السمك، وبعضهم على التجارة] فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ [أي: في يومي الثلاثاء والأربعاء، فهما مع الأحد والاثنين أربعة أيام؛ ردَّ الآخر على الأول] سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ [أي: جواباً لمن سأل: في كم خلقت الأرض والأقوات؟ وقيل: للمحتاجين للمعاش والرزق] * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء [أي: عمد وقصد إلى خلق السماء] وَهِيَ دُخَانٌ [هو: بخار الماء] فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً [أي: افعلا ما آمركما، أو أعطيا وأخرجا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد، افعلا ذلك طوعاً؛ وإلا أكرهتكما عليه] قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فأخرجت السماء شمسها وقمرها ونجومها، وأخرجت الأرض شجرها وثمرها ونباتها وأنهارها] * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [أي: أتمهن وأحكمهن وفرغ من خلقهن في يومي الخميس والجمعة] وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً [زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها؛ فمن تأول فيها بغير ذلك: أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف مالا علم له به. قاله قتادة، وعلقه البخاري في صحيحه، بصيغة الجزم، في (59) كتاب بدء الخلق، (3) باب: في النجوم] ذَلِكَ [المذكور، من الأرض وما فيها، والسماء وما فيها] تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الذي بعزته قهر الأشياء ودبرها، وبعلمه خلق المخلوقات وأوجدها] ﴾ فسبحان من يخبر عن خلقه وفعله فيه! أنعرض عن خبره فيما أخبر به عن نفسه سبحانه كيف خلق هذا الكون! وكيف أوجده من عدم! ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك (14)]، ثم نذهب إلى الجهول الظلوم الذي كان غائباً عدماً فنصدقه في ترَّهاته وتخيلاته التي يكسوها زوراً وبهتاناً بثوب البحث العلمي النزيه، قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ﴾ [الكهف (51)].

 

فإن أشكل عليك بعد ذلك قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [النازعات]، ففهمت منه أن الله - سبحانه وتعالى - خلق الأرض بعد خلق السماء وشمسها وقمرها؛ فنقول: ليس الأمر كما فهمت، فإن الله - سبحانه وتعالى - لم يقل: والأرض بعد ذلك خلقها، وإنما قال: ﴿ دَحَاهَا ﴾، ثم فسر الدحي بعد ذلك بقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا ﴾، فظهر بذلك مراد الله - سبحانه وتعالى -، فلا تعارض بين الآيات، ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام (45)].

 

قال ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 15) بعد سرد الآيات من سورة فصلت: "فهذا يدل على أن الأرض خلقت قبل السماء لأنها كالأساس للبناء"، ثم قال بعد سرد الآيات من سورة النازعات (1/ 16): "فقد تمسك بعض الناس بهذه الآية على تقدم خلق السماء على خلق الأرض، فخالفوا صريح الآيتين المتقدمتين، ولم يفهموا هذه الآية الكريمة؛ فإن مقتضى هذه الآية: أن دحي الأرض وإخراج الماء والمرعى منها بالفعل بعد خلق السماء، وقد كان ذلك مقدراً فيها بالقوة، كما قال تعالى: ﴿ وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ﴾ أي: هيأ أماكن الزرع، ومواضع العيون والأنهار، ثم لما أكمل خلق صورة العالم السفلي والعلوي، دحى الأرض فأخرج منها ما كان مودعاً فيها، فخرجت العيون، وجرت الأنهار، ونبت الزرع والثمار، ولهذا فسر الدحي بإخراج الماء والمرعى منها، وإرساء الجبال، فقال: ﴿ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا ﴾.اهـ كلامه.

 

وقد اختلف أهل العلم في مقدار هذه الستة الأيام على قولين: فالجمهور على أنها كأيامنا هذه، ومنهم من قال: إن كل يوم منها كألف سنة مما تعدون [انظر: البداية والنهاية (1/ 15)].

فمن ادعى بعد ذلك: أن هذا الكون خلق في بلايين السنين، أو أن الأرض خلقت في بليونين من السنين، فهو مكذب لصريح القرآن.

وقد روي حديث في تفصيل الخلق يوماً يوماً، خلق الله كذا يوم كذا، وخلق كذا يوم كذا، وقد أعرضت عن ذكره لكونه حديثاً معلولاً، أعله الحفاظ مثل: ابن معين وابن المديني والبخاري والبيهقي وغيرهم. ولا يصح في هذا الباب حديث.

 

(6) تكذيب الخبر في أن بين السماء الدنيا والأرض مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام:

فقد صح عن ابن مسعود - رضي الله عنه -أنه قال: ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه.

ومثل هذا الإخبار عن أمر غيبـي مما لا مجال للرأي فيه؛ فله حكم الرفع، والله أعلم.

وأما حديثا أبي هريرة والعباس بن عبد المطلب فلا يصحان، وفي متنهما نكارة.

 

ومسيرة خمسمائة عام بمسير الإبل المعتاد تعادل تقريباً: (9) تسعة ملايين كم فقط، لا كما يزعمون أن بين الشمس والأرض وحدهما: (150) مائة وخمسون مليون كم، ناهيك عن بقية ملايين الملايين من الأميال بحساب السنين الضوئية في المسافة بين الأرض وأبعد نقطة مكتشفة في الكون، وقد وجدت بعد حساب سريع أن البعد التقريبي بين الأرض وأبعد نقطة مكتشفة في الكون يساوي تقريباً: (60) مليون مليون مليون مليون ميل، وهذا أبعد من الخيال!!!.

بينما قدَّر بعض أهل العلم المسافة الحقيقية بين سطح الأرض ونهاية السماء السابعة بـ (126) مليون كم فقط، والله أعلم.

 

(7) يلزم من هذه النظرية القول بأن الشمس هي المركز بالنسبة للأرض، وذلك مخالف للدليل:

أما الدليل من الكتاب:

قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ﴾ [التكوير (2)]: قال البغوي في تفسيره (4/ 451): " أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض"، مما يعني أن الساقط من السماء إنما يسقط على الأرض، ولو كانت الشمس هي المركز لتساقطت عليها، أو تناثرت في فضائهم الهائل المزعوم.

وقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحج (65)]، فلو لم تكن السماء جِرماً مبنياً لما قيل لها ذلك، من الإمساك والوقوع، فالفضاء المطلق لا يمسك ولا يقع، ولو قدر وقوع السماء المبنية لوقعت على الأرض، مما يدل على أنها هي المركز، والله أعلم.

 

وأما الدليل من السنة:

فقد روى سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن رَصَاصَةً مثل هذه - وأشار إلى مثل الجمجمة- أرسلت من السماء إلى الأرض - وهي مسيرة خمسمائة سنة- لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لصارت أربعين خريفاً الليلَ والنهارَ قبل أن تبلغ أصلها - أو: قعرها -".

أخرجه الترمذي (2588). والحاكم (2/ 438-439). وأحمد (2/ 197). وابنه عبد الله في الزهد (19-20). وابن المبارك في المسند (124). وفي الزهد (290- زوائد نعيم بن حماد). وابن جرير الطبري في تفسيره (29/ 64). والطبراني في الكبير (162) [قطعة من الجزء (13)]. والبيهقي في البعث والنشور (581). والبغوي في شرح السنة (7/ 562/ 4307). وفي التفسير (4/ 389). والمزي في التهذيب (23/ 56).

قال الترمذي: "هذا حديث إسناده حسن صحيح، وسعيد بن يزيد، هو: مصري، وقد روى عنه الليث بن سعد، وغير واحد من الأئمة".

وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". وقال البغوي: "هذا حديث حسن".

 

قلت: عيسى بن هلال الصدفي المصري: روى عنه جماعة من المصريين، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وذكره يعقوب بن سفيان الفسوي في ثقات التابعين من أهل مصر، وقال ابن حجر في التقريب: "صدوق"، فهو كما قال [انظر: الجرح والتعديل (6/ 290). الثقات (5/ 213). المعرفة والتاريخ (2/ 515). التهذيب (3/ 370). التقريب (488)]، وقد سمع من عبد الله بن عمرو [انظر: التاريخ الكبير (6/ 385). مسند أحمد (2/ 223). صحيح ابن حبان (13/ 64/ 5753). المعجم الأوسط (9/ 131/ 9331)].


ودراج أبو السمح: أكثر ما نقم عليه روايته مناكير عن أبي الهيثم، وأنا أميل إلى قول من فصل فيه، راجع ترجمة مفصلة له في كتابي تخريج الذكر والدعاء (1/ 32/ 52)، وهو هنا لا يروي عن أبي الهيثم؛ قال أبو داود: "أحاديثه مستقيمة؛ إلا ما كان عن أبي الهيثم عن أبي سعيد"، وعلى هذا: فإنه هنا: لا بأس به.

وأما سعيد بن يزيد الحميري، القتباني، أبو شجاع الإسكندراني، فهو: ثقة عابد.

وبناءً على ذلك: فهذا إسناد مصري، لا بأس به.


قال الشيخ عبد الله الدويش في المورد الزلال ص (269): "ووجه الاستدلال بهذا الحديث على استقرار الأرض وثباتها: أن الله تعالى جعل الأرض مركزاً للأثقال، ومستقراً لما ينزل من السماء، ولو كانت الأرض تجري وتدور على الشمس - كما زعمه أهل الهيئة الجديدة- لكانت الشمس هي المركز والمستقر للأثقال، وهذا تكذيب لهذا الحديث الصحيح، وفي الحديث دليل آخر على استقرار الأرض وثباتها، وذلك مستفاد من النص على أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة، والنص شامل لوجه الأرض من جميع الجهات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلق ولم يخص جهة منها دون الجهة الأخرى؛ فدل عموم النص على أن المسافة بين السماء والأرض: خمسمائة سنة من كل جهة، وقد قرر الإمام أبو الحسين ابن المنادي: أن بُعد ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد، ووافقه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية وغيره على ذلك، وفي حديث عبد الله بن عمرو الذي ذكرنا دليل لما قالوه". وانظر أيضاً: ص (261).

وممن قال بأن جوف الأرض هو المركز للكون: أبو محمد الجويني، وتقدم نقل كلامه ص (11)، فلينظر.

 

(8): يلزم من هذه النظرية القول بأن الأرض كوكب مثل بقية كواكب المجموعة الشمسية:

حيث إن الجميع قد انفصل عن الشمس أمهم، فتشابهوا في التركيب الجيولوجي، وعناصر التربة، وغير ذلك.

 

وهذا من أبطل الباطل، وبيانه من وجوه عديدة:

منها: أن الأرض خلقت أولاً، لأنها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس، ثم بعده بالسقف، كما قال الله - عز وجل -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ [البقرة (29)]، قاله ابن كثير في تفسيره (4/ 94).

ومنها: أن الله - سبحانه وتعالى - أخرج الشمس والقمر والنجوم والكواكب من السماء، كما تقدم بيانه في اللازم الخامس، فدل ذلك على أن الأجرام السماوية خلقها الله مستقلة بنفسها ولم تتوالد، ولم تنفصل الكواكب من الشمس.

ومنها: أن الله - سبحانه وتعالى - خص الأرض دون غيرها بتهيئتها، وإرساء الجبال عليها لتثبتها، ولئلا تميد بأهلها، وبتقدير الأقوات فيها، وخلق البحار والأنهار والأشجار فيها، وقسم أرزاق العباد فيها، وجعلها صالحة لمعاش العباد، واستقرارهم عليها ليعبدوه سبحانه، قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ﴾ [فصلت (10)]، وليس لغير الأرض من ذلك شيء.

 

فما أصبرهم على النار! لطول سعيهم، وإنفاق أموالهم، في البحث عن مكانٍ صالحٍ للحياة غير الأرض، يفرون إليه إذا قامت الساعة هرباً من الله وعقابه وأليم عذابه، قال الله تعالى: ﴿ أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [البقرة (175)].

 

(9): رمي كتاب الله تعالى بالإيهام والاضطراب:

فيقال لمن يقول بهذه النظرية: هل نزل القرآن مخاطباً الناس بما عهدوه من سكون الأرض واستقرارها؟ أم بتقرير حركتها ودورانها؟

فإن كان الأول؛ فقد سلمتم.

وإن كان الثاني؛ فقد رميتم كتاب الله تعالى بالإيهام والاضطراب؛ حيث لم ينقل إلينا أن الصحابة فمن بعدهم فهموا من آيات الكتاب حركة الأرض ودورانها.

 

(10): رمي صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجهل بما دلت عليه آيات القرآن:

هل أنتم أهدى سبيلاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟

الجواب: لا، فهل نقل عن أحد منهم، فمن بعدهم ممن اتبعهم بإحسان، أنه قال بدوران الأرض حول نفسها، أو حول الشمس، ولو نقل عنهم لما أغفله أئمة المفسرين.

فإن قيل: سكتوا عما لم يعلموا. قيل: أما يسعكم ما وسعهم من السكوت؟ أم أبيتم إلا رميهم بالجهل فيما أولوه، أو أوله التابعون لهم بإحسان من الآيات الدالة على استقرار الأرض وثباتها.

 

(11): مكابرة الحس:

فإن القائل بهذه النظرية مكابر للحس؛ فالإنسان كل يوم يشاهد بعينه الشمس تشرق من جهة المشرق، ثم تظل سائرة في فلك السماء حتى تغرب من جهة المغرب، لا يرتاب في ذلك أحدٌ باقٍ على فطرته، كما أنه يعلم يقيناً أن الأرض التي تحته ثابتة مستقرة، لا تدور ولا تهتز إلا بزلزلة تعتريها عقوبة لأهلها؛ كما قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [النحل (26)]. وانظر كلام أبي محمد الجويني المتقدم ص (11).

 

(لتحميل المادة كاملة اضغط: هنا)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لماذا حركوا الأرض؟ (2)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (3)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (4)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (5)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (6)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (7)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (8)
  • تجري بنا وتدور ونراها في سكون
  • مفاتح التأريخ الكوني في القرآن

مختارات من الشبكة

  • لماذا حركوا الأرض؟ (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لماذا لا أدري لكن لماذا؟(استشارة - الاستشارات)
  • لمـاذا؟!(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • وقفة بين جيلين: سابق بالخيرات وظالم لنفسه (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا أنا دون غيري؟!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ حرك خاتمه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا أغني (قصيدة تفعيلة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • فاقدو الطفولة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • همم وقمم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفة بين جيلين: سابق بالخيرات وظالم لنفسه (2)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب