• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الخلاف في نقض الوضوء من مس الذكر

الشيخ دبيان محمد الدبيان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/7/2011 ميلادي - 19/8/1432 هجري

الزيارات: 171635

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخلاف في نقض الوضوء من مس الذكر


اختلف العلماء في مس الذكر:

فقيل: لا ينقض الوضوء مس الذكر مطلقًا، وهو مذهب الحنفية[1]، واختيار سحنون من المالكية[2].

وقيل: ينقض الوضوء من مسه مطلقًا، وهو اختيار أصبغ بن الفرج من المالكية[3]، ومذهب الشافعية[4]، والحنابلة[5]، إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم؛ فالشافعية يقيدون المس بباطن الكف، فإن مسه بغيره كما لو مسه بظاهر الكف لم ينقض، والحنابلة يعلقون النقض بمسه بالكف، ظاهره وباطنه.

 

وقيل: يستحب الوضوء من مس الذكر، وهو اختيار المغاربة من المالكية[6].

وقيل: إن مسه بشهوة أعاد الوضوء، وهو اختيار جماعة من البغداديين من أصحاب مالك[7].

وقيل: إن مسه بعمد نقض، وإن مسه بغير عمد لم ينقض، اختاره بعض المالكية[8].

 

فهذه خمسة أقوال في نقض الوضوء من مس الذكر، وهاك بيان أدلة كل قول من هذه الأقوال:

دليل من قال بوجوب الوضوء من مس الذكر مطلقًا:

الدليل الأول:

(1058-287) ما رواه مالك، عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: ومن مس الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت هذا، فقال مروان بن الحكم:

أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ))[9].

[إسناده حسن، والحديث صحيح لغيره][10].

 

الدليل الثاني:

(1059-288) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا معلى بن منصور، قال: حدثنا الهيثم بن حميد، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مس فرجه فليتوضأ))[11].

[إسناده منقطع][12].

 

الدليل الثالث:

(1060-289) ما رواه الطبراني في المعجم الصغير، قال: حدثنا أحمد بن عبدالله بن العباس الطائي البغدادي، حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثنا عبدالرحمن بن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبدالملك النوفلي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب، فقد وجب عليه الوضوء)).

قال الطبراني: لم يروه عن نافع إلا عبدالرحمن بن القاسم الفقيه المصري، ولا عن عبدالرحمن إلا أصبغ، تفرد به أحمد بن سعيد[13].

[إسناده حسن][14].

 

الدليل الرابع:

(1061-290) ما رواه أحمد، قال: ثنا عبدالجبار بن محمد (يعني: الخطابي) حدثني بقية، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مس ذكره فليتوضأ، وأي امرأة مست فرجها فلتتوضأ))[15].

[إسناده حسن إن شاء الله تعالى] [16].

 

الدليل الخامس:

(1062-291) ما رواه الشافعي في الأم، قال: أخبرنا عبدالله بن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبدالرحمن، عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبدالله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره، فليتوضأ))[17].

[رفعه منكر، والمعروف أنه مرسل] [18].

 

الدليل السادس:

(1063-292) ما رواه الدارقطني من طريق إسحاق بن محمد الفروي، نا عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مس ذكره، فليتوضأ وضوءه للصلاة))[19].

[إسناده ضعيف] [20].

 

الدليل السابع:

(1064-293) ما رواه ابن ماجه، قال: حدثنا سفيان بن وكيع، ثنا عبدالسلام بن حرب، عن إسحاق بن أبي فروة، عن الزهري، عن عبدالرحمن بن عبد القاري، عن أبي أيوب، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من مس فرجه فليتوضأ))[21].

[إسناده ضعيف] [22].

 

الدليل الثامن:

(1065-294) ما رواه الخطيب في تاريخه من طريق ناجية بن حبان بن بشر، حدثنا عمر بن سعيد بن سنان المنبجي بالمصيصة، قال: حدثنا الضحاك بن حجوة، قال:حدثنا هيثم بن جميل، قال: حدثنا أبو هلال الراسبي، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((من مس ذكره فليتوضأ))[23].

[الحديث ضعيف جدًّا] [24].

 

أدلة من قال: لا يجب الوضوء من مس الذكر مطلقًا:

الدليل الأول:

(1066-295) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ملازم بن عمرو، عن عبدالله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي، قال: خرجنا وفدًا حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبايعناه، وصلينا معه، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله، ما ترى في مس الذكر في الصلاة؟ فقال: ((وهل هو إلا بضعة - أو مضغة - منك))[25].

[إسناده فيه ضعف؛ تفرد به قيس بن طلق، ولم يتابعه عليه أحد] [26].

 

الدليل الثاني على ترك الوضوء من مس الذكر: من النظر:

قالوا: النظر دال على أنه لا يجب الوضوء من مسه، فقد قال ابن عبدالبر: ذكر عبدالرزاق عن الثوري[27]، وأخرجه البيهقي[28] بسنده إلى علي بن المديني، قال: اجتمع سفيان وابن جريج فتذاكرا مس الذكر، فقال ابن جريج: يتوضأ منه، وقال سفيان: لا يتوضأ منه، فقال سفيان: أرأيت لو أن رجلاً أمسك بيده منيًّا، ما كان عليه؟ فقال ابن جريج: يغسل يده. فقال أيهما أكبر المني أو مس الذكر؟ ولفظ عبدالرزاق: أيهما أنجس المني أم الذكر؟ فقال ابن جريج: ما ألقاها على لسانك إلا شيطان.

قال البيهقي: وإنما أراد ابن جريج أن السنة لا تعارض بالقياس. اهـ

 

قلت: إيجاب الوضوء ليس متلقى من العقل، وإذا كان الحكم الشرعي يخالف في بادي الرأي نظر الإنسان، دل ذلك على أن المسألة فيها توقيف، وقد ذكرت هذا الدليل من وجوه ترجيح حديث بسرة على حديث طلق، وبسطت الكلام عليه.

 

الدليل الثالث:

قالوا: وجوب الوضوء من مس الذكر مما تعم به البلوى، وما عمت به البلوى لا يقبل فيه أخبار الآحاد، حتى يكون نقله متواترًا مستفيضًا[29].

قلت: أين الدليل على هذا الشرط؟ وخبر الآحاد يجب العمل به كالخبر المتواتر، وحديث إنما الأعمال بالنيات من أعظم الأحاديث التي يعتمد عليها في الأحكام، ومع ذلك هو فرد غريب، ولم يمنع ذلك من صحته مع عظم الحاجة إليه، وتبليغ الرسالة من أعظم الأمور، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرسل آحاد الصحابة لتبليغها عن طريق المكاتبة وغيرها، وكانت الحجة تقوم بذلك، وأكثر الأخبار التي تعم بها البلوى هي أخبار آحاد، والأخبار المتواترة قليلة، بل إن تقسيم الأحاديث إلى متواتر وآحاد هو تقسيم حادث، لا يعرف عند أئمة الحديث المتقدمين، والله أعلم.

 

الدليل الرابع:

قالوا: تحمل الأحاديث الآمرة بالوضوء على غسل اليد؛ جمعًا بينها وبين حديث طلق.

وأجيب:

بأن حمله على غسل اليد لا يصح إلا بقرينة، ولا قرينة هنا؛ على أن الألفاظ يجب حملها على الحقيقة الشرعية، فإن تعذر حملت على الحقيقة العرفية، وحملها على الحقيقة الشرعية لا يمنع منه مانع، خاصة أن حديث قيس لا يصح، والله أعلم.

 

دليل من قال: يستحب الوضوء من مس الذكر:

وجه الاستحباب: قالوا: إن حديث طلق السؤالُ فيه عن وجوب الوضوء من مس الذكر، كما قال في الحديث: (أعليه وضوء، فقال: لا)، وحديث بسرة وغيرها مما فيه الأمر بالوضوء من مس الذكر يحمل على الاستحباب؛ جمعًا بين الأدلة.

 

وأجيب:

بأن الجمع إنما يكون بين دليل صحيح ودليل آخر مثله أو أعلى منه، وأما أن يكون أحد الحديثين صحيحًا والآخر ضعيفًا، فإن الواجب هو العمل بالحديث الصحيح وحده وطرح الضعيف؛ لأن الجمع وإن كان فيه إعمال لكلا الدليلين إلا أن إعمالهما معًا سيكون على حساب الحديث الصحيح؛ إما تقييدًا لمطلقه أو تخصيصًا لعمومه، فيخرج أفراد من الحديث الصحيح كان الإطلاق والعموم شاملاً لها مراعاة لحديث غريب لا يصح، فيكون الحديث الضعيف قد جنى على الحديث الصحيح، فهنا الوضوء من مس الذكر مطلق، يشمل ما كان على وجه اللذة وما كان بدونها، ويشمل ما كان متعمدًا وغير متعمد، وظاهر الأمر الوجوب، فإذا قمت بتقييد أحاديث الوضوء من مس الذكر بالشهوة، فمعنى هذا أنني أخرجت الوضوء من مسه بدونها، مع أن الأحاديث مطلقة، فهذا إخراج لبعض أفراد العموم من أجل حديث ضعيف، والكلام نفسه يقال فيمن حمل الأحاديث على الاستحباب، مع أن ظاهرها الوجوب، والله أعلم.

 

دليل من قال: يجب إن كان المس بشهوة ولا يجب بدونها:

قالوا: إن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما هو بضعة منك)) إيماء لاعتبار الشهوة؛ لأمرين:

الأول: أنك إذا مسست ذكرك بدون شهوة منك، لم يكن هناك فرق بينه وبين أي عضو من أعضائك، أما إذا مسسته بشهوة، فإنه يفارق بقية الأعضاء؛ حيث يجد اللذة بلمسه دون غيره، وقد يخرج منه شيء، وهو لا يشعر، فما كان مظنة للحدث علق الحكم به كالنوم.

ثانيًا: أن حديث طلق فيه سؤال عن الرجل يمس ذكره في الصلاة، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما هو بضعة منك))، ومس الذكر في الصلاة لا يكون بشهوة؛ لأن في الصلاة شغلاً عن مس ذكره بشهوة، بخلاف مسه خارج الصلاة، فقد يقع منه المس بشهوة، والله أعلم.

 

وأجيب:

أولاً: أن مظنة الخروج سببها الشهوة، وليس المس، ومع ذلك لو انتصب ذكره بشهوة، لم يجب عليه الوضوء مع كونه مظنة لخروج الخارج، ولا ينتقض وضوءه حتى يتيقن الخارج، وهذا دليل على أن انتقاض الوضوء من مس الذكر ليس سببه الشهوة، فإن قيل: إن مس الذكر باليد مع انتشار الذكر قد يساعد في خروج الخارج، قيل: لو انتشر الذكر لشهوة ومسه فخذه أو أي عضو من أعضائه غير يده، لم يجب عليه الوضوء، مع أن ذلك عامل مساعد لخروج الخارج، بل لو مسه بيده مع حائل لم ينتقض وضوءه، فهذا دليل على أن إيجاب الوضوء لم يكن سببه الشهوة، ولا مظنة خروج الخارج من الذكر.

ثانيًا: أن الذكر بضعة منا، سواء مسسناه بشهوة أو بغير شهوة، فهل إذا مس ذكره بشهوة لا يكون بضعة منه؟!

ثالثًا: أن قيد الشهوة لم يرد في الدليلين: الموجب للوضوء وغيره، فحديث بسرة: ((من مس ذكره، فليتوضأ)) أين قيد الشهوة من الحديث؟ وكذا بقية الأحاديث الآمرة بالوضوء من مس الذكر. وحديث طلق: في الرجل يمس ذكره، قال: ((وهل هو إلا بضعة منك؟))، فهو بضعة من الجسد سواء مس بشهوة أو بغير شهوة، فقيد الشهوة قيد لما أطلقه الشارع بغير دليل.

 

دليل من قال: ينقض مس الذكر بباطن الكف دون ظاهره:

استدل الشافعية بحديث أبي هريرة المتقدم: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب، فقد وجب الوضوء)).

قال الشافعي: الإفضاء باليد إنما هو ببطنها كما تقول: أفضى بيده مبايعًا، وأفضى بيده إلى الأرض ساجدًا، أو إلى ركبتيه راكعًا، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر بالوضوء إذا أفضى به إلى ذَكره، فمعلوم أن ذكره يماس فخذيه، وما قارب ذلك من جسده، فلا يوجب ذلك عليه بدلالة السنة وضوءًا[30].

وقال النووي: قال ابن فارس في الجمل: أفضى بيده إلى الأرض: إذا مسها براحته في سجوده، ونحوه في صحاح الجوهري وغيره[31].

ولأن ظهر الكف ليس بآلة لمسه، فالتلذذ لا يكون إلا بالباطن، فالباطن هو آلة مسه.

 

قال الحافظ في التلخيص: "احتج أصحابنا بهذا الحديث في أن النقض إنما يكون إذا مس الذكر بباطن الكف لما يعطيه لفظ الإفضاء؛ لأن مفهوم الشرط يدل على أن غير الإفضاء لا ينقض فيكون تخصيصًا لعموم المنطوق، لكن نازع في دعوى أن الإفضاء لا يكون إلا ببطن الكف غير واحد، قال ابن سيده في المحكم: أفضى فلان إلى فلان: وصل إليه، والوصول أعم من أن يكون بظاهر الكف أو باطنها. وقال ابن حزم: الإفضاء يكون بظهر اليد كما يكون ببطنها، وقال بعضهم: الإفضاء فرد من أفراد المس، فلا يقتضي التخصيص"[32]. اهـ.

وهذا هو الحق؛ لأن اليد تطلق على الكف كلها، قال - تعالى -: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [33]، والقطع إنما هو للكف.

وقال - تعالى -: ﴿ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ﴾ [34]، وإنما يمسح الكف كما دل عليه حديث عمار في الصحيح، فإذا ذكر الإفضاء بباطن الكف، وهو فرد من أفراد المطلق لم يقتضِ تقييدًا للمطلق.

 

قال ابن حزم: وحتى لو كان الإفضاء بباطن اليد، لما كان في ذلك ما يسقط الوضوء عن غير الإفضاء إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الإفضاء، فكيف والإفضاء يكون بجميع الجسد؟ قال - تعالى -: ﴿ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ [35] [36].

 

دليل من اشترط العمد في المس:

الدليل الأول:

قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [37].

فدلت الآية على عدم النقض بالنسيان والخطأ.

وليس في الآية دليل على عدم النقض بالعمد؛ لأن الآية ليس فيها إلا نفي الجناح، والمقصود به الإثم، ونفي الإثم لا يدل على بقاء الطهارة.

 

الدليل الثاني:

قالوا: إن الشرط في مس الذكر أن يمس بقصد وإرادة؛ لأن العرب لا تسمي الفاعل فاعلاً إلا بقصد منه إلى الفعل، وهذه الحقيقة في ذلك، ورجح ذلك ابن عبدالبر[38]، واختاره ابن تيمية في الفتاوى، وقال: إذا لم يتعمد ذلك لم ينتقض وضوءه[39].

 

الدليل الثالث:

قالوا: الوضوء المجمع عليه لا ينتقض إلا بإجماع أو سنة ثابتة غير محتملة للتأويل، وعليه فلا يجب الوضوء إلا على من مس ذكره قاصدًا مفضيًا[40].

 

ويجاب:

بأن اشتراط العمد فيه إشكال؛ لأن معناه أنه حكم تكليفي، فإذا مسه عن طريق الخطأ لم ينتقض الوضوء، ويلزم من ذلك ألا ينتقض وضوء الصبي بمسه ذكره؛ لأن عمد الصبي بمنزلة الخطأ، ولعدم توفر القصد الصحيح، والراجح عندي أن المس حكم وضعي، فإذا كان مس الذكر مفسدًا للطهارة استوى فيه العمد والخطأ كباقي الأحداث، فكما أنه إذا خرجت منه ريح أو بول لم يفرق بين العامد وغيره، فكذلك مس الذكر، والله أعلم.

هذه خلاصة الأقوال في المسألة، وأدلة كل قول، وأجد القول الراجح في المسألة هو القول بوجوب الوضوء من مس الذكر؛ لضعف حديث طلق بن علي، وصحة الأحاديث الواردة في وجوب الوضوء من مس الذكر وكثرتها، والله أعلم.

 

تنبيه: يُشترط في النقض بمس الذكر شرطان:

الأول: أن يكون مسه بالكف، وسبق ذكر دليله.

الثاني: أن يكون مسه بلا حائل، ودليله حديث أبي هريرة المتقدم: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب، فقد وجب الوضوء))، وسبق تخريجه.

وقال ابن حزم: والماس على الثوب ليس ماسًّا[41].

 


[1] انظر تبيين الحقائق (1/ 12)، البحر الرائق (1/ 45)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 10)، مراقي الفلاح (ص: 38)، شرح فتح القدير (1/ 56).

[2] انظر مواهب الجليل (1/ 299)، حاشية الدسوقي (1/ 121).

[3] حاشية الدسوقي (1/ 121).

[4] الأم (1/ 19-20)، المجموع (2/ 38)، روضة الطالبين (1/ 75)، مغني المحتاج (1/ 35).

[5] كشاف القناع (1/ 126)، شرح منتهى الإرادات (1/ 71)، المبدع (1/ 160)، الفروع (1/ 179) الإنصاف (1/ 202)، شرح الزركشي (1/ 243)، التحقيق (1/ 176)، المحرر (1/ 14).

[6] يرى المغاربة من أصحاب مالك: أن من مس ذكره فإنه يعيد الوضوء ما لم يُصلِّ، فإن صلى أمر بالإعادة في الوقت، فإن خرج الوقت فلا  إعادة عليه، وظاهر هذا القول استحباب الوضوء منه؛ لأنه لو كان واجبًا أعاد مطلقًا في الوقت وبعده. انظر مواهب الجليل (1/ 299)، الخرشي (1/ 156)، الاستذكار (3/ 25)، حاشية الدسوقي (1/ 121)، الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 12)، المقدمات الممهدات (1/ 101).

[7] انظر المراجع السابقة.

[8] انظر المراجع السابقة.

[9] الموطأ (1/ 42).

[10])  في إسناده مروان بن الحكم، اختلف العلماء فيه:

قال ابن حبان: عائذ بالله أن نحتج بخبر رواه مروان بن الحكم وذووه في شيء من كتبنا؛ لأنا لا نستحل الاحتجاج بغير الصحيح من سائر الأخبار، وإن وافق ذلك مذهبنا. صحيح ابن حبان (3/ 397).

وقال الذهبي: له أعمال موبقة، نسأل الله السلامة، رمى طلحة بسهم، وفعل وفعل. الميزان (4/ 89).

وقال في سير أعلام النبلاء: كان كاتب ابن عمه عثمان، وإليه الخاتم، فخانه، وأجلبوا بسببه على عثمان - رضي الله عنه - ثم نجا هو، وسار مع طلحة والزبير للطلب بدم عثمان، فَقَتَلَ طلحةَ يوم الجمل ونجا  - لا نُجِّي. اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: عد من موبقاته أنه رمى طلحة - أحد العشرة - يوم الجمل، وهما جميعًا مع عائشة، فقتل، ثم وثب على الخلافة بالسيف، واعتذرت عنه في مقدمة شرح البخاري. اهـ تهذيب التهذيب (10/ 92).

وسوف أسوق اعتذاره قريبًا - إن شاء الله.

هذا قول من جرح مروان بن الحكم - عفا الله عنه.

وأما من وثقه، فقد أخرج البخاري حديثه في صحيحه، واحتج به مالك في الموطأ، وكفى بهما في معرفة الرجال وتنقيتهما لهم، وصحح ابن معين حديث مروان بن الحكم من هذا الطريق خاصة، وتصحيح الحديث من طريقه خاصة توثيقًا له، وقال الدارقطني: لا بأس به، وكذلك صحح حديثه الإمام أحمد وابن عبدالبر، وسوف أنقل ذلك عنهم - إن شاء الله تعالى.

واعتذر ابن حجر في هدي الساري، فقال: "يقال له رؤية، فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه. وقال عروة بن الزبير: مروان لا يتهم بالحديث، وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادًا على صدقه، وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم، فقتله، ثم شهر السيف في طلب الخلافة، حتى جرى ما جرى، فأما قتل طلحة فكان متأولاً فيه، كما قرره الإسماعيلي وغيره، وأما بعد ذلك فإنما حمل عنه سهل بن سعد، وعروة، وعلي بن الحسين، وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، وهؤلاء أخرج البخاري أحاديثهم عنه في صحيحه لما كان أميرًا عندهم بالمدينة، قبل أن يبدو منه في الخلاف على ابن الزبير ما بدا، والله أعلم، وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه، والباقون سوى مسلم. اهـ

وقال البيهقي: هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان، فقد احتجا بجميع رواته، واحتج البخاري بمروان بن الحكم في عدة أحاديث، فهو على شرط البخاري بكل حال، وقال الإسماعيلي: يلزم البخاري إخراجه بعد إخراج نظيره.

وقال الدارقطني: صحيح ثابت.

قلت: من طعن في مروان إنما طعن فيه لأمرين:

الأول: رميه طلحة بسهم، فقتله.

وثانيًا: أنه شهر السيف في طلبه للخلافة حتى جرى منه ما جرى.

فأما رميه طلحة - رضي الله عنه - بسهم، فقد كان في ذلك متأولاً - كما نقله الحافظ ابن حجر.

وأما إشهاره السيف في طلب الخلافة، فإنه حدث بهذا الحديث قبل أن يحصل منه ما يطعن فيه، وذلك حين كان أميرًا على المدينة، فقد أخرج عبدالله بن أحمد بن حنبل في المسند (6/ 407) قال عبدالله: وجدت في كتاب أبي بخط يده: ثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبدالله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر... وذكر الحديث، فهذا صريح في أن حديثه كان في زمن إمارته على المدينة.

قال ابن حزم: لا نعلم لمروان شيئًا يجرح به قبل خروجه على ابن الزبير، وعروة لم يلقه إلا قبل خروجه على أخيه.

وقال ابن حجر في التقريب: لا تثبت له صحبة، قال عروة بن الزبير: مروان لا يتهم في الحديث. اهـ

فالذي يظهر لي أن حديثه لا ينزل عن رتبة الحديث الحسن لذاته، والله أعلم، وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات، والله أعلم.

والحديث يرويه عروة بن الزبير، ويرويه عن عروة جماعة، منهم:

الأول: عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.

أخرجها مالك في الموطأ كما في إسناد الباب، ومن طريق مالك أخرجه الشافعي في الأم (1/ 19)، وأبو داود (181)، والنسائي (163)، وابن حبان في صحيحه (1112)، والبيهقي (1/ 128) وغيرهم.

وقد تابع مالكًا جماعة، منهم:

الأول: سفيان بن عيينة، كما في مسند أحمد (6/ 406)، بلفظ: ((من مس فرجه فليتوضأ))، قال: فأرسل إليها رسولاً وأنا حاضر، فقالت: نعم، فجاء من عندها بذاك. اهـ فذكر سفيان مس الفرج بدلاً من مس الذكر. وزاد على مالك قوله: "فأرسل إليها رسولاً..." إلخ.

وأخرجه الحميدي (352) عن سفيان به بمس الذكر كرواية مالك، إلا أنه ذكر في متنه قصة إرسال الرسول إلى بسرة.

وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (16) من طريق سفيان بنحو رواية الحميدي.

واختلف على سفيان في إسناده، فرواه أحمد والحميدي وابن المقرئ عن سفيان، عن عبدالله بن أبي بكر، عن مروان، عن بسرة، كرواية الجماعة.

ورواه النسائي (444) أخبرنا قتيبة، عن سفيان، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن بسرة، فأسقط ذكر مروان، ولا شك أن رواية الجماعة هي الصواب، خاصة أن النسائي قال: ولم أتقنه يعني: عن شيخه قتيبة. وصدق أبو عبدالرحمن - رحمه اللهُ.

الثاني: ابن علية كما في المسند (6/ 406)، وابن أبي شيبة (1/ 150).

الثالث: شعبة، كما في مسند أبي داود الطيالسي (1657)، بلفظ "الذكر" بدلاً من الفرج.

الرابع: محمد بن إسحاق، كما في سنن الدارمي (725)، بلفظ "من مس فرجه".

الخامس: الزهري، أخرجها عبدالله بن أحمد (6/ 406) قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده، ثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال أخبرني عبدالله بن أبي بكر بن به.

وقد اختلف الرواة فيه على الزهري اختلافًا كثيرًا جدًّا، وهذا الطريق هو أرجحها؛ لموافقته رواية مالك وسفيان وإسماعيل ابن علية، وشعبة ومحمد بن إسحاق، وسوف أتكلم عليها في طريق مستقل - إن شاء الله تعالى.

فتبين لي من خلال طريق عبدالله بن أبي بكر ما يلي:

أولاً: أن الحديث يرويه مالك وشعبة وابن علية والزهري عن عبدالله بن أبي بكر بمس الذكر، ويرويه ابن عيينة عن عبدالله بن أبي بكر واختلف عليه فيه:

فرواه أحمد عن ابن عيينة بلفظ: "من مس فرجه".

ورواه الحميدي وابن المقرئ عن ابن عيينة كرواية الجماعة بمس الذكر.

ورواه ابن إسحاق عن عبدالله بن أبي بكر بلفظ: "من مس فرجه"، ولا شك أن مالكًا وشعبة والزهري وابن علية مقدمون على ابن عيينة وابن إسحاق؛ وذلك لأن ابن عيينة قد اختلف عليه في لفظه، ولأن ابن إسحاق خفيف الضبط، حديثه من قبيل الحسن.

ثانيًا: إرسال مروان إلى بسرة رسولاً ليتثبت منها صحة الحديث، قد اتفق على ذكره كل من ابن عيينة وشعبة وابن علية، فهو محفوظ من حديث عبدالله بن أبي بكر.

واعلم أن طريق عبدالله بن أبي بكر هو أصح الطرق لحديث بسرة بنت صفوان، فقد احتج به مالك، وصححه يحيى بن معين من هذا الطريق خاصة.

جاء في تلخيص الحبير (1/ 215): وفي سؤالات مضر بن محمد: قلت ليحيى بن معين: أي شيء يصح في مس الذكر؟ قال: حديث مالك، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، فإنه يقول فيه: سمعت، ولولا هذا لقلت: لا يصح فيه شيء. قال ابن حجر: فأثبت صحته لهذا الطريق خاصة، وصححه ابن عبدالبر من حديث مالك. اهـ

الطريق الثاني: الزهري، عن عروة، وقد ذكرت فيما سبق أن الزهري قد اختلف عليه اختلافًا كثيرًا، سواء في لفظه أو في إسناده، وإليك بيان الاختلاف:

فقيل: عن الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.

أخرجه عبدالله بن أحمد في المسند (6/ 407) والنسائي (164) من طريق شعيب.

وأخرجه الطحاوي (1/ 72) من طريق الليث.

وأخرجه البيهقي (1/ 132) من طريق عقيل.

كلهم عن الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.

وهذا الطريق هو أصح الطرق؛ لموافقته رواية مالك وشعبة وسفيان بن عيينة وابن علية وابن إسحاق، وقد تقدم الكلام عن هذه الطرق، ولأن هذا الطريق من رواية جماعة من أصحاب الزهري وخاصته، كالليث وشعيب وعقيل؛ ولأن من خالف هؤلاء إما ضعيف وإما مختلف عليه في الحديث مما يدل على عدم ضبطه.

وقيل: عن الزهري، عن عروة، عن بسرة، بدون ذكر مروان.

رواها معمر، عن الزهري، واختلف على معمر فيه:

فرواه النسائي (445) من طريق شعبة، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن بسرة بدون ذكر مروان.

ورواه عبدالرزاق في المصنف (411) ومن طريق عبدالرزاق أخرجها الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 71) عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، قال: تَذَاكَر هو ومروان الوضوء من مس الفرج، فقال مروان: حدثتني بسرة. فذكر هنا الزهري مروان في الإسناد، وكونه أسقط عبدالله بن أبي بكر فهذا من تدليس الزهري، ولذلك لما صرح بالتحديث ذكر عبدالله بن أبي بكر كما في رواية أحمد المتقدمة (6/ 407)، ورواية النسائي (164).

ورواية عبدالرزاق عن معمر أرجح من رواية شعبة عن معمر؛ لثلاثة أمور:

الأول: لموافقتها رواية أصحاب الزهري؛ كالليث وشعيب وعقيل وعبدالرحمن بن نمر، كلهم اتفقوا على ذكر مروان في الإسناد. وهذا وحده كافٍ في ترجيح رواية عبدالرزاق على رواية شعبة.

ثانيًا: ولموافقتها من روى الحديث عن عبدالله بن أبي بكر؛ كمالك وسفيان بن عيينة وابن علية وغيرهم.

وثالثًا: أن عبدالرزاق يمني، وشعبة بصري، وحديث معمر باليمن أرجح منه بالبصرة، قال أبو حاتم - كما في تهذيب الكمال -: ما حدَّث معمر بالبصرة ففيه أغاليط.

ورواه الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن بن نمر، واختلف على الوليد بن مسلم:

فرواه هشام بن عمار كما في سنن البيهقي (1/ 132).

وعبدالله بن أحمد بن ذكوان الدمشقي كما في صحيح ابن حبان (1117)، كلاهما عن الوليد بن مسلم، ثنا عبدالرحمن بن نمر اليحصبي، عن الزهري، عن عروة، عن بسرة، بدون ذكر مروان.

ورواه البيهقي (1/ 132) من طريق أبي موسى الأنصاري، ثنا الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن بن نمر، عن الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.

وهذا الطريق هو الصحيح، وأن الزهري يروي الحديث عن عبدالله بن أبي بكر، وعروة يرويه عن مروان؛ لما سبق ذكره.

وسوف يكون لي - إن شاء الله تعالى - وقفة أخرى عند هذا الطريق من جهة متنه.

وقيل: عن الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن بسرة، عن زيد بن خالد الجهني.

فجعل الحديث من مسند زيد بن خالد، ترويه عنه بسرة، وبدون ذكر مروان بن الحكم.

أخرجه عبدالرزاق (412) قال: أخبرنا ابن جريج، قال: حدثني ابن شهاب (الزهري)، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، أنه كان يحدث عن بسرة بنت صفوان، عن زيد بن خالد الجهني.... الحديث.

وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات إلا أنه معلول.

وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم (1/ 32) ذكر طريق عبدالرزاق هذا، إلا أنه قال: عن عروة، عن بسرة وزيد بن خالد، ولعل هذا أقرب.

وعلى كل حال فهو معلول، وعلته ابن جريج، فإنه وإن كان ثقة، وقد صرح بالتحديث، إلا أن روايته عن الزهري فيها كلام.

قال ابن معين: ابن جريج ليس بشيء في الزهري.

وقال الذهبي: كان ابن جريج يرى الرواية بالإجازة والمناولة، ويتوسع في ذلك، ومن ثم دخل عليه الداخل في رواياته عن الزهري؛ لأنه حمل عنه مناولة، وهذه الأشياء يدخلها التصحيف، ولا سيما في ذلك العصر لم يكن حدث في الخط بعدُ شكلٌ ولا نقط...

وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 32): سألت أبي عن حديث رواه عبدالرزاق وأبو قرة موسى بن طارق، عن ابن جريج، عن عبدالله بن أبي بكر، عن الزهري، عن عروة، عن بسرة وزيد بن خالد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مس الذكر. قال أبي: أخشى أن يكون ابن جريج أخذ هذا الحديث من إبراهيم بن أبي يحيى؛ لأن أبا جعفر حدثنا، قال: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى، يقول: جاءني ابن جريج يكتب مثل هذا - خفض يده اليسرى ورفع يده اليمنى مقدار بضعة عشر جزءًا - فقال: أروي هذا عنك، فقال: نعم. اهـ

وخالف محمد بن إسحاق ابن جريج، فرواه ابن أبي شيبة (1/ 150) حدثنا عبدالأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن زيد بن خالد، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بلفظ: ((من مس فرجه فليتوضأ)).

وقيل: عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

رواه البزار كما في كشف الأستار (284) من طريق أبي عامر.

وأخرجه الطحاوي (1/ 74) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، كلاهما عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي، عن عمرو بن شريح، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((من مس فرجه فليتوضأ)).

وفي الإسناد: إبراهيم بن إسماعيل.

قال أحمد: ثقة. تهذيب التهذيب (1/ 90).

وقال ابن معين: ليس بشيء. المرجع السابق.

وقال مرة: يكتب حديثه ولا يحتج به. المرجع السابق.

وقال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (1/ 271).

وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث. تهذيب التهذيب (1/ 90).

وقال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (2).

وقال الدارقطني: متروك. تهذيب التهذيب (1/ 90) وفي التقريب: ضعيف.

وفي الإسناد أيضًا: عمرو بن شريح، جاء في ترجمته:

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 245): قال الأزدي: لا يصح حديثه.

وروى ابن عبدالبر في التمهيد - كما في فتح البر (3/ 328) - بإسناده من طريق الحسين بن الحسن الخياط، أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مس فرجه فليتوضأ)).

قال ابن عبدالبر: وهذا إسناد منكر عن مالك، ليس يصح عنه، وأظن أن الحسين هذا وضعه، أو وهم فيه، والله أعلم.

قلت: وهو مخالف لكل من رواه عن مالك؛ كالقعنبي، ومعن، وابن القاسم، وأحمد بن أبي بكر، والشافعي وغيرهم، فقد رووه كلهم عن مالك عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، وقد تقدم تخريج هذا الطريق.

وقيل: عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عروة، عن بسرة.

أخرجه الطحاوي (1/ 72) من طريق بشر بن بكر، قال: حدثني الأوزاعي، قال: أخبرني ابن شهاب، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: حدثني عروة، عن بسرة بنت صفوان، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يتوضأ الرجل من مس الذكر)).

فهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، إلا أن بشر بن بكر وإن كان ثقة، إلا أنه قد قال فيه مسلمة بن صلة: روى عن الأوزاعي أشياء انفرد بها.

لكنه هنا قد توبع، فقد تابعه أبو المغيرة كما في سنن الدارمي (724) وعبدالحميد بن حبيب كما في التمهيد - انظر فتح البر بترتيب التمهيد لابن عبدالبر (3/ 330) - كلاهما عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم - وقال الدارمي: (عن ابن حزم) - عن عروة به.

وعبدالحميد - كما في التقريب -: صدوق ربما أخطأ، قال أبو حاتم: كان صاحب ديوان، ولم يكن صاحب حديث، وأما أبو المغيرة فهو ثقة، لكن انفراد الأوزاعي من بين أصحاب الزهري بإسقاط مروان يدل على شذوذ روايته، فقد تقدم لنا أن كلاًّ من شعيب وعقيل والليث، ومعمر من رواية عبدالرزاق عنه، كلهم رووه عن الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة بذكر مروان، كما أن رواية الأوزاعي مخالفة لكل من روى الحديث عن عبدالله بن أبي بكر؛ كمالك، وشعبة، وسفيان بن عيينة، وابن علية، فكلهم رووه بذكر مروان.

وقد رجح ابن عبدالبر رواية عبدالله بن أبي بكر على رواية أبيه؛ لأن الحديث عنده عن عروة، عن مروان، عن بسرة. فقال: "والمحفوظ في هذا الحديث رواية عبدالله بن أبي بكر له عن عروة، ورواية أبي بكر له عن عروة أيضًا، وإن عبدالله قد خالف أباه في إسناده، والقول عندنا في ذلك قول عبدالله، هذا إن صح اختلافهما في ذلك، وما أظنه إلا ممن دون أبي بكر، وذلك أن عبدالحميد كاتب الأوزاعي رواه عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد، عن عروة، عن بسرة، وإنما الحديث لعروة عن مروان عن بسرة، والمحفوظ أيضًا في هذا الحديث أن الزهري رواه عن عبدالله بن أبي بكر، لا عن أبي بكر، والله أعلم. اهـ كلام ابن عبدالبر.

قلت: ومما يرجح رواية عبدالله أنه ذكر أنه سمع الحديث هو وأبوه من عروة، كما تقدم من رواية أحمد (6/ 406) وابن الجارود (16) من طريق سفيان، عن عبدالله بن أبي بكر، قال: تذاكر أبي وعروة ما يتوضأ منه، فأخبر عروة، أن مروان أخبره أنه سمع بسرة...

وكذا أخرجه أحمد (6/ 406) من طريق إسماعيل بن علية، عن عبدالله بن أبي بكر، قال: سمعت عروة بن الزبير يحدث أبي، قال: ذاكرني مروان مس الذكر، فهذان الطريقان يشهدان أن أبا بكر سمعه من عروة، عن مروان، عن بسرة.

وقد أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 73) من طريق الخصيب، قال: ثنا همام، عن هشام بن عروة، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عروة أنه كان جالسًا مع مروان... ثم ذكر الحديث، وفي آخره: "أرسل مروان إليها حرسيًّا يستثبت منها الحديث".

فتبين بهذه الروايات شذوذ رواية أبي بكر، عن عروة، عن بسرة، وأن المحفوظ رواية أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.

وبهذا أكون قد استكملت طرق الزهري، وقد تبين لنا الاختلاف عليه في هذا الحديث، لكن الراجح منها: رواية شعيب وعقيل والليث ومعمر؛ لموافقتها رواية مالك وابن عيينة وشعبة وابن علية، وأن الحديث عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.

الطريق الثالث: هشام بن عروة، عن أبيه، واختلف على هشام:

فقيل: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة. وهذا أصح الطرق.

وقيل: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة، بدون ذكر مروان.

وقيل: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، ثم إن عروة سأل بسرة فصدقته.

وقيل: عنه، عن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، فصار بين هشام بن عروة وأبيه واسطة.

وقيل: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.

وإليك تفصيل هذه الطرق:

أما طريق هشام، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، بذكر مروان في الإسناد، فرواه جماعة عن هشام، منهم:

الأول: أبو أسامة، كما في سنن الترمذي (83)، وابن الجارود في المنتقى (17).

الثاني: عبدالله بن إدريس، كما في سنن ابن ماجه (479).

الثالث: سفيان الثوري، كما في صحيح ابن حبان كما في الموارد (213)، وسنن الدارقطني (1/ 146).

الرابع: حماد بن سلمة، كما في شرح معاني الآثار (1/ 72).

الخامس: علي بن مسهر، كما في شرح معاني الآثار (1/ 72).

السادس: يزيد بن سنان، فأخرجها الدارقطني (1/ 147).

السابع: إسماعيل بن عياش، كما في سنن الدارقطني (1/ 147)، كلهم رووه عن هشام، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.

ورواه الحاكم كما في المستدرك (1/ 136) من طريق سليمان بن حرب ومحمد بن الفضل عارم وخلف بن هشام، قالوا: ثنا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، أن عروة كان عند مروان بن الحكم، فسئل عن مس الذكر، فلم ير به بأسًا، فقال عروة: إن بسرة بنت صفوان حدثتني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وذكر الحديث.

ولا أشك لحظة أن الحديث انقلب على حماد بن زيد؛ لأن جميع من رواه عن عروة يذكر عن عروة أنه أنكر على مروان حديثه في مس الذكر، فأخبره مروان أنه سمعه من بسرة، ولم يقل أحد أن عروة هو الذي حدث مروان، فانقلب الحديث على حماد بن زيد، لكن موضع الشاهد منه هو الذي يعنينا، وهو ذكر مروان في الإسناد.

فهؤلاء ثمانية رواة يروونه عن هشام، عن عروة يذكرون مروان في الإسناد، وهو المحفوظ.

وأما رواية هشام بن عروة، عن عروة، عن بسرة بإسقاط مروان:

فأخرجها أحمد (6/ 406)، والترمذي (82)، والنسائي (447) من طريق يحيى بن سعيد، عن هشام، قال: حدثني أبي أن بسرة بنت صفوان أخبرته... وذكر الحديث.

وقد صرح هشام بن عروة  بالتحديث من أبيه، وصرح عروة بالسماع له من بسرة.

ورواه ابن حبان (1115) من طريق علي بن المبارك.

ورواه الدارقطني (1/ 148) من طريق أيوب، وابن عيينة وعبدالحميد بن جعفر فرقهم، أربعتهم عن هشام بن عروة به.

وهذا الطريق بحذف مروان بن الحكم طريق شاذ؛ لأمور:

أولاً: لمخالفته من رواه عن هشام، وقد وقفنا على ثمانية رواة: الثوري والحمادان وأبو أسامة وعبدالله بن إدريس وعلي بن مسهر ويزيد بن سنان وإسماعيل بن عياش، كلهم رووه عن هشام بذكر مروان.

وثانيًا: أن من رواه عن هشام بذكر مروان روايته موافقة لرواية مالك وشعبة وابن علية وابن عيينة وابن شهاب عن عبدالله بن أبي بكر.

وثالثًا: أن عبدالله بن أبي بكر لم يختلف عليه في الحديث، وهشام بن عروة مختلف عليه في إسناده، فإذا وافقتْ رواية هشام رواية عبدالله بن أبي بكر بذكر مروان، قُبلت من هذا الوجه، وصارت أرجح من غيرها، خاصة أن الذي يرويه عن هشام بذكر مروان من المتقدمين من أصحابه، وهم أكثر عددًا من غيرهم، والله أعلم.

وأما رواية من أثبت سماع عروة من مروان، ثم سماع عروة من بسرة مصدقة لمروان:

فقد رواها جماعة عن هشام:

الأول: شعيب بن إسحاق، وهو ثقة، رواه الدارقطني (1/ 146) والحاكم (1/ 136) والبيهقي (1/ 129) من طريق الحكم بن موسى، عن شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة به. والحكم بن موسى، قال أبو حاتم: صدوق. وقال يحيى بن معين: ليس به بأس. وقال صالح بن محمد جزرة: الثقة المأمون، وفي التقريب: صدوق.

ورواه ابن حبان في صحيحه (1113) من طريق أحمد بن خالد بن عبدالملك، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا شعيب بن إسحاق به.

وأحمد بن خالد، قال عنه الدارقطني: ليس بشيء. انظر لسان الميزان (1/ 95).

الثاني: المنذر بن عبدالله الحزامي، رواه الحاكم (1/ 137) من طريقه عن هشام به، والمنذر قال فيه الحافظ في التقريب: مقبول؛ أي: حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.

الثالث: ربيعة بن عثمان، كما في المنتقى لابن الجارود (18)، وربيعة صدوق له أوهام.

الرابع: عنبسة بن عبدالواحد، رواه الحاكم (1/ 137)، ومن طريقه البيهقي (1/ 129) من طريق عبدالله بن عمر بن أبان، ثنا عنبسة بن عبدالواحد، وعنبسة ثقة، لكن الراوي عنه عبدالله بن عمر بن أبان، صدوق فيه تشيع.

الخامس: حميد بن الأسود أبو الأسود، أخرجه البيهقي (1/ 130) من طريق علي بن المديني، عن حميد بن الأسود، عن هشام به.

وحميد - كما في التقريب -: صدوق يهم قليلاً.

واختلف العلماء في زيادة هؤلاء، فمنهم من اعتبر الحديث محفوظًا من طريق عروة، عن بسرة، وأن عروة سمعه من مروان، ثم سمعه من بسرة.

قال ابن حبان في صحيحه (3/ 397): وأما خبر بسرة الذي ذكرناه، فإن عروة بن الزبير سمعه من مروان بن الحكم، عن بسرة، فلم يقنعه ذلك حتى بعث مروان له إلى بسرة، فسألها، ثم أتاهم فأخبرهم بمثل ما قالت بسرة، فسمعه عروة ثانيًا عن الشرطي عن بسرة، ثم لم يقنعه ذلك حتى ذهب إلى بسرة فسمع منها، فالخبر عن عروة، عن بسرة متصل، وليس بمنقطع، وصار مروان والشرطي كأنهما عاريتان يسقطان من الإسناد. اهـ

وقال الحاكم (1/ 136): نظرنا فوجدنا جماعة من الثقات الحفاظ رووا هذا عن هشام، عن أبيه، عن مروان عن بسرة، ثم ذكروا في روايتهم أن عروة قال: ثم لقيت بعد ذلك بسرة، فحدثتني بالحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  كما حدثني مروان عنها، فدلنا ذلك على صحة الحديث وثبوته على شرط الشيخين، وزال عنه الخلافُ والشبهة، وثبت سماع عروة من بسرة.

وقال ابن حجر في التلخيص: وقد جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة بأن عروة سمعه من بسرة. اهـ

وصحح الدارقطني سماع عروة من بسرة.

وقال بعضهم: بأن عروة لم يسمعه من بسرة، وأن الصحيح من حديث عروة ما حدث به عن مروان، عنها، وهذا ما رجحه ابن معين، ونقلنا عبارته قبل، ورجحه ابن عبدالبر وجماعة، وإليه تميل النفس؛ للأسباب التالية:

الأول: أن هشام تفرد بهذه الزيادة، وهي قوله: "فسألت بسرة فصدقته"، وقد رواه غير واحد عن عروة، ولم يذكر هذه الزيادة، منهم عبدالله بن أبي بكر، وأبوه أبو بكر بن محمد، وأبو الأسود، وعبدالرحمن بن أبي الزناد وغيرهم.

الثاني: أن هشام مع انفراده بهذه الزيادة، فقد اختلف عليه فيه، فقد روى الحديث عنه جماعة من الأئمة، على رأسهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة والثوري وأبو أسامة وعبدالله بن إدريس ويزيد بن سنان وعلي بن مسهر وغيرهم، وهؤلاء لا يقارنون بمن رواه عن هشام بزيادة: "فسألت بسرة فصدقته"، لا من جهة الحفظ، ولا من جهة العدد، فإن كل من رواها عن هشام إما صدوق له أوهام أو مقبول في المتابعات، فلم يصل أحد منهم إلى مرتبة الثقة إلا عنبسة بن عبدالواحد، والإسناد إليه حسن، فالراجح كما سبق أن فصلنا أن هذه الزيادة شاذة.

الثالث: يحتمل - والله أعلم - أن يكون السؤال الذي نسب إلى عروة بقوله: "فسألت بسرة" باعتبار أن عروة طلب من مروان أن يرسل إلى بسرة ليسألها فأرسل إليها الحرسي، ونُسب السؤال إلى عروة باعتباره هو من طلب سؤال بسرة، فقد جاء في المنتقى لابن الجارود (16) قلنا: أرسل إليها، فأرسل حرسيًّا أو رجلاً فجاء الرسول بذلك، وعليه يحمل ما جاء في الحديث: "فأنكر ذلك عروة، فسأل بسرة، فصدقته".

وأما رواية هشام، عن أبي بكر، عن عروة بذكر واسطة بين هشام وبين أبيه:

فرواها الطحاوي (1/ 73) من طريق الخصيب بن ناصح، قال:حدثنا همام، عن هشام بن عروة، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عروة أنه كان جالسًا مع مروان... ثم ذكر الحديث.

وقد انفرد الخصيب بن ناصح في هذا الإسناد بكون هشام سمع الحديث من أبي بكر، ولم يسمعه من أبيه، والخصيب بن ناصح قال أبو زرعة: ما به بأس - إن شاء الله تعالى.

وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ، وفي التقريب: صدوق يخطئ.

قال النسائي في سننه (1/ 216): هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث.

وكذلك قال شعبة بن الحجاج كما في المعجم الكبير للطبراني (24/ 202).

وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 73): هشام بن عروة لم يسمع هذا من أبيه، وإنما أخذه من أبي بكر.

فإن كان عمدة هذا القول هو طريق الخصيب بن ناصح، عن همام، عن هشام، فإننا لا نستطيع ترجيح هذا الطريق على سائر الطرق إلى هشام:

أولاً: أن من رواه عن هشام عن عروة، عدد كبير من الأئمة والحفاظ: منهم الثوري وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأبو أسامة وعبدالله بن إدريس ويزيد بن سنان وعلي بن مسهر ويحيى بن سعيد القطان وشعيب بن إسحاق وربيعة بن عثمان والمنذر بن عبدالله الحزامي، وعنبسة بن عبدالواحد وحميد بن الأسود وإسماعيل بن عياش وعلي بن المبارك وعبدالحميد بن جعفر وغيرهم، فهؤلاء ستة عشر راويًا، منهم أئمة متفق على إمامتهم وحفظهم لم يذكروا ما ذكره الخصيب بن ناصح، وقد تقدم تخريج طرقهم.

ثانيًا: أن أحمد بن حنبل رواه في المسند (6/ 406،407) عن يحيى بن سعيد القطان، عن هشام، قال: حدثني أبي. وكذلك رواه الترمذي (82)، والنسائي (447) بالتصريح بسماع هشام عن أبيه.

ثالثًا: أن الطبراني في المعجم الكبير (24/ 202) رقم 519، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: قال شعبة: لم يسمع هشامًا حديث أبيه في مس الذكر، قال يحيى: فسألت هشامًا فقال: أخبرني أبي، إلا أن يحيى بن سعيد أدرك هشامًا في زمن الكبر.

فإن كان هناك متابع للخصيب بن ناصح على روايته عن هشام، عن أبي بكر، فالحمد لله فقد عرفنا الواسطة بين هشام وأبيه، وهو ثقة، وإن كان قد انفرد بهذا الطريق فالنظر يقضي بترجيح طريق عروة عن أبيه على طريق عروة عن أبي بكر، والله أعلم.

وقال الحافظ في التلخيص متعقبًا كلام الطحاوي: رواه الجمهور من أصحاب هشام، عنه عن أبيه بلا واسطة، فإما أن يكون هشام سمعه من أبي بكر، ثم سمعه من أبيه، فكان يحدث به تارة هكذا، وتارة هكذا، أو يكون سمعه من أبيه، وثبته أبو بكر، فكان تارة يذكر أبا بكر، وتارة لا يذكره، وليست هذه علة قادحة عند المحققين. اهـ

وعلى كل حال، فرواية الخصيب بن ناصح، عن همام، عن هشام، عن أبي بكر، عن عروة هذه توافق رواية عبدالله بن أبي بكر، وتوافق رواية الأكثر ممن رواه عن هشام بذكر مروان في الإسناد، وهذا الذي يعنينا: وهو أن المحفوظ من إسناد الحديث ذكر مروان فيه، والله أعلم.

وأما رواية هشام، عن عروة، عن عائشة:

فقد أخرجها الدارقطني (1/ 147) من طريق عبدالرحمن بن عبدالله بن عمر بن حفص العمري، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ويل للذين يمسون فروجهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون)). قالت عائشة: بأبي وأمي، هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: ((إذا مست أحداكن فرجها، فلتتوضأ للصلاة)).

وضعفه الدارقطني بعبدالرحمن العمري.

وقال أحمد: كان كذابًا.

وقال النسائي وأبو حاتم وأبو زرعة: متروك، زاد أبو حاتم: وكان يكذب. اهـ

وجاء من طريق أخرى من مسند عائشة غير هذا الطريق، فقد جاء في كتاب العلل لابن أبي حاتم (1/ 36) سألت أبي عن حديث رواه حسن الحلواني، عن عبدالصمد بن
عبدالوارث، عن أبيه، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن المهاجر بن عكرمة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مس ذكره فليتوضأ)).

ورواه شعيب بن إسحاق، عن هشام، عن يحيى، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من مس ذكره في الصلاة فليتوضأ))، قال أبي: هذا حديث ضعيف، لم يسمعه يحيى من الزهري، وأدخل بينهم رجلاً ليس بالمشهور، ولا أعلم أحدًا روى عنه إلا يحيى، وإنما يرويه الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو أن عروة سمع من عائشة لم يدخل بينهم أحدًا، وهذا يدل على وهن الحديث.

هذا وجه الاختلاف على هشام في حديث الوضوء من مس الذكر، وهذا الطريق وطريق الزهري قد اختلف عليهما اختلافًا كثيرًا، فما وافق طريق عبدالله بن أبي بكر، فهو صحيح، وما خالفه، فهو إما منكر أو شاذ، والله أعلم. ولذلك قال ابن عبدالبر في التمهيد - كما في فتح البر بترتيب التمهيد لابن عبدالبر (3/ 333) -: الصحيح في حديث بسرة: عروة، عن مروان، عن بسرة، وكل من خالف هذا فقد أخطأ فيه عند أهل العلم، والاختلاف فيه كثير على هشام وعلى ابن شهاب، والصحيح فيه عنهما ما ذكرناه في هذا الباب، وقد كان يحيى بن معين يقول: أصح حديث في مس الذكر حديث مالك، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، وكان أحمد بن حنبل يقول نحو ذلك أيضًا. اهـ

الطريق الرابع: رواية أبي الأسود يتيم عروة، عن عروة:

أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 73): حدثنا محمد بن الحجاج وربيع المؤذن، قالا: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود، أنه سمع عروة يذكر عن بسرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -... الحديث.

وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة، وباقي رجاله ثقات إلا أسد بن موسى فإنه صدوق يغرب.

الطريق الخامس: عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن عروة، عن بسرة، بدون ذكر مروان:

أخرجه الترمذي (82) حدثنا علي بن حجر، قال: حدثنا عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة به.

وهذا إسناد ضعيف من أجل عبدالرحمن بن أبي الزناد؛ لأنه من رواية علي بن حجر، وهو بغدادي، وقد قال ابن المديني: ما حدث به بالمدينة فصحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون.

وقال النسائي: لا يحتج بحديثه.

وفي التقريب: صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهًا. وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات.

هذا ما وقفت عليه من طرق حديث بسرة، والراجح فيها - كما قلت -: طريق عروة، عن مروان، عن بسرة.

وللحديث شواهد كثيرة من حديث أم حبيبة وأبي هريرة وعبدالله بن عمرو وغيرهم، وسيأتي تخريجها في صلب الكتاب - إن شاء الله تعالى.

انظر: أطراف المسند (8/ 396)، تحفة الأشراف (15785)، إتحاف المهرة (21362).

([11])  المصنف (1/ 150) ح 1724.

([12])  دراسة الإسناد:

الأول: معلى بن منصور، روى له الجماعة، وفي التقريب: ثقة سني فقيه، طلب للقضاء فامتنع، أخطأ من زعم أن أحمد رماه بالكذب.

الثاني: الهيثم بن حميد: قال أحمد فيه: لا أعلم إلا خيرًا.

وقال يحيى بن معين: لا بأس به. وفي رواية أخرى عنه، قال: ثقة.

وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال أبو داود: ثقة.

وقال أبو زرعة: فأعلم أهل دمشق بحديث مكحول، وأجمعه لأصحابه الهيثم بن حميد.

وقال عبدالرحمن بن إبراهيم: الهيثم بن حميد كان أعلم الآخرين والأولين بقول مكحول.

ولا أعلم أحدًا جرحه إلا علي بن مسهر، وهو جرح غير مفسر لا يقدم على التعديل.

وفي التقريب: صدوق رمي بالقدر.

الثالث: العلاء بن الحارث، قال ابن سعد فيه: كان قليل الحديث، ولكنه كان أعلم أصحاب مكحول، وأقدمهم، وكان يفتي حتى خولط.

وقال أبو حاتم: لا أعلم في أصحاب مكحول أوثق منه.

وقال صاحب الكواكب النيرات (339): أطلق يحيى بن معين وعلي المديني ويعقوب بن سفيان ودحيم وأبو داود القول بتوثيقه، لكنه خلط.

في التقريب: صدوق فقيه رمي بالقدر، وقد اختلط. اهـ

ولم أجد أحدًا نص على من سمع منه قبل الاختلاط أو بعده، لكن يمكن أن يقال: ما دام أن الراوي عن العلاء بن الحارث هو الهيثم بن حميد، والهيثم من أصحاب مكحول، فاشتراكه هو وشيخه العلاء بن الحارث في السماع من مكحول دليل على أن الهيثم من كبار أصحاب العلاء، فإذا أضفت إلى ذلك أن الراوي عن العلاء قد قيل فيه: إنه من أعلم الناس بقول مكحول، زال ما يخشى من خطأ العلاء بسبب اختلاطه، ثم إن جميع من تكلم في الحديث لم يعلّوه بالعلاء، وإنما تكلموا فيه هل سمع مكحول من عنبسة أم لا؟ وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات، ومع ذلك فالإسناد منقطع، حيث قال البخاري ويحيى بن معين أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي: لم يسمع مكحول من عنبسة. انظر جامع التحصيل (796)، تهذيب التهذيب (10/ 258)، تلخيص الحبير (1/ 217).

وخالفهم دحيم، قال الحافظ في التلخيص (1/ 217): وهذا أعرف بحديث الشاميين، فأثبت سماع مكحول من عنبسة. اهـ

لكن يعارض أبا دحيم قولُ يحيى بن معين: قال أبو مسهر: لم يسمع مكحول من عنبسة. وأبو مسهر شامي، وهو أكبر من دحيم، وقد قال يحيى بن معين في ترجمة أبي مسهر: من ثبت أبو مسهر من الشاميين فهو مثبت، وقال أيضًا: إن الذي يحدث بالبلد، وبها من هو أولى منه بالحديث أحمق، إذا رأيتني أحدث ببلدة فيها مثل أبي مسهر فينبغي للحيتي أن تحلق، فإذا أضفت إلى قول أبي مسهر قول الأئمة كالبخاري والنسائي وأبي زرعة وأبي حاتم ويحيى بن معين، لم تكن كفة أبي دحيم راجحة عليهم، وعلى كلٍّ سواء رجحنا سماعه أم لا، فإن مكحولاً مدلس، وقد عنعن، وهو من المكثرين فعنعنته على الانقطاع، والله أعلم.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة: مكحول الدمشقي مدلس وقد رواه بالعنعنة، فوجب ترك حديثه، لا سيما وقد قال البخاري في التاريخ الصغير وأبو زرعة وهشام بن عمار وأبو مسهر وغيرهم: إنه لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان، فالإسناد منقطع. اهـ

وأعله البخاري بعلة أخرى، قال في التاريخ الكبير (7/ 37): روى الهيثم بن حميد، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة، عن أم حبيبة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مس الذكر، ويرونه وهمًا؛ لأن النعمان بن المنذر قال: عن مكحول، أن ابن عمر - مرسل - كان يتوضأ منه. اهـ

[تخريج الحديث]:

الحديث رواه ابن ماجه (481) من طريق ابن أبي شيبة به.

وأخرجه ابن ماجه أيضًا والطبراني في الكبير (23/ 235) ح 451 من طريق مروان بن محمد.

وأخرجه أبو يعلى في مسنده (7144) والطبراني في الكبير (23/ 235) رقم 45، والطحاوي (1/ 75)، والبيهقي (1/ 130) من طريق أبي مسهر.

وأخرجه الطحاوي (1/ 75) أيضًا من طريق عبدالله بن يوسف، كلهم رووه عن الهيثم بن حميد به.

انظر: تحفة الأشراف (15864)

[13] المعجم الصغير (1/ 42).

[14] دراسة الإسناد:

- أحمد بن عبدالله بن العباس الطائي:

له ترجمة في تاريخ بغداد، وسكت عليه فلم يذكر فيه جرحًا. تاريخ بغداد (4/ 220)، لكنه قد توبع كما في صحيح ابن حبان، تابعه علي بن أحمد بن سليمان العدل، وعمران بن فضالة الشعيري بالموصل، انظر الموارد (1445).

- أحمد بن سعيد الهمداني:

قال النسائي: ليس بالقوي.

وقال أبو عبدالرحمن النسوي: لو رجع أحمد بن سعيد الهمداني عن حديث بكير بن الأشج في الغار، لحدثت عنه.

ووثقه أحمد بن صالح.

وقال زكريا الساجي: ثبت.

ووثقه العجلي.

وذكره ابن حبان في الثقات، وخرج له في صحيحه.

وقال الذهبي: لا بأس به.

وقال أبو علي الغساني: كان مقدمًا في الحديث فاضلاً. انظر حاشية تهذيب الكمال للدكتور بشار (1/ 3147).

- أصبغ بن الفرج:

قال أبو حاتم: صدوق، وقال: كان أجل أصحاب ابن وهب.

ووثقه العجلي، وقال مرة: لا بأس به.

وقال أبو علي بن السكن: ثقة ثقة.

ووثقه ابن حبان، وخرج له هو وابن خزيمة في صحيحيهما.

وقال ابن معين: كان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك، يعرفها مسألة مسألة، متى قالها مالك، ومن خالفه فيها. وفي التقريب: ثقة.

-  عبدالرحمن بن القاسم:

قال النسائي: ثقة مأمون، أحد الفقهاء.

وقال الحاكم أبو عبدالله: ثقة مأمون.

ووثقه الخطيب، وروى له البخاري، وفي التقريب: ثقة.

-  يزيد بن عبدالملك:

في التقريب: ضعيف. اهـ

لكن تابعه نافع بن عبدالرحمن بن أبي نعيم القارئ، وقد وثقه يحيى بن معين، وقال أحمد: كان يؤخذ عنه القرآن، وليس في الحديث بشيء، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي فيه كلامًا منه: لم أر في أحاديثه شيئًا منكرًا، وأرجو أنه لا بأس به.

وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث.

وقال الساجي: صدوق اختلف أحمد ويحيى، فقال أحمد: منكر الحديث، وقال يحيى بن معين: ثقة. وفي التقريب: صدوق ثبت بالقراءة.

فالإسناد حسن من طريق نافع وحده، وأما يزيد بن عبدالملك فإنه على ضعفه قد اختلف عليه في إسناده، فقال الحافظ في التلخيص (1/ 220): أدخل البيهقي في الخلافيات بين يزيد بن عبدالملك النوفلي وبين المقبري رجلاً؛ فإنه أخرجه من طريق الشافعي، عن عبدالله بن نافع، عن النوفلي، عن أبي موسى الحناط، عن المقبري به، وقال: قال ابن معين: أبو موسى هذا رجل مجهول. اهـ

قلت: عبدالله بن نافع ضعيف، لكن أخرجه الطبراني أيضًا - كما في مجمع البحرين
(450) - من طريق خالد بن نزار، ثنا يزيد بن عبدالملك النوفلي، عن أبي موسى الحناط به.

وهذا إسناد ضعيف أيضًا؛ مقدام بن داود ضعفه النسائي والدارقطني.

وقال مسلمة بن قاسم: روايته لا بأس بها.

وخالد بن نزار، صدوق يخطئ.

وقد رواه عن يزيد جماعة من الرواة لم يذكروا فيه أبا موسى، منهم: معن بن عيسى القزاز، وعبدالرحمن بن القاسم، ويحيى بن يزيد، وعبدالعزيز بن عبدالله الأويسي، وإسحاق بن محمد الفروي وغيرهم، لكن يزيد متكلم فيه، وقد تابعه نافع بن عبدالرحمن بن أبي نعيم القارئ، وهو صدوق، فيكون الحديث صحيحًا لغيره، والله أعلم.

[تخريج الحديث]:

الحديث أخرجه ابن حبان كما في الموارد (210) من طريقين عن أحمد بن سعيد الهمداني به بإسناد الطبراني، بذكر نافع بن عبدالرحمن بن أبي نعيم ويزيد بن عبدالملك.

وأخرجه الحاكم (1/ 138) من طريق نافع بن عبدالرحمن بن أبي نعيم وحده، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري به، وقال: هذا حديث صحيح.

وأخرجه من طريق يزيد بن عبدالملك وحده جماعة، منهم:

الشافعي في الأم (1/ 19)، ومن طريق الشافعي أخرجه البغوي في شرح السنة (166) عن سليمان بن عمرو ومحمد بن عبدالله.

وأخرجه أحمد (2/ 333) عن يحيى بن يزيد بن عبدالملك.

وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 74)، والبزار كما في كشف الأستار
(286) من طريق معن بن عيسى القزاز.

وأخرجه الدارقطني (1/ 147) من طريق عبدالعزيز بن عبدالله الأويسي، كلهم عن يزيد بن عبدالملك النوفلي به.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 245): رواه أحمد والطبراني في الأوسط والصغير، وفيه يزيد بن عبدالملك النوفلي، وقد ضعفه أكثر الناس، ووثقه يحيى بن معين ولم ينتبه الهيثمي لمتابعة نافع.

وحسَّن إسنادَه ابن عبدالبر في التمهيد - كما في فتح البر (3/ 335، 336) - من طريق أحمد بن سعيد الهمداني، حدثنا أصبغ بن فرج، حدثنا عبدالرحمن بن القاسم، حدثنا نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبدالملك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة.

قال ابن عبدالبر: قال ابن السكن: هذا الحديث من أجود ما روي في هذا الباب؛ لرواية ابن القاسم له عن نافع بن أبي نعيم، وأما يزيد فضعيف. اهـ

قال ابن عبدالبر: كان هذا الحديث لا يعرف إلا ليزيد بن عبدالملك النوفلي هذا، وهو مجمع على ضعفه، حتى رواه عبدالرحمن بن القاسم - صاحب مالك - عن نافع بن أبي نعيم القارئ، وهو إسناد صالح إن شاء الله تعالى، وقد أثنى ابن معين على عبدالرحمن بن القاسم في حديثه ووثقه، وكان النسائي يثني عليه أيضًا في نقله عن مالك لحديثه، ولا أعلمهم يختلفون في ثقته، ولم يرو هذا الحديث عنه، عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبدالملك إلا أصبغ بن الفرج، وأما سحنون فإنما رواه عن ابن القاسم عن يزيد وحده، وذكر عن ابن القاسم أنه استقر قوله أنه لا إعادة على من مس ذكره وصلى لا في وقت ولا في غيره، واختار ذلك سحنون أيضًا.اهـ

فتبين من كلام ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى - أن ابن القاسم هو الذي انفرد بذكر نافع بن أبي نعيم في الإسناد، وأنه قد اختلف عليه فرواه أصبغ بن الفرج بزيادة نافع، ورواه سحنون عن ابن القاسم عن يزيد بن عبدالملك وحده.

قلت: كذلك رواه البيهقي في الخلافيات (522، 523) من طريق يحيى بن بكير: قال: ثنا عبدالرحمن بن القاسم، عن يزيد بن عبدالملك النوفلي وحده، ولم يذكر في الإسناد نافع بن أبي نعيم.

وقد ذكره الدارقطني في العلل (8/ 131) وصوب وقفه على أبي هريرة.

والحديث شاهد لحديث بسرة وأم حبيبة - رضي الله عنهما.

انظر: إتحاف المهرة (18426)، أطراف المسند (7/ 245).

[15] المسند (2/ 223).

[16] دراسة الإسناد:

الأول: عبدالجبار بن محمد:

ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة، انظر تعجيل المنفعة (603).

ولم ينفرد به؛ بل تابعه جماعة، منهم الإمام إسحاق بن راهويه كما في مسنده وفي الاعتبار للحازمي.

وتابعه أيضًا أحمد بن الفرج الحمصي كما في منتقى ابن الجارود (19).

وتابعه كذلك الخطاب بن عثمان الفوزي، كما في شرح معاني الآثار (1/ 75).

الثاني: بقية:

ثقة في حديثه عن الشاميين، صدوق في غيرهم، وشيخه هنا شامي، وأما ما يتهم به من تدليس التسوية، فذاك مشهور عنه، فلا بد أن يصرح بالتحديث من شيخه وشيخ شيخه، وقد صرح في إسناد ابن الجارود في المنتقى بالتحديث من شيخه الزبيدي، وصرح الزبيدي بالتحديث من شيخه عمرو بن شعيب، وأما عنعنة عمرو عن أبيه، وعنعنة أبيه عن جده، فلا يتحملها بقية؛ لأن رواية عمرو عن أبيه عن جده أكثرها من صحيفة، فهي تروى هكذا بالعنعنة، فلا تكون تبعتها على بقية، وسند عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مختلف فيه، والذي أميل إليه أن هذا الإسناد من قبيل الحسن، وقد حررت النقول عن أهل العلم في كتاب الحيض والنفاس، وهو مطبوع فارجع إليه إن شئت.

وقد قال الترمذي في العلل الكبير (1/ 161): قال محمد - يعني البخاري - حديث
عبدالله بن عمرو في مس الذكر هو عندي صحيح. اهـ

وقال الحازمي: هذا إسناد صحيح؛ لأن إسحاق بن إبراهيم إمام غير مدافع، وقد أخرجه في مسنده، وبقية ثقة في نفسه، وإذا روى عن المعروفين فمحتج به، وقد أخرج مسلم بن الحجاج فمن بعده من أصحاب الصحاح حديثه محتجين به، والزبيدي هو محمد بن الوليد  قاضي دمشق، من ثقات الشاميين، محتج به في الصحاح كلها، وعمرو بن شعيب ثقة باتفاق أئمة الحديث، وإذا روى عن غير أبيه لم يختلف أحد في الاحتجاج به، وأما روايته عن أبيه عن جده، فالأكثر على أنها متصلة، ليس فيها إرسال ولا انقطاع.... إلخ كلامه - رحمه الله.

[تخريج الحديث]:

الحديث أخرجه الحازمي في الاعتبار (ص: 44) من طريق إسحاق بن راهويه.

وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (19) والدارقطني (1/ 147)، والبيهقي في السنن
(1/ 132) عن أحمد بن الفرج الحمصي.

وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 75) من طريق الخطاب بن عثمان الفوزي، كلهم عن بقية بن الوليد به.

وأخرجه البيهقي (1/ 132،133) من طريق حمزة بن ربيعة، ثنا يحيى بن راشد، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب، فذكره بإسناده ومعناه. قال البيهقي: وهكذا رواه عبدالله بن المؤمل، عن عمرو.

قلت: هكذا قال البيهقي: فذكر بإسناده ومعناه، وظاهر فعل البيهقي أن الإسناد هو نفس إسناد حديث الزبيدي ومعناه، وبالرجوع إلى كتب السنة لمعرفة الإسناد والمعنى، وجدت فيه بعض المخالفة التي لم ينبه عليها البيهقي - رحمه الله تعالى.

فقد روى الطبراني - كما في مجمع البحرين (452) - حديث عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن بسرة بنت صفوان سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة تدخل يدها في فرجها، فقال: ((عليها الوضوء)).

وحديث بسرة المعروف أنه في مس الذكر كما بينا في تخريج الدليل الأول، خاصة أن هذا الإسناد فيه سليمان بن داود المنقري، وهو متروك، وفيه عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو صدوق يخطئ، وقد رمي بالقدر، وتغير بآخره.

وتابعه عبدالله بن المؤمل كما في شرح معاني الآثار (1/ 75)، وعبدالله ضعيف.

فالمعروف من حديث عمرو بن شعيب، أنه ليس فيه ذكر لبسرة بنت صفوان.

ورواه إسحاق بن راهويه (5/ 68) والبيهقي (1/ 133) من طريق المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن بسرة بنت صفوان إحدى نساء بني كنانة، أنها قالت: يا رسول الله، كيف ترى في إحدانا تمس فرجها، والرجل يمس ذكره بعد ما يتوضأ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تتوضأ يا بسرة بنت صفوان))، قال عمرو: وحدثني سعيد بن المسيب أن مروان أرسل إليها ليسألها، فقالت: دعْني؛ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده فلان وفلان وفلان وعبدالله بن عمر، فأمرني بالوضوء.

وهذا إسناد منكر تفرد به المثنى بن الصباح، وهو ضعيف، وقد خالف فيه من هو أوثق منه: محمد بن الوليد الزبيدي في إسناده ومتنه. قال البيهقي: خالفهم المثنى بن الصباح عن عمرو في إسناده، وليس بالقوي. اهـ

إتحاف المهرة (11703)، أطراف المسند (4/ 50)

[17] الأم (1/ 19).

[18] في إسناده: عبدالله بن نافع، جاء في ترجمته:

قال أحمد: لم يكن صاحب حديث، كان ضيقًا فيه، وكان صاحب رأي مالك، وكان يفتي أهل المدينة برأي مالك، ولم يكن في الحديث بذاك. الجرح والتعديل (5/ 183).

وقال أبو زرعة: لا بأس به. المرجع السابق.

وقال أبو حاتم: ليس بالحافظ، هو لين تعرف حفظه وتنكر، وكتابه أصح. المرجع السابق.

وقال البخاري: يعرف حفظه وينكر، وكتابه أصح. التاريخ الكبير (5/ 213).

وقال أيضًا: في حفظه شيء. تهذيب التهذيب (6/ 47).

وقال النسائي: ليس به بأس. وقال في موضع آخر: ثقة. المرجع السابق.

وقال الدارقطني: فقيه يعتبر به. المرجع السابق.

وفي التقريب: ثقة، صحيح الكتاب، في حفظه لين.

وقد توبع في الإسناد، فزال ما يخشى من قبل حفظه كما سيأتي في تخريج الحديث، ولكن علة الحديث عقبة بن عبدالرحمن لم يرو عنه إلا ابن أبي ذئب، ولم يوثقه إلا ابن حبان.

وقال ابن المديني: شيخ مجهول.

وقال الذهبي في الميزان (3/ 86): لا يعرف، له عن محمد بن عبدالرحمن عن جابر، وعنه ابن أبي ذئب: من مس فرجه فليتوضأ، قال البخاري: لا يصح خبره.اهـ

وفي التقريب: مجهول.

وفي تلخيص الحبير (1/ 216) قال ابن عبدالبر: إسناده صالح.

لكن قال ابن عبدالبر في التهذيب (7/ 245): غير مشهور بحمل العلم.

وقال الضياء: لا أعلم بإسناده بأسًا. قلت: هذا الكلام لا يتفق مع ما قيل في ترجمته، فقد جهله ابن المديني والحافظان الذهبي وابن حجر، والله أعلم.

كما أن للحديث علة أخرى، فقد اختلف في وصله وإرساله - كما سيأتي إن شاء الله تعالى في تخريج الحديث.

[ تخريج الحديث]:

الحديث أخرجه البيهقي (1/ 134) من طريق الشافعي به.

وأخرجه ابن ماجه (481) من طريق معن بن عيسى وعبدالله بن نافع جميعًا عن ابن أبي ذئب به، وهذه متابعة من معن - وهو ثقة - لعبدالله بن نافع، ولكن علة الحديث كما أفصحت ليست من ابن نافع، ولكن من عقبة بن عبدالرحمن.

وأخرجه الطحاوي (1/ 74) من طريق دحيم، ثنا عبدالله بن نافع به.

والحديث على ضعفه اختلف في وصله وإرساله، وهذا الاختلاف - والله أعلم - من قِبل عقبة بن عبدالرحمن، وهو دليل على ضعفه.

فقد أخرجه الشافعي في الأم (1/ 19)، ومن طريقه البيهقي (1/ 134) عن ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبدالرحمن، عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره، فليتوضأ)).

وأخرجه الطحاوي (1/ 75) من طريق أبي عامر، ثنا ابن أبي ذئب به مرسلاً.

قال الشافعي: وسمعت غير واحد من الحفاظ يروونه لا يذكرون فيه جابرًا.

وقال الطحاوي: كل من رواه عن ابن أبي ذئب من الحفاظ يقطعه، ويوقفه على محمد بن عبدالرحمن.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 19): سألت أبي عن حديث رواه دحيم، عن عبدالله بن نافع الصائغ، عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبدالرحمن بن أبي معمر، عن محمد بن
عبدالرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبدالله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مس ذكره فليتوضأ))، قال أبي: هذا خطأ، الناس يروونه عن ابن ثوبان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، لا يذكرون جابرًا.

انظر طرقه في: إتحاف المهرة (3121)، تحفة الأشراف (2591).

[19] سنن الدارقطني (1/ 147).

[20] في إسناده إسحاق بن محمد الفروي، جاء في ترجمته:

قال أبو حاتم: كان صدوقًا، ولكنه ذهب بصره، فربما لقن الحديث، وكتبه صحيحة. الجرح والتعديل (2/ 233).

وقال النسائي: ليس بثقة. الضعفاء والمتروكين (49).

وسكت عليه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 401).

وفي الضعفاء للعقيلي: جاء عن مالك بأحاديث كثيرة لا يتابع عليها، وسمعت أبا جعفر الصائغ يقول: كان إسحاق الفروي كُفَّ وكان يلقن. الضعفاء الكبير (1/ 106).

وقال الآجري: سألت أبا داود، فوهاه جدًّا. تهذيب التهذيب (1/ 217).

وقال الدارقطني: لا يترك. المرجع السابق.

وفي التقريب: صدوق كف، فساء حفظه، وقد روى له البخاري.

وفي إسناده أيضًا عبدالله العمري، ضعيف في حفظه.

والحديث قد رواه ابن عدي في الكامل (4/ 142) من طريق عثمان بن معبد بن نوح به، وله طرق كثيرة إلى ابن عمر، هذا أحدها.

الثاني: ما رواه الطحاوي (1/ 74)، والبزار (285) من طريق صدقة بن عبدالله، عن هاشم بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مس فرجه فليتوضأ)).

وفي الإسناد: صدقة بن عبدالله بن هاشم، قال أحمد: ليس بشيء، ضعيف الحديث.

وضعفه يحيى بن معين والبخاري وأبو زرعة والنسائي.

وقال مسلم: منكر الحديث.

وقال دحيم في رواية: ثقة. وقال في رواية أخرى: مضطرب الحديث، ضعيف. وفي التقريب: ضعيف.

وفي إسناده أيضًا: هاشم بن زيد، هكذا في إسناد البزار، وفي الطحاوي: هشام بن زيد، ولعل ما في البزار هو الصواب، وله ترجمة في الجرح والتعديل (9/ 103) قال أبو حاتم: ضعيف.

وقال الهيثمي في المجمع (1/ 245): في سند البزار هاشم بن زيد، وهو ضعيف جدًّا.

وقال الطحاوي: ليس من أهل العلم الذين يَثبُت بروايتهم مثلُ هذا.

الطريق الثالث: ما رواه الطحاوي (1/ 74)، والطبراني في الكبير (12/ 217)، وابن عدي في الكامل (5/ 223) من طريق العلاء بن سليمان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مس ذكره فليتوضأ)).

قال ابن عدي: العلاء منكر الحديث، ويأتي بأسانيد ومتون لا يتابعه عليها أحد.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 245): وفي سند الكبير العلاء بن سليمان، وهو ضعيف جدًّا.

الطريق الرابع: ما رواه البيهقي في المعرفة (1/ 391،392) قال: أخبرنا أبو سعد الماليني، ثنا أبو أحمد بن علي الحافظ، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبدالرحمن بن سلام، ثنا سليم بن مسلم أبو مسلم، عن ابن جريج، عن عبدالواحد بن قيس، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((من مس ذكره فليتوضأ)).

ورواه ابن عدي في الكامل (3/ 319) في ترجمة سليم بن مسلم: وسليم هذا، قال النسائي فيه: متروك الحديث. الكامل (3/ 319).

وقال ابن معين: جهمي خبيث.

وقال أخرى: ليس بثقة. المرجع السابق.

وقال أحمد: رأيته بمكة، ليس يسوى حديثه شيئًا، ليس بشيء، وكان يتهم برأي جهم. العلل (2/ 307).

وقال أبو حاتم: منكر الحديث. الجرح والتعديل (3/ 314).

وقال أبو زرعة: ليس بقوي. المرجع السابق.

وعبدالواحد لا يروي عن ابن عمر، وإنما يروي عن نافع عنه، ففي الإسناد انقطاع، قال ابن حبان في المجروحين (2/ 153): شيخ يروي عن نافع، وروى عنه الأوزاعي، والحسن بن ذكوان، ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، فلا يجوز الاحتجاج بما خالف الثقات، فإن اعتبر معتبر بحديثه الذي لم يخالف الأثبات فيه، فحسن. اهـ

الطريق الخامس: ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (4/ 310) من طريق عبدالعزيز بن أبان، حدثنا سفيان الثوري، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وهذا ضعيف جدًّا؛ فيه عبدالعزيز بن أبان، قال في التقريب: متروك، وكذبه ابن معين وغيره، ونسبه الحافظ في تلخيص الحبير (1/ 218) إلى الحاكم في المستدرك، ولم أجده فيه، ولم يذكره الحافظ في إتحاف المهرة، والمعروف من حديث ابن عمر موقوفًا عليه.

وانظر في مراجعة طرق الحديث: إتحاف المهرة (10618) و(11437) و(9564).

[21] سنن ابن ماجه (482).

[22] في إسناده سفيان بن وكيع، قال عنه الحافظ في التقريب: كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بوراق فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه.

وفيه إسحاق بن أبي فروة، قال البوصيري في الزوائد: اتفقوا على ضعفه، وقد سبقت ترجمته في حديث ابن عمر المتقدم.

انظر تحفة الأشراف (3470).

[23] تاريخ بغداد (13/ 425).

[24] في إسناده الضحاك بن حجوة، قال الدارقطني: كان يضع الحديث. المغني (1/ 311).

وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا للمعرفة فحسب. المجروحين (1/ 379).

وفيه أيضًا: ناجية بن حيان البغدادي، ذكره الخطيب ولم يذكر فيه جرجًا ولا تعديلاً. تاريخ بغداد (513/ 425).

وفيه أبو هلال الراسبي، وهو محمد بن سليم البصري، قال ابن سعد: فيه ضعف. تهذيب التهذيب (9/ 173).

قال البخاري: كان يحيى بن سعيد لا يروي عنه، وكان ابن مهدي يروي عنه. التاريخ الكبير (1/ 105).

وقال النسائي: ليس بالقوي. الضعفاء والمتروكين (516).

وقال ابن معين: صويلح. الجرح والتعديل (7/ 273).

وقال مرة: صدوق. تهذيب التهذيب (9/ 173).

وقال أحمد: قد احتمل حديثه، إلا أن يخالف في حديث قتادة، وهو مضطرب الحديث عن قتادة. الجرح والتعديل (7/ 273).

في التقريب: صدوق فيه لين.

[25] المصنف (1/ 152).

[26] في إسناده قيس بن طلق، ومع كونه لين الحديث، فقد انفرد بهذا الحديث، والصدوق إذا انفرد بحديث، وكان هو الأصل في الباب، ولا يعلم له أصل غيره، لم يقبل تفرده، هذا هو عمل المتقدمين، فكيف إذا انفرد بالحديث رجل متكلَّم فيه، جاء في ترجمته:

قال الدارقطني: ليس بالقوي.

وقال أحمد: غيره أثبت منه. تهذيب التهذيب (8/ 356).

وهذه العبارة من عبارات الجرح، بخلاف ما لو قال: فلان أثبت منه، وذكر اسمه، فيحمل على أن كلاًّ منهما ثبت، وأحدهما أثبت من الآخر.

وقال الشافعي: قد سألنا عن قيس بن طلق، فلم نجد من يعرفه، بمَ يكون لنا قبول خبره؟! المرجع السابق.

وقال الدارقطني في سننه (1/ 139)، ونقله عنه البيهقي في السنن (1/ 135) قال: قال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث محمد بن جابر، فقالا: قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة، ووهناه، ولم يثبتاه. اهـ

وتعقب هذا الكلام أحد المعاصرين، قائلاً: كيف يفلت محمد بن جابر من تبعة الحديث، وتلصق بقيس بن طلق، وقيس وثقه ابن معين وغيره، بل الآفة ابن جابر هذا، ولكنه لم يتفرد بالحديث، فقد تابعه عبدالله بن بدر، عن قيس. اهـ

قلت: لم يتكلم أبو زرعة وأبو حاتم عن محمد بن جابر؛ لأن مدار الحديث على قيس بن طلق، فكلامهما منصب على من يدور عليه الحديث، وأما معارضة جرح أبي زرعة وأبي حاتم بتوثيق ابن معين، فليس كلام ابن معين حجة على أبي زرعة وعلى أبي حاتم؛ لكونهما من أئمة الجرح والتعديل، فكيف وقد وافق كلامهما كلام الإمام أحمد والشافعي والدارقطني وابن معين في إحدى الروايتين عنه؟!

وقد اختلف قول ابن معين فيه؛ فقد ضعفه في رواية، كما نقل ذلك سبط ابن العجمي في حاشيته على الكاشف، وذكر ذلك الحافظ الذهبي في الميزان (3/ 397).

وأما ما أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 139)، ومن طريقه البيهقي (1/ 135) عن عبدالله بن يحيى القاضي السرخسي، ثنا رجاء بن مرجي الحافظ، قال: اجتمعنا في مسجد الخيف، أنا وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين، فتناظروا في مس الذكر، فقال يحيى بن معين: يتوضأ منه، وقال علي بن المديني بقول الكوفيين، وتقلد قولهم، واحتج يحيى بن معين بحديث بسرة بنت صفوان، واحتج علي بن المديني بحديث قيس بن طلق، عن أبيه، وقال ليحيى بن معين: كيف تتقلد إسناد بسرة، ومروان إنما أرسل شرطيًّا حتى رد جوابها إليه؟ فقال يحيى: لم يقنع عروة حتى أتى بسرة فسألها، وشافهته بالحديث، ثم قال يحيى: ولقد أكثر الناس في قيس بن طلق، وأنه لا يحتج بحديثه.... إلخ المناظرة.

فهذا إسناد ضعيف جدًّا، لأن في إسناده عبدالله بن يحيى القاضي السرخسي، قال عنه في الميزان (2/ 524): لقيه أحمد بن عدي، واتهمه بالكذب في روايته عن علي بن حجر ونحوه... وضعفها ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 135)، والمعتمد في تضعيف يحيى بن معين ما نقله الذهبي وسبط بن العجمي، لا هذه الرواية.

وقد وثقه ابن معين في رواية، قال عثمان بن سعيد الدارمي: سألت يحيى بن معين، قلت: عبدالله بن النعمان، عن قيس بن طلق؟ قال: شيوخ يمامية ثقات.

وجاء في نصب الراية للزيلعي (1/ 62): ذكر عبدالحق في أحكامه حديث طلق، وسكت عنه، فهو صحيح عنده على عادته في مثل ذلك، وتعقبه ابن القطان في كتابه، فقال: إنما يرويه قيس بن طلق، عن أبيه، وقد حكى الدارقطني في سننه، عن ابن أبي حاتم أنه سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث، فقالا: قيس بن طلق... وذكر الكلام المتقدم عنهما. ثم قال ابن القطان: والحديث مختلف فيه، فينبغي أن يقال فيه: حسن، ولا يحكم بصحته. اهـ

قلت: هل كل حديث يختلف في صحته وضعفه يكون حسنًا؟! حتى الراوي إذا اختلف في توثيقه وتضعيفه لا يجعل حديثه من قبيل الحسن، بل هناك قواعد في هذا، منها إذا ثبت الجرح والتعديل من أئمة معتبرين لم يعرف عنهما التشدد ولا التساهل، كان الجرح مقدمًا؛ لأن مع الجارح زيادة علم ليست مع المعدل، فإذا تأملت قيسًا هذا رأيت أن من جرح قيس بن طلق كالإمام أحمد وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني والشافعي وابن معين في إحدى الروايتين عنه، فهؤلاء لا شك أنهم مقدَّمون في جرحهم على توثيق ابن حبان والعجلي، وأما ابن حجر، فقد قال في التقريب: صدوق، ومعلوم أن ابن حجر قد رُزق اعتدالاً وسبرًا إلا أن عمدته كلام المتقدمين، وقد علمت أقوالهم فيه، ولا أعلم أحدًا تابع قيس بن طلق في حديثه عن أبيه، كما لا أعلم شاهدًا معتبرًا لحديث طلق هذا، فلذا أجد نفسي تميل إلى تليين قيس بن طلق، ولا أجرؤ على مخالفة الإمام أحمد وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني لكلام ابن حبان والعجلي، والله أعلم.

[تخريج الحديث]:

الحديث مداره على قيس بن طلق، عن أبيه، ويرويه عن قيس جماعة، منهم:

الأول: عبدالله بن بدر، عن قيس به. أخرجه ابن أبي شيبة كما في إسناد الباب، وأبو داود (182)، والترمذي (85)، والنسائي (165)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 75،76)، والدارقطني (1/ 149)، والبيهقي في السنن (1/ 134) من طريق ملازم بن عمرو، عن عبدالله بن بدر به.

الثاني: محمد بن جابر، عن قيس بن طلق، أخرجه عبدالرزاق (426) عن هشام بن حسان.

وأخرجه أحمد (4/ 23) عن موسى بن داود.

وأخرجه أبو داود (183) عن مسدد.

وأخرجه ابن ماجه (483) من طريق وكيع.

وأخرجه الدارقطني (1/ 149) من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل.

وأخرجه ابن الجارود (20)، والطحاوي (1/ 75)، والحازمي في الاعتبار (ص:81) من طريق سفيان.

وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 330) من طريق يحيى بن إسحاق السيلحيني، كلهم عن محمد بن جابر به.

ومحمد بن جابر، جاء في ترجمته:

قال البخاري: محمد بن جابر عن قيس بن طلق وحماد، ليس بالقوي عندهم. ضعفاء البخاري (313)، الضعفاء الكبير (4/ 41).

وقال أحمد: كان محمد بن جابر ربما ألحق في كتابه أو يلحق في كتابه؛ يعني: الحديث. الجرح والتعديل (7/ 219).

وقال يحيى بن معين: كان أعمى واختلط عليه حديثه، وكان كوفيًّا، فانتقل إلى اليمامة، وهو ضعيف. المرجع السابق.

وقال عمرو بن علي: صدوق كثير الوهم. المرجع السابق، زاد ابن عدي عنه في الكامل (6/ 148): متروك الحديث.

وقال أبو حاتم: ذهبت كتبه في آخر عمره، وساء حفظه، وكان يلقن، وكان
عبدالرحمن بن مهدي يحدث عنه، ثم تركه بعد، وكان يروي أحاديث مناكير، وهو معروف بالسماع، جيد اللقاء، رأوا في كتبه لحقًا، وحديثه عن حماد فيه اضطراب، روى عنه عشرة من الثقات. المرجع السابق

وسئل أبو حاتم عنه وعن ابن لهيعة، فقال: محلهما الصدق، ومحمد بن جابر أحب إلي من ابن لهيعة. المرجع السابق.

وقال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (533).

وقال أحمد بن حنبل: لا يحدث عنه إلا شر منه. تهذيب التهذيب (9/ 78).

وقال أبو داود: ليس بشيء. المرجع السابق.

وفي التقريب: صدوق ذهبت كتبه، فساء حفظه.

الطريق الثالث: أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق:

أخرجه أبو داود الطيالسي (1096) ومن طريق أبي داود أخرجه الحازمي في الاعتبار (ص: 82).

وأخرجه ابن الجعد في مسنده (3299).

وأخرجه أحمد (4/ 22) عن حماد بن خالد.

وأخرجه الطحاوي (1/ 65، 67) من طريق حجاج وأسود بن عامر وخلف بن الوليد وأحمد بن يونس وسعيد بن سليمان، جميعهم عن أيوب بن عتبة به.

وأيوب بن عتبة قال عنه الحافظ في التقريب: ضعيف.

الطريق الرابع: أيوب بن محمد، عن قيس:

أخرجه الدارقطني في السنن (1/ 149)، وقال: أيوب مجهول.

الطريق الخامس: عكرمة بن عمار، عن قيس به، أخرجه ابن حبان في صحيحه
(1121).

انظر أطراف المسند (2/ 623)، تحفة الأشراف (5023)، إتحاف المهرة (6661).

وحديث طلق هذا معارض في ظاهره لحديث بسرة بنت صفوان، وقد اختلف العلماء في الموقف منهما، فهناك من جمع بينهما، وسوف يأتي وجه الجمع - إن شاء الله تعالى - في أدلة القول الثالث والرابع، واختار بعضهم الترجيح، فهناك من رجح حديث بسرة، وهناك من رجح حديث طلق بن علي.

ذكر من رجح حديث بسرة:

ذهب جماعة من أهل العلم إلى تقديم حديث بسرة على حديث طلق، منهم البخاري رحمه الله تعالى، والإمام أحمد والترمذي والإسماعيلي والبيهقي وابن عبدالبر والدارقطني وأبو حاتم وأبو زرعة والشافعي وابن حبان وابن حزم وغيرهم.

قال الترمذي: قال محمد - يعني: البخاري -: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة. السنن (1/ 129).

وقال البيهقي: يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يخرجه الشيخان، ولم يحتجا بأحد من رواته، وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته، إلا أنهما لم يخرجاه؛ للاختلاف فيه على عروة، وعلى هشام بن عروة، وقد بينا أن الاختلاف لا يمنع من الحكم بصحته، وإن نزل على شرط الشيخين.

وتقدم أيضًا عن الإسماعيلي أنه ألزم البخاري إخراجه لإخراج نظيره في الصحيح، وقد ضعَّف حديثَ طلق الشافعيُّ وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي، وكل هؤلاء ذكرهم الحافظ في التلخيص.

وفي التمهيد لابن عبدالبر - كما في فتح البر بترتيب التمهيد لابن
عبدالبر (3/ 338) -: قال أبو بكر الأثرم: سئل أبو عبدالله عن الوضوء من مس الذكر؟ فقال: نعم، نرى الوضوء من مس الذكر، قيل له: من لم يره أتعنفه؟ فقال: الوضوء أقوى. قال: من قال: لا وضوء؟ قال: الوضوء أكثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه، وعن التابعين. اهـ.

ومن وجوه ترجيح حديث بسرة ما قاله ابن عبدالبر؛ حيث قال: إيجاب الوضوء من مس الذكر إنما هو مأخوذ من جهة الشرع، لا مدخل فيه للعقل؛ لاجتماعه مع سائر الأعضاء. ونقل البيهقي عن الشافعي أن الذي قال من الصحابة: لا وضوء به، فإنما قاله بالرأي، ومن أوجب الوضوء به - يعني: من الصحابة - فلا يوجبه إلا بالاتباع؛ يعني أن العقل والقياس لا يقضيان بهذا الحكم، فكان أولى بالقبول، والله أعلم.

قلت: الشرع لا يعارض العقل، لكن العقل عرضة للصواب والخطأ بخلاف الشرع، وإذا لم يستطع العقل إدراك الحكمة من التشريع عبَّر عنه الفقهاء بأنه تعبدي، وليس معنى كونه تعبديًّا أنه خالٍ من الحكمة، فالله - سبحانه وتعالى - حكيم منزَّه عن العبث، ولا يشرع إلا ما فيه حكمة، ولا يفرق الشرع بين متماثلين، ولا يجمع بين متفرقين، والمؤمن متبع للشرع أبدًا، لا يعبد عقله ونظره، وإذا بدا في الظاهر بعض التعارض بين العقل والشرع، كان العقل هو المتهم ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾.

وحين نبحث عن الحكمة إنما نبحث عنها من أجل القياس؛ لكي نلحق النظير بشبيهه، فإذا علمنا أن علة التحريم في الخمر هي الإسكار ألحقنا به كل مسكر، وإذا زالت علة الإسكار رجع الحكم إلى الحل، والله أعلم.

وهناك من أخذ بحديث بسرة؛ لكونه ناسخًا لحديث طلق، قال ابن حبان في صحيحه (3/ 504): خبر طلق الذي ذكرناه خبر منسوخ؛ لأن طلق بن علي كان قد قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - أول سنة من سني الهجرة؛ حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد روى إيجابَ الوضوء من مس الذكر أبو هريرة، وأبو هريرة أسلم سنة سبع للهجرة، فدل ذلك على أن خبر أبي هريرة كان بعد خبر طلق بن علي بسبع سنين.اهـ

قلت: الاستدلال بالنسخ بتأخر إسلام الراوي فيه نظر كبير؛ لأنه يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع هذا الحديث من صحابي قد تقدم إسلامه، ومرسل الصحابي على الاتصال، وليست كل أحاديث أبي هريرة قد سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقد استدل ابن حزم على النسخ بوجه آخر، حيث قال: وهذا خبر صحيح - يعني حديث طلق - إلا أنه لا حجة فيه؛ لوجوه:

أحدها: أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مس الفرج، هذا لا شك فيه، فإذ هو كذلك فحكمه منسوخ يقينًا حين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء من مس الفرج، فلا يحل ترك ما يُتَيقّن أنه ناسخ، والأخذ بما تُيُقِّن أنه منسوخ.

وثانيها: أن كلامه - عليه السلام -: ((هل هو إلا بضعة منك؟)) دليل على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه؛ لأنه لو كان بعده لم يقل - عليه السلام - هذا الكلام، بل كان يبين أن الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلاً، وأنه كسائر الأعضاء. اهـ

وكلام ابن حزم مبني على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه أنه قال: ((وهل هو إلا بضعة منك؟))، وهذا الذي لم يترجح عندي حتى الآن، فلو ثبت أن ذلك من كلامه - صلى الله عليه وسلم - لامتنع أيضًا أن يقال بالنسخ؛ وذلك أن الحكم إذا ربط بعلة لا يمكن أن تزول، كان الحكم أولى بأنه لا يزول، فالذكر بضعة منا، هذه العلة في عدم الطهارة من مس الذكر ثابتة لا يمكن أن يتصور زوالها، فكان الحكم المترتب عليها كذلك، لكن قد علمت ضعف حديث طلق بن علي.

فتلخص من هذا أن من قدم حديث بسرة قدمه لأمور:

الأول: الاعتبار برجال الإسناد، فرجال إسناد حديث بسرة أرجح من رجال إسناد حديث طلق.

الثاني: قدمه باعتبار أنه حديث ناسخ لحديث طلق بن علي.

الثالث: قدمه باعتبار أنه ناقل عن البراءة الأصلية، وحديث طلق على البراءة، وإذا تعارض حديثان أحدهما يوافق البراءة الأصلية، والآخر ينقل عنها ويشغل الذمة، كان الناقل مقدمًا.

الرابع: أن رواة النقض بمس الذكر أكثر، وأحاديثه أشهر، فقد ورد فيه حديث بسرة، وأبي هريرة، وأم حبيبة، وابن عمر، وعبدالله بن عمرو، وابن عباس، وأيوب وغيرهم، بخلاف حديث طلق، فإنه حديث غريب.

الخامس: لو قدر تعارض الحديثين من كل وجه، لكان الترجيح لحديث النقض؛ لكونه قول أكثر الصحابة، كما نقلته عن أحمد بن حنبل في معرض البحث.

وأما من رجح حديث طلق:

فمنهم عمرو الفلاس، قال - كما في التلخيص الحبير -: هو عندنا أثبت من حديث بسرة، وقال علي بن المديني: هو عندنا أحسن من حديث بسرة، وقال الطحاوي: إسناده مستقيم غير مضطرب بخلاف حديث بسرة، وصححه ابن حبان والطبراني وابن حزم إلا أنهم ادعوا فيه النسخ.

قلت: قول الإمام علي بن المديني: هو أحسن من حديث بسرة، فكلمة أحسن أفعل تفضيل، لا تدل على أنه حسن مطلقًا، بل هو مقيد بأنه أحسن من حديث بسرة، على أن حديث بسرة له شواهد صحيحة بخلاف حديث طلق، وهو معارض بكلام البخاري في تقديمه حديث بسرة، والله أعلم.

[27] التمهيد (17/ 202).

[28] سنن البيهقي (1/ 136).

[29] انظر الحاوي (1/ 192).

[30] الأم (1/ 20).

[31] المجموع (2/ 40).

[32] تلخيص الحبير (1/ 220).

[33] المائدة: 38.

[34]) المائدة: 6.

[35] النساء: 21.

[36] المحلى (1/ 222).

[37] الأحزاب: 5.

[38] فتح البر بترتيب التمهيد لابن عبدالبر (3/ 335).

[39] مجموع الفتاوى (21/ 231).

[40] بتصرف (3/ 342).

[41] المحلى (1/ 225).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من نواقض الوضوء البول والغائط وخروج الريح
  • من نواقض الوضوء: خروج المذي والودي
  • انتقاض الوضوء بزوال العقل بالجنون والإغماء ونحوهما
  • انتقاض الوضوء بزوال العقل بالنوم
  • الخلاف في نقض الوضوء من مس المرأة فرجها
  • الخلاف في نقض الوضوء من مس المرأة ذكر الرجل والعكس ومس فرج الصغير
  • الخلاف في نقض وضوء الملموس ذكره
  • مس الأنثيين والأليتين والرفغين
  • مس الخنثى المشكل فرجه
  • مس بدن المرأة من غير حائل
  • مس شعر وظفر المرأة
  • مس المرأة مع حائل
  • مس المحارم
  • مس الطفلة الصغيرة بشهوة
  • لمس الأمرد
  • خلاف أهل العلم في الوضوء من لحم الإبل
  • الوضوء من شحم الإبل وكبده وطحاله ومصرانه
  • الوضوء من لبن الإبل
  • نقض الوضوء من القهقهة في الصلاة
  • الوضوء مما مست النار
  • الوضوء من غسل الميت
  • نقض الوضوء بالشك
  • كل ما يوجب الحدث الأكبر فإنه يوجب الوضوء
  • مس الذكر
  • الخلاف في المسائل الاجتهادية

مختارات من الشبكة

  • مسائل في فقه الخلاف: التأدب بأدب الخلاف والتسامح في مورد الاجتهاد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم الخلاف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخلاف في نقض الوضوء من مس فرج البهيمة(مقالة - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • هل التاريخ علم أم فن أم سؤال خطأ؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تعريف الخلاف والاختلاف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة الإنصاف بذكر أسباب الخلاف(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة ذكر الخلاف بين يحيى بن آدم والعليمي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الخلاف وآدابه(مقالة - موقع الشيخ د. عبد الله بن محمد الجرفالي)
  • أسباب الخلاف بين العلماء عند الشاطبي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقسام الخلاف من حيث الدوافع(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب