• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خواتيم الأعمال.. وانتظار الآجال (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    مع العيد... يتجدد الأمل
    افتتان أحمد
  •  
    وانتهى موسم عشر ذي الحجة (خطبة)
    أحمد بن عبدالله الحزيمي
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (14)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    حين تبتعد القلوب
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    الاستقامة بعد الحج (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أحكام العِشرة بين الزوجين
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    شموع (108)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1446هجرية (PDF)
    وائل بن علي بن أحمد آل عبدالجليل الأثري
  •  
    عيد الأضحى بين الروح والاحتفال: كيف نوازن؟
    محمد أبو عطية
  •  
    مسائل وأحكام تتعلق برمي الجمرات في الحج
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    المقاصد الربانية للعشر المباركة (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (5)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446هـ
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (4)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    العيد في زمن الغفلة... رسالة للمسلمين
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

القرآن يساند الإنفاق العام في الدولة الإسلامية

قطب إبراهيم محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/5/2011 ميلادي - 7/6/1432 هجري

الزيارات: 25828

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القرآن يساند الإنفاق العام في الدولة الإسلامية على الدين الإسلامي

وإقامة العدالة، وحفظ الأمن، والدفاع عن الأوطان

 

بعض آيات القرآن الكريم عن الإنفاق:

قال الله - تعالى - صراحةً عن الإنفاق على الطيِّبات من مصادرَ طيبة غير خبيثة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267].

 

ويقول - سبحانه وتعالى - موضِّحًا أنَّ الإنفاق يكون في أحوال الرَّخاء والضرَّاء؛ إرضاءً لله:

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].

 

ويقول - جل وعلا - آمِرًا بالإنفاق السِّري والعَلني في وجوه البِر:

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].

 

ويقول - سبحانه وتعالى - ناهيًا عن حالةٍ إنْ ألَمَّت بالإنفاق، أفقدتْه ترشيدَه، وتوازنَه واستقامتَه، ودون النص على لفظ الإنفاق.

﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26 - 27].

 

تعريف الإنفاق في اللُّغة، وتعريف المالية العامَّة للإنفاق:

(الإنفاق) في اللُّغة: يقال: أنفَق المال، أخْرَجه من حوزته وصَرَفه، ويكون الإنفاق في شؤون هذه الحياة، وتحصيل المطالِب فيها، وقد يكون لِقاءَ شيءٍ يناله المنفق، ويكون واجبًا كالزكاة، ويكون مندوبًا كصدقة التطوُّع، وذلك المال في سبيل الله.

وفي المالية العامَّة - كما سبق أن أوْضحْنا - تُعرف "النفقة العامَّة" بأنَّها مبلغٌ من المال يخرج من ذمَّة شخص إداري عام؛ سدادًا لحاجة عامَّة.

فهي مبلغٌ نقدي غير عيني، ومِن شخص إداريٍّ ما عام؛ أي: من الدولة ووحْدات الحُكم المحلي، أو سائر المنشآت ذات الشخصية الإدارية العامَّة، وتكون النفقة العامة سدادًا لحاجة عامَّة حاضرة أو مقبلة، مباشرة أو غير مباشرة.

 

عمومية تطبيق الآيات السابقة على كلٍّ من الإنفاق الخاص والعام:

وردتِ الآيات القرآنية السابقة عامَّة؛ مما يجعلها تسْرِي على الإنفاق العام، كما تسْرِي على الإنفاق الخاص.

• فالآية الأولى تأْمُر بالإنفاق من جيِّد الأموال، وتنهَى عن الإنفاق من خبيثها ورديئها، فكمَا ينطبق ذلك على الأفراد، فإنَّه ينطبِق على الحكومات، فلا يجوز لها أن تُنفِق نفقة عامَّة من إيرادٍ خبيث، كإيراد من مصانعَ للخمور، تُديرها الحكومة، أو رسوم على مُراهنات ترخص بها، أو أموال مغتَصبة مِن دولة أخرى ضعيفة.

 

• والآية الثانية تأمُر بالإنفاق إرْضاءً لله في حالة الرَّخاء والضرَّاء، والذين يتوخَّوْن الحسنى من الأفراد يفعلون ذلك، كذلك الدول والحكومات تمرُّ بها دورات للرَّخَاء والكساد، وهي في كلا الحالتين مستمرَّة في الإنفاق العام، طبقًا للحالة التي تمرُّ بها، فتتوسَّع في الإنفاق العام في حالة الرَّخاء، وتنكَمِش فيه في حالةِ الكساد، وما دام الإنْفاق العام من مصادرَ طيَّبة، وخاليًا من الإسراف والتبذير، مرشدًا، فهو في سبيل الله.

 

• والآية الثالثة تُفْصح عن حالتَين من الإنفاق، وهما الإنْفاق السِّري والعَلني، فكما أنَّ الأفراد يُنفِقون من مال الله الذي آتاهم سرًّا وعلانية، فكذلك الحُكومات تُعِدُّ موازنات عامَّة، توضِّح بها إنفاقَها العام مفصَّلاً ومقسمًا إلى مجموعاتٍ وبنود وأنواع، إلا أنَّه قد تدرج بالموازنة العامَّة اعتمادات مجملة، دون تفصيلٍ، وتدعوها لذلك رغبَتُها في المحافظة على سِريَّة هذه النَّفقات، أو تدرجها تحت بنْد مصاريف سِريَّة.

 

• والآية الرَّابعة تُخصِّص الإنفاق من الزَّكاة لوجوهها الثمانية، ويلتزم بذلك الأفراد عندَ الإنفاق مِن الأموال التي خصَّصوها للزكاة، وتلتَزم بذلك أيضًا الحكومات والدول، فلا يجوز لها إذا تولَّت اختصاصَ جمْع الزكاة، والإنفاق منها، أن تُنفِقها في غير الأغْراض الثمانية، التي وردتْ بالآية.

 

• والآية الخامِسة تنهَى عن التبذير في الإنفاق، وهو الْتزام يلتزم به الأفرادُ والحكومات، فإذا أصاب الإنفاق الخَلَل وعدم الترشيد؛ فينتقل المنفِقون من أفراد عاديين أو عاملين في حكومات إلى دائرة الشياطين، وكأنَّهم مُتآخون معهم، وكان الشيطان لربِّه كفورًا، ويحقُّ للشعوب في هذه الحالة أن تُحاسِب حكوماتها عن طريق ممثِّليها في المجالِس الشعبية عمَّا ارتكبتْه من مخالفات، أدَّتْ إلى عدم الترشيد؛ لأنَّ الأموال العامَّة أصلها أموالُ الشَّعب، جمعتْها منه الحكومات على هيئة ضرائبَ ورسومٍ، وغيرها.

 

آيات القرآن الكريم تُساند التبويب العِلمي للنفقة العامة:

• يقول الله - عز وجلَّ -: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60].

فالمال مِن رِزْق الله، ينفقه الإنسان على حاجياته، منها المأكل، ومنها المشرَب وغيرهما، فالإنفاق هنا مقسَّم على أساس طبيعة الاحتياجات، إنْ كانت مأكلاً أو مشربًا، أو غيرهما.

وفي الإنفاق العامِّ يتمُّ تقسيم الاعتمادات العامَّة؛ طبقًا لطبيعة النَّفقة، كاعتماداتِ المرتَّبات واعتمادات النَّفَقات الجارية - غير المرتَّبات - واعتمادات المشرُوعات الاستثماريَّة واعتمادات سداد الدُّيون، إنْ كانتْ الدولة مَدِينة.

 

• ويقول - جلَّ وعلا -: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].

فالإِنْفاق في هذه الآية يتمُّ في ظروفٍ اقتصادية، قُسِّمت إلى ظروف رخاءٍ وظروف كسادٍ، وفي الإنفاق الحُكومي، ولأغراض التحليل الاقتصادي يتمُّ تبويب اعتمادات الموازنة العامَّة وَفْقَ أثرها الاقتصادي، في ظلِّ الظروف الاقتصادية العامَّة مِن رخاء أو كساد.

 

• ويقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [الشعراء: 128 - 129].

وتفسير الآيتين: أَتُشيِّدون بكلِّ مكان مرتَفِع من الأرْض بناءً شامخًا، تتفاخرون به، وتجتمعون فيه؛ لتَعْبَثوا وتفسدوا، وتتَّخذوا قصورًا مَشيدةً، وحصونًا منيعة، وحِياضًا للماء، مؤمِّلين الخلودَ في الدنيا كأنَّكم لا تموتون.

وفي علوم المحاسَبة يُعتبر الإنفاق على إقامة الأبنية الشامخة، والقصور المشيدة، والحصون المنيعة، وحياض الماء - إنفاقًا على إقامة أصول ثابتة، وهو إنفاق رأسمالي، ويُعتبر كذلك الإنفاق على الحاجيات المتكرِّرة، كالأكل والشُّرب[1] إنفاقًا جاريًا، فالتقسيم المحاسبي يفرِّق بيْن النفقة الجارية، والنفقة الرأسمالية، ووَفقًا للأساس المحاسبي يتمُّ تبويب النفقة العامة إلى نفقةٍ جارية، ونفقةٍ رأسمالية.

 

قد ترغب الدولةُ في تقسيم نفقاتها العامَّة وَفْقَ الغرَض من الإنفاق، وفقًا لوظائفها العامَّة المنوطة بها، سواء أكانتْ تقوم بها وحْدة إداريَّة أو أكثر، كالإِنْفاق على الدِّفاع والأمْن، وكالإنفاق على التعليم، وكالإنفاق على الزِّراعة، وهكذا بحيث يَتحدَّد في النهاية كلُّ إنفاق على كلِّ وظيفة من وظائفِ الدولة على حِدَة.

ومن ميزة هذا التقسيم: أنَّه يساعد الدولةَ على توزيع ما لديها من أموالِ الإيرادات العامَّة السنوية على وجوهِ الإنفاق العام، التي تتطلَّبها كلُّ وظيفة مِن وظائفها العامَّة، ويمكن ذلك التقسيم مِن تعرُّف الشعب وممثِّليه إلى مدى سلامة توزيع الحكومة للأموال العامَّة على وظائفها العامَّة، التي تحقق احتياجاتِه العامة.

هذا، وقد تطوَّرت وظائفُ الدولة والإنفاق على هذه الوظائف مع تطوُّر سياسة الدولة بمرور الزَّمن، ففي القرن الثامن عشر والتاسع عشر، كانتِ الدولة مجرَّد حارس يتولَّى الوظائف العامَّة التقليدية، وهي العدْل والأمْن والدِّفاع، ولا تتدخل الدولة في النَّشاط الاقتصادي، ثم تَطوَّر دَوْرها في الثلاثينيات بسبب الحروب والأزمات، وانتشرت الرُّوح الديمقراطية، وساد النظام الاشتراكي بعضَ دول العالَم.

 

وكان لا بدَّ للحكومات أن تتلاءمَ مع الظروف الجديدة، فتدخَّلتْ وتعدَّدت وظائفها، وقامتْ بأنشطة عامَّة لم تكن تقوم بها مِن قبلُ، كالأنشطة الاجتماعية مِن تعليمٍ وصحَّة، وخِدْمات اجتماعية، وأنشِطة الاقتصادية؛ لإقامة المصانِع، وتشغيل العُمَّال؛ لمحاربة البطالة، وكذا ما يتَّصل بهذه الأنشطة العامَّة مِن أنشطة أُخرى كالتِّجارة والتصدير والاستيراد وغيرها، فضلاً عن أنَّ دائرة الأنشطة السياسيَّة هي الأُخْرى قدِ اتَّسعتْ نتيجة لتعدُّد العَلاقات الدوليَّة وتشعُّبها، وتعقُّدها واتِّساع دائرتها.

 

وسيتضح في الصفحات التالية أنَّ تلك الأنشطة العامَّةَ التي تقوم بها الحكوماتُ تأديةً لوظائفها، والتي تُنفق عليها من الأموال العامَّة سنويًّا، والتي تظهر مبوَّبة بموازناتها العامَّة السَّنويَّة - لها صِلات ببعض آيات القرآن، كأن يكونَ الله - جلَّ وعلا - قد أمَر بها، كقيام الدولة الإسلامية بتنظيمِ الجهاد، والدِّفاع عن الدِّين الإسلامي، وكإقامة العدْل بيْن الناس، أو يكون الله - سبحانه وتعالى - أنعمَ بنِعم على عباده، فللمُحافظة على هذه النِّعم، وبعد اتِّساع دائرتها وتنوُّعها، تتدخَّل الدولة؛ للمحافظة على ثِمار هذه النِّعم ودوامها، فالله - سبحانه وتعالى - أنعم على الناس بكلِّ مستلزمات الزِّراعة من أرْض وأمطار وهواء وإنبات.

 

والله - جلَّ وعلا - أنْعَم على الإنسان بأنعام للرُّكوب وللانتقال في البَرِّ، وبالفلك في البِحار، وقد اتَّسعت دائرة هذه النِّعم وأمثالها، وتعدَّدت وسائلُ استعمالها، وتشعَّبت طرق وأساليب المحافظة عليها، ودوامها وعدم توقُّفها أو انقطاعها، فقامتِ الحكومات بإدارة الأنشطة العامَّة اللازمة لذلك، ورصَدتِ الاعتماداتِ المالية اللازمة للإنفاق العام عليها عن طريقِ وزاراتٍ ومصالحَ حكومية تابعة لها، وعاملين يقومون بأداء هذه الأنشطة العامَّة، وطبقًا لسياسات عامَّة موضوعة وقوانين، لتنظيمِ مسارها ولوائح لتنفيذِ هذا المسار.

 

ولعلَّ مِن البديهي أن تُعنَى الحكومات الإسلامية بأمورِ الشريعة الإسلامية، والدِّين الإسلامي الذي ارْتضاه الله - جلَّ وعلا - للناس، وارتضتْه الحكومات الإسلامية لنفسِها، واعتنَقَه المسلِمون من رَعايا الحكومات الإسلامية، فتزاول الحكوماتُ الأنشطةَ العامة اللازمة لتطبيق أوامر الله - سبحانه وتعالى - وتنفيذ شرائعِه، والدعوة إليها، وتمكين الناس من أداءِ الشعائر المطلوبة باستمرارٍ ويُسْر، وتنفق على تلك الأنشطة العامة من الأموال العامة التي جبَتْها من الشعب، وهي مِن مال الله.

 

آيات من القرآن المجيد تُسنِد إنفاق الحكومات على أنشطة الدِّين الإسلامي:

يقول الله - جلَّ وعلا - على لسان سيِّدنا إبراهيم: ﴿ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132].

ويقول - سبحانه وتعالى - أيضا: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

ويقول - جلَّ وعلا - أيضًا: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

 

فإذا تمَّ تحليل الموازنة العامَّة السنوية لأيِّ دولة إسلامية، تبيَّن أنها تُخصِّص اعتماداتٍ سنويةً للإنفاق على الأنشطة العامَّة للدِّين الإسلامي؛ لأنَّها ارتضت الإسلام دينًا، وتقوم على رِعاية شعْب مُعْظم أفراده مسلمون، فمَّما تتضمنته هذه الموازنات اعتماداتٌ لوزارة تختصُّ بأمور الدين الإسلامي، كوزارات الأوقاف، واعتمادات لإنشاء المساجِد؛ لإقامة الصلاة، واعتمادات لنشْر الدعوة الإسلامية، يقوم بها علماء متخصِّصون متفقِّهون في أمور الدِّين، واعتمادات لإدارة وتنفيذ فريضة الزكاة، واعتمادات تتعلَّق بأمورِ الحج والحجاج، واعتمادات للتيسير على أداء فريضةِ الصيام في رمضان، واعتمادات لتيسير حِفْظ القرآن وشرْحه، واعتمادات لمطبوعات دِينيَّة تُطبع وتُوزَّع على الناس مجَّانًا، أو بأثمان زهيدة، واعتمادات لمؤتمرات إسلاميَّة سنويَّة، يجتمع فيها العلماء من دُول الإسلام؛ يناقشون مسائلَه العامة؛ ويُصدِرون فيها القراراتِ التي تنبُع من آيات القرآن الكريم، وسُنَن رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - واجتهادات العُلماء الأكْفاء المجتهدين.

بهذه الأنشطة العامَّة المتعلِّقة بالدِّين الإسلامي وغيرها، ممَّا تقوم به الحكوماتُ الإسلامية تكون الدولةُ الإسلامية التي اتبعت الإسلام دِينًا، وتلقَّتِ اصطفاءَ الله لها وللشعْب بالإسلام، قد قامتْ بما يحقِّق هذا الاصطفاء.

 

نماذج لجهود عامَّة تطوعية في الإسلام:

على أنَّ الأنشطة العامَّة للإسلام لا تتمُّ دائمًا عن طريق الاعتمادات التي تُدرَج بالموازنات العامَّة للدول الإسلامية، بل إنَّ الجهود التطوعية كان لها ثِقلٌ في هذا الشأن، فمسجدُ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُقِيم في عهْده بالمدينة على أرْضٍ لغلامَيْن يتيمَيْن بالمدينة، مِن بني النجَّار، وقد عرضَا التبرُّع بالأرض؛ ابتغاءَ ثواب الله - عزَّ وجلَّ - ولكن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أبَى، فدفع الصِّدِّيق أبو بكر ثمنَ أرْض المسجد من مالِه الخاص، وتعاون المسلمون مع الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في بناء المسجد؛ ابتغاءَ رِضا الله.

وكان المسجِد في عهْد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكانًا لإقامة الشعائر الإسلامية؛ وتعليم المسلمين أمورَ دِينهم والتفقُّه فيه، وكان مقرًّا للحكومة الإسلامية الأُولى في عهْد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد كان رسولاً نبيًّا، ومؤسِّسًا لأول حكومة إسلامية.

 

ولعلَّ مِن أهم الأعمال التطوعية الإسلامية العظيمة ما تمَّ في عهد أبي بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - مِن جمْع القرآن الكريم، وكان بعض القرَّاء الحافظين له يُجاهدون، ويستشهدون في معارِك الإسلام، وخشِيَ مِن ذلك على القرآن، فاستقرَّ رأي الصِّدِّيق بعد نصيحة عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنهما - على جمْعه، فدعا أبو بكر - رضي الله عنه - الصحابيَّ زيدَ بن ثابت - رضي الله عنه - كاتبَ الوحي لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكلَّفَه بتتبُّع القرآن وجمْعه، فبدأ بتتبُّع القرآن، يجمعه من الرِّقاع والأكتاف، والعسب وصُدور الرجال، وبدأ بعْدَ جمْعه يرتبه في الآيات والسُّور، حسب القراءة التي كان يَقرؤها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غر الصلاة، وهكذا تمَّ جمْع القرآن.

 

وكما استنجد أبو بكر الصِّدِّيق بزيد بن ثابت في جمع القرآن، استنجد به عثمانُ بن عفَّان - رضي الله عنه - وطلَب منه وآخرين توحيدَ رسْم المصحف؛ ليجتمعَ الناس على قراءة واحدة، فتمَّ ذلك، هذا، وجمْع المصحف وتوحيدُه مِن أعظم الأعمال الإسلاميَّة التطوعيَّة، التي ابتغَى كلُّ مَن تشاور فيها، وأمَر بها، وحقَّقها، أعظمَ أجْر من الله - سبحانه وتعالى.

 

ويَذكُر القرآن الكريم تطوُّعَ ذي القرنيَن، حين وصَل في رحلته إلى مكان سحيق بيْن جبلَيْن مرتفعَيْن، وهنالك وجد قومًا لا يفقهون ما يُقال لهم إلا في عسْر ومشقَّة، فلمَّا آنسوا فيه القوَّة والقُدرة؛ طلبوا منه أن يُقيمَ لهم سدًّا في وجه يأجوج ومأجوج، وهم قومٌ كانوا يغيرون عليهم، فيُفسِدون في أرْضهم ويخرِّبون، على أنْ يدفعوا له خرْجًا في نظيرِ هذا العمل، ولكنَّه ذَكَر نِعمَ الله عليه، وأنَّ ما منحَه من ثروة وسلطان خيرٌ مما يُعرَض عليه من أموالٍ يجمعونها ويؤدُّونها له، وطلَب منهم أن يعينوه بكلِّ ما يقدرون عليه من رِجال وأدوات، فأقام سدًّا عاليًا من قِطع الحديد التي جمعوها له، ثم أمرَهم أن يُوقِدوا عليه النار، فأَوْقدوها حتى انصهَر الحديد، فصَبَّ عليه النُّحاس المذاب، فأصبح سدًّا صلبًا منيعًا، فما استطاع المُغيرون أن يتسلَّقوا السدَّ لارتفاعه، ولا أن يثقبوه لصلابتِه[2].

 

وفي ذلك قال الله - جلَّ وعلا -: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 93 - 97].

 

آيات من القرآن المجيد تأمر بالعدل والعدالة:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].

ويقول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

ويقول الله - جل وعلا -: ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 42].

 

فمِن الآيات السابقة يمكن استخلاصُ ما يلي عن العدْل والعدالة:

• أمر الله - سبحانه وتعالى - بالعَدْل.

• أمر الله - سبحانه وتعالى - بالعَدْل حتى مع الأعداء.

• أمر الله - جلَّ وعلا - بالعدْل بيْن أهل الكتاب إذا تحاكَموا إلى المسلمين.

• يُحبُّ الله - سبحانه وتعالى - العادِلين.

 

مرْفق العدل في الموازنات العامَّة للدول:

ومرْفق العدل مرْفقٌ تقليدي، نشأ من قديمِ الزَّمان، قامتْ به الحكومات؛ لتفصلَ في الخُصومات بيْن الناس، وتمنع الظلم والظالمين، وتُخصِّص الدول له سنويًّا شطرًا من الأموال العامَّة؛ للإنفاق على إقامة مؤسَّساته وإدارتها، وبالاطِّلاع على الموازنة العامَّة السنوية لإحدى الدول، اتضح أنَّ الدولة رصدَتْ لمرْفق العدل الاعتماداتِ الماليةَ اللازمة لِمَا يلي:

• وزارة العدل، تُشرِف إشرافًا عامًّا على مرفق العدْل.

• محاكم بدرجاتها المختلِفة للفصْل في قضايا الجُمهور.

• مصلحة للخُبراء اللازمين للعدالة، سواء كانتْ خِبرة حسابية، أو هندسيَّة، أو زِراعية.

• مصلحة للطبِّ الشرعيِّ؛ لتقدِّم تقاريرَها فيما يُحال إليها من أمور في اختصاصها تتعلَّق بالعَدالة.

• إدارة لقضايا الحكومة، التي تتولَّى إجراءاتِ المنازعات والقضايا الحكوميَّة.

• مصلحة الشهْر العقاري، تتولَّى الشَّهْرَ والتوثيق؛ لتثبيتِ الحقوق والمِلكية.

• هيئة للنِّيابة الإداريَّة، تتولَّى التحقيقات الإداريَّة.

• مجلس للدولة، ويتولَّى القضايا الإداريَّة والفتاوى.

• المحْكَمة العُليا، وتختص بدستورية القوانين.

 

مرفق العدل في الإسلام:

وفي الإسلام كان الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو القاضي الأوَّل، يقوم بالفصْل فيما يُعرَض عليه بالعدل؛ طبقًا لِمَا أمره الله، وكان يعهد لبعضِ مَن يُوليهم بالفصْل في الخصومات بولاياتهم بعدَ أن يستوثقَ مِن التزامهم بالحُكم فيها بالعدل، طبقًا لكتاب الله وسُنَّة رسوله، والاجتهاد إذا لزِم الأمر، وكان ذلك كله يتمُّ تطوُّعًا لوجه الله تعالى، خاصَّة وأنَّ المالية العامَّة الإسلامية كانتْ في بَدْء الدولة الإسلامية شحيحةَ الموارد العامَّة، فلم يُفرَض للقضاة أجورٌ من الدولة الإسلامية إلاَّ في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - إذ زادتِ الموارد العامة في عهْده؛ نتيجةً لتدفق غنائمِ الفتوح، وفرْض الخَراج على أرْض الفتوح، وفرْض ضريبة العُشور على النحوِ السابق إيضاحُه.

 

والمتأمِّل في أحاديث رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يجد أنَّها تتناول العدلَ والعدالة مِن جميع جوانبها.

فتبدأ بالنهي عن الظُّلْم بيْن الناس بعضهم لبعض؛ تحقيقًا للعدل، فيقول - عليه الصلاة والسلام -: ((إنَّ الله - تعالى - لَيُملي للظالم، حتى إذا أخذَه لم يُفْلِتْه)).

ويقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اتَّقوا دعوة المظلوم، وإنْ كان كافرًا، فإنَّه ليس دونه حِجاب)).

فإذا اختلف الناسُ واحتكموا للقضاء، تنبّه أحاديث الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - القضاء إلى أمورٍ تُثبِّت أرْكان العدل والعدالة.

فيقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن ابِتُلي بالقضاء بيْن المسلمين، فلْيعدلْ بينهم في لحظِه وإشارته، ومقعده ومجلسه)).

 

ويقول - عليه الصلاة والسلام -: ((لا يَقضيَنَّ حَكَمٌ بيْن اثنين وهو غضبان)).

ويُحذِّر البلغاءَ الفصحاء من التأثير على القاضي، فيعتقد أنَّهم صادقون، فيصدر حُكمًا بحقٍّ ليس لهم.

فيقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما أنا بَشَر، وإنَّه يأتينا الخصم، فلعلَّ بعضَكم أن يكون أبلغَ مِن بعض، فأحسبُ أنَّه صَدق، فأقضي له بذلك، فمَن قضيتُ له بحقِّ مسلِم، فإنما هي قطعةٌ من النار، فليأخذْها أو ليتركْها)).

 

ويحمي - صلَّى الله عليه وسلَّم - العدلَ والعَدَالة مِن استثناء الوُجهاء والكبراء والعظماء، مِن تطبيق القوانين عليهم، ومِنَ الاستجابة للشفعاء والوسطاء لتعطيلِ إعْمال نصٍّ مِن نصوص القوانين؛ فيقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما أهْلَك الذين مِن قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرَق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ)).

ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أيضًا: ((مَن حالتْ شفاعته دون حدٍّ من حدود الله، فقد ضادَّ الله - عزَّ وجلَّ))[3].

فلا يَكْفي لتحقيق العدْل وتثبيت دعائمه، أنْ تُدرج الدول بموازناتها العامَّة الاعتماداتِ اللازمةَ لمرفق العدالة، بل ينبغي أن تصاحِب ذلك سياسيات للدولة، تقوم على اختيار القُضاة الصالحين، وتطبيق القوانين على جميعِ المواطنين، والحَزْم في أمور العدالة؛ لمنْع الاستثناءات والوساطات، وشفاعة الشافعين.

 

آيات من القرآن المجيد تُساند الإنفاق العامَّ على مرفق الأمن

القرآن الكريم يمجد نعمة الأمن ويشجب مخالفاته:

يقول الله - جلَّ وعلا -: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ﴾ [البقرة: 126].

ويقول - سبحانه وتعالى -:  ﴿ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ [يوسف: 99].

وقال - جلَّ وعلا -: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

 

تُبرز الآيات السابقة نِعمةَ الأمن وأهميتها؛ إذ إنَّ ممَّا طلبه إبراهيم - عليه السلام - مِن الله - سبحانه وتعالى - أن يجعلَ البلدَ الذي سينشأ حولَ البيت بلدًا آمنًا، وقال يوسفُ - عليه السلام - لأهْله - وعلى رأسهم يعقوب - عليه السلام - حينما رَحَلوا إلى مِصر، واستقبلهم -: إنَّ إقامتهم بمصر ستكون آمِنة، ويوضِّح الله - جلَّ وعلا - أنَّ مِن سِمات القرية المؤمِنة أن تكون آمنةً مطمئنة لا تخاف، تأتيها الأرزاق رغيدةً من كلِّ مكان، فإذا كفرَت أذاقها الله الجوعَ وأبدلها بالأمان الخوف.

 

ولم يكتَفِ القرآن المجيد بتمجيدِ نعِمة الأمن، بل تعقَّب الجرائم والفواحش، فحرَّمها ونصَّ على عقوباتها، وأوضح المصيرَ الأليم للإجرام والمجرمين، وفيما يلي بعضُ ما ورد في هذا الشأن:

قال - جلَّ وعلا - محرِّمًا الفواحش والمعاصي، والظلم والإشراك بالله، والافتراء والكذب عليه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].

وقال - سبحانه وتعالى - ناهيًا عن خِيانة الأمانة بصِفة عامَّة بعد النهي عن خيانة الله ورسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].

﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30].

وقال - سبحانه وتعالى - موضِّحًا جزاءَ جريمة السرقة: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].

وقال - جلَّ وعلاَ - محرِّمًا القتْل: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً.. ﴾ [النساء: 92]، وقال - سبحانه وتعالى - مبيِّنًا جزاءَ جريمة القتْل العَمْد: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

وقال - جلَّ وعلا - موضِّحًا مصيرَ المجرمين: ﴿ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴾ [الأنعام: 124].

فالأمْن والأمان ضرورةٌ قصوى مِن ضرورات المجتمعات؛ ليشيعَ فيها الاستقرار، وتُصان لأفرادها الحقوقُ، وتُدفع عنهم ظلاماتُ المجرمين المعتدين، وشرور الفاسدين المفسدين، وهو ضروريٌّ لسياسات الدولة الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية؛ إذْ بغَيْر الأمن يعتريها الاهتزاز، وقد يلحقها البوار والدَّمار.

 

الموازنات العامَّة للدول تتضمَّن الاعتماداتِ العامةَ لمزاولة أنشطة مرفق الأمن:

فلذلك كان مِن الوظائف التقليدية للدول مزاولةُ مرفق الأمن، وتُرصَد الاعتمادات الآلية السنويَّة بموازناتها العامة؛ لتمويل كافَّة أنشطته المباشِرة وغير المباشرة، فتموِّل الحكومات بالاعتمادات الوزاراتِ والمصالح، والإدارات التي تُنشئها؛ لتختصَّ بمرفق الأمن ومزاولة أنشطته؛ لمنْع الجريمة، وتعقُّبها وَفقًا لأحدث النظم والأساليب العِلمية الحديثة، وللمحافظة على الأمْن والنِّظام وحماية الآداب العامَّة.

 

هذا، ولتحقيق تكامُل الأمن، يمتدُّ نشاطه الأصلي إلى أنشطةٍ أخرى، كنظامِ المرور وانضباطه، ونظام الدِّفاع المدني، ومتابعة تنفيذ خططه في أوقات السِّلْم والحرْب، وإصدار وثائقِ السَّفر للمواطنين، ومنْح تصاريحِ الإقامة لغيْر المواطنين، ومنْح تأشيرات الخروج للمواطنين الأجانب، وإصدار شهادات الحالة الجِنائية والإشراف على إجراءات الهِجرة، وشؤون الحج، وعمليات الانتخابات للمجالِس الشعبية، وتُموِّل الموازنة العامَّة أجورَ العاملين بمرْفق الأمن، اللاَّزمين لمزاولة أنشطته، وتموِّل تكاليف مستلزماتهم مِن ملابسَ لازمة لزِيِّهم الرسمي، وأسلحة ومعدَّات لازمة لأعمالهم.

كما تموِّل الموازنة العامَّة تكاليفَ المدارس والمعاهِد المتخصِّصة في شؤون الأمْن العام، والتي تُكسِب الملتحقين بها العِلمَ والخِبْرة بأمور الأمْن العام قبْلَ الْتحاقهم بمرْفقه لمزاولة شؤونه.

كما تُموِّل الموازنة العامة إنشاءَ السُّجون وإدارتها؛ لتنفيذِ العقوبات التي تقضِي بها القوانين ضدَّ المخالفين والمجرِمين.

 

حديث الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - تُسانِد مرفق الأمن، وتحرم مخالفاته وجرائمه:

وتُساند أحاديثُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نشاطَ مرفق الأمن، فيقرِّر - عليه الصلاة والسلام - في أحدِ أحاديثه أنَّ الأمْن نِعْمة، فيقول: : ((مَن أصبح منكم معافًى في جسده، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنَّما حِيزت له الدنيا))؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه[4].

ويُحرِّم جريمةَ قتْل الأولاد مِن البنات التي كانتْ منتشرة في الجاهلية، فيقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله حرَّم عليكم عقوقَ الأمهات، ووَأْدَ البنات، ومنَع وهات،[5] وَكَرِه لكم قِيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)).

 

ويُنذِر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذين يتولَّون بغير حقٍّ على أراضي الدولة، أو أراضي جِيرانهم، أو أراضٍ ليستْ لهم، فيوضِّح أن المغتصِبين السارقين سيُطوَّقون بهذه الأرْض يوم القيامة حولَ أعناقهم، ويعظُم قدْرُ أعناقهم حتى يسعَ ذلك، ويُخسَف بهم يوم القيامة إلى سبع أرَضين، فيقول - عليه والصلاة والسلام -: ((مَن ظلَم مِن الأرْض شيئًا طُوِّقَه مِن سبع أرَضين))[6].

 

ويُدخِل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - شهادةَ الزور في الكبائر؛ لأنَّ مرتكبيها يَلْوون الحقائق، ويُخْفون ما يَعْلمون، فتتعثَّر العَدالة، وتَضيع الحقوق، وينعَم السارقون المغتصِبون والمجرمون بما سَرَقوه واغْتصبوه أو جَنْوه، فقد سُئِل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الكبائر؟ قال: ((الإشْراك بالله، وعقوق الوالدَين، وقتْل النفس، وشهادة الزُّور))[7].

 

وعن أجور العمَّال التي يأكلها كلَّها أو بعضَها أربابُ الأعمال، وهي مما تُبلَّغ بها وحداتُ مرفق الأمن وتنظرها المحاكم، يُحذِّر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أربابَ الأعمال من ذلك، فيقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قال الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خَصْمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطَى بي ثم غَدَر[8]، ورجل باع حرًّا فأكَل ثمنَه، ورجل استأجَر أجيرًا فاستوفى منه ولم يُعطِه أجْرَه))[9].

ويُساند ممثِّلو مرْفق الأمن الذين ينتشرون في الطُّرقات؛ يجمعون محترفي الشحاذة، الذين اتَّخذوها حِرفةً لهم، وهم قادرون على العمَل، يُسانِدهم في مطاردتهم لهؤلاء، حديثُ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي قال فيه: ((مَن سأل من غير فقْر فكأنَّه يأكل الجَمر))[10]، وكذا حديث رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

((لأنْ يأخذَ أحدكم أحبلاً، فيأخذ حزمةً من حطَب فيبيعَ فيكفَّ الله به وجهه، خيرٌ من أن يسأل الناس، أعُطي أم مُنِع))[11].

أليس مِن الخير للدول الإسلاميَّة - وهي تتولَّى مرفق الأمن، وتمول متطلباته سنويًّا من الأموال العامَّة - أن تدعمَ رسالتها في حفْظ الأمن بالآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة السابقة، وغيرها مما له صلةٌ بالأمن والأمان، وتحقيق الاستقرار فتدرسها في معاهِد الشرطة، وفي برامج التدريب التي يعقدها مرْفق الأمن لزِيادة كفاءة العاملين به، فيكون أداؤهم لواجباتهم الأمنية أكثرَ فعالية، خالصًا لوجه الله - تعالى - والوطن.

 

آيات من القرآن الكريم تُسانِد الإنفاق العام على مرْفق الدِّفاع

النصر والهزيمة ينعكس آثارهما على المالية العامة للدولة:

يقول الله - جلَّ وعلا -:

﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250]، ويقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ ﴾ [ص: 11].

ويقول - جلَّ وعلا -: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [القمر: 44 - 45].

 

أوضحْنا أنه في حالةِ النصر الذي يتحقَّق بإذن الله، تتحقَّق لجيوش المجاهدين غنائمُ يؤول خُمُسها لبيت المال، فتكون هذه الغنائم إيراداتٍ عامةً، آتاها الله - جلَّ وعلا - بيْت مال المسلمين، وآتاها كذلك المؤمنين المجاهِدين المقاتلين في سبيلِ الله.

وإذا خالَف المقاتلون منهجَ الله، وأوامر رُسله، حاقَت بهم الهزيمة، بإذن الله، وهزيمة الجيوش؛ يعني: قهرَها وغلبَها، وأصل الهزم[12] كسْر الشيء، وثني بعضه على بعض، وفي قهْر العدوِّ قهر له.

ومِن الآيات السابقة انهزم جالوتُ وجيشه، بل وقُتِل جالوت؛ لأنَّ الله ثبَّت أقدام المؤمنين، ونصرَهم على القوم الكافرين، بالرغم من قلَّة عدد المؤمنين، فكثيرًا ما انهزمتْ كثرةٌ كافرة أمام قِلَّة مؤمنة، وإنَّ الممتنعين عن تصديق الرُّسل ما لهم الهزيمة والانكِسار، وتتأكَّد الهزيمة على الكافرين في آيتي سورة القمر السابقتين، فسيُغلب جَمْع الكفَّار، ويفرُّون مولِّين الأدبار.

 

وإذا حاقتِ الهزيمة بجيش دولة من الدول، عكستِ الموازنة العامَّة لتلك الدولة آثار تلك الهزيمة، فتدرج على مدى عِدَّة سنوات الاعتمادات اللازمة لإزالةِ آثار الهزيمة، وكلَّما كانتِ الهزيمة ماحِقة، زادتْ هذه الاعتمادات، فقد تفرِض الدولةُ المنتصرة غراماتٍ ماليةً سنويَّة على الدولة المنهزِمة، فتظهر بالموازنة العامَّة اعتمادات ضمنَ الإنفاق العام بقِيمة هذه الغرامات، وقد يفرُّ المدنيُّون من بلادِهم ومنازلهم إلى أماكنَ أخرى ببلاد غيرِ بلادهم، فتُدبِّر الحكومة الاعتماداتِ اللازمة لإيوائهم، وفي نفْس الوقت قد تَفرِض عليها عقباتٍ تمنع، وإرادات وصادرات الدول المنهزِمة، فيزداد إنفاقُها العام؛ لملاءمة الوضْع الجديد، وما أدَّى إلى الاعتماد على منتجاتها المحليَّة، وارْتفاع أسعارها، ومحاولة إنشاء صناعاتٍ جديدة، أو زِراعات تُنبت زُروعًا، تحلُّ محلَّ ما كان يستورد من سِلع، وفي المدى الطويل، حتى بعْد صُلح المهزوم مع المنتصر، تستمرُّ آثار الهزيمة ظاهرةً بالموازنة العامَّة للدولة المنهزِمة، فعليها أن تُعيدَ جيوشَها وتعيد تدريبَها، وعليها أن تعوِّض ما فقدتْه من أسلحتها، وتشتري المستحدَث منها، وعليها أن تُعيد بناءَ المدن التي خرَّبها العدوُّ المنتصر، وتُعيد إقامةَ المنشآت العامَّة التي هدَمها.

 

وعليها أن تدفعَ التعويضات المالية لمن تضرروا مِن العُدوان بهدْم مساكنهم، أو بوار مزروعاتهم، أو توقُّف صناعاتهم وتجاراتهم وحِرفهم، وعليها أن تعالِج مَن جُرِح من الجنود، وتدفع تعويضاتٍ لعائلة مَن قُتِل أثناء المعركة، وتدرج الدولة بموازناتها العامَّة سنويًّا اعتمادات لهذه الآثار، وغيرها مما ألحقتْه الهزيمة بالدولة المنهزِمة، وقد لا تكون لدَى الدولة الإيراداتُ العامَّة المقابلة لتلك الأعباء المستحدَثة، فتفرض مِن الضرائب ما يُثقِل كاهلَ المواطنين، وقد لا تكْفِي الإيرادات العامَّة لتلك الضرائب، فتلجأ الدَّولة المنهزِمة للاقتراض مِن دول أخرى، وهذه الدول قليلاً ما تستجيب للإقراض، وإنِ استجابت تُلزِم المقترضَ بشروط للقرْض باهظة، كارتفاع سعْر الفائدة، وانعدام مدَد السَّماح مع السداد بعُملات أجنبية.

وعمومًا فإنَّ الموازنات العامَّة للدولة المنهزِمة، تظلُّ مُددًا طويلة غيرَ متوازنة، بها عجْز ماليٌّ نتيجة زيادة نفقاتها العامَّة على إيراداتها العامَّة.

 

ولقد هُزِم المسلمون في غزوة أُحد؛ لأنَّ بعض أفراد جيش المسلمين خالفوا أوامرَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والله - جلَّ وعلا  -يقول: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32]، فقد جعَل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الرَّجَّالة في يوم أُحُد - فكانوا خمسين رجلاً على رأسهم عبدالله بن جُبَير، وأقامَهم في موضِع، وقال لهم: ((إنْ رأيتمونا تخطَّفَنا الطيرُ فلا تبْرَحوا مكانَكم هذا حتى أُرسِل إليكم، وإنْ رأيتمونا هَزَمْنا القوم فلا تبْرحوا حتى أُرسِل إليكم)).

 

وكان الموضِع الذي أنزلهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيه حمايةً لظهور المسلمين، وقد انتصر المسلمون في أوَّل المعركة، وترَك أصحابُ عبدالله بن جُبَير موقعَهم؛ سعيًا وراءَ الغنيمة، بالرغم من أنَّه ذكَّرهم بكلام رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبذلك فتَحوا للعدوِّ ثغرةً نفَذَ منها، وهاجَم جيش المسلمين، وقتل عددًا منهم، وجرح بعضهم، وفرَّ منهم من فَرَّ، ولكنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ظلَّ ثابتًا في موضعِه، يجالد ويرْمي عن قومه، وفي هذه الموقِعة كُسِرت رَباعِيَتُه، وشُجَّ وجهه، وجُرِحت شَفَتُه، وسال دمُه الشريف على وجهه، فكان يمْسح الدم، وهو يقول: ((كيف يُفلِح قومٌ خضبوا وجهَ نبيهم وهو يدعوهم إلى ربِّهم؟!))[13].

وهكذا إذا نَصَر المسلمون اللهَ نصرَهم، وإذا خالفوه وخالفوا رسولَه، حاقتْ بهم الهزيمة، وخسِروا الأنفس والأموال.

 


[1] انظر الآية 60 من سورة البقرة السباق إيرادها.

[2] انظر: مختصر تفسير ابن كثير، مرجع سابق، سورة الكهف (ص: 407)، وما بعدها.

[3] الأحاديث مِن كتاب "من أخلاق النبي"؛ تأليف د. أحمد محمد الحوفي (ص: 102، 103، 104).

[4] من أخلاق النبي، أحمد محمد الحوفي (ص: 259).

[5] أي: أن تمنع وتقول: هات، وهو من البخل.

[6] صحيح البخاري: (4/ 205)، إصدار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

[7] المرجع السابق (ص: 130).

[8] أي: أعْطَى العهد والميثاق باسْمِي.

[9] المرجع السابق (ص: 113).

[10] من أخلاق النبي، مرجع سابق (ص: 260).

[11] صحيح البخاري (4/ 185)، مرجع سابق.

[12] معجم ألفاظ القرآن الكريم، (2/ 798) مرجع سابق.

[13] من "أخلاق النبي"، نقلاً عن سيرة ابن هشام، مرجع سابق.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإنفاق بين السر والعلانية
  • ترشيد الإنفاق من هدي الشرع ونهج العقلاء باتفاق

مختارات من الشبكة

  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كتب علوم القرآن والتفسير (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التربية في القرآن الكريم: ملامح تربوية لبعض آيات القرآن الكريم - الجزء الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الرابعة: رد دعوى الطاعنين بالقول بنقص القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الثالثة: أصول وقواعد في الدفاع القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الأولى: تعريف القرآن عند أهل السنة والجماعة(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • رحلتي مع القران (76) وعاء القرآن(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • ثلاث آيات قرآنية تبين بطلان حديث: (اعرضوا الحديث على القرآن فما وافق القرآن فاقبلوه، وما خالف القرآن فردوه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رحلتي مع القران (69): (مثل من القرآن)(مقالة - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر وعرفان
صلاح جاد سلام - مصر 14-05-2011 02:58 PM

أستاذنا الكبير ،، ذكرتنا بهذا الكتاب القيم الذى درسناه عليكم فى مرحلة الدراسات العليا منذ أكثر من ربع قرن من الزمان , فجزاكم الله عنا خير الجزاء .
صلاح جاد سلام

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/12/1446هـ - الساعة: 11:34
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب