• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    { لا تكونوا كالذين كفروا.. }
    د. خالد النجار
  •  
    دعاء من القرآن الكريم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    تخريج حديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    أخلاق وفضائل أخرى في الدعوة القرآنية
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القدوس، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    منهج البحث في علم أصول الفقه لمحمد حاج عيسى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    حفظ اللسان (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    خطبة: التحذير من الغيبة والشائعات
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    {أو لما أصابتكم مصيبة}
    د. خالد النجار
  •  
    خطبة: كيف ننشئ أولادنا على حب كتاب الله؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة قصة سيدنا موسى عليه السلام
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    شكرا أيها الطائر الصغير
    دحان القباتلي
  •  
    خطبة: صيام يوم عاشوراء والصيام عن الحرام مع بداية ...
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    منهج المحدثين في نقد الروايات التاريخية ومسالكهم ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    كيفية مواجهة الشبهات الفكرية بالقرآن الكريم
    السيد مراد سلامة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

كشف الغطاء عن فضل العطاء

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/4/2011 ميلادي - 14/5/1432 هجري

الزيارات: 38723

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كشف الغطاء عن فضل العطاء

 

أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ – ﴿ فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى * وَصَدَقَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى * وَكَذَّبَ بِالحُسنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى * وَمَا يُغني عَنهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

الحَيَاةُ أَخذٌ وَعَطَاءٌ، وَيَدٌ تَمُدُّ وَأُخرَى تَقبِضُ، وَقُلُوبٌ تَهَبُ وَأَعيُنٌ تَتَرَقَّبُ، وَمُوسِرُونَ يُنفِقُونَ وَمُقِلُّونَ يَنتَظِرُونَ، وَقَد جَعَلَ اللهُ النَّاسَ عَلَى قِسمَينِ: قِسمٌ يَجِدُ في العَطَاءِ لَذَّتَهُ، وَيَرَى البَذلَ مُنتَهَى سَعَادَتِهِ، وَآخَرُ لا يَعرِفُ إِلاَّ الأَخذَ وَالاستِعطَاءَ، وَلا يُحسِنُ إِلاَّ السُّؤَالَ وَالاستِجدَاءَ، وَيَأبى اللهُ لِمَن أَحَبَّهُم مِنَ المُؤمِنِينَ وَاصطَفَاهُم مِن عِبَادِهِ الموَفَّقِينَ، إِلاَّ أَن يَكُونُوا إِلى الخَيرِ سَابِقِينَ وَفي العَطَاءِ مُتَنَافِسِينَ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَاليَ الأَخلاقِ وَيَكرَهُ سَفسَافَهَا " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَا بنَ آدَمَ، إِنَّكَ أَنْ تَبذُلَ الفَضلَ خَيرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلا تُلامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابدَأْ بِمَن تَعُولُ، وَاليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى " وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " اليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى، وَاليَدُ العُليَا هِيَ المُنفِقَةُ، وَاليَدُ السُّفلَى هِيَ السَّائِلَةُ " وَقَد كَانَت لَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قِلَّةِ مَا مَعَهُ الأَيَادِي البَيضَاءُ، فَضَاعَفَ البَذلَ وَتَابَعَ العَطَاءَ، وَعُرِفَ بِالجُودِ وَالسَّخَاءِ، وأُوتيَ نَفسًا كَرِيمَةً لا تَعرِفُ المَنعَ وَلا تَرضَى البُخلَ، في الصَّحِيحَينِ عَن حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَأَعطَاني، ثَمَّ سَأَلتُهُ فَأَعطَاني... مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَعَن جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شَيئًا قَطُّ فَقَالَ لا. رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَفي مُسلِمٍ أَيضًا عَن أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ فَأَعطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَومَهُ فَقَالَ: أَيْ قَومِ أَسلِمُوا، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الفَقرَ. فَقَالَ أَنَسٌ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنيَا، فَمَا يُسلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسلامُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنَ الدُّنيَا وَمَا عَلَيهَا " نَعَمْ.

 

إِخوَةَ الإِيمَانِ:

لَقَد أَعطَى - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - ثُمَّ أَعطَى، حَتَّى كَانَ في عَطَائِهِ وَسَمَاحَتِهِ عَجَبًا عُجَابًا، وَوَصَلَ بِهِ الجُودُ وَالكَرَمُ إِلى أَن يُعطِيَ ثَوبَهُ الَّذِي عَلَى ظَهرِهِ وَهُوَ إِلَيهِ أَحوَجُ مِمَّنِ استَعطَاهُ إِيَّاهُ، عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: جَاءَتِ امرَأَةٌ بِبُردَةٍ، قَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَسَجتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مُحتَاجًا إِلَيهَا، فَخَرَجَ إِلَينَا وَإِنَّهَا لإِزَارُهُ، فَجَسَّهَا رَجُلٌ مِنَ القَومِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُكسُنِيهَا. قَالَ: " نَعَمْ " فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللهُ في المَجلِسِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا، ثُمَّ أَرسَلَ بها إِلَيهِ، فَقَالَ لَهُ القَومُ: مَا أَحسَنتَ، سَأَلتَهَا إِيَّاهُ وَقَد عَرَفتَ أَنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلاً. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللهِ مَا سَأَلتُهَا إِلاَّ لِتَكُونَ كَفَني يَومَ أَمُوتُ. قَالَ سَهلٌ: فَكَانَت كَفَنَهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. نَعَمْ - إِخوَةَ الإِيمَانِ - لَقَد أَعطَى نَبِيُّنَا - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - بُردَتَهُ الجَدِيدَةَ مَن سَأَلَهُ، لا عَن كَثرَةِ مَالٍ لَدَيهِ وَاتِّسَاعِ غِنىً، بَل أَعطَاهُ إِيَّاهَا وَهُوَ أَحوَجُ مِنهُ إِلَيهَا، فَأَيُّ مَحَبَّةٍ لَلعَطَاءِ كَمِثلِ هَذِهِ المَحَبَّةِ ؟! وَأَيُّ جُودٍ كَمِثلِ هَذَا الجُودِ ؟! إِنَّهُ السَّخَاءُ النَّبَوِيُّ، لم يَكُنْ تَكَلُّفًا أَو تَظَاهُرًا، بَل كَانَ خُلُقًا كَرِيمًا جَرَى مِنهُ مَجرَى الدَّمِ في العُرُوقِ، وَسَجِيَّةً تَنَفَّسَهَا مَعَ الهَوَاءِ، وَمَلَكَةً جَرَت بها نَفسُهُ الشَّرِيفَةُ، حَتَّى لَقَد بَلَغَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - بِعَطَائِهِ مَرحَلَةً تَجَاوَزَت مَن يُحِبُّهُ وَيُدنِيهِ مِن أَصحَابِهِ وَمُحِبِّيهِ، وَشَمِلَت مَن يُبغِضُهُ وَيُعَادِيهِ، وَوَسِعَت مَن يَكرَهُهُ وَيُقصِيهِ، فَتَمَلَّكَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - بِذَلِكَ القُلُوبَ وَاستَمَالَهَا، وَهَدَّأَ نُفُورَهَا وَرَدَّ شَارِدَهَا، وَأَحَالَ نَارَ بُغضِهَا وَكَدَرَ كُرهِهَا، إِلى جَنَّةِ مَحَبَّةٍ وَصَفَاءِ مَوَدَّةٍ، فَعَن صَفوَانَ بنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: وَاللهِ لَقَد أَعطَاني رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مَا أَعطَاني وَإِنَّهُ لأَبغَضُ النَّاسِ إِليَّ، فَمَا بَرِحَ يُعطِيني حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ. رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

لَقَد كَانَ عَطَاؤُهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - عَطَاءَ مَن عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنيَا وَسُرعَةَ فَنَائِهَا، وَمَا أَعَدَّهُ اللهُ في الآخِرَةِ لأَهلِ العَطَاءِ مِن مُضَاعَفِ الثَّوَابِ وَكَرِيمِ الجَزَاءِ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانَ لا يَفرَحُ بما أَبقَى كَفَرحِهِ بما أَعطَى، بَل لَقَد حَرِصَ أَلاَّ يَدَّخِرَ شَيئًا دُونَ مُستَحِقِّهِ أَو سَائِلِهِ، عَن أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لا يَدَّخِرُ شَيئًا لِغَدٍ. وَعَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - أَنَّهُم ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا بَقِيَ مِنهَا ؟ " قَالَت: مَا بَقِيَ مِنهَا إِلاَّ كَتِفُهَا. قَالَ: " بَقِيَ كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا " وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " يَقُولُ العَبدُ: مَالي مَالي. وَإِنَّ لَهُ مِن مَالِهِ ثَلاثًا: مَا أَكَلَ فَأَفنى، أَو لَبِسَ فَأَبلَى، أَو أَعطَى فَأَقنى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. هَذَا هُوَ مَعنى العَطَاءِ عِندَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لَيسَ عَطَاءَ مَن يَرَى لِنَفسِهِ الفَضلَ وَالمِنَّةَ، بَلْ عَطَاءُ مَن يَعلَمُ أَنَّهُ يُعَامِلُ رَبًّا كَرِيمًا وَيَرجُو إِلَهًا جَوَادًا، يُعطِي الكَثِيرَ عَلَى القَلِيلِ، وَيُخلِفُ مَا يَزُولُ وَيَفنى بما يَدُومُ وَيَبقَى، وَهُوَ القَائِلُ - سُبحَانَهُ -: " وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ " يُقَالُ هَذَا الكَلامُ - أَيُّهَا الإِخوَةُ - وَنَحنُ نَرَى المُنفِقِينَ في سُبُلِ الخَيرِ وَالدَّاعِمِينَ لِجَمعِيَّاتِ البِرِّ وَالمُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةَ بَينَ مُتَرَاجِعٍ بَعدَ إِقدَامٍ، وَمُتَأَخِّرٍ بَعدَ مُسَابَقَةٍ وَمُسَارَعَةٍ، وَمُتَرَدِّدٍ في نِيَّتِهِ لم تَتَّضِحْ رُؤيَتُهُ وَلا يَعلَمُ أَينَ وِجهَتُهُ، أَلا فَلْتَعلَمْ - أَيُّهَا المُسلِمُ الدَّاعِمُ لِمُؤَسَّسَاتِ الخَيرِ وَجَمعِيَّاتِ البِرِّ - أَنَّكَ تُعَامِلُ رَبَّكَ وَخَالِقَكَ، وَتُقرِضُ رَازِقَكَ الَّذِي يُضَاعِفَ مَثُوبَتَكَ، وَأَنَّ أَجرَكَ عَلَى قَدرِ نِيَّتِكَ، وَأَنَّكَ عِندَمَا تَبذُلُ وَتُعطِي، فَإِنَّكَ في الوَاقِعِ لا تُعطِي بِقَدرِ مَا تَأخُذُ. نَعَمْ، إِنَّكَ تَأخُذُ كَثِيرًا بِإِعطَائِكَ القَلِيلَ، وَتَنَالُ نَتَائِجَ مُضَاعَفَةً وَثَمَرَاتٍ مُوَفَّرَةً، لَو جُعِلَت إِلى جَنبِ عَطَائِكَ لَصَارَ كَنُقطَةٍ في بَحرٍ لُجِّيٍّ، إِنَّكَ تَأخُذُ مِمَّن أَعطَيتَهُم في الدُّنيَا مَشَاعِرَ المَدحِ وَالامتِنَانِ، وَتَكسِبُ أَلسِنَةَ الشُّكرِ وَالعِرفَانِ، تَحُوزُ مَوَدَّتَهُم وَتَربَحُ مَحَبَّتَهُم، وَتَأسِرُ قُلُوبَهُم وَتَملِكُ أَفئِدَتَهُم، وَالأَهَمُّ مِن ذَلِكَ وَالأَغلَى وَالأَنفَعُ والأَبقَى، دُعَاؤُهُم لَكَ وَذِكرُهُم إِيَّاكَ بِالخَيرِ بَعدَ رَحِيلِكَ، وَالنَّاسُ شُهَدَاءُ اللهِ في أَرضِهِ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " يُوشِكُ أَن تَعرِفُوا أَهلَ الجَنَّةِ مِن أَهلِ النَّارِ " قَالُوا: بِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " بِالثَّنَاءِ الحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ؛ أَنتُم شُهَدَاءُ اللهِ بَعضُكُم عَلَى بَعضٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. كُنْ عَلَى يَقِينٍ - أَيُّهَا المُعطِي شَيئًا لِوَجهِ اللهِ - أَنَّكَ إِنْ مَنَحتَ الآخَرِينَ شَيئًا مِمَّا تَملِكُ، فَسَتَرَبحُ أَضعَافَ مَا مَنَحتَ؛ لأَنَّكَ بِعَطَائِكَ تُعِيدُ الابتِسَامَةَ لِشِفَاهٍ طَالَمَا أُطبِقَت، وَتَرسَمُ البَهجَةَ عَلَى وُجُوهٍ طَالَمَا عَبَسَت، وَتُدخِلُ الأَمَلَ وَالفَرَحَ عَلَى قُلُوبٍ يَئِسَت وَتَأَلَّمَت وَحَزِنَت، كَم مِن يَتِيمٍ فَقَد حَنَانَ الأُبُوَّةِ أَو لم يَذُقْ لِلأُمُومَةِ طَعمًا، اِنشَرَحَ بِعَطَائِكَ صَدرُهُ، وَابتَهَجَت بِبَذلِكَ نَفسُهُ، وَخَفَّت بِجُودِكَ مُعَانَاتُهُ، وَزَالَ بِكَرَمِكَ شَيءٌ مِن شَقَائِهِ ! وَكَم مِن أَرمَلَةٍ فَقَدَتِ العَائِلَ وَغَابَ عَنهَا الرَّاعِي، وَذَاقَت مَرَارَةَ الغُربَةِ وَالحِرمَانِ بِفَقدِ زَوجِهَا، أعَدتَ لَهَا شَيئًا مِنَ الأَمَلِ يُنِيرُ بَقِيَّةَ حَيَاتِهَا، لِتُوقِنَ أَنَّهُ مَا زَالَ في الدُّنيَا خَيرٌ كَثِيرٌ وَنُفُوسٌ طَيِّبَةٌ وَأَيدٍ مُبَارَكَةٌ، وَصُدُورٌ تَفِيضُ جُودًا وَقُلُوبٌ تَنبِضُ عَطَاءً ! العَطَاءُ - أَيُّهَا المُبَارَكُ - أَن تُقَدِّمَ مَا تَجُودُ بِهِ نَفسُكَ لِمَن تُحِبُّ وَمَن لا تُحِبُّ، العَطَاءُ أَلاَّ تَعِيشَ لِنَفسِكَ مُستَأَثِرًا بما رَزَقَكَ رَبُّكَ، بَل تَفتَحُ قَلبَكَ لِيَسعَ حَاجَاتِ الآخَرِينَ، وَتَمُدُّ يَدَكَ لِتَسُدَّ فَاقَاتِ المُحتَاجِينَ، لا تَنظُرْ لِقَدرِ مَا تُعطِي وَقِيمَتِهِ، وَلَكِنِ انظُرْ إِلى مِقدَارِ مَا سَيُحدِثُهُ مِن وَقعٍ عَلَى القُلُوبِ، وَتَفَكَّرْ في مَدَى تَأثِيرِهِ عَلَى النُّفُوسِ، إِنَّ مِن سِمَاتِ العَطَاءِ الحَقِيقِيِّ أَلاَّ يَنتَظِرَ صَاحِبُهُ مِمَّن أَعطَاهُ أَيَّ مُقَابِلٍ قَلِيلاً كان أَو كَثِيرًا، وَأَن يُخلِصَ للهِ نِيَّتَهُ وَقَصدَهُ، وَيَطلُبَ مَا عِندَهُ وَحدَهُ، العَطَاءُ الحَقِيقِيُّ أَن يُعطِيَ المُؤمِنُ مِن دَاخِلِهِ وَأَعمَاقِ قَلبِهِ، دُونَ أَن يَشعُرَ أَنَّهُ مُرغَمٌ عَلَى ذَلِكَ أَو مَجبُورٌ، العَطَاءُ الحَقِيقِيُّ أَن تَكُونَ بِعَطَائِكَ أَفرَحَ مِنَ الآخِذِ بما أَخَذَ، أَلاَّ يَستَرِيحَ قَلبُكَ وَلا تَهدَأَ نَفسُكَ حَتَّى يَفرَحَ مَن حَولَكَ بما قَدَّمتَهُ لَهُم وَيَسعَدُوا بما وَهَبتَهُم، أَنْ تُعطِيَ مَا تُعطِي وَدُمُوعُ عَينِكَ أَسبَقُ من يَدِكَ، ذَاكَ هُوَ العَطَاءُ الصَّادِقُ.

 

مَعشَرَ الدَّاعِمِينَ لِجَمعِيِّاتِ البِرِّ وَمَكَاتِبِ الدَّعوَةِ وَجَمعِيَّاتِ التَّحفِيظِ:

أَمَا تَرضَونَ أَن يَجمَعَ النَّاسُ الأَمَوَالَ وَيَكنِزُوهَا لِيَأكُلَهَا غَيرُهُم بَارِدَةً وَيَتَذَوَّقُوا هم حَرَارَةَ حِسَابِهَا، وَتَعُودُوا أَنتُم بِخَيرِ مَا عَادَ بِهِ صَاحِبُ مَالٍ، مَوعُودِينَ بِالخَيرِيَّةِ وَالخَلَفِ، رَاجِينَ مُضَاعَفَةَ الحَسَنَاتِ وَرِفعَةَ الدَّرَجَاتِ، طَامِعِينَ في جِوَارِ مُحَمَّدٍ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - في الجَنَّاتِ ؟ قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَقَالَ: " فَوَاللهِ لأَنْ يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ: " أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذَا " وَأَشارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسطَى، رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَقَالَ: " السَّاعِي عَلَى الأَرمَلَةِ وَالمِسكِينِ كَالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ " قَالَ الرَّاوِي: وَأَحسِبُهُ قَالَ: " وَكَالقَائِمِ لا يَفتُرُ وَكَالصَّائِمِ لا يُفطِرُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. يَا مَعشَرَ الدَّاعِمِينَ للمُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةِ، مَا مَقَالاتٌ هَزِيلَةٌ وَتَصَرُّفَاتٌ مَشِينَةٌ تَصدُرُ مِن بَعضِكُم بَينَ فَينَةٍ وَأُخرَى، إِمَّا مِنَّةً بما بَذَلتُم وَتَعدَادًا لِمَا أَنفَقتُم، أَو تَخِذِيلاً لِلنَّاسِ وَإِغلاقًا لأَبوَابِ الخَيرِ، أَو غِيبَةً لِلعَامِلِينَ في الجَمعِيَّاتِ وَأَكلاً لأَعرَاضِهِم لِشَيءٍ في النُّفُوسِ لا حَقِيقَةَ لَهُ في الوَاقِعِ، أَمَا تَخشَونَ أَن تَحبَطَ بِذَلِكَ الأَعمَالُ ؟! أَمَا تَخَافُونَ أَن تَذهَبَ الصَّدَقَاتُ هَبَاءً مَنثُورًا ؟! إِنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَن كُلِّ عَمَلٍ لا يُرَادُ بِه وَجهُهُ، عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرَأَيتَ رَجُلاً غَزَا يَلتَمِسُ الأَجرَ وَالذِّكرَ مَالَهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا شَيءَ لَهُ " فَأَعَادَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا شَيءَ لَهُ " ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللهَ لا يَقبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابتُغِيَ بِهِ وَجهُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيهِ رَجُلٌ استُشهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ: قَاتَلتُ فِيكَ حَتَّى استُشهِدتُ. قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلتَ لِيُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ في النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ: تَعَلَّمتُ العِلمَ وَعَلَّمتُهُ وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ، قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ في النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ وَأَعطَاهُ مِن أَصنَافِ المَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ: مَا تَرَكتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أَن يُنفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنفَقتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجهِهِ ثُمَّ أُلقِيَ في النَّارِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَاحمَدُوهُ، فَإِنَّ هَذِهِ المُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةَ الَّتي تَفتَحُ أَبوَابَهَا لِلرَّاغِبِينَ في البَذلِ وَتَستَقبِلُ مِنهُمُ العَطَاءَ، إِنَّهَا لَنِعمَةٌ مِنَ اللهِ عَظِيمَةٌ وَمِنحَةٌ مِنهُ جَسِيمَةٌ، لَو لم تَكُنْ لَظَلَّ كَثِيرُونَ لا يَعرِفُونَ لِلعَطَاءِ بَابًا وَلا يَهتَدُونَ إِلَيهِ سَبِيلاً، وَإِيَّاكُم وَالمُخَذِّلِينَ بِدَعوَى أَنَّ في الجَمعِيَّاتِ أُنَاسًا مُقصِّرِينَ، أَو أَنَّهَا تُخطِئُ فَتُعطِي مَن لا يَستَحِقُّونَ، فَإِنَّمَا لِلمَرءِ مِنَ الخَيرِ مَا قَصَدَ ونَوَى، وَمَن قَصَّرَ بَعدَ ذَلِكَ مِنَ العَامِلِينَ في الجَمعِيَّاتِ أَو تَهَاوَنَ، فَإِنَّمَا إِثمُهُ عَلَى نَفسِهِ، وَمَنِ اجتَهَدَ فَأَخطَأَ فَإِنَّمَا هُوَ بَشرٌ، وتَأَمَّلُوا هَذَا الحَدِيثَ لِتُدرِكُوا ذَلِكَ وَتَفقَهُوهُ، عَن مَعنِ بنِ يَزِيدَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ: كَانَ أَبي يَزِيدُ أَخرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بها، فَوَضَعَهَا عِندَ رَجُلٍ في المَسجِدِ، فَجِئتُ فَأَخَذتُهَا فَأَتَيتُهُ بها، فَقَالَ: وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدتُ، فَخَاصَمتُهُ إِلى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَكَ مَا نَوَيتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذتَ يَا مَعنُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ. أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ ﴾.

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا ".

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، يَظُنُّ كَثِيرٌ مِمَّن لم يَنضِجُوا فِكرِيًّا وَلم يَتَرَبَّوا إِيمَانِيًّا، أَنَّ مُنتَهَى السَّعَادَةِ في صِحَّةِ بَدَنٍ أو جَمَالِ جِسمٍ أَو كَثرَةِ مَالٍ، وَيَفرَحُ أَحَدُهُم بِقَدرِ مَا يَأخُذُهُ وَيَستَحوِذُ عَلَيهِ، في حِينِ أَنَّ الكِبَارَ عَقلاً وَالنَّاضِجِينَ فِكرًا، يَنظُرُونَ بِبَصَائِرِهِم إِلى مَا عِندَ رَبِّهِم، وَيَعِيشُونَ بِقُلُوبِهِم في الدَّارِ الآخِرَةِ، وَمِن ثَمَّ فَهُم يَجِدُونَ السَّعَادَةَ في العَطَاءِ، وَفي جَعلِ النَّاسِ مِن حَولِهِم سُعَدَاءَ. وَإِنَّ مَن وَفَّقَهُ اللهُ فَدَاوَمَ عَلَى العَطَاءِ وَذَاقَ حَلاوَتَهُ، عَلِمَ أَنَّ الحَيَاةَ لا تَحلُو إِلاَّ لِلمُعطِينَ، وَاستَنكَرَ عَلَى مَن لم يُرزَقُوا العَطَاءَ كَيفَ يَفرَحُونَ ويَهَنَؤُونَ ؟! وَكَيفَ يَجِدُونَ لِحَيَاتِهِم طَعمًا ولِعَيشِهِم مَعنىً ؟! أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - مَعشَرَ المُسلِمِينَ - وَمَن فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابَ عَطَاءٍ بِاستِقطَاعٍ شَهرِيٍّ في مَكتَبِ دَعوَةٍ أَو جَمعِيَّةِ قُرآنٍ، أَو وَفَّقَهُ لاشتِرَاكٍ سَنَوِيٍّ في جَمعِيَّةِ بِرٍّ، فَلْيَحمَدِ اللهَ أَنْ جَعَلَهُ يَدًا عُليَا، وَلْيَستَمِرَّ عَلَى عَطَائِهِ، وَلْيَحذَرْ أَن يُبطِلَهُ بِالمَنِّ وَالأَذَى، فَإِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يُفَرِّطَ عَاقِلٌ فِيمَا عِندَ اللهِ اتِّبَاعًا لِهَوًى في نَفسِهِ، أَوِ انقِيَادًا لِخِلافَاتٍ شَخصِيَّةٍ وَطَلَبًا لِلانتِصَارِ عِندَ خِلافٍ.

 

ولَقَد ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - مَثَلاً بَلِيغًا لأَثَرِ الإِنفَاقِ في إِسعَادِ المُنفِقِ وَشُؤمِ البُخلِ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ: " مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُنفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَينِ عَلَيهِمَا جُنَّتَانِ مِن حَدِيدٍ مِن ثُدِيِّهِمَا إِلى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا المُنفِقُ فَلا يُنفِقُ إِلاَّ سَبَغَت أَو وَفَرَت عَلَى جِلدِهِ حَتَّى تُخفِيَ بَنَانَهُ وَتَعفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا البَخِيلُ فَلا يُرِيدُ أَن يُنفِقَ شَيئًا إِلاَّ لَزِقَت كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا فَلا تَتَّسِعُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. فَيَا مَن يُرِيدُ سَعَادَةَ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، عَلَيكَ بِالعَطَاءِ، يَا مَن تُرِيدُ مَحَبَّةَ الخَلقِ وَرِضَا الخَالِقِ، عَلَيكَ بِالعَطَاءِ، يَا مَن تُرِيدُ البَرَكَةَ في مَالِكَ وَالسَّعَةَ في رِزقِكَ، عَلَيكَ بِالعَطَاءِ، ثُمَّ لا تَظُنَّنَّ بَعدُ أَنَّ العَطَاءَ يَختَصُّ بِإِطعَامِ الطَّعَامِ وَتَقدِيمِ المَالِ فَقَطْ، إِنَّ العَطَاءَ أَوسَعُ مِن ذَلِكَ وَأَشمَلُ، اُعفُ عَمَّن ظَلَمَكَ، وَتَجَاوَزْ عَمَّن أَسَاءَ إِلَيكَ، وَصِلْ مَن قَطَعَكَ، وَادعُ لإِخوَانِكَ المُسلِمِينَ بِظَهرِ الغَيبِ، صَفِّ قَلبَكَ وَنَظِّفْ فُؤَادَكَ، اِقبَلْ عُذرَ مَنِ اعتَذَرَ، وَأَقِلْ عَثرَةَ مَن عَثَرَ، قَدِّمْ لِمُجتَمَعِكَ فِكرَةً تُغَيِّرُهُ لِلأَحسَنِ وَالأَفضَلِ، كُنْ صَالحًا في مُجتَمَعِكُ مُصلِحًا لِمَن حَولَكَ، اِجعَلِ النَّاسَ يَشعُرُونَ أَنَّ الحَيَاةَ في جِوَارِكَ رَائِعَةٌ وَجَمِيلَةٌ، تَنَازَلْ عَمَّا تَستَطِيعُ مِن حُقُوقِكَ ابتِغَاءَ وَجهِ اللهِ، وَآثِرْ غَيرَكَ بِشَيءٍ مِمَّا وَهَبَكَ اللهُ، لا تَنتَظِرْ مِنَ الآخَرِينَ جَزَاءً وَلا شُكُورًا، لِيَكُنْ عَطَاؤُكَ وَمَنعُكَ للهِ؛ لِتَنَالَ أَعظَمَ جَائِزَةٍ وَأَسعَدَ حَيَاةٍ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " مَن أَحَبَّ لهِد وَأَبغَضَ للهِ، وَأَعطَى لهِل وَمَنَعَ للهِ، فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَإِذَا لم تَستَطِعْ أَن تُقَدِّمَ شَيئًا مِنَ الخَيرِ فَكُفَّ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَكَ صَدَقَةٌ " وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ " و" إِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلخَيرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلخَيرِ، فَطُوبى لِمَن جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيرِ عَلَى يَدَيهِ، وَوَيلٌ لِمَن جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيهِ ".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خير العطاء وأوسعه
  • العطاء.. متى؟!
  • الجود مفتاح الشرف
  • معاني العطاء

مختارات من الشبكة

  • كشف الالتباس عن " كشف الالتباس "(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة كشف الغطاء(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كشف الغطاء عما في كتاب: " أسماء حسنى غير الأسماء الحسنى" من الأخطاء "(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة بيان فضل خيار الناس والكشف عن مكر الوسواس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة كشف الغمى في فضل الحمى(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كشف الأستار عن الذين حرم الله أجسادهم على النار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ترجيحات الإمام الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كشف القناع عن بلاد الأحلام(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كشف المنافقين(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • كشف الإبهام والإعواص في خبر إسلام عمرو بن العاص(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/1/1447هـ - الساعة: 14:50
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب