• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

في مدرسة النمل

الشيخ بلال بن عبدالصابر قديري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/4/2011 ميلادي - 8/5/1432 هجري

الزيارات: 20134

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في مدرسة النمل

 

أما بعد:

فإن الوصية المبذولة لي ولكم هي تقوى الله سبحانه، فهي عدة الصابرين، وذخيرة المجاهدين، وسلوان المصابين، ما خاب من اكتسى بها، ولا خسر من اكتنفها، بها النجاة في الأولى، والفوز في الأخرى، لا يسألكم الله رزقاً، هو يرزقكم، والعاقبة للتقوى.

 

أيها الناس:

إن سياحة المرء بعقله، وتدبره بفكره، في الآيات القرآنية، ونصوص السنة النبوية، تورث العبد علماً جماً، وفوائد شتى، بما كان وما سيكون، ناهيك عن آيات الكون الناطقة لله تعالى بالوحدانية.

وفي كل شيءٍ له آيةٌ ♦♦♦ تدل على أنه الواحد

 

من هنا كانت نصوص الشرع تأتي في غير ما موضع، تَنُصُّ وتَحُثُّ على التفكر والتأمل، مفصحة عن جليل الفوائد في ذلك، لأولي العقول والبصائر والألباب، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران:190] وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة:164] وإن عبادة التفكر معطلةٌ عند جمع ليس بالقليل من بني الإسلام.

 

ولنتعرض لذكر شيءٍ من النصوص التي توضح بجلاء أن ثمة مخلوقات في الكون، هي دون الإنسان في المنزلة، ودونه فيما كرمه الله به وحباه من مكانةٍ عَليَّةٍ، ولكنها أطوع لله، وأهدى من كثير من بني آدم، ممن استنكفوا عن طاعة الله ﴿ أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج:18] فدل على أن أكثر بني آدم عصاةٌ مستكبرون ضالون، ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف:103].

 

ولأجل أن نستشعر عبوديتنا لله تعالى، سنسلط الضوء على أمثلة متنوعة لكمال عبودية بعض المخلوقات والجمادات لله تعالى، قال النبي صلَّى الله عليه وسلم يوماً حين مرت به جنازة: ((مستريح ومستراح منه)) فقالوا: ما المستريح وما المستراح منه ؟ قال صلَّى الله عليه وسلم: ((إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب)) فانظر كيف يغار الشجر والدواب، من الرجل الفاجر وعصيانه لله تعالى، فالمخلوقات المسبحة لله - وكلها كذلك - ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ [الإسراء:44] ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [النور:41] هذه المخلوقات تعلم أنه ما ينزل بأهل الأرض من قحطٍ وبلاء، إلا وسببه عصيان بني آدم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وقال مجاهد رحمه الله: "إن البهائم لتلعن العصاة من بني آدم إذا اشتدّت السّنة وأمسك المطر تقول: هذا بشؤم معصية بني آدم". وقال عكرمة رحمه الله: "دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم".

 

وبالمقابل فأخريات من الدواب تفرح بالتدين، فتدعو وتصلى وتستغفر لصالح بني آدم، فعند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير)) بل إن الدواب جميعاً تفرق من هول يوم القيامة، قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((ما من دابة إلا وهي مصغية يوم الجمعة خشية أن تقوم الساعة)) رواه أحمد.

 

وهذا هو الديك يدعو للخير والفلاح قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة)) رواه احمد وأبو داود، وروى احمد قول النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((إنه ليس من فرس عربي يؤذن له مع كل فجر يدعو فيقول: اللهم إنك خولتني من خولتني من ابن آدم فاجعلني من أحب أهله وماله إليه)) قال صلَّى الله عليه وسلم: ((إن هذا الفرس قد استجيبت له دعوته)).

 

وأما الشجر فهو من النبات عباد الله: فإن الله يقول في شأنها ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ [الرحمن:6] وروى ابن ماجه قول النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((ما من ملب يلبي، إلا لبَّى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من ها هنا، وها هنا)) ويتضح ولاء الحجر والشجر للمؤمنين، ونصرته لدين الله حينما ينطقه خالقه غيرة على دينه، في مثل قول النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر و الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله)) رواه مسلم.

 

وهذا ذئب يدعو إلى الإسلام فيما رواه احمد، من حديث أبي سعيد ألخدري رضي الله عنه قال: عدى ذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه قال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقاً ساقه الله إليَّ؟ فقال: يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الناس؟ قال: الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك محمد صلَّى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. وعند البخاري قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((فإني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر)).

وأما النمل يرعاكم الله: فتلك أمة من الأمم المسبحة لله سبحانه، مع صغر خلقتها، وهوان شأنها، وازدراء البشر لها، وهي التي قال الله عنها: ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل:18].

 

قال صلى الله عليه وسلم: ((قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملةٌ، أحرقت أمةً من الأمم تسبح الله)) رواه البخاري، فلا إله إلا الله والله أكبر.

الشمس والبدر من أنوار حكمته
والبر والبحر فيض من عطاياه
الطير سبحه والوحش مجَّدَهُ
والموج كبَّرَهُ والحوت ناجاه
والنملُ تحت الصخور الصم قدَّسَه
والنحل يهتف حمداً في خلاياه
والناس يعصونه جهراً فيسترهم
والعبد ينسى وربي ليس ينساه

 

أيها المسلمون:

النمل حشرة صغيرة معروفة، جمعها نمال، والمفرد نملة، وأرض نَمِلَةٌ أي ذات نمل، وطعام منمول أي أصابه النمل، فهلموا إلى مدرسة النمل نستقي منها دروساً، في حصة دراسية قصيرة، على عجالةٍ وإطنابٍ شديدين، ولا عجب أن يكون حديث الجمعة عن النمل والنمال، فإنه حديث القرآن في سورة من أطول سوره، ثم حاشا ربنا أن يخلق شيئاً عبثاً، فإنه تعالى أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى.

يحكي القرآن قصة نملة مع قومها حين بذلت النصح فقالت: ﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل:18] كانت واعظة صادقة فاستحقت التخليد في القرآن، فلما رأت خطراً محدقاً حذَّرَت، مع أن المحذَّرَ منه ليس بعدوٍ، إنما هو نبيٌ صالحٌ، لكن خوفاً من التحطيم والهلاك لقومها أنذرت، فكيف لو كان المحذَّرُ منه عدواً مهلكاً، فماذا عساها فاعلة؟، ولَكَم هي الأخطار والأضرار المحدقة بالأمة الإسلامية، فأين هم المحذرون والمنذرون الصادقون، ولم تحملها الأنانية على النجاة بنفسها هرباً، ثم إنها كانت في وادي النمل، فلم تتكل على غيرها، ولم تنظر إلى كثرة النمل غيرها، وكانت نملة من أفراد النمل، لا منصب لها ولا مكانة، فلم تزدري نفسها، بل قامت بالبلاغ المبين فأنقذت أمتها، مع أنها لم تكن ذات منصب أو وجاهة، وكان العدل لها سمةً، فاعتذرت عن فعل سليمان، في حين إنه لا حاجة لاعتذارها له، فهي لم تفسر أعمال القلوب، واعتذارها براءة لها من حمل الأفعال على سيئ المحامل والمقاصد، إذ تتبع العثرات ليس من شيم الكرام، وذكر بعض أهل لتذكير أن النملة تكلمت بعشرة أنواع من البديع، ففي قولها: ﴿ يَا ﴾ نادت، ﴿ أيُّهَا ﴾ نبَّهت، ﴿ النَّمْلُ ﴾ سمت، ﴿ لا يَحْطِمَنَّكُمْ ﴾ حذرت، ﴿ سُلَيَْمَانُ ﴾ خصت، ﴿ وَجُنُودُهُ ﴾ عمَّت، ﴿ وَهُمْ ﴾ أشارت، ﴿ لا يَشْعُرُونَ ﴾ اعتذرت، فجاء التبسم من سليمان إعجاباً بقولها ورضا، إذ التبسم يكون تبسم المستهزئ، وتبسم الغضبان، وتبسم العجب، ولكنه لما كان عن سرورٍ أتبعه الله بقوله: ﴿ ضَاحِكَاً ﴾ وإنما كان فرح سليمان سروراً بدينها وعدلها، وأنها دافعت عنه دون حاجة أو طلب.

 

أمة الإسلام:

دروس النمل تترى، فإنها لم تسمى نملة إلا لتَنَمُّلِها، أي كثرة حركتها، مما يُنِمُّ عن جدٍ وجلد، تورث جديةً ومثابرة عجيبين، فتحاول النملة الصعود مرات وكرات حتى تنجح، وهي التي تحمل فوق ظهرها أضعاف أوزانها مرات، وعند بنائها البيوت ترى النمل كل النمل دائب الحركة والعمل، لا ترى نملة واقفة، ولا أخرى نائمة، أو قاعدة عن العمل، فالجدية والمثابرة صفة للنمل، يكاد يكون عليها إجماع الباحثين، ولكم يتمنى المتمني صبراً كصبر النملة، أمام الفتور الذي دب في كثير من الناس، لا سيما في العمل للدين، وفي خدمة المسلمين، إن مجتمع النمل مجتمع متعاون، لا ترى نملة تبني بيتها لوحدها أبداً، وعند حمل الحب يتعاونون أيضاً، وكذا في السير ترى اجتماعهم في خط سير مستقيم، فما أحرى أمة الإسلام إلى تعاونها على البر والتقوى، في حين تفرقت أوصالها، كما تفرقت أيدي سبأ.

وللتضحية في حياة النمل صور ومواقف، فعندما تقطع حاجزاً مائياً أو جدول ماءٍ، تتشابك أيديها، وتتلاحم كالجسر، يسير الباقي فوقها، وتذهب مجموعة مع سيل المياه، تضحي بنفسها لأجل الآخرين.

 

والنمل يحتكر قوته في زمن الصيف لزمن الشتاء، وله في الاحتكار من الحيل، ما إنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسمه نصفين، وإذا خاف العفن على الحبِّ أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره، وأكثر ما يفعل ذلك ليلاً في ضوء القمر، وبيوت النمل مقسمة إلى أماكن للتخزين، وأخرى للنوم، ومقر للملكة تبني عشها، وتجعل الفتحة جهة المشرق دوماً، وكم من باحث يستدل جهة المشرق بالنظر إلي جحور النمل، ومن النمل ما يزرع، ومنه ما يقطع الشجر، الملكة تضع البيض وتوجه، و الشغالات في خدمة الملكة، والوصيفات تبلغ أوامر الملكة، والعساكر ينفذون، دون تنازع أو خصام، وعند الأزمات تسير قطعان النمل متحدة لتفتك بالعدو، ولقد أثبتت الدراسات أن النمل ينظف نفسه، ويتكرر ذلك في اليوم مرات، فسبحان من أودعها حكماً، وأبدعها خلقاً، ﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه:50].

 

تلك الطبيعة قف بناء يا ساري
حتى أريك بديع صنع الباري
فالأرض حولك والسماء اهتزتا
لروائع الآيات والآثارِ

 

فأين ذووا الألباب والبصائر من هذي العبر والآيات.

اقنع بما ترزق يا فتى
فليس ينسى ربنا نملة
إذا أقبل الدهر فقم قائماً
وإن تولى مدبراً نم له

 

أيها المسلمون:

وشأن النمل كغيره من المجتمعات، فيه الصالح والطالح، ففيهم نوع فاسد، مجتمع تخريبي يعيش على إهلاك الحرث والإفساد، لا يعمل إلا في الظلام، يبني جحوره في مسافات بعمق خمسة وأربعين متراً تحت الأرض، إنه النمل الأبيض: الأرضة، التي حكي القرآن طرفاً من خبرها مع سليمان: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ:14] إذ الأرضة نخرت في العصا من الداخل، وسليمان قائمٌ على عصاه حولاً ميتاً، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة وهم لا يشعرون بموته، حتى أكلت الأرضة العصا فخر ميتاً، فعلموا بموته، وكذا مجتمع البشر لا يخلو من المخربين، كالمنافقين والعلمانيين ممن يعملون تحت الظلام لإفساد البشر، ولئن كانت الأرضة قد أفسدت أطنان الكتب، فإن أرضة البشر أفسدوا عقول المئات وأديانهم، ببدع مضللة راجت بدعوى العقلنة، وحرية الفكر، أو سمه حرية الكفر، كزعمهم أن الشريعة لا تصلح لكل أحد، ولا لكل زمان، أو الدعاية لفصل الدين عن الدولة، فلا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة، أو كمن يقول الدين لله والوطن للجميع، أو من يقول دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، أو من يصف الإسلام بالرجعية، والحدود الشرعية بالهمجية والغلظة، أو من يصف الدين بالمقيِّدِ للمرأة والظالم لها، أو من يري حريَّة المرأة متمثلاً في خروجها عن حدود ربها، وإعلانها العصيان لشريعة الخالق، و جعلها إناءً لكل والغ، ولقيطاً لكل لاقط.

ولئن كانت ثمة دعوات نادت إلى إقامة وكالة دولية لمحاربة النمل الأبيض، فما أحوجنا لردع أرضة البشر، ممن أهلكوا البلاد والعباد.

 

وبعد أيها المسلون:

فإن النمل أمةٌ مسبحة لله كما تقدم آنفاً، وعند الدار قطني والحاكم أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: ((خرج سليمان ذات يوم يستسقي، فإذا هو بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها، فقال لمن معه: ارجعوا فقد كفيتم، وسقيتم بغيركم)).

 

من هنا ورد النهيُ عن قتلها، كما في حديث ابن عباس بإسناد صحيح على شرط الشيخين عند أبي داود (( أن النبي صلَّى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد )) رواه أبو داود وابن ماجه، فلا يُقْتَلُ من النمل إلا ما تحقق ضرره يقيناً، كما حكاه القرطبي وغيره، وكان بعض السلف يحرِّج عليها إلا خرجت من داره فيخرجن.

 

﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النور:45].

 

الخطبة الثانية

إن على العباد استشعار عظمة الله، و أثر عبودية الجماد والحيوان لله، وهي أقلُ من البشر قدراً وتكريماً.

 

والإنسان مقصرٌ مهما ادعى القصد أو الكمال، فبُعد البشر عن المعرفة الحقة لله تعالى، وغلبة الشهوات، مع الغفلة، تحتاج إلى جهاد وحرص على الخير.

 

يصبح المرء فيؤمر بلزوم الطاعة، والحذر من المعصية، وقد قيل قَبْلُ للخليل اذبح ولدك بيدك، واقطع ثمرة فؤادك بكفك، ثم قم إلى المنجنيق لترمى في النار، ويقال للغضبان اكظم، وللبصير اغضض، ولذي المقول اصمت، ولمستلذ النوم تهجد، ولمن مات حبيبه اصبر، وللواقف في الجهاد بين الغمرات لا يحل لك أن تفر، وإذا وقع بك مرض فلا تشك لغير الله، هذه هي العبودية الحقة لله تعالى.

 

ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على خير الورى طراً، وأفضل الخليقة شرفاً وطهراً، صلاة تكون لكم يوم القيامة ذخراً، فقد أمركم بذلك ربكم في تنزيل يتلى ويقرا، فقال قولاً كريماً: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:56].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النمل يتكلم.. إعجاز علمي
  • الحكمة الاقتصادية عند النملة
  • صدر حديثاً (سورة النمل : دراسة وتحليل) للدكتور عبدالله بن أسود الجوالي
  • تفسير قوله تعالى: { وحشر لسليمان جنوده.. }
  • النمل في القرآن الكريم
  • خارقة سليمان وخارقة النملة
  • حجم النمل في زمن سليمان عليه السلام
  • نوع اللغة التي يتفاهم بها أفراد النمل
  • المراحل التي سلكتها نملة سليمان عليه السلام في توصيل الخبر
  • خصائص مملكة النمل
  • وادي النمل

مختارات من الشبكة

  • {حتى إذا أتوا على وادي النمل} سياحة في مملكة النمل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من الكتب المؤلفة عن سورة النمل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من أنواع النمل: النملة الطائرة والنمل الأبيض(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • طرائف النمل في الزراعة ومعلومات أخرى(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التضحية بين أفراد النمل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عائلة النمل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • درب النمل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من أنواع النمل: النملة الخياطة (Tailor ants)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دفاع النمل عن مستعمرته(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب