• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إلهام الله لعباده بألفاظ الدعاء والتوبة
    خالد محمد شيت الحيالي
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    تفسير قوله تعالى: ﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    تخريج حديث: جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الإيمان بالقدر خيره وشره
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    الأمثال الكامنة في القرآن
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (6)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: السميع
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    سفيه لم يجد مسافها
    محمد تبركان
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

مواجهة المحن والفتن بالتوكل

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/4/2011 ميلادي - 2/5/1432 هجري

الزيارات: 39868

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مواجهة المحن والفتن بالتوكل

 

الحمد لله القوي القهار العزيز الجبار؛ من خضع له أعزه، ومن اتقاه وقاه، ومن أطاعه أنجاه، ومن أقبل إليه أرضاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن سأله أعطاه، ومن أقرضه قضاه، ومن شكره جازاه، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ﴿ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 102-103] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ تحزبت لحربه الأحزاب، وغدر به المنافقون، وكاد له اليهود؛ فكفاه الله تعالى وأعزه والمؤمنين، بتوكله وتوكلهم على ربهم سبحانه ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأقيموا له دينكم، وأسلموا له وجوهكم، وعلقوا به قلوبكم؛ فلا مفرَّ منه إلا إليه، ولا خلاص من المكاره إلا بدعائه، ولا ثبات على الحق إلا بتثبيته، ولا حول ولا قوة للعباد إلا به ﴿ وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ * اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ﴾ [التغابن: 12-13].

 

أيها الناس:

حين تنزل كربة بالعبد فإنه لا يهنأ بطعام ولا شراب ولا منام، حتى يسعى في كشفها، ويلجأ إلى من يعينه عليها، قال لوط عليه السلام لما أحاط به قومه يريدون الاعتداء على أضيافه عليهم السلام ﴿ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود: 80] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَرْحَمُ الله لُوطًا لقد كان يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ))متفق عليه. أراد ركن الله تعالى الذي من لاذ به فلن يخيب، وقد لاذ به لوط والمرسلون عليهم السلام؛ فأنجاهم الله تعالى وأهلك المكذبين.

 

إن الدنيا دار ابتلاء للعباد، وهو ابتلاء بالسراء وبالضراء ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35] وهذه الابتلاءات منها ما يخص الفرد كالفقر والمرض والهم والغم ونحوه، ومنها ابتلاءات جماعية تصيب مدناً، أو تتسع فتشمل دولاً، أو تكون أوسع فتعم أمة كاملة.

وهي باعتبار مصدرها تكون أقداراً محضة ليس للبشر فيها يد وإن كانت ذنوبهم سببها كالزلازل والبراكين والفياضان ونحوها، ومنها ما يكون من ظلم البشر بعضهم لبعض كالتجويع والإفقار والكساد والاحتكار والحروب ونحوها..

وهذه الشدائد والابتلاءات تتكاثر وتتعاظم على المؤمنين كلما تقدم بهم الزمن؛ إذ القاعدة العامة في هذا الشأن أنه: ((ما من عَامٍ إلا الذي بَعْدَهُ شَرٌّ منه حتى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ)) كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

ويلاحظ في ابتلاءات هذه الأيام وشدائدها: عمومُها وتتابعها وتسارعها؛ فهي ابتلاءات عامة تشمل بشراً كثيراً، وتحدث في الناس تغييراً كبيراً؛ ويقع من جرائها هلاك ذريع، وإفقار وتشريد.. يفقد المنكوبون فيها أموالهم كلها أو أكثرها، ويلازمهم خوف شديد، وينتج عنها مصائب عدة، يعجز الأقوياء عن واحدة منها فكيف بها كلها؟!

 

ولما تكررت هذه الشدائد في عدد من البلدان، صار من سلموا منها يخافون امتدادها إليهم، ولا سيما مع إخبار علماء الأرض والمناخ وراصدي الكوارث الكونية أنها تزداد وتكون أكثر عنفاً وقوة، وتواطأ معهم علماء الاجتماع السياسي ومستشرفو المستقبل أن الأيام المقبلة ستشهد تغيرات وتحولات في مجالات الاقتصاد والسياسة وتركيبة الدول.. ولا لوم على الناس حين يخافون على أنفسهم وأولادهم وديارهم وأموالهم، ويقلقهم التفكير فيما تخفيه الأيام لهم؛ فإن هناء العيش في دوام الاستقرار، كما أن كدره وعذابه في حدوث الاضطراب.. ومع ذلك فإن للمؤمن ملجأً يلجأ إليه، إنْ عاذ به فهو معاذه، وإن لزمه فهو ملاذه، وله حصن من الحماية إن استطاع التترس به أمنت نفسه، واطمأن قلبه، ولو رأى الناس يُتخطفون من حوله.. إنه باب التوكل على الله تعالى.. حين ينعقد قلب العبد على الإيمان واليقين، ويُملأ بالتوكل على الله تعالى، ولا يتعلق بسبب مهما كان، ولا يرجو غير الله تعالى، ولا يخاف سواه، ويعلم أن كل ما يقع فهو بقدره سبحانه، وأن الجميع تحت قهره وسلطانه عز وجل، خاضعون لحكمه وأمره تبارك وتعالى.. حينها فقط تستروح نفسه، ويهدأ باله، وينشرح صدره، ويطمئن قلبه, ولا يخشى أحداً، ولا يخاف حدثاً، وقد قال سبحانه في المؤمنين ﴿ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ [محمد: 2] ((ومتى صلح البال استقام الشعور والتفكير، واطمأن القلب والضمير، وارتاحت المشاعر والأعصاب، ورضيت النفس واستمتعت بالأمن والسلام))..

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ((ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل عن مكانه وكان مأمورا بإزالته لأزاله)).

 

لقد تسلح بالتوكل على الله تعالى الأنبياء في كل نائبة أصابتهم، وفي كل ملمة أحاطت بهم.. جعلوه عدتهم في الشدائد، واتخذوه سلاحاً ضد أهل المكائد؛ اجتمع قوم الخليل عليه السلام، وأضرموا ناراً ليحرقوه بها، فنُجي منها بتوكله على الله تعالى. وتحزبت الأحزاب على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فخذلهم الله تعالى بتوكله على ربه سبحانه، قال ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (([حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ] قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السَّلَام حين أُلقى في النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حين قالوا ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173])) رواه الشيخان.

وحين طورد موسى ومن معه من المؤمنين، وحوصروا وخافوا الهلاك؛ ففرعون وجنده وراءهم، والبحر أمامهم؛ كان توكل الكليم عليه السلام على ربه مسعفاً لهم، وسبباً في زوال كربهم، وإنقاذ أرواحهم ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 61-63].

ولجأ إلى التوكل يعقوب عليه السلام حين خاف على بنيه شياطين الإنس فأوصاهم ثم قال ﴿ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله مِنْ شَيْءٍ إِنِ الحُكْمُ إِلَّا لله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67].

 

وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد حقق من التوكل أعلى منازله، ووثق بربه سبحانه في أعسر مواقفه، فلم يتزعزع إيمانه، ولم يهتز يقينه، وكان التوكل على الله تعالى سلاحه.. وقف المشركون على الغار يطلبونه؛ حتى خشي أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((لو أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ظَنُّكَ يا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا))متفق عليه. يقين بالله تعالى تام، وتوكل بالغ، وطمأنينة وسكينة، ونبذ لكل الأسباب إلا سبب الله تعالى.

 

ومن الدروس النبوية في التسلح بالتوكل للشدائد تعلم عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فلما بُشر بالجنة على بلوى تصيبه ما زاد على أن قال: (( الله الْمُسْتَعَانُ، اللهم صَبْراً، على الله التُّكْلاَنُ)) رواه أحمد. إنه رضي الله عنه لم يسأل: متى تكون البلوى؟ ولا كيف تكون؟ ولم يعتن بمعرفة نوعها، ولا من وراءها. وإنما اعتنى بشيء واحد هو العدة في البلاء، والعون في الشدة.. اعتنى بالاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه، فلما وقعت البلوى أعين علىها، وثبت فيها، وتجاوزها بأحسن اختيار؛ إذ حوصر في الدار فلم يتزعزع، وكان ثباته ورباطة جأشه سبباً في حقن دماء المسلمين، حتى قتله الخوارج صابراً محتسباً ثابتاً، فنال الثبات ببركة دعائه واستعانته بالله تعالى وتوكله عليه لما علم أنه يبتلى.

 

ولنا يا عباد الله في المتوكلين خير قدوة؛ فإن الله تعالى لما أخبر عن توكل الخليل عليه السلام، ومواجهته لقومه، وتبرئه منهم بدأ الآية بقوله سبحانه ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ.... وختمها بدعائهم قائلين: رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4] فلنكن كما كانوا، ولنتسلح بالتوكل على مرّ المصائب ومخوف الأقدار؛ فإن الله تعالى خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم قائلاً ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64] فالله تعالى يكفينا متى ما توكلنا عليه سبحانه.. اللهم املأ قلوبنا إيماناً ويقينا بك، وتوكلاً عليك، وإنابة إليك، ورضاً بك وعنك وأرضنا وارض عنا، وادفع البلاء عنا وعن المسلمين يا رب العالمين..

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن أقدار الله تعالى في عباده ماضية، وأن أحكامه فيهم نافذة، لا يردها جزع، ولا يفرُّ منها أحد، ولكن يقوي المؤمن ويعينه على مواجهتها تقوية القلوب بالتوكل، والإقبال على الله تعالى بالتوبة والعبادة والدعاء ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

 

أيها المسلمون:

التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المنافع ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، وكم من مغرور يعتقد أنه متوكل على الله تعالى وهو متوكل على الأسباب، متعلق بالخلق، وقد جاء في الحديث: ((من تعلق شيئاً وكل إليه))رواه الترمذي.

 

ويجب على المؤمن أن يستحضر أن أغلى شيء على نفسه هو دينه ومرضاة ربه سبحانه.. يهون في سبيلها كل محبوب من أهل وولد ومال وجاه.. بل كل الدنيا لا تساوي شيئاً عند المؤمن في مقابل دينه؛ ولذا فإنه ينبغي للمؤمن في حال الفتن والمحن، وبوادر الخوف والاضطراب في الأرض، أن لا يشغله شاغل أكبر من ثبات نفسه وأهله وولده على دينهم؛ لأن الدنيا زائلة بأفراحها وأتراحها، ولا خلود إلا في دار القرار، ولا سعادة للمرء فيها إلا بالثبات على الدين، ذلك أن من المتوكلين من يتوكل على الله تعالى في نيل شيء من الدنيا أو حفظه، فيعطيه الله تعالى ما أراد جزاء توكله عليه، ولكن يفوته ما هو أعظم وأجل، وهو التوكل على الله تعالى في حفظ دينه وثباته عليه، ودعوة الناس إليه.

 

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ((فأفضل التوكل: التوكل في الواجب؛ أعني واجب الحق وواجب الخلق وواجب النفس، وأوسعه وأنفعه: التوكل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية أو في دفع مفسدة دينية، وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله، ودفع فساد المفسدين في الأرض، وهذا توكل ورثتهم ثم الناس بعد في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم؛ فَمِنْ متوكل على الله في حصول الملك، ومن متوكل في حصول رغيف)) اهـ.

 

ومهما عظمت المحنة، واشتد الكرب، وتتابع البلاء؛ فإن للمتوكلين ثباتاً لا يناله غيرهم، وسعادة تخرج لهم من رحم معاناتهم، يحسونها وهم في معمعة ابتلاءاتهم حتى إن من يراهم يكون أشد ألماً منهم لما أصابهم، وهم في طمأنينة لا توصف.. ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطَّلاق: 3] وفي هذه الآية العظيمة إغراء بالتوكل على الله تعالى في كل الأحوال؛ لأن الله تعالى قد أخبر أنه يكفي المتوكل ﴿ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ فيكفيه في حصول ما يطلب، أو دفع ما يكره، فإن رأى العبد أنه بعيد كل البعد عن ذلك؛ لقرب الأخطار منه، وبعد النجاة عنه؛ جاءه التأكيد الآخر ﴿ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾ فلا بد من وقوع أمره وحكمه وإن بدا للعبد بعده، ولكن ذلك لا يكون إلا في أوانه المناسب ﴿ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾.

 

ولأهمية التوكل في حياة المؤمن كان الدعاء به من أذكار الخروج من المنزل؛ لأن الخارج لا يدري ما يعرض له من البلاء والفتنة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خَرَجَ من بَيْتِهِ قال في جملة من الذكر والدعاء: ((بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ على الله)) ونتيجة هذا التوكل الكفاية والحفظ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا خَرَجَ الرَّجُلُ من بَيْتِهِ فقال: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ لَا حَوْلَ ولا قوة إلا بِاللَّهِ قال يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى له الشَّيَاطِينُ فيقول له شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لك بِرَجُلٍ قد هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ))رواه أبو داود وصححه ابن حبان.

 

فلنحافظ - عباد الله - على هذا الذكر المبارك، وليكن أهم مقصد لنا في توكلنا حفظ ديننا، ثم صلاح دنيانا، فصلاح الدنيا معين على القيام بحقوق الله تعالى وحقوق خلقه علينا.. ﴿ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4]..

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الاعتصام بالكتاب والسنة في زمن الفتن
  • { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }
  • حقيقة التوكل على الله (1/ 2)
  • توكل الأنبياء عليهم السلام
  • المحن مجلبة المنح (قصيدة)
  • مواجهة ( قصيدة )
  • فقه آية.. بالمحن تأتي المنن
  • التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه
  • بالتوكل على الله يتحصل المؤمن على مناه
  • موقف المؤمن من المحن والنوازل
  • الفتن: أنواعها وخطورتها (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الوصايا العشر في مواجهة المحن والمصائب والأزمات الشخصية(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • خطبة قيم التوكل وأثرها في مواجهة " كورونا"(مقالة - ملفات خاصة)
  • العقيدة وأثرها في مواجهة الفتن المعاصرة(كتاب - موقع أ.د.سليمان بن قاسم بن محمد العيد)
  • العقيدة الإسلامية وأثرها في مواجهة الفتن المعاصرة (ملخص ثالث)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • العقيدة الإسلامية وأثرها في مواجهة الفتن المعاصرة (ملخص ثان)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • العقيدة الإسلامية وأثرها في مواجهة الفتن المعاصرة (ملخص أول)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • مهمة تتطلب من الإنسان مواجهة شده وأزمات الحياة وقوله (إن الإنسان خلق هلوعا)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • دور العلماء في التصدي للفكر التكفيري: تحليل شرعي وأدوات المواجهة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثقة بالله في مواجهة التحديات(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الثقة بالله في مواجهة التحديات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب