• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

موارد اصطلاح البدعة وبيان الاختلاف في تحديده

حسن مظفر الرزّو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/3/2011 ميلادي - 23/4/1432 هجري

الزيارات: 30496

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

موارد اصطلاح البدعة وبيان الاختلاف في تحديده

 

المورد الأول: اللغة:

مِن الضروري - قبلَ البَدء في بيان الجوانب المتعدِّدة التي أسهمتْ في بلورة اصطِلاح البِدعة - إلقاءُ الضَّوْء على الجذر اللُّغوي لهذا المصطلح، ودلالته بمعيار اللُّغة.

وأصل البدعة: من الفعل الثلاثي "بدع"، الذي يَرِد بعدَّة معانٍ في معاجم اللغة، منها:

المعنى الأول:

بَدَع الشيء، يبدعه، بدعًا، وابتدَعه: ابتدأه، وأنشأه، واخترعَه من غير أصْل سابق، ولا مثال يُحتذى، ولا ألف مثله[1]، وقوله - تعالى -: ﴿ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [البقرة: 117]؛ أي: خالقها ومبدعها، فهو - سبحانه وتعالى - الخالق والمخترِع لهما مِن غير مثالٍ سابق، قال أبو إسحاق [2]: يعني: أنه أنشأها على غير حذاء ولا مِثال، وقال أبو عدنان[3]: "المبتدع الذي يأتِي أمرًا على شَبهٍ لم يكن ابتدأه إيَّاه:

فَخَرَتْ فَانْتَمَتْ فَقُلْتُ انْظُرِينِي ♦♦♦ لَيْسَ جَهْلٌ أَتَيْتِهِ بِبَدِيعِ

 

والبِدع: الشيء الذي يكون أوَّلاً، وفلان بِدْع في هذا الأمر؛ أي: أول لم يسبقْه أحد، وفي التنزيل العزيز قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 9]؛ أي: ما كنتُ أوَّلَ من أرسل، فلقدْ أرسل قبلي رسلٌ كثير.

ويُقال: ابتدع فلانٌ بدعة؛ أي: ابتدأ طريقةً لم يسبِقْه إليها سابق.[4]

وقال رؤبة بن العجاج [5]:

إِنْ كُنْتَ لِلَّهِ التَّقِيَّ الْأَطْوَعَا ♦♦♦ فَلَيْسَ وَجْهُ الْحَقِّ أَنْ تَبَدَّعَا

 

والبديع مِن أسماء الله - تعالى - الحُسنى؛ لإبداعِه الأشياءَ، وإحداثه إيَّاها، وهو البديع الأول قبلَ كلِّ شيء، ويقال: شيء بدع؛ أي: مبتدع، قال الكسائيُّ: البدع في الخير والشَّر[6].

 

المعنى الثاني:

أُبْدِع به، أو أبدع: كلَّت راحلتُه، أو عطبت، وبقي منقطعًا به، وحسر عليه ظهره، أو قام به[7]، وقد ورد في الحديث الشريف: أنَّ رجلاً أتى النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: "يا رسولَ الله، إنِّي أُبْدِع بي، فاحْملني"[8]؛ أي: انقطع بي لكلالِ حيلتي.

فكأنَّ من ابتدع بدعةً ضلالة، قد عَطِب عملُه، وبقي منقطعًا عن المسلمين مخذولاً، ويقال: أبدعت الإبل: بركت في الطريق من هزال، أو داء، أو كلال، وأبدعت: كلت أو عطبت[9].

 

قال حُميدٌ الأرقط:

لاَ يَقْدِرُ الْحُمْسُ عَلَى جِبَابِهِ
إِلاَّ بِطُولِ السَّيْرِ وَانْجِذَابِهِ
وَتَرْكِ مَا أُبْدِعَ مِنْ رِكَابِهِ

 

ويُستفاد من هذا المعنى أنَّ الإحداثَ في الدِّين ممَّا ليس منه داءٌ يُبِدع بصاحبه، فيُصيب عقيدتَه، ويمنعه مِن الارتقاء برُوحه إلى معارجِ الوصول إلى الله، فينقطع عن رَكْب المؤمنين.

 

المعنى الثالث:

أبْدع: أَبْطل، قال أبو سعيد: أُبْدِعت حُجَّة فلان؛ أي: أُبْطِلت حُجَّتُه، وقال غيرُه أبدع بِرُّ فلان بشُكري، وأبدع فضلُه وإيجابه بِوَصْفي؛ أي: إنه أبطل ما منَّ عليه بإفضالِه إذا شَكَره على إحسانه إليه، واعترف بأنَّ شُكرَه لا يفي بإحسانِه[10].

 

المعنى الرابع:

أبدع: أوْجَب، يُقال: أبدع يمينًا: أوْجَبها، وأبدع بالسَّفر، أو بالحج: عَزَم على فِعْله[11]؛ لأنَّ المبتدع يوجِب بدعتَه على نفسِه بعَزْمه على فِعْلها؛ اتِّباعًا لهواه، ودون التمحيص بحُكم الشَّرْع فيها، ومنها قوله - تعالى -: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾ [الحديد: 27]؛ أي: أوْجبوا على أنفسِهم الْتِزامَ الرهبانيَّة التي لم يُوجِبْها عليهم البارئُ - عزَّ وجلَّ - رحمةً بهم ورأفة.

وإذا أعملْنا النظر في المعاني الأربعة لاشتقاقات الفِعل "بدع"، لوَجدْنا أنَّ أوْلى الاشتقاقات اللُّغويَّة بالمعنى الاصطلاحي للبِدعة هو الاشتقاق الأول، فالبدعة في معناها اللُّغوي هي المُحْدَث مطلقًا، سواء كان مِن العادات أم العبادات[12]، خيرًا كان أم شرًّا.

قال ابن السِّكِّيت[13]: البدعةُ هي كلُّ مُحْدَثة، وقال الكسائيُّ [14]: البدعُ في الخير والشَّرِّ. ويُستفاد من بقية الاشتقاقات في تحديد محمولات البِدعة، فالمبتدعُ ينقطع ببدعته عن رِكاب أهل السُّنة، فيبقى وحيدًا مَعَ نزغات الشيطان، والأهواء المضلَّة، وهو ببدعته التي تُخالِف رُوحَ التشريع قد أبطل عملَه، فَكَلَّ وعطبتْ مقوِّمات إيمانِه، ولم يَعُدْ يستطيع الاستمرار، كما أنَّه قد أوجب على نفسه ما لم يوجِبْه الله عليه، ودونَ وجود دليل شرعيٍّ يُناط به حُكم الإيجاب، فوقَع في دائرة اللَّوْم الإلهي؛ ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21].

 

المورد الثاني: الاصطلاح:

حَفَلتِ المصنَّفات بأكثرَ من تعريف اصطلاحيٍّ للبِدعة عندَ أئمَّة العِلْم، وقد نشأتْ هذه التعاريفُ عن الاختلافاتِ في ترجمةِ مفهوم حديثِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ بدعة ضلالة)) إلى صياغة أصوليَّة بواسطتها مقوِّمات البدعة في ميزان الشَّرْع، ومثارُ الخِلاف في هذا المقام يكْمُن في تحديد: هل حديث ((كلُّ بدعة ضلالة)) عامٌّ مخصوص البعض، أو عامٌّ غير مخصوص.

 

فمَن نَحَا إلى تخصيص عموم اللَّفظ، عَمَد إلى تقسيم البِدع إلى قسمين:

الأول: البدع التي تُخالِف رُوح الشريعة، وهي بِدعُ الضلالة.

والثاني: البدع التي تُخصِّص عمومَ اللفظ؛ وذلك لأنَّ إحداثَها لم يُخالِف كليَّاتِ الشريعة ومقاصدَها، أمَّا مَن أبقى اللَّفظ على عمومه، وأنكر ورودَ أيِّ تخصيص لهذا العموم، فقد عدَّ كلَّ مُحدَثة بدعةً ضلالة.

 

وللموازنةِ بين ما قيل في هذه المسألة؛ سنحاول إلْقاءَ الضَّوْء على أقوال أئمَّة المذهبَين:

المذهب الأول: أنصار الخصوص:

ذَهَب أئمَّة هذا المذهب إلى عدِّ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كل بدعة ضلالة))، عامًّا خُصِّص بعضُه بِما أُحدِث استنادًا إلى كليَّات الشريعة، ولم يخالفْها، وإذا تَتبَّعْنا ما قيل في تعريف البِدعةَ وتحديدَها، لوجدْنا أنَّ صفوةَ هذه الأمَّة وجهابذةَ أئمَّتِها قد استَصْوبوا تخصيصَ العموم، وصَدَفوا عن دَعوَى إطلاقه.

 

ولضبطِ معاييرِ أصحاب هذا القوْل في الميزان، نُدرج أقوالَ أئمَّة هذا المذهب في تعريف البدعة:

• قال الإمام الشافعيُّ (204هـ) - رضي الله عنه - [15]: "المُحْدَثات ضربان: ما أُحدث مُخالِفًا كتابًا، أو سُنَّة، أو أثرًا، أو إجماعًا، فهذه بدعة الضلالة، وما أُحْدث من الخير لا يُخالِف شيئًا من ذلك، فهي مُحْدثة غيرُ مذمومة.

• وقال ابنُ رجب الحنبليُّ (795 هـ)[16]: "والمرادُ بالبدعة: ما أُحْدِث ممَّا لا أصلَ له في الشريعة يدلُّ عليه، أمَّا ما كان له أصلٌ من الشَّرْع يدلُّ عليه، فليس ببدعة شَرْعًا، وإن كان بدعةً لغة.

• وقال الإمام الغزاليُّ (505 هـ)[17]: "ليس كلُّ ما أُبدِع منهيًّا عنه، بل المنهيُّ عنه بدعة تُضادُّ سُنة ثابتة، وترفع أمرًا من الشَّرْع مع بقاء عِلَّته.

• وقال الإمام ابنُ حَزْم (456 هـ)[18]: "البدعة في الدِّين: كلُّ ما لم يأتِ في القرآن، ولا عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلاَّ أنَّ منها ما يُؤجَر عليه، ويُعذر بما قصد إليه من الخير، ومنها ما يُؤجَر عليه صاحبُه ويكون حسنًا، ومنها ما يكون مذمومًا ولا يُعذر صاحبُه".

• وقال الإمام الزركشيُّ (794 هـ)[19]: "البدعة في الشَّرْع موضوعةٌ للحادث المذموم".

• وقال الحافظ المنذريُّ (656 هـ)[20]: "والمُحدَث على قسمين: ما ليس له أصلٌ إلاَّ الشهوة والعمل بالإرادة، فهذا باطلٌ، وما كان على قواعدِ الأصول، أو مردود إليها، فليس ببدعة ولا ضلالة".

• وقال العز بن عبدالسَّلام (660 هـ) [21]: "البدعة فِعْل ما لم يُعهد في عصر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهي منقسمة إلى: بدعة واجبة، وبدعة محرَّمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة".

• وقال الإمام النوويُّ (676هـ)[22]: "البدعة في الشَّرْع: هي إحداث ما لم يكن في عَهْد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهي منقسمةٌ إلى حسنة وقبيحة".

• وقال القرافيُّ (648 هـ)[23]: "اعلم أنَّ الأصحاب - فيما رأيت - متَّفقون على إنكار البدع، والحقُّ التفصيل أنَّها خمسة أقسام"[24].

• وقال ابن الأثير (637 هـ)[25]: "البدعةُ بدعتان: بدعة هُدًى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو في حيِّز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحتَ عموم ما ندب الله - تعالى - عليه، وحضَّ عليه، أو رسوله، فهو في حيِّز المدح".

• وقال الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ (852 هـ)[26]: "والمُحدَثات: جمْع مُحدثة، والمراد بها: ما أُحدث وليس له أصل في الشَّرْع، ويُسمَّى في عرف الشَّرْع بدعة، وما كان له أصل يدلُّ عليه الشَّرْع، فليس ببدعة".

• وقال الشيخ عبدالحق الدهلوي (825 هـ) في شرح المشكاة[27]: "اعلم أنَّ كلَّ ما ظهر بعد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بدعة، وكل ما وافق أصل سُنَّته وقواعدها، أو قيس عليها، فهو بدعةٌ حسنة، وكل ما خالفها فهو بدعة سيِّئة وضلالة".

• وقال المباركفوري (1334 هـ)[28]: "والمراد بالبدعة: ما أُحدث ممَّا لا أصل َله في الشريعة يدلُّ عليه، وأمَّا ما كان له أصل من الشَّرْع يدلُّ عليه، فليس ببدعة شَرْعًا".

 

ودليلُ أصحاب هذا المذهب:

أن قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كل بدعة ضلالة)) من العام المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة في ذمِّ البدع.

قال الإمام النووي[29]: "((كل بدعة ضلالة)): عامٌّ مخصوص، والمراد غالِبُ البدع، ولا يَمنع من كون الحديث عامًّا مخصوصًا قولُه: ((كل بدعة))، مؤكِّدًا بكلِّ ما يدخله التخصيص مع ذلك؛ كقوله – تعالى -: ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأحقاف: 25]، فإن الريح التي سُلِّطتْ على قوم هود - عليه السلام - فأهلكتْهم، ودمَّرت مساكنَهم وحقولَهم، إلاَّ أنَّها لم تأتِ على كل شيء بالتدمير والخراب كالجِبال وغيرها، وهذه الآية من العامِّ المخصوص أيضًا.

كذلك في قوله - تعالى -: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 101]، لم تقتضِ لفظةُ ﴿ كل ﴾ عمومًا مطلقًا، بل عموم معناه الخصوص، فالله خلق كلَّ شيء، إلا أنَّه لا يدخل في ذلك كلامه ولا غيره من صفات ذاته العلية، ومثله قوله - تعالى -: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 156]، ولم تسعْ إبليس، ولا مَن مات كافرًا.

 

واستفاد محمد الطاهر بن عاشور[30] من قوله - تعالى -: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ - دليلاً إضافيًّا لهذا المذهب، فقال: "في الآية حُجَّة لانقسام البِدعة إلى محمودة ومذمومة، بحسب اندراجِها تحتَ نوع من أنواع المشروعيَّة، فتعتريها الأحكام الخمسة، كما حقَّقه الشِّهاب القرافيُّ وحُذَّاق العلماء".

وأمَّا الذين حصروها في الذمِّ، فلم يجدوا مَصرِفًا، ويُعضِّد أدلةَ أصحابِ هذا المذهب الزيادةُ التي أخرجها الحافظُ الترمذيُّ في جامع[31]من حديث عبدالله بن عبدالرحمن، وحسَّنه في قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لبلال بن الحارث - رضي الله عنه -: ((ومَن ابتدعَ بدعةً ضلالة))؛ لذا فالبدعة لا تُذمُّ بإطلاق، بل بِشَرْط أن تكون ضلالة، وأن تكون مخالِفةً لكليات الشريعة، فاقتضى هذا كلُّه أنَّ البدعة إذا لم تكنْ كذلك لم يَلْحقْها ذمٌّ، ولا يَتْبَع صاحبَها وزر"[32].

 

معايير إضافيَّة للتمييز:

تحرَّى أصحابُ هذا المذهب صياغةً تُحدَّد من خلالها مساحةُ التخصيص الوارد على عموم قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كل بدعة ضلالة))، وقد تباينت آراءُ العلماء في تحديدها، لاختلافهم في معيار التخصيص، فتمخَّض عن ذلك جملةٌ من المعايير التي اعتمدت في تحديد حيِّز التخصيص بين البِدع، نُجمل أهمَّها:

المعيار الأول: معيار المخالفة:

ذَهَب جهابذةُ علماء الأمَّة؛ كالشافعي - رضي الله عنه - والغزالي، والنووي، والقرافي، والزركشي، وابن العربي، وابن حزم، والعز بن عبدالسلام، وابن رجب الحنبلي، ومِن المتأخِّرين: المباركفوري، والدهلوي، وغيرهم كثير - إلى أنَّ المحدثاتِ تدخل في حيِّز بدع الضلالة عند معارضتِها لدليل شرعيٍّ ثابت من كتاب، أو سُنَّة، أو إجماع، دون النظر إلى عصر معيَّن، أما ما أُحدِث وله دليلٌ شرعي يُسوِّغه، فليس ببدعة[33].

 

المعيار الثاني: معيار الصحابة:

عَمَد آخَرُون إلى عدِّ عصر الصحابة - رضي الله عنه - معيارًا إضافيًّا لنقد المُحْدَثات، فما أُحدِث بعد عهد الصحابة دونَ وجود دليل يُستند إليه، فهو من مُحْدَثات الضلالة، وأمَّا ما أُحْدِث في عصرهم من غير نكير، فلا يدخل في حيِّز الضلالة.

قال الشيخ أحمد الرومي[34]: "إنَّ البدعة هي الزيادة في الدِّين، أو النقصان منه، بعد الصحابة، بغير إذنِ الشارع، لا قولاً، ولا فِعْلاً، ولا صريحًا، ولا إشارة".

وقال الشيخ خواجة زاده في "حواشي الطريقة المحمدية"[35]: "أمَّا الحادث في زمن الخلفاء الراشدين، فليس ببدعة؛ لأنَّ سُنَّتهم كسنة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بدليل الأمر بالتمسُّك بسنتهم، وذهب إلى هذا القول الشيخ عبدالغني النابلسي في الحديقة الندية" [36].

 

المعيار الثالث: معيار خير القرون:

ذهب الشيخ إمام زاده إلى قصر البِدعة على ما أُحْدِث بعدَ القرون الثلاثة الأولى، المشهود لها بالفَضْل على لسان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال في "شِرعة الإسلام" [37]: "والمراد مِن السُّنة: ما كان عليه القرن المشهود لهم بالخير والصلاح والرَّشاد، وهم الخلفاء الراشدون، ومَن عاصَرَ سيِّد الخلائق، ثم الذين بعدَهم من التابعين، ثم مَن بعدَهم، ممَّا أُحدِث بعد ذلك، حتى من أمر علي خلاف مناهجهم فهو مِن البدعة، وكلُّ بدعة ضلالة".

 

المذهب الثاني: أنصار العموم:

حسم أصحاب هذا المذهب مسألةَ الاختلاف في تعريف البِدعة بعدِّهم: أنَّ حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كل بدعة ضلالة)) عامٌّ لا يقبل التخصيص، فكلُّ محدثة لم تكن في عهْد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بدعةٌ ضلالة.

قال ابن تيمية (652 هـ) [38]: "((كل بدعة ضلالة)): نصٌّ لرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا يحلُّ لأحد أن يدفعَ دلالته على ذمِّ البدع، ومَن نازع في دلالته فهو مُراغم، ومَن اعتقد أنَّ بعضَ البدع مخصوصٌ من هذا العموم احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص، وإلاَّ كان ذلك العمومُ اللفظيُّ المعنوي موجِبًا للنهي، ولا يَحلُّ لأحد أن يُقابِل هذه الكلمةَ الجامعة من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بسَلْب عمومها، وهو أن يُقال: ليس كلُّ بدعة ضلالة، فإنَّ هذا إلى مُشاقَّة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أقربُ منه إلى التأويل، كما لا يجوز حملُ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على البِدعة التي نهى عنها بخصوصها؛ لأنَّ هذا تعطيلٌ لفائدة الحديث".

وقال ابن الجوزي (597 هـ)[39]: "البدعة عبارةٌ عن فِعْل لم يكن، فابتدع، والأغلبُ في المبتدعات أنَّها تصادِم الشريعةَ بالمخالفة، وتوجِب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان".

 

وقال الشاطبي (790 هـ)[40]: "إنَّ هذا التقسيمَ - تقسيم البدع وَفْقَ الأحكام الخمسة - أمرٌ مخترع لا يدلُّ عليه دليلٌ شرعي، بل هو في نفسِه متدافع؛ لأنَّ مِن حقيقة البدعة ألاَّ يدلَّ عليها دليل شرعي، لا مِن نصوص الشَّرْع، ولا من قواعده؛ إذ لو كان هناك ما يدلُّ من الشَّرْع على وجوب، أو ندْب أو إباحة، لَمَا كان ثَمَّة بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخيَّر فيها، فالجَمْع بين عدِّ تلك الأشياء بدعًا، وبين كون الأدلة تدلُّ على وجوبها، أو ندبها، أو إباحتها - جمْعٌ بين متنافِيَيْن".

 

وقد استدلَّ أصحابُ هذا المذهب على تبنِّيهم لهذا القول بعدَّة أدلة؛ منها قوله - تعالى -: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21] فيستفاد - لديهم - مِن هذا النصِّ أنَّ مَن ندب إلى شيء يتقرَّب به إلى الله - تعالى - أو أوجَبه بقوله، أو فِعْله من غير أن يَشرعَه الله - فقد شَرَع من الدِّين ما لم يأذنْ به الله، ومَن اتبعه في ذلك فقد ابتدع في الدِّين ما ليس فيه[41]، وقد ردُّوا دعوى التخصيصِ الوارد على عموم قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعدُّوه سلبًا لعموم نصٍّ ثابت، وقد كتب محمد عبدالوهاب رسالةً لأحد معارضيه يقول فيها[42]: "أنت تقول بدعة حسنة، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))، ولم يَستثنِ شيئًا تُشير به علينا".

 

كذلك عَمَد أئمَّة هذا المذهب إلى الإجابَة على أدلَّة أنصار العموم، فقد أجاب ابنُ تيميةَ عن دعوى التخصيص المستَندِة إلى قول الخليفة عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - في صلاة التراويح: "نِعْمَتِ البدعة هذه" فقال[43]: "لو أردْنا أن نُثبت حكمًا بقول عمر الذي لم يُخالَف فيه لقالوا: قولُ الصاحب ليس بحجَّة، فكيفَ يكون حُجَّةً لهم في خلاف قول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟! ومَن اعتقد أنَّ قول الصاحب حُجَّة، فلا يعتقده إذا خالف الحديث، فعلى التقديرَين لا تصلح معارضةُ الحديث بقول الصاحب، نعمْ يجوز تخصيصُ عموم الحديث بقول الصاحب الذي يخالف على إحدى الروايتين، فيفيدهم هذا حسنَ تلك البدعة، أمَّا غيرها فلا، وصارتْ هذه الهيئة، وهي اجتماعُهم في المسجد على إمام واحد، عملاً لم يكونوا يعملونَه من قبلُ، فُسمِّي بدعة؛ لأنَّ في اللُّغة يُسمَّى بذلك، وإن لم تكن بدعةً شرعيَّة؛ لأنَّ السنة اقتضتْ أنَّه عملٌ صالِح، لولا خوفُ الافتراض، وخوفُ الافتراض قد زال بموته - صلَّى الله عليه وسلَّم - فانتفى المعارض".

 


[1]"لسان العرب" (8/ 6)، "تاج العروس" (5/ 27).

[2] "لسان العرب" (8/ 6).

[3] المرجع السابق نفسه.

[4] "البدعة - أسبابها ومضارها" (12).

[5]"لسان العرب" (8/ 6).

[6]"تاج العروس" (5/ 270) "لسان العرب" (8/ 6).

[7] "لسان العرب" (8/ 7).

[8]"شرح صحيح مسلم" (13/ 39)، "سنن أبي داود" (2/ 333)، "تحفة الأحوذي" (4/ 376).

[9]"تاج العروس" (5/ 271).

[10] "تاج العروس" (5/ 270)، "لسان العرب" (8/ 8).

[11]"لسان العرب" (8/ 8)، "تاج العروس".

[12]"إقامة الحجة" (19).

[13] "لسان العرب" (8/ 7).

[14] "لسان العرب" (8/ 6) "تاج العروس" (5/ 270).

[15]"إرشاد الساري" (10/ 363).

[16]"جامع العلوم والحكم" (160).

[17]"إحياء علوم الدين" (2/ 3).

[18]"البدعة" (196).

[19]"الإبداع في مضار الابتداع" (22).

[20]"عون المعبود" (4/ 330).

[21]"قواعد الأحكام" (2/ 175).

[22]"تهذيب الأسماء واللغات" (3/ 22).

[23]"الفروق" (4/ 203).

[24] يُشير إلى ما ذهب إليه الإمام العز بن عبدالسلام في تقسيم أنواع البِدع بحسب أنواع الحُكم الشرعي لدَى الأصوليِّين.

[25]"النهاية في غريب الحديث والأثر" (1/ 106).

[26]"فتح الباري" (13/ 213).

[27]"البدعة" (197).

[28]"تحفة الأحوذي" (7/ 440)، "إقامة الحجة" (19).

[29]"شرح صحيح مسلم " (6/ 154).

[30]"التحرير والتنوير" (27/ 425).

[31]"تحفة الأحوذي" (3/ 379).

[32]"الاعتصام" (1/ 182).

[33]"البدعة في ميزان الشرع" (4).

[34]"إقامة الحجة" (19).

[35]المرجع السابق نفسه.

[36]"إقامة الحجة" (20).

[37]المرجع السابق نفسه.

[38]"اقتضاء الصراط المستقيم" (271 – 274).

[39]"تلبيس إبليس" (16).

[40]"الاعتصام" (1/ 192).

[41]"اقتضاء الصراط المستقيم" (268).

[42]"الشيخ محمد عبدالوهاب - حياته وفكره" (142).

[43] "اقتضاء الصراط المستقيم" (7، 8).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ضابط البدعة وما تدخله
  • البدعة وأثرها في الإسلام
  • شذرات الذهب في نصائح من ذهب
  • حقيقة البدعة ووجوب الحذر منها ومن أهلها
  • تأريخ الاختلاف وأنواعه في الإسلام

مختارات من الشبكة

  • موارد العلوم الإسلامية (دراسة تطبيقية على علوم السيرة النبوية)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موارد ومصادر كتاب جزيل المواهب في اختلاف المذاهب للسيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موارد ومصادر (عقود الجمان في المعاني والبيان) للعلامة السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موارد تفسير القرآن بالقرآن عند أبي حفص النسفي من خلال كتاب التيسير: دراسة وصفية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كتاب موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة موارد مقاصد منسوخ القرآن(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • موارد استمداد الأحكام الشرعية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • موارد ومصادر (تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء) للعلامة السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موارد ومصادر (إحياء الميت بفضائل أهل البيت رضي الله عنهم) للعلامة السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موارد ومصادر (جزء في صلاة الضحى) للعلامة السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب