• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    خطبة: وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فضائل الأيام العشر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    أدلة الأحكام المتفق عليها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأنثى كالذكر في الأحكام الشرعية
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    الإنفاق في سبيل الله من صفات المتقين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    النهي عن أكل ما نسي المسلم تذكيته
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الحج: آداب وأخلاق (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    يصلح القصد في أصل الحكم وليس في وصفه أو نتيجته
    ياسر جابر الجمال
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / أصول فن الخطابة / مقومات الخطبة / إعداد الخطبة
علامة باركود

التعبير

الشيخ علي محفوظ

المصدر: كتاب "فن الخطابة".
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/7/2008 ميلادي - 16/7/1429 هجري

الزيارات: 25537

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التعبير

 

وهو تصوير المعاني بالألفاظ، وشأنه في الخطابة عظيم؛ لأنه كساء الكلام به تنال الخطبة رونقها وبهاءها؛ كالثوب يزين لابسه ويكسبه حسنًا وجمالاً، فإذا لم يراع الخطيب حسن التعبير فلا أثر له في إرادة السامع، ولا سلطان له على قلبه؛ بل تبقى عواطفه نائمة لا حراك لها فلا يندفع إلى العمل بما يقصده منه.

هذا؛ وإن التعبير يدخل في فن الإنشاء، ولما كان المنشئ والخطيب بمنزلة واحدة من حيث توجيه الكلام نحو الغير للإفهام - لم تكن للخطيب حاجة إلى قواعد خاصة لتأدية مراده أكثر مما هو معلوم في فن الإنشاء، وإنا نذكر لك الآن ما يهم الخطيب منه، وهو أمور:


الأول: التفنُّن

وهو أن يأخذ بأنواعٍ منَ الكلام وأفانينَ منَ القول، ويذهب فيه إلى طُرُقٍ شَتَّى، وأساليبَ مُتَنَوِّعة، فيلبس المعنى الواحد عدة أثواب، ويكسو غرضه حللاً مختلفة من الجمل والتراكيب، فيكون قد أتى بشيء يجذب النفوس إلى استماعه، فإنها ميالة إلى حب الجديد، بخلاف ما إذا التزم أسلوبًا واحدًا من الكلام، فإنه بذلك يوقع السامعين في الملل والسآمة، فقد جبل الإنسان على الملال من الاستمرار على شيء واحد، فكلما انتقل من أسلوب إلى أسلوب انشرح صدره، وتجدَّدَ نشاطُه، وتَكامَلَ ذَوْقُه ولذَّتُه، وصار أقربَ إلى فهم معناه والعمل بِمُقتَضَاهُ، وكان كمنِ انْتَقَلَ من بلد إلى بلد، أو من بُستانٍ إلَى بُستان، أو فاكهةٍ لذيذةٍ إلَى أُخْرَى، وفي ذلك ما فيه من ترويح النفس وتنشيطها، قال أبو علي القالي: التفنن موجب لإيقاظ السامع وتحريكه للجد في الإصغاء، فإن تغيير الكلام المسوق لمعنى من المعاني وصرفه عن سننه المسلوك ينبئ عن اهتمام جديد بشأنه من المتكلم، ويستجلب مزيد رغبة فيه من المخاطب.

والقرآن الكريم أعدل شاهد على التفنن مع متانة الأسلوب، وحسن السياق، وعذوبة الألفاظ، ودقة المعاني وبعدها عن مظنة التكرار، وذلك كما في قصة آدم عليه السلام وأكله من الشجرة، وهبوطه من الجنة، وكما في قصة إبراهيم عليه السلام مع ضيفه، ومع أبيه وقومه، وقصة موسى عليه السلام مع فرعون، فإن هذه القصص ذكرت في القرآن الحكيم في عدة مواضع مع تفنن في العبارة مما يظنه الجاهل بأساليب البلاغة تكرارًا وليس به، بل هو غاية في الإبداع ونِهاية في الإعجاز، واعلم أنَّ التَّفنُّن المذكور غيرُ الافتنان الذي هو نوع من أنواع البديع، وهو ارتكابُ فنَّيْن من الكلام في سياق واحد عند ذكر ما يَقْتَضِيهِ كالجمع بين التعزية والتهنئة في قول عبدالله بن همام السلولي حين مات معاوية رضي الله عنه وتولَّى الخلافة بعده ابنه يزيد، وقد حار الناس فيما يقولون، أيعزون أم يهنئون؟ فدخل عليه وجمع بين التعزية والتهنئة حيث قال: آجرك الله على الرزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعية، فقد رزئت جسيمًا، ورزقت عظيمًا، فاشكر الله على ما رزقت، واصبر على ما رزئت فقد فُقِد الخليفة، وأعطيت الخلافة، ففارقت خليلاً ووهبت جليلاً:

اصْبِرْ يَزِيدُ فَقَدْ فَارَقْتَ ذَا مِقَةٍ
وَاشْكُرْ حِبَاءَ الَّذِي بِالمُلْكِ أَصْفَاكَ
لاَ رُزْءَ أَصْبَحَ فِي الأَقْوَامِ نَعْلَمُهُ
كَمَا رُزِئْتَ وَلاَ عُقْبَى كَعُقْبَاكَ

 

وكالجمع بين الفخر والهجاء في قصيدة السموأل المشهورة، فقد جمع بين الفخر لنفسه وقومه، والهجاء لقبيلتي عامر وسلول في قوله:

لَنَا جَبَلٌ يَحْتَلُّهُ مَنْ نُجِيرُهُ
مَنِيعٌ يَرُدُّ الطَّرْفَ وَهْوَ كَلِيلُ
رَسَا أَصْلُهُ تَحْتَ الثَّرَى وَسَمَا بِهِ
إِلَى النَّجْمِ فَرْعٌ لاَ يُنَالُ طَوِيلُ
وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نَرَى القَتْلَ سُبَّةً
إِذَا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وَسَلُولُ
يُقَرِّبُ حُبُّ المَوْتِ آجَالَنَا لَنَا
وَتَكْرَهُهُ آجَالُهُم فَتَطُولُ

 

الثاني: متانة الأسلوب

ومما ينبغي رعايته أن يعمد الخطيب بعد استحضار المعاني إلى الألفاظ التي يريد أداءها بها، فيفرغ المعنى في قالب يناسبه، فالمعاني الجزلة لا بد لها من جمل وتراكيب في غاية الضخامة والفخامة، والمعاني الرقيقة المستملحة لا بد لها من ألفاظ تناسبها رقة وسلاسة؛ ليحصل التشاكل بين النوعين، وتكون المعاني مع الألفاظ كالعروس المجلوَّة في الثوب القشيب، والحلي الفاخر، مع إعطاء كل موضوع حقه من شدة العبارة ولينها في النطق ليكون ذلك أدل على المعنى المقصود، كما سيأتي، وأصدق شاهد على ذلك ما تراه في قوارع القرآن الكريم من جزالة المعاني، وفخامة التراكيب عند ذكر مفارقة الدنيا والحساب والعذاب وأهوال يوم القيامة.

وما تراه أيضًا عند ذكر الرحمة والمغفرة، وما يدل على البشارة والملاطفات في خطابات الأنبياء والمرسلين والتائبين والمنيبين من العباد، وغير ذلك مما استعمل فيه رقيق العبارة مع تمام الانسجام بين المعاني والألفاظ، فالأوَّل كقوله تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [1].


هذه الآيات الكريمة المتضمنة ذكر المحشر على تفاصيل أحواله، وشديد أهواله وذكر النار والعذاب لا تجد فيها كلمة إلا وهي جزلة مستعذبة على ما فيها من الضخامة الملائمة لجزالة المعنى المقصود منها، وكذلك كل آية سيقت للإرهاب والتخويف، والإنذار والوعيد، تراها في منتهى الجزالة، وضخامة التراكيب، ومتانة الأساليب البالغة حد الإعجاز.

والثاني: كقوله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾ [2].


فإنها لاشتمالها على دخول الجنة والتمتع بما فيها من النعيم المقيم، والحصول على ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين قد اشتملت على رقيق الألفاظ ولطيف المعاني المسوقة للتشويق إلى نيل تلك المنزلة العالية والمرتبة السامية.

وانظر إلى حسن الملاطفة ولطف الملاينة في أدق معانيها، وأرق مبانيها في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ [الضحى: 1 - 3]؛ فإنك تجدها تشفُّ عن تمام العطف عليه، والرضا عنه صلوات الله وسلامه عليه وانظر إلى تقديم العفو قبل العتاب في قوله تعالى: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [3]، فإنها على وجازتها دلت على عدم المؤاخذة، وكمال الملاطفة، وتمام الرضا عنه صلى الله عليه وسلم وبالتأمل ترى سبيل القرآن الكريم في كلتا الحالتين من الجزالة والرقة على هذا الأسلوب الحكيم الذي أعجز أساطين البلاغة عن معارضته، والإتيان بأقصر سورة من مثله.


الثالث: الاقتباس

وهو أن يأخذ المتكلِّم شيئًا من كلام غيره فيدرجه في كلام نفسه بعد التمهيد له لتأكيد ما أتى به من المعنى، فإن كان قليلاً فهو إيداع، وإن كان كثيرًا فهو تضمين، وعلى كل فإنه يكون من كلام الله عز وجل أو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من كلام البلغاء وغيرهم، وقد رخَّص بعض العلماء في تضمين بعض آيات القرآن في الخطب والمواعظ من غير إفراط حتى استعمله كثير من الناس ما لم يخرج القرآن في التضمين عن الغرض المسوق له، وكان يعطي الكلام حلاوة وطلاوة وإلا منع منه، فمن الجائز قول بعضهم:

اغْتَنِمْ فَوْدَكَ الفَاحِمَ قَبْلَ أَنْ يَبْيَضّْ ♦♦♦ فَإِنَّمَا الدُّنْيَا جِدَارٌ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضّْ

 

وقوله:

رُبَّ بَخِيلٍ لَوْ رَأَى سَائِلاً
لَظَنَّهُ رُعْبًا رَسُولَ المَنُونْ
لا تَطْمَعُوا فِي النَّزْرِ مِنْ نَيْلِهِ
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونْ

 

وقوله:

أَيُّهَا السَّائِلُ قَوْمًا
مَا لَهُمْ فِي الخَيْرِ مَذْهَبْ
اتْرُكِ النَّاسَ جَمِيعًا
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ

 

وقول الآخر:

اعْبُدِ اللَّهَ وَدَعْ عَنْ
كَ التَّوَانِي بِالهُجُودْ
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ
وَإِدْبَارَ السُّجُودْ

 

وقول الحريري في صفة عبد أراد شراءه: "وقد لبس ثوبًا من الجمال وحلة من الكمال، فلما تأملت خلقه القويم، وخلقه الصميم، خلته من ولدان جنة النعيم، وقلت: ما هذا بشرًا، إن هذا إلا ملك كريم" وما إلى ذلك؛ مما لا إفراط فيه، ولا خروج عن الغرض المسوق له.

ومن الممنوع: قول عبدالله بن طاهر لابن السري حين ملك مصر، وقد ردَّ رسوله وهديَّتَهُ إليه: لو قَبِلْتُ هديَّتَكَ نَهارًا لقبِلْتُها ليلاً، بل أنتم بهديتكم تفرحون، وقال لرسوله: ﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [4].

وكقول رجلٍ لآخر جاء في وقت حاجته إليه: ﴿ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ [5]، وكقول الحجاج لمن في سجنه، وقد طلبوا الإفراج عنهم، والرحمة بهم: ﴿ اخْسَؤوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ [6]، وعلة المنع ما فيه من صرف كلام الله تعالى عن وجهه، وإخراجه عن المعنى الذي سيق لأجله، ولما فيه من الإخلال بإجلال كلام الله وتعظيمه.

هذا؛ والتضمين لا غنى للخطابة عنه، لكن على الخطيب أن يكون فيه حكيمًا يضع كل شيء في محله، والله الهادي إلى سواء السبيل.


الرابع: الأداء الخطابي

تمهيد:

قال الفلاسفة: النفس شَيْءٌ واحد، وإن تعدَّد ما يصدر عنها، وأقلُّ قُواها الإدراك الحسي، ولا يتعدَّى صفة الشيء إلى جوهره، وفوقه قوة الحس المشترك، وهي التي تجمع الإدراكات من الحواسِّ، وتقرن بعضها ببعض، وفوقه قوة الخيال، وبِها تَجتمع صور الأشياء من غير شعور بأنَّها من إدراكات حِسِّيَّة سابقة، وأعلى منها القوة التي تحفظ الصور مدركة لها من إدراكات حسية ماضية وتعرف بالحافظة، ويَليها قوة خامسة هي الذاكرة، تستطيع أن تحضر ما في الحافظة من صورٍ أمامَ العقل باختيارها، وفوقها العقل وتعرف قدرته على التفكير قبل الفعل بالعقل القابل، فإن فكر بالفعل سمي عقلاً فاعلاً.

والأداء الخطابِي هو إلقاء الخطبة بما يليق بها من حسن اللفظ وموافقة الصوت وحركات الجسم، وشأنه في الخطابة عظيم؛ لأنه بحسن الأداء ينقل إلى نفس السامع مشاعره ويحرك أهواءه ويجذبه إلى حيث يقصد من الغاية، وبحسن الأداء يجعل للخطابة فضلاً على قراءتها في صحيفة، فكم من خطبة يحسن الرجل إلقاءها فيجد الناس في سماعها من الارتياح وهزة الطرب فوق ما يجدون عندما يقرؤونها في صحيفة، أو يستمعون إلى مَن يَسردها عليهم سردًا متشابِهًا، فالخطبة دون جودة الأداء شجرةٌ غير مثمرة، وجسم لا روح فيه، ولا بد في الأداء من أشياء، الذاكرة وحسن اللفظ، والصوت، والإشارة؛ لأن جودة الأداء تستدعي أن يتذكر الخطيب للحال ما يريد بيانه من المعاني، وأن يوصلها إلى السامعين بالصوت الخاص ناطقًا بها، ولا غنى له معهما عن إشارات تؤيد الكلام، وتزيد المعاني وضوحًا، وبذلك يصل إلى المقصود من قلوب الحاضرين.

فالذَّاكرة قُوَّة يُقتدر بِها على استحضار المعاني، والحافظة قوَّة بِها تتمكَّنُ النَّفْسُ من حفظ المعانِي التي يدركها العقل، وليس للخطيب غِنًى عن هذه القوة، وما أحوجه إلى ذاكرة سريعة؛ لأن الخطب عادة تلقى عن ظهر القلب، فإن خانته ذاكرته تلعثم واضطرب، أو أدركه الحصر فسقط من عيون السامعين، وإن ارتجل الخطبة وجب عليه بقدر الإمكان أن يحكم معناها ويرتِّب أقسامها؛ ليأمَنَ من الاضطراب والتكرار ويسلم من الخروج عن الموضوع وتنال الخطبة رونقها وبَهاءها، وينتفع بِها السَّامعون، وهذا لا يتيسَّر إلا بقوة الذاكرة، وأقرب وسيلة إلى تقويتها الممارسة بأن يستظهر الخطيب طرفا من نظم القدماء، وملحًا من أقوال البلغاء، ويجهد ذاكرته في حفظها ومراجعتها، والتمرين على تأديتها بصوت عال دون عي، ولا لكنة، ولا تمتمة، مع التأني والتؤدة، فإنَّ الذاكرة مثل الحمَّال يقوى بالتمرين على حمل الأثقال، وترتيب أقسام الخطبة فإن المعاني الحسنة التنسيق يدعو بعضها بعضًا؛ كسلسلة متصلة الحلقات، وإن صعب عليه ذلك في أوَّل أمره فقريبًا يصير سهلاً بالتعود والتدريب، ففي الحكم المأثورة: من وقف حيث يكره وقف حيث يحب.

وللصوت في الخطابة التأثير الأكبر، لأنه المترجم عن مقاصد الخطيب، والكاشف عن أغراضه لمصاحبته للألفاظ؛ كالشارح لما أريد بها مما لا تستقل بالكشف عنه، ولأنه الطريق إلى قلب السامع والممثل لصورة المعاني أمامه.

وطبقة الصوت واللفظ وهيئة الوجه وحركات الجسم كلها تتضافر على بيان ما في النفس، وتصوير ما بالخاطر، فعلى الخطيب أن يراعي من جهة الصوت حسن اللفظ واعتدال الصوت والتفنن فيه، والمراد بحسن اللفظ أن يُعْطِي كل حرف حقَّه من الوضع المتعارف بين الأدباء، ويخرجه من مخارجه الطبيعية مع اجتناب لهجة العامة المُبْتَذَلة، والمُحافظة على الإعراب والبناء، فإنَّ التزامَ اللُّغة العربيَّة الفُصحى في الخطابة ألذُّ على الأسْماع، وأشهى للنفوس، وأقرب إلى فهْمِ السَّامعين من أي طبقة كانوا، متى كان الخطيب فصيح اللسان حسن البيان يعبر عما في نفسه بعبارة بليغة بعيدة عن اللبس والخفاء، ولا بأس إن تكلم بين الدهماء أن يتقرب منهم ويخاطبهم بلغتهم دون ركة ووحشية إذا اقتضى الحال ذلك.

واعتدال الصوت موافقته للأحوال والظروف، فإنه يختلف باختلاف الحضور والمكان فيحتاج المكان الرحب مع وفرة السامعين إلى صوت أدق وأجهر.

والتفنن فيه: أن يجعله طبق المعاني التي يصورها بالألفاظ ويمثلها بالصوت بأن يعطي ألفاظ الاستفهام والتعجب، والتوبيخ واللوم، والتقريع والزجر، والتفخيم والتهويل، والتحزن والندم، والحيرة والوعد والوعيد، وما إلى ذلك حقها في النطق، فيكيف الصوت فيها بكيفيات خاصة وانفعالات تتناسب مع المعنى الذي يقصد، حتى يثير ذلك في نفس السامع الرغبة والرهبة والانزعاج والندم، ويحدث فيها هزة الفرح والارتياح والنشاط تبعًا لسير المعنى الذي يتكلم فيه، وأن يخفض صوته في موضع الخفض واللين، ويشتد في موضع الشدة، ويتأفف في موضع التأفف، ويَتَطَامَنُ في موضع التطامن؛ كالدعاء والاستعطاف، والاسترحام واستنداء الأكف عند جمع المال للأعمال النافعة أو الإنفاق على بيوتات مَجد أخنَى عليها الدهر، وما إلى ذلك، وأن يشمخ بأنفه ويُظْهِرَ العِزَّة وعلو النفس في مواضع الفخر والحماسة، وذكر شرف العلم والتقوى، وأن يتأثر حتى يظهر أثر الانفعال المعتدل في صوته وإشارته، وملامح وجهه عند ذكر حادثة مؤلمة أو حكاية خطب فظيع، أو ندم على فوات مطلب عزيز، بحيث تكون لهجته في جميع ذلك لهجة خطابة لا لهجة تِلاوة، يُسرد فيها الكلام سردًا، أو لهجة ترنُّمية تخرجها عن المألوف إلى نوع من الأغاني.

وعلى الجملة ينبغي للخطيب أن يعطي الموضع حقه من:

1 - حسن العبارة.

2 - وقربها من الأفهام.

3 - وجودة الإلقاء والتشخيص لمقامات الخطابة، حتى يبكي أو يتباكى عندما تدعو إلى ذلك حاجة، مراعيًا ما يناسب الخطب الدينية وغيره من غير أن يظهر عليه أثر التصنع أو التكلف، وإلا سقط من العيون وانصرفت عنه الأسماع، وظل موضع النقد والسخرية، كما يلزم أن يتجنب التزام السجع البارد الممقوت، والجناس المتكلف، وعليه أن يرسل الكلام إرسالاً من غير تقعر ولا تكلف، فإن أتَى السَّجع أو الجناس عفوًا قارًّا في موضعه غير نادٍّ عن الذوق، ولم تظهر عليه مسحة التكلف فذاك، وإلا أساءَ حيث أراد الإحسان.

أمَّا الإشارة الخطابية: فهي حركات تبدو من جسم الخطيب ووجهه ورأسه وجوارحه من شأنِها تأييدُ الكلام الذي يتفوَّه به، وحسنها من تمام حسن البيان باللسان، وأفضل الإشارات الطبيعية اللطيفة المتوسطة بين غِلْظَةِ العامَّة ومُبالغة المتصنِّعين، ولها في الخطابة شأن عظيم؛ لأنَّها تشارك النطق في نقل الفكر وانفعالات الخطيب، متَّخذة البصر لها سبيلاً فهي اللغة العمومية التي يفهمها كل إنسان، وما يحدثه من التأثير لا تأتي بمثله لغات العالم، ولا يكاد صاحب حديث يستغني عنها، قال تمام بن أشرس: لو كان ناطق يستغني بمنطقه عن الإشارة لاستغنى جعفر بن يحيى عن الإشارة كما استغنى عن الإعادة، فهي ضرورية للخطيب، وبها يحرك الانتباه ويصل إلى ما ينبغي من التأثير، والصوت وحده لا يكفي للإفادة والإقناع والتعبير عن معاني اللذة والألم والغضب والرضا، واليأس والرجاء، والاحتقار والتوقير، وما إلى ذلك ما لم تساعده حركات اليد، وملامح الوجه وبريق العينين وإشارة الطرف والحاجب.

ففي الكلام العادي المعتدل كالوصف يجب الإقلال من الحركة، أما في الحماسة وغيرها من مثيرات العواطف، فالحركة الكبيرة الواسعة لازمة.

أما الوقفة الموافقة للخطابة: فهي الطبيعية أيضًا دون توتر في الجسم ولا تخنث، بحيث يبعد الخطيب فيها عن عظمة المتجبر، واضطراب الطائش الأرعن، ويحسن بالرأس أن يحيد عن الانتصاب الزائد، والانحناء المفرط، وبالوجه والنظر أن يكون كمرآة للنفس في بيان عواطفها، وباليدين أن لا ترخيا مهملتين، ولا تمدا بإفراط أو تلصقا بالصدر، وإن تحركت اليمنى فلا بد أن تشير بإشارات أنيقة حسنة الدلالة موافقة للمعنى وسابقة عليه سريعة في أولها كلما كان الكلام حادًّا ملتهبًا.

وصفوة القول: يجب على الخطيب أن يكون في وقوفه بعيدًا عن التكلف، والخروج عن المألوف في إشاراته وإلقائه، مُحافظًا ما أمكن على صوته الطبيعي، غير مقلد لغيره من الخطباء والوعاظ والممثلين مُجتنبًا التزام نبرة واحدة، وحركة واحدة، لئلاَّ يكون كالتلميذ في تلاوة درسه لا الخطيب في فَيضِ بَلاغَتِه، بعيدًا عن الإكثار من الإشارة، أو الإتيان بحركات مستهجنة، وعن التَّنَحْنُح والسُّعال وكل ما يدل على الضعف أو يورث الملل جاعلاً من تأثر نفسه في صوته وحركاته ليخلع على كلامه لباس الحياة، هذا؛ وإنَّ الارتياض مع مراقبة الخطباء البلغاء، وحسن الذوق أحسن معلم لهذا الفن.

ومن آداب الأداء أن يتمهَّل قليلاً بعد الوقوف وقبل التكلم؛ ليتم له الإصغاء ويوجه إليه أنظار السامعين، ولا سيما إذا كان صعوده إلى المنبر بعد نزول خطيب آخر عنه، فإن هذا التريث يساعد على لفت نظرهم، وجمع انتباههم بعد أن يتباعد عنهم صوت الخطيب السابق، ويذهب صداه من آذانهم فيكون للكلام الجديد أثره في القلوب، وأن يفتح الخطبة بصوت متوسط لا خافت ولا جهير، إلى أن تدعوه الحالة إلى الجهر شيئًا فشيئًا.

واعلم: أن أحسن الكلام ما كان قليله يغني عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكان الله عز وجل قد كساه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله، فإذا كان المعنى شريفًا واللفظ بليغًا وكان صحيح الطبع بعيدًا من الاستكراه والاختلال، مصونًا عن التكلف صنع في القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة، ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة ونفذت من قائلها على هذه الصفة أصحبها الله من التوفيق ومنحها من التأييد ما لا يمنع من تعظيمها به صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمهما عقول الجهلة، وقد قال عامر بن عبدالقيس: الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان، وبالله تعالى التوفيق.

 


[1] سورة الزمر: 68 - 72.

[2] سورة الزمر: 73 - 75.

[3] سورة براءة: 43.

[4] سورة النمل الآية: 37.

[5] سورة طه الآية: 40

[6] سورة المؤمنون الآية: 108.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لفظ الخطبة
  • التعبير الأدبي
  • الأسلوب الأدبي والأسلوب العلمي
  • أسلوب التعبير ومضمونه شيئان لا يستهان بهما
  • إنسانية التعبير
  • التعبير البارز (كل وحتى)
  • حصة التعبير الكتابي

مختارات من الشبكة

  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن عشر: التعبير الحقيقي والتعبير الخيالي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التحبير في قواعد التعبير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تحبير الكلام في تعبير الأحلام لفيصل اليوسف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • جماليات التعبير بالحركة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أسرار التعبير بحروف الجر على خلاف مقتضى الظاهر فيما اتفق عليه الشيخان (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المنهج النبوي في التعبير بلغة الجسد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • علل التعبير القرآني عند السمين الحلبي (ت 756هـ) في كتابه الدر المصون(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • القرائن الدلالية للمعنى في التعبير القرآني(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • حرية التعبير في الإعلام الإسلامي: مسؤولياتها وحدودها وضوابطها (WORD)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • من جمال التعبير القرآني: الحياة الدنيا كما يصورها القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/12/1446هـ - الساعة: 22:18
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب