• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
  •  
    مفهوم الفضيلة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (7)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خطبة أحداث الحياة
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    {هماز مشاء بنميم}
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أسباب اختلاف نسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

كيف أتوب؟ (1)

سيد مبارك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/11/2010 ميلادي - 22/12/1431 هجري

الزيارات: 12694

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كيف أتوب ؟ (1)

 

الحمد لله ربِّ العالمين، أشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وعلى آله وصَحْبه ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:

كيف أتوب؟ سؤال يبحث عن إجابته كلُّ عاصٍ ضلَّ طريقَه، واتَّبع شيطانه ونفسه الأمَّارة بالسوء.

ورغم سهولة الإجابة، فإن من المستحيل طَرْحَها دون بيان حجج مَن ضلَّ طريقه، ويبحث عن تبرير لِمَا ارتكبه ويرتكبه من معاصٍ وذنوب لا يعلمها إلا الله تعالى وإليك أخي القارئ بعضًا من التبريرات أو الحجج الجوفاء، مع بيان زَيفها وضَحالتها قبل الشروع في الإجابة عن هذا السؤال، وسوف ألتزمُ في الردِّ عليها الْحِياد التامَّ في طَرْح الحجج من كلِّ جوانبها وعلاجها بموضوعيَّة، واضعًا نُصب عيني أنَّ الخير كل الخير في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يجادل فيه إلا مُكابر حَاقِد على الإسلام، وإنْ قال غير ذلك.


حجج وشبهات أهل المعاصي:

الحجة الأولى

يقول البعض أُريد أن أتوبَ ولكنَّ الناس لا ترحم، ولا يسامح بعضُهم بعضًا، وطَغَتِ المصالح الشخصيَّة والأطماع الخاصة على القِيَم والمبادئ وحُب الخير والتكافُل بين الناس، ومَن لَم يتعامل مع الناس بشدَّة وغِلْظة وسوء ظَنٍّ، فلا ناقة له ولا جَمل، وسوف يضيع حقّه، ومعاملة الناس بالحبِّ وحُسن الظنِّ بهم، وقَبول مَعذرتهم، كلها عوامل ضَعف في الشخصيَّة، ومثل هذا الإنسان سوف يَفترسُه الناس ويطمعون فيه، ويتعرَّض لسُخْريتهم وتَهكُّمهم، فكيف أتوب بعد ذلك؟!


ومَن الذي يحميني منهم إن لم أكنْ مثلهم؛ غَليظ القلب وسَيئ الظنِّ بهم، ثم ليس منا مَن هو في إيمان أبي بكر الصديق، أو قوَّة وشدَّة الفاروق عمر بن الخطاب في الحقِّ، أو وَرَع وحَياء عثمان بن عفان، ولا فِقه وذكاء عَلِي بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين - والرسول ليس معنا كما كان مع الصحابة يرشدهم إلى الخير، ويحرِّضهم على التنافُس فيه.


إننا باختصار ومجمل القول: أصبحْنا كالسمك الكبير يأكل الصغير، والغني يذلُّ الفقير، والقوي يُرهِب الضعيف، أصبحْنا نعيش للدنيا ونموت من أجْلها!! ومِن ثَمَّ لا بد كي أعيشَ أنْ أفكِّرَ بنفس الطريقة التي يفكر بها الناس، وأعاملهم كما يعاملونني؛ بلا شفقة أو رحمة، وإلا كنتُ تابعًا لهم، ذليلَ إرادتهم وحِقدهم...إلخ.


فكيف أتوب بعد ذلك؟!

الرد على الحجة الأولى:

بدهي أنَّ الناس لن تتَّفِقَ أهواؤهم، كما أنَّ التسامح والمحبَّة وإنكار الذات من أجْلهم لن يَصِلَ أبدًا للحالة التي كان عليها الصحابة والتابعين وتابعو التابعين، وهم خيرُ قرون الإسلام على الإطلاق، بدليل حديث عِمران بن حصين قال:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكم قَرْني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))، قال عمران: لا أدري ذَكر ثِنتين أو ثلاثًا بعد قَرْنه، ((ثم يَجيء قومٌ يَنذِرون ولا يَفُون، ويخونون ولا يُؤْتَمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، ويظهر فيهم السِّمَن))؛ أخرجه البخاري في الإيمان،6201.


ومِن ثَمَّ، نستطيع القول - بكلِّ يقينٍ وحِياد -: إنه ليس منَّا، ولن يكون مَن هو كأبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - الذي قال في حقِّه النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كنتُ مُتَّخِذًا من أهل الأرض خليلاً، لاتخذتُ ابن أبي قُحافة خليلاً، ولكنْ صاحبُكم خليلُ الله))؛ مسلم في الفضائل، 4394.


وليس منَّا، ولن يكون مَن هو مثل الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - الذي قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حَقِّه: ((والذي نفسي بيده، ما لَقِيَك الشيطان قطُّ سالكًا فَجًّا، إلا سلَك فجًّا غير فَجِّك))؛ أخرجه مسلم في الفضائل، 4410.

وليس منَّا، ولن يكون مَن هو كعثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - الذي قال النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم - في حقِّه: ((ألا أستحيي من رجلٍ تستحيي منه الملائكة))؛ أخرجه مسلم في الفضائل، 4414.


وليس منَّا، ولن يكون مَن هو كعَلِيِّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الذي قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في حَقِّه: ((أنت منِّي بمنزلة هارون من موسى، إلاَّ أنه لا نبيَّ بعدي))؛ أخرجه مسلم في الفضائل، 4418.

وليس منَّا، ولن يكون رجلٌ أمين كأبي عبيدة بن الجراح، ولا شجاعٌ كسيف الله خالد بن الوليد، وغيرهما من الرعيل الأول من صحابة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والتابعين مِن بعدهم، وتابعي التابعين الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].


ومِن ثَمَّ، فَلْنَرْضَ بما نحن عليه في زماننا هذا دون تفريطٍ في حقِّ الله علينا، ولنكيِّف حياتنا على الكتاب والسُّنة لا العكس.


نعم أقول بكلِّ ما في قلبي من حَسرة وأَلَمٍ، مُقرًّا ببعض هذه الحجج والتبريرات، وليس كلها:

إن الواقع الذي نعيشه يشهد بأن في كلام مَن يقول بذلك بعض الحقِّ، فقد تشتَّتتِ الأُمة وضاعتْ سِمتُها وشخصيَّتها، وصَار الدين مُجرَّدَ شعائر وطقوس، وأصبحت المبادئ تُباع وتُشترى لِمن يدفع أكثر، فلا انتماء لمبدأ ولا انتصار لحقٍّ، وإنما المال سيِّد الموقف، وقد مال بالناس عن الحقِّ والصواب، إلاَّ مَن عَصَمه ربُّ العِباد - سبحانه.


هذا على الجانب العام، أمَّا الجانب الشخصي، فحَدِّثْ ولا حَرَج، لقد صار المرءُ منَّا يتمنَّى لو كان أخوه لُقمة ليأكلَها هو، يقول: أنا وأنا والطوفان مِن بَعدي، واتَّخذ الشيطان حبيبًا وصديقًا، وولِيًّا مِن دون الله تعالى وقد تَملَّكَنا حُبُّ الدنيا واتِّباع الهوى، وطَغَى على تصرُّفات الكثير منَّا حُبُّ الذَّات والنرجسيَّة، والأنانية الخبيثة، وأصبحت المصلحة الشخصيَّة لها الأولويَّة، حتى لو كانتْ تضرُّ بمصلحة الجماعة، فلا اعتبار لهذا، ومِن ثَمَّ اختلط الحابل بالنابل، وصار المرءُ لا يدري أين الحقُّ، وأين الباطل؛ من كثرة التلبيس والتدليس!!

 

ولكن رغم كل ذلك، هل فات الأوان؟

الجواب قطعًا: لا؛ فلا يأْس من رحمة الله، ولا بد للشرِّ من نهاية، ولا بد من طلوع الفجر بعد ظُلمة الليل، والحلال بيِّن والحرام بَيِّن، والحق أحقُّ أن يُتَّبَعَ، وهنا مربط الفَرَس كما يقولون؛ قال تعالى:

﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ * لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [الرعد: 17 - 18].


ومِن ثَمَّ فلا مَندوحَة من بيان الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والخير من الشر؛ حتى لا يلتبسَ الأمرُ علينا، ونكتشفَ أين نَضَعُ أقدامَنا، فإن للطريق مَزالِقَ خَطِرة، والشيطان والنفس الأمَّارة بالسوء بالمرصاد لكلِّ جُهْد يُراد به تغييرُ النفس وتحصينها مما تحبُّ من شهوات الدنيا الْمُهْلِكة.


فلا غَرْو إذًا أن نتجاهلَ ونَصُدَّ وسوسة الشيطان، وحديث النفس إن خَالَفْنا أمر الله تعالى ورسوله، وعلاج هذه الحجة في الإيمان والإيمان فقط، وأقصد بالإيمان: الإيمان بالله، وأنه لا نافعَ ولا ضارَّ إلا هو - سبحانه وتعالى.

وهذا دواءٌ فعَّال، فلو آمَن وأيْقَنَ الإنسان بأنَّ غيرَه من المخلوقات لا يَملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا.

أكرر قولي؛ لينتبِهَ صاحب الحجة: إن يقينَ الإنسان بأنَّ أمرَه في يد خالقه ورازقه ليدفعه قُدمًا إلى التمسُّك بتعاليم الكتاب والسُّنة، ولا يضرُّه اعتراض أهْل الأهواء والْجِدال العقيم، والفكر الريكاردي، الذي شعارُه: أنا أفكر إذًا أنا موجود!!


ولَيْتَ شِعري، كيف يجد الإنسان نفسه وهو خائف على رزقه وعمله، وعياله وحَشمه، ولا يخاف من أن يُسْلَب الإيمان، وتنقطع الصلة الروحيَّة بينه وبين الله - تعالى؟! ما الذي ينفع المرء إن أراد الناس جميعًا تدميره، وإغراقه في هُوَّةٍ ما لَها مِن قرارٍ  بحجج واهية؛ لقَتْل عزيمته، وتَسْفيه فِكْره، ووَهْنِ إرادته قبل التمرُّد على مبادئهم وأصنام الشهوات التي وَقعوا أمامها هَلْكَى وصَرعى، فضلوا ضلالاً بعيدًا، ويظنون أنهم يُحسنون صُنعًا؟!


إنَّ من نعمة الله على الإنسان أن يُنيرَ بصيرته وهو غارق لأُذنيه في ظُلمة المعاصي، ويُعينه بنور الهداية على الْمُضِي قُدُمًا بلا مَللٍ أو كَلل في دروبها الشائكة، غير خائف أو واجلٍ، وكيف يخالج جوانِحَه خوفٌ وقد أبصرَ طوقَ النجاة على مَرْمَى البصر؟!

وكيف يتردَّد في سلوك الطريق القويم بعد أنْ عرف لسانُه حلاوةَ الذِّكْر، وامتلأ قلبُه بالخشية من ربِّه والإيمان بقُدرته وعَظَمته، والطَّمْأَنينة بقُربه ومناجاته، والثِّقة وحُسن الظنِّ برحمته وعَفوه؟!


قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [الرعد : 28 - 29].


فهل مَن عرف حقيقة نفسه، وطَرَق فلاحها ونجاتها يتردَّد لَحظة في اتِّخاذ قراره؟ طبعًا لا، وإنما يسارع لسلوك الطريق الصعب؛ للخروج منه قبل أن تَجرِفَه عواصفُ المعاصي وتَبعاتُها، إن ظَلَّ يُمَنِّي نفسه بالنجاة دون أن يتَّخِذ العُدَّة للصمود، ويتأهَّب بما قَذَف الله به في قلبه في غَفلة مِن هواه وشيطانه، في لحظة تجلَّتْ له فيها عَظَمة الله وقُدرته، فاقْشَعرَّ بدنُه، وخَشَع لها قلبُه، وأدمعتْ من خشيته عيناه، وقد أفلح إن فازَ بالنجاة.

 

يقول ابن القَيِّم في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين"  (1/ 43) ما مختصره:

"فإن مَن لَم تُولَد رُوحه وقلبُه، ويَخرج من مَشيمة نفسه، ويتخلَّص من ظُلمات طبعه وهواه وإرادته، فهو كالجنين في بطن أُمِّه الذي لَم يرَ الدنيا وما فيها.

فهكذا هذا الذي بعدُ في مشيمة النفْس، والظلمات الثلاث هي: ظُلمة النفْس، وظُلمة الطبْع، وظُلمة الهوى، فلا بد من الولادة مرَّتين؛ كما قال المسيح للحَوَاريين: إنَّكم لن تَلِجوا ملكوت السماء؛ حتى تُولَدوا مرَّتين؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أبًا للمؤمنين؛ كما قراءة أُبَيّ: "النبي أَوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبٌ لهم"؛ ولهذا تفرَّع على هذه الأُبوَّة أنْ جُعلتْ أزواجُه أُمَّهاتِهم، فإنَّ أرواحَهم وقلوبهم وُلِدَتْ به ولادة أخرى غير ولادة الأُمَّهات، فإنه أخْرَجَ أرواحَهم وقلوبَهم من ظلمات الجهل والضلال والغَي إلى نور العلم والإيمان، وفضاء المعرفة والتوحيد، فشاهدتْ حقائق أُخَر وأمورًا لم يكنْ لها بها شعورٌ قبله؛ قال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ [إبراهيم: 1]، وقال: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]".


ثم قال - رحمه الله:

"والمقصود: أنَّ القلوب في هذه الولادة ثلاثة: قلبٌ لَم يولَد ولَم يَأْنِ له، بل هو جَنين في بطن الشهوات والغَي والجهل والضلال، وقلب قَد وُلِد وخَرج إلى فضاء التوحيد والمعرفة، وتَخلَّص من مَشيمة الطباع، وظُلمات النفس والهوى، فقرَّتْ عينُه بالله، وقرَّتْ عيونٌ به وقلوب، وأَنِسَتْ بقُربه الأرواح، وذَكَّرَتْ رؤيته بالله، فاطمأنَّ بالله وسَكَن إليه، وعَكَف بِهِمَّته عليه، وسافرتْ هِممُه وعزائمُه إلى الرفيق الأعلى، لا يقر بشيءٍ غير الله، ولا يسكن إلى شيء سواه، ولا يطمئنُّ بغيره، يجد مِن كل شيءٍ سوى الله عوضًا، ومَحبَّته قوَّته، لا يجد من الله عوضًا أبدًا، فذِكْرُه حياة قلبه، ورضاه غاية مَطلبه، ومَحبَّته قوَّته، ومعرفته أَنِيسه، عدوُّه مَن جَذَب قلبَه عن الله - وإن كان القريب المصافي - ووليُّه مَن ردَّه إلى الله وجَمَع قلبَه عليه - وإن كان البعيد المناوِيَ - فهذا قلبان متباينان غاية التبايُن، وقلب ثالث في البرزَخ ينتظر الولادة؛ صباحًا ومساءً، وقد أصبح على فضاء التجريد، وآنَسَ من خلال الديار أشعة التوحيد، تأبَى غَلبات الحبِّ والشوق إلاَّ تقرُّبًا إلى مَن السعادة كلُّها بقُرْبه، والحظُّ كل الحظ في طاعته وحُبِّه، وتأبَى غَلبات الطباع إلاَّ جَذْبة وإيقافه وتعويقه، فهو بين الداعين تارةً، وتارة قد قَطَع عَقبات وآفات، وبَقِي عليه مفاوز وفَلوات.


والمقصود: أنَّ صاحب هذا المقام إذا تحقَّق به؛ ظاهرًا وباطنًا، وسَلِم عن نظرِ نفسه إلى مقامه واشتغاله به ووقوفه عنده، فهو فقيرٌ حقيقي، ليس فيه قادحٌ من القوادح التي تحطُّه عن درجة الفقر"؛ أ.هـ.


أخي القارئ:

بناءً على ما سَبَق يتَّضِح لنا أنَّ الإيمان بأنه لا نافع ولا ضارَّ إلا الله، يجعلُنا لا نتردَّد ألبتة في الْمُضي في الطريق بلا تردُّدٍ، بعزيمة وإيمان وقوَّة، ويقين بأنَّ الله غالب على أمره، ومُتِمُّ نوره وناصرُ عباده، ومؤيِّدهم برعايته ورحمته، لا يضر المرء كَيْد الكائدين، ولا تهويل أصحاب الهوى، ولا يغتر بكثرة الهالكين.


وختامًا لبيان زَيف هذه الحجة أقول: إن أهْلَها نسوا أو تناسوا قول الله تعالى:  ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17].


وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((احفظِ الله يحفظْك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فأسال الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله، واعلم أن الأُمَّة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتَبَه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتَبَه الله عليك، رُفَعَت الأقلام وجَفَّت الصحف))؛ أخرجه الترمذي، (4/ 2516)، وأحمد في مُسنده، (1/ 293)، وإسناده صحيح.


ومِن ثَمَّ، ألا نامتْ أعينُ الْجُبناء الذين تخلَّوا عن تعاليم دينهم؛ جَرْيًا خَلف زينة الدنيا الفانية، وقاتلوا عليها مَن هم على شاكِلتهم، من أجل ماذا؟ لا أدري!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العَلِي العظيم.


الحجة الثانية

أنا أُريد أن أتوبَ، ولكن العصر قد اختلف وتغيَّر، ومن ثَمَّ طَغَتِ المادِّيَّات على حياتنا، وصار الدين مُجرَّدَ طقوسٍ بين العبد وربِّه، وانتشرت الإباحيَّة في كل مكان،  حتى داخل البيوت؛ عن طريق جهاز التِّلفاز وأطباق الدِّش، فضلاً عن المجلات التي تعرِضُ صُوَر النساء العاريات من الفنانات، وموديلات الدعاية للشامبو والصابون، والسيارات والأجهزة المنزلية، وحتى لُعَب الأطفال، صارت المرأة مادة إثارة لِجَذْب الزبون، وتبرَّجتِ النساء، حتى المحجَّبات منهنَّ؛ لِجَهْلهن بشروط الحجاب، أو لِمُسايرة حجاب بيوت الأزياء الذي لا يرتبط بشروط الحجاب الشرعي بأيِّ رابطٍ، اللهم إلا في الاسم دون الجوهر، وفي الجملة انتشر الفساد في البر والبحر بما كسبتْ أيدي الناس، وأمام كلِّ هذه الفِتَن والكوارث والمصائب و...و..!!


كيف أتوب وأستقيم وأرى ما أرى، ولا أستطيع الانفكاك عنه والهروب منه؟!!

الرد علي الحجة الثانية:

الردُّ سهلٌ ويَسير لِمَن أراد حقًّا الهداية، وليكنْ معلومًا أنه ما صارت الفِتن تتساقط على رؤوسنا، والبركة تضيع من أيدينا، والمعاصي تزداد في أعمالنا - إلا بالبُعد عن الله تعالى وهَدْي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى المرءِ أن يكون صريحًا في بيان الداء والدواء لِمَا أصاب حاله، إن أرادَ حقًّا التوبة والاستقامة، لا الجدال والاستطالة، والفَرق بين هذا وذاك كبير للغاية كما لا يَخفى، ومِن ثَمَّ نقول ردًّا على القول بتغيُّر الزمان بسؤال واضحٍ لا لَبْسَ فيه ولا غموض، ما الذي تغيَّر وتبدَّل يا أهل المعاصي؟


القرآن الكريم بين أيدينا لم يتغيَّرْ فيه حرف، ومنقول إلينا بالتواتُر اللفظي عن جَمهرة كبيرة من الصحابة، فضلاً عن أنه محفوظ بحِفظ الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].


والسُّنة محفوظة أيضًا بنصِّ الآية السابقة؛ لأن القران مُجمَل والسُّنة مُفَسِّرة له، وحِفْظُها من حِفظه كما لا يَخفى على اللبيب، وقال العلماء: حِفظ القرآن يتوقَّف على حِفظها، ومستلزم له بما أنها حِصنه الْحَصين، ودِرْعه المتين، وحارسه الآمين، وشارحه المبين؛ تفصِّل مُجْمله، وتفسِّر مُشكله، وتوضِّح مُبْهَمة، وتقيِّد مُطْلَقه، وتَبْسُط مختصره، وتدفع عنه عَبَث العابثين ولَهْوَ اللاهين، وتأويلهم إيَّاه على حسب أهوائهم وأغراضهم، وما تُمليه عليهم رؤوسهم وشياطينهم، فحفظُها من أسباب حِفظه، وصيانتها صيانة له"؛ "حُجيَّة السُّنة"؛ د. عبدالغني عبدالخالق، ص:391.


ولقد بذَل العلماء الْجُهد المشكور في بيان صحيحها من ضَعيفها؛ حتى لا يدخل في كلام النبي ما ليس منه، ولله الحمد والمنَّة، فهي محفوظة إذًا بحفظ الله، وإن غابَ الحبيب عنَّا بجسده، فلا غَرَابة في ذلك، فلم يَكتب الله لأحدٍ من خَلْقه الخلود في الدنيا وهو القائل: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185].


ثم السنة - كما هو معلوم - اثنا عشر شهرًا، فهل قَلَّتْ أو زادتْ عمَّا كان أيام النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحابته شيئًا، حتى يُقال: إنَّ العصر قد اختلف، وما يُقال عن السنة يُقال عن الأسبوع، هل هو سبعة أيام كما كان في عهد النبي-صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه، الأمر لا يحتاج إلى تعليقٍ.


فما الذي تغيَّر إذًا؟!

من المؤْسِف أن يتحجَّج البعضُ ويتمسَّك بقَشَّة الزمن رغم هشاشتها ولِينها، وما في ذلك من سرعة سقوطهم في براثن الشيطان؛ ليُحِلُّوا لأنفسهم الخروج عن شَرْع الله تعالى ومن المستحيل أن يكون لسانُ حال هؤلاء هو هذا السؤال: كيف أتوب؟ لأنه من البداهة أن من يريد التوبة حقًّا يعدُّ العُدَّة ويُخْلِص النيَّة، ويُكثِر الزاد ويُجاهد نفسَه وهواه، ويلتمس وسائل الثبات على الدِّين، لا وسائل إبليسيَّة تدعوه إلى رَدِّ المعروف وإتيان المنكر، والسعي لانتصار النفس على حساب الدين، أو إرضاء شهواتها على أطلال الفضيلة والقِيَم الأصيلة التي تعارَف عليها الناس ولا تُخالف الشرْع، بل تندمج فيه وتأخذ شرعيَّتها منه.


ولا بأْسَ أن نبيِّن لصاحب هذه الحجة زَيفها وبطلانها؛ لأن الإقناع هو الوسيلة الفعَّالة لردِّ العاصي عن مَعصيته، وإعانة التائب على توبته، وزيادة حماس أهْل الصلاح والتقوى على الْمُضِي قُدمًا على الطريق القويم، وصراط الله المستقيم.

نعم، يعيش المسلمون اليوم أزهى عصور التقدُّم العِلمي والتكنولوجي في كثيرٍ من بقاع العالم، فنحن في عصر الكمبيوتر والإنترنت، عصر حبوب الفياجرا والاستنساخ، وهَلُمَّ جرًّا.


ولكن للأسف الشديد، ما زال كثيرٌ من المسلمين يعيشون جاهلية التخلُّف والجمود، ولا أقصد جاهليَّة الأخْذ بالعلوم العصريَّة ومواكبة التقدُّم العِلمي، طبعًا هذا يخالف واقِعَ الحال؛ فالأُمَّة الإسلاميَّة - ولله الحمد والمنَّة - انتشرتْ فيها التكنولوجيا المتقدِّمة والمتطوِّرة، وأحدث ما وصلتْ إليه العقليَّة الإنسانية من العلوم والفنون، فقطعًا هذا ما لا أقصده، إنما أقصد جاهليَّة الاتِّباع الأعمى بلا وَعْي للحضارة الغربية والأمريكيَّة، والانسلاخ من الْهُويَّة والإسلامية بما فيها من قِيَمٍ وتعاليمَ ومبادئ سامية إلى عادات وتقاليد شعوب تعيش انهيار أخلاقي إلى جانب تقدُّمها العِلمي، معتقدين أنَّ الأخْذ بكل ما في تلك الحضارتين من فضائل ورذائل هو السبيل الوحيد للرُّقِي والتقدُّم.


ومِن ثَمَّ لا ريبَ أن سعادتنا الحقيقيَّة - في الدنيا والآخرة - في عودتنا إلى ديننا الحنيف، وأخلاقنا وتقاليدنا السامية، مع الأخْذ بالتقدُّم العِلمي والاحتراز من العادات الشاذَّة، والاندفاع للأخْذ بها بتهوُّرٍ وجنون، بلا وَعْي لعواقبها ولا تفكير لإدراك فائدتها قبل الدعوة لانتشارها بين الناس، فليس الجميع على مستوًى واحدٍ من الفَهم والإدراك، وليس الجميع على مستوًى واحدٍ في قوة الإرادة والعزيمة.


قال تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].


وإهمال مثل هذا الفارق الفِطْري والجوْهَري في طبيعة أبناء آدم عليه السلام الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى، رغم الاختلاف البيِّن فيما بينهم - في تجانُس وانسجام، واحتياج بعضهم بعضًا، وزَرَع في قلوبهم الميْلَ الفِطْري والتعاون المثْمِر لالْتِماس ما ينقصهم؛ مِن علمٍ أو مال، أو قوَّة أو ذكاء وعبقريَّة، أو ما أشبه ذلك عند مَن أكَرَمه الله وأعطاه من صفات وخصائص ينفرِدُ بها عن أقرانه؛ ليكون هذا من وسائل الرِّزْق التي كَتَبها الله تعالى لعباده ووعَدَهم بها وضَمِنها لهم؛ سواء اختار العبد الطريق القويم المستقيم، أو ضلَّ طريقه لِمَا أصابه من عَمَى البصر والبصيرة؛ قال تعالى:  ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22].


أقول: أدَّى الانفتاح على العالَم في عصر العوْلَمة دون مُراعاة هذا الفارق الجوهري في طبيعة الإنسان إلى نتيجة سلبيَّة على جانب عظيم من الخطورة، وإلى إشاعة الفوضى وعُلو أهْل المنكر على أهْل المعروف، وأصبحتْ مقادير العلوم والثقافة في يد مَن لا يفقه شيئًا في دين الله تعالى وبالتبعة كان من عواقب ذلك الانهيار الأخلاقي بين أفراد الأُمَّة، فضلاً عن الفقر الثقافي والديني الذي أصابها بعد أن ظهَرَ النبوغ والعبقريَّة بَغْتة على عقول بعض أصحاب الفِكر والبَلْبلة؛ من خُطباء الفتنة، ومنكري السُّنة، وأنصار التنوير، فأغرقوا الأُمَّة في سفسطة جَدَليَّة وهَدَموا ثوابت الدين رأْسًا على عقب بحجة أنها السبب في تخلُّفنا عن رَكْب الحضارة، فأهملوا تعاليمَ دين ربِّ العالمين، وسُنَّة النبي الأمين صلَّى الله عليه وسلَّم واتبعوا تعاليم الشيطان الرجيم وأوليائه، وصَدَّعوا رؤوسنا بمذاهب شتَّى، وآراء عنتريَّة وسخافات جدليَّة، واتهموا العلماء وَرَثة الأنبياء بالغُلوِّ والتطرُّف عن سماحة الدين، وبصموا بالعشرة أنَّهم السبب الأساس في إفساد الشباب، ولو تأمَّلنا حال الشباب الذين أفسدَهم مشايخ التطرُّف، لا نجد إلا شبابًا مَهْووسًا من الجِنسَيْن، إلاَّ مَن رَحِم ربي، يشق أنْ تُميِّز بين الذَّكَر والأنثى فيما بينهم؛ لِمَا أصابهم من تخنُّث وميوعة، ووَلَع "بروبي ونانسي عجرم"، ولاعبي الكرة الذين صاروا أصحاب ملايين، وسلعة لها سوق رائجٌ لا يبور لِمَن يدفع أكثر، لا نجد إلا شبابًا يبحث عن الشهرة والثَّراء السريع باتِّباع الطرق الملتوية والرِّياء والنفاق الفاضح؛ لكَسْب القلوب السقيمة البعيدة عن الله تعالى.


ومِن ثَمَّ نقولها بكل حياد وصراحة: إن إنسانَ عصرِ العَولَمة والعلوم العصريَّة، والحوار بين الأديان.... إلى آخره - أصبح يعاني من ابتلاءاتٍ شتَّى، وصعوبات جَمَّة، على الرغم من التقدُّم  العلمي المذْهِل، ولا فارِقَ في ذلك بين غَنِي قادر، وفقير عاجز، أو متعلِّم مُدرك وواعٍ، وجاهل أُمِّيٍّ تائه وحائر، وبين سليم معافًى، وسقيم يعاني ويُقاسي.


الإنسان هو الإنسان في كلِّ زمانٍ ومكان، صارت الابتلاءات تَعصِف بكِيانه، وتذهب بحُلمه ووقاره، وتُزلزل إيمانه ويقينه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ [المعارج: 19 - 21].

نعم، ابتلاءات شتَّى تَعصِف وتكدِّر حياتك، ولكن لَم ولن تكون هذه الحجة عائقًا للإنسان أبدًا كي يستقيم على طريق الله تعالى ولأصحاب هذه الحجة أدعوهم إلى استشعار عَظَمة الافتقار إلى الله والالْتجاء إليه بالذِّكْر والدعاء، ونوافل الطاعات، فحقيقة الإيمان بالله تستلزم طاعته في السرَّاء والضرَّاء، في البليَّة والنعمة، فالمؤمن يفتقر إلى الله دائمًا، فهو الغني الحميد.


ولكن للأسف الشديد الأمر خلاف ذلك، فإذا أصاب الإنسان بَليَّة ابتعدَ عن الله وعن طاعته، وذِكْره وشُكْره، ولَجَأ إلى مخلوق مثله لا يملك له ولا نفسه نفعًا ولا ضرًّا، وجَحَد نعمة الله عليه، وإن أصابتْه نعمة سُرَّ بها، ولجأ إلى الله بالشكر والذِّكْر، وفي ذلك يقول تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ [الفجر: 15 - 16].


وهذه من صفات الجاحدين والمنافقين، فَكُنْ غيرَ ذلك، واذكرِ الله تعالى في سَريرتك وعَلانيتك، في بَليَّتك ونعمتك، في سعادتك وشَقَائك، فإن في ذِكْرك له رحمةً بك، واطمئنانًا لقلبك؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: أنا عند ظَنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذَكَرني، فإنْ ذَكَرني في نفسه، ذَكَرتُه في نفسي، وإنْ ذكَرَني في ملأ، ذَكَرتُه في ملأ خَير منهم))؛ أخرجه البخاري، (13)، ح (7405)، (فتح) ومسلم ( 4)، ذكر، (2061)، ح (2).


فعليك - أخي القارئ - بالأذكار المختلفة في ذهابك وإيابك، في الصباح والمساء، لا تَغفل عن ذِكْر الله، ولا يفتر لسانُك عن التسبيح والتكبير، والتحميد والتهليل؛ فإن ذلك من علامات حياه القلوب؛ لأن القلب الذي لا يذكر الله قلبٌ ميِّتٌ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((مَثَل الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر، مثل الْحَي والميِّت))؛ أخرجه البخاري، ( 11- ح 6407- فتح).


ولا تنسَ الدعاء؛ فهو مُخُّ العبادة، والْتَمِسْ أوقاتَ الإجابة، مثل: بعد الصلوات المفروضة، وفي الثُّلث الأخير من الليل، وفي السجود لله تعالى وعند نزول الغَيْث، وغير ذلك، واعلم أنَّ الله على كل شيءٍ قدير؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].


ولا تنسَ أن تدعو بهذا الدعاء العظيم الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أصلحْ لي ديني الذي هو عِصمة أمري، وأصلحْ لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها مَعادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كلِّ خَير، واجعل الموت الموت راحةً لي من كلِّ شَرٍّ))؛ أخرجه مسلم، ( 4- ذكر – 2087- ح 71).


وحَذارِ أن تتعجَّل الإجابة وتترك الدعاء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:  ((يُستجاب لأحدكم ما لَم يَعجَلْ؛ يقول: قد دعوتُ ربِّي، فلَم يَستجبْ لي))، وفي رواية لمسلم: ((لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثْمٍ، أو قطيعة رَحِم، ما لَم يستعجِلْ))، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: ((يقول: قد دعوتُ، وقد دعوتُ، فلم أرَ مَن يستجيب لي، فيستحْسِر عند ذلك، ويَدَعُ الدعاء))؛ أخرجه البخاري، (11- ح 6340- فتح)، ومسلم، (4 - ذكر - 2096 - ح92).


وعليك - أخي المسلم - من الإكثار من النوافل؛ من صلوات وصيام، إلى غير ذلك من الطاعات التي تقرِّبك من ربِّك إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، واعلم أنَّ الجزاء من جِنس العمل، فمن ابتغى رضا الله، وتقرَّب إليه بسائر الطاعات؛ لا يَلْجَأ إلا إليه، ولا يسأل سواه، ولا يَفْتَقِر إلا إلى رحمته، فإن الله تعالى سوف يَكْشف عنه السوءَ، ويُذْهِب عنه ما به مِن هَمٍّ وغَمٍّ وحزن؛ قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62].


وتذكَّر أنَّ دوام الحال من المحال، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هاجروا من مكة إلى المدينة، تاركين الأهلَ والمال، والعشيرة والديار، وظلُّوا على إيمانهم وجِهادهم مؤمنين بنصر الله، وأنَّ مع العسر يُسْرًا، وأنَّ الفرج قريبٌ، حتى قضَى الله أمرًا كان مفعولاً، ودَخَل النبي إلى مكة ومعه 10 آلاف مقاتل من المسلمين، وحَطَّم الأصنام وهو يقول قول الحقِّ جل وعلا: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81].


وصعد بلال على الكعبة، فأذَّن وصَدع بكلمة التوحيد، ودَخَل الناس في دين الله أفواجًا، وعاد أصحابُه إلى الأهل والعشيرة والديار بالصبر والإيمان، فدوام الحال من المحال.


واعلم أنه لا بدَّ للمرء أن يمرَّ بثمانية أشياء؛ كما قال أهل العلم: عُسر ويُسر، حُزن وفَرح، لقاء وفِراق، سُقْم وعافية.


تلك هي سُنَّة الله في خَلقه، فالْتزم بأوامر الله وسُنَّة رسوله الله صلى الله عليه وسلم لا تحِد عنهما، ولا تتَّبعِ الهوى، ولا يغرَّك بالله الغرور، وما أجمل قولَ الشاعر:

إِنَّ للهِ عِبَادًا فُطنَا
طَلَّقُوا الدُّنْيَا وَخَافُوا الْفِتَنَا
نَظَرُوا فِيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا
أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا
جَعَلُوهَا لُجَّةً وَاتَّخَذُوا
صَالِحَ الأَعْمَالِ فِيهَا سُفُنَا

 

وتذكَّر - أخي القارئ - أنَّ أكثر الناس بلاءً الأنبياء فالصالحون، فالأمثل، فالأمثل.

نعم، تذكَّر ولا تنسَ أبدًا أنَّ البلاء شعارُ الصالحين، وعلى قَدْر إيمان العبد يكون بلاؤه، فإن كان إيمانه قويًّا، كان البلاء كذلك، حتى قيل: إذا سلك بك سبيل البلاء، فَقَرَّ عينًا؛ فإنه يسلك بك سبيل الأنبياء والصالحين، وإذا سلك بك سبيل الرَّخاء فابْكِ على نفسك؛ فقد خُولِف بك عن سبيلهم.


وللحديث بقيَّة، والله من وراء القصْد، وهو يهدي السبيل.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التوبة النصوح
  • مدارج التوبة النصوح
  • إعانة العصاة على التوبة إلى الله
  • وعدت ربي أن أتوب
  • التوبة شعار الصالحين
  • الحث على المبادرة إلى التوبة وذكر آثارها الحميدة
  • روح التوبة
  • ما هي التوبة؟
  • كيف أتوب؟ (2)

مختارات من الشبكة

  • "كيف حالك" في كلام الفصحاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كيف تختار المرأة زوجها وكيف يختارها؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تشتري كتابا محققا؟ وكيف تميز بين تحقيق وآخر إذا تعددت تحقيقات النص؟(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كيف أعرف نمط شخصية طفلي؟ وكيف أتعامل معها؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تبدأ الأمور وكيف ننجزها؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تنظر إلى ذاتك وكيف تزيد ثقتك بنفسك؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟ (3) صفات السن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟ (2) الأساليب الخاطئة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فلنتعلم كيف ندعو الله وكيف نسأله(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب