• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

المذاكرة عند المحدثين (4 / 5)

محمد بن عبدالله السريِّع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/10/2010 ميلادي - 20/11/1431 هجري

الزيارات: 18931

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المذاكرة عند المحدثين

(مفهومها، أساليبها، أثرها في النقد الحديثي) (4 / 5)

 

مواصلةً للحديث عن عادات المحدِّثين في المذاكرة:

2- ومن عادتهم في المذاكرة: الحرص على الإغراب:

فكانوا يَحرِصُون على أن يأتي أحدُهم بما لم يسمعه مُذاكِروه، وأن يُغرب عليهم بما يحفظه مما ليس عندهم.

 

وكان أحدهم إذا أَغرَبَ؛ استُحسِنَ ما فعل، وفَرِح هو بذلك؛ لأن الإغراب على الحفاظ إشارةٌ إلى سعة حفظ المُغرِب، وقوة استحضاره.

قال الشيخ المعلمي: «وكان من عادة المحدِّثين التباهي بالإغراب؛ يَحرِص كلٌّ منهم على أن يكون عنده من الروايات ما ليس عند الآخرين؛ لتظهر مزيَّته عليهم، وكانوا يتعنَّون شديدًا لتحصيل الغرائب، ويَحرِصُون على التفرد بها...، وكانوا إذا اجتمعوا تذاكروا، فيَحرِص كل واحدٍ منهم على أن يَذكُر شيئًا يُغرِبُ به على أصحابه؛ بأن يكون عنده دونهم، فإذا ظفر بذلك؛ افتخر به عليهم، واشتدَّ سروره وإعجابه وانكسارهم...

 

وكانت طريقتهم في المذاكرة: أن يشير أحدهم إلى الخبر الذي يرجو أنه ليس عند صاحبه، ثم يطالبه بما يدلُّ على أنه قد عرفه، كان يقول الأول: "مالك، عن نافع، قال:..."[1]، فإن عرفه الآخر؛ قال: "حدثناه فلان، عن فلان، عن مالك"»[2].

 

وقد سبق قول أبي داود الطيالسي -في حكاية مذاكرة ابن إدريس وشعبة-: «فذكر شعبة ما عنده، فقلت: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، قال: "كان معيقيب يَحضُر طعام عمر، فقال له عمر: يا معيقيب، كُلْ مما يليك... الحديث"، فقال لي شعبة: "يا أبا داود، لم تجئ بشيءٍ أحسن مما جئتَ به"».

 

وقال أبو مسعود أحمد بن الفرات: «كنا نتذاكر الأبواب، فخاضوا في باب، فجاؤوا فيه بخمسة أحاديث، فجئتهم آنا بآخر، فصار سادسًا، فنخس أحمد بن حنبل في صدري -يعني: لإعجابه به-»[3].

 

وفي حكاية مذاكرة أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح، قال ابن زنجويه: «فجعلا يتذاكران، ولا يُغرِبُ أحدُهما على الآخر»[4].

وقال يحيى بن معين لأبي خيثمة: «تحفظ هذا الحديث: عن سفيان، عن بيان، عن الشعبي، عن شريح، قال: "إذا استدانت المرأة على زوجها فلا شيء عليها إذا كان بإذنه"؟» فقال له أبو خيثمة: مَن هذا[5]؟ فقال: «بشر بن السري»[6].

وقال البخاري: «ذاكرني أصحاب عمرو بن علي الفلاس بحديث، فقلت: لا أعرفه. فسُرُّوا بذلك...»[7].

وقال أبو حاتم الرازي: «كان عبدالرحمن بن عبدالملك بن شيبة يختلف إلى عبدالعزيز الأويسي وهو شاب؛ يكتب عنه، فرآه أبو زرعة هناك، فذاكر أبا زرعة بأحاديث غرائب لم تكن عنده...»[8].

 

وقال أبو حاتم - أيضًا -: «كان محمد بن يزيد الأسفاطي يحفظ التفسير، فقال لنا يومًا: "ما تحفظون في قول الله -عز وجل-: ﴿فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ﴾؟"، فبقي أصحاب الحديث ينظر بعضهم إلى بعض...»[9].

 

وقال أحمد بن عمير بن جوصا: «كنا ببغداد، فرأيت أصحاب الحديث يتذاكرون بحديث أيوب السختياني وأشباهه، فأطلعت لهم رأسي، فقلت لهم: أيش أسند جنادة عن عبادة؟ فسكتوا، ثم قلت لهم: أيش أسند عمرو بن عمرو بن عبدة الأحموسي؟ فلم يجيبوا بشيء»[10].

 

وقال الوزير ابن العميد: «ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوةً أَلَذّ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها؛ حتى شاهدتُ مذاكرةَ سليمان بن أحمد الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه، وكان الجعابي يغلب الطبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد، حتى ارتفعت أصواتها، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه، فقال الجعابي: "عندي حديثٌ ليس في الدنيا إلا عندي!"، فقال: "هاته"، فقال: "حدثنا أبو خليفة، نا سليمان بن أيوب..."، وحدث بالحديث، فقال الطبراني: "أنا سليمان بن أيوب، ومني سمع أبو خليفة، فاسمع مني حتى يَعلُوَ إسنادُك؛ فإنك تروي عن أبي خليفة عني!". فخجل الجعابي، وغلبه الطبراني»، قال ابن العميد: «فوددت في مكاني أن الوزارة والرئاسة ليتها لم تكن لي، وكنت الطبراني، وفرحت مثل الفرح الذي فرح به الطبراني لأجل الحديث»[11].

 

وكانوا ربما ضاقوا إذا أُغرِبَت عليهم الأحاديث.

قال شعبة: «ذاكرت قيس بن الربيع حديثَ أبي حصين، فلوددتُ أن البيت وقع عليَّ وعليه حتى نموت؛ من كثرة ما كان يُغرب عليَّ!»[12].

وروي عنه، قال: «إني لأُذاكر بالحديث يفوتني؛ فأمرض»[13].

وقال مظفر بن مدرك: ذكروا لشعبة حديثًا لم يسمعه، فجعل يقول: «واحزناه»[14].

 

وقال أحمد بن سلمة: «عُقِد لأبي الحسين مسلم بن الحجاج مجلسٌ للمذاكرة، فذُكر له حديثٌ لم يعرفه، فانصرف إلى منزله، وأوقد السراج، وقال لمن في الدار: "لا يدخلن أحدٌ منكم هذا البيت"، فقيل له: أُهديت لنا سلةٌ فيها تمر. فقال: "قدِّموها إليَّ"، فقدَّموها إليه، فكان يطلب الحديث، ويأخذ تمرة تمرة، يمضغها، فأصبح وقد فَنِيَ التمر، ووجد الحديث». قال الحاكم: «زادني الثقة من أصحابنا أنه منها مات»[15].

وإذا لم يقدر أحدهم أن يُغرب على المحدث، فهو بيانٌ جليٌّ لسعة حفظه، وقوة استحضاره لحديثه.

 

قال أبو حاتم الرازي: «قلتُ على باب أبي الوليد الطيالسي: مَن أغرب عليَّ حديثًا غريبًا مسندًا صحيحًا لم أسمع به؛ فله عليَّ درهمٌ يتصدق به. وقد حضر على باب أبي الوليد خلقٌ من الخلق؛ أبو زرعة فمن دونه...، فما تهيَّأ لأحدٍ منهم أن يُغرب عليَّ حديثًا»[16].

وربما أغرب المحدث على مُذاكِريه، فإذا سألوه عن الذي ذكر له الحديث؛ عمَّاه عليهم، إمعانًا في الإغراب.

 

قال يحيى بن معين لأبي خيثمة: «تحفظ هذا من حديث سفيان: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: "ليس آزر أبا ابراهيم، إنما هو صنم"؟»، فقال رجل لأبي زكريا: مَن ذَكَره عن سفيان؟ فقال: «قد ذكروه»[17].


وقال ابن معين لأبي خيثمة -أيضًا-: «كتبتَ هذا عن ابن علية: عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال ابن مسعود: "البطشة الكبرى يوم بدر"، قال ابن عباس: "وأنا أقول: البطشة الكبرى يوم القيامة"؟» فقال له أبو خيثمة: لا أحفظه. فقيل ليحيى بن معين: مَن حدثكم به؟ قال: «الذي حدثناه»[18].

وشهوة الإغراب هذه ربما فَضَحَت الكذابين، فبيَّنت أنهم يَفتَعِلون الأسانيد، ويضعونها وقتَ المذاكرة؛ سعيًا للإغراب على الشيوخ.

 

قال الحاكم -في وصف النوع الثالث والثلاثين من علوم الحديث-: «مذاكرة الحديث والتمييز بها، والمعرفة عند المذاكرة بين الصدوق وغيره، فإن المجازف في المذاكرة يجازف في التحديث، ولقد كتبتُ على جماعةٍ من أصحابنا في المذاكرة أحاديث لم يَخرُجوا من عهدتها قط، وهي مُثبَتَةٌ عندي، وكذلك أخبرني أبو علي الحافظ وغيره من مشايخنا، أنهم حفظوا على قومٍ في المذاكرة ما احتجُّوا بذلك على جَرحهم»[19].

 

وقال أبو بكر ابن أبي شيبة: «كنا نجتمع للمذاكرة وفينا الشاذكوني، وكان إذا مرَّ حديثٌ لم يكن عندي عَلِقته، فإن كان صاحبه الذي سمع منه حَيّ؛ سمعت منه، وإلا ضربت عليه، فتذاكرنا يومًا، فقال الشاذكوني: "حدثنا معاذ بن معاذ..."، فعَلِقته، فذهبت إلى معاذ لأسأله، فقال: "ما لهذا أصل"!»[20].

 

وقال الحافظ صالح بن محمد الأسدي (جزرة): «قال لي أبو زرعة الرازي ببغداد: "أريد أن أجتمع مع سليمان الشاذكوني، فأناظره"، فذهبت به إليه، فلما دخل عليه؛ قلت له: هذا أبو زرعة الرازي؛ أراد مذاكرتك. فتذاكرا حديث أستار الكعبة وما قطع منها، فكان الشاذكوني يضع الأسانيد في الوقت، ويذاكره بها، فتحيَّر أبو زرعة، وسكت، فلما قمنا من عنده قال لي أبو زرعة: "اغتممتُ -والله- مما فعل هذا الشيخ!"، فقلت له: هذه الأحاديث وَضَعَها الساعةَ، ولو ذاكرته بشيءٍ آخر لوضع مثلها»[21].

 

3- الأداء من الحفظ، إلا حال الكتابة عن المحدث في المذاكرة:

فالأداء من الحفظ هو الأصل في المذاكرة؛ حيث إنها من وسائل ضبط المحفوظ وتثبيته، وهذا لا يتأتى إلا بالتحديث حفظًا.

ولذا؛ فقد كانوا يمتدحون الشيخَ بقوَّة حفظه عند المذاكرة، وبجودة مذاكرته وحُسنها، وبعجز أقرانه عن مذاكرته.

 

روي عن محمد بن بشار (بندار)، قال: «ما بَكَيتُ على أحدٍ من المحدثين ما بَكَيتُ على أبي داود الطيالسي...؛ لِمَا كان من حفظه ومعرفته وحُسن مذاكرته»[22].

 

وقال عبدالرحمن بن مهدي: «لما قدم سفيان البصرة قال لي: "يا عبدالرحمن، جئني بإنسان أذاكره"، فأتيته بيحيى بن سعيد، فذاكره، فلما خرج قال لي: "يا عبدالرحمن، قلت لك: جئني بإنسان؛ فجئتني بشيطان!"»[23]، قال الذهبي: «يعني: بَهَرَه حفظُه»[24].


وقال صالح بن محمد الأسدي (جزرة): «أعلم مَن أدركتُ بالحديث وعلله: علي بن المديني، وأعلمهم بتصحيف المشايخ: يحيى بن معين، وأحفظهم عند المذاكرة: أبو بكر ابن أبي شيبة»[25].

وفي مذاكرة الشاذكوني وأبي زرعة الرازي -التي مرَّ طرفٌ منها-: «فما زال يذاكره، حتى عجز الشاذكوني عن حفظه»[26].

 

وقال أحمد بن خالد بن الحروري: «دخل أبو زرعة بغداد متوجهًا إلى الحج، واجتمع إليه الحفاظ يذاكرونه، وهو يجيب ويغلبهم في المذاكرة، حتى عجزوا عن مذاكرته...»[27].

 

وقال الحاكم: «سألت أبا علي الحافظ عن عبدالله بن محمد بن وهب الدينوري، فقال: "كان صاحب حديثٍ حافظًا"، ثم قال أبو علي: "بلغني أن أبا زرعة كان يعجز عن مذاكرته في زمانه"»[28].

 

وقال أحمد بن الخضر الشافعي: «قدم علينا أبو علي عبدالله بن محمد بن علي الحافظ البلخي حاجًّا، فعجز أهل بلدنا عن مذاكرته؛ لحفظه...»[29].

وفي حكاية مذاكرة أبي القاسم الطبراني وأبي بكر الجعابي -وقد مرَّت-، قال الوزير ابن العميد: «فكان الطبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه».

كما كانوا يتكلمون في حديث بعض الرواة في المذاكرة؛ لدخول الوهم عليهم من جهة حفظهم.


وقال ابن حبان: «كان داود بن الزبرقان شيخًا صالحًا، يحفظ الحديث، ويذاكر به، ولكنه كان يَهِم في المذاكرة، ويغلط في الرواية إذا حدث من حفظه، ويأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم...»[30].

ولذا؛ فإن سُوقَ أصحاب حفظ الكُتُب دون حفظ الصَّدر لا يَنفَقُ في المذاكرة.

 

قال الحميدي -في عبدالعزيز بن محمد الدراوردي-: «وقد كان يُذاكِر بالحديث مما ليس عنده، فيتهاونون به[31]، ويقولون: "هذا مما لم يكن في كتبه"، ويُذاكِر بالشيء المرفوع، فيقولون: "هذا في أصل كتابه منقطع"»[32]، ومعروفٌ أن الدراوردي سيئ الحفظ، صحيح الكتاب[33].

 

وقال يحيى بن سعيد القطان -في عبدالواحد بن زياد-: «كنا نجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة، فأذاكره حديث الأعمش، لا يعرف منه حرفًا»[34]، قال ابن حجر: «وهذا غير قادح؛ لأنه كان صاحب كتاب»[35].

 

وقال عبدالرحمن بن مهدي قال: «ذاكرني أبو عوانة بحديث، فقلت: ليس هذا من حديثك، فقال: "لا تفعل يا أبا سعيد، هو عندي مكتوب!"، قلت: فهاته. قال: "يا سلامة، هاتي الدَّرج[36]، ففتَّش، فلم يجد شيئًا...»[37]، وأبو عوانة كان صاحب كتاب، وإذا حدث من حفظه أخطأ[38].


وقال أبو حاتم الرازي -في سياق إنكار حديثٍ رواه سعدان، عن يونس، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعًا-: «سعدان أرى أنه سمع من يونس بمكة أو المدينة، ويونس لم يكن معه كتبه؛ قال وكيع: "رأيت يونسَ بن يزيد بمكة، فجهدت أن يقيم لي إسناد حديث؛ فلم يُقِمه"، فنرى أن سعدان سمع منه بمكة...»[39].

 

فإذا أراد أحد المُذاكِرين كتابةَ الحديث عنه، فإن المتحري من المحدثين لا يحدثه إلا من كتابه -كما سيأتي في المسألة التالية (التحمُّل في المذاكرة)-.

وربما جرت المذاكرة من أصلها من الكتب، ولعله قليلٌ.

 

قال أبو زرعة الرازي: «لما قدمت من مصر؛ مررت به -يعني: سويد بن سعيد-، فأقمت عنده، فقلت: إن عندي أحاديث لابن وهب عن ضمام؛ ليست عندك. فقال: "ذاكِرني بها"، فأخرجت الكتب، وأقبلت أذاكره...»[40].

 

3- ومن عادتهم في المذاكرة: التنبيه على أخطاء الرواة فيها:

مرَّ قول عبدالرحمن بن مهدي: «ذاكرني أبو عوانة بحديث، فقلت: ليس هذا من حديثك...».

 

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: «دخلت مسجد الخيف، فإذا وكيع وعبدالرحمن بن مهدي يتذاكران، فقلت: حدثنا سفيان، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾؛ قال: "مَنْ رضخ". فأنكره عبدالرحمن...»[41].

وقال الميموني: ذاكروا أبا عبدالله -يعني: أحمد بن حنبل- بحديثٍ وأنا حاضر، فقال: «مَن روى ذا؟! ذا كذب»[42].

 

وفي حكاية مذاكرة أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح، قال ابن زنجويه: «إلى أن قال أحمد بن حنبل لأحمد بن صالح: "عند الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبدالرحمن بن عوف، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما يسرُّني أن لي حمر النعم، وأن لي حلف المطيبين»". فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: "أنت الأستاذ وتذكر مثل هذا!"»[43].

وقال أبو زرعة الرازي: «ذاكرني القاسم بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون، عن أبي مالك، الأشجعي، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة»، فقلت له: ليس هذا من حديث يزيد بن هارون، إنما هذا حديث خلف بن خليفة...»[44].

وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم: «حضر عند أبي زرعة محمدُ بن مسلم، والفضل بن العباس (المعروف بالصائغ)، فجرى بينهم مذاكرة، فذكر محمد بن مسلم حديثًا، فأنكر فضل الصائغ، فقال: "با أبا عبدالله، ليس هكذا هو"، فقال: "كيف هو؟"، فذكر روايةً أخرى، فقال محمد بن مسلم: "بل الصحيح ما قلتُ، والخطأ ما قلتَ"...»[45].

 

وفي حكاية مذاكرة أبي حاتم ومحمد بن مسلم عند الوالي -وسبق طرفٌ منها-، قال أبو حاتم: «فقال -يعني: محمد بن مسلم-: "حدثنا أبو نعيم، نا سفيان، عن عبدالله بن عيسى، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وإن الرجل...»"، وذكر الحديث. فقلت: ليس إسناده كما ذكرتَ. قال: "لمَ؟"، قلت: ليس هو سالم بن أبي الجعد. فقال: "هو عبيد بن أبي الجعد"، قلت: ولا هو عبيد. فقال: "من هو؟"، وجعل يكرر: "سالم بن أبي الجعد، عبيد بن أبي الجعد، عبيد بن أبي الجعد"، فكرر: "مَنْ؟ مَنْ؟"، فقال الأمير: "لا تخبره"، فسكت ساعة، فجعل يجهد أن يقع عليه، فلم يقع عليه، فقال الأمير: "أخبره الآن"، قلت: عبدالله بن أبي الجعد، عن ثوبان. قال: "صدقت، هو عبدالله بن أبي الجعد"»[46].

 

وقال ابن خزيمة: «لما دخلت بخارى، ففي أول مجلسٍ حضرتُ مجلس الأمير إسماعيل بن أحمد، في جماعةٍ من أهل العلم، فذُكِرَت بحضرته أحاديث، فقال الأمير: "حدثنا أبي، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أمتي أمة مرحومة...» الحديث". فقلت: أيَّد الله الأمير، ما حَدَّث بهذا الحديث أنس، ولا حميد، ولا يزيد بن هارون. فسكت، وقال: "وكيف؟"، قلت: هذا حديث أبي موسى الأشعري، ومداره عليه. فلما قمنا من المجلس قال لي أبو علي صالح بن محمد البغدادي: "يا أبا بكر، جزاك الله خيرًا؛ فإنه قد ذكر لنا هذا الإسنادَ غير مرة، ولم يجسر واحدٌ منا أن يردَّه عليه"»[47].

 

وقال الحاكم: «كان أبو علي النيسابوري لا يُسامح في المذاكرة، بل يواجه بالرد في الملأ»[48].

 

4- التحاكم إلى الكتب والحفاظ حال الاختلاف:

قال ابن المديني: «كنت إذا قدمت إلى بغداد منذ أربعين سنة؛ كان الذي يذاكرني: أحمد بن حنبل، فربما اختلفنا في الشيء، فنسأل أبا زكريا يحيى بن معين، فيقوم فيخرجه، ما كان أعرفه بموضع حديثه!»[49].

 

قال حماد بن زيد: «سمعت أيوب ويحيى بن عتيق وهشامًا يتذاكرون حديثَ محمد، فذكروا حديثًا، فقال أيوب: "هو كذا"، وخالفه هشام ويحيى، ثم لم يقوما حتى رجعا إلى حفظ أيوب...»[50].

 

قال عفان: «حدثنا يومًا همام، فقلت له: إن يزيد بن زريع حدثنا عن سعيد، عن قتادة، ذكر خلاف ذلك الحديث، فذهب فنظر في الكتاب، ثم جاء، فقال: "يا عفان، ألا تراني أخطئ وأنا لا أعلم؟"»[51].

 

وفي مذاكرة محمد بن مسلم وفضل الصائغ حيث اختلفا -وسبق طرفٌ منها-، قال ابن أبي حاتم: «قال فضل: "فأبو زرعة الحاكم بيننا"، فقال محمد بن مسلم لأبي زرعة: "أيش تقول؟ أينا المخطئ؟"، فسكت أبو زرعة ولم يجب، فقال محمد بن مسلم: "ما لك سكتَّ؟ تكلَّم"، فجعل أبو زرعة يتغافل، فألحَّ عليه محمد بن مسلم، وقال: "لا أعرف لسكوتك معنى، إن كنت أنا المخطئ فأَخبِر، وإن كان هو المخطئ فأَخبِر". فقال: "هاتوا أبا القاسم ابنَ أخي"، فدُعِيَ به، فقال: "اذهب وادخل بيت الكتب، فدع القمطر الأول، والقمطر الثاني، والقمطر الثالث، وعدَّ ستة عشر جزءًا، وائتني بالجزء السابع عشر"، فذهب، فجاء بالدفتر، فدفعه إليه، فأخذ أبو زرعة، فتصفَّح الأوراق، وأخرج الحديث، ودفعه إلى محمد بن مسلم، فقرأه محمد بن مسلم، فقال: "نعم، غلطنا، فكان ماذا؟"»[52].

 

وقال عمرو بن علي الفلاس: «حدثنا أزهر، قال: حدثنا ابن عون، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبدالله، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خير الناس قرني». فحدثت به يحيى بنَ سعيد، فقال: "ليس في حديث ابن عون: «عن عبدالله»"، فقلت له: بلى، فيه. قال: "لا"، فقلت: إن أزهر حدثنا عن ابن عون، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبدالله. قال: "رأيت أزهر جاء بكتابه؛ وليس فيه: «عن عبدالله»"». قال عمرو بن علي: «فاختلفت إلى أزهر قريبًا من شهرين للنظر فيه، فنظر في كتابه، ثم خرج، فقال: "لم أجده إلا عن عبيدة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"»[53].

 


[1] معرفة علوم الحديث (ص203).

[2] التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (2 / 522، 523).

[3] تاريخ بغداد (4 / 343).

[4] الكامل (1 / 181)، تاريخ بغداد (4 / 197).

[5] يعني: مَنْ هذا الذي ذكر الحديث ورواه لك؟

[6] معرفة الرجال، عن يحيى بن معين وغيره، برواية ابن محرز (2 / 27)، وفي الكتاب عدة مذاكرات بين ابن معين وأبي خيثمة؛ يَعمَدان فيها إلى الإغراب على بعضهما، انظر: (2 / 22، 23، 24، 27-29، 58، 64).

[7] تاريخ بغداد (2 / 18).

[8] الجرح والتعديل (5 / 259).

[9] الجرح والتعديل (1 / 357).

[10] تاريخ دمشق (5 / 114)، يريد أنهم كانوا يتذاكرون في أحاديث العراقيين، فأغرب عليهم بأحاديث الشاميين، فلم يعرفوا منها شيئًا.

[11] الجامع (2 / 274، 275).

[12] الكامل (6 / 41)، تاريخ بغداد (12 / 457).

[13] شرف أصحاب الحديث، للخطيب (ص115).

[14] المعرفة والتاريخ (2 / 284).

[15] تاريخ بغداد (13 / 103).

[16] الجرح والتعديل (1 / 355).

[17] معرفة الرجال، برواية ابن محرز (2 / 24).

[18] معرفة الرجال، برواية ابن محرز (2 / 28). وابن علية من شيوخ يحيى، فيُنظر؛ هل حدَّثه أحدٌ عنه؟ أم أراد إعادة السائل إلى أصل كلامه الذي ذكر فيه ابنَ علية؟

[19] معرفة علوم الحديث (ص423)، وذكر الحاكم نماذج من ذلك.

[20] طبقات المحدثين بأصبهان، لأبي الشيخ الأصبهاني (2 / 124).

[21] تاريخ بغداد (9 / 46، 47)، وانظر لفظًا آخر في تاريخ دمشق، لابن عساكر (38 / 26).

[22] تاريخ بغداد (9 / 27).

[23] المجروحين (1 / 53).

[24] سير أعلام النبلاء (9 / 177).

[25] تاريخ بغداد (10 / 70).

[26] تاريخ دمشق (38 / 26).

[27] تاريخ دمشق (38 / 27).

[28] تاريخ دمشق (32 / 374).

[29] معرفة علوم الحديث (ص427).

[30] المجروحين (1 / 292).

[31] أصل التهاون بالشيء: استحقاره، والمراد: أنهم لا يرونه شيئًا صحيحًا يُنظر إليه، بل هو غلط.

[32] المعرفة والتاريخ (1 / 428).

[33] انظر: الجرح والتعديل (5 / 395، 396).

[34] ضعفاء العقيلي (3 / 55)، الكامل (5 / 300).

[35] هدي الساري (ص422).

[36] الذي يُكتب فيه -كما في لسان العرب (2 / 269)-.

[37] المجروحين (1 / 54)، الجامع (2 / 39).

[38] انظر: الجرح والتعديل (9 / 40، 41).

[39] علل ابن أبي حاتم (1 / 317)، وقَولَةُ وكيعٍ في الجرح والتعديل (1 / 224، 9 / 248)، ولم أجد فيها: «بمكة».

[40] سؤالات البرذعي (2 / 407، 408).

[41] سؤالات البرذعي (2 / 744، 745).

[42] ضعفاء العقيلي (4 / 352).

[43] الكامل (1 / 181)، تاريخ بغداد (4 / 197).

[44] سؤالات البرذعي (2 / 371، 372).

[45] الجرح والتعديل (1 / 337).

[46] الجرح والتعديل (1 / 358).

[47] معرفة علوم الحديث (ص432).

[48] سير أعلام النبلاء (14 / 170).

[49] تاريخ بغداد (14 / 182).

[50] العلل ومعرفة الرجال، برواية عبدالله (2 / 465)، المعرفة والتاريخ (2 / 232).

[51] العلل ومعرفة الرجال، برواية عبدالله (1 / 357).

[52] الجرح والتعديل (1 / 373).

[53] وربما تذاكروا بالأبواب، أو بغيرها -كما سبق في المسألة الثالثة-.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المذاكرة عند المحدثين (1 / 5)
  • المذاكرة عند المحدثين (2 / 5)
  • المذاكرة عند المحدثين (3 / 5)
  • المذاكرة عند المحدثين (5/5)
  • من اشتهر بالحفظ وقوة الذاكرة

مختارات من الشبكة

  • احرص أخي على المذاكرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أهمية مراجعة الدروس ومذاكرة المحفوظات أولا بأول(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة تحفة المسامرة وعقود المحاضرة وسحر المذاكرة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • المذاكرة في ألقاب الشعراء للنشابي الإربلي (657هـ)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • أدعية المذاكرة والامتحانات على ميزان التحقيق(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • مهارات في فن المذاكرة لتحقق النجاح(مقالة - موقع د. ناجي بن إبراهيم العرفج)
  • نصائح هامة أثناء المذاكرة(مقالة - موقع د. ناجي بن إبراهيم العرفج)
  • إذاعة مدرسية عن المذاكرة والدراسة وأهميتها(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الكسل عند المذاكرة(استشارة - الاستشارات)
  • مشكلة أثناء المذاكرة !!(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب