• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

الرقائق.. وحاجتنا إليها

د. محمد بن لطفي الصباغ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/10/2010 ميلادي - 18/11/1431 هجري

الزيارات: 47369

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الرقائق.. وحاجتنا إليها

 

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمد خاتمِ النبيِّين، وعلى آلِه الطاهِرين، وأصحابه الغُرِّ الميامِين، والتابِعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

 

أمَّا بعد:

فإنَّ موضوع "الرقائق" موضوع مهمٌّ جدًّا لشدَّة حاجتنا إليه.

"الرقائق" و"الرِّقاق": جمع "رقيقة"، وسُمِّيت النُّصوص التي يُورِدها العلماءُ في هذا الباب بهذا الاسم لأنَّ في كلٍّ منها ما يُحدِث في القلب رقةً.

وقال أهل اللغة: الرقَّة الرحمة، وهي ضدُّ الغِلَظ.

ويُقال لكثيرِ الحياء: رَقَّ وجهُه استحياءً[1].

وقال الراغب: فمتى كانَت الرقَّة في جسمٍ تضادُّها الصفاقة، نحو: ثوب رقيق، وثوب صفيق، ومتى كانت في نفس تضادُّها الجفوة والقسوة، يُقال: فلان رقيق القلب، وفلان قاسي القلب[2].

 

والنُّصوص التي يُمكِن أن يُطلق عليها أنها من الرقائق كثيرةٌ جِدًّا، يأتي في مَطلَعِها آياتٌ كريمة من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - وأحاديث شريفة من كلام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأخبار وروايات تقصُّ أحوالَ نخبةٍ من الأبرار الصالحين من الصحابة والتابعين، والأئمَّة المتبوعين، والدُّعاة الصالحين، وكلمات مُضِيئة للعارفين نثرًا وشعرًا.

 

ومعلومٌ أنَّ للنُّصوص الشعريَّة والنثريَّة البليغة تأثيرًا في القلوب؛ يقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ من البيان لسحرًا))[3]، وأنَّ لذلك كله أثرًا في تَرقِيق القلب، وإحداث اليقَظَة، وإنقاذ القلب من الغفلة.

 

وعندما يرقُّ قلب المسلم يَلِين للحق، ويتَحَقَّق له الخشوع في الصلاة، والوَرَع في سلوكه، والخوف من الله - تبارك وتعالى.

ومَن خشَع في صلاته ذاقَ طعمَ العِبادة وحَلاوتها، ومَن خاف من الله لم يُقصِّر في أداء واجِب، ولم يقع في معصية.

ومَن رَقَّ قلبُه شعرَ بحقِّ إخوانه المسلمين عليه، فلا يَرضَى أن يجوع أحدٌ منهم، فإنْ كان ميسورًا قامَ بإطعامهم، وإنْ لم يكن كذلك حَضَّ على إطعامهم، وشعرَ بمسؤوليَّته نحوَهم فأغاثهم ورَدَّ الظلمَ عنهم، وإن لم يكن قادِرًا على ذلك دعا بلسانه وقلمه إلى إغاثتهم.

 

يقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألاَ وإنَّ في الجسد مضغةً إذا صلَحَتْ صلَح الجسد كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسد الجسد كلُّه، ألاَ وهي القلب))[4].

 

والقلب الصالح هو القلب الذي سَلِمَ من الشِّرك والنِّفاق والرِّياء، والذي ليس فيه إلا محبَّة الله ومحبَّة رسوله، ومحبَّة ما يحبُّه الله ورسولُه، وليس فيه إلا خشيَة الله والخوف من الوقوع في المحرَّمات.

 

إنَّ هذا القلب السليم يجعَل تصرُّفات المسلم منضَبِطة بضوابط الشريعة وحدودها، لا تُجاوِزها ولا تَتعدَّاها، إنَّ هذا القلب هو الذي يَنفَع صاحبه يومَ القيامة، كما جاء في دُعاء سيدنا إبراهيم - عليه السلام - الذي حَكاه ربُّنا - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 87 - 89].

 

وأمَّا القلب الفاسد فهو الذي استَقرَّ فيه الشرك والنِّفاق والرِّياء، واستولى عليه حُبُّ الدنيا والشهوات، واتِّباع الهوى، واتِّباع خطوات الشيطان.

إنَّ هذا القلب الفاسد يَجعَل تصرُّفات المرء مُنحَرِفة غير مُتقيِّدة بأحكام الشريعة.

 

وقد قرَّر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الله - سبحانه - لا ينظر إلى الصُّوَر والأموال، ولكنَّه ينظر إلى القلوب والأعمال، وقرَّر أنَّ التقوى مقرُّها القلب، وذلك في الحديث الصحيح الآتي:

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا يَبِعْ بعضُكم على بَيْعِ بعض، وكونوا - عبادَ الله - إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يَظلِمْه ولا يَخذُلْه، ولا يَحقِرْه، التقوى هاهنا - ويُشِير إلى صدره ثلاث مِرار - بحسب امرئٍ من الشر أن يَحقِر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمُه، ومالُه، وعِرضُه، إنَّ الله لا ينظر إلى صُوَرِكم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))[5].

والقلوب تقسو وتَلِين.

 

• إنها تقسو بالغفلة والإعراض عن شرع الله، والوقوع في المعاصي والإصرار عليها، ومجالسة الأشرار والفُسَّاق؛ قال الله - تعالى - مُخاطبًا اليهود: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74].

وقال - تعالى -: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22].

 

• وإنها لَتَلِين وتطمئنُّ بذكر الله وبالإيمان، وبقراءة القرآن، ومجالسة الأخيار الصالحين؛ قال الله - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

والله - تعالى -: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23].

 

إنَّ ممَّا يُوضِّح لنا قسوةَ قلوب الكفَّار حتى غَدَتْ كالحجارة أو أشد قسوة - ما نشهَدُه اليومَ من تصرُّفات أعداء الله من اليهود والنصارى نحوَنا نحن المسلمين.

كم قتلوا من المسلمين! وكم نكلوا بهم!

كم قتلوا من المسلمين المحاصَرين في غزة! لقد قتلوهم بالقنابل، وبالأسلحة المحرَّمة دوليًّا، وبالحِصار الجائر يُرِيدون به نشرَ المجاعة فيهم، وتَفاقُم أمراض المرضى من أطفالهم ورجالهم ونسائهم!

كم قتل النصارى من المسلمين في البوسنة والهرسك!

كم قتَلُوا في العِراق وأفغانستان، وباكستان والشيشان!

وما زالوا يَقتُلون ويَذبَحُون الأطفال والنِّساء، والشباب والشيب، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

ولنَعُد إلى أنفسنا نحن المسلمين.

 

ألا نَشكُو من قسوة القلوب؟ إنَّ واقع كثيرٍ من المسلمين اليوم واقعٌ تُسَيطِر فيه الدنيا على القلوب والأفكار، فلا يَكادُون يُفكِّرون في أمرٍ غير الدنيا.

 

إنهم يُفَكِّرون في الحصول على المال الوافِر، والمسكن الفاخر، والطعام الطيِّب، والسيَّارات الفخمة، ويَعمَلون جاهِدين على تأمين المستقبل الزاهر لأولادهم الذي لا يرَوْنَه إلاَّ في تحصيل الدنيا... إنهم يَرغَبون أن يتعلَّم أولادهم ليكونوا أطبَّاء أو مهندسين أو رجال أعمال يملِكون المليارات، ولا شيءَ بعد ذلك، وهذا هو الذي خَشِيَه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

فلقد جاءَه مالٌ من البحرين، فسَمِع الناس بذلك، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلمَّا صلَّى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - انصَرَف فتعرَّضوا له، فتبَسَّم حين رآهم ثم قال: ((أظنُّكم سمعتُم أنَّ أبا عبيدة قَدِمَ بشيءٍ من البحرين؟))، فقالوا: أجل يا رسول الله، فقال: ((أَبشِروا وأمِّلوا ما يَسُرُّكم، فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكنِّي أخشى أن تُبسَط الدنيا عليكم كما بُسِطَتْ على مَن كان قبلَكم، فتنافَسُوها كما تنافَسُوها، فتُهلِككم كما أهلكَتْهم))[6].

إنَّ الاشتِغال بالدنيا ونسيان الآخرة يُورِث قسوةً في القلب ووقوعًا في المعاصي، وذلك يَقُود إلى الشقاء المحقَّق.

 

فما أجدَرَ المسلمَ الذي يُرِيد الفوزَ والنَّجاة في الآخِرة أن يُسارِع إلى التوبة! ما أجدَرَه أن يخشى من عذاب الله، وأن يُحاسِب نفسَه قبل أن يُحاسَب، ما أجدَرَه أن يعمل للآخِرَة؛ ذلك لأنَّ البقاء في الدنيا قليلٌ مهما طال، ولأنَّ الآخِرة هي دار الخلود والقَرار، والمصير إمَّا إلى نعيمٍ مقيم، وإمَّا إلى جحيمٍ أليم؛ قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ﴾ [الانفطار: 13 - 16].

 

إنَّ علينا أن نتذكَّر ونذكِّر مَن حولنا بحقيقة الدنيا التافِهَة الزائلة، إنَّ علينا أن نتذكَّر ونذكِّر مَن حولنا بأنَّ علينا رقيبًا لا تَفُوتُه حركة ولا سكنة، ولا نظرة ولا همسة.

 

قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12]، وقال - سبحانه -: ﴿ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 17 - 18].

 

إنَّ علينا أن نُذَكِّر أنفسنا ومَن حولنا بأنَّ أعضاءنا ستَشهَد علينا يوم القيامة؛ قال - تعالى -: ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [فصلت: 20 - 21].

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65].

 

إنَّ الذي يَذكُر ذلك ويستَحضِره سيكون رقيقَ القلب، عظيمَ الخشية من الله، ويَعُدُّ لذاك اليوم عدته، يُؤتَى كلُّ عبد كتابه؛ قال - تعالى -: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].

 

إنَّ كلَّ واحدٍ من بني آدَم مُعرَّض للوقوع في الذنب، فعلى المسلمِ إذا وقَع في ذنب أن يُسارِع إلى التوبة والاستغفار؛ قال - تعالى -: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾[آل عمران: 133 - 136].

 

أمَّا إذا لم يُسارِع العبدُ المُذنِبُ إلى التوبةِ، وعاد إلى الذنب يعلو قلبه الرَّان؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ العبد إذا أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإنْ تاب صقل قلبه، وإنْ زاد زادت؛ فذلك قوله الله - تعالى -: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))[7].

وقال الحسن البصري: ﴿ الرَّان ﴾: هو الذنب على الذنب حتى يعمَى القلب فيموت.

 

فنحن بحاجةٍ إلى مُذَكِّرين يعمَلُون على ترقيق القلوب:

- نحن بحاجة إلى مُذكِّرين للمُذنِبين، يُوقِظون الإيمان في قلوبهم، ويُذكِّرونهم بأنَّ الله يغفر الذنوب جميعًا مهما عَظُمَتْ هذه الذنوب إذا صدَق العبد في التوبة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

 

- ونحن بحاجةٍ أيضًا إلى مُذكِّرين للصالحين يُذكِّرونهم بنعمة الله عليهم، وبآياته التي تُرقِّق القلوب، ويحضُّونهم على الاستِمرار في طريق الهدى، ويحذِّرونهم من الانحراف ويبشِّرونهم بالجنة؛ قال - تعالى -: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 17 - 18].

 

كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَعِظُ أصحابه المواعظ المؤثِّرة التي يَظهَر أثَرُها على الصَّحْبِ الكرام، حتى تذرف منهم العيون، وتَوجَل منهم القلوب.

عن العرباض بن سارِيَة - رضِي الله عنه - قال: وعَظَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - موعظةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودِّعٍ فأوصنا، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أُوصِيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة...))[8].

ويقول أنس: خطَبَنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خطبةً ما سمعت مثلَها قَطُّ فقال: ((لو تَعلَمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتُم كثيرًا))، فغطَّى أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجوههم ولهم خنين[9].

 

وقد ذكَر كتاب الله أن من صفات المؤمنين أنهم إذا ذُكِّروا بآيات القرآن خَرُّوا سجدًّا وبُكيًّا؛ قال - سبحانه -: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [السجدة: 15].

 

وقد حذَّرَنا ربُّنا - سبحانه - من أن نكون مثل أهل الكتاب الذين قَسَتْ قلوبهم فقال: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].

 

ومن المُفِيد أن نَذكُر بعضَ الكتب والبحوث التي أُلِّفت في الرقائق:

ومن أنفَعِها ما ذكَرَه البخاري في "صحيحه" في كتاب الرِّقاق، وكذلك ما ذكَرَتْ كُتُب السنَّة الأخرى، ومن هذه الكتب كتاب "الترغيب والترهيب"؛ للإمام المنذري، وكتاب "رياض الصالحين"؛ للإمام النووي.

ومنها كتاب "الزهد"؛ للإمام أحمد، وكتاب "الزهد"؛ لعبدالله بن المبارك، والكُتُب التي بهذا العنوان.

ومنها الكُتُب التي ألَّفَها الحافظ ابن أبي الدنيا في الموضوع، وهي كثيرةٌ، منها: "الورع"، و"محاسبة النفس"، و"ذمُّ الدنيا"، و"التوكُّل على الله"، و"الشكر"، و"المرض والكفَّارات"، و"الإخلاص والنيَّة"، و"أهوال يوم القيامة"، و"حسن الظن بالله"، و"ذمُّ الملاهي"، و"الرِّضا عن الله والصبر على قضائه"، و"صفة الجنة وما أعدَّ الله لأهلها من النعيم"، و"قصر الأمل"، وكلها مطبوعة.

ومنها كتاب "الرقة والبكاء"، وكتاب "التوابين"؛ وكلاهما لابن قدامة.

 

وآخِر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



[1] انظر: "فتح الباري" 11/229.

[2] "المفردات" مادة: رق.

[3] رواه البخاري برقم (5146)، ومسلم برقم (869).

[4] رواه البخاري برقم (52)، ومسلم برقم (1599).

[5] رواه مسلم  برقم (2564).

[6] رواه البخاري برقم (3158)، ومسلم برقم (2961).

[7] رواه الترمذي برقم (3334)، وابن ماجه برقم (4244).

[8] رواه أبو داود برقم (4607)، والترمذي برقم (2676).

[9] رواه البخاري برقم (540)، ومسلم برقم (2359)، والخنين هو البكاء مع غنّة وانتشاق الصوت من الأنف.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الزهد في الدنيا
  • من لآلئ القلوب: الصِّدق
  • من لآلئ القلوب: التواضُع
  • من لآلئ القلوب: التسامح
  • من لآلئ القلوب: الوفاء
  • من لآلئ القلوب: الحنان
  • سلامة القلوب
  • أعمال القلوب
  • الزهد طريق المرسلين
  • خطبة جمعة بعنوان: (الزهد في الدنيا)
  • شكر النعم ومحاسبة النفس
  • الرِّفقُ والأناةُ
  • الدعوة إلى الأخلاق الكريمة
  • محاسبة النفس ومعاتبتها
  • من نفحات الربانية
  • رقائق من المحنة
  • رقائق منتقاة من مصنفات العلامة ابن عثيمين رحمه الله

مختارات من الشبكة

  • رقائق من أقوال السلف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرقائق والأحكام على أحاديث الصيام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى الفوائد: العلم - العقيدة - الرقائق - الدعوة إلى السنة - الأدب واحة العلماء - الفتاوى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • البداية في علم الرقائق (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • من الدرر البازية: رقائق ومواعظ للقلوب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من رقائق رمضان (نعمة الهواء)(مقالة - ملفات خاصة)
  • من رقائق رمضان (فضل صلة الأرحام)(مقالة - ملفات خاصة)
  • من رقائق رمضان (منح بعد رمضان)(مقالة - ملفات خاصة)
  • عبقرية الإمام البخاري في تهذيب النفس: التعليق على كتاب الرقائق للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله (PDF)(كتاب - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • للقلوب الرقيقة "خواطر وتأملات إيمانية"(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب