• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

البدور السافرة في نفي انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة (1 / 6)

أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/10/2010 ميلادي - 1/11/1431 هجري

الزيارات: 31224

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

البدور السافرة في نفي انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة

(1/ 6)

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].

 

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهَدْي هدي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشر الأمور مُحْدثاتها، وكل محْدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

 

هذا هو الكتاب الثَّاني من سلسلة: "وإذا قلتم فاعدلوا"[1]، نعرض فيه بالعدل والإنصاف لمسألة انتساب الحافظ ابن حجر - رحمه الله - للأشاعرة، والتي دَنْدَن حولها الكثيرون تأصيلاً وتلميحًا، حتى قال قائلهم: "يَنبغي أن يُدرِك كلُّ مسلم على وجه الأرض أن السَّادة الأشاعرة يمثِّلون علماء وأئمَّة المسلمين على مرِّ العصور والدهور، طوال فترة مائتين وألف سنة تقريبًا، وهم أعلام أئمة الهدى، الذابُّون عن حمى العقيدة الإسلامية الصَّحيحة، والفقه الإسلامي، وحياض الكتاب والسُّنة المطهَّرة، وهم جماهير الحُفَّاظ والمحدِّثين وشُرَّاح الصحيحين والسُّنن، وعلى رأسهم الإمام الحافظ النووي - رحمه الله - شارح "صحيح مسلم"، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - شارح "صحيح البخاري"، وغيرهم كثير وكثير".ا هـ

 

وهذا الكلام فيه نظر عريض، سوف نبيِّنه في ثنايا هذا الكتاب عند تحرير مَن هم الأشاعرة؟ وهل هم أهل السُّنَّة؟

وسيَلحظ القارئ حرصي على الإنصاف، وعرْضِ المسألة بتأصيل عِلمي نحتاج إليه في عصرنا؛ حيث افتَقَدَتْ كتابات كثيرة إلى الموضوعية، وسادت فيها الحزبيَّة والعصبيَّة المذمومة، وامتلأت بالسَّبِّ والشتم، فزادت كلَّ متعصِّب تعصُّبًا لما هو عليه.

واللهَ أسأل أن يوفِّقني إلى الصواب، فما كان من خطأ فمنِّي ومن الشيطان، وما كان من صواب فمن الله، وما توفيقي إلا بالله.

 

 

خطة البحث

قسَّمت البحث إلى مقدمة، وفصلين، وخاتمة:

• المقدمة:

تتكوَّن من عدة مباحث:

• المبحث الأول: ترجمة الحافظ ابن حجر.

• المبحث الثاني: التعريف بالأشاعرة.

• المبحث الثالث: هل الأشاعرة من أهل السُّنَّة؟

• المبحث الرابع: سبب نسبة كثير من العلماء للأشاعرة.

• المبحث الخامس: بيان مساحة الاختلاف والاتفاق بين الأشاعرة وأهل السُّنَّة.

• المبحث السادس: أسباب انتشار المذهب الأشعري.

 

• الفصل الأول:

نفي انتساب الحافظ ابن حجر إلى الأشاعرة.

• الفصل الثاني:

المسائل التي خالف فيها الحافظ ابن حجر أهل السُّنَّة.

 

• خاتمة:

وفيها مجمل الكتاب.

 

المبحث الأول

ترجمة الحافظ ابن حجر

هو: أحمدُ بن عليِّ بنِ محمد بن محمَّد بن عليِّ بن محمود بن أحمد بن أحمد.

الإمامُ الحافظ، الشِّهاب، أبو الفضل، الكناني، العسقلاني، المِصْري، ثم القاهري الشَّافعي.

ويُعرَف بـ: "ابن حجر"، وهو لقَبٌ لبعض آبائه.

 

وُلِد في ثاني عشري شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بمصر، ونَشأ بها يتيمًا في كنف أحد أوصيائه: الزَّكي الخروبي، فحفظ القرآن، وهو ابن تِسْع عند الصَّدر السفطي شارح "مختصر التبريزي"، وصلى به على العادة بمكَّة؛ حيث كان مع وصيِّه بها، و"العمدة"، و"ألفية ابن العراقي"، و"الحاوي الصَّغير"، و"مختصر ابن الحاجب" الأصلي، و"المُلْحة" وغيرها.

 

وبحَثَ في صغره - وهو بمكَّة - "العمدة" على أبي حامِدٍ محمَّد بن ظهيرة، ثم قرأ على الصَّدر الإبشيطي بالقاهرة شيئًا من العلم، وبعد بُلوغه لازم أحد أوصيائه الشَّمس بن القطان في الفقه والعربيَّة والحساب، وغيرها، وقرأ عليه جانبًا كبيرًا من الحاوي، وكذا لازم في الفقه والعربية النور الآدمي، وتفقَّه بـ: "الإبناسي"، بحث عليه في "المنهاج" وغيره، وأكثَرَ مِن ملازمته أيضًا؛ لاختصاصه بأبيه، وبـ "البلقيني" لازَمه مُدَّة، وحضر دروسه الفقهية، وقرأ عليه الكثير من "الرَّوضة"، ومن كلامه على حواشيها، وسمع عليه بقراءة "الشمس البرماوي" في "مختصر المُزَني"، وبـ "ابن المُلقّن" قرأ عليه قطعة كبيرة من شرحه الكبير على "المنهاج"، ولازم العِزَّ بن جماعة في غالب العلوم التي كان يُقْرِئها دهرًا.

 

ومما أَخذه عنه في شرح "المنهاج" الأصلي، وفي "جمع الجوامع"، وشرحه للعزِّ، وفي المختصر الأصلي والنصف الأول من شرحه لـ: "العضد"، وفي "المُطوَّل"، وعلَّق عنه بخطِّه أكثر من شرح "جَمْع الجوامع"، وحضر دروس الهمام الخوارزمي، ومن قَبْله دروس قنبر العجمي، وأخذ أيضًا عن البدر بن الطنبدي، وابن الصَّاحب، والشِّهاب أحمد بن عبدالله البوصيري، وعن الجمال المارداني الموقت الحاسب، واللُّغة عن المجد صاحب "القاموس"، والعربية عن الغماري والمُحبِّ ابن هشام، والأدَبَ والعَروض ونحوَهما عن البدر البشْتكِي، والكتابة عن أبي علي الزِّفتاوي، والنور البدماصي، والقراءات عن التَّنوخي قرأ عليه المحافل، وخَطب من ديوانه على المنابر؛ لبليغ نَظْمه ونثره.

 

وقد صنَّف مُعجَمًا لشيوخه، قسَّمهم فيه إلى قسمين:

القسم الأول: مَن حمَل عنه عن طريق الرِّواية.

والقسم الثاني: من حمل عنهم عن طريق الدِّراية.

 

وقسَّمهم من حيث علُوُّ السَّند إلى خمس طبقات، ثم رتَّبهم، كلٌّ في طبَقتِه، على حروف المعجم، وذكر في ترجمة كلِّ واحد منهم ما سمعه منه، وسماه: "المُعجَم المؤسس بالمعجم المفهرس".

 

وكان مصمِّمًا على عدم دخوله في القضاء، حتى إنه لم يوافق الصَّدر المناوي لَمَّا عرض عليه النِّيابة عنه عليها؛ ثم قُدِّر أن المؤيد ولاَّه الحُكْم في بعض القضايا، ولزم من ذلك النِّيابة، ولكنَّه لم يتوجَّه إليها، ولا انتدب لها إلى أن عرَض عليه الاستقلال به، وألزم من أجابه بقبوله فقَبِل، واستقرَّ في المحرَّم سنة سبع وعشرين بعد أن كان عُرِض عليه في أيام المؤيد فمَن دُونه وهو يَأبى، وتزايد ندَمُه على القبول؛ لِعَدم فَرْق أرباب الدولة بين العلماء وغيرهم، ومبالغتهم في اللَّوم لردِّ إشاراتهم، وإن لم تكن على وَفْق الحقِّ؛ بل يُعادون على ذلك، واحتياجه لِمُداراة كبيرهم وصغيرهم؛ بحيث لا يُمْكنه مع ذلك القيام بكل ما يرومونه على وجه العدل، وصرَّح بأنه جنى على نفسه بتقَلُّد أمْرِهم، وأنَّ بعضهم ارتحَل للقائه، وبلَغَه في أثناء توجُّهِه تلَبُّسُه بوظيفة القضاء، فرجع، ولم يلبث أن صرف ثم أُعيد، ولا زال كذلك إلى أن أخْلَص في الإقلاع عنه عَقِب صَرْفه في جُمادى الثانية سنة اثنتين وخمسين بعد زيادة مُدَد قضائه على إحدى وعشرين سنة، وزَهِد في القضاء زهدًا تامًّا؛ لكثْرة ما توالى عليه من الأنكاد والمِحَن بسببه، وصرَّح بأنه لم تَبْق في بدنه شعرة تَقْبل اسمه.

 

ودرَّس العلوم الشرعية في أماكن ثابتة:

• درَّس التفسير بـ "الحسنية"، و"المنصوريَّة"، والحديث بـ "البيبرسية"، و"الجمالية المستجدة" و"الحسنية"، و"الزينية"، و"الشيخونية"، و"جامع طولون"، و"القبَّة المنصورية".

• والإسماع بـ: "المحمودية".

• والفقه بـ: "الخروبية البدرية" بمصر، و"الشريفية الفخرية"، و"الشيخونية"، و"الصالحية النجمية"، و"الصلاحية" المجاورة للشافعي، و"المؤيدية".

ووَلِي مشيخة "البيبرسية" ونظرها، والإفتاء بدار العدل، والخطابة بـ "جامع الأزهر"، ثم بـ "جامع عمرو"، وخزن الكتب بالمحمودية، وأشياء غير ذلك مما لم يجتمع له في آن واحد.

 

وأَملى ما يَنِيف على ألف مجلس مِن حِفْظه، واشتهر ذِكْره، وبَعُد صِيته، وارتحل الأئمَّة إليه، وتبَجَّح الأعيان بالوفود عليه، وكَثُرت طلبته حتى كان رؤوسُ العلماء من كلِّ مذهب من تلامذته، وأخَذ الناس عنه طبقة بعد أخرى، وأَلْحَق الأبناءَ بالآباء والأحفاد، بل وأبناءهم بالأجداد، ولم يجتمع عند أحمد مجموعهم، وقهَرَهم بذكائه، وتفوُّق تصوُّرِه، وسرعة إدراكه، واتِّساع نظره، ووفور آدابه؛ وامتدَحَه الكبار، وتبَجَّح فحول الشُّعراء بمطارحته، وطارت فتواه التي لا يمكن دخولها تحت الحصر في الآفاق، وحدَّث بأكثر مروياته، خصوصًا المطوَّلات منها، كلُّ ذلك مع شِدَّة تواضعه وحِلْمه وبهائه، وتحرِّيه في مأكله ومشربه وملبسه، وصيامه وقيامه وبَذْله، وحُسْن عِشْرته، ومَزيد مُداراته، ولذيذ محاضراته، ورَضِيِّ أخلاقه، وميله لأهل الفضائل، وإنصافه في البحث، ورجوعه إلى الحقِّ، وخصاله التي لم تجتمع لأحد من أهل عصره؛ وقد شهد له القُدَماء بالحفظ والثِّقة والأمانة، والمعرفة التامَّة، والذِّهن الوَقَّاد، والذَّكاء المُفْرِط، وسَعَة العلم في فنون شتىَّ.

 

قال شمس الدِّين السَّخاوي: "ومَحاسِنُه جَمَّة، وما عسى أن أقول في هذا المختصر؟ أو مَن أنا حتى يُعرِّف بمثله؟ خصوصًا وقد ترجمَهُ من الأعيان في التَّصانيف المتداولة بالأيدي التقيُّ الفاسيُّ في "ذيل التقييد"، والبدرُ البشتكي في "طبقاته للشعراء"، والتقي المقريزي في كتابه "العقود الفريدة"، والعلاء بن خطيب الناصرية في "ذيل تاريخ حَلَب"، والشمس بن ناصر الدِّين في "توضيح المشْتَبِه"، والتقي بن قاضي شهبة في "تاريخه"، والبرهان الحلبي في بعض مجاميعه، والتَّقيُّ بن فهد المكي في "ذيل طبقات الحُفَّاظ"، والقطب الخيضري في "طبقات الشافعية"، وجماعةٌ من أصحابنا، كابن فهد النجم في معاجيمهم، وغير واحد في "الوفيات"، وهو نفسه في "رفع الإِصْر"، وكفَى بذلك فخْرًا، وتجاسَرْتُ فأوردتُه في: "مُعجَمِي"، و"الوفيات"، و"ذيل القضاة"؛ بل وأفردتُ له ترجمة حافلة لا تَفِي ببعض أحواله في مجلَّد ضخم أو مجلَّدين، كتبها الأئمة عنِّي، وانتشرت نُسَخُها، وحَدَّثَت بها الأكابر غير مرَّة بكلٍّ من مكَّة والقاهرة، وأرجو - كما شهد به غير واحد - أن تكون غايةً في بابها، سمَّيتُها: "الجواهر والدُّرَر".

 

وقد قرأتُ عليه الكثير جدًّا من تصانيفه ومرويَّاته؛ بحيث لا أعلم مَن شاركني في مجموعها، وكان - رحمه الله - يودُّني كثيرًا، ويُنوِّه بذِكْري في غيبتي مع صِغَرِ سنِّي، حتى قال: "ليس في جماعتي مِثلُه".

وكتب لي على عدَّة من تصانيفي، وأَذِن لي في الإقراء والإفادة بخطِّه، وأمرني بتخريج حديثٍ ثم أملاه.

ولم يزل على جلالته وعظمته في النُّفوس، ومداومته على أنواع الخيرات، إلى أن تُوفِّي في أواخر ذي الحِجَّة سنة اثنتين وخمسين"؛ اهـ.

وذلك أنه حصل له إسهال مع رَمْي دم، واستمرَّ به ذلك إلى أنْ وافاه حِمَامه بُعَيد صلاة العشاء الآخِرَة من ليلة السبت، المُسْفِرة عن اليوم الثَّامن والعشرين من ذي الحِجَّة الحرام.

 

وكان له مشهد لم يَرَ مَن حضره مِن الشيوخ - فضلاً عمَّن دُونهم - مثْلَه، وشهد أميرُ المؤمنين والسُّلطان فمَن دونهما الصَّلاةَ عليه، وقدَّمَ السُّلطانُ الخليفةَ للصلاة؛ ودُفِن تُجاه تربة: "الديلمي" بالقرافة، وتزاحم الأُمَراء والأكابر على حَمْل نعشه، ومشى إلى تربته مَن لم يمشِ نصفَ مسافتها قط.

ولم يخلف بعْدَه في مجموعه مثله، ورَثاه غيرُ واحد بما مقامُه أجلُّ منه - رحمه الله وإيَّانا.

 

وكان يُحْسِن نَظْم الشِّعر، بل ويفيض شِعرُه بالحكمة، ومِن شِعره:

خَلِيلَيَّ وَلَّى العُمْرُ مِنَّا وَلَمْ نَتُبْ
وَنَنْوِي فِعَالَ الصَّالِحَاتِ وَلَكِنَّا
فَحَتَّى مَتَى نَبْنِي بُيُوتًا مَشِيدَةً
وَأَعْمَارُنَا مِنَّا تُهَدُّ وَمَا تُبْنَى

 

وقوله:

لَقَدْ آنَ أَنْ نَتَّقِي خَالِقًا
إِلَيْهِ الْمَآبُ وَمِنْهُ النُّشُورُ
فَنَحْنُ لِصَرْفِ الرَّدَى مَا لَنَا
جَمِيعًا مِنَ الْمَوْتِ وَاقٍ نَصِيرُ

 

وقوله:

سِيرُوا بِنَا لِمَتَابٍ
إِنَّ الزَّمَانَ يَسِيرُ
وَمَا بِدَارِ بَلاَءٍ
لَنَا مُجِيرٌ نَصِيرُ

 

وقوله:

أَخِي لاَ تُسَوِّفْ بِالْمَتَابِ فَقَدْ أَتَى
نَذِيرُ مَشِيبٍ لاَ يُفَارِقُهُ الْهَمُّ

 

وبَقِي لي أن أنوِّه بشيء من حُسْن خلُقِ الحافظ ابن حجَر، وتقديره لِمُخالفيه، وأنَّ الخلاف عنده لا يُفسِد للوُدِّ قضية، وهذا عند مَن يطالع ردود العلماء قليل.

 

قال ابن عبدالهادي في "الرياض اليانعة": "كان مُحبًّا للشَّيخ تقي الدين ابن تيميَّة، معظِّمًا له، جاريًا في أصول الدِّين على قاعدة المحدِّثين، ولهذه العلَّة كثير من الشافعية ينتقص حقَّه، ولا يَبْلغ به في التعظيم مَنْزلته، كفِعْلِهم ذلك مع ابن ناصر الدِّين"؛ اهـ.

 

• ثناء العلماء عليه:

• شهد له الحافظ العراقي بأنه أعلم أصحابه في الحديث، ولما سُئِل: مَن تخلف بعدَك؟ قال: ابن حجر، ثم ابني أبو زُرْعة، ثم الهيثمي.

• قال ابن تَغْري بَرْدي في "المنهل الصافي": "كان - رحمه الله - حافِظَ العصر، حافظ المَشْرِق والمغرب، أميرَ المؤمنين في الحديث، انتهت إليه رئاسة عِلْمِ الحديث من أيام شبيبته بلا مدافعة"؛ ا هـ.

• وقال ابن فهد المكي في "لحظ الألحاظ":"كان في حالة طلبه للعلم مفيدًا في زِيِّ مستفيد، إلى أَنِ انفرد في شبابه بين عُلَماء زمانه بمعرفة فنون الحديث، لا سيَّما رجاله، وما يتعلَّق بهم"؛ ا هـ.

وقال أيضًا:"كان حسَنَ الأخلاق، لطيف المعاشرة، حسَن التعبير، عديم النَّظير، لم تَرَ العيونُ مثله، ولا رأى هو مِثْلَ نفْسِه"؛ ا هـ.

• وقال كلٌّ من التَّقي الفاسي، والبرهان الحلبِي: "ما رأينا مثله".

 

• قال شهاب الدين المنصوري:

بَكَاكَ الدَّهْرُ حَتَّى النَّحْوُ أَضْحَى
مَعَ التَّصْرِيفِ بَعْدَكَ فِي جِدَالِ
وَقَدْ أَضْحَى البَدِيعُ بِلاَ بَيَانٍ
وَقَدْ سُلِقَتْ مَعَانِيهِ الغَوَالِي

 

• وقال عنه ابن طولون:

هَيْهَاتَ أَنْ يَأْتِي الزَّمَانُ بِمِثْلِهِ
إِنَّ الزَّمَانَ بِمِثْلِهِ لَبَخِيلُ
عُقِمَ النِّسَاءُ فَمَا يَلِدْنَ شَبِيهَهُ
إِنَّ النِّسَاءَ بِمِثْلِهِ لَعَقِيمُ

 

• مؤلَّفات الحافظ:

خلَّف الحافظ - رحمه الله - عددًا كبيرًا من المؤلَّفات، منها:

• فَتْح الباري، شرح صحيح البخاري:

وهو أشهر كتب الحافظ، وأجَلُّها، وهو من أجمع شروح "صحيح البخاري" وأنفَعِها، حتى قال الشَّوكاني - رحمه الله - لما سُئِل أن يشرح "صحيح البخاري": "لا هجرة بعد الفتح".

 

• هَدْي السَّاري:

وهو عبارة عن مقدِّمة تشتمل على جميع مقاصد الشَّرح، وهذه المقدِّمة نفيسة جدًّا، ورغم أنَّ الحافظ وضَعَها لبيان مسائِلَ في الشَّرح، إلاَّ أنَّها تفيد طالب الحديث عامَّة، حيث اشتملت على جملة كثيرة من القواعد والتطبيقات التي تُعِين طالب العلم عند البَحْث والمذاكرة.

 

• تَغْليق التعليق:

وصل فيه الحافظ مُعلَّقات البخاري في "صحيحه"، ولم يَفُتْه من ذلك إلاَّ القليل، وهو مِمَّا لم يُسْبَق إليه، والنَّاظر فيه يعلم سَعة اطِّلاع الحافظ، وقوَّة حفظه.

 

وقد اختصره الحافظ وسمَّاه: "التَّشويق إلى وصل المهمِّ من التعليق"، ثم اختصره، واقتصر فيه على ذِكْر الأحاديث التي لم تقع في الأصل إلاَّ مُعلَّقة، ووُصِلَت في غير الصحيح، وسَمَّاه: "التوفيق بتعليق الصَّحيح".

 

• تهذيب التهذيب:

وقد هَذَّب فيه الحافظُ كتاب "تهذيب الكمال" للحافظ المِزِّي، فحَذَف منه ما ظنَّ أنه من الإطالة، وتعَقَّبه حينًا، وزاد عليه حينًا آخر، وهو من أنفع كتب الرِّجال، ولا يَستغني عنه طالب عِلْم.

 

• تقريب التهذيب:

بناه الحافظ على كتابه "تهذيب التهذيب"، فذَكَر فيه رُواة أصحاب الكتب السِّتَّة، ممن رَوَوا لهم فيها أو في غيرها من مؤلَّفاتهم، واكتفى بذِكْر حُكْم مُجْمَل في كلِّ راوٍ، لما رأى كثيرًا من الناس لا يستطيعون الجمع بين أقوال الأئمَّة في الرُّواة، وذَكَر طبقة كلِّ راوٍ، وسنة وفاته، وما يميِّزه عن غيره في حال تَشابُه الأسماء.

 

ورغم كثرة استدراكات العلماء على هذا الكتاب، ونَقْدِهم لبعض أحكامه، إلاَّ أنَّ له مَنْزلةً عندهم، وأكاد أجزم أنَّه ما من باحث في أحوال رجال الكتب السِّتَّة إلاَّ ولا بُدَّ له أن يَرْجع إلى هذا الكتاب.

 

• الإصابة في تمييز الصَّحابة:

هو كتاب نافعٌ جامع في معرفة الصَّحابة، رتَّبَهم فيه على حروف المعجم، ثم رتَّبَ كلَّ حرف فيه إلى أربعة أقسام.

 

• إتْحاف المَهَرة بأطراف العَشَرة:

يعني: المُوطَّأ، ومُسْنَد الشافعي، ومسند أحمد، ومسند الدَّارمي، وصحيح ابن خُزَيمة، والمنْتَقى لابن الجارود، وصحيح ابن حبَّان، والمستخرج لأبي عَوانة، والمستَدْرَك للحاكم، وشرح معاني الآثار للطَّحاوي، والسُّنن للدارقطني.

وقد زاد العددُ واحدًا؛ لأنَّه لم يَعُدَّ "صحيح ابن خزيمة" فيها؛ لأنَّه لم يَصِله منه إلاَّ ربُعُه.

وقد اجْتزأ منها أطراف "مُسنَد أحمد" وأفرده، وسمَّاه: "المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي".

 

• المَطالِب العالِيَة في زوائد الثَّمانية:

وهي: مسند الطَّيالسي، ومسند مُسدَّد، ومسند الحُمَيدي، ومسند إسحاق بن راهَوَيْهِ، ومسند ابن أبي عُمَر العدني، ومسند ابن أبي شَيْبة، ومسند أحمد بن منيع، ومسند عَبْد بن حميد، ومسند الحارث بن أبي أسامة، ومسند أبي يعلى الموصلي.

وزاد في العدد اثنين؛ لأنَّ مسند إسحاق بن راهويه لا يوجد منه إلاَّ النِّصف، ومسند أبي يعلى لم يخرج منها إلاَّ رواية ابن المقري، وأمَّا رواية ابن حمدان فقد أفرد زوائِدَها الحافظُ نور الدين الهَيْثَمي في: "المَقْصِد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلِي".

 

• لسان الميزان:

أسَّسَه على كتاب "ميزان الاعتدال" للحافظ شمس الدِّين الذَّهبي، أورد فيه رجال الميزان وتعقَّبَ الذَّهبي في مواضع كثيرة، وزاد عليه عددًا كبيرًا من الرُّواة الذين فات الذَّهبيَّ إيرادُهم في مُصنَّفه، وإن كان أكثرهم من الشِّيعة المتأخِّرين، أو الذين لم يَرِدْ ذِكْرُهم في كتب أهل السُّنَّة، أو قليلي الرِّاوية في كتب أهل السُّنَّة، وكذا أورد عددًا من الشُّعراء، أو ممن لا رواية لهم.

وهذا لا يقلِّل من شأن الكتاب، بل لو جُمِع "تهذيب التهذيب"، و"تقريب التهذيب"، و"لسان الميزان"، وكلُّها للحافظ، وأضيف إليها "المغني"، لحَصَّلَ الطالب أغلَبَ رُواة الحديث، والله اعلم.

 

• تَبْصير المنْتَبِه بتحرير المُشْتَبِه: وهو مِن أجمَعِ الكتب في بابه.

• إنباء الغُمْر بأبناء العُمْر: وهو كتاب له في التاريخ.

• نُخْبة الفِكَر في مصطلح أهل الأثَر:

وهذا المؤلَّف على صِغَر حَجْمه، وقِلَّة لفظه، يُعدُّ من أهمِّ كتب المصطلح، حيث انتَهَج الحافظ فيه نهْجًا جديدًا في عَرْض مسائل المصطلح لم يكن مألوفًا قَبْلَه.

• نُزْهة النَّظَر في توضيح نُخْبة الفِكَر: وهو شرح لطيف على كتاب النُّخبة الذي ذكرتُه آنِفًا.

• المعجم المؤسس بالمعجم المفهرس.

• تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمَّة الأربعة:

يعني: مَن لم يُخرِّج لهم أصحاب الكتب السِّتة في كتبهم، والمقصود بـ: "الأئمَّة الأربعة": أبو حنيفة، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل - رحمهم الله.

• الدُّرَر الكامِنَة في أعيان المائة الثامنة.

• نُزْهة الألباب في الألقاب.

• تعريف أهل التَّقديس بمراتب الموصوفين بالتَّدليس.

• القول المُسدَّد في الذَّبِّ عن مسند الإمام أحمد.

• النُّكَت على ابن الصَّلاح.

• المُقْترب في المضْطَرِب.

• الوقوف على ما في صحيح مُسْلم من المَوْقوف.

• تسديد القَوْس على مسند الفِرْدَوْس.

• الدِّراية في تخريج أحاديث الهِداية.

• التلخيص الحَبير في تخريج أحاديث الرَّافعي الكبير.

• رَدْع المُجْرِم عن سبِّ المسْلِم.

 

وغير ذلك من المؤلَّفات الكثيرة، وقد تتبَّع د.شاكر محمود عبدالمنعم، مصنَّفات ابن حجر، في رسالته العلميَّة، والتي عنوانها: "ابن حجَر العسقلانيُّ، ودراسات مصنَّفاته ومنهجه وموارده في كتاب الإصابة"، فبلَغَت: اثنين وثمانين ومائتي مصنَّفٍ، ولم يَرْضَ الحافظ عن معظمها؛ حيث إنَّه قد كتَبَها في مقتبل عمره.

 

قال السَّخاوي: سمعتُ ابن حجر يقول: لستُ راضيًا عن شيء من تصانيفي؛ لأنِّي عَمِلتُها في ابتداء الأمر؛ ثم لم يتهَيَّأ لي من تحريرها سوى: شَرْح البخاري ومقدِّمته، والمشتبه، والتهذيب، ولسان الميزان؛ بل كان يقول: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم أتقَيَّد بالذَّهبي، ولجعَلْتُه كتابًا مبتَكَرًا، بل رأيتُه في مواضع أثْنَى على شرح البخاري، والتَّعليق، والنُّخبة.


المبحث الثاني

التعريف بالأشاعرة

الأشاعرة مذهب عقَدِي يُنسَب إلى أبي الحسن الأشعري، الذي خرج على المعتزلة بعدما كان علَمًا من أعلامها، لَمَّا اكتشف بطلان ما هُم عليه، فأراد أن يُنشِئ مذهبًا وسطًا بين المعتزلة المغالين في الاستدلال بالعقل، وبين أهل السُّنَّة المتمسِّكين بالأثر.

 

وقد اتَّخَذ الأشاعرةُ البراهين والدَّلائل العقلية والكلاميَّة وسيلةً في مُحاجَجَة خصومها من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم؛ لإِثْبات حقائق الدِّين والعقيدة الإسلامية على طريقة ابن كُلاَّب.

 

• التأسيس:

أَسَّس هذا المذهب أبو الحسن الأشعري، هو أبو الحسن عليُّ بن إسماعيل، وُلِد بالبصرة سنة 270هـ، ومرَّت حياته الفِكْرية بثلاث مراحل:

• المرحلة الأُولى: عاش فيها في كنَفِ أبي علي الجُبَّائي شيخ المعتزلة في عصره، وكان الجُبَّائيُّ متزوِّجًا من أُمِّه، فتلَقَّى عُلومَه حتى صار نائبه وموضِعَ ثقته، ولم يزَلْ أبو الحسن يتزَعَّم المعتزلة أربعين سنَة.

 

• المرحلة الثانية: ثار فيها على مَذْهب الاعتزال الذي كان يُنافح عنه، بعد أن اعْتَكَف في بيته خمْسَة عشر يومًا، يفكِّر ويَدْرس ويستخير الله - تعالى - حتى اطمأَنَّت نَفْسُه، وأعلن البراءة من الاعتزال، وخَطَّ لنفسه منهجًا جديدًا، يلجأ فيه إلى تأويل النُّصوص بما ظَنَّ أنه يَتَّفِق مع أحكام العقل، وفيها اتَّبع طريقة عبدالله بن سعيد ابن كلاب في إثبات الصِّفات السَّبع عن طريق العقل، وهي: الحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، أمَّا الصِّفات الخبرية كالوَجْه، واليدين، والقَدَم، والسَّاق، فتأَوَّلهَا على ما ظنَّ أنَّها تتَّفِق مع أحكام العقل، وهذه هي المرحلة التي ما زال الأشاعرة عليها.

 

• المرحلة الثالثة: إثبات الصِّفات جميعها لله - تعالى - من غير تَكْييف ولا تشبيه، ولا تعطيل ولا تحريف، ولا تبديل ولا تمثيل، وفي هذه المرحلة كتب كتاب: "الإبانة عن أُصول الدِّيانة"، الذي عَبَّر فيه عن تفضيله لعقيدة السَّلَف ومنهجهم، والذي كان حامِلُ لوائه الإمامَ أحمد بن حنبل، ولم يقتصر على ذلك، بل خلَّفَ مكتبة كبيرة في الدِّفاع عن السُّنَّة وشَرْح العقيدة، تُقَدَّر بثمانية وستِّين مؤلَّفًا، تُوفِّي سنة 324هـ، ودُفِن ببغداد، ونودي على جنازته: "اليوم مات ناصِرُ السُّنَّة".

 

وقد نازع أكثرُ الأشاعرة في صِحَّة كتاب "الإبانة" المنسوب إلى إمامهم؛ لأنَّ إثبات توبة أبي الحسن وأوبته إلى منهج السَّلَف، فيه تدميرُ ما هم عليه من الفساد والخِذْلان، إلاَّ أن عددًا كبيرًا من المُؤرِّخين وأهل العلم قد أكَّدوا هذه التَّوبة، وأثبتوا هذه الأوبة، ومنهم:

• الحافظ ابن عَساكِر - رحمه الله - حيثُ إنَّ له مُصنَّفًا قام فيه بالدِّفاع عن أبي الحسن الأشعري وعقيدته، وزَيَّف كلَّ ما قيل في عقيدته، وأثبت رُجوعه - رحمه الله - عن الاعتزال، وكذا رجوعه عن المذهب الذي يُنْسَب إليه حاليًّا.

• أبو العبَّاس بنُ خَلِّكان: المُتوفَّى سنة 681هـ، في كتابه: "وَفَيَات الأعيان".

• الحافظ ابن كثير: المُتوفَّى سنة 774هـ، في كتابه: "البداية والنِّهاية".

• الحافظ الذَّهبي: في كتاب: "العلو للعلي الغفار".

 

وبعد وفاة أبي الحسن الأشعري، وعلى يد أئمَّة المذهب وواضِعي أصوله وأركانه، أَخَذ المذهب الأشعريُّ أكثَرَ من طور، تعدَّدَت فيها اجتهاداتُهم ومناهجهم في أصول المذهب وعقائده، من أبرز مظاهر ذلك التطوُّر:

• القُرْب من أَهْل الكلام والاعتزال.

• الدُّخول في التَّصوُّف، والْتِصاق المذهب الأشعري به.

• الدُّخول في الفلسفة، وجعلها جُزءًا من المذهب، فجَنَحوا عن قصد إمامهم، الذي قصد إقامة مذهب وسط بين أهل الاعتزال وأهل السُّنَّة.

 

قال مُحبُّ الدِّين الخطيب في تعليقه على كتاب: "المنتقى"[2]:

"أمَّا "الأشعرية" اسم المذهب المَنْسوب إلى أبي الحسن الأشعري في علم الكلام، فكما أنَّه لا يمثِّل الأشعريَّ ما كان عليه في طَوْر اعتزاله، فإنَّه ليس من الإنصاف أن تُلْصَق به الأشعرية بعد أنْ رجَع إلى عقيدة السَّلَف التي أراد أن يَلْقَى الله بها، بل إنَّ المذهب الأشعريَّ المنسوب إليه إنما يُنْسَب إلى ما كان عليه ابن كلاب البصْري المُتَوفَّى سنة 240هـ، كما أوضح ذلك تَقِيُّ الدِّين ابن تيميَّة في كتابه: "العقل والنقل" (2/ 5)، طبعة الشيخ حامد الفقي - رحمه الله - ثم عدل أبو الحسن في آخر حياته عن كثير من التأويلات، وأثبَتَها دون تَشْبيه على ما كان عليه السَّلَفُ الصَّالح من الصَّحابة والتابعين، وهكذا ختم الله له بالحُسْنى"؛ اهـ.

 

• أبرز أئمَّة المذهب الأشعري:

• القاضي أبو بَكْر الباقِلاَّني: (328 - 402هـ)، (950 - 1013م): هو محمد بن الطَّيِّب بن محمد بن جعفر، من كبار علماء الكلام، هَذَّبَ بحوث الأشعري، وتكَلَّم في مُقدِّمات البراهين العقليَّة للتوحيد، وغالى فيها كثيرًا؛ إذْ لم تَرِد هذه المقدِّمات في كتاب ولا سُنَّة، ثم انتهى إلى مذهب السَّلَف، وأثبت جميع الصِّفات، كالوجه واليدين على الحقيقة، وأبطل أصناف التَّأويلات التي يَسْتعملها المُؤَوِّلة، وذلك في كتابه: "تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل".

وُلِد في البصرة، وسكَن بغداد، وتُوفِّي فيها، وجَّهه عَضُد الدَّولة سفيرًا عنه إلى مَلِكِ الروم، فجرت له في القسطنطنية مناظرات مع علماء النَّصرانية بين يدَيْ مَلِكِها.

 

• أبو إسحاق الشِّيرازي (293 - 476هـ)، (1003 - 1083م): هو إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشِّيرازي، بنى له الوزير نِظام المُلْك المَدْرسة النِّظامية على شاطئ دِجْلة، فكان يدرِّس فيها ويديرها.

 

• أبو حامد الغزالي (450 – 505هـ)، (1058 - 1111م): هو محمد بن محمد بن محمَّد الغزالي الطوسي، لم يَسْلك الغزالي مسلك الباقلاَّني، بل خالف الأشعريَّ في بعض الآراء، وخاصَّة فيما يتعلَّق بالمقدِّمات العقلية في الاستدلال، وذَمَّ علم الكلام، وبَيَّن أنَّ أدلته لا تُفيد اليقين كما في كتُبِه: "المُنْقِذ من الضَّلال"، وكتاب: "التَّفْرِقة بين الإيمان والزَّنْدَقة"، وحرَّمَ الخوض فيه، فقال: "لو ترَكْنَا المُدَاهنة، لصَرَّحْنا بأنَّ الخوض في هذا العلم حرام"، واتَّجَه نحو التَّصوُّف، واعتقد أنَّه الطريق الوحيد للمعرفة، وعاد في آخِرِ حياته إلى السُّنَّة، فمات وكتابُ البخاري على صَدْره.

وقد نقل شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - توبته وأوبته في "مجموع الفتاوى"، 4/ 72، فقال:

"وهذا أبو حامد الغزالي مع فَرْط ذكائه وتأَلُّهِه ومعرفته بالكلام والفلسفة، وسلوكه طريق الزُّهد والرِّياضة والتصوُّف، ينتهي في هذه المسائل إلى الوَقْف والحيرة، ويُحِيل في آخر أمره على طريقة أهل الكشف، وإن كان بعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث، وصَنَّف: إلجام العوام عن عِلْم الكلام"؛ اهـ.

 

• أبو إسحاق الإسْفَراييني: المتوفَّى سنة: 418هـ/ 1027م: هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران.

• إمام الحَرَمين أبو المَعالي الجُوَيْني: المولود سنة: 419 هـ، 1028م، المتوفى سنة: 478 هـ، 1085م: هو عبدالملك بن عبدالله بن يوسف بن محمَّد الجوينِيُّ، دافَع عن الأشعرية، فشاع ذِكْرُه في الآفاق، إلاَّ أنَّه في نهاية حياته رجع إلى مذهب السَّلَف.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى"، 4/ 73:

"وهذا إمام الحرمين، ترك ما كان يَنْتَحِله ويقرِّره، واختار مذهب السَّلَف، وكان يقول: يا أصحابنا، لا تَشْتَغِلوا بالكلام، فلو أنِّي عرفت أنَّ الكلام يبلغ بي ما بلَغ ما اشتغلتُ به. وقال عند موته: لقد خُضْتُ البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلتُ فيما نهَوْني عنه، والآن إنْ لم يتداركْني ربِّي برحمته فالويل لابن الجُوَيني، وهأنذا أموت على عقيدة أُمِّي. أو قال: على دين عجائز نيسابور"؛ اهـ.

وقد قال في رسالته النظامية: "والذي نرتضيه رأيًا، ونَدِين الله به عقيدة: اتِّباع سلَفِ الأُمَّة؛ للدليل القاطع على أنَّ إجماع الأُمَّة حُجَّة"؛ اهـ.

 

بل نَصَّ فيه على أصول مُعتقَدِه الجديد، فقال: "اختلفتْ مسالِكُ العلماء في الظَّواهر التي ورَدَت في الكتاب والسُّنَّة، وامتنع على أهل الحقِّ فَحْواها، فرأى بعضُهم تأويلها، والتزم ذلك في القرآن، وما يصحُّ من السُّنن، وذهب أئمَّة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظَّواهر على موارِدِها، وتفويض معانيها إلى الرَّبِّ تعالى، والذي نرتضيه رأيًا، وندين به عقدًا اتِّباعُ سلَف الأمَّة، فالأَوْلى الاتِّباع، والدليل السَّمعي القاطع في ذلك أنَّ إجماع الأُمَّة حُجَّة متَّبَعة، وهو مستَنَد معظم الشَّريعة، وقد دَرَج صَحْبُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ترك التعَرُّض لمعانيها، ودرك ما فيها، وهم صَفْوة الإسلام المستَقِلُّون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهدًا في ضبط قواعد المِلَّة والتواصي بحِفْظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذا مسوغًا أو محتومًا لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفُروع الشَّريعة، فإذا تضَرَّم عَصْرُهم وعصر التابعين عن الإضراب عن التَّأويل، كان ذلك قاطعًا بأنَّه الوجه المُتَّبَع، فحق على ذي الدين أن يعتقد تنَزُّه الباري عن صفات المُحْدَثين، ولا يخوض في تأويل المشْكِلات، ويَكِل معناها إلى الله"؛ اهـ.

 

ويعضد ذلك ما ذهب إليه في كتابه "غياث الأُمَم"، فبالرغم من أنَّ الكتاب مخصَّصٌ لعرض الفقه السِّياسي الإسلامي، فقد قال فيه: "والذي أذكره الآن لائقًا بمقصود هذا الكتاب، أنَّ الذي يحرص الإمام عليه جمْعُ عامَّة الخَلْق على مذاهب السَّلَف السابقين، قبل أنْ نبغت الأهواء وزاغَت الآراء، وكانوا - رضي الله عنهم - ينْهَون عن التعرُّض للغوامض، والتعمُّقِ في المشكلات"؛ اهـ.

ونقل القرطبي في "شرح مسلم" أنَّ الجويني كان يقول لأصحابه: يا أصحابنا، لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرَفْتُ أنَّ الكلام يبلغ بي ما بلغ، ما تشاغلتُ به.

وقد تُوفِّي بنيسابور، وكان تلامذته يومئذٍ أربعمائة.

 

• الفَخْر الرَّازي: المولود في سنة: 544هـ -1150م، المتوفَّى سنة: 606هـ - 1210م: هو أبو عبدالله محمَّد بن عمر الحسن بن الحسين التَّيْمي الطَّبرستاني الرَّازيُّ المَوْلِد، المعبِّر عن المذهب الأشعري في مرحلته الأخيرة؛ حيث خلَطَ الكلام بالفلسفة، بالإضافة إلى أنَّه صاحب القاعدة الكليَّة التي انتَصَر فيها للعقل، وقدَّمَه على الأدلَّة الشرعية.

 

وقد كان له تشكيكات على السُّنَّة على غاية من الوَهن، إلاَّ أنَّه أدرك عَجْز العقل، فأوصى وصيَّة تدلُّ على حسن اعتقاده، فقد نبَّه في أواخِر عمره إلى ضرورة اتِّباع منهج السَّلَف، وأعلن أنه أسْلَمُ المناهج بعد أن دار دورته في طريق علم الكلام، فقال: "لقد تأمَّلتُ الطُّرُق الكلاميَّة، والمناهجَ الفلسفية، فرأيتُها لا تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطُّرق طريقة القرآن، أقرأُ في الإثبات: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، و: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10]، وأقرأ في النَّفْي: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، و:﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110].

ثم قال في حسرة وندامة: ومن جرَّب تجربتي، عرَف معرفتي"[3].


وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" 4/ 72:

"وكان يتمثَّل كثيرًا:

نِهَايَةُ إِقْدَامِ العُقُولِ عِقَالُ
وَأَكْثَرُ سَعْيِ العَالَمِينَ ضَلاَلُ
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا
وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ
وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا
سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا [4]


وسيأتي الكلام في المبحث الخامس على أُصولهم التي خالفوا فيها أهل السُّنَّة، أو تلك التي وافقوا فيها أهل السُّنَّة تفصيلاً - إن شاء الله.


المبحث الثالث

هل الأشاعرة من أهل السُّنَّة؟

قال السفاريني في "لوامع الأنوار" 1/ 73: "أهل السُّنَّة والجماعة ثلاث فرق: الأَثَرية، وإمامهم أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - والأشاعرة، وإمامهم أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - والماتريدية، وإمامهم أبو منصور الماتريدي، أمَّا فِرَق الضَّلال، فكثيرة جدًّا"؛ ا هـ.

 

وهذا القول مُتعقَّب، تعَقَّبه الشيخ عبدالله بابطين، كما في هامش "لوامع الأنوار" 1/ 73، حيث قال: "تقسيم أهل السُّنَّة إلى ثلاث فرق، فيه نظر؛ فالحَقُّ الذي لا ريب فيه أنَّ أهل السُّنَّة فرقة واحدة، وهي الفرقة الناجية التي بيَّنَها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين سُئِل عنها بقوله: ((هي الجماعة))، وفي رواية: ((من كان على مِثْل ما أنا عليه وأصحابي))، أو ((مَن كان على ما أنا عليه وأصحابي)).

 

وبهذا عُرِف أنَّهم المُجتمعون على ما كان عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه، ولا يكونون سِوَى فرقة واحدة، والمؤلِّف نفسه - يرحمه الله - لَمَّا ذكَر في المقدِّمة هذا الحديث، قال في النَّظْم:

وَلَيْسَ هَذَا النَّصُّ جَزْمًا يُعْتَبَرْ
فِي فِرْقَةٍ إِلاَّ عَلَى أَهْلِ الأَثَرْ

يعني بذلك الأثَريَّة، وبهذا عُرِف أن أهل السُّنَّة والجماعة هم فرقة واحدة؛ الأثرية"؛ اهـ.

 

قال ابن عُثَيمين - رحمه الله – في "شرح العقيدة الواسطيَّة" 2/ 338:

"فإذا سُئِلنا: مَن أهل السُّنَّة والجماعة؟ فنقول: هم المتمسِّكون بالإسلام المَحْض الخالص عن الشوب.

وهذا التعريف من شيخ الإسلام ابن تيمية يقتضي أنَّ الأشاعرة والماتريدية ونحوهم ليسوا من أهل السُّنَّة والجماعة؛ لأنَّ تمَسُّكَهم مَشُوب بما أدخلوا فيه من البِدَع.

وهذا هو الصحيح؛ أنه لا يُعَدُّ الأشاعرة والماتريدية فيما ذهبوا إليه في أسماء الله وصفاته من أهل السُّنَّة والجماعة.


وكيف يعدُّون من أهل السُّنَّة والجماعة في ذلك، مع مخالفتهم لأهل السُّنَّة والجماعة؟!

لأنَّه يُقال: إمَّا أن يكون الحَقُّ فيما ذهب إليه هؤلاء الأشاعرة والماتريدية، أو الحقُّ فيما ذهب إليه السَّلَف، ومِن المعلوم أنَّ الحَقَّ فيما ذهب إليه السَّلَف؛ لأنَّ السَّلَف هنا هم الصَّحابة والتابعون وأئمَّة الهُدَى من بعدهم، فإذا كان الحقُّ فيما ذهب إليه السَّلَف، وهؤلاء يخالفونهم؛ صاروا ليسوا من أهل السُّنَّة والجماعة في ذلك"؛ اهـ.

 

وقال الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي - حفظه الله - في "منهج الأشاعرة في العقيدة"، ص9 - 13: "إنَّ مصطلح أهل السُّنَّة والجماعة يُطْلق، ويراد به معنيان:

• المعنى الأعَمُّ: وهو ما يقابل الشِّيعة، فيُقال: المُنْتَسِبون للإسلام قسمان:

أهل السُّنَّة والشِّيعة، مثلما عنْوَن شيخ الإسلام كتابه في الرَّدِّ على الرافضي: "منهاج السُّنة" وفيه بَيَّن هذين المعنيين[5]، وصرح أن ما ذهبت إليه الطوائف المبتدعة من أهل السُّنَّة بالمعنى الأخص.

وهذا المعنى يَدْخل فيه كلُّ مَن سوى الشِّيعة، كالأشاعرة، لا سيَّما والأشاعرة فيما يتعلَّق بموضوع الصَّحابة والخلفاء متَّفِقون مع أهل السُّنَّة، وهي نقطة الاتِّفاق المَنْهجيَّة الوحيدة كما سيأتي.

 

• المعنى الأخصُّ: وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الأهواء، وهو الأكثر استعمالاً في كتب الجَرْح والتعديل، فإذا قالوا عن الرجل: إنَّه صاحب سُنَّة، أو كان سُنيًّا، أو من أهل السُّنَّة ونحوها، فالمراد أنَّه ليس من إحدى الطوائف البِدْعية؛ كالخوارج والمعتزلة والشِّيعة، وليس صاحب كلام وهوًى.

وهذا المعنى لا يَدْخل فيه الأشاعرة أبدًا، بل هم خارجون عنه، وقد نصَّ الإمام أحمد وابن المَدِيني على أنَّ مَن خاض في شيءٍ مِن علم الكلام لا يعتبر من أهل السُّنَّة، وإنْ أصاب بكلامه السُّنَّة، حتى يَدَع الجدل، ويُسلِّم للنصوص، فلم يشترطوا موافقة السُّنة فحَسْب، بل التلَقِّي والاستمداد منها[6]، فمَن تلَقَّى من السُّنَّة، فهو من أهلها وإن أخطأ، ومن تلقَّى من غيرها، فقد أخطأ وإن وافقها في النتيجة.

والأشاعرة - كما سترى - تلَقَّوا واستمَدُّوا من غير السُّنة، ولم يوافقوها في النتائج، فكيف يكونون من أهلها؟!

 

وسنأتي بحكمهم عند أئمة المذاهب الأربعة من الفقهاء، فما بالُك بأئمَّة الجَرْح والتَّعديل من أصحاب الحديث:

1- عند المالكية:

رَوى حافظ المغرب وعلَمُها الفَذُّ ابن عبدالبرِّ بِسَنَدِه عن فقيه المالكيَّة بالمَشْرق ابن خويز منداد، أنه قال في كتاب الشهادات شرحًا لقول مالك: لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء، قال: أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكلُّ متكلِّم فهو من أهل الأهواء والبِدَع؛ أشعريًّا كان أو غيرَ أشعري، ولا تُقْبَل له شهادة في الإسلام أبدًا، ويُهْجَر ويُؤَدَّب على بدعته، فإنْ تمَادى عليها استُتِيب منها[7]؛ ا هـ.

 

ورَوى ابن عبدالبرِّ نفْسُه في الانتقاء عن الأئمَّة الثلاثة - مالكٍ وأبي حنيفة والشافعيِّ - نهْيَهم عن الكلام، وزَجْرَ أصحابه، وتبديعَهم وتعزيرهم، ومِثْله ابن القَيِّم في: "اجتماع الجيوش الإسلامية"، فماذا يكون الأشاعرة إن لم يكونوا أصحاب كلام؟!

 

2- عند الشافعية:

قال الإمام أبو العَبَّاس بن سُرَيج المُلقَّب بالشافعي الثاني، وقد كان معاصِرًا للأشعري: "لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والمُلْحِدة والمجسِّمة والمشبِّهة والكرامية والمكيِّفة، بل نَقْبَلُها بلا تأويل، ونُؤْمُن بها بلا تمثيل"؛ اهـ[8].

 

قال الإمام أبو الحسن الكرخي من علماء القرن الخامس الشافعية ما نَصُّه: "لم يزَل الأئمَّة الشافعية يَأْنفون ويستنكِفون أن يُنْسَبوا إلى الأشعري، ويتبرَّؤون مما بنَى الأشعريُّ مذهَبه عليه، ويَنْهَون أصحابهم وأحبابهم عن الحَوْم حوالَيْه، على ما سمعت من عدَّةٍ من المشايخ والأئمة".

 

وضرب مثالاً بشيخ الشافعية في عصره؛ الإمام أبو حامد الإسفرائيني، الملقَّب "الشافعي الثالث" قائلاً: "ومعلوم شدَّة الشيخ على أصحاب الكلام، حتى ميَّز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري، وعلَّق عنه أبو بكر الراذقاني وهو عندي، وبه اقتَدَى الشَّيخ أبو إسحاق الشِّيرازي في كتابه: "اللُّمَع"، و"التَّبصرة"، حتى لو وافق قول الأشعري وجهًا لأصحابنا مَيَّزه، وقال: "هو قول بعض أصحابنا، وبه قالت الأشعريَّة، ولم يَعُدَّهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه، فضلاً عن أصول الدِّين"؛ اهـ[9].

وبنحو قوله بل أشدُّ منه قال شيخ الإسلام الهرويُّ الأنصاري[10].

 

3- الحنفية:

معلومٌ أنَّ واضع الطَّحاوية وشارحها كِلاهما حنفيَّان، وكان الإمام الطَّحاوي معاصِرًا للأشعري، وكتَب هذه العقيدة لبيان معتَقَدِ الإمام أبي حنيفة وأصحابه، وهي مشابهة لِمَا في الفقه الأكبر عنه، وقد نَقَلوا عن الإمام أنَّه صرح بِكُفر مَن قال: إنَّ الله ليس على العرش، أو توَقَّف فيه، وتلميذه أبو يوسف كَفَّر بِشْرًا المريسي، ومعلومٌ أنَّ الأشاعرة يَنْفون العلو، ويُنكرون كونه - تعالى - على العرش، ومعلوم أيضًا أنَّ أصولهم مستمدَّة من بشر المريسي[11].

 

4- الحنابلة:

موقف الحنابلة من الأشاعرة أشهر من أن يُذكَر، فمنذ بَدَّع الإمامُ أحمد "ابنَ كلاب"، وأمَرَ بهجره - وهو المؤسِّس الحقيقي للمذهب الأشعري - لم يزل الحنابلة معهم في معركة طويلة، وحتى في أيام دولة نظام الملك - التي استطالوا فيها - وبعدَها كان الحنابلةُ يُخرِجون من بغداد كلَّ واعظ يخلط قصَصَه بشيء من مذهب الأشاعرة، ولم يكن ابن القشيري إلاَّ واحدًا ممن تعرَّض لذلك، وبسبب انتشار مذهبهم وإجماع علماء الدولة - سيَّما الحنابلة - على محاربته؛ أصدر الخليفة القادر منشور "الاعتقاد القادري"، أوضح فيه العقيدة الواجب على الأُمَّة اعتقادُها سنة 433هـ[12].

 

وكذلك يَفعل أتباعُهم في عصرنا هذا بملْء خُطَبهم الحماسيَّة، ومواعظهم وقصصهم، وما يُسمُّونه بالكتب الفِكْريَّة؛ لثِقَة قُرَّائهم - من الشباب المتحمِّس - العَمْياء بهم، ولجهل أكثر هؤلاء الشَّباب بعقيدتهم الصحيحة التي كان عليها سلَفُهم الصالح من الصحابة ومَن تَبِعَهم بإحسان.

 

هذا، وليس ذَمُّ الأشاعرة وتبديعهم خاصًّا بأئمة المذاهب المعتبرين، بل هو منقول أيضًا عن أئمة السلوك الذين كانوا أقرب إلى السُّنة واتِّباع السلف، فقد نقل شيخ الإسلام في "الاستقامة" كثيرًا من أقوالهِم في ذلك، وأنهم يَعتبرون موافقة عقيدة الأشعرية منافيًا لسلوك طريق الولاية والاستقامة، حتىَّ أن عبدالقادر الجيلاني لما سُئِل: "هل كان لله وَلِيٌّ على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟ قال: ما كان، ولا يكون"[13].

 

هذا موجَزٌ مختصَر جدًّا لحكم الأشاعرة في المذاهب الأربعة، فما ظَنُّك بحكم رجال الجَرْح والتعديل مما يعلم أنَّ مذهب الأشاعرة هو ردُّ خبر الآحاد جملة، وأنَّ في الصحيحين أحاديثَ موضوعةً أدخَلَها الزَّنادقة، وغيرها من الطوامّ، وانظر إن شِئْتَ ترجمة إمامهم المتأخِّر الفخر الرازي في "الميزان" و"لسان الميزان".

فالحكم الصحيح في الأشاعرة أنَّهم من أهل القِبْلة لا شكَّ في ذلك، أما أنَّهم من أهل السُّنَّة فلا، وسيأتي تفصيل ذلك في الموضوعات التالية.

 

وهاهنا حقيقةٌ كبرى أثبَتَها علماء الأشعرية الكبار بأنفسهم - كالجويني وأبي المعالي والرَّازي والغزالي، وغيرهم - وهي حقيقة إعلان حيرتهم وتوبتهم ورجوعهم إلى مذهب السَّلَف، وكتب الأشعرية المتعصِّبة مثل "طبقات الشافعية" أورَدَت ذلك في تراجمِهم أو بعضَه، فما دلالة ذلك؟!

إذا كانوا من أصلهم على عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، فعن أيِّ شيء رجعوا؟! ولماذا رجعوا؟! وإلى أيِّ عقيدة رجعوا؟!"؛ اهـ.

 

قلتُ:

وخلاصة القول في هذه المسألة أنَّ الأشاعرة ليسوا من أهل السُّنَّة؛ وذلك للأسباب الآتية:

أوَّلاً: أنَّ أَصْل الاستدلال عند أهل السُّنَّة "الأثرية" الأثَر، وأمَّا عند الأشاعرة والماتريدية فأَصْل استدلالهم قائمٌ على العقل.

وكنا قد نقَلْنا آنفًا أنَّ الذي يَعتمد الأثر، يكون مستنَدُه القرآن والسُّنة وما كان عليه أهل القرون الأُولى الخَيِّرة، وأما الذي يعتمد العقل فيَطْرَح كلَّ ما قرر قبله إذا خالف عَقْله ولا يسلِّم إلاَّ لعقله، فيبعد عن اقتفاء أثَر الجماعة، الذين قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن سِمَتهم: "إنهم هم مَن كانوا على ما كان عليه هو وأصحابه".

 

ثانيًا: أن أبا الحسن الأشعري - رحمه الله - عاد إلى مسلك السَّلَف في اعتماد الأثر، وقد خصَّصَ مؤلَّفًا كاملاً لبيان معتقَدِه الجديد سماه: "الإبانة"، فإنْ رجَع مؤسِّس المذهب عمَّا أسَّس، وجب التَّسليم ببطلان ما أسس، فهو أعلم مِن غيره بمذهبه.

 

ثالثًا: أن أئمَّة المذاهب المختلفة قالوا بتبديع الأشاعرة، كما مرَّ في كلام الشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي - حفظه الله

 

رابعًا: كيف يكون من أهل السُّنَّة والجماعة من لا يُثْبت علُوَّ الربِّ سبحانه فوق سمواته، واستواءَه على عرشه، ويقول: حروف القرآن مخلوقة، وإنَّ الله لا يتكلَّم بصوت ولا حَرْف، ولا يُثْبِت رؤية المؤمنين ربَّهم في الجنَّة بأبصارهم، ويفسِّرها بزيادة عِلْمٍ يَخْلقه الله في قَلْب الرَّائي، ويقول: الإيمان هو مجرَّد التَّصديق، مع مسائل في القدَر والنُّبوَّات وغيرها من مباحث الاعتقاد.

وممَّا مرَّ يتكَشَّف لك حقيقة القول بانتساب الأشاعرة إلى أهل السُّنَّة، فالْزَم ما عرفت؛ فإنَّ فيه النجاة - إن شاء الله.

 

ولكن يبقى لنا سؤال: ما هو حكم هؤلاء الأشاعرة؟!

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السَّعدي - رحمه الله - في كتابه "مجموع الفوائد واقتناص الأوابد"، ص 93: "اختلَف الناس في المتأوِّل المُخْطِئ في الأصول من المؤمنين، فكثيرٌ من أهل الكلام والبِدَع فَسَّقوه، أو كَفَّروه، وتَبِعَهم مَن أخذ بقولهم على علاَّته.

ومذهب جمهور الأُمَّة وسائر الأئمَّة المقْتَدى بهِم: أنَّ الخطأ في المسائل العِلْميَّة كالخطأ في المسائل العمَليَّة؛ أنَّ الله رفع المؤاخذة فيها عن المؤمنين المجتَهِدين، وإنما اللَّوم والإثم على تَرْك الواجب لغير عذر، أو لتجرُّؤٍ على المُحرَّم الذي يعلمه محرَّمًا، والله تعالى أعلم"؛ ا هـ.

 

وقال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "فتاوى العقيدة"، ص 446:

"أما موقِفُنا من العلماء المؤوِّلين، فنقول: مَن عُرِف منهم بِحُسن النِّيَّة، وكان له قدَمُ صِدْق في الدِّين، واتِّباع السَّنة، فهو معذور بتأويله السَّائغ، ولكن عذره في ذلك لا يمنع من تَخْطِئة طريقته المخالِفَة لِمَا كان عليه السَّلف الصالح من إجراء النُّصوص على ظاهرها، واعتقاد ما دَلَّ عليه ذلك الظاهر من غير تكييف ولا تمثيل، فإنَّه يجب التفريق بين حكم القول وحكم قائله، والفعل وفاعله؛ فالقول الخطأ إذا كان صادرًا عن اجتهاد وحُسْن قَصْد، لا يُذَمُّ قائله، بل يكون له أجْرٌ على اجتهاده؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجْرَان، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجْرٌ))؛ متَّفق عليه[14].

 

وأما وَصْفه بالضَّلالِ، فإن أُريدَ بالضَّلالِ الضلال المُطْلَق الذي يُذمُّ به الموصوف، ويُمقَت عليه، فهذا لا يتوجَّه في مثل هذا المجتهد الذي عُلِم منه حُسْنُ النِّية، وكان له قدَمُ صِدْق في الدِّين واتِّباع السُّنة، وإنْ أُرِيد بالضَّلال مخالفةُ قوله للصَّواب من غير إشعار بِذَمِّ القائل، فلا بأس بذلك؛ لأنَّ مثل هذا ليس ضلالاً مطْلقًا؛ لأنَّه من حيث الوسيلة صواب؛ حيث بذَلَ جهده في الوصول إلى الحقِّ، لكنه باعتبار النتيجة ضلال؛ حيث كان خلاف الحقِّ، وبهذا التفصيل يزول الإشكال ويَهُون، والله المستعان"؛ ا هـ.


المبحث الرابع

سبب نسبة الكثير من العلماء إلى المذهب الأشعري

قال حسن بن علي السقاف في "إلقام الحجَر للمُتَطاول على الأشاعرة من البشر": "ينبغي أن يُدْرِك كلُّ مسلم على وجه الأرض أنَّ السَّادة الأشاعرة يمثِّلون علماء وأئمَّة المسلمين على مرِّ العصور والدُّهور، طوال فترة 1200 سنة تقريبًا، وهم أعلام أئمَّة الهُدَى الذَّابُّون عن حِمَى العقيدة الإسلامية الصَّحيحة، والفقه الإسلامي، وحياض الكتاب والسُّنة المطهَّرة، وهم جماهير الحُفَّاظ والمُحَدِّثين، وشُرَّاح الصحيحين والسُّنن، وعلى رأسهم الإمام الحافظ النَّووي - رحمه الله تعالى - شارح "صحيح مسلم"، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - شارح "صحيح البخاري"، وغيرهم كثير وكثير؛ كالأئمَّة البيهقي، وأبي الوليد الباجي، وابن رشد الجَد، والعراقي، والسَّخاوي، والسُّبكي، والسُّيوطي، وابن حجَر المكِّي، وغيرهم من الأعلام الذين لهم اليد البيضاء الكبرى في تصنيف المسائل، وتحقيق العلوم الشَّرعية في كافَّة الفنون"؛ اهـ.

قلتُ: وفي هذا الذي قاله مجازفة؛ فهو إمَّا لم يَسْتَقص أقوال العلماء، أو يدَّعي ذلك لِنُصرة مذهبه، وعلى كِلا الاحتمالين، فإليك الردَّ عليه تفصيلاً.

قال: "يمثِّلون علماءَ الإسلام على مرِّ العصور"؛ ا هـ.

 

ويُجاب عن هذا القول من وجوه:

الوجه الأول: أنَّ الأشعري - رحمه الله - وُلِد سنة 260هـ، فكيف كان اعتقاد الأُمَّة قبْلَه؟ فإن قالوا: كان صحيحًا، قلتُ: هم كانوا على ما كان عليه أهل القرون الأولى؛ الصحابة، والتابعون، وتابعو التابعين، ومَن سار على دربهم، إلاَّ بعض الفرق التي ظهَرَت، ولم يكن لعلمائها ثقل علماء السَّلَف، وإن قالوا: كان فاسدًا، قلتُ: هذا طعن في أُمَّة الإسلام، لم يقل به عاقل ولا مجنون.

 

الوجه الثاني: أننا لا نسلِّم أن تكون نسبة الأشاعرة بهذا القَدْر بالنِّسبة إلى سائر فِرَق المسلمين؛ فإنَّ هذه دَعْوى تحتاج إلى إثبات عن طريق الإحصاء الدقيق.

ثم لو سلَّمْنا أنَّهم بهذا القَدْر أو أكثر، فإنه لا يَقتضي عِصْمتهم من الخطأ؛ لأنَّ العصمة في إجماع المسلمين، لا في الأكثر.

 

ثم نقول: إنَّ إجماع المسلمين قديمًا ثابتٌ على خلاف ما كان عليه أهل التأويل، فإنَّ السَّلف الصالح مِن صَدْر هذه الأُمَّة - وهم الصحابة الذين هم خير القرون، والتَّابعون لهم بإحسان، وأئمَّة الهدى من بعدهم - كانوا مُجْمِعين على إثبات ما أثبَتَه الله لنفسه، أو أثبته له رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الأسماء والصِّفات، وإجراء النُّصوص على ظاهرها اللاَّئق بالله - تعالى - من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.

وهم خير القرون بنصِّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإجماعُهم حُجَّةٌ مُلْزِمة؛ لأنَّه مقتضى الكتاب والسنة[15].

 

الوجه الثالث: أنَّنا إذا قابلنا الرِّجال الذين على طريق الأشاعرة بالرِّجال الذين هم على طريق السَّلَف، وجدنا في هذه الطَّريق مَن هم أجَلُّ وأعظم، وأهدى وأقْوَم مِن الذين على طريق الأشاعرة، فالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة ليسوا على طريق الأشاعرة، وإليك أمثلةً على وَفْرة علماء أهل السُّنَّة، فمنهم:

• الصَّحابة كلُّهم، فلم يُعْلَم عن أحد منهم أنه تأوَّل، أو صرَف النُّصوص عن ظاهرها.

• التابعون: منهم على سبيل المثال لا الحصر: عُبَيد بن عُمَير، شُريح بن عبيد، أبو قلابة، قتادة بن دعامة، مجاهد بن جَبْر، ربيعة بن أبي عبدالرحمن، أيُّوب السَّخْتِياني، الضَّحَّاك، سليمان التَّيمي، عكرمة، مُقاتل، الحسن البَصري، مالك بن دينار وغيرهم.

• تابعو التابعين: منهم على سبيل المثال لا الحصر: عبدالله بن المبارك، الأوزاعي، حمَّاد بن زيد، سُفيان الثوري، وَهْب بن جرير، أبو حنيفة النُّعمان بن ثابت، ابن جُرَيج شيخ الحرَمِ ومُفْتي الحجاز، مقاتل بن حيَّان عالِمُ خراسان، مالك بن أنس إمام دار الهجرة، سلاَّم بن مطيع من أئمة البصرة، حماد بن سلمة، عبدالعزيز بن الماجِشُون مُفْتي المدينة، ابن أبي ليلى قاضي الكوفة، شريك القاضي، محمد بن إسحاق، مِسْعَر بن كدام، جرير الضَّبِّي مُحدِّث الرَّي، الفضيل بن عياض، هشيم بن بشير، عباد بن العَوَّام محدِّث واسط، القاضي أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة، عبدالله بن إدريس أحد الأعلام، محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة، سفيان بن عُيَينة، وكيع بن الجَرَّاح، عبدالرحمن بن مهدي، الإمام الشافعي، نُعَيم بن حماد، بِشْر الحافي، أبو عبيد القاسم بن سلام، قتيبة بن سعيد، يحيى بن مَعِين، عليُّ بن المَدِيني، الإمام أحمد بن حنبل، إسحاق بن راهَوَيْهِ، هشام بن عمار، ذو النُّون المصري وغيرهم.

• طبقات أخرى بعد تابعي التابعين: منهم على سبيل المِثال، لا على سبيل الحَصْر: الإمام البخاري، أبو زُرْعة الرَّازي، أبو حاتم الرَّازي، عثمان بن سعيد، الإمام مُسْلِم، بَقِيُّ بن مَخْلَد، إسماعيل القاضي، يعقوب الفَسَوي، ابن أبي خَيْثَمة، أبو زُرْعة الدِّمَشقي، ابن نصر المروزي، ابن قُتَيبة، ابن أبي عاصم، أبو عيسى التِّرمذي، ابن ماجَهْ، ابن أبي شيبة، محمد بن جرير الطَّبري، محمد بن إسحاق بن خُزَيمة، ابن سُرَيج فقيه العراق، أبو بكر بن أبي داود، أبو جعفر الترمذي الفقيه، أبو العباس السَّرَّاج، أبو عوانة صاحب "المستخرج على صحيح مسلم"، يحيى بن محمد بن صاعد، أبو جعفر الطَّحاوي، أبو القاسم الطبراني، أبو بكر الآجُرِّي، أبو الشيخ، أبو بكر الإسماعيلي، أبو بكر بن شاذان، ابن بَطَّة، الدارقطني، ابن مَنْدَهْ، الخطَّابي، أبو نعيم الأصبهاني صاحب "حِلْية الأولياء"، أبو القاسم اللاَّلكائي، أبو عمر الطَّلَمَنكي، أبو عثمان الصابوني، أبو عمرو الداني، ابن عبدالبرِّ، القاضي أبو يعلى، الخطيب البغدادي، أبو المعالي الجُوَيني الذي عاد إلى مذهب أهل السُّنَّة كما في كتاب: "الرِّسالة النظامية"، الهَرَوي صاحب "ذَمِّ الكلام"، البَغَوي، أبو الحسن الكرجي، وغيرهم.

قلتُ: والأسماء كثيرة جدًّا، والأغرب أنَّ أبا الحسن الأشعري صاحب المذهب الأشعري نفسه يعدُّ في المخالفين لمنهج الأشاعرة بتوبته ورجوعه عمَّا قال، وأوبته إلى اعتقاد أحمد بن حنبل إمام أهل السُّنَّة[16].

 

الوجه الرابع: أنَّ في نسبة البعض أكثرَ العلماء إلى الأشاعرة - نظرًا.

قال د. سفر بن عبدالرحمن الحوالي في "منهج الأشاعرة في العقيدة" ص14:

"الموضوع الذي يجب التنبُّه إليه هو التَّفريق بين متكلِّمي الأشاعرة، كالرَّازي والآمِدِيِّ والشَّهْرستاني والبغدادي والإيجي، ونحْوِهم، وبين مَن تأثَّر بمذهبهم عن حُسْن نية واجتهاد، أو متابَعةٍ خاطئة، أو جهل بعلم الكلام، أو لاعْتِقاده أنه لا تعارُضَ بين ما أخذ منهم وبين النُّصوص، ومن هذا القسم أكثرُ الأفاضل الذين يَحتجُّ بذِكْرِهم الصَّابوني[17] وغيره، وعلى رأسهم الحافظُ ابن حجر - رحمه الله -"؛ اهـ.

 

وقال أيضًا في ص 16:

"وكثيرًا ما تجد في كتب الجَرْح والتَّعديل - ومنها "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر - قولَهُم عن الرَّجل: إنَّه وافق المعتزلة في أشياءَ مِن مصنَّفاته، أو وافق الخوارج في بعض أقوالهم، وهكذا، ومع هذا لا يعتبرونه معتزليًّا أو خارجيًّا، وهذا المنهج إذا طَبَّقْناه على الحافظ وعلى النَّوويِّ وأمثالهما، لم يَصِحَّ اعتبارُهم أشاعرة، وإنما يُقال: وافقوا الأشاعرة في أشياء، مع ضرورة بيان هذه الأشياء واستدراكِها عليهم؛ حتىَّ يُمْكِن الاستفادة من كتبهم بلا توَجُّس في موضوعات العقيدة"؛ اهـ.

 

ومن أمثلة ما أورد الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان":

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في "لسان الميزان" 4/ 260، في ترجمة علي بن محمد أبي الحسن الماوردي:

"قال الذهبيُّ: صَدُوق في نفسه، لكنَّه معتزلي.

• تعقَّبَه الحافظ فقال: ولا ينبغي أن يُطْلَق عليه اسم الاعتزال، والمسائل التي وافق عليها المعتزلة معروفة، منها: مسألة وجوب الأحكام والعمل بها، هل هي مستفادة من العقل؟ ومسائل أخرى توجد في "تفسيره" وغيره"؛ ا هـ.

 

وقال الحافظ في "لسان الميزان" 4/ 242، في ترجمة ابن الزاغوني - علي بن عبدالله -:

"له تصانيف فيها أشياء من بحوث المعتزلة، بدَّعوه بها؛ لكونه نَصَرها، وما هذا من خصائصه؛ بل قلَّ مَن أمعن النَّظَر في علم الكلام إلاَّ وأَدَّاه اجتهادُه إلى القول بما يخالف مَحْضَ السُّنَّة، ولهذا ذمَّ علماءُ السَّلَف النَّظر في علم الأوائل؛ فإنَّ علم الكلام مُولَّد من علم الحُكَماء الدَّهرية، فمن رام الجَمْع بين علم الأنبياء - عليهم السَّلام - وبين علم الفلاسفة بذكائه، لا بُدَّ وأن يُخالف هؤلاء وهؤلاء، ومَن كفَّ ومشى خلف ما جاءت به الرُّسل مِن إطلاق ما أطلقوا، ولم يتحَذْلَق ولا عمق، فإنَّهم - صلوات الله عليهم - أطلقوا وما عمقوا، فقد سلَك طريق السَّلف الصالح، وسَلِم له دينُه ويقينه، نسأل الله السَّلامة في الدِّين"؛ اهـ.

 

أمَّا قول السقاف: "وعلى رأسهم الإمام النووي - رحمه الله - شارح "صحيح مسلم"، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - شارح "صحيح البخاري"، وغيرهم كثير وكثير؛ كالأئمة البيهقي، وأبي الوليد الباجي، وابن رشد الجد، والعراقي، والسخاوي، والسبكي، والسيوطي، وابن حجر المكي، وغيرهم من الأعلام"؛ اهـ.

 

فهذا القول يُرَدُّ بأنَّ منهم مَن وقع له القول ببعض قول الأشاعرة وِفاقًا لا اتِّفاقًا؛ كالحافظ النَّووي، والحافظ ابن حجر، والحافظ العراقي، وسنتناول واحدًا منهم بالتفصيل في هذه الرِّسالة، ألاَ وهو الحافظ ابن حجر - رحمه الله - كما أنَّ كتابًا من هذه السِّلسة "وإذا قلتم فاعدلوا" مُخصَّص لدفع انتساب الإمام النووي إلى الأشاعرة، وبهذا يمكن إثبات المسألة التي نحن بِصَدَدِها، ألا وهي تحرير مَن هو الذي يُنسب إلى المذهب ممن لا يُنسَب؟



[1] والكتاب الأَوَّل كان في نَفْي انتساب ابن حَزْم إلى الجهميَّة، وكان اسمه: "إعلام البَرِيَّة بنفي انتساب ابن حزم إلى الجهميَّة"، وهو من مطبوعات دار العقيدة - مصر.

[2] وهو مختصر كتاب: "منهاج السُّنَّة النبوية" لشيخ الإسلام ابن تيميَّة، اختصره الحافظ شمس الدِّين الذهبيُّ - رحمه الله.

[3] راجِعْ كلام الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان": (4/ 426 - 429)، وكلام شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى": (4/ 72 - 73)، وفي "الفتوى الحمويَّة الكبرى" لابن تيمية.

[4] انظر - عزيزي القارئ - إلى ما مرَّ من الكلام عن توبة أبي الحسن الأشعري، وتوبة أبي المعالي الجُوَينِيِّ، وتوبة الغزالي، وتوبة الرَّازي وغيرهم، واعْلَم أنَّ فيه فائدتين: الفائدة الأولى: فساد ما كانوا عليه، والفائدة الثانية: ثبات منهج أهل السُّنَّة، حيث لم يُنْقَل عن أئمَّتِهم هذا الرُّجوع، أو نحوه، والعجيب أنَّ أَتْباع المذهب الأشعري لا يَعُودون لمذهب الحقِّ (مذهب أهل السُّنَّة) كما عاد أئمَّتُهم، بل يبقون على ما هم عليه، ويَدْعُون إليه، ويُقِيمون المدارس والمعاهد لِنَشره، فإلى الله المشتَكى!

[5] ج 2ص 163 تحقيق محمَّد رشاد سالم.

[6] انظر: "شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة"، اللالكائي، تحقيق الأخ أحمد بن سعد بن حمدان: (1/ 157، 165).

[7] "جامع بيان العلم وفضله"، 2/ 117 تحقيق عثمان محمد عثمان، وهو في 2/ 96 من الطبعة المنيرية.

[8] توفي ابن سُرَيج سنة 306؛ انظر: "تاريخ بغدد" 4/ 290، و"سِيَر أعلام النُّبَلاء"، 14/ 201، والظاهر أنه تُوفِّي قبل رجوع الأشعري إلى مذهب السَّلف، والأشعري تُوفِّي سنة 324، أو 330 على قولين، وانظر عقيدة ابن سريج في: "اجتماع الجيوش الإسلامية"، ص 62.

[9] "التِّسعينية"، 238 - 239، وانظر "شرح الأصفهانية"، 31 من ج 5 من "الفتاوى الكبرى" نفسها، وانظر عن الكرخي وعقيدته: "اجتماع الجيوش الإسلامية" و"مختصر العلو"، وله ترجمة في "طبقات الشافعية" لابن السُّبكي، و"طبقات الشافعية" لابن كثير (مخطوط).

[10] يُلاحَظ أنَّ كلاًّ من الشافعية والحنابلة يَدَّعي الهروي لمذهبهم، ورَجَّح شيخ الإسلام أنه يَأخذ من كِلَيهما، ويَتَّبِع الأثَر؛ انظر "شيخ الإسلام عبدالله الهروي" ص96، وقوله فيهم نقله في "التسعينية"، 277 عن كتاب "ذَمِّ الكلام"، وهو يُحقَّق بجامعة الإمام كما قرأت، وانظر أيضًا عن موقف الشافعية "دَرْء التعارض"، 2/ 106.

[11] انظر غير ما ذُكِر: "سِيَر أعلام النبلاء"، ترجمة بشر 10/ 200 - 201، و"الحموية": ص 14 - 15 طبعة قُصَي الخطيب.

[12] انظر "المنتظم" لابن الجوزي، أحداث سنة: 433، 469، 475، وغيرها ج 8 وج 9.

[13] ص 81 - 89، و 105 - 109.

[14] مُتَّفقٌ عليه، من حديث أبي هريرة وعمرو بن العاص، أخرجه البخاري في "صحيحه": (كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، باب: أَجْر الحاكم إذا اجتَهَد فأصاب أو أخطأ / ح 7352).

ومُسْلم في "صَحيحه": (كتاب الأقضية، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد، فأصاب أو أخطأ، ح 15).

[15] "القواعد المُثْلى" للعلاَّمة محمد بن صالح العُثَيمين، ص 79.

[16] ونحن لا نُنكِر أنَّ لِبَعض العلماء المنتسبين إلى الأشعري قدَمَ صِدْقٍ في الإسلام والذَّبِّ عنه، والعناية بكتاب الله تعالى، وبِسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - رواية ودراية، والحرص على نفع المسلمين وهدايتهم، ولكن هذا لا يستلزم عصمتهم من الخطأ فيما أخطَؤوا فيه، ولا قبول قولهم في كلِّ ما قالوه، ولا يمنع من بيان خطئهم ورَدِّه؛ لما في ذلك من بيان الحَقِّ وهداية الخلق.

ولا ننكر أيضًا أنَّ لبعضهم قصْدًا حسَنًا فيما ذهب إليه، وخَفِيَ عليه الحَقُّ فيه، ولكن لا يكفي لقبول القول حُسْنُ قَصْدِ قائله، بل لا بُدَّ أن يكون موافِقًا لشريعة الله - عزَّ وجل - فإن كان مخالِفًا لها وجب رَدُّه على قائله كائنًا من كان؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من عَمِل عملاً ليس عليه أمرُنا، فهو رَدٌّ))؛ متَّفَق عليه.

أخرجه البخاري في "صحيحه": (كتاب الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ح 2697). وأخرجه مسلم في صحيحه: ( كتاب الأقضية/ باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور/ ح 17 ، 18).

ثم إنْ كان قائلُه معروفًا بالنَّصيحة والصِّدق في طلب الحَقِّ اعتُذِر عنه في هذه المخالفة، وإلاَّ عومِلَ بما يَستحقُّه بسوء قصده ومخالفته.

[17] يَقصد: محمد علي الصَّابوني، صاحب "مختصر تفسير ابن كثير"، و"مختصر تفسير الطبري"، و"صَفْوة التَّفاسير"، وهو أشعري جَلْدٌ.

ويُضاف إليه: حسن علي السقاف، ومَن على شاكِلَتهما.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بيان وإيضاح
  • البدور السافرة في نفي انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة (2 / 6)
  • البدور السافرة في نفي انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة (3 / 6)
  • البدور السافرة في نفي انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة (4 / 6)
  • كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ / 1361م)
  • هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟
  • الرد على الذين يكفرون الأشاعرة
  • نشأة الأشاعرة وتأثرها بالفرق الأخرى: معلومات ووقفات

مختارات من الشبكة

  • البدور السافرة في نفي انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة البدور السافرة في أحوال الآخرة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة البدور السافرة في علوم الآخرة (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة البدور السافرة في أمور الآخرة (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة البدور السافرة في أمور الآخرة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ترجمة البدر السابع من البدور السبعة ( علي الكسائي ) وراوييه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وصف البدر وأحواله في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة شرح ابن بدرون(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • التشبع بالانتساب الكاذب لقوم ليس منهم، ويعظم الأمر إن كان الانتساب إلى آل البيت(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البدور المنيرة في ثلاثيات مسند أبي هريرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- السفاريني
علي - الجزائر 20-03-2016 10:41 AM

السلام عليكم ...السفاريني له قولان حول الأشاعرة راجع البحور الزاخرة في علوم الآخرة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب