• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

الشورى في الإسلام بين النظرية والتطبيق

تامر عبدالفتاح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/9/2010 ميلادي - 11/10/1431 هجري

الزيارات: 190715

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشورى في الإسلام بين النظرية والتطبيق

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتَّبع هدْيَه إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعد:

فإنَّ الإسلام يَحرص كلَّ الحرص على إرْساء المبادئِ، التي يشعُر في ظلِّها كلُّ مسلم بأنَّه فردٌ له مكانته وكرامته بين أبناء مجتمعه.

ومن تلك المبادئ التي يَحرص الإسلام على إرْسائها: مبدأ الشورى، ذلك المبدأ الذي اهتمَّ به القُرآن الكريم، والتزمَ به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما التزم به صحابتُه - رضوان الله عليْهم - وفي هذا المقال يسرُّني أن أتناوَل ذلك بشيء من التَّفصيل.

 

اهتمام القرآن بالشورى:

لقدْ ذكر الله - تعالى - الشورى في موضعين من كتابه العزيز، لكلِّ موضع منهما دلالتُه القوية على وجوب هذا المبدأِ الهامِّ من مبادئ الإسلام، أمَّا الموضع الأوَّل من هذيْن الموضعين، فهو قول الله- تعالى- مُخاطبًا رسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

وهذه الآية تدلُّ دلالة قويَّة على وجوب الشورى، من جهة أنَّها نزلت عقِب هزيمة المسلمين يوم أُحد، وفي ظروف يتَّضح منها أنَّ رأْي مَن أشار على النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يكن صوابًا، ومع ذلك فقد أنزل الله- سبحانه وتعالى- أمرَه بالعفو عنهم ومشاورتِهم، وهذا يؤيد عناية الإسلام بالشورى.

 

وأمَّا الموضع الثَّاني، فهو قول الله - تعالى -: ﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 36- 38]، والذي يتأمَّل في هذه الآية المباركة، وينظُر في تركيبها - يجد أنَّ الله قد ذكر الشورى - كصفة من صفات عباده - بين ركنيْن أساسيَّين من أركان الإسلام، هما: الصَّلاة، والزَّكاة، وهذا يدلُّ على أهميَّة الشورى، وأنَّها واجبةُ التنفيذ مثل الصَّلاة والزكاة.

 

دعوة الرسول إلى الشورى:

لقد دعا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى الأخْذ بِمبدأ الشُّورى في كلِّ أمرٍ لم ينزل فيه وحْي من الله، ولم يمضِ فيه سنَّة من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

وهذه بعض الأحاديث الواردة عنْه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ذلك:

1- عن أبي هُريرة- رضي الله عنه - قال: "ما رأيتُ أحدًا قطُّ كان أكثرَ مشورةً لأصحابِه من رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ رواه الشافعي.

2- وعن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله- صلَّى الله عليْه وسلَّم- عن العزْم، قال: ((مشاورة أهل الرأي، ثم اتِّباعهم))؛ رواه ابن مردويه.

3- وعن أبي هُريرة- رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((المستشار مؤتمن))؛ رواه أبو داود والترمذي.

4- وعن جابر- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا استشار أحدُكم أخاه، فليُشر عليه))؛ رواه ابن ماجه.

 

تطبيق الرسول للشورى:

كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قدوةً حسنةً في تطْبيق هذا المبدأ، وإلْزام نفسِه به، ولقد اشتملتْ سنَّتُه العمليَّة على صورٍ رائعة لمُشاورة الرَّسول لأصحابِه، وإليك- أيها القارئ الكريم- عرضًا لبعض تلك المواقف، التي استشار الرسولُ فيها أصحابه، وألزم نفسه فيها بمبدأ الشورى:

1- مشاورة الرسول لأصحابه في غزوة بدر الكبرى:

وذلك حين خرج الرَّسول ومعه أصحابه لاعْتراض قافلة تجارية لقريش؛ بهدف الاستيلاء عليها، فما أن علِمت قريش بهذا النبأ، حتى أرسلتْ بجيش كبير مجهَّز بأحدثِ معدَّات عصْرِه، وهُنا أراد الرَّسول أن يَختبِر مدى استِعْداد جنوده، فلم يجِدْ لذلك أنْجح من الشُّورى، فطلبها منهم، يروي ابنُ هشام في "سيرته": أنَّ الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - استشار النَّاس، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر فقال وأحْسن، ثم قام عمر فقال وأحسن، ثم قام المِقْداد بن عمرو فقال: "يا رسولَ الله، امضِ لما أراك الله، فنحن معك، واللهِ ما نقول لك كما قالتْ بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربُّك فقاتلا، إنَّا ها هنا قاعدون، لكن: اذهب أنت وربُّك فقاتلا، إنَّا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحقِّ، لو سرت بنا إلى بَرْكِ الغِمَاد، لجالدْنا معك من دونه حتى تبلغه"، فقال له رسولُ الله خيرًا ثم دعا له.

 

ثم قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أشيروا عليَّ أيُّها الناس))، وإنَّما يريد الأنصار؛ وذلك لأنَّهم عدد الناس، وأنَّهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسولَ الله، إنَّا براء من ذمامِك حتَّى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلتَ إليْنا فأنت في ذمَّتِنا، نمنعُك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتخوَّف ألا تكون الأنصار ترى عليْها نصرَه إلاَّ ممَّن دهَمه بالمدينة مِن عدوِّه، وأن ليس عليهم أن يسير بِهم إلى عدوٍّ من بلادهم، فلمَّا قال ذلك رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال له سعد بن معاذ: والله، لكأنَّك تُريدنا يا رسول الله، قال: ((أجَلْ)) قال: "قد آمنَّا بك وصدَّقْناك، وشهدنا أنَّ ما جئتَ به هو الحق، وأعْطيناك على ذلك عهودَنا ومواثيقَنا على السَّمع والطاعة، فامضِ- يا رسول الله- لِما أردتَ فنحن معك، فوالذي بعثك بالحقِّ، لو استعرضتَ بنا هذا البحْرَ فخُضتَه لخُضْناه معك، ما تخلَّف منَّا رجل واحد، وما نكْره أن تلْقى عدوَّنا بنا غدًا، إنَّا لَصُبُر في الحرْب، صُدُق في اللقاء، لعلَّ الله يريك منَّا ما تقرُّ به عينُك، فسِرْ على بركة الله، فسُرَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوْل سعدٍ ونشطه ذلك، ثم قال: ((سيروا وأبْشِروا، فإنَّ الله قد وعدني إحدى الطَّائفتين، والله، لكأنِّي الآن أنظر إلى مصارع القوم)).

 

ويروي ابنُ إسحاق: أنَّه في نفس تلك الغزوة نزل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِجيشه في أدْنى ماءٍ من بدر، فسأله صحابيٌّ جليل هو الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل: أمنزلاً أَنْزَلَكَه الله، ليس لنا أن نتقدَّمه أو نتأخَّر عنه، أم هو الرَّأْي والحرب والمكيدة؟ قال: ((بل هو الرأْي والحرْب والمكيدة))، فقال: يا رسول الله، فإنَّ هذا ليس بمنزل، فانْهض بالنَّاس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزلُه ثم نغوِّر ما وراءَه من القُلُب، ثم نبني عليْه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القومَ، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: فسار حتَّى إذا أتى أدْنى ماءٍ من القوم نزل عليْه، ثم أمر بالقُلُب فغوِّرت، وبنى حوضًا على القَليب الذي نزل عليه، فمُلِئَ ماء ثم قذفوا فيه الآنية" (سيرة ابن هشام، ج2 ، ص 411، 412).

 

2- مشاورة الرَّسول لأصحابِه في أسرى بدْر:

أخرج أحمد ومسلم من حديثِ عُمر - رضِي الله عنه - في قصَّة بدْر، وفيه: "واسْتشار رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أبا بكْرٍ وعليًّا وعمر- رضي الله عنْهم- فقال أبو بكر: يا رسول الله، هؤلاء بنو العمِّ والعشيرة والإخوان، وإنِّي أرى أن تأخُذ منهم الفدية فيكون ما أخذْناه قوَّة على الكفَّار، وعسى أن يهدِيَهم الله فيكونوا لنا عضدًا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما ترى يا ابنَ الخطَّاب؟)) قال: قلتُ: والله، ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تُمكِّنَني من فلانٍ- قريبٍ لعمر- فأضرب عنقَه، وتمكِّن عليًّا من عَقيل فيضرب عنقَه، حتَّى يعلم الله أنَّه ليست في قلوبنا هوادة للمُشركين، وهؤلاء صناديدُهم، وأئمَّتهم وقادتهم.

 

فهوى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلت، وأخَذ منهم الفِداء، فلمَّا كان من الغَد، قال عمر: فغدوتُ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبي بكر، وهُما يبكِيان، فقلت: يا رسول الله، أخبِرْني ماذا يُبكيك أنتَ وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيْتُ، وإن لم أجِد بكاء تباكيْتُ لبكائِكما، فقال الرَّسول- صلَّى الله عليْه وسلَّم-: ((للَّذي عرض عليَّ أصحابُك من أخذِهم الفداء، قد عُرض عليَّ عذابُكم أدنى من هذه الشجرة))- شجرة قريبة- وأنزل الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67- 69].

 

3- مشاورة الرسول لأصحابه في الخُروج لغزوة أحد:

لمَّا سمِع الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسلِمون بأنَّ المشركين قد نزلوا مقابل المدينة، قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - للمسلمين: ((إنِّي قد رأيتُ والله خيرًا، رأيت في ذباب سيْفي ثلمًا، ورأيتُ أني أدخلتُ يدي في درْعٍ حصينة فأوَّلتُها المدينة، فإن رأيتُم أن تُقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشرِّ مُقام، وإن هم دخلوا عليْنا، قاتلْناهم فيها))، وكان رأْي عبدالله بن أبي بن سلول مع رأْي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يرى رأيَه في ذلك وألا يخرج إليْهم، وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يكره الخروج.

 

فقال رجالٌ من المسلمين ممَّن أُكرم بالشَّهادة يوم أُحُد وغيره ممَّن فاته بدْر: يا رسول الله، اخرجْ بنا إلى أعدائِنا، لا يرون أنَّا جبنَّا عنْهم وضعفْنا، فقال عبدالله بن أبي بن سلول: يا رسول الله، أقِم بالمدينة لا تَخرج إليْهم؛ فوالله ما خرجْنا منها إلى عدوٍّ لنا قط إلا أصاب منَّا، ولا دخلها عليْنا إلا أصبْنا منه، فدعْهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشرِّ محبس، وإن دخلوا قاتَلهم الرِّجال في وجوهِهِم، ورماهم النِّساء والصِّبيان بالحجارة من فوقِهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا، فلم يزَل الناس برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذين كان من أمْرِهم حبُّ لقاء القوم حتَّى دخل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيتَه فلبس لأمَتَه، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصَّلاة، وقد مات في ذلك اليوْمِ رجلٌ من الأنصار، يقال له مالك بن عمرو، فصلَّى عليه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثُمَّ خرج عليْهم وقد ندِم النَّاس، وقالوا: استكرهْنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يكُن لنا ذلك، فلمَّا خرج عليْهم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالوا: يا رسولَ الله استكرهناك ولم يكُنْ لنا ذلك، فإن شئت فاقْعُد- صلَّى الله عليك- فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما ينبغي لنبيٍّ إذا لبس لأمَتَه أن يضعها حتى يُقاتل))، فخرج رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ألْفٍ من أصحابه. (سيرة ابن هشام، جـ3 ، ص 4746).

وأودُّ أن أشير هنا إلى أنَّ ما حدث للمُسلمين من هزيمةٍ في يوم أحُد ليس معناه أنَّ الشورى سببٌ في ذلك؛ لأنَّ هزيمة المسلمين في تلك الغزوة كانت لأسباب لا علاقة لها بالشُّورى، منها مخالفة الرماة لأوامِرِ الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وانشغال المسلمين بِجمع الغنائم.

 

4- مشاورة الرَّسول لأصحابِه في صلح غطفان:

أخرج ابنُ إسحاق عن الزهري قال: لمَّا اشتدَّ على النَّاس البلاءُ يومَ الخندق، بعث رسول الله- صلَّى الله عليه وسَلَّم- إلى عُيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المرِّي، وهما قائدا غطفان، فأعطاهُما ثلثَ ثِمار المدينة على أن يرجِعا بمن معهُما عنْه وعن أصحابه، فجرى بينه وبيْنهما الصُّلح، حتى كتبا الكتاب ولم تقعِ الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك، فلمَّا أراد رسولُ الله- صلَّى الله عليه وسَلَّم- أن يفعل، بعثَ إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهُما واستشارَهُما فيه، فقالا له: يا رسولَ الله، أمرًا تحبُّه فنصنعه لك، أم شيئًا أمرك الله به ولابدَّ لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ قال: ((بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنَّني رأيتُ العرب قد رمتْكم عن قوْسٍ واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردتُ أن أكشف عنكم من شوكتِهم إلى أمر ما))، فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنَّا نحن وهؤلاء القوم على الشِّرْك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكُلُوا منها ثمرةً إلاَّ قِرًى أو بيعًا، أفحين أكرمَنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزَّنا بك وبه، نعطيهم أموالَنا؟! والله، لا نعطيهم إلا السيفَ حتَّى يحكُم الله بيننا وبينهم، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فأنت وذاك))، فتناول سعدُ بن معاذ الصحيفةَ فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجْهدوا علينا. (سيرة ابن هشام، ج3 ، ص163).

 

التزام الخلفاء الراشدين بالشورى:

على نفس الطريق التي سلكها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الأخذ بمبدأ الشورى سار صحابتُه من بعده، ويكفينا في هذا المقام أن نستدلَّ على صِدْق ذلك بالمواقف الآتية:

♦ اختيار خليفة رسول الله- صلَّى الله عليه وسَلَّم -:

عند وفاة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى المسلمون أن يَختاروا خليفةً له يقوم بتدبير الأمور من بعدِه، وقد أسرعوا إلى ذلك قبل القيام بواجبِ تشييعِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث اجتمع كبار المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة، ليتشاوروا في هذا الأمر، وبعد مناقشاتٍ ومُشاورات اجتمع أمرُهم على أبي بكر الصديق، فبايعوه خليفةً لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثُمَّ بايعه عامَّة المسلمين مرَّة ثانية في المسجد، وبذلك تكون تلك البيْعة تطبيقًا عمليًّا رائعًا لمبدأ الشورى.

 

♦ اختيار عمر خليفة أبي بكر:

رأى أبو بكر في فترة خلافتِه أن يجنِّب الأمَّة ما حدث من خلافات عند وفاة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فما كان منه إلا أنِ اختار لهم عمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنه - واستشار كِبار الصَّحابة في ذلك، فاقتنعوا بهذا الاختيار؛ لذلك فقد سارعَ المسلِمون جميعًا بعد وفاة أبي بكْرٍ إلى مبايعة عمر بن الخطَّاب بالخلافة، وهكذا نرى أنَّ رأْيَ الأمَّة كان هو الأساس في اختيار عمر خليفة لأبي بكر.

 

♦ اختيار عثمان خليفةً لعمر:

وعندما طُعِن عمر في المسجد ذهب إليه المسلِمون، وطلبوا منه أن يستخلف عليهم، فقال لهم: إن أستخلِفْ، فقد فعل ذلك من هو خيرٌ مني – يعني: أبا بكر- وإن لم أستخلف، فقد فعلَ ذلك مَن هو خير مني – يعني: رسولَ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم- ولكنِّي أرى أن تكون شورى بين: عثمان بن عفَّان، وعلي بن أبي طالب، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقَّاص، والزُّبير.

حتَّى إذا انتقل عمرُ إلى جوار ربِّه اجتمع أهلُ الشورى، وتشاوروا أيَّامًا ثم اختاروا عثمان بعد أن قام عبدالرَّحمن بن عوف بِمشاورة كبار المهاجِرين والأنصار، فبايعوه وبايعه النَّاس، وهكذا تمَّت بيعة عثمان بالشُّورى أيضًا.

 

5- مشاورة أبي بكر وعمر لأهل الرأي:

ويكفينا في هذا المقام أن نذكُر دليلاً واحدًا على ذلك، وهو ما أخرجَه ابنُ سعد عن القاسم: أنَّ أبا بكر الصِّدِّيق - رضِي الله عنه - كان إذا نزل به أمرٌ يُريد فيه مشاورةَ أهلِ الرأي والفقه، دعا رجالاً من المُهاجرين والأنصار، ودعا عمرَ وعثمان، وعليًّا، وعبدالرحمن بن عوف، ومعاذَ بن جبل، وأبيَّ بن كعب، وزيدَ بن ثابت- رضي الله عنهم- وكلُّ هؤلاء كان يُفْتي في خلافتِه، وإنَّما يصير فتوى النَّاس إلى هؤلاء، فمضى أبو بكر على ذلك، ثمَّ ولي عمر فكان يدعو هؤلاء النفر، وكانت الفتوى تصيرُ وهو خليفةٌ إلى عثمانَ، وأبيٍّ، وزيد.

 

بعد أن عرضْنا لتلك النَّماذج الطيِّبة، وهذه الصُّور الرَّائعة، التي تشهَدُ بِصِدْق التِزام الرَّسول وصحابتِه بِمبدأ الشورى، ننتقل إلى نقطةٍ أُخْرى تأتي كنتيجةٍ لما عرضناه، وهي: "سمات الشورى في الإسلام" وفيما يلي عرضٌ لبعضِها:

الشورى ملزِمة للحاكم:

ولقد كثُر الكلام حول هذا الموضوع، وتناوله كثيرٌ من علمائنا الإجلاَّء، ما بين مؤيد ومعارض، ولكل رأيُه ودليله، ولكنَّ المجال الآن لا يتَّسع لتلك الخلافات.

وحسبي في هذا المقام أن أُشير إلى ما سبق من المواقف التي ذكرناها كنماذج لتطبيق الرَّسول وصحابتِه لمبدأ الشورى، فهذه المواقف كافيةٌ في الاستدلال على تأيِيد أنَّ الشورى في الإسلام مُلْزِمة للحاكم.

والقول بأنَّ الشورى غير ملزِمة للحاكم معناه إلْغاء أرادة الأمَّة، وخضوعها لنزعات الاستِبداد الفردي عند الحاكم.


مجال الشورى:

هو الأمور التي لم ينزِل فيها وحي من الله، ولم ترِدْ فيها سنَّة من رسول الله، أمَّا ما نزل فيه وحيٌ من الله أو وردتْ فيه سنَّة من رسول الله، فلا مَجالَ للشُّورى فيه؛ إذ إنَّه لا يقبل التَّغْيير.

 

كيفية الشورى:

♦ لم يحدِّد الإسلام طريقةً معيَّنة للشُّورى، وإنَّما تركها للأمَّة تكيِّفُها مع ظروفِها وتطوُّراتِها.

♦ تأخذ الشورى في الإسلام برأْي الأغلبية، بل إنَّها تحترم هذا الرَّأْي احترامًا شديدًا، وخير دليل على ذلك ما فعله الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزْوة أحُد، حين نزل على رأي الأغلبيَّة.

♦ تخلو الشُّورى الإسلاميَّة من مساوئ النُّظُم الديمقراطيَّة، فهي لا تعرِف الحزبيَّة التي يمقُتُها الإسلام.

♦ الشُّورى الإسلاميَّة تجنِّب الأمَّة نزعات الاستِبْداد الفرْدي عند الحاكم، كما أنَّها تقي المجتمع من آراء الشذَّاذ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشورى
  • الشورى في الإسلام
  • لذة النظر
  • البيعة والشورى في عصر النبوة
  • الشورى من أركان التضامن المجتمعي
  • الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية

مختارات من الشبكة

  • منظومة الشورى في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نبذة مختصرة عن أحكام الشورى في الإسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الشورى في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشورى وأهميتها في الإسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الشورى في الإسلام (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الشورى في الإسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حرص الملك عبدالعزيز على تطبيق مبدأ الشورى(مقالة - موقع موقع الدكتور خالد بن عبدالرحمن بن علي الجريسي)
  • في رحاب سورة الشورى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في الشورى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عن الشورى وقوة الرأي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- ملاحظات مهمة
ياسين الحاج - مصر 26-05-2021 06:36 PM

الشُّورى تكون في كلِّ أمرٍ لم ينزل فيه وحي من الله، ولم يمضِ فيه سنَّة من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم. ولم يتبين فيه وجه الحق .. أما لو تبين الحق في القرآن أو السنة أو غيرهما وجب العمل بما تبين الحق فيه
والملزم هو الأخذ بالشورى عند عدم العلم أو عدم المعرفة أو عند اختلاط الأمر على متخذ القرار
أما عند وضوح الأمر فلا شورى ثم
والملزم من القرارات ما كان متفقا عليه سلفا ولم يظهر ما يعارضه مما هو أقوى منه
الملزم هو العقود المبرمة والمواثيق واللوائح والقوانين والدساتير والالتزامات المسبقة وكل ما كان من هذا الباب
(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)
وجود نصي ظني الدلالة ( من القرآن والسنة أو غيرهما مما يوجب الأخذ به ) قد يحتاج إلى استشارة أهل التخصص لمعرفة مراد المشرع الأصلي
الشورى لا تعني سؤال الناس جميعا وأخذ نسبة التصويت في الاعتبار بل سؤال أهل التخصص والعلم والفيصل ليس رأي الجماهير بل ظهور الحق والاقتناع به ولو خالف الجماهير الغفيرة.
الناس لا تخلط بين الاتفاق على تمرير القرارات بأغلبية التصويت الملزم بناء على الاتفاق المبرم سلفا وبين مبدأ الشورى الملزم في نفسه لرفع الجهل وغير الملزم بالنزول على رأي الأغلبية التي ربما تكون على ضلالة وبين اجتماع الأمة وهذا له حديث آخر
كذلك عدم الخلط بين النزول على رأي الناس أو الأغلبية بسبب اللوائح وبين عدم الاقتناع بالرأي لفساده أصلا فلو رأى أغلبية المصوتين على قرار ما السير في اتجاه ما ورأي أحدهم عدم شرعية القرار لمبدأ أعلى مما هم فيه وجب عليه السير في اتجاه ما يراه صحيحا ولو قطعت سالفته.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب