• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فضائل الأيام العشر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    أدلة الأحكام المتفق عليها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأنثى كالذكر في الأحكام الشرعية
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    الإنفاق في سبيل الله من صفات المتقين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    النهي عن أكل ما نسي المسلم تذكيته
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الحج: آداب وأخلاق (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    يصلح القصد في أصل الحكم وليس في وصفه أو نتيجته
    ياسر جابر الجمال
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تلاوة القرآن الكريم

محمد الشرقاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/8/2010 ميلادي - 24/8/1431 هجري

الزيارات: 31946

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تلاوة القرآن الكريم

 

لتلاوة القرآن الكريم أسلوبٌ فريد، ونموذج رائع جَمَع بين استحسان الشَّرع، وملائمة الطَّبع، بحيث يحقِّق الهدف المنشود مِن تلاوته، وترديد آياته مرَّة بعد أخرى حسْبَما دعا له القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ﴾ [الكهف: 27]، وقوله جلَّ من قائل: ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [المزمل: 20].

 

وهذا الأسلوب الخاصُّ الذي تفرَّد به القرآن الكريم تلاوةً وأداء - يعتمد أساسًا على تصحيح الحروف، وإجادة الوقوف، وتدبُّر المعنى، وتفهُّم المغزى، مع لُطف الأداء الصوتي، وجمال النُّطق به، والترديد له.

 

وقد دعانا الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم إلى تمييز القرآن الكريم عن غيره من ألوان الكلام في الأداء والتَّعبير، ووضْعه في إطارٍ خاصٍّ يتَّفق مع جلالة رسالته، وقدسيَّة أهدافه، فقد روى زيدُ بن ثابت رضي الله عنه، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أنه قال: ((إنَّ الله يحبُّ أن يُقرأ القرآن كما أنزل))، وإذا ذهبْنا نتتبَّع هذه الصورةَ التي أنزل بها القرآن لنتعرَّف هيئتها مِن واقعها، ونتبيَّن ملامحَها مِن وصفها، وجدْنا في كتاب الله تعالى ما ينقع غُلَّتنا، ويَفِي بتطلُّعاتنا؛ يقول الله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 4]، وفي آية أخرى: ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [الفرقان: 32].

 

فالترتيل إذًا هو الأسلوبُ الحكيم الذي انفردَتْ به تلاوةُ كتاب الله، وتميَّزَت به عمَّا عدَاه في النُّطق والأداء، وهذا الترتيل الذي نَدَبَ إليه القرآنُ في أكثر مِن آية، وعبَّر عنه بصيغة الأمر الذي يوحي بالوجوب أو الأهميَّة، أو الأولويَّة - هو الطريقة المُثلَى التي ينبغي أن يَلتزم بها كلُّ قارئ، وأن تَتَحَدَّد بها كلُّ تلاوة، فكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا مِن خلْفه لا يليق أن يُعامل معاملةَ الشِّعر في إلْقائه الموزون، وإثارته العاطفية، ولا ينبغي أن نُنزله منزلة الخُطبة في طنطنتها الفخمة، ورنَّاتها الضخمة، ولا يُناسب أن نسردَه سَرْدَ الحكايات والطرائف في عبارتها الاستهوائيَّة البرَّاقة، ولا أن نُلقيَه في قوالب الصياغة العِلميَّة الجافَّة؛ بل إنَّ سموَّ مكانته، وخطورة آثاره تُضفي على قراءته لونًا خاصًّا يتناسب مع هذا السُّموِّ والخطَر، وهذا اللَّون هو الترتيل، والترتيل في لُغة العرب: تتابُع الكلام، وأخْذ بعضِه بعناقِ بعضٍ على مُكْثٍ وتلبُّث، مع حُسْن الصوت، ورِقَّة الأداء.

 

وقد فسَّره ابن عباس رضي الله عنهما بأنَّه التبيين والإظهار، كما شرَحه مجاهد بأنَّه التأنِّي والتمهُّل، وقال فيه الضحاك: (إنَّه إخراج الكلام حرفًا حرفًا)، وقد حكَت بعضُ أمَّهات المؤمنين صورًا مِن تلاوته صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا شكَّ أنهنَّ في هذا المجال أَلْصَقُ الناس به، وأعْرَفُهم برقَّته - سُئلَت عائشةُ رضي الله عنها عن قراءته صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فقالت: (كان يقرأ السُّورة حتى تكونَ أطول مِن التي هي أطولُ منها)، وسُئلَت كذلك السيِّدة أمُّ سلمة رضي الله عنها نفسَ السؤال فقالت: (كان يُفسِّرها حرفًا حرفًا).

 

وقد دلَّت الآثار المرويَّةُ على أنَّ عناية الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بحُسْن الأداء، وجمال القراءة لم تَشغَلْه عن الهدف الأساس مِن القراءة؛ وهو الانتفاع والذِّكرى، فكان عليه الصلاة والسلام يجْمع فِكرَه وقلبَه في التلاوة؛ للوصول مِن خلالها إلى أبْلَغِ المفاهيم الدِّينيَّة، والانتفاع بأقصَى ما يمكن الانتفاعُ به مِن مذخور الحِكَم، وكنوز الإحكام، حَكى عنه ذلك أصحابُه في غير موضع؛ ومِن هؤلاء أبو الدرداء رضي الله عنه، الذي روى: أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم قام في ليلةٍ يُردِّد آيةً واحدة حتى الصباح؛ وهي: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118]، وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه، الذي خَدَم الرسول عليه الصلاة والسلام تسعَ سنين، يُسأل عن تلاوته صلَّى الله عليه وسلَّم فيقول: (كانت مدًّا هكذا، ثم قرأ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، يمدُّ ﴿اللَّهِ﴾، ويمدُّ ﴿الرَّحْمَنِ﴾، ويمدُّ ﴿الرَّحِيمِ﴾.

 

ومن هنا نلاحظ أنَّ عماد الترتيل المطلوب في قراءة كتاب الله عز وجل إنَّما هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف؛ كما حُكي هذا عن علي رضي الله عنه، ومِن مكملات هذا الترتيل: تحليةُ القراءة، وتزيين التلاوة بالصَّوت الحسَن، والأداء الأغَنِّ الجميل؛ قال ابن الجزري في كتابه "النشر في القراءات العشر": (وقد أدركْنا مِن شيوخنا مَن قرأ القرآن مجوَّدًا مصحَّحًا كما أُنزل تلتذُّ الأسماع بتلاوته، وتخشعُ القلوب عند قراءته حتى يكادَ يَسلب العقول، ويأخذ بالألباب، وهذا سرٌّ مِن أسرار الله يُودِعه مَن يشاء مِن خلقه...)، وذكر أيضًا أنَّ الأستاذ عبد الله البغداديَّ، المعروف بسبْط الخياط، مؤلف "المبهج" - كان قد أُعطي حظًّا عظيمًا مِن حُسن الترتيل، وأنَّه أَسلَم جماعةٌ مِن اليهود والنَّصارى مِن سماعهم لتلاوته، ومِثلُه في ذلك الشيخ ابن بصخان شيخ الشام، والشيخ إبراهيم الحكري شيخ الدِّيار المصريَّة، على أنَّ الاقتصار على هذه المكملات، وحصْر الاهتمامِ في استهواء القلوب والأسماع بجمال النبرات، وتناسُق الألحان، مع صرْف العناية عن الهدَف الأوَّل مِن الترتيل: وهو الإدراك الواعي، والفَهْم الناضج لِمَا يَشتَمل عليه القرآن مِن حِكَم وأحكام، ومعانٍ وآداب، وعِبَرٍ ومواعظَ، يَذهب بالفائدة المرجوَّة مِن الترتيل، ويُضحِّي بالكثير مِن أجْل القليل، ويقصد المعنى حفاظًا على صورة المبنَى، وهذا خروجٌ عن الجادَّة المرسومة لتحديد معنى الترتيل الذي اختصَّ به القرآن، وتميَّز به في تلاوته عمَّا عَدَاه؛ قال محمد بن كعب القُرَظي: (لأنْ أقرأَ في ليلتي حتى أصبح: "إذا زلزلت الأرض"، و"القارعة" لا أزيد عليهما، وأتردَّد فيهما، وأتفكَّر - أحبُّ إليَّ من أن أهذَّ القرآن هذًّا)؛ أي: أُسرع فيه إسراعًا ليس فيه شيء ممَّا ذُكر.

 

وكان الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يُعجبه الصوتُ الموهوب في ترتيله لآيات الذِّكر الحَكيم؛ حيث تنسجم روعةُ الأداء، مع قدسيَّة المضمون، والجمال مع الكمال، وتتوافق الصورةُ والرُّوح، في نفس مطبوعة على السُّموِّ المطْلق، والتكامُل الفِطري؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يحبُّ الإنصاتَ لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، المسمَّى بابن أمِّ عبد، وكان رضي الله عنه يتميَّز بصوتٍ نفَّاذ، وأداء للقرآن أخَّاذ، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لأصحابه: ((مَن أحبَّ أن يقرأ القرآنَ غضًّا كما أُنزل، فليقرأْ قراءةَ ابنِ أمِّ عبد))؛ يعني: ابن مسعود، وقد ثبت في الصَّحيحين: أنَّ قراءة ابن مسعود أبكتِ الرسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم حين سمعه في بعضٍ منها، كما نُقل عن عثمان النهدي قوله: (صلَّى بنا ابنُ مسعود المغرب بـ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، ووالله لوددتُ أنَّه قرأ بسورة البقرة مِن حُسن صوته وترتيله).

 

وكان الرأيُ السائدُ بين سلفنا الصالح: أنَّ التلاوة مع العُمق والقلَّة خيرٌ منها مع السطحيَّة والكثرة؛ لأنَّ المقصودَ الأهمَّ منها هو تقليبُ الفِكر، واستدامة النَّظر في هاتيك الدُّرر الغوالي التي احتواها القرآن، وما يَشعُّ منها مِن بريق الهِداية، وأضواءِ الحِكمة، وهذا ما لا يُفطن له إلَّا بحضور القلب، وتفتُّح الفؤاد حالَ القراءة أو السَّماع، وقد سُئل مجاهد عن رجُلَين قرأ أحدهما البقرة، والآخرُ البقرةَ وآل عمران في الصَّلاة وركوعهما واحد، وسجودهما واحد، فقال: الذي قرأ البقرة وحْدَها أفضل، وفي صحيح البخاري: أنَّ ابن مسعود قال لرجل قرأ سُوَر المفصَّل كلها في ليلة: (أَهَذًّا كَهَذِّ الشِّعر؟!)، وهو بهذا يُنكِر عليه تعجُّلَه المخلَّ بتفكُّره وتدبُّره، ومما روي عنه رضي الله عنه: (جَوِّدوا القرآن، وزيِّنوه بأحسَن الأصوات، وأعربوه فإنَّه عربي، واللهُ يحبُّ أن يعرب به)، وقوله: (لا تَنثروا القرآن نَثرَ الدَّقل، ولا تهذُّوه هذَّ الشِّعر)؛ والدقل كما في المصباح المنير: هو أردأ التَّمر.

 

وممَّن طرب له الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم في تلاوته، واستمالته قراءته: أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، وكان مِن ذوي الحناجر الذهبيَّة الموهوبة، سمعه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقرأ مِن وراء جُدرِ بيته فتلبَّث مليًّا؛ إعجابًا بهذا الصَّوت المشرق، والأداء الرائع، فلمَّا عرف ذلك أبو موسى قال للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: (لو علمتُ بوقوفك لحبَّرْتُه لك تحبيرًا)؛ أي: حسَّنته لك أكثرَ مما سمعتَ.

ومعنى ذلك: أنَّ إجادة الترتيل ليس لها حدٌّ تقف عنده، وأنَّها قابلة للتطوير إلى الحدِّ الذي لا يُفسد المبنَى، ولا يُلهي عن المعنَى.

 

وما دُمنا قد تحدَّثنا عن جمال الصَّوت، وحُسن الأداء حين التلاوة، فإنَّنا نُنبِّهُ إلى أنه ليس معنى هذا التفريط أو الإفراط، فكما لا يجوز الإخلالُ بصحَّة الحروف، واستقامة الوقوف، كذلك لا يجوز المبالغة في نُطق الحروف، والتكلُّف في إخراجها، حتى تصِل إلى صورةٍ مشوَّهة جافية، وما أَحسَنَ قولَ أبي عمرو الدَّاني في هذا الصَّدد: (ليس التجويد بتمضيغ اللِّسان، ولا بتقعير الفم، ولا بتعويج الفكِّ، ولا بترعيد الصَّوت، ولا بتمطيط الشَّدِّ، ولا بتقطيع المدِّ، ولا بتطنين الغنَّات، ولا بحصرمة الرَّاءات؛ بل هو القراءةُ السَّهلة العذبة، الحُلوة اللَّطيفة، التي لا مضغَ فيها، ولا لَوْك، ولا تعسُّف، ولا تكلُّف، ولا تَصنُّع، ولا تنطُّع، ولا تَخرج عن طِباع العرب، وكلام الفُصحاء بوجه مِن وجوه القِراءات والأداء).

 

فالإطارُ الذي يُمكن أن يبرز فيه الترتيل حسبما تراءى مِن خلال وصفِه وواقعه كما نُقل إلينا - يَعتمدُ أصلًا على صِحَّة الحروف، ومعرفة الوقوف، كما يستند كذلك إلى تجميلِ القراءة بالصَّوت الحسَن مع التفكُّر الهادف، والإلمام الواعي، والسَّبح في فلك الأهداف القرآنيَّة للاهتداءِ بإشعاعاتها، والاسترشاد بمواعظها، وهذه هي التلاوةُ المثاليَّة للقرآن الكريم، وعلى جانبيها طريقتان أُخريان يمثِّلان طرفي الغُلوِّ والتساهُل، ويُسمَّيان عند أهل الفنِّ: التحقيق والحدر، والأوَّل هو العناية البالغة بمخارج الحروف: مِن إشباع، وتحقيق همز، وإتمام حركة، وإظهار تشديدات، وتوفية غنَّات، وتفكيك حروف بالسَّكت والترسُّل، وهذا اللَّون لا ينبغي أن يكون إلَّا للمتعلِّمين لتعويد النُّطق، وتوليد الانطباعات اللِّسانيَّة.

 

وأمَّا النَّوع الثاني - وهو المسمَّى بالحدر - فهو الإسراع مع إيثار الوصل؛ ولكن مع المحافظةِ على الحروف وإقامة الإعراب، ويلجأ إليه البعضُ تحصيلًا لحسنات أكثرَ، وإحرازًا لفضيلة أتمَّ، ولكنَّ الحقَّ خلافُ ذلك؛ فإنَّ العِبْرة ليست بوفرة التلاوة، بل بكثرةِ الإفادة، وقد أَحسنَ بعضُ أئمَّة الترتيل حين قال: (إنَّ ثواب قراءة الترتيل والتدبُّر أجَلُّ وأرفع قدرًا مِن ثواب كثرة القراءة، فالأوَّل كمَن تصدَّق بجوهرة ثمينة، والثاني كمَن تصدَّق بعدد كثير مِن الدراهم).

 

وبعد، فقد انتهينا الآنَ إلى أنَّ أفضل ألوان القراءة القرآنيَّة هو الترتيل، وهو الذي جاء به التنزيل الحكيم، وإنَّ عماد الترتيل صحَّةُ الحروف، وملاحظة مناسبات الوقوف، مع حُسن الأداءِ وتجميل الصَّوت، وإدارة الفِكر، وإعمال القلب والوجدان فيما يمرُّ به مِن آيات بيِّنات، ومواعظَ بالغات، وإنَّ التشدُّد في أداء الحروف - سواء بالتحقيق أو بالتطريب - يُخرجها عن حدِّ القراءة المشروعة والتلاوة المتوارثة؛ كما قال حمزة: (ما كان فوق البياض فهو بَرَصٌ، وما كان فوق القِراءة فليس بقراءة)، وإنَّ خيْر الأمور أوْسَطُها، وإنَّ الثواب الجزيل منوطٌ بكيفية القِراءة لا بكمِّيتها، وحسبنا أن نقرأ قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: 106]، ومعنى المكث: التلبُّث والتروي، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204]، فإنَّ الاستماع بمعنى السُّكوت، والإنصات معناه التدبُّر، وهما لا يتأتيان بغير الأناة والترتيل، وقد جُعلَت الفَقاهةُ بمعاني ما يتلى مِن شرائط السَّلامة، كما أنَّ عدم الاستفادة مِن التلاوة مِن صفات المخالفين، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الإسراء: 45، 46]، ويقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [البقرة: 121]، ومعنى تلاوة القرآن حقَّ تلاوته - كما قال القرطبي -: (ترتيل ألفاظِه وتفهُّم معانيه؛ لأنَّ ذلك أدْعَى إلى الاتِّباع لِمَن وُفِّق).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آداب التلاوة والاستماع
  • سلسلة: (مقدمة أحكام التلاوة)
  • أحب أن أسمعه من غيري
  • وإنه لتذكرة للمتقين
  • فضائل تلاوة القرآن الكريم وحفظه
  • تلاوة القرآن بالقراءات المتواترة
  • حسن الصوت بالقرآن وآداب تلاوة القرآن
  • القرآن الكريم : معناه واشتقاقه
  • الوقف في تلاوة القرآن
  • المرأة المسلمة وتلاوة القرآن
  • حديث وفوائد
  • مقدار تلاوة القرآن ليلا في الهدي النبوي
  • الأدب مع القرآن الكريم
  • تلاوة القرآن (1)
  • التحقيق المقاصدي للأعمال: نموذج تطبيقي على مقاصد تلاوة القرآن
  • ملازمة تلاوة القرآن
  • تلاوة القرآن حلية لأهل الإيمان
  • عظمة القرآن الكريم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الدرس الثاني: فضل تلاوة القرآن وآداب تلاوته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخطوات المعينة لمن يروم تلاوة القرآن تلاوة صحيحة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تلاوة القرآن الكريم (ورتل القرآن ترتيلا)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • قراءة القرآن من غير نية التعبد بالتلاوة هل تعطى أحكام القرآن؟(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • فضل تلاوة القرآن من القرآن والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من واجباتنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • 230 مشاركا في مسابقة لتلاوة القرآن الكريم في بالتاسينسكي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تلاوة القرآن الكريم: آداب وأحكام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فضل تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/12/1446هـ - الساعة: 22:18
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب