• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (4 /4)

حسن مظفر الرزّو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/6/2010 ميلادي - 14/7/1431 هجري

الزيارات: 30668

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (4 /4)

الفصل الرابع

دلالة عبارات التوثيق لدى صيارفة الحديث

 

حفَل الفصل السَّابق بحشدٍ من العبارات، التي أطْلقها أساطينُ الحديث ونقَّاده؛ لتوثيقِ هذا الرَّاوي أو ذاك؛ لبيان مرتبتِه بميزانهم، وقد احتوت هذه العباراتُ على ألْفاظٍ شتَّى، صاغَها النقَّاد لاستِيعاب الحدود الاصطلاحيَّة التي تعرف مراتب الرُّواة، وسنعمد في هذا المقام إلى سبر النصوص المنقولة عن عبارات التوثيق، والتي أطْلقها أئمَّة هذا الشَّأن على مرِّ العصور؛ لكي نتعرَّف من خلالها على الأُسُس التي تكْمُن وراء صياغة هذه العبارات لدى هذا العالِم وذاك.

 

في البداية، نودُّ القول بأنَّه ما من شكٍّ أنَّ هناك ارتباطًا وثيقًا ومحكمًا بين الألفاظ التي انتقاها النقَّاد، فأودعوها في عباراتهم، وبين الشروط التي تبنَّاها أئمَّة مصطلح الحديث لقبول رواية الرَّاوي أو ردِّها في مراحل لاحقة؛ لذا سنقوم بإلقاء نظرة فاحصة على الحدود التي أرْساها أئمَّة الحديث حول دائِرة قبول رواية الرَّاوي؛ تمهيدًا للوقوف على دلالات عبارات التَّوثيق لديْهِم.

 

1- شروط مَن يُحتجُّ بروايته:

اشترط أئمَّة الحديث فيمَن يحتجُّ بروايتِه بعد ثبوت إسْلامِه أن يكون:

أ - عدلاً، بالغًا، عاقلاً، مع سلامتِه من الفِسْق النَّاشئ عن ارتِكاب كبيرة، أو إصْرار على صغيرة أو بدعة، ومن خوارم المروءة ممَّا لا يليق به، فيذمُّ به عرفًا[1].

ب - متيقِّظًا، غيرَ غافل عن صناعة الحديث، فلا يرفع موقوفًا، ولا يصل مرسلاً، أو يصحِّف سماعًا[2].

ج - حافظًا، ضابطًا، يُثْبت ما سمعه في حافظتِه بحيث يبعد زوالُه عنها، ويتمكَّن من استحضاره متى شاء، لفظًا أو معنى، أو يحفظه في كتابٍ يصونه بعيدًا عن تطرق أي تغيير إليه.

 

ويعرف حفظ الرَّاوي وضبطه بموافقته لأهْل الحفظ والإتقان غالبًا، ولا تضرُّ مخالفته النَّادرة لهم[3].

 

2- دلالة عبارات التوثيق:

يتجلَّى ممَّا ذكرناه في شروط من تقبل روايته أنَّ مدار نقْد الرجال يرتكز على محورين، هما: العدالة والإتقان؛ لذا فلن يكون مستغربًا أن يوظف نقَّاد الرجال عباراتِهم، والتي تحوم بمعانيها حول هذين المحْورين، للحكم على رواة الحديث.

 

ومن يعكف على دراسة بنية العبارات المنقولة في الفصْل السابق، فسيجد بأنَّ دلالة هذه العبارات تنقسم إلى:

أ - عبارات تفيد امتِياز أصحابها بكافَّة صفات العدالة والإتقان، بحيث لا تتسلَّل أيَّة شبهة إلى ساحة من أُطْلِقت عليهم هذه العبارات، وتشمل هذه الفئة عبارات: "أمير المؤمنين"، و"أحد الأحدين"، و"إليه المنتهى في التثبُّت"، و"إمام الدنيا"، و"لم أرَ مثله"، و"من أفضل أهل زمانه"، و"من أثبت الناس"، وغيرها كثير.

 

ب - عبارات تقتضي اتِّصاف أصحابِها بأكثرَ من صفة من صفات محْوَرَيِ القبول، بحيث تلْقِي الضَّوء على تبوُّؤ صاحبِها مرتبة متقدِّمة بين أقرانه، وتشمل هذه العبارات: "إمام ثقة حافظ"، و"ثقة حافظ متقن"، و"ثقة مأمون إمام"، و"ثقة متقن ثبت"، و"ثقة متقن أمين"، وغيرها كثير.

 

وفي تكرار ألفاظ التَّوثيق دلالة واضحة على توافُر أكثر من قرينة لعدالة الراوي، فتزول أي سحابة للشكوك من حوله؛ لأنَّ في إطلاقهم عبارة "إمام ثقة حافظ" دليل على أنَّ صاحبها ليس عدلاً فحسب، بل هو من أئمَّة الصنعة الذين يقصدهم المشتغِلون في هذا الفنّ، كذلك فإنَّ في عبارة "ثقة حافظ متقن" إشارة إضافيَّة إلى توفُّر صفات العدالة والضَّبط مع الإتْقان، الذي يشير بوضوح إلى إحْكام صاحبِها لصنعة الحديث.

 

ج - عبارات تحْوي على لفظين، يقع كل منهما في أحَدِ محوري النَّقْد، سواءٌ اتَّحد اللفظان أم تباينا، وتشمل عبارات: "ثقة ثقة"، و"ثقة ثبت"، و"ثبت ثبت"، و"إمام ثبت"، و"ثقة حافظ"، و"ثقة حجَّة"، و"ثقة متقن"، وغيرها.

 

ويستفاد من العبارات التي تحوي على ما تبايَن لفظه - إفادةُ العدالة وزيادة، فإذا قيل: ثقة ثبت، فقد ثبتت عدالة الرَّاوي من خلال اللَّفظة الأولى، بيْنما تفيد الثَّانية حسن ضبطه، أمَّا العبارات التي تحوي على ما تكرَّر لفظه، ففيها تأْكيد لفظي لزيادة التَّقرير، والذي يوحي بارتِقاء مرتبتِه على مرتبة الذي أُطْلِقت عليه العبارة بدون تكرار.

 

د - عبارات أطْلقها النقَّاد بمعرض الدِّفاع عن أحد الرُّواة، وبصيغة تدفع جميع الشُّبُهات عن ساحته، وتحمل هذه العبارات صفة المبالغة بتكْرير لفظة التَّوثيق إلى الحدِّ الذي يدرأ الشُّبُهات التي تحوم حوله، وتشمل هذه الفئة عبارات: "ثقة ثقة ثقة ثقة ثقة ثقة ثقة"، التي أطْلقها سفيان بن عيينة عند تزْكِيته لعمرو بن دينار.

 

إضافة إلى كلِّ ما ذكرناه حول دلالات عبارات التَّوثيق، ينبغي ألاَّ يغيب عن أذهانِنا أنَّ هذا الأمر يرتبط ارتباطًا جوهريًّا بالحقبة الزمنيَّة التي ظهرت فيها العبارة؛ أي إنَّ دلالة العبارات "أ - د" تناط حصرًا بالفترة الزمنيَّة التي نشطت فيها حركة نقْد الرِّجال؛ أي: من النصف الثاني من القرن الأول الهجْري، حتى بدايات القرن الخامس الهجري، أمَّا الفترة التي تلَتْ هذه الحقبة، فإنَّ العبارات التي ظهرت فيها قدِ استعيرت وَفْقَ منظور تأريخي لمصنَّفات المناقب، وطبقات الصفوة، فأغفل عند إطلاقها الجانب النقدي الذي اعتمده أساطين هذا الفنِّ عند التكلُّم في الرجال؛ لذا فإنَّ التَّرجيح في العبارات ينبغي أن يستنِدَ إلى معاييرَ إضافيَّةٍ تتجاوز البنية اللغوية والاصطلاحيَّة.

 

3- عبارات التوثيق ونقَّاد الرجال:

سنتوقَّف برهة من الزَّمان لإلقاء مزيدٍ من الضَّوء على بدايات ظهور عبارات التوثيق، وبِنْيتها اللغويَّة، حسب التسلْسُل الزَّمني لظهورها على ساحة عِلْم الجرح والتعديل.

 

وعليه؛ فإنَّنا إذا حاولنا التوغُّل بين العبارات لكي نتلمَّس بدايات ظهورها، فسنعثُر على أكثرَ من عبارة شاع استِعْمالها في نهايات القَرن الأوَّل الهجري، وبدايات القرْن الثَّاني، فهناك عبارة "ثبت"، قد أطْلقها ابن سيرين (110 هـ)، وعبارة "لم أرَ مثله"، لدى عبدالله بن عون (151 هـ)، وشعبة بن الحجَّاج (160 هـ)، و"ما رأيت أفضل منه"، لدى أبي حنيفة (150 هـ)، وعبارة "مصحف"، لدى سفيان الثوري (160 هـ)، وعبارة "مصحف مصحف"، لدى شعبة، وغيرها كثير.

 

أمَّا في النصف الثاني من القرْن الثاني، فنلْحَظ بوضوحٍ توْظيف ألفاظ جديدة بعبارات التَّوثيق، فهناك عبارة "ثقة جليل"، لدى زكريا بن يحيى النيسابوري (181 هـ)، وعبارات "أمير المؤمنين" و"ثقة ثقة ثقة ثقة"، و"ثقة خيار"، لدى سفيان بن عيينة (198 هـ)، وعبارة "إمام في الحديث"، لديْه ولدى عبدالرَّحمن بن مهدي (198 هـ)، وعبارة "ثقة ثقة"، لدى وكيع بن الجراح (197 هـ)، و"ثقة مأمون"، لدى يحيى بن سعيدٍ القطَّان (198 هـ)، و "صدوق مأمون خيار"، لدى عبدالرحمن بن مهدي، إضافة إلى العبارات التي تحمل صيغة "أفعل" التفضيل، والتي باتت أكثر شيوعًا لديْهِم، وبألفاظ متقاربة المعنى مختلفة المبنى.

 

مع بدايات القرن الثالث الهجري، ازدادت عبارات التَّوثيق ثراء بألفاظ جديدة، فظهرت عبارة "ثبت حافظ"، و "ثبت متقن"، و "ثقة حجَّة"، و "ثقة وزيادة"، و "حافظ متقن"، لدى الإمام أحمد بن حنبل (241 هـ).

 

أمَّا محمد بن سعد، فقدِ استعمل عباراتٍ مستحْدثةً؛ كعبارة "ثقة ثبت حجَّة"، و"ثقة ثبت حجَّة عدل"، و"ثقة ثبت مأمون حجَّة"، و"ثقة حجَّة مأمون"، و"ثقة حجَّة رفيع مأمون"، وهي عبارات ذات طابع وصْفي، أطْلَقَها كمؤرخٍ يَكيل المديحَ لأئمَّة الحديث، بعيدًا عن دائِرة علم الحديثِ واصْطِلاحه.

 

بيْدَ أنَّ هذا لا ينفي ظهورَ اصطِلاحات تحْوي أكثَرَ من لفظةٍ للتَّوثيق لدى نقَّاد الرِّجال، فهُناك عبارة "إمام ثقة حافظ"، و"ثقة إمام"، و"ثقة حافظ متقن"، و"ثقة صدوق حجَّة"، و"ثقة مأمون إمام"، و"ثقة متقن ثبت"، أطْلقها أبو حاتم الرَّازي (277 هـ) على أكثرَ من محدِّث، وهو من أئمَّة الصَّنعة.

 

ومع بدايات القرْن الرَّابع الهجري، شرع ابن أبي حاتم (327 هـ) في تهْذيب هذه الألفاظ وترتيبها، في سِفْره الجليل "الجرح والتعديل"، ثم جاء من بعدِه الخطيب البغدادي (463 هـ)، ثم ابن الصَّلاح (643 هـ)، الَّذي أرسى الدَّعائم الاصطِلاحية لعبارات التَّوثيق والتَّجريح التي تناولها المتأخِّرون عنه، فأضافوا إليها هذا الاصطِلاح وذاك من التربة الخصْبة لنقَّاد الحديث الأوائل، والتي احتوت على حشد كبير من العبارات.

 

بالمقابل انتشرت اصطِلاحات وعبارات ابتَدَعَها المؤرِّخون وأصحاب كتُب المناقب والطبقات، الذين لم يبخلوا بكيْل عبارات التَّوثيق من مورد المحدِّثين، فظهرت عبارات لم يعْهدْها نقَّاد الرجال، تُخْفي بين طيَّاتها دلالات تُخالف ما عهدناه لديْهم.

 

لذا؛ فإنَّ العباراتِ التي ظهرت في الفتْرة التي تلت القرْن الرَّابع الهجري لم تصدر عن المنهل النقْدي لرجال الصنعة، فاحتوت على عبارات مديح أكثرَ من عبارات التَّوثيق، التي تداولها المشتغِلون في ميدان الجرح والتَّعديل.

 

وعليْه؛ فليس من المستغرب أن تَجد لدى الذهبي (748 هـ) مَن أطلق عليه عبارة "إمام حجَّة"، ولا ترتقي مرتبتُه عن درجة ثقة لدى المتقدِّمين، أو تجد السَّمعاني (510 هـ) يُطْلِق عبارة "حافظ ثقة متقن" على رجلٍ لا يرتقي إلى هذه المرتبة لدى صيارفة الرِّجال.

 

وخلاصة القول في هذا المقام:

أ - إنَّ ظهور عبارات توثيق الفئة الأولى للمحدِّثين الثقات، لدى مَن عُرِفوا لديْنا بروَّاد الحديث عن الرِّجال؛ كابن سيرين، وابن عوْن، وشعبة، وغيرهم - يشير بوضوح إلى أنَّ بداياتِ الكلام عن الرِّجال قد ابتدأت في مرحلة سابقة؛ وذلك لنضوج عبارات التَّوثيق لديْهم بشكل ملموس.

 

ب - إنَّ حشد العبارات التي زخرت بها الفترة الممتدَّة ما بين القرْن الثاني الهجري ونِهايته - تَحمل بين طيَّاتها ما يؤكِّد عمق دلالة الاصطِلاح لديْهِم، وأنَّ مراتب الرجال كانت واضحةً لديْهِم لا لبس فيها، إلاَّ أنَّهم لم يعمِدوا إلى ترتيبها أو تَهذيبها في مدوَّناتهم كما فعل ابن أبي حاتم والَّذين أتَوْا من بعده؛ أي: بعبارة أخرى: لا ينطوي عمل ابن أبي حاتم على إضافةٍ جديدة في هذا المضْمار؛ لأنَّ العباراتِ قد تداوَلَها أكثرُ من ناقدٍ أو صيرفي للرِّجال، وبدلالة مقاربة، وهذا يشير بوضوحٍ إلى وجود اتِّفاق على دلالة بعض هذه العبارات في تلك الفترة المتقدِّمة.

 

ج - إنَّ الاصطِلاحاتِ والعبارات التي أوْدَعها ابنُ أبي حاتم في مقدِّمة "الجرح والتعديل"، والخطيب البغدادي في "كفايته"، وابن الصلاح في "مقدمته"، والتي أصبحت فيما بعدُ المنهلَ الأساسي لكلِّ المشتغلين في ميدان الجرح والتعديل - لم يعمِد أصحاب المصنَّفات المذكورة إلى صياغتِها بجهد شخصي؛ بل قدِ استعاروها من عبارات المتقدِّمين، قياسًا على مرْتبة الرُّواة الذين أطلِقَت عليهم.

 

د - إنَّ ميل المتأخِّرين إلى إطلاق عبارات التَّوثيق على المتقدِّمين أو المتأخِّرين - لم ينبُع وَفْق المعيار النَّقْدي الذي تبنَّاه أئمَّة الصَّنعة؛ أي: إنَّها لا تحمِل نفس الدّلالة لتِلْك التي تناوَلَها المتقدِّمون؛ لذا فإنَّ هذه العبارات لا يُمْكِن أن تُصْبح موردًا ينهل منه المشتغِلون في هذا الميْدان، بل ينبغي التَّريُّث أمامها، وعدم اعتِمادها في توثيق الرُّواة؛ بل يتم التَّعامُل معها بنفس معيار التَّعامل مع عبارات كتُب المناقب؛ كـ"حِلْية الأوْلياء"، و"صفة الصفوة"، و"تذْكرة الحفَّاظ"، وغيرها منَ الكتُب التي ظهرت في بدايات القرْن الخامس الهجري، والفتْرة التي تليها، والتي لم يبخَلْ أصحابُها بكيْلِ المديح للسَّلف، بعيدًا عن دائرة الاصطِلاح.

 

4- مراتب الفِئة الأولى من المحدِّثين الثقات:

بعد أن اكتملتْ رِحْلَتنا مع عبارات الفِئة الأولى من المحدِّثين الثقات، فألْقينا الضَّوء على البِنْية اللغوية والاصطلاحيَّة لهذه العبارات، ثمَّ حاولْنا تتبُّع التطوُّر التاريخي لهذه البِنْية، وأخيرًا عمدْنا إلى تناوُل دلالة هذه العبارات في ميْدان مصطلح الحديث، لم يتبقَّ أمامنا سوى بيان مراتِب أصحاب هذه الفِئة على ضوْء ما تراكم لديْنا من عبارات.

 

إذًا؛ لن نعرِّج في هذه المرْحلة على استِعارة عبارات التَّوثيق من كتُب الاصطِلاح الموجودة بين أيدِينا؛ بل سنعمد إلى العبارات التي استَوْعبناها في هذا المبحث لكي نحدِّد المراتب.

 

وعليه؛ ستتَّجه الموازنة التي سنعْتَمِدُها بين العبارات بالأساس نَحو محْوَرين:

أ - المحور الأوَّل، الذي يتضمَّن سبْر دلالة العبارة اصطلاحيًّا.

ب - أمَّا المحور الثاني، فيهْدف نحو تقْييم دلالة العبارة على ضوْء هويَّة الرِّجال الذين نالوا شَرَف الاتِّصاف بها.

 

وعليه؛ فإنَّ المرتبة التي تتبوَّؤُها عبارة التَّوثيق ترتبط بدلالتها الاصطلاحيَّة، وبالرواة الَّذين قد أطلقها النقَّاد عليهم، فترتقي العبارة بميزان المصطلح بارتِقاء المرتبة التي يتبوؤُها المحدِّث الذي نالها.

 

على هذا الأساس، فإنَّ مراتب الفِئة الأولى من المحدِّثين الثقات تتحدَّد بالعبارات التَّالية:

4 - 1- ما يدلُّ على التفرُّد بالصنعة والإمامة فيها:

وقد أُطْلق هذا النَّوع من العبارات على أساطين الحديث ونقَّاده، الذين لم يُخْتلف في جلالتِهم وإمامتِهم، وتشمل عبارات:

أ - أمير المؤمنين في الحديث.

ب - صيغة "أفعل" التفضيل بجميع اشتِقاقاتها:

وتشمل عبارات: "أثبت الناس"، و"أحد الأحدين"، و"أحفظ الأمَّة"، و"من أفضل أهل زمانه"، و"ما رأيت أحفظ منه"، و"ما رأيت أفضل منه"، و"ما رأيت أحدًا مثله".

 

ج - عبارة "إمام" بكافَّة ارتباطاتِها مع ألفاظ التوثيق الأُخْرى:

وتشمل عبارات "إمام"، و"إمام الدنيا"، و"إمام المسلمين"، و"إمام أهل زمانه"، و"إمام ثبت"، و"إمام ثقة"، و"إمام ثقة حافظ"، و"إمام حافظ ثبت"، و"إمام حافظ متقن ثبت"، وغيرها من العبارات.

 

د - عبارة "إليه المنتهى في التثبُّت".

هـ - عبارة "لا يُسأل عن مثله"، وما يكافِئُها من عبارات؛ مثل: "لم ترَ عيناك مثله"، و"لم أر مثله"، وغيرها من العبارات.

 

و - عبارات تلوح إلى معانٍ تقَعُ ضمن هذا المحور:

وتشمل عبارات "سيِّد المحدثين"، و"سيد المحدثين حفظًا"، و"صيرفي الحديث"، و"مصحف"، و"ميزان"، سواءٌ تكرَّرت اللفظة أم أُفْرِدت.

 

4 - 2- ما تكرَّرت عبارتُه مع تباين اللَّفظ:

وتشمل عبارات: "ثقة إمام"، و"ثقة ثبت"، و"ثقة حجَّة"، و"حافظ ثبت".

 

4 - 3- ما تكرَّرت عبارته مع اتِّحاد اللفظ:

وتشمل عبارات: "ثبت ثبت"، و"ثقة ثقة"، و"ثقة ثقة ثقة ...."، و"ثقة ثقة وزيادة"، "مصحف مصحف".

 

4 - 4- ما تكرَّرت عبارته بأكثر من لفظ:

وتشمل حشدًا من العبارات التي تضمُّ أكثر من لفظٍ، يشير إلى توفُّر أكثر من صفة من صفات القبول لدى الرَّاوي، وقد شاعت هذه العبارات في الفتْرة التي تلي ظهور العبارات (4 - 2)، (4 - 3)، وتتألَّف هذه الفئة من عبارات: "ثقة ثبت حافظ متقن"، و"ثقة ثبت حجَّة"، و"ثقة ثبت حجَّة عدل"، و"ثقة ثبت مأمون"، و"ثقة ثبت مأمون حجَّة"، و"ثقة ثبت متْقن"، و"ثقة حافظ ضابط"، وغيرها من العبارات التي يصْعُب حصْرُها في هذا المقام.

 

4 - 5 - عبارات احْتَوَت على أحد مِحْوري القبول مع صفةٍ أُخْرى ترْقَى بها:

وتشمل عباراتٍ احتوت على ألفاظ تلوح بالعدالة أو الإتْقان، مع صفة أخرى تعضدها، وتشْمل عبارات: "ثبت صالح"، و"ثبت صدوق"، و "ثبت متْقن"، و"ثقة أمين"، و"ثقة جبل"، و"ثقة جليل"، و"ثقة مأمون"، و"ثقة خيار"، و"ثقة رضا"، و"ثقة متْقن"، و"ثقة نبيل"، وغيرها كثير.

 

وثمَّة ما يَجب أن نشير إليْه هنا، هو أنَّا لا نميل إلى التَّرجيح بين أصْحاب الفئة الواحدة؛ لأنَّنا نعتقِد يقينًا أنَّ المفاضلة ينبغي أن تكون أكثَرَ استيعابًا؛ لسبْر أكْثر من عامل، وهذا يرتبِط بهُوِيَّة النَّاقد الذي أطْلق هذه العبارة، ودلالتها لديْه، إضافةً إلى الحِقْبة التي أُطْلقت فيها العبارة، وغيرها من العوامل التي قد ترْقى بالعبارة على عبارات نفْسِ الفئة للأسباب المتقدِّمة.

 

وآخِر دعْوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.


فهرست المراجع:

1- تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، بدون تاريخ، دار الكتاب العربي، بيروت.

2- تدريب الراوي شرح تقريب النَّواوي، لجلال الدين السيوطي، الطبعة الثانية، 1385 هـ، دار الكتب الحديثة، القاهرة.

3- تذكرة الحفَّاظ، لشمس الدين الذَّهبي، 1374 هـ، مكتبة الحرم المكي، مكة المكرمة.

4- ترتيب المدارك، للقاضي عياض، الطبعة الأولى، 1384 هـ، الرباط.

5- التَّعديل والتَّجريح لمن خرَّج له البخاري في الجامع الصَّحيح، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، الطبعة الأولى، 1406 هـ، دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض.

6- تهذيب التَّهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى، 1326 هـ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن.

7- تهذيب الكمال في أسماء الرِّجال، للحافظ أبي الحجَّاج يوسف المزِّي، الطبعة الأولى، 1400 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.

8- توضيح الأفكار لمعاني تنْقيح الأنظار، لمحمَّد بن إسماعيل الصنعاني، الطبعة الأولى، 1366 هـ، مطبعة الخانجي، القاهرة.

9- الجرح والتَّعديل، لابن أبي حاتم الرَّازي، الطَّبعة الأولى، بدون تاريخ، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن.

10- الرَّفع والتَّكميل في الجرْح والتَّعديل، لأبي الحسنات اللكنوي، الطبعة الأولى، 1383 هـ، مكتبة المطبوعات، بيروت.

11- شرح صحيح مسلم، لأبي زكريَّا يحيى بن شرف النَّووي، بدون تاريخ، دار الفكر، بيروت.

12- شرح علل الحديث، لابن رجب الحنبلي، الطبعة الأولى، 1396 هـ، مطبعة العاني، بغداد.

13- الضعفاء الكبير، للعقيلي، الطبعة الأولى، 1404 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.

14- فتح المغيث شرح ألفيَّة الحديث، لشمس الدين السخاوي، الطبعة الأولى، 1403 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.

15- القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي، 1403 هـ، دار الفكر، بيروت.

16- الكفاية في علم الرِّواية، للخطيب البغدادي، بدون تاريخ، دار مكتبة الهلال، بيروت.

17- لسان العرب، لابن منظور الأفريقي، 1375 هـ، دار صادر، بيروت.

18- المعرفة والتاريخ، ليعقوب بن سفيان الفسوي، الطَّبعة الأولى، مطبعة العاني، بغداد.

19- معرفة علوم الحديث، لأبي عبدالله الحاكم النيسابوري، الطَّبعة الثَّالثة، 1399 هـ، دار الآفاق الجديدة، بيروت.

20- مقدِّمة في علوم الحديث، لابن الصلاح المروزي، 1386 هـ، مطبعة الأصيل، حلب.

21- ميزان الاعتِدال في نقْد الرِّجال، لشمس الدِّين الذَّهبي، الطَّبعة الأولى، 1382 هـ، دار إحْياء الكتُب العربيَّة، القاهرة.

22- هدْي السَّاري مقدِّمة فتْح الباري، للحافظ ابن حجَر العسقلاني، الطبعة الأولى، 1410 هـ، دار الكتب العلميَّة، بيروت.

 


[1] توضيح الأفكار 2: 118، تدريب الراوي 2: 300.

[2] فتح المغيث 1: 290.

[3] توضيح الأفكار 2: 118.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (1/4)
  • عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (2/4)
  • عبارات توثيق الفئة الأولى من المحدثين الثقات (3 /4)
  • الداعية العدل الضابط
  • المذاكرة عند المحدثين (1 / 5)
  • مختصر المجروحين من المحدثين لشمس الدين البعلي الحنبلي

مختارات من الشبكة

  • عبارات خاطئة منتشرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات الأفضلية في اللغة العربية (الأهمّ فالأهمّ) ونظائرها(كتاب - حضارة الكلمة)
  • بيان الفرق بين بعض العبارات الجهمية الصريحة وبين العبارات المجملة التي يقولها عامة المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات في الجرح والتعديل مشتقة من اسم الرجل المتكلم فيه جرحا أو تعديلا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية حسن اختيار عبارات الكلام..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات بلاغية وأمثال عربية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظاهرة لبس ما عليه علامات أو رموز أو عبارات غير شرعية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تنوع عبارات ابن حجر في الراوي ومرويه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبارات عن الكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لحظات وكليمات من حياة النبوة(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- جزاكم الله خيراً على الفائدة
جاسم - الكويت 26-06-2010 03:35 PM

جزاكم الله خيراً على الفائدة والنفع الكبيرين الذي جنيته من مقالكم تقبلوا شكري وامتناني

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب