• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / أصول فن الخطابة / مقومات الخطيب / مهارات الخطيب
علامة باركود

أدلة خطيب الجمعة لإقناع المصلين

الشيخ علي محفوظ

المصدر: كتاب "فن الخطابة"
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/3/2008 ميلادي - 19/3/1429 هجري

الزيارات: 16435

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأدلة في أصول الخطابة

 

أصول الخطابة ثلاثة: الإيجاد، والتنسيق، والتعبير.

والأول: هو إعمال الفكر في استنباط الوسائل الجديرة بإقناع السامع، والوسائل الأدلة، ولا بدَّ مع الأدلة من توافر الآداب الخطابية، والعلم بالأهواء والميول النفسانية، وذلك أن مقصود الخطيب:

أولاً: إنارة العقول، وتنبيه الأذهان، وحملها على الإذعان، وذلك لا يتم إلا بالأدلة.

 

ثانيًا: التأثير في الأرواح وجذب القلوب، وذلك يكون بتوافر الآداب في الخطيب.

 

ثالثًا: استمالة النفوس إلى ما يطلب منها بإثارة عواطفها، وذلك يكون بمعرفة الأهواء والغرائز، وطرق تهييجها أو تسكينها، ولكل من هذه الثلاثة مبحث يخصه.


في الأدلة:

الدليل في اللغة: المرشد، وفي اصطلاح الحكماء: ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، وهو قطعي وظني، فالقَطْعِي: ما أوجب التصديق اليقيني، ويسمى برهانًا، وهو ما تألف من اليقينيات السِّتِّ:

1 - أوليَّات: وهي القضايا التي يُدْرِكُها العقل بِمُجَرَّدِ تَصَوُّر الطرفين كقولك: الواحد نصف الاثنين، والكُلُّ أَعْظَمُ من الجزء.

 

2 - مشاهدات: وهي القضايا التي يدركها العقل بالحس الظاهر.

 

3 - مجرَّبات: وهي ما يُدْرِكُها العقل بواسطةِ تَكرارٍ يُفِيدُ اليقين؛ كقولنا: السقمونيا مسهلة للصفراء.

 

4 - حدسيَّات: وهي القضايا التي يُدْرِكُها العقل بواسطة حدس يفيد العلم؛ كقولك: نور القمر مستفاد من نور الشمس.

 

5 - متواترات: وهي ما يُدْرِكُها العقل بواسطة السماع عن جَمع يُؤْمَنُ تواطُؤُهُم على الكذب.

 

6 - قضايا قياساتُها هي القضايا التي قياساتُها معها: وهي ما يدركها العقل بواسطة لا تغيب عن الذهن عند تصوُّر الطَّرَفَيْنِ؛ كقولك: الأربعة زوج، فإن العقل يدرك ذلك بواسطة لا تَغيبُ عنِ الذِّهْنِ عند تصوُّر الطَّرفيْنِ، وهي أنَّ الأربعة تنقسم إلى متساويَيْنِ، وكلُّ مُنْقَسم إلى متساويين زوج.

والبرهان لا يُستَعْمَل في الخطابة، قال في "المناهج الأدبيَّة": والأقوال الصادقة يقينًا لا تقع في الخطابة من حيثُ إنَّها خطابة، فإن ألَمَّ بِها الخطيبُ فقد عدل بالخطابة عن أصلها، والظني ما أفاد الظَّنَّ فقط، ويتألف من غير اليقينيات، وهي ست أيضًا مشهورات مسلمات، والمؤلَّف منها يُسمَّى جدلاً؛ كقولنا: الظلم قبيح، وكُلُّ قبيحٍ يَشِينُ، والإحْسَانُ خيرٌ وكُلُّ خَيْرٍ يَزين، وقولك: خبر زيد خبر عدل، وكل ما هو كذلك يعمل به، ومظنونات مَقبولات والمؤلف منها يُسمَّى خطابة، مخيلات والمؤلف منها يُسمَّى شِعرًا، ووهْمِيَّات والمؤلف منها يسمى سفسطة، كقولك في أمة شرقية: هذه أمة تُساسُ بِإِرادتِها؛ لأنَّ لها مَجلسًا نيابيًّا ينظر في شؤونها، فإنه استدلال خطابي مؤلف من أقوال مظنونة إذ الشأن في الأمم ذات المجالس النيابية أن تكون مسوسة بإرادتها، وليس هذا دليلاً قطعيًّا لجواز أن تتغلب عوامل الهوى عند الانتخاب، فلا يكون صحيحًا؛ كقولك لمن تأخذه العزَّة بالإثم حينما تنكر عليه قوله أو عمله: لا تستنكف أن ينكر عليك قولك أو عملك، فقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما بويع بالخلافة: "فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فردُّونِي"، فإنَّه أيضًا استدلالٌ خِطابِي قام على أقوال مقبولة صَدَرَتْ من تقي يعتقد صدقه؛ وكقول أرسطو للإسكندر: إن الناس إذا قدروا أن يقولوا قدروا أن يفعلوا، فاحترس من أن يقولوا: تسلم من أن يفعلوا، فإنَّ مبناه غلبة الظن لجواز أن يكون القادر على القول عاجزًا عن الفعل، وأن يوجد الاحتراس ولا توجد السلامة من أفعال الناس، وباقي الأمثلة لا تخفى على بصير.

وتؤخذ أدلَّةُ الخَطابة من التَّأمُّل في موضوعِ البَحْثِ وإمعان النظر في أحواله، وتسهيلاً لاستخراج هذه الأدِلَّة، قد وضع الأقْدَمون من اليونان جدولاً لما يُمكن استعماله منها، وأطلق العرب عليه اسم مواضع؛ قال ابن سينا: إن الحجج في الجدل والخطابة تؤخذ من المواضع، فمن طلب الإقناع وهو لا يَعلمُها كان كحاطب ليل يسعى على غير هداية لا لبخل في الموضوع؛ بل لنقصان في الاستعداد، فالمواضع مصادر الأدِلَّة العامَّة التي يمكن للخطيب استعمالها في كل مقام، إمَّا لإثبات قوله وتأييد رأيه، أو توسيع المعاني بحسن البيان، وهي نوعان ذاتية وعرضية:

فالذَّاتيَّة ما تستفاد من ذات الموضوع وهي كثيرة:

منها: تعريفه بِذِكْرِ خواصِّه اللازمة؛ أي البينة والثبوت له والانتفاء عن غيره؛ كقول الإمام علي - كرم الله وجهه - لكميل بن زياد النخعي: يا كميل، العلم خير من المال، العلم يَحرُسك وأنت تَحرس المال، والعلم حاكمٌ والمالُ مَحكومٌ عليْهِ، والمال تنقصه النفقة والعلم يَزكو على الإنفاق، مات خُزَّان الأموال وهم أحياء، والعُلماءُ باقونَ ما بَقِيَ الدَّهْرُ، أعيانُهم مفقودة وأمثالُهم في القلوب موجودة.

ومنها: شرح الأعراض التي تختصُّ جُملَتُها به؛ فإنَّه في معرفَتِها إعانةٌ على كمال معرفة ما هي له، فالتحلِّي بِها كَقَوْلِ الحسن البصري لعمر بن عبدالعزيز في وصف الإمام العادل: اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المرعى، ويذودها عن مراتع المهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحرِّ والقرِّ، وكالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغارًا ويعلِّمُهم كِبارًا يَكْتَسِبُ لَهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته؛ وكالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها حملته كرهًا، ووضعته كرهًا، وربته طفلاً تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بِعافِيَتِه وتغتمُّ بِشكايَتِه، وكالقَلْبِ بَيْنَ الجوانح تصلح الجوانحُ بِصلاحِه وتَفْسُدُ بِفَسادِه.

 

ومِنْهَا: تعريف الشيء بذكر آثاره، فإنَّ حقائق الأمور خفيَّة، وإنَّما تظهَرُ بِفَوائِدِها وآثارِها، فإذا أردتَ إثبات حكم لأمر أو نفيَه عنه فعدِّدْ آثارَهُ الحسنة أوِ السيِّئة التي يستدل منها على صلاح علتها أو فسادها، إذ حال المعلومات تابع لحالِ عِلَلِها، ثُمَّ ابْنِ حكمك على ذلك في مقام الترغيب فيها أو الترهيب منها، كقولك في الصوم مثلاً: إن للصوم آثارًا حسنة وفوائد عظيمة:

1 - إنه يضبط النفس ويطفئ شهوتَها، فإنَّها إذا شبِعَتْ تَمرَّدَتْ وطَلَبَتِ الشهوة، وإذا جاعت خضعتْ وامْتَنَعَتْ عمَّا تَهوى قال صلوات الله وسلامه عليه: "يا معشر الشباب منِ اسْتَطَاعَ مِنْكُم الباءةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أغضُّ لِلبَصَرِ وأَحْصَنُ لِلفَرْجِ، ومَنْ لَم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بالصوم فإنه له وجاء"؛ متَّفق عليه، فكان الصوم ذريعة إلى كف النفس عن المعاصي.

2 - إنه وسيلة إلى تربية النفوس وتَهذيبِها؛ لأنَّها إذا انقادت للامتناع عن الحلال الذي لا غنى لها عنه طلبًا لمرضاة الله تعالى، وخوفًا من أليم عذابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام الغنية عنه فكان سببًا في اتقاء المحارم، وقوة العزيمة وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

3 - إنَّه وسيلةٌ إلى شُكْرِ النِّعمةِ إذْ هُو كفُّ النَّفس عنِ الأكل والشرب، ومباشرة الحليلة، وهِيَ من جلائل النعم، والامتناع عنها زمانًا معتبرًا يعرف الإنسان قدرها، إذ لا يُعْرَفُ فَضْلُ النعمة إلا بعدَ فَقْدِها، فيبعثه ذلك على القيام بِشُكْرِها وشُكْرُ النِّعْمة واجبٌ وإلَيْهِ الإشارةُ بِقَوْلِه تعالى ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

4 - إنه يبعث في الإنسان فضيلةَ الرَّحْمة بالفقراء، والعطف على المساكين، فإنَّهُ إذا ذاق أَلَمَ الجوع في بعض الأوقات تذكَّر به مَنْ هو ذائقُه في جَميع الأوقات، فيسارع إلى رحمته والإحسان إليه.

5 - إنَّهُ يُنَقِّي الجسم من الفضلات الرديئة، والرطوبات المعوية، ويشفي من اضطرابات الأمعاء المزمنة، والبول السكري، وزيادة الضغط الذاتي، والتهاب الكلى الحاد والمزمن، وأمراض القلب المصحوبة بورم، وما إلى ذلك منَ المَزايا الصِّحِّيَّة الَّتِي شهد بها العدو قبل الصديق.

وقِسْ على ذلك آثار تناوُلِ المسكرات وتعاطي المخدرات ومضارها البدنية والعقلية والمالية والاجتماعية، واعلَمْ أنَّ التَّشْبِيهَ المعروفَ عند البيانيِّين، وإن كانت الغاية منه حسن البيان إلاَّ أنَّه يأْتِي أيْضًا للإقْناع، وكثيرًا ما يتوسَّلُ بِهِ الخُطباءُ إلى مقاصِدِهِمْ؛ لأنَّه يَزِيدُ المعنى وضوحًا، ويكسبه تأكيدًا، ولِهذا جاء كثيرًا في الكتب السماوية وأطبق عليه جميع المتكلمين من العرب والعجم، ولم يستغنِ أحدٌ مِنْهُم عنه، وقد جاءَ عن القُدَماء وأهل الجاهلية من كل جيل ما يستدل به على شرفه وفضله وموقعه من البلاغة بكل لسان؛ كقوله تعالى ترغيبًا في بذل الأموال في الجهاد لإعلاء كلمة الله، ووجوه الخير: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون كالجسم الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بِالحُمَّى والسَّهَرِ))؛ رواه الجماعة، وقول ابن المقفع: "الدنيا كالماء الملح كلما ازداد صاحبه شربًا ازداد عطشًا، وكالكأس من العسل في أسفله السم للذائق منه حلاوة عاجلة وفي آخره الموت الزعاف أي السريع وكأحلام النائم التي تفرحه في منامه فإذا استيقظ ذهب الفرح".

أَلاَ إِنَّمَا الدُّنْيَا كَأَحْلاَمِ نَائِمِ
وَمَا خَيْرُ عَيْشٍ لاَ يَكُونُ بِدَائِمِ
تَأَمَّلْ إِذَا مَا نِلْتَ بِالأَمْسِ لَذَّةً
فَأَفْنَيْتَهَا هَلْ أَنْتَ إِلاَّ كَحَالِمِ

 

فإنَّه شبَّه الدنيا ولذَّاتِها في سرعة الانقضاء بالحلم، ومنها: المثل ولضرب الأمثال في الخطابة مزايا لا يستهان بها، فإنها ألطف ذريعة إلى القلوب الغبية، وأقوى وسيلة إلى تسخير العقول الأبية، ذلك لأنها تصوير للمعقول بصورة المحسوس، وإيراد لأوابد المعاني في هيئة المأنوس، وبذلك تبقى صور المعاني راسخة في الأذهان، لا تذهب بطول الزمان، ولا يأتي عليها النسيان، وهي أنواع مفترضة ممكنة، وهي ما نسب فيها النطق والعمل إلى عاقل كالأمثال النبوية، وتختلف عن الحكاية من وجهين:

1 - أن لها مغزى.

 

2 - كونها غير واقعية وإن كانت في حيز الإمكان، ومخترعة مستحيلة، وهي ما جاءت على ألسنة الحيوانات والجمادات، فيعزى لها النطق والعمل لإرشاد الإنسان؛ كأمثال كليلة ودمنة، ومختلطة وهي ما دار فيها الكلام والعمل بين الناطق وغيره، وكثيرًا ما يكون ضرب المثل على وجه التَّشابُه والحكم؛ كما قال ابن المقفع في "مودَّة الصالحين والأشرار": المودَّة بين الصالحين سريعٌ اتِّصالُها، بطيءٌ انْقِطاعُها كآنيةِ الذَّهَبِ، بطيئة الانكسار، هينة الإعادة، والمودة بين الأشرار سريع انقطاعُها، بطيءٌ اتصالها كآنية الفخار، يكسرها أدنى شيء، ولا وصل لها أبدًا، وقوله: يبقى الصالح من الرجال صالحًا حتى يصاحب فاسدًا.


فإذا صاحبه فسد؛ مثل مياه الأنهار تكون عذبة حتى تخالط ماء البحر، فإذا خالطته ملحت، وملح من بابَيْ دخل وسهل، ومن الصور الوهمية التي يخترعها الوهم، والأمور الفرضية التي يبتدعها الخطباء وسيلة إلى المقصود قول ابن المقفع: مخترعًا صورة حسية لتبيان قصر الحياة ولذاتها الزائلة، وعدم خلوها من المخاطر والمنغصات، التمست للإنسان مثلاً فإذا مثله مثل رجل لجأ من خوف فيل هائج إلى بئر فتدلى فيها، وتعلق بغصنين كانا على سمائها فوقعت رجلاه على شيء في طي البئر، فإذا حيات أربع قد أخرجن رؤوسهن من أجْحارِهِنَّ، ثُمَّ نظر في قاع البئر فإذا فيه تنِّينٌ فاتِحٌ فاهُ مُنْتَظِرٌ له لِيَقَعَ فيأخذه، فرفع بصرَهُ إلى الغصنين فإذا في أصلهما جرذان أسود وأبيض، وهما يقرضان الغصنين دائبين لا يفتران؛ فبَيْنَمَا هُو فِي النظر لأمره والاهتمامِ لِنَفْسِه إذْ أبْصَرَ قريبًا منه كوارة[1] فيها عسل نَحْلٍ فذاق العسل فَشَغَلَتْهُ حلاوتُه وألْهَتْهُ الفِكْرَةُ في شيء من أمره، وأن يلتمس الخلاص لنفسه، ولم يذكر أن تحت رجليه حيات أربع، لا يدري متى يقع عليها، ولم يذكر أن الجرذين دائبان في قطع الغصنين.


ومتى انقطع وقع على التنين فلم يزل لاهيًا غافلاً مشغولاً بتلك الحلاوة حتى سقط في فم التنين فهلك، فشبهت بالبئر الدنيا المملوءة آفات وشرورًا، ومخافات وعاهات، وشبهت بالحيات الأربع الأخلاط الأربعة التي في البدن، فإنها متى هاجت أو أحدها كانت كحمة الأفاعي والسم المميت، وشبهت بالغصنين الأجل الذي لا بد من انقطاعه، وشبهت بالجرذين الأسود والأبيض الليل والنهار اللذين هما دائبان في إفناء الأجل، وشبهت بالتنين المصير الذي لا بد منه، وشبهت بالعسل هذه الحلاوة القليلة التي ينال منها الإنسان فيطعم وينظر، ويسمع ويشم، ويلمس ويتشاغل عن مآله، ويلهو عن شأنه، ويصد عن سبيل قصده ا هـ؛ أي إن الإنسان في الدنيا مشغول بلذاتها الحقيرة الفانية عن الاهتمام بمصير أمره وطلب النجاة لنفسه في تلك الحياة ليظفر بنعيمها العظيم الباقي.

وعلى الجملة فلضرب الأمثال أحسن موقع في الخطابة قال ابن المقفع: إذا جعل الكلام مثلاً كان أوضح للمنطق، وآنق للسمع، وأوسع لشعوب الحديث، وقال إبراهيم النظام وقد خص بقوله: الأمثال السائرة في المثل أربع لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة؛ كقولهم "الصيف ضيعت اللبن" لمن يقصر في طلب الشيء في أوانه، ثم جاء يطلبه في غير أوانه.

والأدلة العرضية ما تؤخذ من مصادر خارجة عن الموضوع يحتج بها الخطيب لإثبات قضيته، وتأييد رأيه، وتلك المصادر نوعان: إلهية وبشرية؛ فالإلهية ما كانت عن وحي كالكتب المنزلة، والبشرية سنن الأنبياء والرسل وأقوال مشاهير الأئمة، وحكم الفلاسفة، ومألوف عادات الأمم؛ كقوله تعالى في إثبات فضل العلم ترغيبًا فيه: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [2]، فشهادته تعالى بتوحيده هي إعلامه على لسان رسله أو بيانه بنصب الأدلة القاطعة لذلك في الآفاق، وفي نفوس البشر وشهادة الملائكة وأولي العلم بالتوحيد هي إقرارهم به، خص تعالى أولي العلم بالذكر من بين الآدميين تنبيهًا على أنهم هم المعتبرون، وشهادتهم هي الموثوق بها، أما غيرهم فهمل لا اعتداد به، ولا وزن لشهادته، وكفى بذلك شاهدًا بفضل العلم وأهله، وهذا أحد الوجوه التي تشير إلى فضل العلم والعلماء مما تضمنه هذا التنزيل الحكيم.

وثانيها: اقتران شهادتهم بشهادته تعالى، فإن من المقطوع به أن شهادته تعالى كافية: ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 79]، لأنها من عليم خبير بدقائق خلقه وأسرار كونه، فقرنه تعالى شهادة العلماء بشهادته إعلام منه تعالى بأنها حق ناشئة عن علم وخبرة، وكفى بذلك فضلاً للعمل والعلماء؛ وكقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين))؛ متفق عليه، أي يجعله فقيهًا في الدين، والمراد العلم المستلزم للعمل، وفي حديث أبي الدرداء: ((إن العلماء ورثة الأنبياء))؛ أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم، ومعلوم أنه لا رتبة فوق النبوة، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة العالية، وقال البيهقي: سمعت سعيد بن داود يقول:
سألت ابن المبارك: من الناس؟ فقال العلماء، قلت: فمن الملوك؟ قال: الزهاد، قلت: فمن السفلة؟ قال: الذين يعيشون بدينهم. والسفلة بكسر السين وسكون الفاء، ولم يجعل غير العالم من الناس؛ لما روي عن ابن مسعود: الناس رجلان: عالم ومتعلم، ولا خير فيما سواهما؛ لأن الخاصية التي بها يتميز الإنسان عن غيره هي العلم، فإذا فقدت فقد منه شرف الإنسان، والتحق بالبهائم، إذ لم يبق معه إلا القدر المشترك بينه وبين سائر الدواب، وهو الحيوانية المحضة؛ لأن نطقه حينئذ كلا نطق، فلم يبق فيه فضل على العجماوات؛ بل قد يكون شرًّا منها؛ كالجهال الذين استهوتهم الزخارف فارتكبوا المنكرات، وخالطوا الشهوات فسلبت عقولهم، وأفسدت حالهم، وقد ضرب الله لهم في كتابه مثلاً بقوله: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [3]، وكانوا شر البهائم لإبطالهم ما ميزوا به وفضلوا لأجله.

وكقول المسعودي مرغبًا في حب الوطن والمحافظة عليه، فأورد كثيرًا من الأدلة للوصول إلى غرضه: إن من علامة الرشد أن تكون النفس إلى ولدها مشتاقة، وإلى مسقط الرأس تواقة، وقد ذكر أن من علامة وفاء المرء ودوام عهده حنينه إلى إخوانه، وشوقه إلى أوطانه، وبكاءه على ما مضى من زمانه، قال ابن الزبير: ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم، وقال بعض حكماء العرب: عمر الله البلدان بحب الأوطان، وقال بعض حكماء الهند: حرمة بلدتك عليك مثل حرمة والديك، لأنَّ غذاءَك منهما وغذاءهما منها، وقال بقراط: يداوى كل عليل بعقاقير أرضه؛ لأن الطبيعة تتضلَّعُ بِهوائِها وتنزع إلى غذائها، وقال أفلاطون: غذاء الطبيعة من أنفع أدويتها.

 


[1] الكوارة والكوار: بيت يتخذ للنحل من قضبان ضيق المدخل تعسل فيه.

[2] سورة آل عمران الآية: 18.

[3] سورة الأنفال الآية 22.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مميزات الخطيب الناجح (1/2)
  • خير يوم طلعت عليه الشمس
  • ما ينبغي لخطيب الجمعة

مختارات من الشبكة

  • روسيا: اقتحام المسجد واعتقال المصلين أثناء صلاة الجمعة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • روسيا: الشرطة تعتقل المصلين أثناء صلاة الجمعة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • روسيا: القبض على جميع المصلين في صلاة الجمعة بموسكو(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التشيك: الأمن يداهم مسجدا أثناء خطبة الجمعة ويعتقل المصلين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • البوسنة والهرسك: هجوم على المصلين في صلاة الجمعة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أدلة الأحكام (4) (استصحاب العدم الأصلي عند عدم الدليل الشرعي)(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • أدلة شرعية الأحكام وأدلة وقوعها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • خصائص الجمعة وحديث "ما من دابة إلا وهي مصيخة تنتظر النفخ في الصور يوم الجمعة"(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حكم الجمع بين الجمعة والعصر جمع تقديم(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- مقاطعة الدنمارك
SHARAFABASS - السودان بورسودان 01-04-2008 02:00 PM
السلام عليكم ورحمة اللة وبركاتة


نحن فى السودان او فى بورسودان عملنا حملة كتابة على السيارات مكتوب علية

فى زجاج الخلفى لكل سيارة كلنا فدك يا رسول اللة ولو كره الدانماركين
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب