• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: محدثات نهاية العام وبدايته
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    المغنم بصيام عاشوراء والمحرم (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    خطبة المسكرات والمفترات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تفسير: (وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحريم الخوف دون الطبيعي من غير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة: الهجرة النبوية دروس وعبر
    مطيع الظفاري
  •  
    الصدقات تطفئ غضب الرب
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    السلام النفسي في فريضة الحج
    د. أحمد أبو اليزيد
  •  
    الذكر بالعمل الصالح (خطبة)
    الشيخ الحسين أشقرا
  •  
    الدرس السابع والعشرون: حقوق الزوجة على زوجها
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الخيانة المذمومة (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    الإسلام كرَّم الإنسان ودعا إلى المساواة بين الناس
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    أدلة الأحكام من القرآن
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    قبسات من الإعجاز البياني للقرآن (2)
    قاسم عاشور
  •  
    التقوى
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    نار الآخرة (10) سجر النار وتسعيرها
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

صور واقعية من حياتنا الاجتماعية

همام محمد الجرف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/4/2010 ميلادي - 11/5/1431 هجري

الزيارات: 18440

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صور واقعية من حياتنا الاجتماعية

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾

مقامات بقلم راجي رحمة ربه وغفرانه


أبناؤنا أمانة:

لقد تعدَّدت الحكَم والأمثال، التي تصِف الإنسانَ في كل حال، ولقد جاءت الآيات البيِّنات فيها مقصد ومنال، فقد خَلَق اللهُ الإنسانَ وجعل له بنين وبنات، وجعل في هذه الحياة كثيرًا مِن العِبَر والعِظات، فالإنسان بطَبْعه يُحب التآلُف والتعارُف، ويَكره التباغُض والتخالُف، فإما أن يكون ذاك الخِلُّ سببًا في السعادة والهناء، أو سببًا في التعاسة والشَّقاء، فكما يُقال: الصاحِب ساحب، فكيفما كان فإنَّه يؤثر على صاحبه ذلك الصاحب، إنْ كان خيِّرًا فخيره على الصاحب يعمّ، وإنْ كان سيِّئًا فشرُّه على الصاحب كالسُّمّ، فكم مِنْ صاحبٍ أصبح أخا! وكم مِن صاحبٍ قد نصب لصاحبه فخّا!

 

فعن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقيٌّ))[1].

 

وليست الحياة كما كانت فقد كثُرَت فيها المصالح، بما فيها مِن شرٍّ ومن طالح، فمنهم مَن يَبني الصداقة على المصلحة، ومنهم مَن يبني الصداقة على الأُخوة الصالحة، وهذه العلاقة على المجتمع تنعكس، فإنْ كانتْ على التآخِي مبنيَّة، كان المجتمعُ في سعادةٍ وهذه هي الأُمنيَّة، وإنْ كانت قائمةً على الكذب والخداع، لأصبح المجتمع يُعاني مِن التعَب والصداع، ولذلك كان على الأهل أنْ يبدؤوا منذ الصغر، بالتربية والتوعية فهي كالنقش على الحجر، فاختيار الصُّحْبة للأبناء في المدْرسة، ضمانٌ مِن الضياع والوسْوسة، فكلُّ طفل قد ينقُل إلى أقرانه ما يجري في البيت مِن عادات، وقد تكُون سيئة أو فيها كثيرٌ منَ الزلَّات، فالحذرَ مِن ذلك الحذر، فهو بذلك شرٌّ مستطر.

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الرجُل على دِين خليله، فلينظر أحدُكم مَن يُخالل))[2].

 

وعلى المعلِّم في المدرسة، مُهمَّة جليلة ومُقدَّسة، ليس فيها العِلم "مجرَّد"، إنما معه تربيةٌ وبناءُ جيلٍ صالح فيه القيَم مغروسة فالعِلم بالتربية مُقيَّد، وفيما مضى كان يُقال عن عالِمٍ: ما أدبه فلان! فالعِلم والتربية يرتبطان، ففي البيت لا تدَعوا التربية للخادمة الأجنبية، فأين أنتِ أيتها الأمُّ مِن هذه المسؤولية؟! وأين أنتَ أيها الوالد مِن المسألة والقضية؟! ليست الحياةُ مجرَّد جمْع مالٍ ورحلات وتسلية، إنما هي واجبات وتضْحية، فالأب للأسرة عِماد، والأمُّ يقع على كاهلها حُسن إدارة المنزل بالحب والوداد، فعلى كلٍّ يقع الدَّور ليس على أحدهما فقط، فإنْ تُرِك فعِقْد الأسرةِ قد انفرط، وانحرف مَن انحرف، أو إلى المهالك قد انْجَرَف، وأصبح الصغيرُ والكبير مِن لدُن نفِسه يتصرف.

 

عن عبد الله بن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا كُلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّته؛ فالأمير الذي على الناس راعٍ عليهم، وهو مسؤول عنهم، والرجُل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعْلِها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيِّده، وهو مسؤول عنه؛ فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))[3].

 

ففي المدرسة صُنوفٌ مِن الناس تختلف عن بعضها في التربية، وفي تنشئة الطفل والتوعية، فمنهم مَن يدَع العِنان للطفل أو الشاب، دون توجيه أو استيعاب، وهنا تكمُن المشكلة والبليَّة، فترى الأطفال يأتون بكلمات نابية، وألفاظٍ في البيت لا تُلفَظ، مِن فُحش القَوْل والفِعْل الفَظِّ، فمِن أين هي إذًا؟ إنما هي مكتَسَبة مِن المجتمع، الذي فيه يدْرسون ودور المدرسة في كل هذا يقع، فعلى القيَم يجب أن يُحَافظ مِن المُرَبِّي أو المُرَبِّيَة، بالحكمة والأساليب الواعية، فالفساد ما أبشع أن ينتشر! والبلاء ما أفظع أن يَعُم! والكل لا يريد ذلك، فلات ساعة مندم، فطالب مشاغبٌ ينشر سُوء تربيته في الصف، وكثير مَن يكتسب هذا الوصْف، أو بنت سيئة المنبت، تجعل هذا الخُلُق السَّيِّئ بين البنات ينْبُت، وخصوصًا أن الرذيلة انتشرت الآن، مع تطوُّر التقنية، وتصبح بين الأيدي في ثوان، فعلى الأهل ألَّا يَدَعُوا الحبْل على الغارب، ولو نبت لذلك الطفل شارب، ولا يُدرك الأهلُ هذه المخاطر، إلا عندما تكون الكارثة قد وقعتْ وهي كالعُضال في الجسَد سائر، وهذا بسبب أن الأهل تركوا مُهمة التربية للخدَم، أو أهملوا كثيرًا مِمَّا الله قد حرَّم، فيا رب سلِّم، فأنتَ بالحال أعلَم.

 

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].

فترى بعضَ الشباب، يَلبسون أَغرَبَ الثِّياب، بدعوى مُواكبة العصر، وهذا أدهى وأمرّ، فالتقليدُ في هذه المسائل أعمَى، فتنتشر بين الشباب بشكل عجيب، يُثير القلق والريب، بتقليد أحد الفُسَّاق الأجانب، الذي يدعو إلى الانحلال وما يجر هذا التقليد إلا الخيبة في الحياة مِن كلِّ جانب.

 

فهذه الثياب المُمزَّقة، وما عليها مِن صورٍ مخيفة ومُقلقة، لأحد المشاهير، في الشرق أو الغرب وهو في مجتمِعه مغمور وحقير.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتتبعن سُنة مَن كان قبلكم، باعًا بباع، وذراعًا بذراع، وشبرًا بشبر، حتى لو دخلوا في جحر ضبٍّ لدَخَلْتم فيه))، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَن إذًا؟!))[4].

 

والاهتمام بهذه التُّرَّهات منتشر بين أهْل اللهو والمجُون، وهذا ضرْب مِن ضروب الجنُون، فالمُغَنِّي فلان ابتكَر قَصةً لِشَعْره، واتخذ أبذأ الألفاظ لغنائه وشِعره، فهي رائجة بين الشباب وأصبحَت بينهم شيئًا "مسلَّم"، وتأبى البهائمُ قصها فكيف بمَن اللهُ قد كرَّم؟!

 

قال الله تعالى:﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

 

أمَّا ثياب البنات فكانت محتشمة، وأصبحتْ قدوتهن الفنانة فلانة، التي ارتدت الحجاب فقد أصبحَت ملتزمة، فيا للأسف لقد صمَّمَ لها الأجانب حجابها وثيابها! لِتُصْبح قدوة هدَّامة تفتح للشرِّ أبوابها، فأيُّ حجاب حجابها؟! لا لغةً إطلاقُ اللفظ على هذه الرقعة حجابًا ينفع، ولا شرعًا هذا التزام فقد ضرَّ أكثر مِمَّا نفع - طبعًا الله يقبل التوبة، ولكن نتكلم على مَن لم تختلف حياتُه مع ادعائه التوبة - أفَمثلُ هؤلاء أصبحوا لأبنائنا قدوة؟! ألهذا الحدِّ العقولُ مشوَّهة تريد التمرُّد بالقوة؟!

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المرء مع مَن أَحَبَّ))[5].

فانظر أخي كيف يكون المآل، إمَّا مع النبي والصحب والآل، أو مع أهل الفجور والانحلال، وأنتِ يا أختي إما مع أمَّهات المؤمنين والصحابيات، أو مع الفاسقات المغنيات.

قال الله تعالى: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10].

 

فليتخيَّر كلُّ شخص مَن يكُون له في الحياة خلاًّ، فيكون بصحبته سعيدًا، أو يكُون له شقاء وذلًّا، فصحبة التقيِّ هناء، وصحبة الشقيِّ شقاء.

♦♦♦♦♦

 

الشباب والشيشة:

وفي هذه المرَّة بليَّة مِن البلايا، انتشرتْ في مجتمعاتنا بين الكبار والصغار وخصوصًا في صفوف الشباب والصبايا - الفتيات - وتراها منتشرة بشكل مريب، وأيضًا غريب، الهمُّ الأول لدى أهل المال، هو أن تمشي أمورهم على أتَمِّ حال، فترى مطْعمًا مِن المطاعم أو مقهًى من المقاهي تجعل فيه هذه البليَّة، والتي تعددتْ أسماؤُها ما بين شيشة أو نرْجيلة، أو أركيلة، وإنْ تعدَّدت التسمية، فالحكْم عليها واحد؛ فقد تبيَّن بلاؤها، لقد كان الناس في بلاء وهو التدخين، فوَجَد الحلَّ أصحابُ الشياطين، ألا وهو الشيشة خداعًا ومكْرًا، وإنْ تغيرت الرائحةُ وهي أشد مِن التبْغ سكْرًا، الشكل الجميل واللون الزاهي والصناعة الفاخرة، بأيدي شياطين الإنس الماهرة، فألوان عديدة، وروائح مبتكرة وجديدة، ونكهات تبدو للشارب مُفيدة، فقد أضيف لها العسل، أو الفيتامينات وسُميت "معسّل"، وأصناف الفواكه المختلفة، فما رأيكم بهذه المعرفة؟!

 

أصبح الشاب قلبُه بها معلَّق، ولا تحلو الجلْسة إلا بوُجُودها وبدونها تُعلَّق، إنْ كان في لهوٍ فهي صديقته، وإن كان في شغلٍ فهي رفيقته، فيا للأسف إنْ كان هذا هو الحال! وإنْ كانت بهذه البلايا يؤول المآل، حتى إنهم صنعوا أركيلة بورتابل - أي: محمولة، على غرار الهاتف النقال، أو الحاسب المحمول - أينما يَتنَقل فهي معه في الوادي والسهل والجبل، ومن أنواعها فلتعلم، ما يَعجز الفقيرُ عن شرائه فزجاجها بالفضة أو بالذهَب مطعَّم، وهو يَشتهي اقتناءها ويقول: لعن الله الفقر، فانظر كيف تغيرتْ أولويات الإنسان، وعلى شقائه أصبح يتحسَّر؟! ويسعى بنفسه إلى الفناء والخسران، واللهُ المستعان، وتراها في البيوت منتشرة، وكأنها تُحفة فنيَّة، أو سمة للحياة العصرية، الأب والأم والشاب والفتاة كلٌّ له الشكْل المفضَّل، والتبغ المُعسّل، ليس في الخفاء طبعًا كما كان الحال عند التدخين سرًّا، وإنما بالمعصية جهرًا، وكأن الإنسان في أذيَّة صِحَّتِه حُرّ، ولا يقبل نصيحة ولا يريد توعية في هذا الأمْر، وتراها منتشرة في المقاهي بشكل فاق الوصْف.

 

وما أَستَغرِبه أنَّ في الدول الأوربية، مُنعت أصناف التبغ والشيشة في المطاعم والمقاهي والملاهي الليليَّة، بينما في بلادنا العربية، فأصبحَت مِن الأصالة والتراث تقدَّم في المقاهي الشعبية، مع الأكلات المتنوعة الشامية والمصريَّة والخليجيَّة، ومن الطَّوَامِّ، انتشارُها في صفوف المثقفين قبل العوامِّ، فترى الطبيب في نزهاته يستخدمها، وترى الأديب لا يكتب إلا وهذا الشيء في فيه ويستحسنها، وترى الدخان يخرج مِن أفواههم كمدخنة السيارة، التي تؤذي صحة الجالسين والمارة، وما يزيد الاستغراب والعجب أن تكون في مرمى الفتيات، وكأن الحياء قد أعلن عن جنازته وقد مات، فلا تحلو السِيَر عن أهل الفن كالمغنين والمغنيات، الفاسقين والفاسقات، الأحياء منهم والأموات، إلا بصحبتها، وقد أعلنوا تكرارًا ومرارًا محبَّتَها، وأعراض الناس معها تُنتهك، وجلسات الغيبة والنميمة لقُلُوبهم تتملك، والجمرة متوقدة، ومن أجود الأنواع الأخشابُ حمراء متَّقدة، فيا ليت منظر هذه الجمرة يذكِّرنا بجمراتٍ لسنا نُطيق النظر إليها في يوم الحساب، والوقوف بين يدي ربِّ الأرباب.

 

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6] ﴾.

 

فيا رب سلِّم، فأنت بالحال أَعلَم، ولِمَ كل هذا الإعجاب، بهذه المعصية ما يدعو إلى الارتياب؟

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتتبعن سُنة مَن كان قبلكم، باعًا بباع، وذراعًا بذراع، وشبرًا بشبر، حتى لو دخلوا في جحر ضبٍّ لدخلتم فيه))، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَن إذًا؟!))[6].

 

الكلُّ تحدَّث عن التبغ ومضارِّه وعن الشيشة وبلاياها، وبذلك الجميع تبلَّغ فلمَ الإصرار على استخدامها، وقد تبينت مضارُّها؟!

قال الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].

 

فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار[7].

♦♦♦♦♦

 

النساء والدَّجَل:

كنتُ أسمع في ما مضى أن بعضَ النساء، وطبعًا مِن واقع الحياة وليس هذا بمثابة ادعاء، إذا أَردْنَ حلًّا لمشاكلهنَّ يذهبْن إلى بعض الدَّجَّالات أو الدَّجَّالين بمشورة الدَّاية في الحارة، وهي لا تتقاضى أجرًا على هذه الاستشارة - الداية مصطلح يُطلق على المرأة التي تقُوم بتوليد النساء قديمًا وكان لها دور اجتماعي كبير في الحارة - ومع قلَّة الوعْي والدِّراية، تنخدع النسوة بكلام هذه الدَّاية، فتصدِّق ما تقول، وعلى مختصر مِن القول، فإنَّ الداية تعرف الرَّجُلَ الصالح والمبروك الشيخ (أبو معروف) - الدَّجَّال - فهو مختصٌّ بحلِّ المشاكل وهو بالصِّدق معروف، فإذا اشتكت المرأة مِن سيطرة حماتها فلدى (أبو معروف) حجاب - طلاسم يتم كتابتها مِن قِبَل الدَّجَّال يدَّعي بها حل المشاكل - لكي تصبح به الحماة وديعة، كالطفلة الرضيعة، وإذا أحسَّت مِن زوجها نشوزا، كتبت له حجابًا يصبح من بعده محروزا، وإذا غارت مِن سِلْفَتِها - زوجة أخ الزوج - كتبت لها حجابًا لتجعل زوجها لا يُطيقها، وإذا ظنَّت بالزوج أنه يحيك مؤامرة، ويريد أن يعدد - أي: يتزوج امرأة أخرى - فتكتب له حجابًا لكي لا تثور له ثائرة، وتفشل المؤامرة، وإذا كان الزوج متزوِّجًا أصلا، فتكتب إحداهنَّ للأخرى حجابا، لتنفِّر زوجَها منها فيطلقها، ويبقى لها لوحدها، وإلا فماتت بحسرتها.

 

طبعًا كلام يثير السخرية والارتياب، بل ولهذه الحماقة ما يثير الاستغراب! أي إنسانٍ بيده كل هذه الْمَلكات؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله على هذه الترَّهات، إنما هي أوهام يلبسها الشيطان على ابن آدم، فلا يأتي له إلا بالندَم، وبذلك يا ابن آدم فلتعلم، إنما المقادير، هي بيد الله عز وجل، وهو على كل شيء قدير.

 

قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2].

 

هذه الصورة هي مِن سنوات خَلَتْ فما هي الصورة الآن؟ ليست الصورة على أحسن حال عن أيام زمان، فالعِلمُ تقدَّم، والإنسانُ قد تعلَّم، ولكن ما ينفع ذلك مع القلوب الخاوية مِن الإيمان، فمع عصر الفضائيات أصبح لفنون الدَّجَل مختصُّون، وعلى الشهادات العليا من الجامعات الغربية حائزون، وأصبح لهم مواقع إلكترونية، وقنوات فضائية، وفي مجالس النساء سيرتُهم لا تنقطع، وأن الدجال الفلاني سِرُّهُ باتع - كلمة يقولها الإخوة المصريون لا أعرف معناها - وترى الاتصالات تنهال على هذا الدَّجَّال مِن كل حدب وصوب، وهو مع تلبيس الشيطان يخترق مضغة القلب، فقد يَبعث بالحجاب عبر الإيميل - البريد الإلكتروني - أو كالرسائل القصيرة عبر الموبايل - الهاتف النقال - وإليكم هذه القصَّةَ الطريفة التي حدثتْ مرَّة، وقد تحدُث ألف مرَّة، ما دامت الأفهامُ في العقول غير مستقرة:

فقد بَعثَت إحدى النسوة، لهذا الدجال تشكو حالها وما في حياتها مِن قسْوة، وقد غاب عنها أنَّ الشكوى لغير الله مذلَّة، ولا تجلب إلا التعاسة والذِّلة، فقد كانت لدى زوجها الحسناءَ المدلَّلة، ولكن دارت الأيام وتغيرت المسألة، وتحوَّلت حياتها إلى كوابيس، بعدما كانت كأنها أحلام وهي الآن في حال تعيس، المشكلة الكارثية أنها ظنَّتْ أن زوجها سوف يتزوج أخرى، فعلًا يا لها مِن كارثة فيا بشرى!

 

فأشارت إحدى شيطانات الإنس أن تعيدَ أيام زمان، فما حكمت النساء الرجال إلَّا بحجابات (أبو معروف)، الدَّجَّال سابق الذكْر المعروف، فلماذا لا تتَّصل بأحد الدجالين على القنوات الفظائعية، وتتطلب العون مِن هذا الشيخ؟ - الدجال، وعذرًا فلا أحب تسمية شيخ، ولكن هذا ما يحصل للأسف - وفعلًا ودون ترَدُّد أَخذَت مِن تلك الخبيثة اسم المحطة والترَدُّد وأمسكت الجوال، وبدأت محاولة الاتِّصال، مرة تلو مرة، وهي تدعو ربَّها أن يردَّ عليها ذلك المخبول، وردَّ أخيرًا الكونترول - غرفة التحكم في المحطَّة - والعداد شغَّال، يأخذون البيانات والاستبيانات وأخيرًا نالت البركة وتكلمَت مع الدجال، والقصد بذلك التكسُّب المادِّي وتخريب العقول وهذا هو المنال، ثم بدأتْ بإلقاء التحية الشرعية في حضرة الشيخ كي يفتح الجنُّ له الأبواب، فهم يحسبون له ألف حساب! ثم قصَّت له مشكلتها المستعصية، وهي تريد منه الحل والتوصية، فعليه تُعَوِّل، ولهذه الأمور تفصِّل وتعلِّل، وأخيرًا طلب منها الطلب، الذي سيكون لها فيه العجب! لقَّنَها بعض الطلاسم، ففيها الحل الحاسم، أن تحضر له صرصورًا يتيم الأبوين، وديكًا له منقاران، وصوص يطير بلا جناحين، وعدّد بلا حرج، شيء للهرج والمرج، وهو بذلك كأنه مهرِّج، ثمَّ تقوم بسلقهم، وإعداد المرق بمزجهم، ولزوجها تقدم الطعْم، وعليه تقرأ الطَلْسم، والزوج بذلك سيرزق حُبَّها، فيكره نساء العالم وحتى والدته فلا يفارق زوجته ويبقى قربها، لقد انخدعتْ هذه المسكينة وفرحت فرحًا ليس له مثيل، فقد وصلَت إلى نهاية الدرب الطويل، وفعلًا قامتْ بالخطوات على أتَمِّ وجه، وقدمت لزوجها الطعام مع ابتسامة على الوجه، وهي تدعو ربها بأن ييسر الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله على هذا الأمر.

 

ولكن على ما يبدو أن الصرصور الذي جلبت، لَم يكنْ يتيمًا، أو أن الدجال كان مدَّعيًا وبما كان يقول لا يعلم، فلم ينجح الطلسم، ولنفسها الويل قد جلبَت.

 

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69]، وبدلًا مِن أن تبقَى في بيتها، جاءتها من المحكمة ورقة الطلاق إلى بيت أهلها، وفي نهاية الأسبوع مَن كان سابقًا زوجها، سعيد الآن لمفارقتها، والآن في إجازة شهر العسل، يتنعم بما أحل الله دون كلل أو ملل.

 

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا مَن تَطَيَّر أو تُطُيِّرَ له، أو تكهَّن أو تكهِّن له، أو سَحر أو سُحر له، ومَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))[8].

 

وعن صفية بنت أبي عبيد، عن بعض أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: ((مَن أتى عَرَّافًا فسأله عن شيء فصدَّقه، لَم تُقبل له صلاة أربعين يومًا))[9].

 

فالتقوى يا أخواتي في هذه المسائل، فما بين الإنسان وربه مِن حائل، فإنْ كنتم في ضيق، فمع الله النجاة وإليه الملتجأ، ولماذا العودة إلى الجاهلية والحقُّ بيِّن؟! والله هو المعين، وليس سوى الدعاء يردُّ القدَر، ولو ادعى الدجَّالون معرفة المقَدَّر.

 

فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يردُّ القدَرَ إلا الدُّعاء، ولا يزيد في العمر إلا البِرُّ))[10].

 

فالاستعانة بالله هي دواء لكل داء، والحل لكل المشاكل على السواء، ولو ملك هذا الدجال أمره، أو كان الجنُّ تحت سيطرته، لعرف الجن خبر النبي سليمان عليه السلام بموته.

 

قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ: 14].

♦♦♦♦♦

 

موظَّف حكومي:

منذ الصباح الباكر استيقظ موظفنا النشيط بهمة عالية، وبنفْس راضية، عفوًا عفوًا ليس هكذا تكون الصُّورة، بل تكون مغايرة ومبتورة، استيقظ موظفنا العزيز بنفس كئيبةٍ وبائسة، فقد وصلَت السفينةُ إلى اليابسة؛ أي: إنَّ موعد العمل قد حل، وهو متأخِّر عن العمل، فيلبس ثيابه على عجل، وينزل مهرولًا كي لا يتأخر، فلا تفوته الحافلة فيضطر لأن يستقل النقل العام، فهو كالموت الزؤام، أو يكون عُرضة للمحاسبة والمساءَلة، يركب الحافلة، ويلقي التحية، بوجه عابس متجهم، وكأنه ذاهب إلى جنازة أو قابَلَ في طريقه مُجرم!

 

هذه هي الصورة اليوميَّة، وعلى مدار السنوات الماضية، كل يوم على هذا الحال، ولصوت المنبِّه لا يلقي له "بال".

دخل إلى الدائرة ووقَّع على دفتر الحضور اليومي وفي نفسه يقول: متى سنرتاح من هذا العمل؟! فقد أفنيتُ عمري فيه بلا كلل أو ملل، الأخ على ما يبدو يخدع نفسه، ولماذا كل هذا التذمُّر؟! فأنت بالكاد تقوم بما أوكل إليك من عمل ولتقاعسك لا تبرِّر، وما دخل إلى غرفتك مُراجِعٌ إلا وخرج مُحَوْقلا، لا حول ولا قوة إلا بالله قائلا.

 

جلس وهو يتثاءب على كرسيه، وراء طاولته، يحدث نفسه ويقول: لو يؤخرون الدوام ساعة ونرتاح، فهل من الضروري أن نستيقظَ كل صباح، قبل أن يكون الديك قد صاح؟! ففي كل لحظة تذمُّر وتذمُّر، يشرب فنجان القهوة وينوي أن يراجع بعض المعاملات، فمنذ أيام مكدَّسة، وقد بدا مرغمًا على العمل بلا حول له ولا قوة.

 

وبدأ بعضُ المراجعين بالتوافُد على شخصه الكريم، وهو يعاملهم وكأنه شخصٌ لئيم، ويبدأ بالصياح: ألا ترون أنِّي أعمل ما بكم؟! أليس هناك غيري يحمل هذه الأعباء؟! فليس مع هذا الأخ الموظف مزاح، ألا تشعرون كم أتعبُ لأجلكم؟! وعلى حساب صحَّتي، فأنتم سبب تعاستي، هل ستنتهي الدنيا إن صبرتم قليلًا - قليلًا هذه قد تكون شهرًا أو أكثر بمفهومه الواسع - المراجعون في ضيق مِن أمرهم وهم طبعًا على حق، فلهم أيام على هذه الحال، وليس بتصوُّرهم كيف سيكون المآل، فيتساءلون في أنفسهم: ماذا لو كان كل موظف على شاكلة هذا الأستاذ العظيم، من اللطف والتفاني؟ لكانوا في سعادةٍ ونعيم!

 

عن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله يُحِبُّ إذا عمِل أحدُكم عملًا أن يتقنَه))[11].

ومن يستلم أوراقه فهو على أحسن حال، ومَن لم يستلم فعليه بالصبر والاستعانة بالله على كل حال.

لقد كان هذا الموظف مثال الموظف المتفاني في عمله، فهو يعمل طوال الوقت بجد ونشاط، وأحيانًا تضيع أنفاسه دون التقاط، عفوًا لم يكن كذلك، فبين جدال مع الموظفين، وشُرب الشاي والقهوة في الفناجين، يضيع النهار وكان الله في عون المراجع المسكين، فهو حاد لا يلين ولا يقبل هدية - هي تسمية عصرية للرشوة، وإن اختلفت التسمية فالحكم واحد - والناس لديه سواسية، ولا يفرق بين مراجع مِن وزن الريشة أو مِن الوزن الثقيل، كان كريمًا أو "بخيل"، هكذا يدعي ولكن هذا ادعاء، وستُقَام عليه الحجة والادعاء.

 

عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أما بعدُ، فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول: هذا مِن عملكم، وهذا أهدي إلي؟! أفلا قعَد في بيت أبيه وأمِّه، فينظر هل يُهدَى له أم لا؟! فوالذي نفس محمد بيده، لا يغلُّ أحدُكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، إنْ كان بعيرًا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعر، فقد بلَّغتُ))[12].

 

لقد حار المراجعون في أمر هذا الموظف، فكما يقال: مفتاحه لَم يُعرف، إن عرضوا عليه الرشوة بوضع مبلغ من المال، مع أوراق المعاملة بدأ بالصراخ وبقول: أنا لا أعيش إلا في الحلال، وعند الجد، يفتح الدرج، حتى يُلقي المراجعون فيه شيئًا من المال ويُغْلَقُ بعدها الدرج، وكأن شيئًا لم يكن على كل حال، ولم يُسْرَق المال، وإياكم والحسد، فهو يستعيذ بالله من شرِّ مَن حسد، حتى إنه مرَّة قال لمراجع فقير لم يعطه إلا مبلغًا بخسا: إما أن تعطيني كذا، أو خذ مبلغك هذا، فاغتنِ به - ساخرًا - ومع ذلك أخذه بكل دناوة نفس، فهو يعشق رائحة الفلس، فمرَّةً يطلب ثمن فطور، ومرة يطلب ثمن فنجان قهوة وهو متبسم مسرور، ومرَّة... ومرَّة... والناس أمرُهم بسببه في ضيق، ويدْعون الله بأن يحول حياته إلى ضيق، وكثيرًا ما يكون مراجعوه ممن لا يدفعون الرشوة فتراه متجهمًا في وُجُوههم، ويتكلم بغيظٍ معهم، ويدَّعِي أن أوراق المعاملة، ليست نظامية ويؤجلهم أيامًا وأيامًا بكل سوء في المعاملة، فهو لا يحب بذلك المجاملة، وعندها تراه متنقلًا حينًا بعد حين، من غرفة إلى غرفة حتى يتخلَّص من مواجهة المراجعين، حتى تتسنَّى له الفرصة لكي يخرج قبل الدوام الرسمي من الانتهاء، دون أن يشعرَ بأن هذا الفعل على المراجعين بلاء، إما أن يذهب إلى السوق، وكم هو بذلك الفعل قليل ذوق! أو إن كان له مصلحة خاصة فيقضيها، أو تجارة فيتاجر فيها، وهذا كله ولا يأكل سوى الحلال، وبذلك يربي في البيت العيال!

 

وقبل أن ينتهي وقت الدوام الرسمي يعود لكي يوقع على دفتر الدوام، وهذه حاله على الدوام، كل يوم له جدول، لا لكي ينظم العمل، وإنما لكي يعرف كيف سيتهرَّب من العمل، فوقت الصباح لشرب القهوة، وبعده بساعة يقوم بإغلاق المكتب بحجَّة العمل فهو يحب ساعة الخلوة، فإمَّا يلعب على الحاسب، ونسي أنه على كل فعلٍ سيحاسب.

 

قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 17].

ثم يبدأ بالتناوش مع المراجعين، والله يكون بعون هذا المراجع المسكين، ومن تنتهي معاملته يكون في سعادة بالغة، فقد ارتاح من وجه هذا الموظف دون مبالغة، ثم تبدأ رحلة هذا المراجع المسكين، مع موظف آخر والله له معين، وإن كانت وجهته الأخرى عند موظفة فعليه أن يصبر ويحتسب، أو يشتكي أخيرًا إلى المحتسب، فالكلام على الهاتف قد يأخذ ساعة، وهي تتحدث عن المطبخ وعن صنوف الطعام وهي لا تترك من يدها السماعة، وعن مشاكل الخادمة، وعن الأطفال وعن مشاكلها الزوجية، وكم أن حماتها قاسية، حتى تقول للمراجع: ضع المعاملة وعد في الغد، وتظنه بذلك في غاية السعد.

 

هذا حال من لا يلقون لِهَمِّ الناس بالا، فهي غاية الأنانية، أن تخون الأمانة وتخون الرعية.

وهذه في عنقك أمانة، إن كنت موظفًا في قطاع خاصٍّ أو عام، فكيف تجني إن خُنْتَ السلامة؟ وبذلك فعلى الدنيا السلام، وعلى فعلك مُحاسب ومُلام.

قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].

 

فإن كنتَ على ذلك غير قادر، فتراجع عن حملها ودع الأمور لأهلها ومكانك بسلام فلتغادر.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تخن مَن خانك))[13].

♦♦♦♦♦

 

دُكَّان الْحَارة:

لصاحب هذا الدكان شخصية من نوعها غريبة، قد تبعث في النفس الشكَّ والريبة، فهو مطَّلع على ما للبيع والشراء من أحكام، ويعتبر نفسه حجة لذلك في الحلال والحرام، ولجديد الفتاوى الاقتصادية متابع، وقد يستدرك على أهل العلم في بعض المسائل والوقائع، يُكثر بالبيع الحلِف صدَق بذلك أم كذَب، وبذلك من الخطيئة قد نال ومن الذنب قد كسب، ومن شدة ما قد يكرر الكذبة فقد يصدقها، ويبرر في نفسه هذا من اللغو وبذلك يحللها.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحلِف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب))[14].

 

وإذا انتهت لسلعةٍ ما صلاحيتُها، فلا يتلفها، وإنما يُغَيِّر تاريخها، ثم يبيعها، ولو فقدت فاعليَّتها، ويبرر لنفسه بأن الشركة المصنِّعة، تترك فترة احتياطيَّة قبل تلف هذه السلعة، وهو يبيعها بسعر رخيص فينتفع أصحاب الدخل المحدود، من هذا العرض ويؤمِّن لهم من هذه السلع إن أرادوا منها بشكل غير محدود.

 

فكم يُطفف في الميزان! إذا اشترى من الناس كالَ لنفسه، وإن باع الناس كالَ عليهم، وما يجنِي بذلك إلا الويل والخسران!

قال الله تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [المطففين: 1 - 3].

 

أحيانًا يُطلق في السوق إشاعة بأن سلعةً ما ستُفقد لكي يُرغم الناس على شرائها، كما يريد قبل غلائها، أو قد يحتكر صنفًا من صنوف الطعام؛ وذلك لكي يتلاعب بالأسعار، ويجني مزيدًا من المال باستمرار.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن احتكر طعامًا فهو خاطئ))[15].

وَمَن أراد أن يبيعه شيئًا فهو يشتري ولكن ليس كما يبيع، فهو كما يدَّعي خدوم للجميع! فتراه يظهر في هذه السلعة جلَّ العيوب، وإن لم يكن فيها أي عيوب، حتى يقنع صاحبها بأنه تكرُّمًا سيشتريها، وإلا فمكبُّ القمامة أولى بها.

 

عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله عبدًا، سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى))[16].

 

وهو يعشق ما يسمَّى بالسمسرة، وخصوصًا إن كانتْ تجارته متعسِّرة، فتراه ضليعًا ببيع الأراضي والعقارات، ومتابعًا لأخبار البورصة ولأسهمها الصاعدات والنازلات، كما أنه يفهم في أنواع السيارات، وقطَع المحركات والجرارات، ويعرف الصالح منها وغير الصالح، المهم أن يجني مِن وراء هذا الأمر شيئًا من المصالح.

 

عن قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه قال: كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نُسَمَّى السماسرة، فمَرَّ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمَّانا باسم هو أحسَن منه، فقال: ((يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف فشُوبُوه بالصَّدَقة))[17].

 

إن صدق فلا بأس، ولكن الكذب لا يجلب إلا الخيبة، وهو بخيل فلا يستغني حتى عن الفلس.

قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴾ [المعارج: 24].

فمرَّة أراد أن يخرج زكاة ماله، فطلب ممن يريد أن يَستلم الزكاة أن يجلب أوراقًا رسمية تشرح عن حاله، وإذ بشخص فقير قدَّم له الأوراق الثبوتية، فوجد أنَّ له عددًا كبيرًا مِن الأولاد فأصبح يؤنِّبه وكأنه سبب المشكلة السُّكَّانية، وبدأ يعطيه محاضرة في تنظيم الأسرة وفي الاقتصاد وفي الكد والعمل، وأن الحياة تحتاج إلى تضحية بلا كلل أو ملل، وبعد كل هذا أعطاه شيئًا من البضائع، التي تكدَّست عنده ولم تُبَع ورصيدها ضائع، وذلك بالأذى والمن، وقد أضاع من يده الأجر ويقول الفقير في نفسه: من الله العون والمن.

 

قال الله تعالى: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 263].

 


[1] تحقيق الألباني: حديث حسَن، انظر الحديث رقم 4823 سُنن أبي داود.

[2] تحقيق الألباني: حديث حسَن، انظر الحديث رقم 4833 سُنن أبي داود.

[3] تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم 2928 سُنن أبي داود.

[4] تحقيق الألباني: حديث حسَن صحيح، انظر الحديث رقم 3994 سُنن ابن ماجة.

[5] تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم 6689 في صحيح الجامع.

[6] تحقيق الألباني: حديث حسَن صحيح، انظر الحديث رقم 3994 سُنن ابن ماجه.

[7] تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم 2340 سُنن ابن ماجه.

[8] رواه البزار بإسناد جيِّد، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: حديث صحيح لغيره، انظر الحديث رقم 3041 صحيح الترغيب والترهيب.

[9] رواه مسلم، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: حديث صحيح، انظر الحديث رقم 3046 صحيح الترغيب والترهيب.

[10] تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم 1638 صحيح الترغيب والترهيب.

[11] تحقيق الألباني: حديث حسَن انظر حديث رقم: 1880 في صحيح الجامع.‌

[12] تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر حديث رقم: 1357 في صحيح الجامع.‌

[13] تحقيق الألباني: حديث حسَن صحيح، انظر الحديث رقم 3535 سُنن أبي داود.

[14] تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم 1794 صحيح الترغيب والترهيب.

[15] تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم 1781 صحيح الترغيب والترهيب.

[16] تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم 2203 سُنن ابن ماجه.

[17] تحقيق الألباني: حديث صحيح، انظر الحديث رقم 3326 سُنن أبي داود.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قنوات السحر والشعوذة (1)
  • قنوات السحر والشعوذة (2)
  • شبابنا.. إلى أين؟
  • إلى شبابنا: حديث من القلب
  • تذكير الإخوان بأضرار الشيشة والدخان
  • من صور التطفيف
  • التمكين في الخدمة الاجتماعية
  • الروابط والصلات الاجتماعية
  • إدارة الصراعات في حياتنا اليومية

مختارات من الشبكة

  • صور واقعية من حياتنا الاجتماعية(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أبناء عبدالله بن عمر العدوي حياتهم وأثرهم في الحياة الاجتماعية والعلمية في المدينة المنورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العصرانية في حياتنا الإجتماعية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حياتنا ووسائل التواصل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حضور الجن في صورة الإنس والحيوانات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أبي يتدخل في حياتنا بصورة سلبية(استشارة - الاستشارات)
  • هل الرياء يعد صورة من صور النفاق(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • حديث: من صور صورة في الدنيا...(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • صورة من صور الإيمان الحق في قبسات من كتاب الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حالتي النفسية تأثرت بحياتي الاجتماعية(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
1- مقال مبدع ومؤثر
محمد - السعودية 24-04-2010 03:50 PM

بارك الله فيكم على هذا المقال المبدع والهادف والمنوع

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/12/1446هـ - الساعة: 21:8
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب